دراسات قانونية
تأثير الترسانة الفقهية على صياغة نصوص القانون رقم 39.08 (بحث قانوني)
مدى تاثيرالترسانة الفقهية في المغرب، على صياغة بعض نصوص القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، ودور ذلك في تحقيق الامن القانوني والقضائي (المادة 3 من المدونة نموذجا).
الأستاذ: الحسن اولياس
باحث في العلوم القانونية
توطئة عامة للموضوع:
صدر بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27ذي الحجة 1432، الموافق ل:24 نونبر2011، الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر بتاريخ 25ذي الحجة 1432(22نونبر2011)، بتنفيذ القانون رقم 39.08، المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
وتجدر الإشارة الى ان اعداد مشروع القانون المذكور، تطلب فترة زمنية استغرقت ازيد من 10 سنوات، تم في بدايتها صياغة مسودة المشروع التي كانت موضوع تنقيحات واضافات وملاحظات من قبل كافة القطاعات ذات الصلة، قبل إحالة ذلكم المشروع على مجلس النواب.
فمن المعلوم، ان اصدار القانون المذكور جاء في إطار السياق العام، لجمع وتوحيد القواعد المؤطرة للعقار بصورة عامة، بشكل يضمن الرجوع الى نص قانوني موحد من جهة عوض نصوص قانونية وقواعد فقهية متفرقة، وكذا تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية او ما يعبر عنه بالأمن العقاري من جهة ثانية، فتوحيد النصوص القانونية للعقار في إطار مدونة شاملة ومكتملة يسهل على المتعامل في العقار الاطلاع على تلكم النصوص، كما يسهل مأمورية القاضي في النزاعات المرتبطة بالعقار عموما على التطبيق السليم لها باعتبارها مرجعية موحدة.
فقبل صدور مدونة الحقوق العينية، لم يكن هناك مرجع قانوني خاص ينظم العقار الغير المحفظ بالمغرب، بل كان القضاء يرجع في البت في المنازعات المرتبطة بهذا الصنف من العقارات الى القواعد الفقهية،وخاصة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في فقه الامام مالك، وقد أدى الامر كذلك الى تضارب الاحكام والقرارات القضائية،تبعا لتعدد وتشعب الآراء والمقتضيات الفقهية في هذا الإطار.
هذا ومما تجر الإشارة اليه، ان مدونة الحقوق العينية المغربية تضمنت كذلك في صياغتها، اغلب القواعد القانونية التي كان يؤطرها ظهير 02 يونيو1915، والذي كان يطبق على العقارات المحفظة فقط (أي مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري للعقار الغير المحفظ، وما يرد على العقار المحفظ من حقوق وتقييدات وتشطيبات… ليس الا)، وقد برر بذلك واضعوا مشروع المدونة بكون هذه القواعد هي قواعد موضوعية مستمدة من الاحكام الفقهية والأعراف المعمول بها، وبالتالي فهي تنظم الحق العيني سواء تعلق الامر بعقار محفظ او غير محفظ.
وتشمل هذه المدونة 334 مادة، موزعة على فصل تمهيدي يتضمن الاحكام العامة (المواد من 1 الى 13)، وكتاب اول يرتبط ويتحدث عن الحقوق العينية الاصلية (الفصول 14 الى 221)، وكتاب ثاني يتناول أسباب كسب الملكية والقسمة العقارية (الفصول من 222 الى 334)، هذا الكتاب الأخير الذي شمل مادتين فريدتين، وهما:
الفصل 333 الذي ينص على ما يلي:
” ينسخ هذا القانون الظهير الشريف الصادر في 19 رجب 1333(02 يونيو1915) الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة”
والمادة 334 المشار اليها انفا، والتي تقضي بما يلي:
” يسري العمل بهذا القانون، بعد ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية”.
ومن ميزات هذه المدونة انها نظمت لأول مرة، بعض الحقوق الواردة على العقار (حق العمري مثلا) إضافة لبعض أسباب اكتساب الملكية (أراضي الموات، والحريم التي هي ملك للدولة – الملك الخاص) ….
زد على ذلك، تضمين صياغة بعض فصولها لأحكام وقواعد مستمدة أساسا من الترسانة الفقهية المعمول بها في المغرب، والمتعلقة كما سلف الذكر بالراجح والمشهور وما جرى به العمل في فقه الامام مالك (تحفة ابن عاصم الغرناطي، العمل الفاسي. العمل السوسي…. واحكام فقهية أخرى).
وفي نطاق التأطير القانوني لما تنظمه مدونة الحقوق العينية، ورد بالمادة الأولى منها ما يلي:
” تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية، والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 غشت1913)، بمثابة قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص في هذا القانون، فان لم يوجد نص يرجع الى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”.
