دراسات قانونية
الطفل الجانح وحماية حقه في التنقل وفقاً للسياسات الجنائية (بحث قانوني)
حماية حق الطفل الجانح في حرية التنقل في ضوء السياسة الجنائية الجزائرية المعاصرة
Protection the right of the delinquent child to the freedom of movement within the Algerian contemporary criminal policy
الدكتورة جوهر قوادري صامت، كلية الحقوق والعلوم السياسية الشلف/ الجزائر
Summary:
At the first place every Algerian citizen enjoys his political and civil rights in accordance with the country basic law without any restrictions.
One of the most significant rights is the human right to freedom of movement namely each citizen is allowed to enter and leave the national territory without hindrance unless the law provided that.This is the general rule ensured by the Algerian successive constitutions including the article 55 of the 2016 constitutional amendment .However this right might get restricted as necessary and according to certain conditions . For instance if there are sufficient evidences to bring charges against the person requiring the restriction to his freedom of movement by decision of the judicial authority, then the delinquent child is the most one who is in need to have the protection in this exceptional case. That prompts us to ask regarding the policy of the Algerian lawmaker in dealing with him and to which extend the Algerian legislator ensures the delinquent child right to the freedom of movement through the criminal process within the Algerian laws of penal code and protection of child.
الملخص:
الأصل أن كل مواطن جزائري يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية وفقا لما ينص عليه القانون الأساسي في الدولة، دون أية قيود، ومن أهم هذه الحقوق حق الإنسان في حرية التنقل، ومفاده السماح لكل فرد بالتنقل من مكان إلى آخر داخل التراب الوطني أو خارجه دون أي مانع ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهذه هي القاعدة العامة التي كفلتها الدساتير الجزائرية المتعاقبة، بما فيها التعديل الدستوري لسنة 2016 في المادة 55 منه. IMG_0050غير أن هذا الحق قد يضيق حسب ضرورات وظروف محددة، كأن تقوم ضد الفرد دلائل كافية على توجيه تهمة ما له، تقتضي تقييد حريته في التنقل بموجب قرار من السلطة القضائية، ويعتبر الطفل الجانح أكثر شخص يحتاج إلى الحماية في هذه الحالة الاستثنائية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن سياسة المشرع الجزائري في التعامل معه ومدى كفالته لحقه في حرية التنقل خلال مراحل الدعوى الجنائية ضمن قانوني العقوبات وحماية الطفل الجزائريين.
الكلمات المفتاحية: الطفل الجانح- الحق في الحرية- الوساطة الجنائية- التوقيف للنظر- الحبس المؤقت.
مقدمة:
يعد موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الملحة والأكثر تداولا على الساحتين الدولية والوطنية، لما له من أهمية بالغة، وبالرغم من وجود ترسانة قانونية ضخمة تكفل للإنسان حقوقه بموجب المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، وتجبر الغير على احترامها، إلا أننا نجد أغلب هذه الحقوق، بل وأبسطها مهضومة، وقد يعزى ذلك إلى جهل عامة الناس بحقوقهم وغياب الوعي لديهم بما يجب أن يكون لهم وما هو عليهم، أي غياب ثقافة حقوق الإنسان لديهم، وكنتيجة حتمية لغياب الوعي بهذه الحقوق، يعجز الإنسان عن التمتع بها أو ممارستها من جهة، ويفقد القدرة على المطالبة بها في حال المساس بها أو ضياعها من جهة أخرى. وإيمانا منا بضرورة ترسيخ قيم حقوق الإنسان، لاسيما القضايا الملحة منها، ارتأينا معالجة حق مهم يتمثل في “الحق في حرية التنقل”، لفئة أهم هي فئة الطفولة، في مرحلة أكثر أهمية هي مرحلة المتابعة والتحقيق الابتدائي للطفل في حالة الجنوح.
وقد اخترنا الحق في حرية التنقل كونه من الحقوق اللصيقة بالإنسان، والذي بوجوده يتمكن هذا الأخير من ممارسة حقوق أخرى كثيرة، كالصحة والتعليم، أما عن اختيارنا لفئة الطفولة، فإنه لا يخفى على أحد منا الحاجة الملحة لهذه الفئة إلى الحماية على مختلف المستويات بما فيها الاجتماعية والقانونية، لذلك فإننا نهدف من خلال بحثنا هذا إلى الإحاطة بحق الطفل الجانح في التنقل ومدى المساس به خلال مرحلتي التحقيقين التمهيدي والابتدائي فقط، ولأن مرحلة الجنوح والمتابعة القضائية بشأنها تعد مرحلة استثنائية، كان حري بنا التوقف عندها، بالتطرق إلى أهم إجراءَيْن ماسَيْن بالحرية والمتمثليْن في إجراء التوقيف للنظر-بحكم أنه يمكن القيام به في أي مرحلة من مراحل التحقيق، سواء التمهيدي أو الابتدائي أو حتى في حالة التلبس بالجريمة- وإجراء الحبس المؤقت، باعتباره من أخطر إجراءات التحقيق التي يمكن لقاضي الأحداث القيام بها بغرض استظهار الحقيقة، لأن انحراف الحدث ودخوله عالم الإجرام لا يعني أبدا تهميشه أو إقصاؤه من المجتمع، وإنما يعني حماية أوسع لحقوقه التي يكفلها له الدستور في هذا الظرف الاستثنائي- خوفا من التعسف- بما يتماشى وقوانين الدولة، ولعل أهمها الحق في حرية التنقل. ومن ثم طرحنا الإشكاليات التالية:
ما هي الآليات القانونية المتبعة من المشرع الجزائري لتقييد حق الحدث الجانح في التنقل خلال مرحلتي التحقق التمهيدي والابتدائي؟ وكيف تمكن من الموازنة بين حق الحدث الجانح في حرية التنقل من جهة، وبين مصلحة التحقيق كمصلحة عامة من جهة أخرى؟
للإجابة على هذه الإشكاليات اتبعنا المنهج الوصفي لتحديد بعض المفاهيم العامة التي لها علاقة بموضوع الدراسة، كما اتبعنا المنهج التحليلي، بهدف تحليل نصوص قانون حماية الطفل رقم 15-12، وكذا نصوص قانون الإجراءات الجزائية التي لها صلة بموضوع البحث، وفقا للخطة الآتية:
المبحث الأول: المفهوم العام لحق الحدث الجانح في حرية التنقل.
المطلب الأول: مفهوم الحق في حرية التنقل.
المطلب الثاني: مفهوم الحدث الجانح.
المبحث الثاني: الضوابط القانونية لتقييد حرية الحدث الجانح أثناء التحقيق الابتدائي.
المطلب الأول: التوقيف للنظر كآلية قانونية لتقييد حرية الحدث الجانح في التنقل.
المطلب الثاني: الحبس المؤقت كآلية قانونية لتقييد حرية الحدث الجانح في التنقل.
المبحث الأول: المفهوم العام لحق الحدث الجانح في حرية التنقل.
