دراسات قانونية

تنازع القوانين في الخطبة (بحث قانوني)

تنازع القوانين في الخطبة -دراسة مقارنة

إعداد الطلبة :
رشيد برادة
سعيد بوظاهر
خالد عدنان
تحت إشراف الدكتور أحمد إد الفقيه.
كلية الشريعة والقانون أيت ملول –أكادير
ماستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون – الفوج الثالث-

تنازع القوانين في الخطبة -دراسة مقارنة

مقدمة

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

نظرا لما لعقد الزواج من أهمية ومن آثار لا تنطبق على العاقدين فحسب، بل على أسرتيهما وعلى المجتمع ككل، فقد حبب الفقه الإسلامي ورغب بأن تكون له مقدمة تسبق التعاقد النهائي تتمثل في الخطبة، وأحاطها بعناية بالغة، وحدد طبيعة العلاقة بين الخاطب والمخطوبة خلال هذه الفترة. وأعطى لكل منهما الحق في العدول عن هذه الخطبة في أي وقت شاء دون أن يحدد لذلك شرطا أو قيدا، غير أن هذا العدول وإن كان حقا لكل من الطرفين، إلا أنه قد يلحق الطرف الآخر ضرر من ذلك، مما يجعل الطرف العادل مسؤولا عن تعويض الضرر اللاحق بالطرف الآخر إلا أنه و لما لعقد الزواج من خصوصيات فإنه لا يمكن التسليم بأن الخطبة ملزمة، على أساس يمكن معه إكراه الخاطبين على إبرام الزواج مستقبلا، و أقصى ما يمكن أن ينتج عن عقد الخطبة من إلزام أنه التزام أدبي بتنفيذ الوعد بالزواج، إذا ما تمت الخطبة صحيحة.

و تختلف أحكام قوانين الدول في موضوع الخطبة ويعود ذلك إلى اختلاف الفكرة الاجتماعية التي يقوم عليها مفهوم الخطبة,فمن هذه الأفكار ما يقوم على أساس جعل الخطبة عقدا ملزما لا يمكن العدول عنه ليرتب بذلك مسوولية عقدية عند عدم الوفاء به ,ومنهم م أخضعها لقانون جنسية الخاطب قيسا على قواعد التنازع في الزواج فجعل منها عقدا ملزما مثل عقد الزواج,ومنهم من اعتبرها وعدا بالزواج ليس له قوة الإلزام والالتزام.

هذا الاختلاف في الرؤى والأفكار نتج عنه التنازع بين قوانين الدول,ودفع الدول إلى بذل المزيد من العناية لتنظيم الاختصاص القانوني عن طريق وضع قواعد إسناد معينة يحدد بموجبها القانون الذي يحكم الخطبة شكلا وموضوعا وآثارا…وعلى كل حال فإن إسناد العلاقات ذات البعد الدولي لقانون دولة ما لا يتم بصورة مباشرة إنما بعد إجراء عملية فنية أولية سابقة, عليها يتوقف اختيار قاعدة إسناد دون غيرها يصطلح عليها بالتكييف او التصنيف.
لكل هذه الإعتبارات رأينا تقسيم بحثنا المتواضع إلى مبحثين:

المبحث الأول:الطبيعة القانونية للخطبة.
المبحث الثاني:القانون واجب التطبيق على الخطبة.

المبحث الاول : تعريف الخطبة وطبيعتها القانونية

المطلب الاول : تعريف الخطبة

الخطبة لغة مصدر خطب يقال خطب المرأة يخطبها خطباً وخطب، واختطب القوم فلاناً إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم.[1]
وفي الاصطلاح تعددت عبارات العلماء في تعريفها، إلا أنها متقاربة، ومن بين هذه التعاريف أن الخطبة التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة[2].
ومن بين التعريفات المعاصرة لها :
تقدم الرجل إلى امرأة معينة تحل له شرعا أو إلى أهلها.[3]
أو هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة، وإعلام المرأة وليها بذلك. وقد يتم هذا الإعلام مباشرة من الخاطب، أو بواسطة أهله.[4]
و عرفتها المدونة في المادة 5 على انها: “تواعد رجل و امرأة على الزواج”.[5]
من هذه التعريفات يتضح لنا ان الخطبة وعد بالزواج غير ملزم لا تترتب عليها أي اثار من اثار العقد.يقول الامام السيوطي :”والظاهر ان الخطبة ليست بعقد شرعي،وان تخيل كونها عقدا،فليس بلازم بل جائز من الجانبين قطعا.”[6]
وعلى هذا المنوال جرت كل قوانين الأحوال الشخصية ومنها مدونة الاسرة كما سبق ذكره في المادة الخامسة.

المطلب الثاني : التكييف القانوني للخطبة

لاشك أن للتكييف القانوني دور أساسي في مسألة الخطبة. حيث أن تكييفها يختلف من قاضي لآخر، وبالتالي يؤثر على قواعد التنازع اّلتي تحكمها، وينتج عنه في الأخير اختلاف في القانون الواجب التطبيق خاصة في حالتي العدول عن الخطبة أو فسخها.وعلى هذا الاساس يوجد ثلاث اتجاهات مختلفة حول التكييف القانوني للخطبة:

الاتجاه الاول : اعتبر الخطبة وعدا بالزواج وليست بعقد وبالتالي لا يترتب عن العدول عنها أي تعويض.
الاتجاه الثاني : اعتبرها بمثابة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.
الاتجاه الثالث : اعتبر الخطبة عقد والعدول عنها لا يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها في العدول.
وسنتعرض بالتفصيل لهذه الاتجاهات في الفقرات التالية :

الفقرة الاولى : الخطبة وعد بالزواج وليست بعقد.