وموضوع بحثنا هذا، سيتم التطرق فيه الى تأثير الترسانة الفقهية على بعض احكام مدونة الحقوق العينية (المادة3 نموذجا)،وقد تم اختيار هذه المادة بالضبط لأنها تحكم مجموعة من المواضيع الهامة التي تطرح العديد من الإشكالات في التطبيق وخاصة من الجانب القضائي، الا وهي: الحيازة، عقود التفويت المجردة من اصل التملك، وأخيرا قواعد واحكام الاثبات والترجيح بين الحجج المعمول بها في نزاعات التحفيظ العقاري (العقار في طور التحفيظ)، وكذا منازعات الاستحقاق
غير انه قبل التطرق لذلك، لابد من تناول بإيجاز، الإطار العام لصدور مدونة الحقوق العينية المغربية ومدى سعيها في تكريس الامن القانوني والعدالة الاجتماعية، على ان يتم الانتقال الى مدى تأثر هذه الأخيرة بقواعد الفقه الإسلامي وخاصة في مادتها الثالثة المتحدث عنها ومدى مساهمة ذلك في تحقيق الأهداف المنشودة وخاصة الامن القضائي، وسيتم اغناء الموضوع كالعادة باجتهادات قضائية حتى لا يظل منحصرا في جانبه النظري الصرف.
القسم الأول: الاطار العام لصدور مدونة الحقوق العينية ومبدا تكريس الامن القانوني والعدالة الاجتماعية:
المبحث الأول: الإطار العام لصدور مدونة الحقوق العينية:
باذئ ذي بدء، تنبغي الإشارة الى ان مشروع مدونة الحقوق العينية، وقبل اخراج القانون في صيغته النهائية الى حيز الوجود قصد التطبيق، سبق (أي المشروع) ان احيل قصد الدراسة على لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس المستشارين بتاريخ 27 يوليوز2011، وقد اندرج المشروع المذكور في إطار سياق تحديث المنظومة التشريعية بالمغرب بغية توحيد وتبسيط المفاهيم والمقتضيات القانونية المرتبطة بمجال العقار بصورة عامة، والحقوق العينية التي ترد عليه، سواء تعلق الامر بالعقارات المحفظة او الغير المحفظة.
فمن المعلوم ان بلادنا، تشهد ازدواجية القاعدة القانونية المنظمة للعقار، ذلكم ان المعاملات العقارية والحقوق العينية في العقار الغير المحفظ تخضع في احكامها لقواعد الفقه المالكي، وهي كلها قواعد مشتتة ان صح التعبير، او متفرقة في المراجع الفقهية وفي كتب النوازل، ويطرح التمسك بها اختلافا في العمل القضائي بين ما جرى عليه العمل في الجهات والمناطق، كما هو الامر بالنسبة للعمل الفاسي او العمل السوسي على سبيل المثال، ومن الناحية المقابلة فان العقار المحفظ، وكل ما يتصل به من حقوق يخضع منذ سنة1915 الى مقتضيات المرسوم الملكي المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
والحري بالذكر، انه بالرغم من كون الخزانة القانونية المغربية، تعج وتضم مؤلفات قانونية وفقهية تناولت العقار بصورة عامة، الا ان مشكل تطبيق القواعد القانونية على المعاملات المدنية والعقارية ظل قائم الذات، وتظهر اثار ذلك على الخصوص في المنازعات المرتبطة بالعقار واختلاف العمل القضائي في تطبيق قواعد واحكام موحدة عليها للأسباب السالف ذكرها أعلاه، ولما سيتم تبيانه أيضا من خلال ما سياتي بعده.
وكما أشار الى ذلك الدكتور عادل حاميدي في مؤلفه: القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي، حيث أورد ما يلي:
” فانه لا يماري أي باحث منصف في ان صعوبة الخوض في القضايا العقارية، لتشعب مواضيعها ودقة اشكالياتها، وازدواجية النصوص المطبقة بشأنها، فضلا عن أهمية العقار القيمية والرمزية في المخيال والعقل الجمعي المغربي، تجعل أي باحث يقلب نظره، ويجيل فكره قبل ان يسيل مداد قلمه….
………………………………………………………………………………………………………………….
ان القواعد الفقهية في المادة العقارية والمدنية، هي ضوابط تحيط بكافة كليات وجزئيات الخصومة في هذه المادة، من حازها حاز غاية الكمال ونهاية الوصال، وامن عدم التيه في دروب دعواها المتشعبة، والتي يتطلب الفصل فيها اناة وصبرا، والماما بهذه القواعد الإجرائية منها والموضوعية……………………….”
وبالتالي، فان الازدواجية المتحدث عنها، وما استتبعته من اختلاف في المفاهيم حول نفس الحقوق، طرح نوعا من الارتباك في تحديد المقصود من تلك المفاهيم وكذا في نمط التعامل معها، وهو الشيء الذي دفع بالمشرع الى أخذ المبادرة في التفكير في إقرار وحدة المفاهيم ووحدة القاعدة القانونية، وإخضاع الحقوق العينية وردت على عقارات محفظة او غير محفظة الى نفس القواعد القانونية، مع مراعاة استثناءات معينة.
