دراسات قانونية
التشريع الجزائري وضمانات الإستثمار الأجنبي – بحث قانوني
ضمانات الإستثمار الأجنبي في الجزائر
كريمة عباس
أستاذة معيدة بكلية الحقوق جامعة الإخوة منتوري
ملخص :
باعتبار الإستثمار الأجنبي عماد التنمية الإقتصادية، فقد سعت بلادنا نحو استقطابه من خلال توفير الحماية اللازمة، وذلك بإحاطته بمختلف الضمانات والإمتيازات .
حيث عملت على إصدار ومراجعة العديد من النصوص القانونية المشجعة للإستثمار الأجنبي تضمنت الكثير من الحوافز والمزايا، أحدثها القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الإستثمار، وذلك وعيا منها بضرورة تضمين تشريعاتها الداخلية لآليات حماية الإستثمار الأجنبي من خلال التعهد بحمايته من المخاطر غير التجارية التي يمكن أن تلحق به .
كما أبرمت وصادقت على العديد من الإتفاقيات الدولية، الثنائية منها والمتعددة الأطراف، هدفها التشجيع على الإستثمار في الجزائر.
وقد حققت قفزة نوعية، حيث عرفت الإستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر سنة 2016 إرتفاعا محسوسا .
الكلمات المفتاحية : الإستثمار الأجنبي، الضمانات، التشريعات الداخلية، الإتفاقيات الدولية .
Résumé :
Le développement économique de notre pays doit passer inévitablement par le savoir faire des pays industrialisés. Pour attirer les investisseurs étrangers l’Algérie doit leurs offrir les garanties qui leurs permettent de s’installer sur le long terme. Des privilèges leurs sont accordés.
Une nécessité de la révision des textes et des lois était impérative pour les encourager à s’implanter durablement. Une loi n ° 16-09 pour la promotion des investissements a été promulguée dans ce sens. Elle comporte des mesures incitatifs et autres avantages qui permettent leurs protection des risques non commerciaux.
L’Algérie a conclut et ratifié plusieurs accords bilatéraux et multilatéraux visant à encourager les investissements étrangers.
Un saut qualitatif a été réalisé. En 2016 les investissements directe étrangers ont été concrétisés et ont connu un net progrès.
Mots-clés: investissement étranger, garanties, promotion des investissements, accords bilatéraux et multilatéraux.
مقدمة :
يعد الإستثمار اليوم أحد أهم آليات التنمية لتحقيق النمو الإقتصادي في معظم الدول بمختلف مستوياتها الإقتصادية، لاسيما الدول النامية التي تعتبر في أمس الحاجة إلى رؤوس الأموال لتمويل مشاريعها التنموية. الأمر الذي دعى إلى اعتماد هذه الدول برامج وسياسات إقتصادية تعتمد بشكل أساسي على الإستثمار الأجنبي في التنمية كمصدر من مصادر التمويل الخارجية كبديل عن القروض الأجنبية التي أثبتت عدم فاعليتها بالنظر للنتائج السلبية المترتبة عنها، وبالنظر لما تحققه الإستثمارات الأجنبية الأجنبية من فوائد لتلك الدول ( الدول النامية ) باعتبارها أحد الآليات الأساسية لتحقيق الإصلاح والنمو الإقتصادي في ظل اقتصاد السوق الذي اتجهت نحوه تلك الدول، فعلاوة على ما توفره من رؤوس أموال ضخمة، فهي تحقق فوائد كبيرة في مجال التشغيل والإنتاج ونقل التكنولوجيا وغيرها من الفوائد المباشرة وغير المباشرة التي تعود على الدول المضيفة، لذلك سعت ولا تزال الدول تسعى لجذبه عن طريق توفير مختلف التشجيعات والحوافز ومحاولة القضاء على الحواجز والعقبات التي تقف أمام استقطابه .
وقد عملت بلادنا ولازالت تعمل جاهدة نحو جلب المستثمر الأجنبي بغية الإستثمار فيها بشتى الطرق من خلال تقديم مختلف الضمانات والإمتيازات التي تشجع على ذلك، كون المستثمر الأجنبي لا ينتقل إلى الدول إلا إذا توافرت له الحماية القانونية اللازمة، إذ أنه ونتيجة عدم ثقته في وسائل الحماية الوطنية، وبالنظر كذلك لضعف الوسائل الدولية التقليدية لحماية الإستثمارات الأجنبية التي تقوم على أساس مسؤولية الدولة المضيفة عن الأضرار التي تصيب الأجانب، وعلى الرغم من وجود المبدأ الدولي المتعارف عليه والمتمثل في التزام الدول المستوردة للإستثمارات بضمان معاملة المستثمر الأجنبي وأمواله بشكل يتفق وقواعد الحد الأدنى لمعاملة الأجانب، يبقى دائما متخوفا من استثمار أمواله خارج بلده، وفي حاجة دائمة لحمايته قانونيا لضمان حقوقه .
ومسايرة للتوجهات الجديدة التي سلكها الإقتصاد الوطني والمتمثلة في الإنتقال من النظام الإقتصادي المخطط نحو النظام الإقتصادي الحر، وتحضيرا للإنضمام المرتقب للمنظمة العالمية للتجارة، فقد عمدت بلادنا على إصدار العديد من النصوص القانونية المشجعة للإستثمار الأجنبي تضمنت العديد من الحوافز والمزايا للمستثمر الأجنبي، لعل أحدثها القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الإستثمار، وذلك وعيا منها بضرورة تضمين تشريعاتها الداخلية لآليات حماية الإستثمار الأجنبي من خلال التعهد بحمايته من المخاطر غير التجارية التي يمكن أن تلحق به .
ومن جهة أخرى فقد سارعت بلادنا إلى إبرام والتصديق على عدة إتفاقيات دولية هدفها التشجيع على الإستثمار في الجزائر، سواء كان ذلك في شكل اتفاقيات لتشجيع وحماية الإستثمار الثنائية منها والمتعددة الأطراف، أو كانت في شكل إتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي أو لتسوية المنازعات الناشئة عن الإستثمار وغيرها. وما قانون الإستثمار الحالي ( القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الإستثمار ) إلا نتيجة للإلتزامات التي أبرمتها الجزائر مع غيرها من الدول، وجسدتها في قانونها الداخلي، أي أن أصل الضمانات و الإمتيازات التي يتضمنها هي في الحقيقة إما مبنية على التعهدات الدولية أو جاءت لتنفيذها .
