دراسات قانونية

المواطنة في الإسلام وحقوق الانسان (بحث قانوني)

مدينة دمشق أنموذجاً لترسيخ روح المواطنة الإسلامية وحقوق الانسان

من القرن (5 – 10) للهجرة

د. رياض سالم عواد، كلية الآداب/ جامعة كركوك/ العراق
الملخص:

المواطنة هي الشعور الفطري بالانتماء للوطن، وهي مفهوم واسع بمدلولاته، فمنها مواطنة يضبطها معيار الأرض، وبذلك تكون مواطنة إنسانية فتكون الأرض هي وطن الانسان كانسان وعلى الجميع أن يحترم هذا النوع من المواطنة، ومنها مواطنة يضبطها معيار اللغة، ومثال ذلك الوطن العربي على اختلاف كياناته السياسية فهو وطن كل العرب وواجبهم ان يعوا هذا النوع من المواطنة، أمّا المواطنة الإسلامية فإنها أقدس مواطنة، وهي أحق ما يكون بالدراسة، ولزام علينا كبلدان اسلامية ومسلمين ان ننمي ونرسّخ ونؤصل شعور الانتماء لدى كل مسلم، ونعّرّفهم أو نذكّرهم بهذا النوع من المواطنة المؤطرة بإطار الإسلام .

وقد كانت دمشق وأهلها أفصح شاهد على ترسيخ روح المواطنة الاسلامية وحقوق الانسان لدى كل مسلم، إذ فتحت أبوابها للعلماء المسلمين وعوائلهم الذين وفدوا إليها طوعاً أو مكرهين خلال مدّة الدراسة من شتى البلدان الاسلامية كعلماء الشام من بيت المقدس، وحلب، ومدن الجزيرة الفراتية، والعراق، وبلاد المشرق الإسلامي، ومصر، والمغرب العربي، والاندلس، معتبرة إياهم مواطنين مسلمين منتمين الى بلد واحد حدوده واحدة هي (الإسلام)، بغض النظر عن إختلاف اصولهم، وأعطت لهم كامل الحقوق الإنسانية، بتوفير الدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهم، فضلاً عن الدعم العلمي، فكان ذلك مثال واضح عن ترسيخ هذا الشعور في نفوس كل متمعّن بتاريخ دمشق، ولتبرهن هذه المدينة العظيمة أن المواطنة وحقوق الإنسان هي أحد الركائز التي يستند عليها الدين الإسلامي، وأحد سمات الحضارة العربية الإسلامية.

المقدمة:

المواطنة هي الشعور الفطري بالانتماء للوطن، وهي مفهوم واسع بمدلولاته، فمنها مواطنة يضبطها معيار الأرض، وبذلك تكون مواطنة إنسانية فتكون الأرض هي وطن الانسان كانسان وعلى الجميع أن يحترم هذا النوع من المواطنة، ومنها مواطنة يضبطها معيار اللغة، ومثال ذلك الوطن العربي على اختلاف كياناته السياسية فهو وطن كل العرب بلا حدود سياسية، وواجب افراد هذا الوطن التعايش وفقاً لهذا النوع من المواطنة، أمّا المواطنة الإسلامية فإنها أقدس مواطنة، وهي أحق ما يكون بالدراسة، ولزام علينا كبلدان اسلامية ومسلمين ان ننمّي ونرسّخ ونؤصّل شعور الانتماء لدى كل مسلم، ونعّرّفهم أو نذكّرهم بهذا النوع من المواطنة المؤطرة بإطار الإسلام .52

وقد كانت دمشق وأهلها أفصح شاهد على ترسيخ روح المواطنة الاسلامية وحقوق الانسان لدى كل مسلم، إذ فتحت أبوابها للعلماء المسلمين وعوائلهم الذين وفدوا إليها طوعاً أو مكرهين خلال مدّة الدراسة من شتى البلدان الاسلامية كعلماء الشام من بيت المقدس، وحلب، ومدن الجزيرة الفراتية، والعراق، وبلاد المشرق الإسلامي، ومصر، والمغرب العربي، والاندلس، معتبرة إياهم مواطنين مسلمين منتمين الى بلد واحد حدوده واحدة هي (الإسلام)، بغض النظر عن إختلاف اصولهم، وأعطت لهم كامل الحقوق الإنسانية، بتوفير الدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهم، فضلاً عن الدعم العلمي، فكان ذلك مثالاً واضحاً عن ترسيخ هذا الشعور في نفوس كل متمعّن بتاريخ دمشق، ولتبرهن هذه المدينة العظيمة أن المواطنة وحقوق الإنسان هي أحد الركائز التي يستند عليها الدين الإسلامي، وأحد سمات الحضارة العربية الإسلامية.

وقد أنتظمت خطة الدراسة في أربعة مطالب هي:

أولاً: الدعم السياسي للعلماء المسلمين في دمشق: متمثلاً بدعم السلطة السياسية لهم بإعطائهم أرفع المناصب الدينية والسياسية، والإدارية في دمشق .

ثانياً: الدعم الإقتصادي للعلماء المسلمين في دمشق: متمثلاً بتخصيص الرواتب لهم، فضلاً عن توفير المأوى والمطعم.

ثالثاً: الدعم الإجتماعي للعلماء المسلمين في دمشق: متمثلاً بعرض شواهد إجلال وتقدير المجتمع الدمشقي لهم إحتراماً لمكانتهم العلمية والإجتماعية.

رابعاً: الدعم العلمي للعلماء المسلمين في دمشق: متمثلاً بإنشاء المؤسسات التعليمية في دمشق بغية أستقبالهم فيها طلبة ومدرسين .

أولاً: الدعم السياسي للعلماء المسلمين في دمشق:

كانت الدوافع السياسية والعسكرية واحدة من الاسباب الرئيسية المباشرة التي دفعت بعض اسر المسلمين العلمية للهجرة إلى مدينة دمشق، فمن هذه الدوافع ما يختص بدعم السلطة السياسة في دمشق لهذه الاسر، كإعطائهم المناصب الدينية والسياسية والادارية، أو بذل الاموال عليهم، أمّا الاسباب العسكرية التي دفعت العلماء وأسرهم للهجرة الى دمشق هو تعرّض مواطن هؤلاء العلماء إلى الغزو الأجنبي في معظم أقاليم العالم الإسلامي خلال مدّة الدراسة، فضلاً عمّا تزامن مع هذا الغزو من تدهور سياسي وعدم استقرار أمني لتلك المواطن، كما هو الحال في شرق الدولة الإسلامية ومنه العراق، إذ كانت الخلافة العباسية الضعيفة، والمسيطر عليها من قبل السلاجقة([1])، وما رافق ذلك من فساد وتدهور في مختلف ميادين الدولة، وما ترتّب عليهِ من توجّه أنظار المغول لتلك المنطقة، وغزوهم لها والذي تمخّض عنه سقوط حاضرة الخلافة العباسية بغداد سنة (656هـ/ 1258م)، مما أدى إلى رحلة العديد من الاسر العلمية إلى دمشق([2])، والأمر نفسه بالنسبة للأندلس في جهة المغرب الإسلامي، فهي الأخرى تعيش فترة تدهور سياسي، بدأ بسقوط قلبها مدينة طليطلة([3]) سنة (478هـ/ 1086م)، فانفرط بعدها عقد الأندلس بتوالي سقوط كل المدن الأندلسية في أَواخر القرن التاسع الهجري بيد الممالك الإسبانية التي اضطهدت المسلمين ومنهم علماء البيوتات العلمية هناك([4])، مماّ تسبب في هجرتهم من تلك البلاد إلى دمشق، أمـــا حال بلاد الشام فلم يكن بمنأى عن حال جناحي الدولة العربية الإسلامية فهو بدنها، إذ تعرّض لأكبر حملة بربرية من قبل الصليبيين استمرت نحو قرنين من الزمن، ممّا أدى إلى سقوط العديد من مدن بلاد الشام وعلى رأسها بيت المقدس سنة (492هـ/ 1098م)([5])، فهاجرت علـى أَثـر ذلـك جملة من البيوتات العلميـــة إلى دمشق 0

