دراسات قانونية
مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير (بحث قانوني)
مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير
من إنجاز الطالب الباحث
سعيد مخلوق
ماستر المقاولة و القانون جامعة حسن الاول سطات
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
مقــــــــــــدمة:
يعد عامل كسب الوقت واحد من العناصر التي لا يستقيم النقل الجوي بدونها لأن مستعملي الطائرات يفضلون مزية السرعة التي تنفرد بها الطائرات دون غيرها من وسائل النقل الأخرى.
فقد يتأخر الناقل الجوي في القيام بالرحلة في موعدها المحدد في تذكرة السفر، وقد يكون هذا التأخير لسبب لا يد للناقل الجوي فيه، كالظروف الجوية، وفي المقابل قد يكون التأخير نابعا منه، كأن يؤخر الرحلة، أو يلغيها لأسباب تجارية مثل عدم اكتمال العدد اللازم للقيام بالرحلة، كما قد يكون التأخير راجعا لتفريط، كأن يهمل إجراء الصيانة الدورية للطائرة، فيحدث خلل قبل الإقلاع يؤدي إلى تأخر الرحلة.
والتأخير قد يترتب عليه ضرر يلحق الراكب، كتفويت صفقة تجارية، أو مباراة توظيف أو خسارة تكلفة حجوزات الفنادق في بلد الوصول، كما قد يرتب كذلك ضرر معنوي يتمثل في الحرج والضيق بسبب مكوث الراكب لساعات طويلة داخل المطار في انتظار الرحلة خصوصا إذا رافق نساء أو أطفال أو شيوخ.
وفي الظرف الذي أصبح فيه هذا الموضوع مهما و مكتسحا لحياة الأفراد ، و في نفس الوقت نجد ندرة و إن لم نقل انعدام البحوث المهتمة بهذا الموضوع ارتأينا أن لا نبخل عن زملائنا الطلبة و الباحتين هذه المعلومات التي أتاحت لنا الفرصة خوض غمار في البحث فيها و حتى تكون أرضية للبحت و التعمق فيها بالنسبة للمهتمين، و كدا إيصال هذه المعطيات الى المستهلكين من المسافرين عبر هذه الآلية لمعرفة حقوقهم في هذا المجال.
يعتبر هذا الموضوع مشكلا من أكبر المشاكل التي تمس بعقد النقل الجوي مما يتطلب معالجته وفق قواعد قانونية تنظمه و تحدد أساس تحقق المسؤولية عن التأخير و الآثار المترتبة عنه.
فما مدى مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير؟
وهذا ما سنحاول معالجته من خلال مبحثين:
المبحث الأول: أساس مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير.
المبحث الثاني :التعويض الضرر الناشئ عن التأخير
*المبحث الأول: أساس مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير
لتحقق المسؤولية وفقا للقواعد العامة لابد من توافر ثلاثة أركان تتمثل في الخطأ والضرر ثم العلاقة السببية التي تربط الركنين الأوليين.
وإذا كان النقل الجوي يتميز عن باقي وسائل النقل بميزة أساسية تتمثل في السرعة، فإن هذه الميزة تعتبر من بين الالتزامات الجوهرية في عقد النقل الجوي. لكن قد يحدث إخلال بهذا الالتزام مما يرتب مسؤولية على عاتق الناقل. هذه المسؤولية تستوجب توفر ركنين: هما الخطأ المتمثل في التأخير (مطلب أول) وضرر ناشئ عن هذا التأخير (مطلب ثان).
المطلب الأول: الخطاء(التأخير)
لابد لمساءلة الناقل الجوي أن يثبت المتضرر أن الضرر الذي لحقه يجد مصدره في التأخير. إلا أنه تثار مسألة تحديد مفهوم التأخير إذ أنه بالرجوع إلى مقتضيات التشريع الوطني[1] وكذا مقتضيات اتفاقية مونتريال[2] نجدهما لم يحددا مفهوم التأخير.
كمبدأ فإن: التأخير بمعناه العام يعني عدم احترام الميعاد بحيث لا يصل الراكب أو الأمتعة أو البضائع إلى المكان المقصود المنصوص عليه في العقد في الوقت المحدد[3].
وهذا المبدأ لا مراء فيه لأنه لا يمكن التعرف على “التأخير” باعتباره أول شرط لقيام مسؤولية الناقل الجوي، إلا إذا كانت هناك مدة محددة سلفا التنفيذ عملية النقل.
ورغم وضوح هذا المبدأ، فإن تطبيقه في مجال النقل الجوي الخاضع لاتفاقية فارسوفيا أثار صعوبات عديدة يمكن ردها إلى عاملين أساسين:
– أولهما أن مبدأ المسؤولية عن التأخير لقي معارضة شديدة من قبل الناقلين الجويين و الاتحاد الدولي لمؤمني شركات الطيران l’U.I.A.A بحجة أنه يؤدي إلى عرقلة الملاحة الجوية وتعريض سلامتها للخطر ذلك أن هذه الملاحة مرتهنة بظروف كثيرة مختلفة ليس بإمكان الناقل وتابعيه ولا في قدرتهم السيطرة عليها.
– ثانيهما: إن الاتفاقية قنعت بتقرير مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير دون أن تضع معيار يتسنى على ضوئه تحديد المقصود بالتأخير الذي سيؤدي إلى مؤاخذة الناقل الجوي[4].
وفي هذا الصدد قام البرلمان والمجلس الأوروبيين بتحديد مفهوم التأخير الذي يعطي الحق للراكب في متابعة الناقل الجوي طبقا للمادة 19 من اتفاقية فارسوفيا بعد تعديلها باتفاقية مونريال وهو التأخير غير العادي يحدد بالكيفية التالية:
إما ساعتين أو أكثر بالنسبة لرحلات 1500 كلم على الأقل.