فماهي إذا الضمانات الممنوحة للإستثمارات الأجنبية في الجزائر؟ وما مدى نجاعتها في جذب المستثمر الأجنبي ؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في مداخلتنا هذه حيث سنقسمها إلى قسمين كما يلي :
– الضمانات القانونية للإستثمار الأجنبي في الجزائر
– الضمانات الإتفاقية للإستثمار الأجنبي في الجزائر
أولا: الضمانات القانونية للإستثمار الأجنبي في الجزائر
نعني بالضمانات القانونية مجموعة الضمانات التي تم النص عليها ضمن التشريعات الداخلية للدولة المضيفة للإستثمار ( الجزائر ) .
حيث تناول القانون رقم 16-09 الصادر بتاريخ : 3 أوت 2016المتعلق بترقية الإستثمار(1) هذه الضمانات في الفصل الرابع منه تحت عنوان الضمانات الممنوحة للإستثمارات، وذلك من المادة 21 إلى غاية المادة 25 منه، وذلك كما يلي :
1- ضمان المعاملة المنصفة والعادلة :
تنص المادة 21 من القانون المذكور أعلاه على أنه : ” مع مراعاة أحكام الإتفاقيات الثنائية والجهوية والمتعددة الأطراف الموقعة من قبل الدولة الجزائرية، يتلقى الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الأجانب معاملة منصفة وعادلة، فيما يخص الحقوق والواجبات المتعلقة باستثماراتهم ” .
حيث يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري يساوي في المعاملة بين المستثمرين الأجانب و الوطنيين، بمعنى تسهيل ممارسة النشاط الإقتصادي لجميع الأشخاص دون تفرقة بين الوطنيين منهم والأجانب .
فمعاملة الإستثمار تقوم إذا على مبدأ المساواة، وهي المساواة في الحقوق والواجبات. ومصدر عدم التمييز في المعاملة هو القانون الدولي للإستثمار الذي يشترط على الدولة المضيفة عدم تقضيل مستثمرها الوطني على المستثمر الأجنبي(2) ، وهذا معناه أن يخضع كلا من المستثمر الأجنبي والوطني والإستثمار أيا كان نوعه إلى معايير موحدة قائمة على أساس المعاملة المتساوية، لهذا حرصت الإتفاقيات الدولية المتعلقة بتشجيع وحماية الإستثمار على تقرير مبدأ المساواة بين مستثمري الأطراف المتعاقدة، وتبعا للطريقة التي تناولته فيها هذه الإتفاقيات قد يتخذ هذا المبدأ عدة أشكال تتمثل في : المعاملة وفق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية، مبدأ المعاملة الوطنية للمستثمر الأجنبي، مبدأ المعاملة بالمثل ومبدأ المعاملة العادلة والمنصفة، دون أن تخرج هذه الأشكال عن المفهوم العام للمبدأ والمتمثل في عدم التمييز بين المستثمر الأجنبي والوطني في المعاملة (3) .
وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 21 المذكورة أعلاه، نلاحظ أن المشرع ضمن المساواة في المعاملة بين المستثمرين الأجانب فيما بينهم، ما عدا الأحكام التي تنص عليها الإتفاقيات الدولية المبرمة مع دولهم الأصلية، إذ يمكن أن تمنح امتيازات أفضل لرعايا الدول المتعاقدة، وبالتالي تطبق هذه الإتفاقيات استثناءا من المبدأ العام الذي يقضي بعدم التمييز في المعاملة بين المستثمرين الأجانب .
2- ضمان استقرار أحكام القانون المعمول به :
تنص المادة 22 من القانون 16-09 المذكور أعلاه أنه : ” لا تسري الآثار الناجمة عن مراجعة أو إلغاء هذا القانون، التي قد تطرأ مستقبلا، على الإستثمار المنجز في إطار هذا القانون، إلا إذا طلب المستثمر ذلك صراحة ” .
فمن أهم العوامل التي تدفع بالمستثمر الأجنبي إلى الإستثمار في دولة معينة هو استقرار تشريعاتها، فالحماية التي أقرها المشرع الجزائري لمواجهة الوضعيات الناشئة عن تغيير أو تعديل القانون الخاص بالإستثمار، يسعى من خلالها إلى محاولة طمأنة المستثمر الأجنبي بأنه في حالة تعديل أو إلغاء القانون الخاص بالإستثمار فإن المقتضيات الجديدة لن تطبق عليه، خاصة إذا تضمنت إنقاصا من الإمتيازات أو زيادة في الإلتزامات، لذلك تكون الدولة الجزائرية ( الدولة المضيفة ) قد تعهدت من خلال هذه المادة بتثبيت النظام القانوني الذي يحكم المشروع الإستثماري الأجنبي، على اعتبار أن مبدأ استقرار التشريع الخاص بالإستثمار يتيح للمستثمر الأجنبي العمل على أرضية قانونية ثابتة، كونه يفضل الإطار القانوني الذي لا يلحقه تغيير عميق، لأن التغييرات الفجائية في التشريع الخاص بالإستثمارات غالبا ما تضيع على المستثمرين فرصة الربح (4) .
وفي حالة كون التعديل أو الإلغاء الذي قام به المشرع الجزائري يخدم مصالح المستثمر الأجنبي، بمعنى أن هذا الأخير استفاد من التعديل يجوز له ( المستثمر الأجنبي ) الإستفادة من أحكام تلك التعديلات إذا رغب صراحة في ذلك من خلال تقديم طلبه إلى الوكالة الوطنية لتطوير الإستثمار.
3- ضمان عدم نزع ملكية المشروع الإستثماري :
تنص المادة 23 من القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الإستثمار على أنه : ” زيادة على القواعد التي تحكم نزع الملكية، لا يمكن أن تكون الإستثمارات المنجزة موضوع استيلاء إلا في الحالات المنصوص عليها في التشريع المعمول به.
يترتب على هذا الإستيلاء ونزع الملكية تعويض عادل ومنصف ” .
لقد ضمن المشرع الجزائري من خلال هذه المادة للمستثمر الأجنبي عدم حصول أي نزع للملكية إلا في إطار ما نص عليه القانون المتعلق بنزع الملكية، وهو القانون رقم 91-11 المؤرخ في 27 أفريل 1991 المحدد للقواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، (5) الذي حدد الحالات التي يمكن فيها نزع الملكية وكيفيات ذلك وبشرط أن يكون مقابل تعويض عادل ومنصف، بحيث أن أي نزع للملكية خارج تلك الحالات ودون احترام الشروط المنصوص عليها يعد باطلا، وهذا ما يشجع المستثمر الأجنبي على الإستثمار دون تخوف مادام أن الملكية محمية بموجب هذا القانون .