تتمحور دراستنا لهذا الموضوع حول فئة مهمة جدا هي فئة الأحداث الجانحين ومدى المساس بحقها في حرية التنقل خلال مرحلتي المتابعة والتحقيق الابتدائي معها، وللوقوف على هذه الإشكالية يجدر بنا تحديد مفهوم بعض المصطلحات المهمة في البحث، لذلك نتولى فيما يلي تحديد مفهوم الحق في حرية التنقل ضمن المطلب الأول، ومفهوم الحدث الجانح ضمن المطلب الثاني.
المطلب الأول: مفهوم الحق في حرية التنقل.
ترتبط حرية التنقل بالأنظمة السياسية للدول، حيث تضيق وتتسع تبعا لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية، فهي مثلها مثل الحقوق والحريات الأخرى تعتبر حرية نسبية، إذ يختلف تنظيمها من دولة إلى أخرى وفقا لما تعتبره ملائما لمصلحتها القومية، وبالشكل الذي لا يتعارض مع سيادتها الوطنية([1])، وقد تضافرت الجهود الدولية والوطنية لإقراره هذا الحق وحمايته بموجب مجموعة من النصوص القانونية، حيث نصت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 على ما يلي: “1- لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة، 2- لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده”([2])، ونصت المادة الخامسة من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لسنة 1950 على أنه “لكل شخص الحق في الحرية والأمن. لا يجوز حرمان أي إنسان من حريته إلا في الحالات التالية التي ينص عليها القانون:…..د- في حالة الاحتجاز القانوني لقاصر في السن بقرار متخذ في إطار تربيته المراقبة، أو احتجازه القانوني لتقديمه للسلطة المختصة”([3])، ونصت على هذا الحق أيضا المادة 12 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، كما نصت المادة 12 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الإفريقية لسنة 1981 على أنه “1- لكل شخص الحق في التنقل بحرية واختيار إقامته داخل دولة ما شريطة الالتزام بأحكام القانون. 2- لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، كما أن له الحق في العودة إلى بلده، ولا يخضع هذا الحق لأي قيود إلا إذا نص عليها القانون وكانت ضرورية لحماية الأمن القومي، النظام العام، الصحة، أو الأخلاق العامة…”([4]).
نلاحظ أن نصوص هذه الاتفاقيات الدولية قد كفلت للإنسان حقه في حرية التنقل، وكذا حرية اختياره لمكان إقامته، سواء كان مواطنا أو أجنبيا، إلا إذا قرر القانون غير ذلك، في حين نص التعديل الدستوري لجزائري لسنة 2016 في المادة 55 منه على أنه “يحق لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، أن يختار بحرية موطن إقامته، وأن يتنقل عبر التراب الوطني.
حق الدخول إلى التراب الوطني والخروج منه مضمون له.
لا يمكن الأمر بأي تقييد لهذه الحقوق إلا لمدة محددة وبموجب قرار مبرر من السلطة القضائية”([5]).
حيث اقتصر هذا النص على حماية حق المواطن فقط في حرية التنقل واختيار مكان إقامته دون الأجنبي، وهو ما يجدر بالمشرع الدستوري تداركه.
وقد عرف الفقه الحق في حرية التنقل بأنه “حق الأفراد في التنقل داخل إقليم الدولة والخروج منه والعودة إليه دون تقييد أو منع إلا وفقا للقانون”([6]). فهو حق أساسي للإنسان يكمن في أن يكفل للفرد حق اختيار إقامته وحق تغييره لمكانه وفقا لمشيئته، أو الذهاب والمجيء حيث شاء([7])، كما أنه حق كل شخص في التحرك والتنقل من مكان إلى آخر داخل إطار الدولة أو في دولة أخرى من دول العالم، لدواعي الإقامة أو السفر لأغراض مختلفة، كذلك اختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة أو في العودة إلى دولته الأصلية وقت ما يشاء وكيف ما يشاء، ما لم يتعارض ذلك مع القانون، كأن يصدر بحقه حكم قضائي، فهو من الحقوق الشخصية الأساسية باعتبار أن وجوده لازما لوجود وقيام الحقوق والحريات الأخرى، وعليه لا يتحقق الحق في التعليم أو في الصحة أو في العمل أو في الانتخاب، دون تحقق الحق في حرية التنقل وحرية الحركة، فلا يجوز تقييد نقله أو حركته أو اعتقاله أو منعه دون مسوغ قانوني([8]). وعرفه البعض بأنه “إمكانية تغيير الفرد لمكانه وفقا لمشيئته والذهاب والمجيء داخل بلده حيث شاء، والخروج منه والعودة إليه دون أن تحده العوائق، وذلك لقضاء ما يحتاجه في حياته الخاصة والعامة”([9]).
نلاحظ أن هذه التعاريف جاءت تجسيدا لنصوص الاتفاقيات المشار إليها سابقا، وكلها تصب في المعنى نفسه، غير أنه ما يؤخذ على التعريف الأخير أنه جعل من الحق في حرية التنقل حقا مطلقا دون أية قيود، وهو ما لا يمكن التسليم به، ومن ثم فإننا نقترح بدورنا التعريف الآتي: “يعني الحق في حرية التنقل حق الشخص في الحركة أو الغدو والرواح براً أو جواً أو بحراً، وكذا حقه في اختيار مكان إقامته وفقا لمشيئته، داخل أي مكان في بلده أو أي مكان آخر في العالم ذهاباً وإياباً، ما لم تحدٌه عوائق معينة، أو يقرر القانون غير ذلك”.
يمكننا من النصوص والتعاريف السابقة أن نعدد صور الحق في حرية التنقل كالتالي: حرية الحركة، حرية اختيار مكان الإقامة، حرية الخروج من الدولة، حرية العودة إلى الدولة([10]).
هذا فيما يخص مفهوم الحق في حرية التنقل، فما هو مفهوم الحدث الجانح؟
المطلب الثاني: مفهوم الحدث الجانح.
نتولى تحديد مفهوم الحدث في الفرع الأول، ثم نحدد مفهوم الجنوح في الفرع الثاني، لنصل إلى تحديد مفهوم الحدث الجانح.
الفرع الأول: تعريف الحدث.
نقسم هذا الفرع إلى ثلاثة عناصر: التعريف اللغوي للحدث (أولا)، التعريف القانوني للحدث(ثانيا)، والتعريف الفقهي للحدث (ثالثا).
أولا: التعريف اللغوي للحدث.
الحدث لغة هو الفتي في السن أي الشاب، فإذا ذكرت السن قلت حديث السن، وهؤلاء غلمان حدثان أي أحداث، وكل فتى من الناس والدواب حدث والأنثى حدثة، ويقال للغلام القريب السن والمولود حدث، وحداثة السن كناية عن الشباب وأول العمر، كذلك هو جمع أحداث من الحداثة عكس القدم([11]). والحدث هو إنسان يعتبر حديث العهد أو أنه غير مكتمل النمو بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، وهو كل شيء جديد بحيث لم يتم تحديد السن أو الأعوام الأولى للشخص حتى يتم تسميته بالحدث، بحيث تركت اللغة تحديد السن للناظر أو التعامل مع الفرد([12]).
ثانيا: التعريف القانوني للحدث.
عرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، الحدث أو الطفل بأنه “كل إنسان لم يجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”([13])، وعرفته المادة الثانية من الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل بأنه “كل إنسان تحت سن 18سنة”([14])، ويقصد به القاصر الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ومن ثم فهو عديم أو ناقص الأهلية (أهلية الأداء)([15]) إلا في تلك الحالات المحددة قانونا، هذا ونصت المادة الثانية فقرة أولى من القانون 15-12 المتعلق بحماية الطفل على ما يلي “يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي: الطفل “كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر(18) سنة كاملة. يفيد مصطلح “حدث” نفس المعنى”([16]).
وقد استعمل المشرع الجزائري مصطلحات متعددة للدلالة على المعنى نفسه كالطفل (المواد 321-327 قانون عقوبات)، الولد (المادة 321 قانون عقوبات)، القاصر (المواد 326-328-329 قانون عقوبات،المواد 88-90 قانون الأسرة)([17]).
ثالثا: التعريف الفقهي للحدث.
عرف فقهاء القانون الحدث بأنه “الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي”، وعرفه البعض بأنه “كل صغير منذ لحظة الميلاد وحتى سن الثامنة عشرة”، وهو كل إنسان يحتاج إلى حماية من أجل نموه البدني والنفسي والفكري، حتى يصبح بمقدوره الانضمام إلى عالم البالغين([18]). كما عرف بأنه “الإنسان الصغير منذ ولادته وحتى بلوغ السن التي حددها القانون للرشد([19])، فمعيار التمييز بين الحدث والبالغ هو معيار زمني حتى ولو لم يكن الشخص ناضجا عقليا([20])، وتختلف سن القاصر باختلاف التشريعات في البلدان المختلفة، كما تختلف هذه السن في القانون المدني عن سنه في القانون الجنائي، وهذه لها أهميتها من حيث مساءلته جنائيا([21])، فقد حدد سن الرشد المدني بــــــ19 سنة بموجب المادة 40 من القانون المدني الجزائري، في حين حدد سن الرشد الجزائي بـــ 18 سنة كاملة بموجب المادة الثانية في فقرتها الأخيرة من القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل.
الفرع الثاني: تعريف الجنوح.
نتولى تعريف الجنوح لغة (أولا)، وتعريفه اصطلاحا(ثانيا).
أولا: تعريف الجنوح لغة.
الجنوح لغة: يقال جنح جنوحا أي مال، والجناح هو الإثم([22])، وهو الميل إلى الإثم والعدوان، وقيل الجناية أو الجرم، وهو صورة من صور الانحراف، حيث أن كل جنوح يعتبر انحرافا، ولكن لا يمكن اعتبار كل انحراف جنوحا، فالكذب مثلا انحراف غير أنه لا يشكل جنوحا أو جريمة إلا إذا كانت الشهادة كاذبة أمام القضاء([23])، فالسلوك المنحرف إذن هو ذلك السلوك الذي يتعارض أو يخرج عن القيم والمعايير الاجتماعية والثقافية داخل النسق الاجتماعي المعين أو الجماعة الاجتماعية المعينة([24])، أما الجنوح أو الجناح delinquence فيشمل صور الخروج على القانون والمعايير الاجتماعية وحتى الانحراف والآداب العامة السائدة في المجتمع([25]).
ثانيا: تعريف الجنوح اصطلاحا.
هو ارتكاب أي فعل معاقب عليه يمس سلامة المجتمع وأمنه، مما يعتبر انحرافا حادا أو انحرافا جنائيا، وهو التعدي على عرف اجتماعي منصوص عليه بالعقوبة قانونا([26])، ويعرف أيضا بأنه “كل فعل مخالف للقانون يرتكبه الحدث ويعاقب عليه”([27])، ومن ثم يسمى القاصر الذي يرتكب هذه الأفعال الحدث الجانح، إذ يقصد بجنوح الأحداث “كل سلوك يمارسه الحدث ويعارض مصلحة المجتمع في زمان ومكان معينين”([28])، أو الفعل الإجرامي الذي يرتكبه الحدث ويكون فيه في معارضة مع قوانين الدولة([29]).
وقد عرف المشرع الجزائري الطفل الجانح في القانون رقم 15-12 المؤرخ في 15يوليو2015 المتعلق بحماية الطفل، في الفقرة الرابعة من المادة الثانية منه بقوله: “الطفل الجانح هو الطفل الذي يرتكب فعلا مجرما، والذي لا يقل عمره عن عشر (10) سنوات، وتكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتكاب الجريمة”، كما عرف الطفل في خطر في المادة نفسها ضمن فقرتها الثالثة فاعتبره كل طفل تكون صحته أو أخلاقه أو تربيته أو أمنه في خطر أو عرضه له، أو تكون ظروفه المعيشية أو سلوكه من شأنهما أن يعرضاه للخطر المحتمل أو المضر بمستقبله، أو أن يكون في بيئة تعرض سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية للخطر، وتعتبر من بين الحالات التي تعرض الطفل للخطر: فقدان الطفل لوالديه وبقائه دون سند عائلي، تعريض الطفل للإهمال أو التشرد، المساس بحقه في التعليم، التسول بالطفل أو تعريضه للتسول، عجز الأبوين أو من يقوم برعاية الطفل عن التحكم في تصرفاته التي من شأنها أن تؤثر على سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية أو…إلخ([30]).
من خلال القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل، تتضح سياسة المشرع الجزائري في التمييز بين الطفل في خطر والطفل الجانح، فالأول هو وجود الطفل في حالة غير عادية، يتوقع مع استمرارها إقدام هذا الشخص على ارتكاب جريمة في المستقبل([31])، حيث يعاني من خطر الوقوع في الجناح والجريمة، فهو يخفي هذه الأخيرة في جوانحه والتي تكون في طريقها للظهور إذا لم يسارع في علاجه في الوقت المناسب، في حين أن الحدث الجانح قد أظهر نشاطه الإجرامي([32]). وبذلك خص المشرع الطفل في خطر بإجراءات حماية خاصة، تشمل الحماية الاجتماعية والقضائية([33])، بينما أوجب إجراءات خاصة بمتابعة الطفل الجانح والتحقيق معه([34])، وهذا الأخير هو محور دراستنا، إذ اعتمد كل من قانون حماية الطفل وقانون الإجراءات الجزائية، بعض الإجراءات القانونية في مواجهة المشتبه فيه أثناء مرحلتي التحقيق التمهيدي والابتدائي، بهدف الوصول إلى الحقيقة، غير أن هذه الإجراءات قد تمس بحق المعني في حرية التنقل وفقا لما تتطلبه مقتضيات التحقيق، ولعل أبرز هذه الإجراءات التوقيف للنظر والحبس المؤقت، فكيف تمكن المشرع من الموازنة بين حق الحدث الجانح في حرية التنقل، وبين إخضاعه لإجراءات التحقيق الماسة بهذه الحرية؟
قبل الخوض في الإجابة عن هذه الإشكالية، يجدر بنا الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد مكن الحدث الجانح من تفادي المساس بحقه في الحرية خلال مرحلة المتابعة، بإدراجه لآلية قانونية مهمة تتمثل في “الوساطة الجنائية”، ضمن القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل، وذلك في المادة الثانية منه في فقرتها السادسة، وفي المواد من 110 إلى 115 من القانون نفسه، حيث اعترف له بحقه في إجراء وساطة مع ضحايا جريمته، بهدف إنهاء المتابعات وجبر الضرر الناتج عنها([35])، وهي آلية قانونية تهدف إلى إبرام اتفاق بين الطفل الجانح وممثله الشرعي من جهة، وبين الضحية أو ذوي حقوقها من جهة أخرى، وتهدف إلى إنهاء المتابعات وجبر الضرر الذي تعرضت له الضحية ووضع حد لأثار الجريمة والمساهمة في إعادة إدماج الطفل([36])، بحيث ينهي تنفيذ محضر الوساطة المتابعة الجزائية ضد الحدث الجانح، ومن ثم يتفادى المساس بحريته في التنقل، أما في حالة عدم تنفيذ التزامات الوساطة في الأجل المحدد في الاتفاق، فإن وكيل الجمهورية يبادر بمتابعته طبقا لما تؤكده أحكام المادة 115 من قانون حماية الطفل. وهو ما يجعله عرضة لبعض الإجراءات الماسة بالحرية كالتوقيف للنظر والحبس المؤقت مثلما سنوضحه فيما يلي.