وبعد استتباب الأمن في بلاد الشام ومنها دمشق مركزها، نتيجة الجهود التي قام بها الزنكيون، ثم من بعدهم الأيوبيون، وصولاً إلى عهد المماليك، في مجاهدة العدو من الفرنجة والتتار([6])، ودعم البيوتات العلمية فيها، أدى إلى حدوث هذه الرحلات العريضة إلى تلك المدينة، فمن هذه البيوتات العلمية التي رحلت إلى دمشق نتيجة الدوافع السياسية والعسكرية (بيت ابن تيميّة)، وهو من البيوتات العلمية الكبيرة، أصله من حرّان([7])، إذ هاجر علماء هذا البيت إلى دمشق بعد أن داهمت بلادهم جيوش المغول([8])، فقام الشيخ شهاب الدّين أبو المحاسن عَبْد الحليم بْن عَبْد السلام بن تيمية (ت682ه/1283م)، بالهجرة مع عائلته وأقاربه بشكل جماعي نحو دمشق سنة (667ه/1268م)([9])، وأبرز من جاء معه في هذه الهجرة ابنه الشيخ تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت728ه/1327م)([10]) .

ومن البيوتات العلمية التي رحلت إلى دمشق بسبب الغزو الأجنبي لبلدانها (بيت ابن الحاج القرطبي) الاندلسي الاصل([11])، إذ توجّه علماؤه إلى بلاد الشام ومنه دمشق لما نالوه من العذاب والتشريد على يد الممالك الإسبانية، إذ صوّر ابن كثير حجم المعاناة التي عاناها أَفراد هذا البيت وأساليب الترحيل على يد النصارى في الأندلس عندما ترجم للشيخ أَبو الوليد محمد بن أَحمد بن الحاجّ القرطبي (ت718ه/ 1318م)([12])، قائلاً:((فلما أخذها الفرنج انتقلوا إلى إشبيلية وتمحّقت أموالهم وكتبهم 000ومات أبوه وجدّه في سنة إحدى وأربعين وستمئة، ونشأ يتيماً ثم حج وأقبل إلى الشام فاستقام بدمشق من سنة أربع وثمانين))([13]) .

وهكذا فقد توجه العلماء الى دمشق تاركين خلفهم الغالي والنفيس في نفوسهم، غير انهم عندما وصلوا الى هذه المدينة قابلتهم السلطة السياسية فيها بكل ترحاب ولم تميّز بينهم كمواطنين دمشقيين او من خارجها، بل تعاملت معهم كمسلمين ولهم حق في بلدهم الاسلامي هذا، فعمدت على ايكال ارفع المناصب الدينية والسياسية والادارية لهم، فمثّل هذا التعامل انموذجا حيّاً في غرس روح المواطنة الاسلامية بين المسلمين، وما نالوه من كرم دمشقي لم يعد منّة من حكّامها عليهم، بل هو حقٌّ من حقوقهم تمتّعوا بها هناك، فمن هذه الاسر العلمية التي نالت العناية من قبل سلطة دمشق (بيت السبكي)، وهو بيت علم كبير أصله من سبك في مصر([14])، هاجر علماؤه وأسرهم الى دمشق، وقد تقدّم على بقيّة البيوتــــــات العلميــــة في تولّي علمائه أجل المناصب الدينية والإدارية في دمشق([15])، فنعته السخاوي ببيت العلم والرياسة والحشمة([16])، إذ نال شيوخه العناية المباشرة من قبل السلاطين، أبرزهم الشيخ المفسّر المقرىء المحدّث الفقيه الاصولي المصنّف تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي (ت756ه/1355م)([17])، إذ طلبه السلطان النَّاصِر محمد بن قلاوون (ت762ه/1360م) في مصر([18])، وذكر له بأنه نصّبه كقاضي لقضاء دمشق وألبسه الخلعة وخرج مع نَائِب الشَّام من مصر إلى دمشق ليباشر قضاءها([19])، فقال تاج الدين السبكي أجمل بيت في حقّه عند دخوله مدينة دمشق([20]):

أدب الْوَقار وَعِز سُلْطَان التقى                                          فَهُوَ الْعَزِيز وَلَيْسَ ذَا سُلْطَان

ومن شواهد الدعم للشيخ تقي الدين السبكي أوكلت له مشيخة ستاً من المؤسسات التعليمية في دمشق فأضحى شيخ دار الحديث الأشرفية، وشيخ المدرسة الشامية البرانية، فضلاً عن مشيخة العادلية الكبرى، والغزالية، والمسرورية، والأتابكية، إلى جانب خطابة الجامع الأموي([21]).

وممن اعتلى المناصب الإدارية وغيرها في دمشق من بيت السبكي الشيخ المحدّث الفقيه المؤرّخ تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن علي السّبكي (ت771ه/1369م)([22])، ويذكر النعيمي أنه حصّل من الوظائف ما لم تحصل لشخص قبله([23])، وباشر قضاء دمشق أربع مرّات، فضلاً عن خطابة المسجد الأُموي([24])، واستمر في مناصبه حتّى انتهت إليه رياسة القضاء، والمناصب الأخرى في دمشق([25]).

ومن الاسر الاخرى التي نالت دعم حكّام دمشق (اسرة أبو نصر محمد الشيرازي)، هاجر أفرادها الى دمشق من شيراز في بلاد المشرق الاسلامي([26])، فعومل اهل هذا البيت الجليل كمواطنين دمشقيين مسلمين دون تمييز، متجسداً ذلك في شيخه المحدّث القاضي تاج الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن الشّيرازيّ (ت712ه/1312م)، أبرز علماء هذه الأسرة، من الرؤساء الفضلاء النبلاء، باشر الوظائف الكبار([27])، يحظى بالاحترام والإجلال الكبيرين لدى خواص وعوام دمشق، لحسن سيرته في الوظائف التي مارسها بينهم كوظيفة وكالة بيت المال، ونظر الدواوين، ونظر ديـوان الخزانــــــة، إِلى جانــــــب تولّيــــــه وظيفة الحسبة بدمشق([28]) .