يرى أنصار هذا الاتجاه أن الخطبة من مقدمات الزواج وهي لا تضفي عليها أثرا ملزما، إذ اعتبروها وعدا بالزواج وليست بعقد، أي ليست لها قوة الإلزام والالتزام.و الوعد بالعقد ليست له قوة العقد إطلاقا في إلزام طرفيه بآثار العقد.
وهذا الاتجاه هو الذي تبنته الشريعة الاسلامية ومعظم قوانين الأحوال الشخصية العربية.فالخطبة لا تقيد أحدا من المتواعدين بالزواج إذ لكل منهما أن يعدل عن هذا العقد متى شاء.والقول بغير هذا يتعارض مع المقصد الأساسي من تشريع الخطبة التي هي مجرد مرحلة وسطى للتفكير في الزواج.كما أن القول بغير ذلك يعدم مبدأ الحرية في الزواج.وعليه فالعدول عن الخطبة أمر مباح لا يترتب عنه أي تعويض لأنها ليست بعقد بل هي وعد بالزواج غير ملزم.
وفي هذا يقول الدكتور الأستاذ أبو زهرة رحمه الله: ” الخطبة ليست إلاّ وعدا بالعقد، والوعد لا يرقى إلى مرتبة العقد، ولا له قوة العقد وإلزامه، حتّى على رأي الفقهاء القائلين أنّ الوعد ملزم لإنشاء العقد، وذلك لتتوافر حرية الاختيار كاملة، وأنّ ذلك من مصلحة المجتمع، ومن مصلحة المتعاقدين، لأنّ الزّواج عقد حياة، والتروّي فيه أمر ضروريّ، ولو ألزم الخاطب بخطبته لكان في ذلك حمل له على العقد، قبل أن تتوفّر كلّ أسباب الدّرس والتّمحيص[7]. فهذا تعليل وتبرير فقهي وشرعيّ لعدم لزوم الخطبة وأنّها تظلّ مجرد أداة تعارف، وتآلف وتقارب بين الخاطبين، وأنّها وعد غير ملزم لأيّ طرف، ولا ترقى إلى درجة الإلزام، حماية للنّاس من عدم التروّي والتفكير والتبصّر، والبحث عن المصلحة وأنّ الحياة الزوجيّة لا بدّ أن تبنى على التأنّي والتفكير وحسن التقدير، وهذا لا يكون ناشئا عن الخطبة فقط، وإنّما يتحقّق بعد الخطبة، وهي مرحلة العقد[8].
وإذا القينا نظرة على الاحوال الشخصية العربية و الغربية فسنجدها تسير على هذا المنوال.فقد اعتبر القضاء الفرنسي الحديث الخطبة وعدا غير ملزم، بمعنى أّنه لا يتولد عنها التزامات قانونية في ذمة الخاطبين.
و في القضاء المصريّ قررت محكمة النّقض المصرية في أحد الأحكام أن الخطبة ” ليست إلاّ تمهيدا لعقد الزّواج، ووعدا به، وأنّ هذا الوعد لا يقيّد أحدا، من المتواعدين، فلكلّ منهما أن يعدل عنه في أيّ وقت شاء خصوصا أنّه يجب أن يتوافر في هذا العقد كامل الحريّة للمتعاقدين “[9].
ويجب التنبيه هنا أن الذين تبنوا هذا الاتجاه استثنوا من هذه المسألة الحالة التي يصاحب فيها العدول عن الخطبة فعل ضار بالطرف الآخر.حيث يترتب عن ذلك مسؤولية تقصيرية.فالقضاء المصري مثلا اعتبر الخطبة وعدا بالزواج غير أنه أشار الى أن : “العدول عن الخطبة قد يرتب المسؤولية، بشرط أن يقترن العدول بخطأ “.
كما تبنىت الجزائر هذا الموقف إذ أن الخطبة طبقا للنظام القانوني الجزائري مجرد وعد،فهي لا ترقى إلى درجة العقد ولا يترتب عنها أي أثر من آثار عقد الزواج . لكن الأفعال الضارة المصاحبة للعدول يمكن مساءلة الشخص عنها على أساس المسؤولية التقصيرية.[10]
وعليه نستنتج مما سبق أن الخطبة في حد ذاتها ليست التزاما والعدول عنها لا يرتب أي أثر، لكن الأفعال الضارة المصاحبة للعدول يسأل الشخص عنها على أساس المسؤولية التقصيرية.وفي هذا يقول الدكتور توفيق حسن فرج – في معرض انتقاده لنظرية التعسف في العدول عن الخطبة -– أن الكلام على مسألة العدول هو كلام عن الأضرار المصاحبة لها ، فإن تم العدول في ظروف لم يحصل فيها إضرار بالطرف الاخر فلا مسؤولية إطلاقا حتى ولو لم يكن للعدول ما يبرره.وإذا كان العدول قد تم في ظروف حصل فيها اضرار بالطرف الآخر فإن ذلك يؤدي إلى مساءلة من يعدل عن الخطبة حتى ولو كان لعدوله مبرر،متى توفر في سلوكه عنصر الخطأ و اكتملت عناصر المسؤولية التقصيرية[11] بصفة عامة.

الفقرة الثانية : الخطبة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.

اعتبر هذا الاتجاه الخطبة بمثابة عقد ملزم، ولا يمكن للأطراف العدول عنها،إلا بالإرادة المشتركة أو الإقالة الاختيارية.وإذا عدل أحد الأطراف عنها يسأل على أساس المسؤولية العقدية. ومن بين الأنظمة القانونية اّلتي ذهبت هذا المذهب التشريع الألماني والإنجليزي و التركي و السويسري، إذ اعتبرت العدول عنها نوعا من أنواع عدم التنفيذ مما يترتب عليه أثار المسؤولية العقدية ، أي بعبارة أخرى تسري عليها قواعد الإسناد الخاصة بالعقد.[12]
فهذه التشريعات أضفت على الخطبة الطابع المدني، أي أعطت للخطبة وضعا قانونيا نظم بموجبه شروطها الموضوعية والشكلية و الآثار المترتبة عنها في حالة العدول.
وقد اعتمدت بعض القوانين العربية هذا الاتجاه كالقانون الكويتي لرقم 5 سنة 1961 الذي تناول الخطبة في المادة 35 منه التي جاء فيها :
” تعتبر الخطبة من مسائل الأحوال الشخصية، ويسري عليها من حيث شروط صحتها قانون الجنسية بالنسبة إلى كل خاطب, ومن حيث آثارها قانون جنسية الخاطب وقت الخطبة، ومن حيث فسخها قانون جنسية الخاطب وقت الفسخ.”[13]
فهذا الجانب من الفقه يرى إخضاع الخطبة لقانون جنسية الخاطب قياسا على قواعد التنازع اّلتي تحكم الزواج، بحيث يخضع العدول عنها لقانون جنسية كل من الخاطب وقت فسخها.