المبحث الثاني: الضوابط القانونية لتقييد حق الحدث الجانح في حرية التنقل أثناء التحقيق الابتدائي.
إن المساس بحرية الحدث الجانح أثناء التحقيق معه أمر لا غنى عنه، وهو ما تقتضيه مجريات هذا التحقيق، مما يفهم منه أن الحق في حرية التنقل ليس حقاً مطلقاً، إلا أن نسبية هذا الحق لا تعني في أي حال من الأحوال تركه خاضعاً لأهواء السلطات المختصة دون تنظيم، تقيده أو تمنعه وقت ما تشاء وكيف ما تشاء، بل إن المشرع الدستوري كفله بموجب المادة 60 من التعديل الدستوري لسنة 2016، بنصها على ما يلي “يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية، ولا يمكن أن يتجاوز مدة ثمان وأربعين (48) ساعة”.
إذ يجب أن يخضع المساس الاستثنائي بهذا الحق لمبررات قانونية، لذلك وضع المشرع لتقييده، ضوابط وأحكام قانونية تجسد أقصى درجات حمايته مثلما سنوضحه في العناصر التالية.
المطلب الأول: التوقيف للنظر كآلية قانونية لتقييد حرية الحدث الجانح في التنقل.
نقسم هذا المطلب إلى فرعين، نتطرق إلى مفهوم التوقيف للنظر في الفرع الأول، وضوابط توقيف الحدث الجانح للنظر في الفرع الثاني.
الفرع الأول: مفهوم التوقيف للنظر.
للطفل الجانح وضع خاص لا بد من مراعاته أثناء التعامل معه، وهو ما تؤكده المادة 40/1 من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي تنص على ضرورة أن تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعى أنه انتهك قانون العقوبات، أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره، وتعزز احترامه لما للآخرين من حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتراعي سن الطفل وتشجع إعادة اندماجه وقيامه بدور بناء في المجتمع([37])، حيث يفترض براءته إلى أن تثبت إدانته وفقا للقانون، وهو ما نصت عليه المادة 56 من التعديل الدستوري لسنة 2016 بقولها “كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته، في إطار محاكمة عادلة تؤمن له الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه”. كما نصت عليه أيضا المادة7/1 من قواعد بكين.
وقد عرف الفقه التوقيف للنظر بأنه “إجراء ضبطي (بوليسي)، يقرره ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق يحتجز بموجبه الشخص المشتبه فيه لدى مصالح الأمن (الدرك- الشرطة) في مكان معين وطبقا لشكليات ولمدة زمنية محددة في القانون حسب الحالات”([38])، وعرفه العض الآخر بأنه “حرمان الشخص من حريته في التجوال لفترة يسيرة واحتجازه في المكان المخصص لذلك”([39]). ويعتبره البعض بأنه مجرد إجراء تمهيدي يمكن ضابط الشرطة القضائية من التحقق من هوية كل مشتبه فيه لارتكاب الجريمة سواء كانت متلبسا بها أم لا([40]).
نلاحظ على هذه التعريفات وغيرها([41]) أنها تعتبر التوقيف للنظر مجرد إجراء بوليسي، أي تمهيدي أو استدلالي، غير أننا نفند هذا الرأي إذ نرى عكس ذلك، فلا شك أن التوقيف للنظر إجراء تحقيق، لأن أهم معيار نميز به إجراء الاستدلال عن إجراء التحقيق هو مدى المساس بالحرية الشخصية، وإن تسمية الأمور بغير مسمياتها لا يغير في الأمر شيئا، وبما أن التوقيف للنظر يقيد الحرية دون أن يسلبها، فإن تقييد الحرية لا يخرج عن كونه مساسا بالحرية بشكل عام سواء طالت فترة المساس تلك أو قصرت([42]).
ونظرا لخطورة هذا الإجراء ارتقى به المشرع إلى مصاف الحقوق المكفولة دستوريا، وهو ما نصت عليه المادة 60 من التعديل الدستوري لسنة 2016، كما أكد في المادة 59 منه على عدم متابعة أو إيقاف أو احتجاز أي أحد إلا ضمن الشروط المحددة بالقانون وطبقا للأشكال التي نص عليها. هذا وقد أدرجه ضمن قانون الإجراءات الجزائية في المواد 51 و51 مكرر و51 مكرر1 والمادة 52 في حالة الجرائم المتلبس بها([43])، وأدرجه ضمن المادة 65 في حالة التحقيق التمهيدي([44])، بالإضافة إلى إدراجه ضمن المادة 141 من القانون نفسه خلال مرحلة التحقيق الابتدائي في إطار الإنابة القضائية، ومن ثم نستنتج أن التوقيف للنظر يمكن لضابط الشرطة القضائية القيام به في جميع مراحل المتابعة والتحقيق، بداية من التحقيق التمهيدي إلى الجرائم المتلبس بها وصولا إلى التحقيق الابتدائي بناء على إنابة قضائية. لذلك أحاطه المشرع بمجموعة من الشروط والضمانات التي قد تؤدي مخالفتها إلى بطلان هذا الإجراء.
كما نظم هذا الإجراء في القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل ضمن المواد من 48 إلى 55، حيث خصه المشرع بأحكام وضوابط تختلف نسبيا عن تلك المقررة للمتهم البالغ، في حين أحال في أحكام أخرى إلى قانون الإجراءات الجزائية وماثل بينها وبين الأحكام المتعلقة بالموقوف للنظر البالغ. فما هي هذه الضوابط المقيدة لتوقيف الحدث الجانح للنظر حماية لحقه في حرية التنقل؟
هذا ما سنفصله في الفرع الموالي.
الفرع الثاني: ضوابط توقيف الحدث الجانح للنظر.