وفي هذا الإطار كذلك، اشارالسيد محمد بوزوبع(وزير العدل سابقا) في معرض التقديم لمؤلف الأستاذ امحمد برادة اغزيول:” الدليل العملي للعقار الغير المحفظ”، اذ ورد في كلمته التقديمية لهذا المؤلف:
” …وبالرغم من وجود عدة قوانين تهم النظام العقاري في بلادنا، فإنها لم تعرف بعد قانونا موحدا متكاملا، يطبق على كل العقارات محفظة او غير محفظة، اذ ظلت المحاكم تطبق القواعد الفقهية المستمدة من الفقه المالكي على العقارات غير المحفظة، سواء تعلق الامر بحق عيني عقاري او بمعاملة في هذا العقار، مما يتطلب من الممارسين بذل جهود مضنية للوقوف على القواعد الواجبة التطبيق بهذا الخصوص
وهذا ما دفع بوزارة العدل الى اعداد مشروع قانون، يتعلق بمدونة الحقوق العينية، يهدف أساسا الى وضع أسس قانونية تطبق على الحقوق العينية الواردة على العقارات غير المحفظة، والمعاملات الجارية عليها، تمكن من اسهام العقارات غير المحفظة في مسار التنمية وتوظيفها الى جانب العقارات المحفظة في تشجيع الاستثمارات في مجال السكنى، والسياحة والصناعة، وتسهيل مهمة القضاء عند الفصل في المنازعات المرتبطة بالعقار……” .
وان كان هذا باختصار الإطار العام والقانوني لصدور مدونة الحقوق العينية، فإلى أي حد ساهمت بنود هذه المدونة في تحقيق النتيجة المرجوة، من امن قانوني وقضائي وعدالة اجتماعية، هذا ما سيتم التطرق اليه في المبحث الموالي:
المبحث الثاني: مدى تكريس مدونة الحقوق العينية للأمن القانوني والقضائي والعدالة الاجتماعية والاقتصادية:
لاشك ان وحدة القوانين المنظمة للعقار بصورة عامة، سيحقق الوضوح والاستقرار في المعاملات والمساواة في الاحكام التي تنظم الحق العيني، سواء كان محفضا او غير محفظ، دونما حاجة الى البحث عن النصوص في المراجع الفقهيةواللجوء في بعض الأحيان الى البحث في النوازل والقياس….- لكن دون ان يعني الامر الاستغناء عن الفقه الإسلامي كمرجع من مراجع تنظيم المعاملات العقارية-
فوحدة القانون المذكور، ستبعث على الاطمئنان، للتعامل في هذه العقارات، واختصار الجهد والوقت عند البت في النزاعات المرتبطة به، بل وتوحيد الاجتهادات القضائية الصادرة في الموضوع، بشكل يساهم في تفعيل دور الملكية العقارية في تحقيق الامن العقاري ومواكبة المسار التنموي.
ولعل هذه الأهداف، هي اهم ما ارتكز عليه مناقشة مشروع مدونة الحقوق العينية، بمجلس المستشارين، والمتمثلة في:
– اشتراط رسمية العقود بالنسبة لبعض الحقوق العينية
– توحيد قواعد الاثبات
– وضع نصوص تحكم جملة من الحقوق العرفية الإسلامية، كحق العمري، الزينة، الهواء، التعلية، والحبس، وتنظيم حالات الاشتراك ذات الطبيعة الخاصة، كحالة الحائط المشترك الفاصل بين ملكين متجاورين والطريق الخاص المشترك المستعمل
من طرف ملاك العقارات المجاورة
– تنظيم أسباب كسب الحقوق العينية العقارية، التي لم تكن منظمة من قبل في نصوص قانونية، كإحياء الأراضي الموات والحريم والحيازة، والمغارسة
– تدوين الاحكام المتعلقة بالهبة والصدقة لتطبق على العقار المحفظ والغير المحفظ.
– وضع إطار نصي قانوني لتنظيم الحيازة وتحديد شروط صحتها ومدتها واستمرارها وانقطاعها واثارها وحمايتها واثباتها، وحالات عدم الاعتداد بها
– إعادة صياغة النصوص المتعلقة بالالتصاق والشفعة كسبب من أسباب التملك
– وضع قواعد جديدة تنظم القسمة
-تنظيم إمكانية انتقال بعض الحقوق العينية بالشفعة او بالميراث او الوصية وإمكانية تفويتها او رهنها، وذلك ليمكن التعامل فيها او رهنها….
– وضع مقتضيات قانونية جديدة لتحفيز ذوي الحقوق العينية على اخضاعها لنظام التحفيظ العقاري، والاستفادة من الحماية التي يكفلها القانون.
ان تنظيم مدونة الحقوق العينية لهذه الأمور بأكملها، بشكل يستشف منه تجاوز العديد من العقبات، في افق تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والامن القانوني بصورة عامة، الا ان بعض نصوص تلكم المدونة خلقت العديد من الإشكالات على المستوى القانوني، ومن ذلكم على سبيل المثال فقط :
– الاشكال المتعلق بالمادة4 من المدونة (الذي تناولته العديد من الكتابات في الموضوع).