إما ثلاث ساعات أو أكثر بالنسبة للرحلات التي تفوق 1500 كلم وتصل حتى 3500 كلم[5] ولكل الرحلات داخل الاتحاد التي تفوق 1500 كلم.
إما أربع ساعات أو أكثر بالنسبة للرحلات التي تفوق 3500 كلم
وهو نفس التحديد الذي اعتمده مشروع قانون المتعلق بقانون الطيران المدني[6]
أولا: الفرق بين التأخير و الالغاء و الحجز الزائد:
الفرق بين التأخير و الالغاء
وإذا كان التأخير يفترض فيه تنفيذ العقد ولكن ليس بتلك السرعة المعهودة؛ إذ هو إخلال بالتزام السرعة، في حين أن إلغاء الرحلة الجوية هو عدم تنفيذ العقد بأكمله. و لا مجال لتطبيق مقتضيات المادة 19 من اتفاقية فارسوفيا ولا مقتضيات المادة 192 من مرسوم الملاحة الجوية المغربية.
وهذا ما يتضح من خلال العمل القضائي المغربي حيث أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء حكم لفائدة السيد عادل التويجر عن الضرر الذي لحقه بسبب إلغاء الناقل الجوي شركة الخطوط الملكية المغربية رحلة جوية داخلية من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة ورزازات فسبب له هذا الإلغاء أضرار مادية ومعنوية، فاستندت المحكمة إلى مقتضيات المادة 477[7] من مدونة التجارة وتعويضه عن الأضرار وكذا استرجاع ثمن التذكرة ذهابا و إيابا في مجموع 8000 درهم[8] ويستشف من هذا الحكم أن المحكمة استندت إلى البند الثالث من المادة المذكورة على أساس أن الناقل لم يفي بالتزامه نقل الراكب.
و ملاحظة على هذا الحكم أن القضاء في هذه الحالة تناسى مرسوم الملاحة الجوية و بنى حكمه على القواعد العامة الواردة في مدونة التجارة.
وفي هذه الحالة نتحدث عن إلغاء الرحلة، مما يرتب عليها أضرار للركاب دون تمييز، لكن يطرح إشكال في الحالة التي يكون فيها إلغاء بعض حجوزات الركاب بسبب الحجز الزائد. هل يعتبر تأخير بمفهوم المادة 19 من الاتفاقية وكذا المادة 192 من المرسوم؟ أم أنه يعتبر بمثابة إلغاء الرحلة الجوية؟
الفرق بين التأخير و الحجز الزائد:
تضطر شركات النقل الجوي إلى اعتماد أسلوب الحجز الزائد حيث تقوم ببيع أكثر من المقاعد التي هي متوفرة بالطائرة لمواجهة الحالات التي يلغي فيها بعض الركاب الحجز في أخر لحظة أو يتخلفون عن ركوب الطائرة دون القيام بإلغاء حجوزاتهم عند العدول عن السفر، مما يؤدي إلى بقاء مقاعد شاغرة عند إقلاع الطائرة وتكبيد الناقل خسارة أرباح هذه المقاعد. لهذا يعمل الناقلون وللأسف على وضع احتياط مما يخلق مشاكل في بعض الحالات التي لم يتراجع فيها كل أو جل الركاب عن السفر، ويضطر الناقل لمنع بعض الركاب من صعود الطائرة، وهذا في اللحظة التي سكتت فيها اتفاقية فارسوفيا وكذا البروتوكولات المعدلة لها. لذا اختلفت الحلول التي يلج إليها القضاء[9].
وترى الأستاذة عائشة فضيل أن الحجز الزائد من جانب الناقل الجوي لا يعتبر تأخير في مفهوم المادة 19 من اتفاقية فارسوفيا إذ أن الناقل يعتبر في هذه الحالة قد أخل بالالتزام التعاقدي بأكمله و يبقى للمتضرر المطالبة بالتعويض وفقا للقواعد العامة للمسؤولية[10].
ولتفادي الإشكاليات التي يثيرها الحجز الزائد، تبنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لفائدة الركاب الذين يرفض الناقل الجوي نقلهم ضدا عن إرادتهم تدابير خاصة سنتطرق إليها في معرض الحديث عن التعويض في المبحث الموالي.
ولا يكفي حدوث تأخير لاعتبار الناقل الجوي مسؤولا وفقا لأحكام اتفاقية فارسوفيا والاتفاقية المعدلة لها بل يجب أن يقع هذا التأخير أثناء فترة النقل الجوي.
لكن ما المقصود بفترة النقل الجوي التي ينبغي حدوث التأخير خلالها؟
ثانيا:فترة النقل الجوي:
لقد اختلف الفقهاء في تحديد هذه الفترة ويمكن رد هذا الاختلاف إلى ثلاث نظريات أساسية:
نظرية جوديس[11]:
فسرت هذه النظرية فترة النقل الجوي تفسيرا ضيقا بحيث قصرت هذه الفترة على اللحظة التي تتهيأ فيها الطائرة للإقلاع من مطار القيام وتنتهي بهبوط الطائرة على أرض مطار الوصول.
ففترة النقل الجوي حسب هذه النظرية تقتصر على تلك الفترة التي تكون فيها الطائرة في الجو وهذا ما يجعل من العسير على الراكب أو الشاحن إقامة الدليل على وقوع تأخير أثناء تلك الفترة. خصوصا وأن معظم حالات التأخير يتحقق وقوعها قبل إقلاع الطائرة من مطار القيام.