وتجدر الإشارة إلى أن أول ظهور لهذه النظرية العقدية للخطبة كان في فرنسا إبان صدور القانون المدني الفرنسي سنة 1804.حيث أدى سكوت المشرع عن تنظيم أحكام الخطبة إلى تطبيق القواعد العامة للقانون عليها.وعليه قرر بعض المنظرون لهذه النظرية على أنه لما كان الالتزام بعمل يتحول عند عدم تنفيذه إلى تعويض،فإن الوعد بالزواج ليس إلا التزام بعمل وعدم الوفاء به يترتب عنه تعويض.وبالتالي يخضع لما تقضي به القاعدة العامة في هذا الصدد و الواردة في المادة 1142 من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن : “كل التزام بعمل أو امتناع عن عمل يتحول الى تعويض إذا لم يقم المدين بتنفيذه”.وقد جاءت عبارة هذا النص عامة مما يجعلها تسري على الوعد بالزواج وغيره من الوعود.وإذا ما أريد عدم إخضاعه له لابد من نص صريح يستبعد هذا الوعد ويستثنيه من القاعدة العامة.وبما أن هذا الاستثناء غير موجود فإن القضاء الفرنسي لا يمكنه أن يستثني الوعد بالزواج من الخضوع لأحكام المادة 1142 من القانون المدني الفرنسي.

وزيادة على ذلك فإن الفقه الفرنسي طبق القاعدة الواردة في المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي والتي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين بالنسبة للوعد بالزواج.وقرر هذا الفقه على أنه لا يمكن استبعاد هذا الوعد إلا بنص خاص صريح.ومادام أن هذا النص غير موجود فإن الوعد بالزواج يعتبر اتفاقا صحيحا ملزما لطرفيه.[14]
وقد وجدت هذه النظرية تطبيقا لها في الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي صدرت عنه عدة أحكام تؤكد الطابع العقدي للخطبة. فقد جاء في حكم لمحكمة تولوز:
“الخطبة عقد ملزم يرتب التزامات تبادلية بين المتعاقدين بإتمام الوعد بالزواج، وهذا الوعد يخول كلا منهما دعوى لإجبار الآخر على الوفاء به، لكن طبيعة هذا الارتباط تقضي بأن تتحول إلى التزام بالتعويض، يلتزم به من يرفض التنفيذ طبقا للمبادئ العامة التي أخذ بها القانون الفرنسي”.[15]
وتأسيسا على هذه المعطيات نستنتج أن الفقه الفرنسي طبق على الخطبة قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”،كما طبق عليها قاعدة “تحول الالتزام بعمل الى تعويض عند عدم تنفيذه”.

وكذلك فعلت بعض النظم القانونية المقارنة كالقانون النمساوي و الألماني والسويسري و الإنجليزي،التي اعتبرت الخطبة عقدا حقيقيا تترتب عليه آثاره إذا أبرم صحيحا.
ولكن هذا الرأي ليس هو السائد في النظم القانونية المعاصرة.كما أن القضاء الفرنسي نفسه قد هجر هذا الرأي و لم يعد يأخذ به في الوقت الحاضر.
إضافة الى هذا،هناك من لم يساير هذا الاتجاه ككل، الذي يجعل قواعد التنازع اّلتي تحكم الزواج نفسها قواعد التنازع اّلتي تسري على الخطبة، لأّنه يجعل من الخطبة عقد ملزم مثل عقد الزواج.لذلك وجهت له عدة انتقادات.ومن هذه الانتقادات ما ذكره “توفيق حسن فرج” الذي قال بأن القواعد العامة التي تطبق في العقود المالية تختلف بشكل كبير عن تلك التي تتعلق بالزواج.ومثال هذا أن الوعد بالزواج لا يصدر من مدين إلى دائن كما هو الأمر بالنسبة للعقود العادية.فالزواج هو رباط بيم نفسين أو روحين.والوعد بالزواج لا يمكن أن يولد رابطة قانونية لأنه غير ملزم من الناحية المدنية ولن يكون هذا الوعد ملزما إلا من حيث الضمير فقط.وكل ما هنالك أن هذا الأمر يكون حكمه ديانة بين العبد و ربه إذ على من أخل بوعده دون سبب شرعي أن يتوب إلى الله[16].وأما ان يكون هناك تعويض فهذا غير وارد في الوعد بالزواج.لأنه لا يمكن إجبار الخاطب المخل بالوعد على تنفيذ هذا الوعد،خاصة أن هذه المرحلة هي مرحلة تعارف و تآلف بين الخطيبين يمكن لكل واحد منهما التراجع عنها إذا ظهر له أو لها ما يوجب ذلك.ولاشك أن اعتبار الخطبة عقدا يدل على عدم فهم المقصود الأساسي من الزواج الذي هو رباط بين النفوس لا علاقة من علاقات العمل.[17]

وعلى هذا المنوال فعدم تنظيم القانون المدني الفرنسي لأحكام الخطبة لا يعني تطبيق القواعد العامة في العقود كما رأى بعض المنظرين و الشراح ، وإنما هذا السكوت يعني عدم الاعتراف بذاتية الخطبة من الناحية القانونية لأنها لا تولد أي التزام.

الفقرة الثالثة : الخطبة عقد والعدول عنها لا يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها في العدول .

ما يميز هذا الاتجاه عن سابقيه هو إمكانية إنهاء الخطبة بإرادة أحد الخطيبين المنفردة متى كانت هناك أسباب مشروعة لذلك.أما إذا تم إنهائها بلا أسباب مشروعة فإن المخل بالخطبة يكون متعسفا في استعمال حق العدول.ونتيجة لذلك يجب عليه التعويض.[18]