ومن علماء هذا البيت الشيخ المسند عماد الدين محمد بن أحمد بن الشّيرازيّ (ت749ه/ 1348م)، كان نبيلاً شهماً مساهماً في الحياة العلمية والإدارية في دمشق، فحدّث فيها وتولّى نظر جامعها الأُموي فضلاً عن تقلّده حسبتها([29]).

ومن الاسر الاخرى ( اسرة ابن حمّويه الجويني)، وهي اسرة علمية كبيرة ومشهورة، أصلها من جوين بنيسابور في بلاد المشرق الاسلامي([30])، هاجر أفرادها الى دمشق، فأصبحوا من سكانها الاصليين، بعد أن تمتّعوا بحقوق اهلها، فمن أشهر علمائها الشيخ المحدّث الأديب المصنّف نائب السلطنة الأَمير فخر الدّين أبو الفضل يوسف بن محمد بن حمويه (ت647ه/1249م)([31])، صاحب كتاب (تقويم النديم وعقبني النعيم المقيم)، وديوان شعر، سمع الحديث الشريف ورواه بدمشق([32])، وعُرف بصفاتـــــه التي تجعل منه رجل السياسة البارز في المدينة، فقد كان رئيساً محتشماً معظماً سيّداً ذا وقار وعقل وشجاعة ودهاء([33])، أحبّه الملك الكامل بن العادل الأيوبي (ت635هـ/ 1238م) وعظمه هو وبيته، لأن أُم الفخر ابن حمويه أرضعت الملك الكامل فصار الأخير أخي ابن حمويه وإخوته الأربعة في الرضاعة، وكان ذلك أحد أسباب قرب هذا البيت وأفراده إِلى قلب السلطان([34])، فأكرمهم وأوكل لهم المناصب السياسية والعسكرية الرفيعة بدمشق، ولاسيما الشيخ أبو الفضل نائب السلطان، ولقد بيّن ابن شاكر الكتبي حسن سيرة الفخر في وظيفتهِ، ومدى ثقة الكامل به متحدثاً عنه بأنه كان أميراً سمحاً جواداً محبوباً إِلى الخواص والعوام، وأن الملك الكامل يحبّه هو وإخوته ونالوا منه السعادة ما لم ينلها غيرهم، ولم يكن عنده أحد في رتبة الأمير أبو الفضل، وكان يثق به، ويعتمد عليه في أغلب أُموره، ولا يخفي عنه سراً([35]) .

ومن البيوت الاخرى (بيت الآمدي العكبري)، وهو من البيوتات العلمية المشهورة الوافدة إِلى دمشق([36])، عكبري الأصل([37])، قال عنه الصفدي: ((بَيت حشمة وكتابة))([38])، ساهم علماؤه في الحياة السياسية والإدارية بدمشق كالشيخ بدر الدين أَبو الفضل جعفر بن محمد الآمدي (ت675ه/ 1276م)، دخل دمشق هو وأخوه الشيخ موفق الدّين علي بن محمد الآمديّ (675ه/1276م)([39]) أيام الملك الكامل، فعُرفا بالأمانة فِي التصرّف، والبراعة فِي الكتابات الديوانية، فقرّبهما الملك الكامل، ولاسيما البدر الآمدي الذي أوكلت له مهمة نظر النظار في الشام وهي بمثابة الوزير([40])، فحُمدت سيرته في وظيفته لأنه كان ليّن الكلمة مع الرعية كثير الرفق والستر، لايكشـــف لأحــــد متمثلة، وأمّا أمانته وعفّته في وظيفته فإليها المنتهى([41]) .

ثانياً: الدعم الإقتصادي للعلماء المسلمين في دمشق:

دون شك، أن الدوافع الاقتصادية كانت حاضرة في هواجس البيوتات العلمية التي هاجرت إلى دمشق آنذاك، ولا سيّما البيوتات التي ألقت متاعها في هذه المدينة مضطرّة لظروف سياسية صعبة مرّت بها كما تقدّم عرضه سلفاً، فوجدت تلك الأَسر المهاجرة نفسها ملقاة على أزقّة دمشق بلا مطعم ولا مأَوى، غير أن سواعد الخير التي امتدّت إليهم في تلك المدينة خفّفت عنهم تلك المعاناة النفسية والاقتصادية، فأصبحوا لهم أهلاً وخير السند والمعين بعد الله I، إذ وفّرت لهم السلطة الدمشقية الرواتب والجرايات التي يكسبونها من الوظائف المناطة لهم هناك، وهيأت لهم المساكن التي تأَويهم، لذلك عندما لاحظت البيوتات العلمية التي نوت أَن تحزم أمتعتها للرحيل ما يوجد في دمشق من دعم اقتصادي لهم قرّروا التوجه إِليها، فمن هذه الاسر المهاجرة (اسرة ابن ابي الكرم السنجاري)، وهي اسرة علمية سنجارية الأصل([42])، حصل علماؤها على العون الاقتصادي من قبل السلطة في دمشق([43])، من خلال تخصيص الرواتب لهم في المدرسة الخاتونية الجوانية التي وقفتها عصمة الدين خاتون (ت581ه/1185م)، زوجة السلطان نور الدين محمود زنكي، بعد أَن وقفت عليها الكثير من الأَوقاف الدارة عليها([44])، فأضحت من كبار مدارس دمشق وأعلاها رواتباً([45])، فدرّس بها عدداً من علماء بيت السنجاري ممّن تقاضوا أعلى الرواتب مقارنة بالمدارس الدمشقية الأخرى، منهم الشيخ القاضي عزيز الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الكرم السنجاري (ت646ه/1248م)([46])، وقاضي القضاة نور الدّين مُحَمَّد بن أبي الْكَرم السّنْجاريّ (ت646ه/1248م)([47]).

ومن البيوتات العلمية الاخرى التي هاجر أفرادها الى دمشق (بيت ابن ابي عصرون) أَصله من حديثة في العراق([48])، وورد في كتاب (معجم البلدان) عن علماء هذا البيت: ((وبنو عصرون أيضاً قضاة بالشام وأعيان من فرق بين الحلال والحرام منهم وكثير غيرهم جدّا من الفقهاء الشافعية، والمدارس منهم مملوءة))([49])، فهو بيت العلم والفضل([50])، ساهم علماؤه بشكلٍ كبير في مجال التدريس بمدارس دمشق، ولا سيما بعد الدعم الذي تلقّوه من قبل السلطة فيها، بتعيين الرواتب لهم مقابل مهنة التدريس، منها ما خصّصته الخاتون الجليلة ست الشام بنت أيوب بن شادي (ت616ه/1219م) أُخت السلطان صلاح الدين الأَيوبي([51])، من معلوم شهري نقداً وعيناً للمدرّس في المدرسة التي وقفتها وهي المدرسة الشامية الجوانية، فبلغ راتب المدرّس فيها (130) درهماً فضة، ومن الحنطة غرارة([52]) ومن الشعير غرارة([53])، فمن علماء بيت ابن أَبي عصرون الذين درّسوا في المدرسة الشامية الجوانية الشيخ المحدّث الفقيه تاج الدين أَبو عبد الله محمد بن عَبْد السّلام بن أبي عصرون (ت695ه/1295م)([54]).