نظرية موريس[12]:
يرى صاحب هذه النظرية أن فترة النقل الجوي التي قصدتها المادة 19 من الاتفاقية هي ذاتها فترة النقل الجوي التي حددتها المادة 18؛ ويقوم هذا الرأي على أساس مماثلة الضرر الناتج عن التأخير، والضرر الناتج عن الإخلال بالالتزام بالمحافظة على البضاعة من الضرر أو التلف. وإذا كانت هذه النظرية تصدق على نقل البضائع لأن الأضرار الناتجة عن التأخير في النقل قد تكون هي نفس الأضرار الناتجة عن الإخلال بالالتزام بالمحافظة على البضاعة فإنها لا تصدق على التأخير في نقل الركاب لأنه لا يتصور أن ينتج عن التأخير في نقل الركاب ضرر من النوع الذي نصت عليه المادة 18 من الاتفاقية.
جمهور شراح القانون الجوي:
على ضوء الانتقادات التي وجهت إلى هاتين النظرتين ذهب أغلب الفقه إلى القول بأن المادة 19 من الاتفاقية و الخاصة بالمسؤولية عن التأخير قد أحالت ضمنيا فيما يتعلق بتحديد معنى فترة النقل الجوي التي يجب حصول التأخير أثنائها إلى المادتين السابعة عشر والثامنة عشر من الاتفاقية اللتان تعرفان فترة النقل الجوي التي يسري خلالها كل من الالتزام بضمان سلامة الركاب والالتزام بضمان المحافظة على البضائع وترتيبا على ذلك يسأل الناقل الجوي وفقا لاتفاقية فرسوفيا عن التأخير في نقل الركاب، إذا حدث هذا التأخير أثناء الفترة الزمنية التي تمتد من لحظة مغادرة الراكب، تحت إمرة الناقل الجوي أو أحد تابعيه القاعة المعدة لتجميع الركاب بمطار القيام للتوجه إلى الطائرة المعدة لنقلهم حتى لحظة تخلصه من وصاية الناقل الجوي أو أحد تابعيه، بدخوله مبان مطار الوصول. كذلك يسأل الناقل الجوي وفقا للاتفاقية عن التأخير في نقل البضائع متى وقع هذا التأخير خلال الفترة التي تتواجد فيها البضاعة في حراسة الناقل[13].
المطلب الثاني: تحقق الضرر الناشئ عن التأخير
لابد لانعقاد مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير أن ينتج عنه ضرر يصيب الراكب، ولم توضح اتفاقية مونتريال نوع الضرر الذي يجب جبره وهو يشمل ما لحق المضرور من الخسارة وما فاته من كسب، والأصل في ذلك هو الرجوع إلى القانون المحلي لتطبيق القواعد المستقرة عنده في هذا الشأن.
كما سكتت الاتفاقية عن التعويض عن الضرر المعنوي الذي يلحق الراكب جراء تأخير الرحلة أو إلغائها أو تأجيلها وما ينتج عن ذلك من ضيق وحرج بسبب البقاء في المطار مدة طويلة خاصة إذا كان المسافر مريضا أو كبيرا في السن. ومن الأمثلة عن الضرر المتحقق الموجب للتعويض؛ فوات صفقة تجارية كان الراكب يعتزم عقدها، أـو ما تكبده من خسائر سياحية غير قابلة للاسترجاع، كحجوزات الفنادق وترتيب الرحلات في بلد الوصول، أو فوات إشتراك في مؤتمر أعد له بحثا.
في المقابل نجد دول الاتحاد الأوروبي قررت صراحة في لائحة قواعد تعويض الركاب من جراء التأخير أو إلغاء الرحلات التعويض عن الضرر المعنوي الذي لحقهم، وقررت لذلك مبالغ محددة تبدأ من 250 يورو.
حيث نصت على أن من بين أسباب إقرار التعويض في اللائحة؛ أن تأخير الرحلات يعد مشكلة خطيرة يسبب إزعاجا للمسافرين” وفي فقرة أخرى صاغت أسباب التعويض “بالمتاعب والمضايقات “التي يتعرض لها الركاب بسبب التأخير أو الإلغاء[14].
أما مرسوم الملاحة الجوية المغربي فقد تحدث في الفصل 192 تحدث عن الخطأ المتمثل في التأخير وضرورة وجود الضرر الناتج عن هذا التأخير، فيما اشترطت المادة 218 من المرسوم[15] أن يتم تقديم الاحتجاج داخل أجل 30 يوما من تاريخ حدوث التأخير وهذا أمر يتميز به المرسوم عن اتفاقية فارسوفيا[16]،لكن هو الاخر لم يحدد الضرر الواجب التعويض
وبالرجوع إلى مشروع قانون المنظم للطيران المدني نجده لم ينص على ضرورة وجود ضرر لترتيب المسؤولية، بل يكفي فقط وجود تأخير غير عادي عكس ما نصت عليه المادة 192 من المرسوم.
المبحث الثاني: التعويض عن الضرر الناتج عن التأخير في النقل الجوي
الأصل في التعويض هو جبر الضرر وذلك بالمثل في المثليات والقيمة في القيميات، وإن تعذر الحكم بالقيمة فيصار إلى التقدير والاجتهاد؛ ولهذا فتعويض الراكب عن الضرر الذي لحق به جراء التأخير فهو إما ضرر نتج عن تفويت مصلحة أو فرصة محققة أو محتملة أو تعويض عن الضرر المعنوي الذي لحقه من جراء الضغط و المكوت في المطار وخصوصا في الحالة التي يكون مرفوقا فيها بأطفال صغار في السن أو كان كبيرا في السن أو كانت امرأة حاملا… لهذا يتطلب في هذا التعويض أن لا يكون مبالغا فيه يمس بمصلحة الناقل أو هزيلا لا يغطي الأضرار التي عانى منها الراكب. ويختلف هدا التعويض بين اتفاقية فارسوفيا و التشريعات الوطنية( المطلب الاول ) وللمطالبة به يتطلب الامر أحترام إجراءات مسطرية (المطلب الثاني)
المطلب الأول: التعويض بين الاتفاقيات الدولية و التشريعات الوطنية
خرجت الاتفاقيات والقوانين الجوية عن المبدأ الذي يقضي بأن التعويض يكون على قدر الضرر فوضعت حدودا معينة لتعويض الراكب المتضرر حيث لا يمكن تجاوزها.