خص المشرع إجراء التوقيف للنظر بمجموعة من الشروط والضمانات كونه إجراء مقيد للحرية، وسنتولى التطرق إلى هذه الشروط من خلال تحديد نطاق التوقيف للنظر الشخصي، الموضوعي والزماني.
أولا: النطاق الشخصي للتوقيف للنظر.
نقصد بالنطاق الشخصي للتوقيف للنظر في معرض دراستنا الشخص محل التوقيف للنظر من جهة، والسلطة المختصة بإجرائه من جهة أخرى.
الشخص محل التوقيف للنظر: نصت المادة 48 من القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل على أنه “لا يمكن أن يكون محلا للتوقيف للنظر الطفل الذي يقل سنه عن ثلاث عشر (13) سنة المشتبه في ارتكابه أو محاولة ارتكابه جريمة”.
ونصت المادة 56 من القانون نفسه على أنه “لا يكون محلا للمتابعة الجزائية الطفل الذي يكمل العشر (10) سنوات”([45]).
نستنتج من هذين النصين القانونين، أن المسؤولية الجنائية للطفل تبدأ من سن العاشرة، إلا أن الطفل الذي يتراوح عمره بين 10 سنوات وأقل من 13 سنة لا يمكن أن يكون محلا للتوقيف للنظر، حيث توقع عليه تدابير الحماية والتهذيب فقط طبقا للمادة 57 من قانون حماية الطفل، والفقرة الثانية من المادة 49 من قانون العقوبات الجزائري، ومن ثم يكون محلا للتوقيف للنظر الطفل الذي يبلغ من العمر 13 إلى 18 سنة ويشتبه في ارتكابه أو محاولة ارتكابه جريمة، وبمفهوم المخالفة لا يمكن حرمان الطفل الأقل من 13 سنة من حريته في التنقل استنادا إلى التوقيف للنظر، حتى ولو اشتبه في ارتكابه أو محاولة ارتكابه لجريمة.
ب- السلطة المختصة بالتوقيف للنظر: خول المشرع الجزائري ضابط الشرطة القضائية القيام بهذا الإجراء دون الأعوان([46])، مثلما توضحه المادة 49 من قانون حماية الطفل بقولها “إذا دعت مقتضيات التحري الأولي ضابط الشرطة القضائية أن يوقف الطفل الذي يبلغ سنه 13 سنة على الأقل ..”، وهي السلطة ذاتها المخولة قانونا توقيف المشتبه فيه البالغ للنظر وفقا لنص المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، ومن ثم لو أقدم عون الشرطة القضائية على توقيف الطفل ذو الثلاث عشرة سنة أو أكثر للنظر لاشتباهه فيه ارتكاب أو محاولة ارتكاب جريمة، فإن هذا التوقيف للنظر يعد حرمانا له من حريته بطريقة غير مشروعة، مما يستلزم إبطاله.
وضابط الشرطة القضائية ملزم بإطلاع وكيل الجمهورية فورا مع تقديم تقرير له عن دواعي التوقيف للنظر، باعتباره المسؤول عن إدارة نشاط الشرطة القضائية، والمكلف قانونا بمراقبة تدابير التوقيف للنظر طبقا لأحكام المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية. كما أنه ملزم بإخطار الممثل الشرعي للطفل الموقوف للنظر بمجرد توقيفه طبقا للمادة 50 من قانون حماية الطفل، إذ لا يمكن لضابط الشرطة القضائية القيام بسماعه إلا بحضور ممثله الشرعي إن كان معروفا([47])، هذا ويعتبر حضور المحامي أثناء التوقيف للنظر لمساعدة الطفل المشتبه في ارتكابه أو محاولة ارتكابه جريمة، وجوبي، وإذا لم يكن له محام يعلم ضابط الشرطة القضائية فورا وكيل الجمهورية المختص لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتعيين محام له([48]).
ثانيا:النطاق الموضوعي لتوقيف الحدث الجانح للنظر.
نقصد بالنطاق الموضوعي الجرائم التي يمكن توقيف الحدث الجانح للنظر بصددها، وهو ما تحدده المادة 49 من قانون حماية الطفل في الفقرة الثانية منها، إذ لا يجوز توقيفه للنظر إلا في الجنح التي تشكل إخلالا ظاهرا بالنظام العام، وتلك التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة فيها يفوق خمس سنوات حبس، وكذلك الجنايات، إذ يخرج من نطاق التوقيف للنظر بالنسبة للحدث الجانح، الجنح التي يصل حدها الأقصى إلى خمس سنوات دون أن تشكل إخلالا ظاهرا بالنظام العام.
ما نلاحظه هو أن المشرع الجزائري قد ضيق من النطاق الموضوعي لتوقيف الحدث الجانح للنظر حفاظا على حقه في حرية التنقل، وذلك عكس المشتبه فيه أو المتهم البالغ الذي يمكن توقيف للنظر في كافة الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، فضلا عن الجنايات، مثلما توضحه المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثالثا: النطاق الزماني لتوقيف الحدث الجانح للنظر.
وهو المدة الزمنية التي يمكن حرمان الحدث الجانح من حريته خلالها من قبل ضابط الشرطة القضائية، للتحقيق معه والتحري في ظروف وملابسات ارتكاب جريمة ما، تمهيدا لتقديمه لوكيل الجمهورية أو إطلاق سراحه([49]). وقد حددت المادة 49 في فقرتها الثانية من قانون حماية الطفل هذه المدة بأربع وعشرين (24) ساعة كأصل عام، وهي نصف المدة المقرر توقيف البالغ للنظر خلالها، هذا ويمكن تمديد آجال التوقيف للنظر بإذن من وكيل الجمهورية المختص وفقا للكيفيات والشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، دون أن يتجاوز كل تمديد 24 ساعة في كل مرة([50])، ولتفصيل أكثر يمكننا الاستعانة بالجدول التالي:
نوع الجريمة | المدة الأصلية للتوقيف للنظر | عدد مرات التمديد | المدة الكلية للتوقيف للنظر |
جرائم الاعتداء على أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات | أربع وعشرون (24) ساعة | مرة واحدة لأربع وعشرين ساعة | ثمان وأربعون (48) ساعة |
(يومين)جرائم الاعتداء على أمن الدولةأربع وعشرون (24) ساعةمرتين (24 سا+ 24سا)اثنان وسبعون (72) ساعة ثلاثة (3) أيامجرائم المتاجرة بالمخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية وجرائم تبييض الأموال والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف أربع وعشرون (24) ساعة ثلاث مرات (24سا+ 24سا +24 سا) ست وتسعون (96) ساعة أربع (4)أيام الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية أربع وعشرون (24) ساعةخمس (5) مرات (24سا+24سا+ 24سا+24سا+24سا) مئة وأربع وأربعون (144) ساعة أي ستة (6) أيام
يتضح لنا من خلال هذا الجدول، أن مدة التوقيف للنظر لا يمكن أن تتجاوز أربع وعشرين (24) ساعة كأصل عام، فيما عدا الجرائم المذكورة في الجدول، ووفقا لعدد المرات أعلاه. وتجدر الإشارة إلى أن انتهاك الأحكام المتعلقة بآجال التوقيف للنظر يعرض ضابط الشرطة القضائية للعقوبات المقررة للحبس التعسفي المنصوص عليها في المادة 110 من قانون العقوبات الجزائري([51])، مثلما تؤكده الفقرة الأخيرة من المادة 49 من قانون حماية الطفل، والفقرة الأخيرة من المادة 59 من التعديل الدستوري لسنة 2016.