وأيضاً (بيت ابن جماعة)، ألمع البيوتات العلمية التي رحلت الى دمشق، أصله من حماة([55])، نال شيوخه الاهتمام الكبير من سلطة دمشق، منها تسلّم عالمه الجليل الشيخ بَدْرُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ بن إِبْرَاهِيمَ بن جماعة([56])، الكثير من الوظائف في دمشق منها وظيفة قضاء القضاة، ومشيخة الشيوخ، وتدريس في عدّة مدارس وهي العادلية، والغزالية، والقيمرية، والمدرسة الناصرية الجوانية([57])، واستمرت هذه الوظائف تدرّ عليه الكثير من الأموال حتى توفي(ت733ه/ 1332م)([58]).

وكذلك (بيت ابن غانم) من البيوتات العلمية الكبيرة الوافدة إلى دمشــــق([59])، قال عنه الصفـــــدي: ((بيـــــــت رياسة وكتابة إنشاء))([60])، أصله من بيت المقدس([61])، رحل علماؤه إلى دمشق بعد أن وجدوا الدعم الاقتصادي فيها، منهم الشيخ المنشئ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن غانم المقدسي (ت758ه/1356م)، توفي والده وهو صغير في طرابلس الشام، فأنتقل إلى أقاربه في دمشق، ومنها تحوّل إلى مصر إذ رُسِم له منها وظيفة كتابة الإنشاء بطرابلس، وبعدها كان في نيّته الانتقال من طرابلس إلى دمشق لكنه لم يشرع بالرحيل إليها حتى ضَمِن إنتقال وظيفته معه إلى جانب راتبها([62]) .

ومن الجدير بالذكر ان كثير من البيوتات العلمية تعرّضت للتهجير من قبل الجيوش المحتلّة لأراضيها كما سلف ذكره، الأمر الذي اضطرها للخروج إلى بلدان أُخرى هرباً من القتل، وعندما وجدت في دمشق من يأَويها رأت أن تكون وجهتها هذه المدينة، وقد بيّنت الروايات التاريخية أن هذه البيوتات قد سكنت في أغلب الحالات في المساجد والمدارس الموقوفة في دمشق، ولاسيما بعد أن حرص واقفوا هذه المؤسسات على احتضان علماء الأَسر العلمية والعمل على تخصيص سكن لهم في المدرسة نفسها التي يدرّسون فيها، ومن هذه البيوتات العلمية التي هاجرت إلى دمشق وافترشت عوائلها المساجد والمدارس فيها، (بيت ابن تيمية) المذكور سابقاً، إذ هاجر الشيخ شهاب الدّين أبو المحاسن عَبْد الحليم بْن عَبْد السلام بن تيمية (ت682ه/ 1283م)([63])، بأهله وأقاربه إلى دمشق، وسكن في دار الحديث السكّرية بعد أن تولّى مشيختها([64]) .

ومنها (بيت الشرف أبو العباس أحمد الفزاري)، وهو بيت علم وإدارة مصري الأصل([65])، وفد إلى دمشق([66])، ومن علمائه الذين سكنوا في المدارس الدمشقية الشيخ الكبير تاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن إِبْرَاهِيم الفزاري الفِركاح([67])، إذ سكن في المدرسة الروّاحية حتّى توفي سنة (ت690ه/ 1291م)([68]) .

ومن هذه البيوتات العلمية (بيت الحافظ عبد الغني المقدسي)، قال عنه اليونيني: ((بيت العلم والعمل والصلاح))([69])، إذ هاجر أفراده إلى دمشق فاستقبلهم الملوك بالرعاية والعون ومنهم الملك الاشرف الذي وقف لهذا البيت دار الحديث الأشرفية([70])، وجعل لهم فيها مسكناً في أعلى الدار، فضلاً عمّا خصّصه لهم من رواتب وأرزاق([71]) .

وكذلك (بيت ابن عبد الوَارِث القرشِي) وهو من بيوتات العلم المعروفة في مصر([72])، وفد بعض علماءه إلى دمشق([73])، منهم الشيخ المفسّر المحدّث الفقيه الاصولي الرحلة محيى الدين أَبُو البركات عبد الْقَادِر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَارِث الْقرشِي (ت874ه/1469م)([74])، حيث تولّى القضاء في دمشق، وكانت خاتمة حياته في قاعة المدرسة الصمصامية محل سكناه([75]) .

ثالثاً: الدعم الإجتماعي للعلماء المسلمين في دمشق:

وفضلاً عمّا ذكرنا سلفاً من دوافع متعددة ساهمت في تدفّق الاسر العلمية إلى دمشق خلال مدّة الدراسة، فإن هناك دافعاً آخراً لا يقل أثراً في توّجه تلك البيوتات إلى دمشق عن آثار الدوافع المشار إليها آنفاً، ألا وهو الدافع الاجتماعي، والمقصود به هنا عادات وتقاليد المجتمع الدمشقي من خواص وعوام، والسؤال المطروح هنا لماذا أقبل اهل دمشق على دعم البيوتات العلمية الوافدة إليها، والرد يكمن في طبائع هذا المجتمع، أَولاً لأنه شعب لا يميّز بين دمشقي وغير الدمشقي، وكأنّما جُبل على فطرة تعرف معنى المواطنة الاسلامية، وثانياً لانه شعب مضياف كريم رحب الصدر طيب السجيّة، وثالثاً أنه شعب أحب العلم وعمل به، لذلك عندما اقبلت اليهم هذه البيوتات وخصوصاً التي استنجدت بهم، أَو من حملت في ثناياها علماء أجلّاء عظام عزّ نظيرهم في العالم الاسلامي، عمل أَهل دمشق من عليّة أَقوامها أَو دونهم على استقبالهم والترحيب بهم بالقصائد الجميلة إجلالاً لعلومهم وفضلهم، وتعظيمهم ما داموا في تلك المدينة، وإذا ما اخطفتهم المنايا هبّوا لتوديعهم في أَجواء لا تقل عظمتها عن لحظات استقبالهم وهم يتوافدون إلى دمشق، لذلك كان لمجتمع دمشق بطيب ونبل عاداته الذائعة عنه دور في ترسيخ روح المواطنة والتربية على حقوق الانسان، ممّا حفّز تلك الاسر على الرحيل إليهم، فمن هذه البيوتات العلمية المرتحلة (بيت ابن الإمام التلمساني)، وهو بيت علم معروف تلمساني مغربي الأصل([76])، وفد إلى دمشق فحظي علماءه باحترام مجتمعها، قال عنه المؤرّخ أبو العباس التنّبكتي: ((بيت علم وشهرة وجلالة))([77])، ومن علمائه الذين نالوا التقدير والإجلال من قبل الدماشقة العلاّمة المفسّر المسند الفقيه الطبيب الأديب ابو الفضل محمد بن إبراهيم بن الإمام التلمساني (ت845ه/1441م)([78])، إذ إنهال عليه الدمشقيون ابّان دخوله مدينتهم حِين علموا فضيلته وعلمه، فأجلوه وأكرموه، وَأخذُوا العلوم عَنهُ([79]).