4- ضمان تحويل الرأسمال المستثمر وعائداته :
كرس المشرع الوطني هذا الضمان صراحة من خلال المادة 25 من القانون 16-09 المذكور أعلاه والتي تنص على أنه : ” تستفيد من ضمان تحويل الرأسمال المستثمر والعائدات الناجمة عنه، الإستثمارات المنجزة انطلاقا من حصص في رأس المال في شكل حصص نقدية مستوردة عن الطريق المصرفي، ومدونة بعملة حرة التحويل يسعرها بنك الجزائر بانتظام، ويتم التنازل عنها لصالحه، والتي تساوي قيمتها أو تفوق الأسقف الدنيا المحددة حسب التكلفة الكلية للمشروع، ووفق الكيفيات المحددة عن طريق التنظيم .
كما تقبل كحصص خارجية، إعادة الإستثمار في الرأسمال للفوائد وأرباح الأسهم المصرح بقابليتها للتحويل طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما .
يطبق ضمان التحويل وكذا الأسقف الدنيا المذكورة في الفقرة الأولى أعلاه، على الحصص العينية المنجزة حسب الأشكال المنصوص عليها في التشريع المعمول به، شريطة أن يكون مصدرها خارجيا، وأن تكون محل تقييم طبقا للقواعد والإجراءات التي تحكم إنشاء الشركات .
ويتضمن ضمان التحويل المذكور في الفقرة الأولى أعلاه، كذلك المداخيل الحقيقية الصافية الناتجة عن التنازل وتصفية الإستثمارات ذات مصدر أجنبي حتى وإن كان مبلغها يفوق الرأسمال المستثمر في البداية” .
فمن خلال هذه المادة نلاحظ أن ضمان تحويل الرأسمال المستثمر وعائداته لا يُمنح إلا للإستثمارات المنجزة بواسطة حصص في رأس المال بالعملة الصعبة حرة التحويل ومسعرة من قبل البنك المركزي، وتكون مستوردة من الخارج بطريقة قانونية من قبل أشخاص طبيعية أو معنوية سواء من جنسية جزائرية أو أجنبية، ويكون التحويل بسعر الصرف الرسمي المطبق بتاريخ التحويل.
فيضمن إذا تحويل الرأسمال المستثمر وكذا العائدات الناتجة عن استثماره، وكذا الأرباح الناتجة عن التنازل أو عن تصفية المشروع الإستثماري حتى ولو كانت قيمة هذه الأرباح تفوق قيمة رأس المال المستثمر.
كما تستفيد من ضمان التحويل أيضا الحصص العينية ذات المصدر الخارجي، بشرط أن تكون محل تقييم طبقا للقواعد والإجراءات التي تحكم إنشاء الشركات.
حيث أصبحت الوضعية واضحة بعد صدور نظام بنك الجزائر تحت رقم 05-03 المؤرخ في 6 جوان 2005 المتعلق بالإستثمارات الأجنبية، حيث كانت في ظل النظام القديم ( نظام رقم 2000-03 )تشترط إذن مسبق للتحويل من قبل بنك الجزائر، أما في ظل النظام الجديد ( نظام 05-03 ) فقد فوض هذه المهمة للبنوك والمؤسسات المعتمدة التي تلزم بإجراء وبدون آجال التحويلات المتعلقة بالأتاوى،الأرباح، نواتج التنازل عن الإستثمارات الأجنبية،…
فالنظام رقم 05-03 ينص على أن الأرباح والأتاوى الناتجة عن الإستثمار المختلط ( الوطني والأجنبي ) في النشاطات المؤهلة يمكن تحويلها بمبلغ يعادل حصة المساهمة الأجنبية في الرأسمال الإجتماعي .
وفيما يتعلق بالتنازل عن الإستثمارت وتصفيتهم، يتم التحويل بمبلغ يعادل مبلغ التنازل أو بقيمة الصافي للتسوية العائد للمستثمر الأجنبي .
وعن المراقبات، فيحتفظ بنك الجزائر بحق إجراء مراقبة لاحقة للتحويلات المنجزة من قبل البنوك الأولية .
هذا عن مختلف الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمر الأجنبي والتي جاء بها القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الإستثمار .
أما عن الضمانات الإتفاقية للمستثمر الأجنبي في الجزائر فسنتناولها فيما يلي :
ثانيا : الضمانات الإتفاقية للمستثمر الأجنبي في الجزائر :
بالنظر لعدم كفاية الضمانات التشريعية وحدها لتحقيق الحماية الكافية للمستثمرين الأجنبيين، بالنظر لعدم استقرارها وقابليتها للتعديل والإلغاء، تلجأ الدول المصدرة للإستثمار إلى وسائل قانونية أخرى أكثر قوة وضمان، تتمثل في عقد إتفاقيات ثنائية أو جماعية مع الدول المستقطبة للإستثمار .
وفي هذا السياق فقد أبرمت بلادنا العديد من الإتفاقيات الدولية في مجال حماية وتشجيع الإستثمارات الأجنبية سواء مع الدول العربية أو مع دول أخرى غير عربية ومن أهم هذه الاتفاقيات:
الاتفاقية مع مصر حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات(6)، الاتفاقية مع سوريا حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات(7)، وكذلك مع الأردن والكويت .
أما مع الدول غير العربية فنذكر الاتفاقية الضريبية الجزائرية الفرنسية، الاتفاقية مع بريطانيا(8) وإيرلندا في مجال النقل الجوي الدولي، وكذا الاتفاقية مع الاتحاد الاقتصادي اللوكسمبورغي(9) البلجيكي، ومع إيطاليا والمملكة الإسبانية ومع الدانمارك.
أما فيما يخص الاتفاقيات المتعددة الأطراف فنذكر منها: الاتفاقية المغاربية لتشجيع وضمان الاستثمار بين دول اتحاد المغرب العربي، اتفاق الشراكة من أجل تنمية إفريقيا (10)، اتفاق الشراكة مع دول الاتحاد الأوربي. إلى جانب اتفاقية سيول المنشئة للوكالة الدولية لضمان الاستثمار، واتفاقية واشنطن التي أحدثت المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار.