ومن بين الأسباب الغير المشروعة التي توجب التعويض : ألا يكون للعادل مبرر معقول لإنهاء الخطبة بل يفعل ذلك لمجرد التهور و الطيش أو أن يكون له دور في إنجاز التصرف الضار بالطرف الآخر كما إذا استعجلت الخطيبة حفلة الزفاف و عندما هيأ لها الخاطب أعلنت عن إنهاء الخطبة أو كأن يطلب الخاطب من خطيبته الانقطاع عن الدراسة أو التخلي عن وظيفتها فتفعل ذلك ثم يتراجع عن الخطبة.فكل هذه الأسباب وغيرها توجب التعويض.
وقد تبنى هذا الطرح الفقيه الفرنسي “جوسران” الذي يرى أن الخطبة لا تعدو كونها عقدا حقيقيا من العقود التبادلية التي يلتزم فيها الخطيبان بالقيام بعمل، وهو إبرام عقد الزواج في المستقبل، غير أنه يقر بإمكانية إنهاء هذا العقد من جانب واحد بالإرادة المنفردة، وهو حق نسبي ومسبب، فلا يمكن أن يمارس إلا لأسباب مشروعة، فإذا استعمل هذا الحق استعمالا تعسفيا كان هناك مجال لمساءلة الخاطب الذي أساء استعمال حقه.
فجوسران لا يرى في الوعد بالزواج أنه مجرد من كل قيمة قانونية، فإذا كان القانون المدني الفرنسي لم ينص على اعتبار الخطبة عقدا ملزما لطرفيه، فليس هذا معناه عدم الاحتجاج به، إذ أن كل عقد لم يمنعه القانون فهو جائز.
والخطبة عقد حقيقي يلتزم فيه الطرفان بالقيام بعمل، ويتميز هذا العقد بإمكان إنهائه من جانب واحد، ولكن هذا الحق من جانب واحد ليس مطلقا وإنما يمكن أن يرد عليه التعسف، وبالتالي فهو مقيد بالحكمة الغائية التي شرعت من أجلها، ويكون العدول تعسفيا متى لم يكن مستندا إلى أسباب مشروعة، كما أن الخطبة تعتبر عقدا من العقود غير المحددة المدة التي تحتمل الإنهاء من جانب واحد حيث يوجد مجال لتطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق بالنسبة للخطبة.[19]
إن ما يلاحظ في هذا الشأن هو السعي إلى تطبيق قواعد المسؤولية العقدية على الطرف الذي عدل عن الخطبة بإرادته المنفردة، لكن ليس استنادا على أن مجرد العدول عن الخطبة يشكل خطئا عقديا في حد ذاته، بل باعتبار فعل العدول قد يشكل في بعض الحالات إساءة لاستعمال الحق، ولأنها إساءة واقعة في دائرة العقد تطبق عليها قواعد المسؤولية العقدية. والثابت في الفقه و القضاء أن إساءة استعمال حق العدول عن الخطبة تترتب عنه المسؤولية التقصيرية،حتى لو كان الحق الذي أسئ استعماله ناشئا عن عقد.وهذا ما أكد عليه الدكتور “سليمان مرقس” مضيفا بأنه مادام الامر مصيره الى قواعد المسؤولية التقصيرية ، فلا فائدة من محاولة إثبات أن الخطبة عقد يكون لكل من عاقديه حق العدول عنه.[20]

ورغم أن هذا الاتجاه يبدو كحل وسط بين الاتجاه الأول و الثاني فإنه لم يسلم هو الآخر من نقد. والنقد الذي وجه إليه يتعلق بنظرية التعسف في استعمال الحق في شأن العدول عن الخطبة.فقد أكد “توفيق حسن فرج” أن الفقه لا يوافق في جانب كبير منه في إعمال هذه النظرية،خاصة أن القاعدة الفقهية تقول ” الجواز ينافي الضمان “.
وهذه القاعدة يستشف منها أن لكلا الطرفين الحرية في العدول عن الخطبة.وبالتالي فهذا العدول هو ممارسة لحرية الشخص في عدم إتمام الزواج الشئ الذي يعني أن الخاطب يمارس حريته في عدم التعاقد.وهذا من الحريات العامة التي يستوي الأفراد في شأنها من المركز.
وعليه فالقول بأن العدول عن الخطبة بدون مبرر يرتب مسؤولية تقصيرية باعتباره تعسفا قول مردود و غير مقبول، لأن ذلك يعني أن للوعد بالزواج صفة الزامية،[21] والأمر عكس ذلك.

الفقرة الرابعة : موقف مدونة الاسرة المغربية

لاشك أن مدونة الاسرة المغربية قد ذهبت مذهب الاتجاه الأول.ويتضح ذلك جليا من خلال المواد من 5 الى 9 .فالمادة الخامسة عرفت الخطبة بأنها “تواعد رجل و امرأة على الزواج”.فالمدونة استخدمت لفظ “التواعد”.وهناك فرق بين الوعد و التواعد إذ أن تواعد فعل رباعي على وزن تفاعل.مما يوحي بإيجاب و قبول كلا الطرفين بالخطبة.وبالتالي فالخطبة في مدونة الاسرة هي مجرد وعد بالزواج غير ملزم و ليست بعقد.مما يعني أن لكلا الطرفين الحرية الكاملة في العدول عنها بسبب أو بلا سبب شرعي دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض.
وقد أكدت المدونة على هذا المبدأ في المادة السابعة التي جاء فيها : “مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض”.
لكن هذا المبدأ العام استثنت منه المدونة مسألة خاصة تتعلق بالعدول الذي يرافقه ضرر للطرف الآخر.لذلك استطردت المدونة قائلة :”غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للأخر ، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض.”[22]
وبالتالي تكون مدونة الاسرة المغربية قد سايرت ما انتهت إليه محكمة النقض المصرية.وهو رأي منطقي يتفق مع مضمون الحديث النبوي “لا ضرر و لا ضرار”[23]. ومن الأضرار التي يمكن أن تصاحب العدول عن الزواج اتهام الخاطب للمخطوبة أو اتهامها له بما يمس الشعور و الكرامة كالطعن في العرض و في أخلاق العائلة وغير ذلك من الأقوال.ومنها أيضا أن يخطب الرجل امرأة موظفة ثم تتخلى عن وظيفتها بطلب منه أو يدفعها إلى القيام بنفقات باهظة قصد التهيؤ للزواج ثم يتخلى عنها وغير ذلك من الافعال.[24]
ثمرة الخلاف