ومن البيوتات العلمية الوافدة إلى دمشق التي استقبلها الناس فيها بأسمى الأخلاق النبيلة (بيت ابن تيمية) المذكور آنفاً، ومنهم الشيخ الجليل المحدث الفقيه الأُصولي الفرضيّ الحاسب النحوي شرف الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية (ت727ه/1326م)([80])، وكيف لا يستقبله الدماشقة بإجلال وهو موسوعي المعرفة وهم عشّاق العلم، لدرجة أنه عندما توفي وهو بين ظهرانيهم أَفجعهم خبر وفاته وحملوه على رؤوسهم وعلى الأَصابع وصاروا يصلّون عليه مرة وثانية وثالثة ورابعة ويكبّرون بصوت مرتفع سمعه من كان في سجون دمشق الذين صلوا عليه أيضاً وهم داخل السجن عندما منعتهم القضبان أَن يصلوا جنازته، إِكراماً وإجلالاً له ولبيته([81]) .

ومن علماء هذا البيت المبجلّين عند أهل دمشق الشيخ المسند الفقيه الأُصولي المصنّف تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت728ه/ 1327م)([82])، الذي نال الود والاحترام من فئات المجتمع الدمشقي كافّة كالعلماء والصلحاء، والجند والأمراء، والتجّار والكبراء، لأنه بذل ما يمتلكه من إِمكانيات دينية وعلمية خدمة لهم([83])، وإِن كثرة وتنوّع هذه الأطياف الدمشقية من المحبّين له هي التي تفسّر سبب ضخامة عدد مشيّعي جنازته في دمشق عندما أُستلّت روحه من بينهم ليبلغ عدد من ساروا خلف جثمانه نحو (200000) ألف دمشقيٍ، و(15000) ألف دمشقيّة، وهم يبكون ويصرخون وينادون هكذا تكون جنائز الأئمة، ويلقون مناديلهم على نعشه الذي يسير على رؤوسهم تارةً ويتباطأ أخرى لشدّة الزّحام([84]) .

ومن البيوتات العلمية الأُخرى الوافدة إلى دمشق (بيت ابن جماعة) المتقدّم سلفاً، إذ حظي علماء هذا البيت بالإجلال الدمشقي العالي، منهم الشيخ بدر الدين محمد بن ابراهيم بن جماعة (ت733ه/1332م)([85])، إذ عُيّن على قضاء دمشق فسرّ أهلها به خواصّاً وعواماً([86])، فخرجوا لاستقباله في مقدمتهم نائب السلطان، والجيش بأكمله، وتغنّى الشعراء باجمل قصائد المدح بهجة وسروراً بمقدمه قاضياً على دمشق([87]) .

ومن هذه البيوتات العلمية المرتحلة (بيت السبكي) الذي سلف التعريف به، إذ نال شيوخ هذا البيت محبّة أَهل دمشق منهم الشيخ المحدّث الفقيه الأُصولي الخطيب النحوي المصنّف قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي (ت777ه/1375م)([88])، الذي عظّمه وبجَّله خيرة علماء دمشق قبل عوامها ففرحوا بمقدمه إليها منهم الشيخ المؤرّخ المحتسب بدر الدين بن حبيب الدمشقي (ت779هـ/ 1377م)، الذي امتدح مقدم البهاء أَبو البقاء إلى دمشق قائلاً:

شرفت دمشق بحاكم أَوصَافه مِنْهَا الدّيانَة والصيانة والتُقى
وَلسَانه متعرب من ذَا الَّـــذِي إعرابه كإعراب أَبي البقــــــــــا([89])

رابعاً: الدعم العلمي للعلماء المسلمين في دمشق:

واجه الملوك والسلاطين الذين حكموا مدينة دمشق من القرن الخامس الهجري إلى القرن العاشر الهجري تحدّيات سياسية كبيرة على الجبهتين الداخلية والخارجية، إلاّ إِن هذه التحدّيات لم تثني جهودهم في دعم واحتضان الاسر العلمية التي رحلت الى دمشق، وكان أهم دافع أَطال نفس الملوك والسلاطين وقوّى عزيمتهم في مجابهة هذه التحديات ودفعهم نحو دعم بيوتات العلم هو حبّهم للعلوم والعلماء، بل كانوا هم أنفسهم علماء تخرّج على يدهم طلبة العلم([90])، لذلك كان من الطبيعي أَن يسعوا إلى تشييد ودعم المؤسسات التعليمية في دمشق خدمة للعلم وعلماء البيوتات العلمية التي دَرَست ودرّست في هذه المؤسسات، حتّى بلغ عدد ما شيّدوه نحو (25) مؤسسة، وكانت بعض هذه المؤسسات قد وقفت حصراً لبيت معين من البيوتات العلمية وجعل تدريسها حكراً على ذرية هذا البيت للمكانة العظيمة التي يحظى بها علماءه عندهم من جهة، وحرص البناة أو الواقفين للمؤسسات التعليمية على دعم واحتضان هذه البيوتات العلمية استنهاضاً لهمم علمائها والاستفادة من خبراتهم واسهاماتهم الحضارية التي تصب في مصلحة الأُمة الإِسلامية من جهة أُخرى([91])، فمن أبرز الملوك والسلاطين الذين أنشأوا ودعموا المؤسسات التعليمية التي استقبلت بيوتات العلم المرتحلة إلى دمشق:

01 الملك المنصور أسد الدين شيركوه بن شاذي (ت564ه/1168م):

هو أخو الملك الأفضل نجم الدين أيوب (ت568 ه/1172م)([92])، وعم السلطان الناصر صلاح الدين يوسف (ت589ه/1193م)([93])، كان من كبار القادة في جيش السّلطان نور الدّين محمود بن زنكي بدمشق، تولّى الوزارة في مصر سنة (564ه/ 1168م) لمدّة يسيرة ومات في العام نفسه، وُصف بالشجاعة، وكان الصليبيون يهابهونه ويخافون منه([94])، اثنى عليه عماد الدين الكاتب (ت597ه/ 1201م) قائلاً:

بالجــد أَدْركْـــت مَا أَدْركْت لَا اللّعب كم رَاحَـــــــة جُنيـــــت من دوحة التَّعَب
يَا شيركوه بن شاذي الْملك دَعْوَة من نَادَى فعرَّف خير ابْن بِخَير أَب([95])
ساهم في دعم علماء البيوتات العلمية الوافدة الى دمشق بإنشائه المدرسة الأسدية فيها([96])، وهي من كبريات المدارس الدمشقية التي فتحت أبوابها أمام تلك البيوتات منها (بيت الشهاب الأذرعي فقيه حلب)، وهو من البيوتات العلمية المشهورة في دمشق أَصله من أَذرعات([97])، برز منه علماء لهم اسهامات حضارية كبيرة في دمشق، وخصوصاً في مجال دعم الحركة العلمية، إذ ساهموا في تطوير علوم الحديث الشريف والفقه والفرائض والشعر دراسة وتدريساً وتصنيفاً([98])، فمن علماء هذا البيت الذين درَّسوا في المدرسة الأسدية الشيخ المحدِّث الفقيه الفرضي الشاعر المصنِّف شهاب الدين أَبو العباس أحمد بن حمدان الأذرعي الدمشقي فقيه حلب (ت783ه/ 1381م)([99])، إليه نُسِبَ هذا البيت لكونه أبرز علمائه، كان فقيه النفس، محكماً للعلوم، كثير الإنشاد للشعر، جيد المحاضر([100])، نشأ بدمشق فتتلمذ على يد شيوخها فأجازوا له، حتّى برع في علوم عدّة كالحديث الشريف، إذ خرج له الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجي(ت816ه/1413م) جزءاً حدَّث به([101])، كما ذاع صيته في الفقه فشاعـــــت فَتَاوِيهِ فِي الأفاق مَعَ التوقّي الشَّديد خصوصاً فِي مسائل الطَّلاق، وَكَانَ عسراً فِي الإِذن فِي الْإِفْتَاء لم يَأْذَن إِلَّا لجَماعَة يسيرَة([102])، وهو ثِقَة ثَبت فِي النَّقْل وَكثير من الْكتب الَّتِي نقل عنها قد عُدِمت فأبقى الله I ذكرهَا بنقله عنها([103]).