فضلا عن الشروط المتعلقة بالنطاق الشخصي والموضوعي والزماني للتوقيف للنظر، أوجب المشرع الجزائري ضرورة:
1- أن يوضع تحت تصرف الطفل كل وسيلة تمكنه من الاتصال فورا بأسرته ومحاميه، وتلقي زيارتها له وزيارة محام وفقا للمادة 50 من قانون حماية الطفل، حيث تكون زيارة المحامي في غرفة خاصة توفر الأمن، وتضمن سرية المحادثة وعلى مرأى من ضابط الشرطة القضائية، دون أن تتجاوز مدة الزيارة ثلاثين دقيقة مع التنويه بذلك في المحضر([52])، وإذا كانت التحريات الجارية تتعلق بجرائم المتاجرة بالمخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وجرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف والفساد، يمكن للحدث أن يتلقى زيارة محاميه بعد انقضاء نصف المدة القصوى المنصوص عليها في المادة 51 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية([53]).
2- إعلام الطفل بحقه في الفحص الطبي أثناء التوقيف للنظر، حيث أوجب المشرع الجزائري إخضاع الطفل الموقوف للنظر لفحص طبي([54]) عند بداية وأثناء وعند نهاية التوقيف للنظر، من قبل طبيب يمارس نشاطه في دائرة اختصاص المجلس القضائي، ويعينه الممثل الشرعي للطفل، وإذا تعذر ذلك يعينه ضابط الشرطة القضائية وفقا للمادة 51 من قانون حماية الطفل، وتعتبر هذه الضمانة أكبر من تلك الممنوحة للمشتبه فيه البالغ، حيث لا يخضع للفحص الطبي إلا عند انقضاء مواعيد التوقيف للنظر عملا بأحكام المادة 51 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية.
3- أن يكون التوقيف للنظر في أماكن لائقة تراعي احترام كرامة الإنسان وخصوصيات الطفل واحتياجاته، وتكون مستقلة عن تلك المخصصة للبالغين، تحت مسؤولية ضباط الشرطة القضائية([55]) وفقا لأحكام المادة 52/4 من قانون حماية الطفل، ولحماية أكثر للحدث الجانح من التعسف، أوجب المشرع على وكيل الجمهورية وقاضي الأحداث المختصين إقليميا، زيارة أماكن التوقيف للنظر دوريا، وعلى الأقل مرة واحدة شهريا([56]).
كان هذا بالنسبة لإجراء التوقيف للنظر، وفيما يلي نتطرق للحبس المؤقت كإجراء ماس بحرية الحدث الجانح في التنقل.
المطلب الثاني: الحبس المؤقت كآلية قانونية لتقييد حرية الحدث الجانح في التنقل.
يعتبر الحبس المؤقت أحد أهم الإجراءات التي يبرز فيها بوضوح التناقض بين مقتضيات احترام حرية الفرد، ومصلحة الدولة في الكشف عن الحقيقة لإقرار سلطتها في العقاب([57])، وهو ما يفسر إدراج المشرع نصا قانونيا خاصا به ضمن الدستور، يتمثل في نص المادة 59 من التعديل الدستوري لسنة 2016.
فما هو مفهوم هذا الإجراء؟ وما هي الضوابط والضمانات التي أحاطه بها المشرع حتى يكفل حق الفرد في حرية التنقل أثناء التحقيق معه؟ هذا ما سنتطرق له في العناصر التالية.
الفرع الأول: مفهوم الحبس المؤقت.
قد تقتضي إجراءات المتابعة القضائية أحيانا توقيف الحدث مؤقتا لسلامة التحقيق، أو لمنع فراره او حماية له من الانتقام المتوقع من ذوي الضحية([58])، غير أن هذا التوقيف المؤقت يعتبر إجراء استثنائيا لا يفترض اللجوء إليه إلا إذا كانت التدابير المؤقتة المنصوص عليها في المادة 70 من قانون حماية الطفل غير كافية.
ويعرف الحبس المؤقت بأنه “إيداع المتهم السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها، أو إلى أن تنتهي محاكمته([59])، وهو “سلب حرية المتهم بإيداعه الحبس خلال مرحلة التحقيق”([60])، ويعرف أيضا بأنه “إجراء استثنائي يسمح لقضاة النيابة والتحقيق والحكم كل فيما يخصه بأن يودع السجن لمدة محددة كل متهم بجناية أو جنحة من جنح القانون العام، ولم بقدم ضمانات كافية لمثوله من جديد أمام القضاء”([61]). وقد نص عليه المشرع الجزائري ضمن قانون الإجراءات الجزائية في المواد 123، 123 مكرر، 124، 125، 125-1 ، والمادة 125 مكرر([62])، في حين أفرد له نصوصا خاصة بالحدث الجانح ضمن قانون حماية الطفل في المواد من 72 إلى 75.
وتكمن خطورة هذا الإجراء في انتهاكه لقرينة البراءة، باعتباره يسلب حرية الإنسان في التنقل لمدة قد تطول لسنين دون صدور حكم بات بالإدانة([63])، لذلك جعله المشرع آخر حل يلجأ إليه المحقق لتوقيف المتهم الحدث مؤقتا، بعد استنفاذ البدائل المنصوص عليها في المادة 70 من قانون حماية الطفل، والمتمثلة في: تسليم الطفل إلى ممثله الشرعي أو إلى شخص أو عائلة جديرين بالثقة، وضعه في مؤسسة معتمدة مكلفة بمساعدة الطفولة، أو مركز متخصص في حماية الطفولة، كما يمكن الأمر بوضعه تحت نظام الحرية المراقبة([64])، وتكليف مصالح الوسط المفتوح بتنفيذ ذلك، وبعد استنفاذ إجراءات الرقابة القضائية طبقا لأحكام المادة 71 من قانون حماية الطفل، التي تحيلنا إلى المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية بشأن الرقابة القضائية،وهو ما تؤكده المادة 72 من قانون حماية الطفل التي تنص على ما يلي “لا يمكن وضع الطفل رهن الحبس المؤقت إلا استثناء، وإذا لم تكن التدابير المؤقتة المنصوص عليها في المادة 70 أعلاه كافية…”، فالأصل هو بقاء المتهم حرا أثناء إجراءات التحقيق القضائي وفقا لأحكام المادة 123/1 من قانون الإجراءات الجزائية. ومن ثم يعتبر الحبس المؤقت أحد أهم صور التعرض الضروري والمشروع للحريات الفردية لذلك فقد أحاطه المشرع بجملة من القيود والضوابط القانونية التي تكفل استعماله في نطاق سليم وفي أضيق الحدود([65])، تجسيدا لحماية حق المتهم في حرية التنقل، ففيما تتمثل هذه الضوابط؟
الفرع الثاني: ضوابط حبس الحدث الجانح مؤقتا.