تتمثل ثمرة الخلاف المشار اليه في الاتجاهات السابقة في القانون الواجب التطبيق عند النزاع المتضمن لعنصر أجنبي.ويمكن تبسيط ذلك في اتجاهين رئيسيين : اتجاه يعتبر الخطبة مجرد وعد بالزواج لا يترتب عن العدول عنها أي تعويض واتجاه يرى ان الخطبة عقد ملزم يترتب عن العدول عنها تعويض.وعليه فالقوانين صاحبة الاتجاه الاول لم تضع أي قواعد اسناد للخطبة تعين القانون الواجب التطبيق عند نشوء نزاع بشأنها عندما يتضمن هذا النزاع عنصرا اجنبيا.ومن هذه القوانين القانون السوري و الاردني و العراقي و المصري حيث سكتت هذه القوانين في هذا الشأن.ولهذا يمكن اعمال القواعد الخاصة بالزواج من حيث الاهلية و الرضا وموانع الزواج،ومن حيث الاثار و الفسخ.أما الاتجاه الثاني فقد أعطى للخطبة وضعا قانونيا نظم بموجبه شروطها الموضوعية و الشكلية و الاثار التي تترتب عليها عند العدول عنها.وهذا ما يلاحظ في القانون التركي و السويسري و الالماني و الكويتي وبعض دول امريكا اللاتينية.[25]
ولاشك ان الوقت قد حان لوضع قواعد اسناد خاصة بموضوع الخطبة وأن لا نترك هذا الامر للقواعد العامة للزواج.فطالما اتفقنا ان الخطبة مجرد وعد بالزواج غير ملزم،فإنها لا تخلو من الكثير من المشاكل المادية و المعنوية التي تحتاج الى حلول قانونية،خاصة أن معظم القوانين أعطت الحق لكل من الخاطب او المخطوبة في العدول عن الخطبة دونما حاجة الى سبب او تبرير.[26]

وعلى هذا الاساس وضع الفقهاء عدة حلول و مقترحات متعلقة بالقانون الواجب التطبيق، مميزين في ذلك بين تنازع القوانين الذي يترتب عن الشروط الموضوعية للخطبة و التي تتولد عن الشروط الشكلية لها.وهو ما سنتعرض له في المبحث الثاني ان شاء الله.
ومن ثمرة الخلاف في هذه المسألة كذلك أن الاختلاف في تحديد الطبيعة القانونية للخطبة له أهمية كبيرة في التكييف القانوني لها.ولذلك طرح الفقهاء السؤال التالي : هل الخطبة تندرج

في اطار مسائل الاحوال الشخصية أو في إطار مسائل الاحوال العينية؟
للإجابة على هذا السؤال اشار بعض الفقهاء[27] بأن الخطبة باعتبارها تواعدا على الزواج فإنها من مسائل الاحوال الشخصية.غير انه متى سلمنا بذلك فإنه يجب ان يسلم ايضا بأن ما يتخلف عن الخطبة من مراكز مالية او غير مالية تعتبر من الاحوال الشخصية لدخوله في مدلول كلمة الخطبة.ويؤيد هذا القول اعتبار تجانس القواعد التي تطبق عليها.فليس من المستساغ ان نخضع التعاقد لقواعد الاحكام الدينية في حين يخضع ما ينشأ عن هذا التعاقد للقانون المدني.
وإلى جانب هذا الرأي هناك رأي يرى أن الخطبة ليست من الأحوال الشخصية، لأنها لا ترتب أي التزامات شخصية بين الطرفين، وبالتالي فإنها تخضع لقاعدة الإسناد العامة في العقود، أي أنها تخضع لقانون الدولة التي تحدث فيه. أما عن القانون المغربي فإنه لم يتعرض للقانون الذي يحكم الخطبة، لذا يتعين الرجوع للقواعد العامة، وبما أنه تناول الخطبة في مدونة الأسرة فإنه اعتبرها من الأحوال الشخصية، وبالتالي فهو يخضعها لقانون جنسية الخطيبين طبقا للفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للأجانب الذي جاء فيه :” تخضع حالة الفرنسيين والأجانب الشخصية وأهليتهم لقانونهم الوطني” . [28]
فإذا كان الخطيبان من جنسية واحدة فلا إشكال، أما إن كانا من جنسيتين مختلفتين فهنا تظهر صعوبة التطبيق، علما أنه إذا كان أحد الخطيبين مغربيا فإنه يتعين تطبيق مدونة الأسرة المغربية.وذلك بناء على على المادة الثانية من المدونة التي تقول : “تسري احكام هذه المدونة على….العلاقات التي يكون فيها احد الطرفين مغربيا.”

المبحث الثاني: القانون الواجب التطبيق على الخطبة.

ان القانون الواجب التطبيق أو القانون المسند له الاختصاص هو العنصر الثالث من عناصر تكوين قاعدة الإسناد الذي يعبر عن حاصل جمع فكرة الإسناد مع ضابط الإسناد ويأخذ القانون طبيعته من الضابط أي ضابط الإسناد ,فإن كان الضابط يستمد وجوده من أطراف العلاقة –جنسية أو موطن الزوجين او الزوج او الأب – فالضابط شخصي ويأخذ القانون نفس الوصف فيكون شخصيا.أي القانون واجب التطبيق هو القانون الشخصي أو قانون الجنسية او الموطن.
والمشرع المغربي لم يضع قاعدة إسناد خاصة تحدد القانون واجب التطبيق عند حصول نزاع يتعلق بأحكام الخطبة ,ولكن بالرغم من ذلك فإن الخطبة مجرد مقدمة للزواج يجوز العدول عنها.ولمعرفة القانون واجب التطبيق على الخطبة لابد أن نفرق بين مختلف مسائل الخطبة من شروط موضوعية وأخرى شكلية والآثار المترتبة عن الخطبة وفسخها والعدول عنها.

المطلب الأول : الشروط الموضوعية للخطبة.

لمعرفة القانون الواجب التطبيق على الشروط الموضوعية للخطبة لابد أولا من الإشارة إلى المقصود من الشروط الموضوعية وبيان معناها, فهي إذا تلك الشروط الأساسية لقيام رابطة الزواج ,وإذا تخلف شرط من هذه الشروط يترتب عن هذه العلاقة البطلان ,ويقصد بها أيضا تلك الشروط التي يتوقف وجود الزواج على وجودها وينعدم لانعدامها [29].ومن هذه الشروط معرفة من تحل بينهما الخطبة ,ومن تحرم خطبتها بسبب النسب والمصاهرة أو الرضاع,وعدم جواز خطبة الرجل لزوجة الغير أو المعتدة أو المخطوبة لشخص آخر,وكذلك التراضي والإيجاب والقبول والحصول على إذن الولي.
ولقد اختلف الفقهاء حول القانون واجب التطبيق على الخطبة في حالة وجود نزاع يشوبه عنصر أجنبي إلى ثلاثة آراء :
-الرأي الأول : يرى ضرورة تطبيق قانون مكان انعقاد الخطبة .
-الرأي الثاني : يرى ضرورة تطبيق قانون جنسية الخاطب.
-الرأي الثالث : يرى ضرورة تطبيق قانون كلا الخاطبين.