– وجود تكرار غير مبرر في بعض الفصول (المادتان14 و19 من المدونة) المنظمتان لنفس الاحكام المرتبطة بقيود الملكية
– تبني المدونة عند صياغتها للعديد من مقتضيات القانون المنسوخ
– عدم تبني العرف الا في أحوال استثنائية، وكان من الاجدر اعتباره مصدرا ثالتا يتعين الأخذ به كما هو الحال بالنسبة للفقه الإسلامي وقانون الالتزامات والعقود……..الخ.
وعموما، فان المدونة حسمت الامر نوعا ما، في توحيد النصوص القانونية والفقهية المنظمة للعقار، واخدت بعين الاعتبار كافة الجوانب والاشكالات المرتبطة بالميدان، وبالتالي فان وحدة الترسانة القانونية المنظمة للمجال العقاري في نهاية المطاف، انما تكرس دليل قوة الدولة وسيادتها، وهي عنوان درجة الانسجام المجتمعي.
القسم الثاني: مدى تأثر مدونة الحقوق العينية بقواعد الفقه الإسلامي وخاصة في مادتها الثالثة ومساهمة ذلك في تحقيق الأهداف المنشودة (الامن القانوني والقضائي والعدالة الاجتماعية).
المبحث الأول: تأثير قواعد الفقه الإسلامي على صياغة الفصل 3 من مدونة الحقوق العينية، نموذجا.
تنص المادة3 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:
” يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية، اكتساب الحائز ملكية العقار الغير المحفظ، او أي حق عيني اخر يرد عليه الى ان يثبت العكس.
لا تفيد عقود التفويت ملكية العقارات الغير المحفظة الا إذا استندت على أصل التملك، وحاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية.
إذا تعارضت البينات المدلى بها لإثبات ملكية عقار او حق عيني على عقار، وكان الجمع بينهما غير ممكن، فانه يعمل بقواعد الترجيح بين الأدلة ومن بينها:
– ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه
– تقديم بينة الملك على بينة الحوز
-زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد.
– تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب
– تقديم بينة الاثبات على بينة النفي
– تقديم بينة الاصالة على خلافها او ضدها
– تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد
– تقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة
– تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا
– تقديم بينة التفصيل على بينة الاجمال.”
الفرع الأول: تنظيم احكام الحيازة وعقود التفويت المجردة من أصل التملك (الفقرتان 1 و2 من المادة الثالثة):
ا-في الحيازة:
الحيازة: التعريف والشروط
حسب الفصل المعني، فانه يترتب على الحيازة المستوفية لكافة شروطها اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ، او أي حق عيني اخر يرد عليه، الى ان يثبت العكس.
غير ان الحديث عن الحيازة في إطارالفصل 3، لا ينبغي ان يؤخذ على عواهنه بصرف النظر عن مقتضيات أخرى متفرقة في المدونة، منها النصوص من 239 الى 263 من نفس القانون (الفصل الثالث المتعلق بالحيازة الاستحقاقية ومدتها واثارها واثباتها وحمايتها)، وخاصة الفصل 261 الذي أكد على انه لا تكتسب بالحيازة أملاك الدولة العامة والخاصة والاملاك المحبسة واملاك الجماعات السلالية والجماعات المحلية والعقارات المحفظة، والاملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في هذا القانون.
وبالأخذ بعين الاعتبار، كل هذه المعطيات، فالحيازة هي السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء منقولا كان أو عقارا أو على حق عيني مترتب على شيء،شريطة ألا تكون الأعمال التي تنم عن هذه السلطة أو السيطرة من قبيل الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح.
ويشترط لصحتها، مجموعة من الشروط، حددها الفقه الإسلامي وكذا مدونة الحقوق العينية في مادتها 240، فيما يلي:
– وضع اليد على الملك: ومعناه وضع اليد على الشيء المحوز، والسيطرة الفعلية عليه، وقد وضح الفقيه القرافي في كتاب الفروق معنى وضع اليد، بانه عبارة عن ” القرب والاتصال والبسط”، وقد ورد في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 15/07/1968:” ان كل ما سبقت يده الى شيء لايخرج من يده الا بيقين وان واضع اليد غير مكلف بإثبات شيء اذ ان وضع اليد يعتبر حجة يجب ان يعارض بحجة اقوى”،
– التصرف في الملك والنسبة: والمقصود به، مباشرة الحائز لمختلف أنواع التصرفات الشرعية في الملك، من استعمال واستغلال وتفويت، ومصدر ذلك في الفقه الإسلامي قول خليل: ” وصحة الملك بالتصرف”، وفي هذا الإطار ورد في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 21/03/1967: ” ان التصرف عام لا ينحصر في الحرث والغرس بل يشملهما وغيرهما من الرعي والحفر وغير ذلك”
– النسبة: بحيث ينسب الحائز الملك لنفسه والناس كذلك، بان يقول الحائز ملكي او ما شابهه مما يفصح عن نسبة الملك اليه، وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 1116 في الملف العقاري 2309/1/9/95: ” ان من شروط اثبات الملك النسبة، كما جاء في العمل الفاسي ان التنصيص على ذكر النسبة في الوثيقة لازم سواء كانت علمية او استرعائية”
– عدم المنازعة: بمعنى ان الحيازة يجب ان تكون غير منازع فيها من قبل الغير طيلة المدة المقررة قانونا، بمعنى ان الحيازة يجب ان تكون هادئة طيلة المدة المقررة لا يتخللها نزاع، بشكل يكسب الملك للحائز، وهو ما أكدته محكمة النقض من خلال قراراتها، منها قرارها عدد 121 بتاريخ 14/1/2004، في الملف عدد 3447/1/2002، وقرارها عدد 3453 بتاريخ 24/10/2007 في الملف عدد 1376/1/1/2007.