نصت المادة 13/1 من القواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث لسنة 1985، والمعروفة بـــ “قواعد بكين”، على ما يلي “لا يستخدم إجراء الاحتجاز رهن المحاكمة إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة زمنية ممكنة”([66])، وتجسيدا لهذه القاعدة نص المشرع الدستوري في المادة 59 من التعديل الدستوري لسنة 2016 على أنه “لا يتابع أحد ولا يوقف أو يحتجز إلا ضمن الشروط المحددة بالقانون، وطبقا للأشكال التي نص عليها.
الحبس المؤقت إجراء استثنائي يحدد القانون أسبابه ومدته وشروط تمديده.
يعاقب القانون على أعمال وأفعال الاعتقال التعسفي”.
وبالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة للحبس المؤقت نجدها تتطلب توفر مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية، التي يبطل هذا الإجراء في غيابها، وهي كالتالي:
أولا: الشروط الشكلية المتعلقة بحبس الحدث الجانح مؤقتا.
تتمثل هذه الشروط في:
أ- أن يكون حبس الحدث الجانح مؤقتا بناء على أمر قضائي مكتوب صادر من قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث، لأن القاعدة العامة في الإجراءات الجزائية أن تكون أوامر التحقيق ثابتة بالكتابة، ضمانا لإثبات ما ورد بها وللاحتجاج عليها([67]).
أن يكون الأمر بالحبس المؤقت مسببا، حيث اشترطت المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية أن يؤسس أمر الوضع في الحبس المؤقت على معطيات وأسباب منصوص عليها في هذه المادة، كانعدام موطن مستقر للمتهم، أو عدم تقديمه لضمانات كافية للمثول أمام القضاء وغيرها من المبررات، حيث يقوم قاضي الأحداث ببيان الحجج الواقعية والقانونية التي استند عليها لإصدار الأمر بالوضع في الحبس المؤقت([68])، هذا ويشترط أن يتضمن هذا الأمر بالحبس المؤقت مجموعة من البيانات الجوهرية([69]).
ثانيا: الشروط الموضوعية المتعلقة بحبس الحدث الجانح مؤقتا.
تتمثل هذه الشروط فيما يلي:
أ– الحدث الجانح محل الحبس المؤقت: تنص المادة 58 من قانون حماية الطفل رقم 15-12 على ما يلي “يمنع وضع الطفل الذي يتراوح سنه من عشر (10) سنوات إلى أقل من ثلاث عشرة (13) سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة.
ويمنع وضع الطفل البالغ من العمر ثلاث عشر (13) سنة إلى ثماني عشر (18) سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة، إلا إذا كان هذا الإجراء ضروريا واستحال اتخاذ أي إجراء آخر…”.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 72 من القانون ذاته على ما يلي “لا يمكن وضع الطفل الذي يقل سنه عن ثلاث عشرة (13) سنة رهن الحبس المؤقت”.
يستفاد من هذين النصين أن التشريع الجزائري لا يجيز أبداً حبس الحدث الذي لم يبلغ سن الثالث عشر (13) سنة بعد، مؤقتا، لأنه خلال فترة حداثته يكون في حاجة إلى أسلوب خاص في معاملته، لذا يتعين ضرورة إبعاده عن السجون حتى لا يختلط بغيره من المتهمين البالغين، وتفسد أخلاقه وتنتقل إليه عدوى الإجرام([70])، غير أنه واستثناء، إذا كان هذا الإجراء ضروريا واستحال اتخاذ أي إجراء آخر، يمكن حبس الحدث الذي يتراوح عمره بين 13 و18 سنة في مركز لإعادة التربية وإدماج الأحداث، أو في جناح خاص بالإحداث في المؤسسات العقابية عند الاقتضاء، والأمر جد منطقي إذا ما قارناه بإجراء التوقيف للنظر المشار إليه سابقا، الذي لا يجوز فيه توقيف الحدث الجانح الأقل من 13 سنة للنظر، وهو أقل وطأة ومساسا بالحرية من الحبس المؤقت، كما نلاحظ أن المشرع الجزائري قد ضيق من حالات الحبس المؤقت حتى بالنسبة للحدث الذي يتراوح عمره بين 13 و 16 سنة كما سنوضحه في العناصر الآتية.
ب- الجرائم التي يجوز فيها حبس الحدث الجانح مؤقتا: حدد المشرع نطاق الجرائم التي يجوز فيها حبس الحدث الجانح مؤقتا ببعض الجنح والجنايات عموما، وذلك على التفصيل التالي:
1- بالنسبة للجنح: تنص المادة 73 من قانون حماية الطفل على ما يلي: “لا يمكن في مواد الجنح، إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة في القانون هو الحبس أقل من ثلاث (3) سنوات أو يساويها، إيداع الطفل الذي يتجاوز سنه ثلاث عشرة (13) سنة رهن الحبس المؤقت.
وإذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا هو الحبس أكثر من ثلاث (3) سنوات، فإنه لا يمكن إيداع الطفل الذي يبلغ سن ثلاث عشرة (13) سنة إلى أقل من (16) سنة رهن الحبس المؤقت إلا في الجنح التي تشكل إخلالاً خطيراً وظاهر بالنظام العام، أو عندما يكون هذا الحبس ضروريا لحماية الطفل ولمدة شهرين(2) غير قابلة للتجديد.
ولا يجوز إيداع الطفل الذي يبلغ سن (16) سنة إلى أقل من (18) سنة رهن الحبس المؤقت إلا لمدة شهرين (2) قابلة للتجديد مرة واحدة”.
نستنتج من هذه المادة، أن المشرع الجزائري حظر حبس الحدث الجانح مؤقتا في الجنح التي تقل عقوبتها عن ثلاث (3) سنوات أو تساويها، أيا كان سنه وفقا للفقرة الأولى من المادة 73 المشار إليها أعلاه، أما بالنسبة للجنح التي يفوق حدها الأقصى ثلاث (3) سنوات، فالأصل أنه لا يجوز حبس الحدث الجانح وإن كان سنه أكثر من 13 سنة وأقل من 16سنة، إلا أنه استثناء ومتى كانت هذه الجنحة تشكل إخلالا خطيرا وظاهرا بالنظام العام، أو كان هذا الحبس ضروريا لحماية الحدث، جاز للقاضي المختص وضعه رهن الحبس المؤقت لمدة شهرين غير قابلة للتجديد. في حين يمكن حبس الحدث الذي يتراوح سنه بين 16 و18 سنة لمدة شهرين قابلة للتجديد مرة واحدة في الجنح التي يفوق حدها الأقصى ثلاث سنوات، ويكون تمديد الحبس المؤقت في الجنح وفقا لأحكام المادة 74 من قانون حماية الطفل.