1- الاتفاقيات الدولية الثنائية :
أبرمت الجزائر 45 إتفاقية ثنائية لحماية الإستثمار(11)، ونظرا لتشابه معظم الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر في مجال تشجيع الاستثمارات واحتوائها على نفس المبادئ والمعاملات الخاصة بالاستثمار الأجنبي فسنختار الاتفاق المبرم بين الجزائر والكويت والاتفاق بين الجزائر والدانمارك كنموذج من هذه الاتفاقيات.
فعن الاتفاقية الجزائرية الكويتية للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، والتي تم إبرامها في 30/09/2001 بالكويت، وتمت المصادقة عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03-370 المؤرخ في 23/10/2003، فقد قررت العديد من الضمانات الممنوحة للمستثمرين من كلا البلدين، كضمان التعويض عن الضرر أو الخسارة الذي يمنح بموجبه المستثمرون التابعون لأحد المتعاقدين الذين تتعرض استثماراتهم في إقليم الطرف المتعاقد الآخر لأضرار أو خسائر بسبب الحرب أو أي نزاع آخر أو في حالة الطوارئ أو ثورة أو أعمال شغب معاملة من الطرف الآخر، إما إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه أو يرد الخسائر أو التعويض أو بأية تسوية أخرى لا تقل رعاية عن تلك التي يمنحها المتعاقد الآخر لمستثمريه أو المستثمرين التابعين لأية دولة ثالثة أيهما تكون أكثر رعاية.
كما أضاف تعويضا آخر عن الأضرار أو الخسائر التي تلحق بالمستثمرين التابعين لأحد الطرفين نتيجة للاستيلاء المؤقت على ممتلكاتهم أو جزء منها أو تدميرها، بحيث يكون التعويض فوريا كافيا وفعالا ويجب أن يسدد بعملة قابلة للتحويل بحرية أو يسمح بتحويلها بحرية وبدون أي تأخير.
وعن نزع الملكية، تذكر الإتفاقية بأنه لا يمكن أن تكون الاستثمارات المنجزة على إقليم أحد الطرفين موضوع نزع ملكية أو تأميم أو أي إجراء مماثل إلا لغرض يتعلق بمصلحة وطنية للطرف المتعاقد، وأن يكون قد اتخذ على أساس إجراء عدم التمييز وفقا للإجراءات المعمول بها، وبشرط أن يكون مقابل تعويض فوري وكاف ويتم تحديده وفقا لمبادئ التقييم المعترف بها دوليا بالعملة التي يتم الاستثمار بها أو أية عملة أخرى قابلة للتحويل.
ويحق للمستثمر المتضرر الحق في المراجعة الفورية لقضيته من قبل سلطة قضائية محلية في البلد المضيف للاستثمار أو سلطة مختصة مستقلة أخرى تابعة للطرف المتعاقد.
أما عن تحويل المدفوعات المتعلقة بالاستثمار، فيضمن كل من الطرفين للمستثمرين التابعين للطرف الآخر التحويل الحر للمدفوعات المتعلقة بالاستثمار داخل وخارج إقليميه بعد الوفاء بكل الالتزامات الجبائية، وتتم التحويلات بدون أي تأخير أو قيود بعملة قابلة للتحويل بكل حرية.
وعن تسوية المنزاعات، فتتم بالطرق الودية، وإذا تعذر ذلك خلال 06 أشهر من تاريخ طلب التسوية الودية فإن النزاع يعرض باختيار المستثمر طرف النزاع إلى إما لإجراءات مناسبة لتسوية النزاع متفق عليها مسبقا، وإما لإجراءات تسوية المنازعات في الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال في الدول العربية سنة 1980، وإما عن طريق التحكيم الدولي.
أما المنازعات التي تتعلق بتفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية فتحل من خلال مشاورات دبلوماسية وفي حالة فشلها خلال 06 أشهر من تاريخ طلب عقدها يجوز لأي من الطرفين عرض النزاع على محكمة تحكيم لهذا الغرض بعد إخطار الطرف الثاني كتابيا.
وعن مبدأ المعاملة بالمثل، فحسب نص المادة 04 من الاتفاقية فإنه لا يقدم للمستثمرين التابعين للطرف المتعاقد أي ميزة أو معاملة أو تفضيل على المستثمرين التابعين للطرف الآخر.
أما الاتفاق المبرم بين الجزائر والدانمارك حول الترقية والحماية المتبادلتين للاستثمارات، فقد تم التوقيع عليه في الجزائر بتاريخ 25/01/1999 وقد تمت المصادقة عليه بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03-525 المؤرخ في 30/12/2003.
ويهدف هذا الاتفاق إلى تكثيف التعاون الاقتصادي، وذلك من خلال توفير الشروط الملائمة لمستثمري أحد الطرفين على إقليم الطرف المتعاقد الآخر بناء على معاملة عادلة ومنصفة للاستثمارات المتبادلة.
وتضمن الاتفاق 14 مادة، كما حدد عدة مفاهيم ومصطلحات خاصة بالاستثمار وقد وسع من مفهوم المستثمر حيث شمل كل من شركة أو مقاولة أعمال أو الحصص الاجتماعية أو الأشكال الأخرى للمساهمة في شركة أو مقاولة أو سندات في شركة.
وعن الضمانات المقررة بموجب هذا الاتفاق (12)، فقد جاء في شأن ضمان استبعاد نزع الملكية الذي تناولته المادة 04 التي تنص على مايلي:”لا يمكن أن تكون ملكية استثمارات مستثمري كل طرف متعاقد على إقليم الطرف المتعاقد الآخر موضوع نزع ملكية أو تأميم أو تخضع لتدابير ذات أثر مماثل إلا لغرض المنفعة العامة وعلى أساس غير تمييزي بناء على الإجراء القانوني المطلوب مقابل تعويض سريع ومناسب وفعلي”.
أما عن ضمان التعويض فقد نص الاتفاق على نوعين منه، تعويض عن نزع الملكية وهو تعويض سريع ومناسب ومسبق ناتج عن العملية ويجب أن يكون مساوٍ للقيمة السوقية العادلة للاستثمار الذي وقع تحت نزع الملكية أو التأميم، ويحسب بعملة حرة قابلة للتحويل وفق سعر الصرف السائد في السوق لهذه العملة
ويمكن مراجعته طبقا لقوانين الطرف المتعاقد الذي قام بإجراء نزع الملكية عن طريق جهة قضائية مختصة به.