– استمرار مدة الحيازة: والمراد به المقدار الزمني المعول عليه فقها وقضاء على حوز الملك والتصرف فيه ، وهو على نوعين نوع يهم ما جهل اصل الملك فيه(مدة الحوز :10 اشهر)، ونوع اخر يكون فيه اصل الملك معروفا لشخص معين(مدة الحوز: 10 سنين او اكثر)، وقد طبق الاجتهاد القضائي هذا المقتضى في عدة قرارات، منها القرار عدد11 بتاريخ 26 اكتوبر1966، والقرار عدد 617 بتاريخ 13/02/2008 في الملف المدني عدد 4042/1/1/2006 وكذا القرار عدد 1065 بتاريخ 28/03/2007 في الملف عدد 142/1/1/2006، كما يجب التذكير كذلك ان المادة 244 من المدونة تطرقت لمسالة استمرار الحيازة من حائز لأخر، وهو ما تعرض له الفقهاء واسموه بالتلفيق، أي ان الحيازة في الفقه الإسلامي تلفق بين الخلف والسلف.
– في حالة وفاة الحائز، يشترط بالإضافة الى ما سيق أعلاه، شرط عدم التفويت: ومعناه في الحالة التي يحرر فيها الشهود الرسم بالملك والحيازة لورثة شخص متوفى(حائز)، يجب ذكر شرط عدم التفويت من قبل الحائز المتوفى لان التفويت من قبله للملك معناه خروج العقار من يده وبالتالي تنتفي واقعة استمرار الحيازة.
وعموما، فان صياغة المدونة لأحكام الحيازة، جمعت ما سبق ان تم تنظيمه في الفقه الإسلامي، فقد جاء في تحفة الحكام:
والاجنبي ان يحز أصلا بحق……………عشر سنين فالتملك استحق
وانقطعت حجة مدعيه ………………… مع الحضور عن خصام فيه
الا إذا اثبت حوزا بالكرا……………………او ما يضاهيه فلن يعتبرا
وورد في لامية الزقاق:
يد نسبة طول كعشرة أشهر…………وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا
وفي مختصر خليل:
” وصحة الملك بالتصرف، وعدم المنازع، وحوز طال: كعشرة أشهر.”
– من أسباب عدم الاعتداد بالحيازة:
1 -استنادا للفصل 241، من مدونة الحقوق العينية، لا تقوم الحيازة أيضا إذا بنيت على عمل غير مشروع، ومن امثلته الغصب او الاكراه، فالحيازة التي تمت على الغصب والاكراه لا يعتد بها، وقد طبقت محكمة النقض هذا المعطى من خلال عدة قرارات، منها:
* القرار عدد 1860 بتاريخ 22/06/2005، في الملف عدد1067/1/1/2003، حين اكدت في قاعدة قانونية على ان إقامة منشئات على عقار قهرا لا ينفع الغاصب ولا تنفعه حيازته تبعا لذلك ولو طالت.
* القرار عدد 285 بتاريخ 25/01/2006، في الملف المدني عدد 1799/1/1/2003
* القرار عدد 2327 بتاريخ27/06/2007 في الملف المدني عدد 2993/1/1/2006.
2-كما انه من المعلوم فقها وقضاء ان من عرف وجه مدخله بغير ناقل شرعي للملكية، فحيازته لا تنفعه ولو طالت، وحسبنا في هذا المقام الاستشهاد بالقرارات التالية:
– قرار محكمة النقض عدد 1087 بتاريخ 21 مارس 2001 في الملف عدد 2565/1/1/2000 المنشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من سنة 1991 إلى سنة 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق، ص 136 إلى 138.
– قرار محكمة النقض عدد 1912 بتاريخ 09 ماي 2000 في الملف المدني عدد 1201/1/1/1999 المنشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من سنة 1991 إلى سنة 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق، ص 62 إلى 65.
وهذا الأمر هو ما تزكى من خلال المادة246 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه:” “لا تقوم الحيازة ولا يكون لها أثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل للملكية، ولا يحق لواضع اليد أن يغير بنفسه لنفسه سبب وضع اليد على الملك محل ادعاء الحيازة ولا الأصل الذي تقوم عليه.”