وكذلك (بيت ابن الوزّان) وهو بيت علم حلبي الاصل([104])، كان لعلمائه اسهامات علمية في دمشق، لا سيما في مجال الحديث النبوي الشريف والفقه، إذ عملوا على نقل هذه العلوم في مدارس دمشق، وبرز بعض علمائه في الإدارة فضلاً عن التدريس، فمن شيوخ هذا البيت الذين درَّسوا في المدرسة الأسدية المحدِّث الفقيه تاج الدّين أَبو عبد الله محمد بن محمد بن الوزّان الدمشقي الحلبي (ت650ه/1252م)([105])، سمع الحديث الشريف وأسمعه في دمشق، فرواه عنه جملة من المحدّثين الدماشقة، ولكفاءة ونزاهة الشيخ تاج الدين بن الوزّان الإدارية وُلّي أيضاً نظر البيمارستان في دمشق إلى جانب تدريسه في المدرسة الأسدية([106]).

02 الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي (ت569ه/1173م):

ملك حلب بعد وفاة أَبيه سنة (541هـ/1146م)، وضمَّ دمشق إلى ملكه مدّة عشرين سنة، وامتدت سلطته في الممالك الإسلامية فشملت الشام وديار الجزيرة ومصر، وبعض بلاد المغرب وجانباً من اليمن([107])، وهذا يعني أنّ همَّهُ السياسي كبير جداً بحجم نفوذ حكمه الممتد على طول هذه الرقعة الجغرافية، غير أن ذلك الهم كلّه لم يشغله عن الاهتمام بطلب العلم والعناية به، تميّز بحسن الخطّ، والحرص الكبير على تحصيل الحديث الشريف فرواه وأَسمعه بالإجازة، واهتم بعلم الفقه([108]) .

ويعد الملك نور الدين محمود، إنموذجاً فريداً في رعاية البيوتات العلمية الوافدة الى دمشق من خلال تشييده المؤسسات التعليمية التي احتضنت الكثير منها على مرّ العقود، أَبرزها بناؤه أول دار للحديث الشريف فيها، وهي دار الحديث النورية، التي وقف لها الكثير من الأَوقاف الدارّة عليها خدمة لشيوخ البيوتات العلمية فيها([109])، وقام ببناء المدرسة الصلاحية التي نُسبت للسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، في حين رجَّح ابن شداد تشييدها من قبل الملك الصالح إسماعيل بن نورالدين محمود زنكي([110])، ومن المدارس الأخرى التي أقامها هي المدرسة الكلاسة، والمدرسة النورية الكبرى، والمدرسة النورية الحنفية الصغرى([111]).

استقبلت هذه المدارس التي أقامها الملك نور الدين محمود في دمشق الكثير من شيوخ البيوتات العلمية المهاجرة اليها فضلاً عن طلبتها، وهو دليل واضح على كبر حجم الدعم الذي قدَّمه هذا الملك لهذه البيوتات، وكان أَبرزها (بيت ابن أَلُهْ الأَصبهاني)، من البيوتات العلمية الوافدة إِلى دمشق([112])، أَصله من أصبهـــــــــان([113])، قال عنه تاج الدين السبكي: ((بَيت الرياسة والســـؤدد))([114])، وأَلُهْ لفظــــــة أعجميـــــــة معناهـــــــا بالعربيــــــة العُقابْ([115])، وقد أنجب هذا البيت العديد من العلماء الذين تركوا بصمتهم الوضّاءة في دمشق من خلال اسهاماتهم الحضارية العظيمة فيها([116])، ففي مجال تطوير العلوم الدينية كالإقراء والحديث الشريف، والفقه، تصدّر علماء بيت ابن أله قائمة البيوتات العلمية المساهمة في هذا المجال([117])، فضلاً عن دورهم السبّاق في العناية بالعلوم الإنسانية وخصوصاً علوم اللغة العربية وآدابها كالنحو والشعر والنثر([118])، إلى جانب اسهاماتهم في التصنيف بمجال التاريخ([119])، وحرص الملوك والسلاطين على إيكال أرفع المناصب الدينية والسياسية والإدارية في دمشق لعلماء بيت ابن أله، كالوزارة، والقضاء([120])، وكتابة ديوان الإنشاء، ونظر الأوقاف([121]).

أما عن دورهم في مجال التدريس فقد توزّعت جهودهم بين مدارس دمشق، ومنها المدرسة العمادية التي أَنشأها السلطان نورالدين محمود، إذ فتحت أبوابها أمامهم، فمن علماء بيت ابن اله الذين درّسوا في هذه المدرسة المؤرخ الأَديب عماد الدين محمد بن محمد بن أله الأَصبهاني الدِّمَشْقِي الكاتب (ت597ه/ 1200م)([122])، كانت له مكانة علمية كبيرة في التدريس لدرجة أن السلطان نور الدين محمود زنكي فوّض إليه شخصيّاً تدريس العمادية، حتّى أن هذه المدرسة عرفت بالعمادية نسبة له([123])، وكان بارعاً في درسه فتهافت عليه طلبة العلم من كل صوب وحدب([124]).

ومن علماء بيت ابن أله الذين درّسوا في المدرسة العمادية الشيخ المحدّث الْمُقْرِئ الْكَاتِب شرف الدين أبو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن اله الاصبهاني (ت739ه/1338م)، طلب الحديث الشريف وأسمعه فتتلمذ عليهِ عليّة العلماء الدمشقيين أمثال الشيخ المحدّث علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي (ت739ه/1338م)([125])، كبير محدّثي بيت البرزالي الأشبيلي، وقد عمل الشرف الحسين بن أله بالفقه فأفتى، وكتب بِخَطِّهِ كثيراً من الْكتب([126]) .

ومن الأسر المهاجرة الأخرى (أسرة بني البرزالي الاشبيلي)، وهي أسرة علمية مشهورة أصلها من أشبيلية([127])، رحل علماؤها الى دمشق فساهموا في دعم الحياة العلمية فيها، لا سيما في مجال الرواية والفقه والتأريخ([128])، فضلاً عن تولي بعض شيوخها المناصب القضائية والإدارية في دمشق، كالشهادة والكتابة في دار القضاء، ومشيخة المؤسسات التعليمية([129]).