إذ أن الملاحة الجوية محفوفة بالمخاطر فيبقى التدقيق في أوقات الرحلات نسبيا تتحكم فيه عوامل خارجية سواء كانت طبيعية أو اقتصادية لدى يجب مراعاة مصالح الناقل الجوي من الخسائر التي قد يتكبدها بسبب كثرة الدعاوى عن التأخير وهو ما قد يؤثر عليه.
ولم يحدد الحد الاقصى للتعويض عن الـتأخير في إتفاقية فارسوفيا إلا أن إتفاقية لاهاي لسنة 1971 هي التي حددت سقف التعويض في 62.5 الف فرانك بوانكاريه[17]. ولكن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ الى غاية يومنا هذا بحيث لم يتحقق النصاب المتمثل في مصادقة ثلاثون دولة.
أما اتفاقية مونريال فقد حددت مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في الرحلات الدولية بما لا يتجاوز مبلغ 4150 وحدة سحب خاصة[18] لكل راكب كحد أقصى للتعويض عن التأخير وكذا في حدود 1000 وحدة حقوق سحب خاصة لكل راكب في حالة تذمر أو تلف أو هلاك أو تأخير في نقل الأمتعة وهذا بموجب المادة 22 من اتفاقية مونريال[19] في التعويض عن الضرر المادي في حين أن الاتفاقية تناست الضرر المعنوي و الحد الأدنى للتعويض وطرق تحديده وفتحت المجال الواسع للتقديرات القضائية في تحديده.
مما يفتح المجال أمام التشريعات الوطنية كأساس يعتمد عليه القاضي في تحديد التعويض عن الضرر.
وقد بادر البرلمان والمجلس الأوربيين إلى إصدار لائحة قواعد التعويض الركاب عن الضرر في حال التأخير،[20] حيث جاء في المادة 7:
التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن تأخير الرحلة أو إلغائها يعتمد على الزيادة والنقصان على مسافة الرحلة :
1-التأخير الذي تجاوز ساعتين في الرحلات التي تزيد مسافتها 1500 كلم
2-التأخير الذي تجاوز 3 ساعات إذا كانت الرحلة داخل دول المجموعة الأوربية و كانت مسافة الرحلة تزيد عن 1500كلم.
3-مدة أربع ساعات في غير الحالات المذكورة سابقا (1 و2) ومبالغ
التعويض في جميع الرحلات التي تقل عن 1500 كلم هي 250يورو
400 يورو لجميع الرحلات التي تتراوح مسافتها بين 1500 إلى 3500 كلم.
600 يورو لجميع الرحلات التي تفوق 3500 كلم ويستطيع الراكب الحصول على تكفل الناقل فورا (مرطبات و أكل والمبيت ليلة في الفندق إذا كان ذلك ضروريا ) إضافة إذا كانت المسافة المقطوعة تفوق 3500 كلم متى وصل التأخير إلى 5 ساعات على الأقل فإن للراكب الحق في استرداد تذكرة السفر وعند الاقتضاء التكفل برحلة العودة نحو نقطة القيام الأصلية إذا قرر عدم مواصلة السفر فإن تعرض الراكب لضرر ناتج مباشرة عن التأخير في نقله فإنه يستطيع إثارة
الفصل 19 من اتفاقية فارسوفيا ومونريال للحصول على التعويض.
وسيرا على نظام اللوائح التي حددها البرلمان الأوروبي نجد المحاكم الفرنسية سارت على حسن تطبيقه بمختلف درجاتها حيث أقرت المحكمة الابتدائية في باريس في قضية أحمد الذي تعرض لأضرار معنوية جراء التأخير ذهابا بست ساعات وإيابا بأربع ساعات في رحلة جوية من مرسيليا الفرنسية إلى بجاية الجزائرية، وتعذر عليه تدارك أخر رحلة لقطار “تي جي في” “T.G.V” الذي سينقله إلى باريس ما اضطره للبقاء والمبيت في مرسيليا. رافعا دعوى للمطالبة بالتعويض عن مجمل الأضرار التي تعرض لها بسبب التأخير من طرف الناقل الجوي المتمثل في شركة الخطوط الجوية الجزائرية والمحددة في مبلغ 762.37 يورو، رافضا الإقتراح الذي عرضه عليه الناقل الجوي المتمثل في قسيمات سفر وقد حكمت المحكمة استنادا إلى الفقرة 3 من المادة 7 من اللائحة الصادرة من طرف البرلمان والمجلس الأوربيين أن التعويض لا يمكن أن يتجاوز 400 يورو لأن مسافة الرحلة تتراوح ما بين 1500 إلى 3500 كلم وحكمت بملغ 300 يورو مجموع التعويض الناتج عن الأضرار المعنوية، و150 يورو كمجموع مصاريف الاحتجاج. وطعن الناقل الجوي في هذا الحكم مستندا إلى عدم وجود ما يبرر مصاريف الشكاية وأنها فقط تتمثل في مصاريف الهاتف والبريد وغيرها، فرفضت محكمة الاستئناف طلبه وقام بنقض القرار أمام الغرفة المدنية الأولى لمحكمة النقض التي هي الأخرى أيدت الحكم الابتدائي وأكدت أن الناقل اعترف بمسؤوليته في التأخير والراكب تعرض لأضرار معنوية نتيجة قضائه ليلة في مرسيليا[21].