3-اذا انصبت الحيازة على ملك من أملاك الدولة…. فطبقا للمادة261 من مدونة الحقوق العينية لا يكون للحيازة أي أثر اذا انصبت على ملك من أملاك الدولة العامة والخاصة واملاك الجماعات المحليةالى غير ذلك، ومن تطبيقات قرارات محكمة النقض في الموضوع، نذكر:
– قرارها عدد2871 بتاريخ12/09/2007 الذي جاء فيه ” … حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه اعتبر أن ” الحيازة المطلوبة مدة عشر سنين مكسبة له تملك ولو ثبت ملك من قبله بالنسبة للملك الخاص للدولة لأن الشهادة له بالحيازة المذكورة دون منازع تثبت الملك عملا بقول المتحف والأجنبي إن يحز أصلا بحق // عشر سنين فالتملك استحق “في حين أن القاعدة التي اعتمدها القرار لا تسري تجاه الدولة فيما إذا ثبت أصل الملك لها. الأمر الذي يكون معه القرار فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه مما عرضه بالتالي للنقض والإبطال.”
– قرارها عدد 3004 بتاريخ 19/09/2007، في الملف المدني عدد4013/1/1/2006.
– وقرارها عدد 4746بتاريخ 09/01/2010 في الملف المدني عدد3694/1/1/2009.
ب-في عقود التفويت المجردة من أصل الملك:
ان عقود الشراء المجردة من أصل الملك، أي التي لا تكون مقرونة بأصل تملك البائع للمشتري لا يعتد بها امام القضاء وتبقى في حكم الرسوم الغير المنتجة لأثارها القانونية، غير ان انتاج اثارها يبقى محصورا بين طرفيها ( البائع والمشتري فقط)، وقد تم التنصيص على هذه القاعدة فقهيا فيث نظم صاحب العمل الفاسي:
لا توجب الملك عقود الأشرية *** بل ترفع النزاع عند التسوية.
وهذا الأمر هو ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها منها:
– قرارها عدد121 بتاريخ14/01/2004 في الملف عدد3447/1/1/2002 ورد فيه:”… لكن ردا على الوسيلة. فإن ذلك الشراء مجرد بدوره عن أصل تملك البائع لان تنصيصه على تملك البائع للمبيع بالإرث من والده…لا يقوم مقام الملكية إذ هو مجرد حكاية من البائع فقط…”.
– وقرارها عدد3328 بتاريخ 17/10/2007 في الملف عدد738/1/1/2006 الذي جاء فيه:”… لكن ردا على الوسيلة أعلاه فإن القرار المطعون فيه رد عقد الشراء والأحكام المدلى بها من طرف الطاعنين لكون حجيتها لا تتعدى أطرافها، وذلك حين علل عن صواب بأن المتعرض على مطلب التحفيظ هو المدعي الملزم بالإثبات أولا. وأن الحجج المدلى بها من طرف المستأنفين لإثبات عقد الشراء المضمن بعدد47 صحيفة39 لا يوجب ملكا للمشتري لكونه مجرد عن المدخل فهو حجة على طرفين عند تنازعهما…”.
والمشرع أيضا سار في الاتجاه نفسه، مكرسا هذه القاعدة، وذلك في الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 39-08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، التي جاء فيها: “لا تفيد عقود التفويت ملكية العقارات غير المحفظة إلا إذا استندت على أصل التملك وحاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية”.
الفرع الثاني : تنظيم قواعد الترجيح بين الحجج في منازعات التحفيظ العقاري والاستحقاق (الفقرة 3 من المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية):
ان الترجيح بين الحجج، يعتبر من اهم الوسائل التي يستعملها القاضي في الوصول الى الحقيقة واثبات الملك، لطرف دون الاخر، وبعبارة اصح فان المعرفة بأسباب الترجيح بين الحجج تشكل البوصلة التي يسترشد بها القاضي عند فصله في الحقوق وإدلاء كل طرف بحجة تنسب الحق إليه وفي غياب العلم بها يخبط القاضي خبط عشواء ويتأرجح بين حجة هذا وبينة ذاك ولا يمكن ان يعلم ما يقدم ولا ما يؤخر ويستعصي عليه أي من الحجتين هي الأولى بالتطبيق وأي منها توجب الإبعاد.
ومن ثمة، جاءت الصياغة الحالية للفقرة3 من المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية، والتي سنتعرض لاهم أسباب الترجيح بين البينات فيها في حالة تعارضها وكان الجمع بينها غير ممكن، والتي تثار في غالبية المنازعات المتعلقة بالاستحقاق والتحفيظ العقاري، وبيان الامر على النحو التالي:
* ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه: فالبينة التي يتم فيها ذكر الملك، مرجحة على تلك التي لا يرد فيها ذلك.