وقد بذل علماء هذا البيت جهودهم التعليمية في مدارس دمشق، وخاصة دور الحديث الشريف كدار الحديث العروية، ودار الحديث النفيسية، ودار الحديث النورية([130])، التي وقفها السلطان نور الدين محمود، إذ درّس فيه سيّد بيت البرزالي الأشبيلي الشيخ المقرئ المحدّث الفقيه المؤرّخ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي (ت739ه/1338م)([131])، الذي يعد أبرز من درّس في هذا الدار من محدّثي عصره، ذاع صيته بين طلبة الحديث، وكان في محاضرته يلاطف السامعين فغرس الود له فِي قلوبهم([132])، ولمكانته العلمية وشخصيته ولي مشيخة دار الحديث النورية([133])، وكتب بخطه الكثير جداً إذ بلغ عدد مشايخه بِالسَّمَاعِ ألفي شيخ وبالإجازة أَكثر من ألف جمعهم فِي مُعْجم حافل([134]) قال الذهبي فيهِ:

إنْ رمـــت تفتيش الخزائن كلّها وظــــــــــــــهور أَجزاء بدت وعوالي
ونعوت أشياخ الوجود وما رووا طالع أو أسمع معجم البرزالي([135])

وكان من أسباب حظوة معجم البرزالي لدى محدثي دمشق أنه كان ثقة ثبتاً في النقل([136])، وكان هذا المعجم وقفاً في دار الحديث النورية، يطالعه  الطلبة للاستفادة منه، وقد نقل ابن حجر العسقلاني قول أحد الطلبة المطّلعين على معجم البرزالي داخل دار الحديث قائلاً:

يَا طَالبـــاً نعت الشُّيُوخ وَمَا رووا وَرَأَوا على التَّفْصِيل والإجمال
دَار الحَدِيث انْزِلْ تَجِد مَا تبتغي لَكَ بارزاً فِي مُعْجم البرزالي([137])

وكذلك (بيت الحصيري الجمال محمود)، وهو بيت مشهور بعلمائه، بخاري الأصل من محلّة يُصنع فيها الحصير فنسب علماؤه لهذه الصنعة([138])، اشتهر أبناء هذا البيت بالعناية بعلوم الحديث الشريف والفقه، وحرصوا على التأليف في هذه العلوم وتدريسها في المدرسة النورية الكبرى التي شيّدها نور الدين محمود زنكي([139])، فممّن درّسها في المدرسة النورية من هذا البيت الشيخ المحدّث الفقيه صاحب التصانيف جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو المَحَامِدِ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ الحصيري (ت636ه/ 1238م)([140])، انتهت إليهِ رياسة المذهب الحنفي في دمشق([141])، ولمكانته العلمية في التدريس حضر درسه فى النورية الكبرى الملك المعظم عيسى الأيوبي (ت624ه/1226م)([142])، روى الحديث فسمعه كبار علمائها المحدّثين، أمثال الشيخ المحدّث زكي الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف البرزالي (ت636ه/ 1238م)([143])، وروى عنه المسند الكبير جمال الدين أبو حامد الصابوني (ت680ه /1281م)([144])، واستمر في التدريس حتّى توفي فحزنت دمشق وفقهاؤها عليه فحملوا جنازته يومها على الأَصابع([145])، فتولّى تدريس المدرسة النورية الكبرى ابنيه وهما قوام الدين محمد بن محمود الحصيري (ت665ه/1266م)([146])، والفقيه الأديب نظام الدين أَبو العباس أَحْمد بن مَحْمُود الحصيري (ت698ه/ 1298م)([147])، أما الأخير فقد كان إماماً فاضلاً ذكياً طلق العبارة، ملازماً للعبادة والتدريس([148])،ولهذه الصفات الحميدة التي امتلكها أَوكلت له مهمّة القضاء في دمشق([149]).

ولم يقتصر الدعم والترسيخ لروح المواطنة الاسلامية على الملوك والسلاطين، بل حذى حذوهم أعيان دمشق، فالناس على دين ملوكهم، منهم الشيخ المقرىء الحسن بن مسمار الهلالي الحوراني (ت546هـ/1151م)، وهو تاجر من أعيان دمشق([150])، حفظ القرآن الكريم وقرأه بعدّة روايات، وسمع الحديث الشريف([151])، كان ديّناً ورعاً حريصاً على أن يترك خلفه الصدقة الجارية النافعة له وللعلم والعلماء فشيّد المدرسة المسمارية في دمشق([152])، وجعلها وقفاً خاصّاً ( لبيت ابن المنجّا)([153])، دعماً منه لبيوتات دمشق العلمية، فبناها باسم الشيخ وجيه الدين أَبُو المعالي أسعد بن المُنَجّا بن بركات بن المؤمل (ت606هـ/1209م) ولذريته من بعده([154])، وعلى أثره لازم نحو اثني عشر مدرساً من بني المُنَجّا التدريس في هذه المدرسة على مر السنين، ثلاثاً منهم قضوا نحبهم بين أروقتها([155])،وأصبحت إدارتها من مسؤوليات هذه الأسرة([156])، وهذا يعكس مدى حرص الأعيان في دمشق على دعم البيوتات العلمية ولا سيّما في مقدار ما خصّصوه من أوقاف دارّة على المدارس التي درّس فيها علماءه هذه البيوتات، ومنها هذه المدرسة التي خُصّصت لها أوقافاً كبيرة حرص واقفها أن تستمر في إنفاقها على المدرسة المسمارية والبيوتات العلمية التي درّست فيها([157])، وممّن ذكر الدرس في هذه المدرسة من بيوتات دمشق العلمية، أمّا (بيت ابن المُنَجّا) فإنه بيت علم عريق أصله من معرة النعمان([158])، ذكر عنه المؤرخ الكبير خليل بن ايبك الصفدي مناقباً عزّ شبيهها وقلّ نظيرها قائلاً فيه: ((بيت سعادة وحشمة، وسيادة ونعمة، وفتوى وفتوّة، ومكارم للناس مرجوّة، وأياد متلونة الأنواع متلوّة، من تلقَ منهم تقل لاقيت سيّدهم، مثل النجوم التي يسري بها الساري))([159])، فاشتهر علماؤه بعدّة علوم كالإقراء والتفسير والحديث الشريف والفقه([160])، واهتم بعضاً منهم بالنحو والشعر والخطابة([161])، وتقلّد قسماً منهم أرفع المناصب الدينية والادارية في دمشق كالقضاء والحسبة والنظر([162]).

وممن درّس من هذا البيت في المدرسة المسمارية الشيخ المحدّث الفقيه الأديب وجيه الدين أَبُو المعالي اسعد بن المُنَجّا بن بركات التنوخي (ت606ه/1206م)، ويسمى أيضاً محمداً، برع في العديد من العلوم كالأقراء والفقه وغيرها، فضلاً عن الحديث الشريف إذ اهتم به اهتماماً كبيراً فسمعه في بلده دمشق، ورحل إلى بغداد لسماعه والتفقه بها أيضاً([163])، وهو الذي بنى لأجله الشّيخ مسمار المدرسة المسمارية لمكانته العلمية العالية ووقفها عليه وعلى ذريته، وهو أول من درّس بها([164]).