النوع الثاني من التعويض هو تعويض الخسائر، والذي يكون سببه الحرب أو نزاع أو حالة طوارئ ويستفيد المستثمر من تعويض لا يقل امتيازا ذلك التعويض الذي يمنحه الطرف الآخر لمستثمريه أو مستثمري دولة أخرى.
أما عن ضمان حرية تحويل رأس المال، فقد تضمنته المادة 06 من الإتفاق منه تحت عنوان “التحويلات”، وهو أن يسمح كل طرف متعاقد بالنسبة للاستثمارات التي تنجز على إقليمه من قبل مستثمري المتعاقد الآخر بحرية تحويل الرأسمال وكذا الأرباح والتعويضات والفوائد بعملة قابلة للتحويل .
أما عن ضمان اللجوء إلى التحكيم، فقد نصت عليه المادة 09 من الاتفاق بحيث اعتبرته كوسيلة قانونية في الدرجة الأولى بعد استنفاذ طرق المفاوضات. فإذا ثار أي خلاف بين الطرفين فيما يخص تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق، تتم تسويته بقدر الإمكان من خلال المفاوضات، وإذا لم يسو خلال 06 أشهر اعتبارا من تاريخ بدايته يحال بطلب من الطرفين إلى محكمة التحكيم التي تتشكل خلال 03 أشهر من استلام طلب التحكيم من عضوين يمثلان الطرفان المتعاقدان اللذان يختاران رئيس محكمة التحكيم ويكون من دولة أخرى في مدة 03 أشهر من تاريخ تعيينهما.
أما فيما يخص الإجراءات، فإن كل محكمة تحكيمية تحدد الإجراءات الخاصة بها وتتخذ قراراتها بأغلبية الأصوات، وتكون قراراتها نهائية ملزمة لكلا الطرفين المتعاقدين.
هذا عن الإتفاقيات الدولية الثنائية، أما عن المتعددة الأطراف فسنتناولها فيما يلي :
2- الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف :
نظرا لتعدد الاتفاقيات ذات البعد الدولي التي أبرمتها الجزائر مع عدة دول فإننا سوف نسلط الضوء على دراسة أهمها والمتمثلة في اتفاقية تشجيع وضمان الاستثمار بين دول اتحاد المغرب العربي، واتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي.
فعن اتفاقية تشجيع وضمان الاستثمار بين الجزائر ودول المغرب العربي، فنشير إلى أن الجزائر أبرمت معاهدة مع دول المغرب العربي تهدف إلى إقامة اتحاد المغرب العربي وبعد عام ونصف من دخول المعاهدة حيز النفاذ، فكرت هذه الدول في تعزيز هذا الاتحاد أكثر فتم إبرام اتفاقية تتعلق بالاستثمارات تطبيقا لنص المادة 02 الفقرة 03 من معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي. حيث تم توقيع هذه الاتفاقية في الجزائر بين خمسة دول وهي: الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب، موريتانيا، في 23/07/1990 وقد صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 90-420 المؤرخ في 22/12/1990.
وعن الضمانات التي كرستها الاتفاقية، فتتمثل في ضمان حرية تحويل الرساميل الذي نصت عليه المادة 11 من الفصل الثالث للاتفاقية (13) والذي يسمح لكل طرف متعاقد بحرية تحويل وبدون آجال رأس المال وعوائده أو أي مدفوعات أخرى متعلقة بالاستثمار، وينجز التحويل بعملة قابلة للتحويل بسعر الصرف الرسمي الجاري به العمل من تاريخ التحويل.
أما عن ضمان التعويض عن الأضرار، فقد أقرت الاتفاقية تعويضا عما يصيب المستثمر المغاربي من ضرر ناتج عن قيام الطرف المتعاقد أو إحدى سلطاته العامة أو المحلية أو مؤسساته بالتسبب بأي فعل أو امتناع في إحداث ضرر للمستثمر المغاربي بمخالفته الأحكام القانونية المكرسة في الاتفاقية أو في القوانين النافذة في الدولة التي يقع فيها الاستثمار.
ويكون التعويض نقدي خلال 06 أشهر من يوم وقوع الضرر وأن يدفع خلال سنة من تاريخ الاتفاقعلى مقدار التعويض وإلا استحق المستثمر فوائد تأخيرية عن المبالغ غير المدفوعة كما أضافت المادة 15 أنه يترتب عن نزع الملكية أو التأميم أو أي إجراء مماثل تعويض عاجل وعادل وفعلي خلال مدة لا تزيد عن سنة من تاريخ اكتساب قرار نزع الملكية صفته القطعية وقابل للتحويل بكل حرية”.
وعن إقرار بعض الامتيازات الخاصة للدولة المستثمرة، فقد نصت المادة 14 على بعض المزايا الخاصة بالمشروعات المشتركة بين دول الاتحاد أو مواطني كل منها والاستثمارات ذات الأهمية الخاصة والتي تحمل طابع تنموي. وتتمثل هذه المزايا في إعفاءات ضريبية وجمركية خلال مرحلتي الإنجاز والاستغلال.
أما عن الضمانات القضائية، والتي تنصب في مجال النزاعات والخلافات التي يمكن أن تنشأ في مجال الاستثمار وحسب الاتفاقية تكون هذه التسوية بطريقتين، إما ودية والتي نصت عليها المادة 20 حيث ذكرت بأنه “يقع بقدر الإمكان تسوية النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة والخاصة بتطبيق أو تفسير الاتفاقية بالطرق الودية”. أو التسوية القضائية: وجاءت بها الفقرة الثانية من المادة 20 حيث نصت على أنه : “إذا تعذر تسوية الخلاف بتلك الطرق يتم عرضه بطلب الأطراف المتعاقدة أمام الهيئة القضائية لدول الاتحاد أو على هيئة تحكيم” ، وبالتالي فإن التسوية القضائية تكون باختيار الطريقة القضائية المناسبة للأطراف وهي إما اللجوء إلى الهيئة القضائية لدول اتحاد المغرب العربي، أو اللجوء إلى هيئة التحكيم والذي اعتبرته المادة 20 من الاتفاقية تحكيم خاص، بحيث أن الأطراف هم الذين يقومون بتأسيسه، حيث يعين كل طرف خلال شهرين عضو بالهيئة ابتداء من تاريخ تسليم طلب التحكيم ويعينان بدورهما خلال شهر رئيسا لهيئة التحكيم على أن لا يكون من مواطني أحد طرفي النزاع ، وتكون قرارات هيئة التحكيم نهائية وملزمة.