*تقديم بينة الملك على الحوز: ترجح بينة الملك على الحوز، لقول خليل: ” وملك على حوز”، لان الملكية أخص من الحيازة واقوى منها، وهذه القاعدة طبقتها محكمة النقض من خلال عدة قرارات منها على سبيل المثال فقط، القرار عدد 466 بتاريخ25 مارس1986، في الملف الشرعي عدد 5304/85.
* زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد: إذا وقع وكانت إحدى البينات المتعارضة المستوفية لشروطها الشكلية، تتضمن عدولا يشهد لهم بالمروءة والتقوى أكثر من عدول البينة المعارضة، فإن البينة او الحجة الأولى ترجح على الثانية، اعتبارا الى ما لعدولها من خاصية إضافية، تنتفي في عدول البينة الأخرى. وتبقى خاصية المروءة والتقوى، نسبية ويصعب الركون إليها في الوقت الحاضر، لصعوبة إيجاد شهود عدول، فما بالك بشهود عدول أكثر تقوى ومروءة. ولعل هذا من بين الأسباب التي دفعت بالمشرع إلى تنظيم خطة العدالة، وتكليف رجالها بتلقي الشهادات الاسترعائية، أو تدوين الشهادات الأصلية، بما علم به العدول أنفسهم، مع ما يعرفه هذا الميدان من مشاكل تتجسد بالأساس، في حجية شهادة اللفيف، التي تبقىخاضعة لتقدير المحكمة، بالنظر لخطورة آثار الأخذ بها في بعض المجالات، خاصة في ميدان العقار غير المحفظ. أما إذا كان الترجيح بين البينة المشتملة على شهادة العدول على قلتهم، وبين بينة مشتملة على شهادة العوام على كثرتهم، فإنه في جميع الحالات ترجح بينة شهادة العدول، مهما بلغ عدد شهود شهادة العوام.
* تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب: ومثال ذلك انه إذا تضمنت الوثيقة شهادة شهودها بان عقارا هو في ملك شخص معين، لا يعلمون انه خرج عن ملكه الى الان، وتضمنت حجة أخرى شهادة شهودها بان المشهود له اشترى العقار المذكور منه، ترجح الوثيقة الثانية لأنها علمت ما لم تعلمه المستصحبة
* تقديم بينة الاثبات على بينة النفي: اذا تعارضت حجتان اولاهما تشهد بالإثبات والثانية تشهد بالنفي، فان حجة الاثبات ترجح وتقدم على حجة النفي، فقد جاء في المعيار: ” من اثبت شيئا ، أولى ممن نفاه، هذا الذي تقرر عليه مذهب مالك واصحابه…”
* تقديم بينة الاصالة على خلافها او ضدها: ومن امثلة ذلك، وجود بينتان متعاكستان في مضمونهما كبينة تشهد لشخص بالصحة وأخرى تشهد له بالمرض، فتقدم بينة الصحة على المرض، وفي هذا الإطار قال ابن عرفة:” وإذا شهدت بينة بانه تبرع في حالة صحة والأخرى في مرض مخوفه، قدمت بينة الصحة، ويكون التبرع نافذا ان حيز”
* تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد: فالبينة المتضمنة لتعداد الشهادة ترجح وتعتبر أولى في الاعمال والتطبيق على بينة شهادة الواحد.
* تقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة: فالبينة التي تتضمن تاريخ تحريرها تقدم على البينة المبهمة الغير المؤرخة أصلا.
* تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا: وهي المعبر عنها في التحفة، بما يلي:
وقدم التاريخ ترجيح قبل **** لا مع يد والعكس عن بعض نقل
والمقصود هنا ليس تاريخ تحرير البينات، وإنما تاريخ الشيء المشهود به، والمراد بقدم التاريخ، ما يكشف عن طول مدة الحيازة. فإذا شهدت حجة بان حيازة صاحبها ترجع لعام 1988، وشهدت أخرى بان حيازة صاحبها ترجع لعام 1980، ترتب عن كون هذه الثانية، أقدم تاريخا، ورجحت اعتبارا لذلك بقدم التاريخ.
والترجيح بقدم التاريخ موضوع زلل، لان الكثيرين يظنون أن المراد بقدم التاريخ، هو التاريخ الأقدم بالنسبة للوثيقتين، فإذا أرخت إحدى البينتين في عام 1980، والثانية في عام 1985، اعتبرت الأولى هي الأقدم تاريخا، وهو خطأ شائع، لان المراد بقدم التاريخ، هو مدة الحيازة بالنسبة للوثيقتين، وليس تاريخ تحريرهما، ووضع اليد على المدعى فيه قرينة على الملكية تؤيد باليمين، ويستحق صاحبها مع يمينه، عملا بقول صاحب التحفة:
واليد مع مجرد الدعوى وأن ***** تكافأت بينتان فاستبن.