مثال ذلك: تونسي خطب مغربية أثناء إقامتها في اليمن ,ثم سافرا إلى الجزائر ,وبعد فترة حدث نزاع بينهما,وتم عرض النزاع على القضاء الجزائري .
فوفقا للرأي الأول :فإن على القاضي الجزائري أن يطبق القانون اليمني, وعلى الرأي الثاني:عليه أن يطبق القانون التونسي ,وعلى الرأي الثالث:عليه ان يطبق القانون التونسي والمغربي.
والذي عليه الفقهاء القانونيين هو أن الشروط الموضوعية للخطبة تخضع لقانون جنسية كل من الخاطب والمخطوبة وقت الخطبة[30] قياسا على الزواج .

أما المشرع المغربي فقد سكت عن هذا الموضوع ,والذي عليه العمل هو إعمال القواعد الخاصة بالزواج من حيث الأهلية والرضا وموانع الزواج بالنسبة للإنعقاد والفسخ والقاعدة الخاصة بالفعل الضار من حيث الآثار .

المطلب الثاني : الشروط الشكلية للخطبة.

المقصود بالشروط الشكلية تلك الطرق اللازمة لإظهار الزواج والإفصاح عنه إلى العالم الخارجي، كإشهاره وتحرير عقده وإثباته.[31] لتحديد ما يدخل ضمن هذه الشروط الشكلية نعود لقانون القاضي المعروض أمامه النزاع فهي تخضع لقانون الدولة التي تتم فيها ,إلا أن هذا لا يمنع من خضوع شكل الخطبة لقانون الموطن المشترك للخاطب و المخطوبة أو قانونهما الوطني المشترك[32] .

ويمكن تصنيف ضوابط الاسناد المتعلقة بشكل الخطبة الى ثلاثة اصناف :
الاول :قانون الدولة التي تتم فيها الخطبة أي بلد الابرام.
الثاني :الموطن المشترك للخطيبين.
الثالث:الجنسية المشتركة للخطيبين.
وكما يلاحظ فهذه الضوابط خاصة بالشروط الشكلية للزواج إلا أنه و أمام غياب قاعدة اسناد صريحة خاصة بالشروط الشكلية للخطبة فإنه يمكن قياس ما سبق على الشروط الشكلية للزواج فتطبق بذلك قواعد الاسناد الواردة بالنسبة للزواج على الخطبة وذلك كما سيتم التطرق له في العرض الخاص بقواعد الاسناد المتعلقة بالشروط الشكلية و الموضوعية للزواج.
وعموما نود ان نشير الى ان اتفاقية لاهاي المتعلقة بإبرام الزواج والاعتراف به واّلتي دخلت التنفيذ ابتداء من 01 ماي 1991 أكدت في مادتها الثانية أن الشروط الشكلية تخضع لمكان إبرامها.

أما قاعدة التنازع اّلتي تحكم الشروط الشكلية في القانون الفرنسي، فهي قانون محل الإبرام وذلك حسب المادة 170 فقرة أولى من القانون المدني الفرنسي، واّلتي يستفاد منها أن الزواج المبرم في الخارج بين فرنسيين أو بين فرنسيين وأجانب يكون صحيحا طبقا لبلد الإبرام.
وفيما يخص القانون الجزائري، فقد أسند هذه الشروط في المادة 19 من القانون المدني المعدلة، إما لقانون المكان الذي تمت فيه، أو للقانون الوطني للزوجين، أو لقانون موطنهما المشترك، أو للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية [33].

وختاما نقول أن تنازع القوانين المتولد عن الشروط الشكلية للخطبة يخضع لقانون البلد الذي تمت فيه الخطبة ولما كان القانون المغربي لا يفرض أي شكل معين للخطبة وإنما بإجراءات شكلية ومراسيم مختلفة في المجتمع ,لذا تعد الخطبة صحيحة إذا حصلت وفقا لأوضاع البلد الذي تمت فيه أو إذا روعيت فيها المعايير التي يقررها قانون كل من الخاطبين.

المطلب الثالث : آثار الخطبة في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية

رغم أن الطبيعة القانونية للخطبة في الفقه والقانون لا تعدو كونها وعدا غير ملزم بالزواج،فإن للخطبة المعتبرة في الشرع والقانون آثارها المعتد بها وهي ترتبط بالأحوال والأوضاع وحتى المراكز القانونية للطرفين ،ويتعلق الأمر أساسا بالآثار القانونية المعتبرة في ضبط العدول عن الخطبة والأحكام المرتبطة بإمكانية التعويض عن الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة وكذا المطالبة باسترداد الهدايا المقدمة خلال فترة الخطبة من الطرفين أو من أحدهما لفائدة الطرف الآخر. أما بخصوص آثار الخطبة أي تحديد مدى الإلزام بتمام الزواج واعتبار الخطبة مانعا من الزواج من غير الخاطب ،وجواز الخطبة على الخطبة ،وجواز النظر والمخالطة بين الطرفين فهي تخضع لقانون دولة الخاطب ( أي لقانون جنسية الخاطب ) وذلك ضمانا لوحدة القانون الواجب التطبيق على الخطبة كنظام قانوني، والعبرة بقانون دولة الخاطب وقت الخطبة ولا عبرة بأي تغيير يلحق جنسية الخاطب بعد ذلك .[34]

والملاحظ أن آثار الخطبة في التشريعات التي تعتبرها عقدا كغيره من العقود تنحصر عادة في كونها ترتب وعدا بالزواج وتلزم بذلك كل من طرفيها بعدم الارتباط بزواج آخر كما يترتب على العدول عن الخطبة التزام بالتعويض ويلتزم من تلقى هدايا من الطرف الآخر بردها عند العدول .
أما في الجانب الفقهي الاسلامي فإن الخطبة لا تعتبر سوى وعدا بالزواج. وهي بذلك لا ترتب إلا آثارا محدودة ،منها أن المهر الذي دفع قبل العقد ترد قيمته وكذلك الهدايا المتبادلة بين الطرفين ،ومنها كذلك التعويض عن الضرر الذي يلحق أحد الطرفين جراء فسخ الخطوبة من قبل الطرف الآخر.