أما عن اتفاق الشراكة الأورمتوسطية، والذي تم التوقيع النهائي عليه بفالونسيا الإسبانية في 22/04/2002 ليدخل حيز النفاذ في الفاتح من سبتمبر 2005 (14).
وعن الضمانات التي جاء بها هذا الإتفاق، فقد حرص الطرفان من خلاله على إعطاء أولوية خاصة للاستثمارات المتبادلة عن طريق ترقيتها وحمايتها بهدف خلق مناخ مناسب لتدفق الاستثمارات . حيث تضمن الإتفاق ضمان المعاملة العادلة، والذي نصت عليه المادة 30 على أنه تمنح المجموعة الأوربية ودولها الأعضاء للمستثمرين الجزائريين معاملة لا تقل رعاية عن تلك التي يحظى بها الممولون بالخدمات المماثلة وفقا لقائمة الالتزامات الخاصة للمجموعة الأوربية ودولها الأعضاء الملحقة بالاتفاق العام حول تجارة الخدمات، وبالمقابل تمنح الجزائر نفس المعاملة للممولين بالخدمات التابعين للمجموعة الأوروبية ودولها الأعضاء، وتمنح نفس المعاملة للفروع المستقلة والفروع التابعة لشركات المجموعة المنشأة على إقليم الجزائر.
أما عن المنافسة، فقد اعتبرت المادة 40 من الاتفاق أن كل ما يتعارض مع السير الحسن للتبادلات التجارية مخلا بمبدأ المنافسة ولاسيما الاتفاقيات بين المؤسسات وكل تجميع للمؤسسات المتفق عليها بين المؤسسات التي يكون هدفها أو من آثارها منع المنافسة أو تحديدها أو تعطيلها.
وكذا الاستغلال المفرط من طرف إحدى المؤسسات أو عدد منها بوضعية مسيطرة على كافة إقليم المجموع أو في جزء هام منه أو كافة الإقليم الجزائري أو في جزء هام منه. كما يعمل الطرفان على التعاون في سن نصوص تشريعية خاصة في مجال المنافسة.
وعن ضمان التداول الحر لرؤوس الأموال، فتضمن الاتفاق التزام المجموعة والجزائر اعتبارا من دخوله حيز التنفيذ، السماح بالتداول الحر لرؤوس الأموال الخاصة بالاستثمارات المباشرة في الجزائر وتعاون الطرفين على توفير كل الظروف الضرورية قصد تسهيل تداول الأموال فيما بينها والتوصل إلى تحريره التام.
أما عن ضمان التعويض، فإن أي تدبير أو ممارسة ذات طابع جبائي داخلي يؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى التمييز بين منتجات أحد الطرفين والمنتوجات المماثلة التي يكون منشأها الطرف الآخر يلزم الطرف الذي ينوي اتخاذ مثل هذه التدابير بتقديم تعويض للطرف الأخر على شكل تحديد المبادلات حيال الواردات القادمة من هذا الأخير، ويعادل التعويض الآثار التجارية المجحفة الناجمة عن هذه التدابير، كما يقدم قبل اتخاذ التدبير الوقائي.
3- الاتفاقيات الدولية التي صاقتت عليها الجزائر
من أجل توفير الحماية القانونية للمستثمر الأجنبي وضمان ثقته فإن الجزائر قد صادقت على عدة اتفاقيات دولية أنشأت هيئات دولية متعلقة بضمان وحماية الاستثمار أهمها: المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار الذي تم إنشاؤه بموجب اتفاقية واشنطن سنة 1965، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار التي تأسست بموجب اتفاقية سيول لسنة 1985.
فعن المركز الدولي لتسوية لمنازعات المتعلقة بالاستثمار CIRDI، فقد وافقت الجزائر على اتفاقية واشنطن المتضمنة إنشاءه بموجب الأمر رقم 95-04 المؤرخ في 21/01/1995 وصادقت عليها بموجب المرسوم الرئاسي 95-346 المؤرخ في 30/10/1995(15) .
وقد كرست الجزائر ذلك في قوانينها لاسيما الأمر 01-03 المعدل والمتمم بالأمر 06-08 المتعلق بتطوير الاستثمار الذي منح ضمانا قضائيا يتمثل في إمكانية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار بموجب قواعد التحكيم التجاري الدولي.
و قد أنشئ هذا المركز بموجب اتفاقية واشنطن التي أعدها البنك الدولي للإنشاء والتعمير في 18 مارس 1965 ويوجد مقره بمقر البنك أي بواشنطن، حيث يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وأهلية التعاقد وأهلية التقاضي كما يتمتع أيضا بالحصانة على أراضي الدول المتعاقدة ليتمكن من تأدية وظائفه.
وقد اصطلح على تسمية التحكيم الذي يقوم به، بالتحكيم المؤسساتي، ونظرا لفعاليته فإنه إلى غاية 30 جوان 2002 وصل عدد الدول الأعضاء المصادقة على الاتفاقية إلى 150 دولة.
وعن شروط اختصاصه، فتتمثل حسب المادة 25 من الاتفاقية في كل من :
أطراف النزاع : حيث يجب أن يكون أحد الطرفين تابعا لدولة متعاقدة وأن يكون الطرف الآخر مواطنا (أي شخص طبيعي أو معنوي) من دولة أخرى متعاقدة.
رضا الأطراف : ويكون الرضا بالتحكيم أمام المركز ملزما ولا يجوز الرجوع عنه بالإرادة المنفردة لأي من الطرفين، كما يجب أن يكون كتابيا، وأن هذا الرضا يحرم الأطراف من تقديم منازعاتهم أمام جهة أخرى.
المنازعة قانونية ومتعلقة بالاستثمار: أي متعلقة بحق أو التزام قانوني مثل تطبيق بنود الاستثمار بين أطرافه أو تفسيرها أو الاعتداء على أي حق تقرره اتفاقية ثنائية بين الدولة المضيفة للاستثمار ودولة المستثمر وأن تكون المنازعة ناشئة بطريقة مباشرة عن عقد الاستثمار.
وعن إجراءات التحكيم أمام المركز، فتنص المادة 36 من اتفاقية واشنطن على وجوب تقديم طلب كتابي لإقامة الدعوى، ويكون عبارة عن عريضة مقدمة من أحد الطرفين إلى الأمين العام للمركز.