2- بالنسبة للجنايات: مكن المشرع الجزائري قاضي الأحداث من حبس الحدث الجانح مؤقتا في الجنايات، طبقا لأحكام المادة 75 من قانون حماية الطفل التي حددت مدته بشهرين، والتي أحالتنا بشأن تمديدها إلى أحكام قانون الإجراءات الجزائية، حيث أنه وبالرجوع إلى هذه الأحكام، وطبقا للمادة 125-1 منها، فإن حبس الحدث الجانح مؤقتا في الجنايات يكون كالآتي:
– إذا كانت عقوبة الجناية أقل من عشرين سنة: تكون مدة الحس المؤقت شهرين قابلة للتمديد مرتين.
– إذا كانت عقوبة الجناية تساوي أو تفوق عشرين سنة أو العقوبة هي السجن المؤبد أو الإعدام، فإن مدة الحبس المؤقت تكون شهرين قابلة للتمديد ثلاث مرات.
ويجوز لقاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث طلب تمديد الحبس المؤقت من غرفة الاتهام في أجل شهر قبل انتهاء المدد القصوى للحبس المحددة أعلاه طبقا لأحكام الفقرة الرابعة من المادة 125-1 من قانون الإجراءات الجزائية، كما يمكن تمديد الحبس المؤقت طبقا لأحكام المادة 125 مكرر من القانون نفسه.
ج- استجواب الحدث الجانح قبل وضعه رهن الحبس المؤقت: تقتضي القواعد العامة بأن يكون الأمر بالحبس المؤقت مسبوقا باستجواب المتهم، فإذا أمر قاضي التحقيق بالحبس المؤقت دون استجوابه كان الأمر باطلا([71])، وفي هذا الصدد نصت المادة 118 من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الأولى على ما يلي”لا يجوز لقاضي التحقيق إصدار مذكرة إيداع بمؤسسة إعادة التربية إلا بعد استجواب المتهم..”، ونصت الفقرة الرابعة من المادة نفسها على ما يلي “لا يمكن إصدار مذكرة الإيداع إلا تنفيذا للأمر المنصوص عليه في المادة 123 مكرر من هذا القانون” وهو الأمر بالحبس المؤقت.
هذا ويعتبر حضور محامي الحدث الجانح وجوبي في جميع مراحل المتابعة والتحقيق والمحاكمة مثلما تؤكده المادة 67 من قانون حماية الطفل.
كما تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن المشرع الجزائري قد منح الحدث الجانح ضمانة أخرى مهمة بموجب المادة 76 من القانون رقم 15-12 تتمثل في إمكانية الطعن بالاستئناف في أوامر التحقيق الصادرة عن قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث، وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في المواد من 170 إلى 174 من قانون الإجراءات الجزائية، وهو ما تقتضيه الرقابة القضائية على أوامر التوقيف الصادرة عن قاضي الأحداث، إذ يجوز أن يرفع الاستئناف من الطفل أو محاميه أو ممثله الشرعي أمام غرفة الأحداث بالمجلس القضائي([72]). فقد يحتمل وقوع خطأ من المحقق إما في بقاء المتهم في الحبس المؤقت أو الإفراج عنه، ومن ثم يعتبر الاستئناف طريق عادي للطعن يمكن رفعه ضد أمر صادر من قاضي التحقيق، وطرحه من جديد أمام جهة قضائية عليا، تطبيقا لمبدأ تعدد درجات التقاضي([73])، وضمانا لعدم المساس بالحرية الفردية.
الخاتمة:
نخلص من دراستنا لهذا الموضوع، أن المشرع الجزائري قد أولى الطفل اهتماما واضحا، لاسيما الطفل الجانح، ولعل تخصيصه لقانون مستقل يحمل اسم قانون حماية الطفل منذ سنة 2015، وإلغائه للأحكام التي كانت تنظم شؤون الأحداث ضمن قانون الإجراءات الجزائية، خير دليل على ذلك، ولأن حرية التنقل تعد من أسمى الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي من خلالها يمكنه ممارسة بعض الحقوق الأخرى كالتعليم والصحة، فإن المشرع نظمها أيضا تنظيما محكما من خلال وضعه لجملة من الضوابط والقيود التي تحد المساس بها ولو في إطار مشروع. غير أنه وإن كان التوقيف للنظر والحبس المؤقت أهم صور التعرض الضروري والمشروع لحق الحدث الجانح في الحرية، إلا أننا نرى ضرورة تضييق هذا المساس أكثر، لذلك فإننا ندعو المشرع الجزائري إلى:
1- خفض مدة كل من التوقيف للنظر والحبس المؤقت بالنسبة للحدث الجانح لما في هذين الإجراءين من مساس صارخ بحريته، خاصة وأنه لا يزال مجرد متهم يتمتع بقرينة البراءة، وإدانته غير مؤكدة بعد، حتى يتفادى الآثار السلبية لهذا الحبس.
2- إدراج الأحكام القانونية المتعلقة بتمديد كل من التوقيف للنظر والحبس المؤقت والرقابة القضائية على أوامر التوقيف الصادرة عن قاضي الأحداث فيما يخص الحدث الجانح ضمن القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل، وعدم الاكتفاء – بشأنها- بالإحالة إلى قانون الإجراءات الجزائية، لا سيما وأن المدد القانونية لكلا الإجراءين تختلف عن تلك الخاصة بالمتهم البالغ. وذلك تدعيما لسياسة المشرع في تخصيص قانون مستقل للطفل.
3- إدراج “حبس الحدث حبسا تعسفيا”، كظرف مشدد للعقوبة في جريمة الحجز التحكمي (الحبس التعسفي) المنصوص عليها في المادتين 110 و110 مكرر من قانون العقوبات، والفقرة الأخيرة من المادة51 من قانون الإجراءات الجزائية.
4- تعديل المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، واعتبار تعويض الحدث الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية أمرا إلزاميا، متى انتهت هذه المتابعة بصدور قرار نهائي قضى بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة، وألحق به هذا الحبس ضررا ثابتا ومتميزا، وعدم ترك هذا التعويض خاضعا للجنة التعويض التي يمكنها إصدار قرار برفضه طبقا لأحكام المواد 137 مكرر وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية.
5- ندعو قضاة الأحداث – على المستوى العملي- إلى ضرورة تطبيق عقوبة العمل للنفع العام على الأحداث الجانحين متى توفرت شروطها، بدلا من العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، وذلك حتى يقضوا عقوبتهم خارج أسوار المؤسسات العقابية ويتجنبوا مساوئها، ذلك أن هذه العقوبة هي عقوبة بديلة مقيدة للحرية لا سالبة لها، مما يسمح للحدث الجانح المحكوم عليه من البقاء قريبا من أسرته وأهله، ومن ثم الإبقاء على حقه في حرية التنقل مكفولة جزئيا حتى في مرحلة التنفيذ العقابي.
6- ضرورة تنظيم دورات تحسيسية وتوعوية تتمحور حول تعريف الأحداث وأوليائهم أو ممثليهم الشرعيين بحقوقهم، وتربيتهم على موضوع حقوق الإنسان، لما لهذا الموضوع من أهمية وضرورة في حياتهم.
(محاماه نت)