وقد صارت معظم التشريعات العربية بدورها في مسار الفقه الاسلامي. ففي القانون المصري تعتبر الخطبة وعدا بالزواج ولا يترتب عنها اي التزام بالزواج أو الالتزام بالتعويض عند العدول عنها إلا في حالة الضرر المصاحب لهذا العدول. وقد انتقد الدكتور هشام علي صادق القوانين التي تعتبر الخطبة عقدا يوجب الالتزام بالزواج والالتزام بالتعويض عند العدول لكلا الطرفين .وأضاف الدكتور أن ذلك ينفي مبدأ الحرية في الزواج.وفي هذا الإطار يقول ” وإذا تحرينا الامر لوجدنا أن معظم أثار الخطبة على هذا النحو ( أي باعتبارها عقد يوجب التعويض) تصطدم باعتبارات النظام العام في مصر لما فيها من تجاهل للاعتبار الاساسي الذي يقوم عليه عقد الزواج في القانون المصري بوصفه أساس الأسرة ،وهو ما يستتبع ترك الحرية كاملة لأطرافه في التبصر قبل القدوم على إبرامه .وعلى ذلك فإذا كان قانون جنسية الخاطب وقت الخطبة يرتب عليها التزاما بإبرام عقد الزواج أو يقرر مبدأ التعويض لمجرد العدول عن الخطبة تعين استبعاد هذا القانون لما تتضمنه احكامه لمعنى الاكراه على الزواج وهو ما يتعارض مع النظام العام في مصر.[35]

ولعل ذلك ما دفع البعض الى القول بضرورة تطبيق الفانون المصري على آثار الخطبة واستبعاد أحكام القانون الأجنبي باسم النظام العام.
أما فيما يخص المشرع المغربي فقد نحى بدوره منحى الفقه الاسلامي في تحديده لطبيعة الخطبة حيث اعتبرها وعد بالزواج ولا يترتب عنها اي آثار إلا في حالة العدول عنها بفعل سبب ضررا للطرف الآخر.

غير أنه حدد بعض الآثار الاخرى التي تترتب عن الخطبة وهي التي أشار اليها في المادة 156من مدونة الأسرة الجديدة ،حيث نصت هذه المادة على انه “اذا تمت الخطوبة وحصل الايجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ،نسب للخاطب للشبهة …” وذلك بشروط ذكرتها المادة لتحقيق ذلك.وقد تضاربت الآراء في هذه المادة بين من يعد هذه يعتبرها زواجا شرعيا اذا ما تحققت الشروط المضمنة في نفس المادة وبين من لا يرى ذلك.
أما فيما يخص تحديد القانون المحدد لآثار الخطبة عند التنازع في التشريع المغربي ، فيرجع في ذلك الى الفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب الذي جاء فيه ” تخضع حالة الفرنسيين والأجانب الشخصية لقانونهم الوطني ” [36]

و بالنسبة لحالة النزاع المكون من طرف أجنبي وطرف آخر مغربي أو مغربيين احدهما مسلم فالقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون المغربي حيث جاء في المادة الثانية من مدونة الأسرة ” تسري أحكام هذه المدونة على ،جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى، العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا ، العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم”.

المطلب الرابع : فسخ الخطوبة والعدول عنها في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية

فيما يتعلق بفسخ الخطوبة والعدول عنها وعلى خلاف ما يرى البعض من تطبيق قانون دولة الخاطب وقت الفسخ أو العدول عنها أو تطبيق قانون جنسية كل من الخاطب او المخطوبة ،فإن الدكتور أحمد عبد الكريم سلامة يرجع القول بتطبيق قانون دولة الفاسخ او العادل عن الخطبة أيا كان هل الخاطب أم المخطوبة لتعلق الأمر بمبدأ حرية الزواج وهذا فضلا عن أن الفاسخ او من يعدل عن الخطبة هو الذي يتحمل غالبا نتائج الفسخ أو العدول من حيث تقرير استرداد او عدم استرداد ما قدم من هدايا أو شبكة .[37]
وفي هذا الصدد يقول الدكتور هشام علي صادق أن التزام الخاطب أو الخطيبة برد الهدايا لا يعدو في حقيقته أن يكون تطبيقا لفكرة الإثراء بلا سبب ،وبالتالي فهو يخضع للقانون المحلي أي لقانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام.[38]
ومن جهة أخرى لابد لنا من التساؤل حول القانون الذي يحكم الفسخ أو العدول وخصوصا على المسؤولية التي تترتب عنها وذلك عند حدوث ضرر بأحد الخطيبين من جراء الفسخ أو العدول.

وللاجابة عن ذلك يقول الدكتور أحمد سلامة أن الخطبة في مفهوم الشريعة الاسلامية مجرد وعد بالزواج ليس له اي قيمة إلزامية ،بحيث يحق لأي أحد من الطرفين العدول عنه ،دون مسؤولية طالما انتفى التعسف ووجدت أسباب سائغة تبرره. غير انه قد يلازم العدول أفعال مستقلة عنه ينشئ عنها ضررا لأحد الطرفين ،فيكون التعويض عن هذا الضرر لا عن مجرد العدول ،فقد يكون لمن عدل دخا في الأضرار التي أصابت الأخر بسبب عدوله .[39]
وينفي البعض أهمية التساؤل السابق ويقرر أن فسخ الخطبة مهما كان مشوبا بالتعسف أو الرعونة يعتبر دائما عملا مشروعا في الشريعة الاسلامية فلا مسؤولية عملا بالمادة 21 من القانون المدني المصري.

وبغض النظر عن الرأي السابق يذهب اتجاه في القضاء المقارن الى تطبيق قانون دولة المدعى عليه المطالب بالتعويض ،وغالبا ما يكون هو الفاسخ أو العادل عن الخطبة وتلك هي القاعدة العامة في شأن الفانون الذي يحكم الفسخ أو العدول عن الخطبة .
غير أن الراجح هو سريان القانون المحلي ،أي قانون الدولة التي حدث في اقليمها الفعل الموجب للمسؤولية ،وذلك عملا بالقاعدة العامة في شأن القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد سلامة ” لاشك أن أعمال القانون المحلي يثير صعوبات عديدة ،ذلك أن العدول أو الفسخ لا يتم مرة واحدة وبصورة صريحة قاطعة ،انما من مجموعة تصرفات متتابعة. كما انه يصعب أحيانا تحديد محل وقوع العمل الخاطئ ،فقد يحدث العدول عن طرق خطاب أو بالتليفون. ففي قضية تتلخص في ان شخصا خطب فتاة من مدينة “مايرن” الأسترالية وبعد فترة رجع عن الخطبة وأرسل الى خطيبته الموجودة بمدينة لندن تلغرافا بذلك من مدينة “دارون” بولاية فكتوريا الأسترالية ،وقد قضت المحكمة في الدعوى المرفوعة بالتعويض عن الضرر الذي أصاب المخطوبة بأن العدول عن الخطبة قد تم في المكان الذي علمت فيه المدعية بالعدول ،أي في لندن ومن تم يكون القانون الانجليزي هو الواجب التطبيق.[40]