ومن تطبيقات هذه القاعدة على صعيد، اجتهاد محكمة النقض نذكر:
– قرار محكمة النقض عدد 2897 بتاريخ 11 يوليوز2000، في الملف عدد 821/1/1/99، الذي جاء فيه:” يعتبر قدم تاريخ الملكية بمدة التصرف التي شهدت بها، لا من تاريخ تحريرها”
– -قرارها عدد 4934 بتاريخ 20دجنبر2000، في الملف عدد 540/1/1/98 الذي جاء فيه:” العبرة بقدم التاريخ هي المدة المشهود بها للحائز وليس تاريخ تحرير الشهادة….”
* تقديم بينة التفصيل على بينة الاجمال: ترجح البينة المفصلة على نظيرتها المجملة، اذا لم يوجد مرجح لإحدى البينتين على الأخرى، فان كانت الشهادتان فيما لا يعلم اصله يبقى الشيء بيد حائزه من المتداعين مع يمينه، وان كانت فيما عرف اصله ككونه بالإرث من فلان وامام كل واحد منهما البينة انه وارث فلا يختص به الحائز.
المبحث الثاني : مساهمة قواعد الفقه الإسلامي في تحقيق الامن القضائي من خلال صياغة الفصل3 من مدونة الحقوق العينية
ان الحديث عن مفهوم الامن القانوني والقضائي بصورة عامة، لا يمكن ان يتم بتاتا دون ربطه بالمفاهيم المتصلة به والتي نص عليها دستور المملكة المغربية، باعتباره أسمي القوانين وارقاها.
فالمشرع الدستوري كان واضحا حينما، أسس لمفهوم الأمن القضائي كإحدى الغايات والأهداف المطلوب من القاضي تحقيقيها حيث يؤكد على ذلك الفصل 117 من الدستور المغربي الجديد، على ضرورة حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، فارتقى بذلك بالأمن القضائي الى مصاف الحقوق الدستورية.
فالأمن القضائي بمعناه الشامل، هو الذي يعكس صورة ثقة المتقاضي في المؤسسة القضائية، والاطمئنان إلى ما يصدر عنها من احكام او قرارات، بناء على نصوص قانونية متينة واجتهادات قضائية حاسمة.
من خلال ما سيق أعلاه، يتبين مدى مساهمة الفقه الإسلامي عموما في صياغة احكام المادة3 من مدونة الحقوق العينية، وذلك من خلال تأطير مجموعة من القواعد والاحكام التي كانت متفرقة في المتون الفقهية، والتنصيص عليها بالمادة المذكورة بشكل يساعد القاضي عموما في الرجوع اليها، مع الاستئناس بالنص الفقهي للشرح والتعليل، وهذا في حد ذاته مساهمة من واضع قانون مدونة الحقوق العينية في هذا الجانب في إرساء قواعد عدالة اجتماعية متينة وامن قضائي محكم.
ولا شك ان الفقه الإسلامي، وكميزة في الموضوع كان سباقا الى تنظيم معظم ما تطرقت اليه مدونة الحقوق العينية، وبالتالي يبقى مرجعا مهما ينبغي الرجوع اليه كلما اقتضى الامر ذلك، ومعنى ان الفقه المذكور يحمل بين طياته العديد من الأمور التي يمكن اقرانها بالعدالة والامن القضائي كما سلف سياقه، الا ان مقتضياته فقط كانت متفرقة كما سلف الذكر، وان مدونة الحقوق العينية انما اضافت شيئا جديدا الا وهو تجميع تلكم المقتضيات وتوحيدها وربطها بنصوص قانونية مؤطرة ومنظمة.
خاتمة:
بالرغم من كل ما تم التطرق اليه، فانه لا يختلف اثنان على مكانة الفقه الإسلامي كمرجع قانوني ينظم مختلف المعاملات ببلادنا عقارية كانت او مالية او اسرية …الخ، وتأثير ترسانته جلية على جملة من بنود مدونة الحقوق العينية المغربية ومن ثمة لا ينكر أحد ان الفقه المذكور كان سباقا لتنظيم معظم المعاملات في العقار مما يبرز مدى مساهمته وبطريقة فعالة في تحقيق الامن القضائي في كل المنازعات المعروضة على القضاء والتي لها ارتباط بموضوعه ومنها منازعات الاستحقاق والتحفيظ العقاري.
غيران المعاملات العقارية دائما ما تتولد عنها إشكالاتأخرى مرتبطة بالحياة العملية، ومن ثمة فكافة الجهات المعنية بالموضوع ،مدعوة الى طرح كافة الإشكالات المرتبطة بالعقار عموما باعتباره أداة للتنمية في البلاد والبحث عن حلول لها بشكل يساهم في بلوغ أهداف التنمية المذكورة، ولعل من حسنات هذا الامر مبادرة مولانا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وايده، الى الدعوة للانكباب على مراجعة وتحديث الترسانة القانونية للعقار ، بما يضمن من حماية للرصيد العقاري وتثمينه، وهو موضوع اشغال المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد التي نظمت اشغالها يومي 8 و9 دجنبر2015 بالصخيرات، بشراكة مختلف الفاعلين في المجال، تلكم المناظرة التي خلصت الى توصيات مهمة في الموضوع.
تم بعون الله مع قوته
(محاماة نت)