دراسات قانونية
حق المواطنة في العراق (بحث قانوني)
ثقافة المواطنة في المجتمع العراقي المعاصر
دراسة تحليلية من منظور اجتماعي
Culture of Citizenship in Contemporary Iraqi Society Analytical study from a social perspective
ا.م.د حمدان رمضان محمد
العراق /الموصل /جامعة الموصل /كلية الآداب/ قسم علم الاجتماع
Dr. Hamdan Ramadan Mohammed
Iraq / Mosul / University of Mosul / Faculty of Arts / Department of Sociology
Abstract
The research problem focused on the culture of citizenship in the state and its effectiveness among the components of Iraqi society, while the problem of research was centered on the central question of what is the concept of culture of citizenship and its development and cultural foundations and its importance in building and stability of society. To answer the research questions and to achieve its objectives, The research has confirmed that the culture of citizenship has a great role in educating individuals and recognizing their rights and duties in society, in addition to their role in the stability of society. The research also reached several conclusions,
-1The quality of citizenship in a country affected by political maturity and cultural advancement.
-2The concept of citizenship through the ages is influenced by political and social development and the beliefs of societies and values of civilizations and major global changes.
-3The Government should consider citizenship as a list of the life of society and its programs should seek to bring together the poor and rich as partners in the renewal of society
مستخلص:
يهدف البحث الى تاصيل ثقافة المواطنة في بناء الدولة وبيان فاعليتها بين مكونات المجتمع العراقي،في حين كانت اشكالية البحث قد تمحورت في سؤال محوري مفادها ماهو مفهوم ثقافة المواطنة وتطورها ومرتكزاتها الثقافية واهميتها في بناء المجتمع واستقراره، وللاجابة عن اسئلة البحث ولتحقيق اهدافه فقد استخدمنا المنهج الوصفي التحليلي،وقد جاء البحث مؤكدا ان لثقافة المواطنة دورا كبيرا في تطور المجتمعات من خلال توعية الافراد، والتعرف على حقوقهم وواجباتهم في المجتمع ، فضلا عن دورها في استقرار الدولة، كما توصل البحث الى عدة استنتاجات اهمها:
نوعية المواطنة في اي دولة ما تتأثر بالنضج السياسي والرقي الحضاري.
يتأثر مفهوم المواطنة عبر العصور بالتطور السياسي والاجتماعي وبعقائد المجتمعات وبقيم الحضارات والمتغيرات العالمية الكبرى.
أن تنظر الحكومة إلى المواطنة انها قوائم حياة المجتمع وان تسعى برامجها الى جمع الفقير والغني كشركاء في تجديد المجتمع .
.
المقدمة:
يقول الزعيم الافريقي الكبير نيلسون مانديلا((لا توجد بلاد يمكن أن تتطور حقا ما لم يتم تثقيف مواطنيها )) حيث لفتتني هذه المقولة، ورحت أتأمل في طياتها وأتساءل هل اختصر الرجل مشكلة بلادنا بهذا السطر المتواضع، وهل يمكن ان تكون هذه مصيبتنا وأساس مشكلاتنا؟ والثقافة هي ضالتنا المنشودة لحل جميع العقد التي عجز حتى الأسنان عن حلها؟، بيد ان السؤال الذي يطرح هنا، ما هي الثقافة ؟.بحثت كثيرا ولعلي لم أجد أفضل من تعريف الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد لها بقوله :(خلاصة ما أصف به الثقافة أنها ترويض الوظائف الإنسانية على استيفاء نصيبها من الحياة الفضلى). اذن على هذا القول لابد ان يربي الانسان نفسه على تحصيل قيم الحياة الكريمة، التي تجلب له السعادة وراحة البال، وهذا لا يتأتى بغير التحلي بمكارم الأخلاق التي كانت مدار عمل الانبياء (عليهم السلام) والمصلحين على مدى الدهر، ومن ثم صيرورة الانسان ككائن باعث للطاقة الايجابية لمن حوله من خلال تعامله المشحون بالصدق والأمانة والعفة([1]).36
لذا تعد المواطنة من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة الحديثة والمواطنين فيها، فإما بناء مواطن فاعل ومسؤول وواعي لمسؤولياته وحقوقه، وإما الغرق في أشكال مختلفة من التشتت والفساد، والولاءات الضيقة التي باتت تحتل الأولوية أحيانا على حساب المواطنة والانتماء والهوية، فالدولة الحديثة ليست مجرد مؤسسات للحكم ودستور مكتوب، وجيش وقانون، بل مشروع مجتمعي متكامل وظاهرة للتعاون والتفاعل الوثيق بين مواطنين واعين وناشطين، فهم مصدر السلطة، وهنا يشكل المواطنين بمختلف مكوناته وشرائحه وفئاته المقصودة والمعنية والمعول عليها للحفاظ على القيم الاجتماعية للمجتمع والاحساس بهويته والاعتزاز بها والتضحية من أجلها مع الانفتاح في نفس الوقت على الثقافات الأخرى والتفاعل معها في جو من الانسجام والموضوعية، وإعادة التوازن بين ما هو محلي ما هو كوني للتخفيف من غلو قيم العولمة وما صاحبها من تحولات وانهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية، وما صاحب ذلك من آثار سلبية أحيانا([2]).