وكان عكس ذلك حكم استئناف “نيو ساوت ويلز” حيث اعتبر محل ارسال الخطاب أو التلغراف المتضمن الفسخ والعدول هو المكان المعتبر.[41]
على انه في خصوص فسخ الخطبة والعدول عنها بخطاب او تلغراف تكون العبرة الوصول وعلم المخطوبة بالعدول .
وعموما فقد اختلف مكان العمل الخاطئ عن مكان ترتب الضرر فالأولوية لهذا الأخير ويسري قانونه على المسؤولية لأن الاضرار التي تلحق المخطوبة هي أضرار نفسية ادبية وتتركز في مكان توطن أو إقامة المخطوبة.[42]

أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد اعتبر أن لكل واحد من الطرفين الحق في العدول عن الخطبة، حيث جاء في المادة السادسة: (… ولكل من الطرفين حق العدول عنها.) فإذا قدم الخاطب الصداق كله أو بعضه فللخاطب استرداد ما دفع ، حيث جاء في المادة التاسعة : إذا قدم الخاطب الصداق أو جزءا منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثنائها فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه. إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه).
أما عن الهدايا المقدمة في فترة الخطوبة فقد فصلت مدونة الأسرة في ذلك واعتبرت أنه إذا كان العدول من طرف الخاطب فلا حق له في طلب رد الهدايا التي كان قدمها، أما إذا كان العدول من طرفها فله الحق في استرداد الهدايا التي قدمها إما بعينها أو بقيمتها، حيث نصت المادة الثامنة على أن: ( لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله. ترد الهدايا بعينها، أو بقيمتها حسب الأحوال).
أما الأضرار التي يتسبب فيها أحد الخطيبين للآخر، كأن يحمل الخاطب المخطوبة على ترك عملها أو الانقطاع عن تعليمها أو إعداد جهازها، أو أن تطلب المخطوبة من الخاطب ترك مسكنه وإعداد مسكن آخر، فللطرف المتضرر الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر، كما تنص على ذلك المادة السابعة: ( مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض. غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضرارا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض).

وعلى كل حال، فالقانون المغربي مادام قد سكت عن تنازع القوانين المتعلق بالخطبة لأنه اعتبرها مجرد وعد بالزواج ،فإنه قد طبق على آثار الخطبة والعدول عنها في حالة التنازع القاعدة العامة للزواج المتعلقة بالفعل الضار من حيث الآثار.

المطلب الخامس :استبعاد القانون الواجب التطبيق

إذا تم تحديد القانون الأجنبي الذي يطبق على النزاع، فإنه يتم أحيانا استبعاد تطبيقه وذلك في حالتين :
الحالة الأولى: إذا وجدت قاعدة قانونية تنص على خلاف ذلك، بأن يطبق القانون الوطني على النازلة محل النزاع، كأن يكون أحد الطرفين مغربيا أو من بين الجنسيات التي يحملها الجنسية المغربية وقت الخطبة فإنه يتعين تطبيق القانون المغربي واستبعاد القانون الأجنبي عن التطبيق، عملا بالمادة الثانية من مدونة الأسرة التي جاء فيها تسري أحكام هذه المدونة على :
1- جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى؛
2- اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية، طبقا لاتفاقية جنيف المؤرخة ب 28 يوليوز لسنة 1951 المتعلقة بوضعية اللاجئين ؛
3- العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا؛
4- العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم
أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية )
ويلاحظ أن هذه المادة تنص على خضوع اللاجئين وعديمي الجنسية لمقتضياتها دون أن تبين نوع العلاقات التي تطبق عليها المدونة، هل هي العلاقات التي تكون في ما بينهم فقط، أم تشمل كذلك العلاقات التي يكون فيها طرف أجنبي؟ وبما أن اللاجئين وعديمي الجنسية يقعون تحت حماية الدولة، فمن تمام هذه الحماية، حمايتهم قانونيا كذلك بإخضاعهم للمدونة المغربية بنفس الكيفية التي يخضع لها المغاربة.

الحالة الثانية: يستبعد القانون الأجنبي عن التطبيق إذا تعارض مع النظام العام المغربي، من ذلك مثلا إذا كان القانون الأجنبي يلزم الخاطب بإتمام الزواج، أو يلزم الطرف الذي عدل بالتعويض بمجرد العدول، فهذا يتعارض مع مبدأ حرية الزواج وعدم الإكراه عليه. كما يتم استبعد القانون الأجنبي إذا كان يجبر العادل على أداء التعويض للطرف الآخر على أساس المسؤولية العقدية، لأن الخطبة ليست عقدا، ولكنها مجرد وعد بإبرام عقد الزواج، لأن مجرد الوعد لا ينشأ إلزاما كما ينص على ذلك الفصل الرابع عشر من قانون الالتزامات والعقود.

فهرس

مقدمة
الطالب الباحث :رشيد برادة
المبحث الأول:الطبيعة القانونية للخطبة.
المبحث الاول : تعريف الخطبة وطبيعتها القانونية
المطلب الاول : تعريف الخطبة
المطلب الثاني : التكييف القانوني للخطبة
الفقرة الاولى : الخطبة وعد بالزواج وليست بعقد.
الفقرة الثانية : الخطبة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.
الفقرة الثالثة : الخطبة عقد والعدول عنها لا يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها في العدول .
ثمرة الخلاف
الطالب الباحث : خالد عدنان
المبحث الثاني: القانون الواجب التطبيق على الخطبة.
المطلب الأول : الشروط الموضوعية للخطبة.
المطلب الثاني : الشروط الشكلية للخطبة.
الطالب الباحث:سعيد بو ظاهر
المطلب الثالث : آثار الخطبة في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية
المطلب الرابع : فسخ الخطوبة والعدول عنها في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية
المطلب الخامس :استبعاد القانون الواجب التطبيق

 

(محاماه نت)

إغلاق