بعدما يقوم الأمين العام بتسجيل الطلب أو العريضة مع منح وصل بذلك وبالمقابل يقوم بإرسال نسخة من العريضة إلى الطرف الآخر ثم يقوم على الفور بتكوين هيئة أو محكمة تحكيم التي يمكن أن تتشكل من محكم وحيد أو من عدد فردي من المحكمين، يتم تعيينهم بناء على اتفاق الطرفين، وفي حالة غياب مثل هذا الاتفاق تضم المحكمة ثلاث محكمين كل طرف يعين محكم والثالث يعين باتفاق المحكمين خلال 90 يوما من وقت إبلاغ الأمين العام الأطراف بتسجيل الطلب مع ملاحظة أنه يمكن للأطراف اختيار محكمين خارج القائمة التي يحتفظ بها المركز.
أما فيما يتعلق باستبدال المحكمين، فإن الاتفاقية فصلت في عدم جواز تعديل المحكمة المشكلة متى بدأ عملها، وإذا استقال أحد المحكمين سيتبدل بعضو آخر من قائمة المحكمين باختيار رئيس المجلس الإداري.
أما عن طلب الرد في المحكمة، فإن المحكمين الآخرين يفصلون في الطلب دون تدخل الطرف المراد رده، وإذا تم ذلك أو حالة الحكم برد أغلبية أعضاء المحكمة يفصل في طلب الرد من قبل رئيس المجلس الإداري (16) .
وعند انعقاد المحكمة فإنها تختص بنظر المنازعات التي تدخل في اختصاصها، طبقا للقواعد التي اتفق عليها طرفا النزاع، فيجوز لهم اختيار نظام قانوني متكامل أو يشترطوا تطبيق طائفة معينة من القواعد القانونية، كما يجوز لهم الاتفاق على تطبيق النظام القانوني لأحد الطرفين أو حتى قانون دولة ثالثة وعند غياب الاتفاق فيكون للمحكمة أن تطبق القانون الداخلي للدولة المتعاقدة الطرف في النزاع (المضيفة للاستثمار) بما في ذلك قواعد تنازع القوانين في تلك الدولة، ولا يجوز للمحكمة أن ترفض الفصل بحجة عدم وجود نصوص قانونية قابلة للتطبيق.
وعند انتهائها من النظر في النزاع تفصل في كل مسألة بأغلبية أصوات أعضائها وأن يكون الحكم مسببا ويجوز لكل محكم أن يلحق رأيه الشخصي الخاص بالحكم ويوضح فيه أسباب الخلاف، ومن الناحية الشكلية يشترط أن يصدر كتابة وموقعا من قبل أعضاء المحكمة الموافقين عليه، ويبلغه الأمين العام إلى أطراف النزاع فور صدوره كما يجوز أن ينشر في المركز بموافقة الأطراف، ويكون هذا الحكم ملزما لهم وله قوة الشيء المقضي به ولا يمكن الطعن فيه بأية طريقة إلا بناء على حالات خاصة نصت عليها الاتفاقية.
أما عن الوكالة الدولية لضمان الاستثمار AMGI، فقد أنشئت بموجب اتفاقية سيول المبرمة في 11 أكتوبر 1985، والجزائر ورغبة منها في ضمان الاستثمارات وافقت عليها بموجب الأمر 95- 05 المؤرخ في 21/01/1995 (17) ثم صادقت عليها في: 30/10/1995 بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 95-345. وتعتبر الوكالة هيئة قانونية تتمتع بالشخصية المعنوية الكاملة، ولها القانونية وأهلية التقاضي، كما تتمتع برأس مال قدر عند إنشائها بـ 1000 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة وكل حق سحب خاص يساوي 1.082 مليون دولار وهو قابل للارتفاع كلما ارتفع عدد الأعضاء.
ويوجد المركز الرئيسي لها في واشنطن كما يجوز لها إنشاء مكاتب أخرى في أماكن أخرى إذا اقتضى نشاطها ذلك وتتشكل من مجلس المحافظين، مجلس الإدارة، رئيس الوكالة وموظفيها.
ولقد أنشئت هذه الوكالة من أجل أن تتحمل التوابع المالية الناجمة للمستثمر نتيجة الخطر غير التجاري اللاحق به في الدولة العضو وذلك عن طريق إبرام عقود تأمينات وإعادة التأمين مع الدول الأعضاء فيها.
وفي مفهوم الاتفاقية فإن الخطر غير التجاري يتمثل في الخطر السياسي كعدم القدرة على التحويل النقدي، نزع الملكية أو التأميم، الحرب، قطع العلاقة التعاقدية.
وعن الضمانات التي تمنحها الوكالة للاستثمارات الأجنبية، فتتمثل في ضمان تعويض الخسارة، ففي حالة وقوع الكارثة المؤمن عليها يتقدم المستفيد من الضمان بطلب إلى الوكالة بعد استنفاذه لجميع طرق الطعن الداخلية الممنوحة له أمام الدولة المضيفة وبعدها تقوم بالتحقيق في صحة التصريحات التي قدمها لها لتتولى تسديد المبلغ (18).
وعن ضمان الحلول محل المستفيد، فتقوم الوكالة بالحلول محل المستفيد من الضمان بعد تعويضه أو توافق على ذلك في كل حقوقه بما فيها حقوق التحويل والتحكيم، كما تتحمل كل ما له من الالتزامات اتجاه الدولة المضيفة، وعموما يجب أن تكون هناك دعوى مسؤولية يرجع بها المستثمر على الدولة المضيفة سواء كانت قائمة على مسؤولية تقصيرية أو تعاقدية ويكون الحلول في حدود ما دفعته للوكالة للمستثمر(19).
وعن ضمان تسوية الخلافات، تتصدى الوكالة لكل الخلافات التي يحتمل أن تنشأ بين أعضاء الوكالة أو أحد الأعضاء والوكالة فيما يخص تفسير أو تطبيق الاتفاقية، أو في حالة انسحاب أحد الأعضاء أو خلاف ناشئ حول مبلغ الضمان، وتتم تسوية الخلافات في الوكالة أولا عن طريق المفاوضات وإذا فشلت يتم اللجوء إلى التحكيم.
وهكذا وبانضمام الجزائر لأهم الهيئات المكرسة للحماية الدولية للاستثمار الأجنبي فإنها تكون قد وفرت الجو المناسب والشروط الكافية لضمان الاستثمارات الأجنبية ولاسيما وأنها في جولات مع المنظمة العالمية للتجارة التي تسعى جاهدة للانضمام إليها.