فالمواطن العراقي مثلا مطالب بالمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي والحضاري للمواطن دون تصادم مع الأفكار الرائجة في محيطه، وهذا ما سنحاول التطرق إليه في دراستنا الاستكشافية هذه، والتي تتمحور حول ثقافة المواطنة لدى افراد المجتمع العراقي المعاصر. وعلى هذا الأساس يمكن أن نحدد البحث بما ياتي:
اولا :الاطار المنهجي للبحث
تحديد مشكلة البحث.
أدى التغيير السياسي الذي شهده العراق بعد نيسان 2003 إلى أحداث وتداعيات تجاوزت في أبعادها وتأثيراتها السياسية، لتتطور وتصبح فيما بعد أزمات ومشكلات مزقت النسيج المجتمعي للشعب العراقي، عبر سيادة مبدأ التشدد والتطرف الذي حمل في طياته الأحقاد والضغائن والغلو وعلى كافة المستويات والصُعد سواء السياسية، الدينية، الإجتماعية، وهو ما عزز من ثقافة الإنقسام وغياب الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع. ولا شك فأن البيئة السياسية التي ولدت بعد تغيير النظام السياسي عام 2003، وطبيعة الخطاب السياسي والديني الذي تم تبنيه في هذه المرحلة، لعب دوراً لا يمكن تجاهله في تكريس ثقافة التطرف والطائفية بكافة أشكالها، وإستغلال كل طرف من الأطراف المختلفة والمتعارضة الفرص السانحة للحصول على أكبر قدر من المكاسب والمصالح السياسية والإجتماعية، والدفع بأتجاه تعزيز الولاءات الطائفية والدينية والقومية الضيقة على حساب الولاء الوطني الجامع الشامل. ومما عزز من خطورة هذه المرحلة أنها أنتجت سلوكيات وممارسات لم تكن مألوفة من قبل على صعيد المجتمع العراقي، غلب عليها طابع الصراع والتطرف والأحقاد والكراهية للطرف الآخر، الأمر الذي اسهم بدوره في زعزعة السلم الأهلي والإندماج الوطني وغياب روح المواطنة بين فئات المجتم،ومن هذا المنطلق فان الموضوع يستحق البحث ،وعليه تكمن مشكلة بحثنا الحالي في بيان مدى ماتقدمة ثقافة المواطنة لافراد المجتمع من دعم ومعطيات ومتطلبات لتعزز الاستقرار السياسي واستمرار ديمومتها في بناء نظام ديمقراطي في المجتمع العراقي وعملها،اذا ان هذه المشكلة يمكن الاجابة عنها بعدة تساؤلات،منها: ماهي ثقافة المواطنة ؟ وماهي علاقة المتبادلة بين الوطن والمواطن؟ ما واقعها؟ وما مستقبلها؟ ومن المسؤول عن تعزيزها وتنميتها؟
2-أهمية البحث
تتجلى أهمية هذا البحث من خلال سعينا إلى طرح موضوع لم يحظ بالاهتمام المطلوب في وقتنا المعاصر بالنسبة لمجتمعاتنا الذي لم نبدأ باستخدامه إلا منذ فترة قريبة، مما يتطلب تأطيره نظريا وتوصيفه وتحليله أكاديميا ومحاولة تجسيده على ارض الواقع وفق أسس علمية منهجية وقواعد دستورية واضحة.
ناهيك عن كون هذا البحث لم يأخذ عمقا في الأدبيات الاجتماعية، فضلا عن ذلك يرمي البحث إلى توضيح المضمون العلمي والعملي لمفهوم المواطنة في مجتمعنا، بما يبعده أن يكون شعارا في الواجهات الراهنة في المجتمعات، وإبراز الفائدة الفعلية التي يمكن أن تنجم عن استخدامه في تحليل التحول الاجتماعي والسياسي في مجتمعنا.
وتكمن أهمية البحث أيضا من كونه محاولة عملية في مجال علم الاجتماع السياسي نسعى إلى إبراز دور المواطنة في تنمية الاندماج السياسي في مجتمعنا عبر إحداث تغير في البنية الذهنية والثقافية لمجتمعنا.لغرض التصدي للتدخلات الخارجية التي تحاول الاعداء بها تمزيق الوحدة الوطنية في مجتمعنا وتهدد التنوع الاثني والعرقي والقومي للنسيج البناء الاجتماعي للمجتمع العراقي.
أهداف البحث.
يسعى البحث إلى تحقيق جملة اهداف منها:
التعرف على الاطر النظرية المفسرة لمفهوم المواطنة.
التأكيد على اهمية المواطنة في المجتمع.