أما محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء قضت بالتعويض بسبب التأخير في رحلة جوية دولية من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة ليون حيث تأخرت الرحلة التي كانت مقررة يوم 5/9/2011 بعشر ساعات ظل فيها المدعي يفترش أرضية المطار دون أكل أو شراب ودون تقديم أي استفسار واعتذار من طرف الناقل الجوي إضافة إلى ساعتين قضاهما الراكب في مطار الوصول للقيام بالإجراءات الأمنية والإدارية الضرورية. وأثبت هذا التأخير بشهادة مسلمة له من طرف الناقل الجوي إضافة إلى حقائبه التي تعرضت للسرقة وقد حكمت المحكمة له بالتعويض عن الضرر بمبلغ 20ألف درهم بالإضافة إلى الفوائد القانونية من تاريخ تقديم الطلب إلى تاريخ التنفيذ[22].
نفس الشيء سارت عليه هذه المحكمة في قضية طبيب تعاقد مع الناقل الجوي( الخطوط الملكية المغربية) لنقله إلى فرنسا من أجل اجتياز امتحان بجامعة مونبوليه ففوجئ بتأخر الطائرة مما ألحق به ضررا ماديا وخاصة وأنه كانت له مواعيد مع مرضاه في العيادة فراسل الشركة فكان جوابها بمثابة اعتذار لا أقل ولا أكثر علما أن الشركة مسؤولة عن الضرر الحاصل له عملا بمقتضيات المادة 479[23] من م ت المغربية فطالب باسترجاع ما دفعه بسبب التأخير في مبلغ 50ألف درهم وهذا ما قضت له به محكمة الابتدائية وأيدته محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء[24].
أما فيما يتعلق بالتعويض عن الإلغاء؛ سكتت اتفاقية مونتريال عن تحديد المقدار إذا كان العقد دوليا على خلاف لائحة قواعد التعويض على إلغاء الرحلات أو تأخيرها لدول الاتحاد الأوربي التي فصلت أحكام المسؤولية عن الإلغاء ومبالغ التعويض المقررة لذلك و لا شك أن إلغاء الرحلة اشد ضررا على المسافر من تأخيرها بحيث يستحق التعويض في الإلغاء أكثر منه في التأخير، نظرا لتفاوت الضرر الناتج عنهما، إذا ما يطبق على العقد الداخلي من حيث أحكام الإلغاء يسري أيضا على العقد الدولي لأن الأصل ما سكتت عنه اتفاقية مونتريال بشأن عقد النقل الدولي تطبق عليه القوانين الداخلية.
لكن ينبغي الإشارة إلى أن الإلغاء يتفاوت ضرره على الراكب بحسب المدة التي أبلغ فيها مسبقا بالإلغاء من قبل الناقل، وبحسب قدرة الناقل على توفير رحلة بديلة في ذلك اليوم الذي يرغب الراكب السفر فيه فكلما كانت المدة التي أبلغ فيها الراكب بالإلغاء أطول حيث تتوفر مدة كافية له خلالها ليقوم بالحجز لدى شركات بديلة وفرص التعويض في هذه الحالة تعد ضئيلة في حقه والعكس كلما قصرت المدة التي أبلغ فيها وفوجئ بالإل
غاء في يوم سفره ولم تتوفر رحلات بديلة فإن التعويض هنا يكون كبيراً.
وهذا ما نظمته لائحة قواعد التعويض عن الرحلات أو تأخيرها من دول الاتحاد الأوربي في المادة 5[25] منها؛ فقد نصت على أن الناقل يلتزم بتعويض الركاب عن إلغاء الرحلة بنفس المبالغ المنصوص عليها في حالة التأخير ويعفى الناقل من التعويض:
إذا بلغ الركاب بالإلغاء قبل موعد الرحلة بأسبوعين على الأقل.
إذا بلغ الركاب بالإلغاء قبل الموعد المقرر للرحلة بأسبوع إلى أسبوعين على أن يوفر رحلة بديلة في يوم السفر المحدد، لتمكين الركاب من السفر في موعد لا يتجاوز ساعتين عن اليوم المحدد لمغادرة رحلتهم الأصلية، ولا يزيد موعد وصول الرحلة عن أربع ساعات عن موعد الوصول المقرر لرحلتهم الأصلية.
إذا بلغ الركاب بالإلغاء في فترة تقل عن أسبوع من موعد الرحلة على أن يوفر الناقل رحلة بديلة في يوم السفر المحدد، تمكن الركاب من السفر في موعد لا يتجاوز ساعة واحدة عن الموعد المحدد لإقلاع رحلتهم الأصلية، ولا يزيد موعد
وصول الرحلة عن ساعتين عن الموعد المحدد لوصول رحلتهم الأصلية.
ونجد العمل القضائي في فرنسا تعامل مع دعوى المطالبة بالتعويض عن إلغاء الرحلة إذ قامت شركة carte blanche بإبرام عقد مع
شركة bailly voyage لغرض استئجار طائرة وتوفير تذاكر لنقل أربعة وتسعين راكبا وبعد تأكيد الرحلة ذهابا وإيابا من بوردو الى روما كانت الانطلاقة منتظرة في 19 مارس 2005 مع الثامنة صباحا والعودة في اليوم التالي على الساعة الخامسة مساءا .