خاتمة :
من خلال دراستنا هذه، يمكننا القول أن بلادنا تسعى جاهدة من أجل استقطاب المستثمرين الأجنبيين وذلك من خلال توفير مختلف الضمانات و الإمتيازات المشجعة على ذلك سواء على المستوى الداخلي من خلال المراجعة المستمرة لقوانينها المتعلقة بتشجيع الإستثمار، بغية تضمينها أكبر قدر ممكن من آليات حماية الإستثمار الأجنبي، أو على المستوى الخارجي من خلال إبرام والمصادقة على العديد من الإتفاقيات الثنائية والجماعية المتعلقة بتشجيع وحماية الإستثمار الأجنبي .
ونشير إلى أن سعيها أتى بثماره، فحسب تقرير للندوة الأممية للتجارة والاستثمار لسنة 2017 حول الاستثمار في العالم والذي نشرته الأمم المتحدة، فقد عرف تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة باتجاه الجزائر ارتفاعا في سنة 2016 مسجلا ما قيمته 1.5 مليار دولار. حيث تحسنت الأرقام بشكل محسوس بعد النتائج السلبية التي سُجلت في سنة 2015، والتي تميزت بتأثر الاقتصاد بالصدمة البترولية التي كانت في بدايتها (20).
و ترجع العودة القوية للجزائر حسب المحللين إلى العديد من الاعتبارات الموضوعية، ومنها على سبيل الخصوص تحسن السياسات الاستثمارية .
كما ثمنت الهيئة تبنّي الجزائر قانونا جديدا حول الاستثمار ( القانون رقم 16-09 ) ، الذي يعتبر عامل آخر يُحسب لها في مجال استقطاب الاستثمار الخارجي، حيث وفر التحفيزات الجبائية والمنشآت الضرورية للمشاريع الاستثمارية. وأجرت الهيئة الأممية في تقريرها مقارنة للوضع، عكس بالأرقام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقطبتها الجزائر، والتي بلغت 1.546 مليار دولار في سنة 2016 مقابل 584 مليون دولار في 2015، إذ تضاعفت مرتين.
الهوامش :
(1) جريدة رسمية عدد 46 مؤرخة في: 3 أوت سنة 2016 .
(2) Mahfoud BOUHACEN : droit international de la coopération industrielle. O.P.E.Alger. Sans numéro d’édition.1982.p.75.
(3) ليلي سالم، الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمر الأجنبي، مذكرة ماجستير في القانون العام الإقتصادي، كلية الحقوق، جامعة وهران، 2011-2012، ص 91 .
(4) كريمة صبيات، مدى المستجدات في قانون الإستثمار لسنة 2001، مذكرة ماجستير في القانون، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2005-2006، ص ص 79-80 .
(5) جريدة رسمية عدد 21 مؤرخة في 8 ماي 1991 .
(6) الاتفاقية بين الحكومة الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وحكومة جمهورية مصر العربية حول تشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، موقع عليها في القاهرة بتاريخ: 29 مارس 1997، ومصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 98-320 المؤرخ في: 11/10/1998، الجريدة الرسمية عدد 76 لسنة 1998 ، حيث تقدر مدتها بـ 10 سنوات.
(7) الاتفاقية بين الجزائر وسوريا موقع عليها في دمشق بتاريخ: 14/09/1997، ومصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 98-430 المؤرخ في: 27/12/1998، الجريدة الرسمية عدد 97 لسنة 1998، حيث تقدر مدة الإتفاقية بـ 10 سنوات.
(8) الاتفاق المبرم بين الجزائر والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية في مجال النقل الجوي الدولي موقع عليها في: 27 ماي 1981 بالجزائر ومصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 82-466 المؤرخ في: 11 ديسمبر 1982 الجريدة الرسمية عدد: 06 لسنة 1982.
(9) الاتفاقية المتعلقة بالتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين الجزائر والاتحاد البلجيكي اللوكسومبورغي موقع عليها بالجزائر في: 24/04/1991 ومصادق عليها بالمرسوم الرئاسي: 518-345 مؤرخ في: 05/10/1991، الجريدة الرسمية عدد 46 سنة 1991.
(10) الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، مصادق عليه في الاجتماع الأول للجنة رؤساء الدول والحكومات بأبوجا نيجيريا، بتاريخ: 23/10/2001 .
(11) KPMG : guide investir en Algérie, janvier 2017, p 46.
(12) تعتبر الضمانات الواردة في هذا الاتفاق، ضمانات عامة واردة في كل الاتفاقيات المتعلقة بالحماية وتشجيع الاستثمارات التي أبرمتها الجزائر مع مختلف الدول.
(13) انظر النص كاملا في المادة 11 من المرسوم الرئاسي رقم 90-420 المذكور آنفا.
(14) المرسوم الرئاسي رقم: 05-159 مؤرخ في أفريل 2005 يتضمن التصديق على الاتفاق الأوربي المتوسطي لتأسيس شراكة بين الجزائر والمجموعة الأوربية والدول الأعضاء فيها، جريدة رسمية عدد 31 ، مؤرخة في: 30/04/2005.
(15) المرسوم الرئاسي 95-346 المؤرخ في: 30/10/1995 يتضمن المصادقة على اتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار بين الدول وربما الدول الأخرى المعدة في واشنطن في 18 مارس 1965 ، جريدة رسمية عدد 66.
(16) عبد العزيز قادري، الاستثمارات الدولية، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، ص 336-337.
(17) أمر رقم 95-05 مؤرخ في: 21/01/1995 يتضمن الموافقة على الاتفاقية المتضمنة إحداث الوكالة الدولية لضمان الاستثمارات، مصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي 95-345 المؤرخ في 95-345 المؤرخ في 30/10/1995 جريدة رسمية عدد 07.
(18) عبد العزيز قادري، دراسة في العقود بين الدول ورعايا دول أخرى في مجال الاستثمارات الدولية، مجلة الإدارة عدد 01 سنة 1997، ص 50.
(19) عائشة عينوش، ميكانيزمات ضمان الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، مذكرة ماجستير فرع قانون الأعمال، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، ص113.
(20) جميلة أ. تقرير اللجنة الأممية للتجارة والإستثمار : ارتفاع الإستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر في 2016، مقال منشور بجريدة المساء، 10 جوان 2017 .