ودرّس في المدرسة المسمارية الإمام الفقيه شمس الدِّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن المنجا (ت692هـ/1292م)، كَانَ حسن الشكل ديناً فَاضلاً مُنْقَطِعاً عَن النَّاس([165]).

ومن شواهد التربية على حقوق الانسان في دمشق، عناية واهتمام أهلها ولاسيّما المدرسين بالتلاميذ الفقراء المعدومين، فمن صور هذه العناية أَو الاهتمام تخصيص الرواتب للطلبة، ومنحهم الاعطيات، والتكفّل بكسوتهم، وإطعامهم([166])، حتّى وصل الأمر لبعض المدرّسين أنهم عملوا على تحجيج التلاميذ الفقراء، أَو اصطحابهم معهم إِلى بيت الله الحرام([167]) .

ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من المدارس الدمشقية قد خصّصت رواتباً لمدرّسيها وطلبتها، وهو الحال في دار القرآن الكريم الدلامية، التي عيّنت فيها رواتباً شهرية للشيخ المقرئ مئة وعشرون درهماً، وللتلاميذ الأيتام فيها عشرة دراهم لكل واحدٍ منهم، بعد أن جُعل عددهم عشرة تلاميذ([168])، فضلاً عن إعطاء راتباً شهرياً لشيخ المدرسة الفارسية قدره ثمانين درهماً، وللطلبة المتواجدين فيها راتباً قدره خمسة وأربعين درهماً كلّ شهر([169])، وكان دور العلماء الدمشقيين الذين درّسوا في مثل هكذا مدارس يتمثل في رفضهم تقاضي هذا الراتب، وقبولهم تدريس هؤلاء التلاميذ دون مقابل إحتساباً لوجه الله I، وبالتالي عكس هذا العمل الصالح منهم صورة من صور الدعم الاقتصادي للمؤسسة التي تنفق على هؤلاء الطلبة الذين هم أسمى أهدافها، فمن هؤلاء المدرّسين الشيخ المفسّر المحدّث الفقيه الأديب كمال الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن البارزي (ت856ه/1452م)، كاتب السر بدمشق وقاضي قضاتها، كان مثالاً بالإحسان على الطلبة، ومفخرة لمن ذكر سيرته بهذا الصدد، فإنه كان يحب التلاميذ ويضمّهم إليه، ويخصص لهم رواتباً وأرزاقاً شهرية وسنوية، لدرجة أن غيره نصحه بأنّ ما ينفقه على التلاميذ كثير، لاسيما عندما ارتفعت أثمان الغلال فِي بعض السنين، إذ طلب منه بعض أتباعه أَن يصرف للمرتب لهم في البر دَرَاهِم فقبّح طلبهم وقال لهم: نعطيهم البر عندما يكون تراباً، ثمَّ نعطيهم التُّرَاب فِي حَال كَونه ذَهَباً([170]).

ومن شواهد دعمه الرائعة للطلبة الفقراء أنه حجّ أكثر من مرّة مِنْهَا فِي سنة (850ه/1446م)، فأخذ مَعَه من الطلبة والمشايخ والفقراء نَحْو أَرْبَعمِئَة نفر، وضعفهم من الدَّوَابّ، على نفقته، واشْترى لأهليهم الْهَدَايَا، وَرجع كل مِنْهُم وَهُوَ مندهشٌ لما ناله من بر واحسان من الشيخ الكمال البارزي([171]).

وكذلك الشيخ المحدّث الفقيــــه شهـــــاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن جَهْبَل الحلبيّ (ت733ه/1332م)([172])، شيخ دار الحديث الظّاهرية، ومدرّس المدرسة البادرائية، وقد تولّى هاتين الوظيفتين دون أن يأخــــــــذ راتباً شهرباً عـــــــــنهما([173]) .

ومنهم الشيخ المفسّر والواعظ بدر الدّين أبو البركات محمد بن محمد بن الغزّي (ت984ه/1576)، مدرّس العادلية، والفارسية، ثم المدرسة الشامية البرّانيّة، ثم المقدّميّة، ثم التّقويّة، وكان يخصّص لتلاميذه العطايا والرواتب والأكسية([174]) .

وأيضاً الشيخ المفسر المسند الفرضي الفلكي موفق الدين ابو محمد عبد اللَّه بن أحمد بن أبي عمر بن قُدامة المقدسي(ت620ه/1223م)، فعندما كان ينهي صلاة العشاء يمضي إِلى بيته، ويأخذ معه من تلاميذ حلقته الفقراء، ليضيفهم ويطعمهم([175]).

وكذلك الشيخ المحدّث الفقيه النحوي بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مكتوم (ت797ه/1394م)، مدرّس العادلية الصّغرى، والمدرسة الناصرية الجوانية وشيخ النحو فيها([176])، كان يحسن إِلى طلبته، فيصطحبهم معه إِلى بيته في رمضان، يضيفهم، ويفطّرهم، ويحسن في إكرامهم([177]) .

الخاتمة:

وفي ختام عرضنا لجملة من القبسات الوضّاءة التي تقصّيناها من بين ثنايا المصادر التاريخية عن تاريخ دمشق الحضاري توصّلت الدراسة لجملة من النتائج أبرزها:

01 الاسلام هو الضابط الرئيس في تطبيق روح المواطنة، وهو أحد الركائز التي استند عليها الدين الاسلامي في تعاملاته.

02 المواطنة سمة من سمات الحضارة العربية الاسلامية.

03 السلطة السياسية في دمشق كانت حريصة على غرس وترسيخ روح المواطنة بين المسلمين .

04 تبيّن أن العلم هو معيار التعامل مع الآخر، وهو الركيزة الاساسية التي تبنى عليها المواطنة، إذ نظر اهل دمشق الى ضيفهم انه عالم، دون النظر الى جنسيته او بلده، وعلى هذا الاساس أحسنوا معاملته كواطن مسلم عالم .

05 ان ترسيخ روح المواطنة بدمشق كان له اثر في اجتذاب خيرة العلماء المسلمين اليها، وكان ذلك سبباً مباشراً في ازدهار الحياة العلمية هناك، وعليه فان المواطنة هي صمّام الامان للنهوض بواقع الامة الاسلامية الحضاري.

التوصيات:

01 على السلطة السياسية في بلداننا الاسلامية تبنّي هذا المبدأ لأجل تحقيق السلام في العالم الإسلامي، ونبذ روح الفرقة المذهبية والقومية والعرقية والمناطقية التي مزقت جسد وكيان العالم الاسلامي.

02 على المؤسسات التعليمية الدور الاكبر في تحقيق المواطنة، متمثلة في سعيها لإحتضان علماء المسلمين من شتى اقطار العالم الاسلامي .

03 على كلّ مسلم إن كان في موقع السلطة أو فرداً من العوام مسؤولاً على تحقيق وترسيخ روح المواطنة وحقوق الانسان بين المسلمين وغيرهم، فإن تعامل الفرد بهذا المبدأ النبيل يعكس للمقابل عِظم ديننا الاسلامي من جهة، وأصالة وعراقة البلد الذي ينتمي إليه هذا المسلم من جهة اخرى .

 

(محاماه نت)

إغلاق