لكن شركة Bailly voyage ألغت الرحلة بعد عدم التزامها بالموعد المحدد وبسبب رفض الركاب اقتراح تأجيل انطلاقة الرحلة إلى الساعة السادسة عشر ودفعت شركة bailly voyage لإعفائها من كل المسؤولية بأن غياب الطائرة في الوقت المرتقب من أجل نقل الركاب يرجع إلى اجتماع ظرفين اثنين:
الأول: يتمثل في استحالة إعداد الطائرة لتكون جاهزة لنقل الركاب حيث فرغت للتو من خدمة الشحن ليلا في حين أن الرحلة كانت مقررة في الصباح الموالي
الثاني: تمثل في تواجد ضباب كثيف على مستوى مطار “شارل دوكول” الذي كان يشكل مكان انطلاق الرحلة حيث حال هذا الضباب دون إقلاع الطائرة في الساعة المرتقبة.
لكن محكمة الاستئناف اعتبرت الظرف الأول غير واقعي وذلك تبعا لواقع التناوب المفروض على الطائرات التجارية.أما بالنسبة للظرف الثاني فقد اعتبرته واقعي حيث اعتبرت أن تواجد الضباب يجعل من إقلاع الطائرة شيئا مستحيلا والقرار المفروض من طرف قسم الملاحة الجوية بعدم السماح بأي إقلاع بعد قوة قاهرة بمعنى الفصل 1148 من القانون المدني الفرنسي.
لكن محكمة النقض اعتبرت بأن الضباب ليس قوة قاهرة وعابت على شركة bailly voyage عدم إيجادها وسيلة نقل أخرى للقيام بالرحلة في الوقت المحدد واعتبرت هذه الشركة الأخيرة ملزمة بمنح تعويضات[26].
أما بالنسبة للتشريع المغربي في المرسوم المنظم للملاحة الجوية لسنة 1962 لم يحدد معايير التعويض عن الأضرار الناتجة سواء على التأخير أو عن الإلغاء بحيث يرجع القضاء طبقا للقواعد العامة إلى طبيعة الضرر والشخص المتضرر استنادا إلى مقتضيات المادة من 192 المرسوم الملاحة الجوية الذي يقضي بأنه لا تعويض عن التأخير في حالة انعدام الضرر وما يفسر هذا من خلال العمل القضائي؛ نجد تباين التعويض من خلال دعويين رفعتا من طرف شخصين يعانيان من نفس الأضرار بحيث كانا مقيدين بأجل ثلاثة أيام لممارسة حق الشفعة وقاما بالسفر على متن رحلة جوية داخلية من الدار البيضاء إلى ورزازات،ففوجئا قبل ساعتين من الإقلاع بإلغاء الرحلة ورفضا العرض المقدم من طرق الناقل الجوي بنقلهم في رحلة جوية أخرى من الدار البيضاء إلى مراكش ثم يتكلف بحجز تذكرتين في حافلة متوجهة من مراكش إلى وارززات.
وقررا القيام بالرحلة على متن سيارة ياسر السملالي رفقة عادل التويجر واستأجرا فندق لقضاء الليلة في مراكش ليستمرا في متابعة السفر في صباح اليوم الموالي وتكبدا خسائر مادية تتمثل في مصاريف السيارة والطريق السيار والمبيت في الفندق وغيرها فرفع كل واحد منهما دعوى يطالب فيها بالتعويض واسترجاع مبلغ التذكرة في مجموع مبلغ 30ألف درهم. و حكمت المحكمة لياسر التويجر بمبلغ 10.000 درهم بما فيه قيمة التذكرة في حكم رقم 12406/09[27] في حين أن الثاني حكمت له بمبلغ 8000 درهم بما فيه ثمن التذكرة في حكم رقم 46/2010[28] في حين نجد المحكمة استندت في كلتا الحالتين إلى المادة 477 من مدونة التجارة[29] والتي تطرقت إلى التعويض عن الضرر. ومما يستشف منه أن للقاضي السلطة التقديرية في تحديد التعويض عن الضرر.
في حين أن المشرع تدارك هذا الفراغ في مشروع مدونة الطيران المدني المغربي حيث سار على النهج الذي سار عليه البرلمان الأوروبي في تحديد قواعد تعويض الركاب المتضررين بسبب تأخير الرحلات الجوية و قرر نفس القواعد التي قررها البرلمان الأوربي وهذا في المادة 230 من المشروع[30] وجاء في المادة 233 من المشروع أن التعويضات التي يتلقاها الركاب ستحدد بنص تنظيمي وبهذا إن كتبت الحياة لهذا المشروع يكون المغرب قد واكب التشريعات المعاصرة وطور من الترسانة القانونية الجوية كما أن المشروع تحدث عن الحجز الزائد وكيفية تعويض الركاب الذين يتم إلغاء حجوزاتهم حيث وجب على الناقل الجوي اللجوء إلى المتطوعين الذين يقبلون التخلي عن حجوزاتهم مقابل بعض الخدمات وفي حالة رفضهم جاز للناقل الجوي رفض ركوب المسافرين دون الحصول على موافقتهم وفي هذه الحالة يمنح الناقل الجوي فورا تعويضا لهؤلاء المسافرين وفق قواعد التعويض المحددة في المادة 230 من المشروع[31].
المطلب الثاني: المحاكم المختصة في دعاوى التأخير و إجراءات الحصول على التعويض
من الملاحظ في كثير من الدول المتقدمة التي وضعت حدودا مالية للتعويض عن التأخير وما ينتج عنه من ضرر مادي أو معنوي، كدول الاتحاد الأوربي، أن يتم تعويض الراكب عن التأخير مباشرة من خلال سلطات المطار، دون اللجوء للقضاء تيسيرا على الراكب، وتطبيقا للنصوص الواضحة في هذا الشأن. إلا إذا كان الضرر حقيقيا كتفويت فرصة أو منفعة متحققة، فهذه ينظر فيها القضاء المختص.
أولا: الاختصاص القضائي:
1- الاختصاص القضائي إذا كان العقد دوليا:
إذا تحقق التأخير من قبل الناقل الجوي، وكانت الرحلة دولية فإن الراكب مخير في رفع الدعوى في أي من المحاكم المنصوص عليها في المادة 33 من اتفاقية مونتريال وهي:
محكمة محل إقامة الناقل
محكمة المركز الرئيسي لأعمال الناقل
محكمة المكان الذي يوجد فيه مركز الأعمال أو مكان إبرام العقد
محكمة مكان نقطة المقصد (أي بلد الوصول).
يستثنى هنا ما يسما بالقضاء الخامس فيما يتعلق بدعاوي التأخير[32]
نجد قضية مركبة ومعقدة في هذا الإطار والتي تتمثل في الدعوى التي رفعها الراكب (M) بسبب تأخر الرحلة التي كان سيسافر على متنها هو وأربعة أفراد من عائلته و التي كانت ستنطلق على الساعة 7h30 صباحا من مدينة نانت الفرنسية إلى الرأس الأخضر في حين لم تنطلق إلا على الساعة 10h30 ليلا وهذه الرحلة كانت بعقد اشتراك سياحي مع وكالة أسفار سياحية (agence de BOUARD) التي هي الأخرى تعاقدت مع منظم رحلاتvacances heliades وهذا الأخير تعاقد مع الناقل الجوي SA XL airwayse françeوبعد عودة الراكب من الرحلة السياحية رفع دعوى ضد وكالة الأسفار (agence de BOUARD ملتمسا الحكم عليها بتعويضه عن التأخير قدره 3000 يورو و1000 يورو كفوائد عنه. وقامت الوكالة بإدخال منظم الرحلات كطرف في الدعوى كما قام هذا الأخير بإدخال الناقل الجوي وهذا الأخير أثار عدم الاختصاص المكاني لمحكمة “saint-Nazaire” وطلب إحالة الملف على محكمة (Aulnay sous bois)التي ينعقد لها الاختصاص المكاني، ورفضت المحكمة هذا الدفع وقضت بتعويض الراكب. واستأنف الناقل الحكم . فقضت محكمة الاستئناف بقبول الدفع بعدم الاختصاص المكاني وقضت بالفصل بين الدعوى المقامة بين السيد “M” و وكالة الأسفار ومنظم الرحلات من جهة ودعوى منضم الرحلات ضد الناقل الجوي من جهة أخرى[33].
2- عقد النقل الجوي الداخلي:
المحكمة المختصة نوعيا للنظر في دعاوى التأخير هي المحاكم التجارية باعتبار عقد النقل الجوي تجاري[34] استنادا إلى المادة 6 و7 من مدونة التجارة.
أما في الاختصاص المحلي حسب مقتضيات المادة 202 من قانون حماية المستهلك في حال نزاع بين المورد والمستهلك ورغم وجود أي شرط مخالف فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير[35].
ثانيا: أجل تقديم الاحتجاج
أجل تقديم الاحتجاج إذا كان عقد النقل دولي فإن مقتضيات المادة 31 من اتفاقية مونتريال تحدد الآجال في 21 يوم بالنسبة للبضائع و الأمتعة من يوم التسليم هذه الآجال يمكن الاحتجاج فيها تحت سقوط حق التعويض إذا جاء الاحتجاج خارجها ما لم يكن ناتجا عن احتيال الناقل الجوي[36].
أما بالنسبة للمشرع المغربي فإنه تطرق لهذا الأجل حيث نص على وجوب تقديم الاحتجاج خلال 30 يوما من تاريخ حدوث هذا التأخير،[37] في حين نجد المشروع لم يتحدث عن هذا الأجل.
ومن خلال تعامل العمل القضائي مع هذه المادة نجد أنه اعتمد هذا الأجل لإسقاط حق التعويض مثلا قضية المحامي في رحلة دولية من الدارالبيضاء إلى باريس بتاريخ 24/09/2009 حيث فقد أمتعته وتأخرت عليه وهو في مهمة مهنية لمدة ثلاثة أيام بفرنسا فاضطر إلى اقتناء ملابس وغيرها من اللوازم الضرورية لقضاء ثلاثة أيام، وبعد عودته في يوم 27/09/2009 اتصل بقسم البضائع بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء فوجد حقيبته لم ترسل إلا في يوم 27/09/2009 ولم تصل إلى ابنة المحامي بباريس إلى في اليوم الموالي للتاريخ المذكور، وفي تاريخ 03/12/2009 وجه إنذار الى شركة الخطوط الملكية المغربية عن طريق المفوض القضائي في حين أن الناقل اتصل فقط لتأكيد ما إذا كانت الأمتعة وصلت كاملة دون تسوية وضعية التعويض المستحق عن هذا الضرر فرفع دعوى مطالبا الناقل الجوي بتعويض قدره 18.000 درهم يوم 25/08/2010. فقضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بعدم اختصاصها نوعيا للبث في الملف وأحالت الملف إلى المحكمة التجارية وبثت هذه الأخيرة في بناء على مذكرة الناقل الجوي الذي أكد أن الاحتجاج لم يكن خلال 21 يوما من تاريخ التوصل بالأمتعة وقضت المحكمة بعدم قبول الطلب وإبقاء الصائر على رافعه.[38]
أما الدعوى التي رفعتها شركة “كتبية للمصران” ضد الناقل الجوي المتمثل في شركة الخطوط الملكية المغربية بسبب تأخير بضاعة تم إرسالها إلى مدينة فالنسيا بإسبانيا حيث أن البضاعة كانت قابلة للفساد إذا تعدت 48 ساعة إذ تم شحنها بتاريخ 26/07/2005 ولم تصل إلى مدريد إلا بتاريخ 27//07/2005 وبقيت فيه إلى غاية 11/08/2005 ليتم إرسالها إلى فالنسيا في هذا التاريخ الأخير ولما وصلت رفض القسم البيطري لهذه المدينة تسليمها للزبون إذ أصبحت فاسدة وغير صالحة للاستهلاك، ملتمسة التعويض عن الأضرار بما لا يقل عن 100.000 درهم ومبلغ البضاعة الهالكة ب 177.231,11درهم المؤمن عليها من طرف شركة التأمين “axa ” لتحل محل الناقل الجوي.
و أصدرت المحكمة حكما بعدم قبول طلب المدعية لأنها لم تقم بالاحتجاج في الوقت المحدد وفق للمادة 26 من اتفاقية فارسوفيا واستأنفت المدعية الحكم المذكور:
أولا: لأسباب التناقض في الموقف حيث أن الناقل الجوي ثارة يتشبث بالتعويض في حدود المبلغ المصرح به وثارة أخرى نفيه للمسؤولية.
ثانيا: لاختراقها لمقتضيات المادة 26 من اتفاقية فارسوفيا حيث أن الشروط اللازمة لتقديم الاحتجاج تتطلب أن يتم تسليم البضاعة والأمتعة دون اعتراض من جانب المرسل إليه ثم توجيه الاحتجاج بعد اكتشاف التلف بعد الاستلام وأخيرا في حالة التأخير توجيه الاحتجاج داخل أجل 24 يوما من تاريخ وضع البضاعة والأمتعة تحت تصرفه وهذه الشروط لا تتوفر في النازلة.
ثالثا: لانعدام التعليل بحيث المحكمة اكتفت في تعليلها بعدم وجود الاحتجاج في حين أن المستأنف ضدها تشبثت بنفس المبدأ ما أكد أن البضاعة وصلت إلى مقصدها و أن المرسل إليه تصرف فيها ولم يحتج. فقضت محكمة الاستئناف أن المحكمة الابتدائية لم تقضي في الجوهر بتاتا لفائدة العارضة ولا ضدها ولا لفائدة أي طرف في الدعوى وقررت إلغاء الحكم وإرجاع الملف إلى المحكمة التجارية للبت فيه من جديد.
وبثت المحكمة التجارية من جديد في الملف المحال عليها وقضت بقبول الحكم المستأنف والمحال عليها، تم استأنفت شركة التأمين axa الحكم داعية أن البضاعة وصلت والمرسل إليه لم يرفضها بل تصرف فيها وأنه لم يقم بالاحتجاج في الأجل وإنما أعاد إرسالها إلى المستأنفة عليها وإن مسؤولية الناقل تنعدم في هذه الحالة حيث إن السلطات الصحية الاسبانية هي التي رفضت وضع البضاعة رهن الاستهلاك الداخلي وقضت المحكمة على أن مبررات انعدام العلاقة السببية بين الضرر والتأخير حيث إن سند الشحن لم يتضمن الوقت المحدد لوصول البضاعة و حيث رأت المحكمة أن هذا الدفع غير سليم و حيث إن البضاعة في طبيعتها قابلة للتلف والناقلة كانت على علم بنوعية البضاعة وطبيعتها التي تستدعي نقلها على وجه السرعة، بالإضافة إلى أن المرسل إليه لم يتوصل بالبضاعة وبالتالي لا يمكن التحدث عن احتجاج هذا الأخير ما دام لم يتوصل بها إطلاقا وعليه فليس هناك اي خرق للفصل 26 من اتفاقية فارسوفيا مما يكون معه هذا الشق أيضا غير صحيح[39].
خـــــــــاتـــــــــــــــــمة:
إن التأخير الذي تتوفر فيه أركانه -من خطأ وضرر وعلاقة سببية-، يجعل مسؤولية الناقل الجوي، قائمة وكل شرط يعفيه أو يخفف مسؤوليته يقع باطل ولكن سكوت اتفاقية مونتريال عن تحديد الضرر الذي يعوض عليه، وهل يشمل الضرر المادي والضرر المعنوي؟ يرجع في تطبيق ذلك إلى الأنظمة المحلية لكل بلد على حدة، كما يتضح من خلال ما سبق أن التزام الناقل الجوي بالإقلاع في الموعد المحدد هو التزام ببدل العناية حيث أنه في حالة التأخر الخفيف والعادي لا يترتب عليه المسؤولية وأن التعويض في هذه الحالة نسبي يخضع للسلطة التقديرية للقاضي حسب الضرر وشخص المتضرر. واللائحة التي اعتمدها البرلمان الأوربي أصبحت تنقص من حدة هذه السلطة حيث وضعت معايير من خلالها يتم تحديد التعويض عن الأضرار المعنوية، وهذا النهج الذي سار عليه المشرع المغربي في مشروع مدونة الطيران.
في انتظار أن يحدو المشرع الدولي حدو التشريعات المحلية و يتدارك هذا النقص، و به يوحد القواعد التي تنظم هدا المجال.
والتعويض يجب أن يكون مناسبا لا يمس لا بمصلحة الناقل الجوي فيكبده خسائر كما لا يكون هزيلا لا يغطي الأضرار التي تعرض لها الراكب.
(محاماه نت)