ابراز اهم ركائز التي يمكن ان يعتمد عليها ثقافة المواطنة في المجتمع.
معرفة علاقة الثقافة بالمواطنة
تحديد ابعاد المواطنة من الناحية الاجتماعية والسياسية والقانونية في مجتمعنا العراقي.
تحديد طبيعة نشر ثقافة المواطن والياتها بين افراد المجتمع العراقي.
محددات البحث.
ان هذا البحث يؤكد على بيان دور ثقافة المواطنة ومتطلباته في بناء مرتكزات التحول الديمقراطي في المجتمعات المعاصرة وتعميم ذلك على المجتمعات التي لاتسود فيها نظم ديمقراطية ،وخاصة في الدول العالم الثالث الذي تغيب فيها التعامل مع المواطنين بمفهوم المواطنة وابعادها الحقيقية في المجتمع.
منهجية البحث.
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي لكون مثل هذه الدراسات يلائمها هذا المنهج،واذ لابد من وصف حالة المواطنة وبيان ابعادها ومعرفة مستوى ثقافة المواطنة ومرتكزاتها في المجتمع، ومن ثم لابد من تحليل مايقع تحت ايدينا من معلومات خاصة بالمواطنة،اما من حيث تقسيم البحث فاننا سنتناوله في مقدمة وعدة محاور خاصة يتطلبة جوانب البحث ،وخاتمة هي في حد ذاتها تتضمن الاستنتاجات والتوصيات التي تم التوصل اليها.
تعريف مفهوم المواطنة.
المواطنة:
لقد استعملت كلمة المواطنة تاريخيا في اليونانية اللاتينية اشارة الى الأفراد الذين كانوا يعيشون فقط في دولة المدينة، وفي الفرنسية أيضا نجد أن المواطنة اشتقت من كلمة satiates اللاتينية التي ترادف كلمة polis اليونانية التي تعني المدينة([3]).
أما في اللغة العربية فان المواطنة مشتقة من الوطن، والوطن في اللغة العربية هو محل السكن أو المكان الذي يقيم فيه الإنسان، ولا علاقة له بالمدينة([4]).
وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى المواطنة بانها:(علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة متضمنة حريته من الحرية من مسؤوليات وتسبغ عليه حقوقا سياسية مثل حقوق الانتخابات وتولي المناصب العامة) ([5]).
أما المواطنة في موسوعة (كوليرا) الأمريكية فهي (أكثر أشكال العضوية اكتمالا في جماعة سياسية ما) والمواطنة في الموسوعة الدولية هي ( عضوية كاملة في دولة أو بعض وحدات الحكم) ([6]).
في حين يعرف احمد زكي بدوي المواطنة في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعيةبانها( صفة المواطن الذي تحد حقوقه وواجباته، وتتميز المواطنة بنظره نوع من الولاء للبلاد ووحدتها في أوقات السلم والحرب وإبداء التعاون مع المواطنين في تحقيق أهداف قومية) ([7]).
في حين يعرفه محمد عاطف غيث المواطنة في قاموس علم الاجتماع (بانها مكانة او علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي(الدولة) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الاول الولاء ويتولى الطرف الثاني الحماية وتتحدث هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون([8]).
ثقافة المواطنة:
يحدد محمد احمد درويش ثقافة المواطنة: بان يعترف كل فرد باختلافه عن الاخر وان يكون هذا الاعتراف متبادلا اي الاعتراف بالأخر بشكل متساو تماما،اذ ان تحقق المواطنة في المجتمع من جميع طبقات المجتمع تتطلب تواجد عدد من الاعتبارات الهامة هي :
ادراك وجود الغير
الرغبة في التعيش بعدالة مع الغير
سيادة التفكير الفعلي على التفكير الغيبي
التنشئة الاجتماعية السليمة والتي تؤدي الى الاعتراف بحق جميع الطبقات الاجتماعية.
وجود دافع المواطنة اي وجود ثروة مشتركة او وجود خطر مشترك، الامر الذي يؤدي الى الشعور بالمماثلة والشعور بالمشاركة في اقتسام الثروة او المشاركة في درء الخطر عن المجتمع([9]).
وفي هذا السياق يمكن تعريف ثقافة المواطنة: بأنها شكل من أشكال الإنتاج الثقافي او الوعي المعرفي او التربية والتعليم بالقضايا الوطنية ومعرفة حقوقنا وواجباتنا تجاه المجتمع ، وينبغي من خلالها أن نفهم تشكل المواطنة بوصفها عملية إيديولوجية نعاين من خلالها أنفسنا وكذلك علاقتنا بالآخرين وبالعالم في نظام معقد من المصالح والعلاقات وغالبا ما يكون متضاربا من اجل التفاعل الايجابي والاندماج المجتمعي([10]).
ثانيا : التطور التاريخي للمواطنة.
تعد المواطنة من المتغيرات التي تبلورت عبر تحولات تاريخية متتابعة منذ بداية المفهوم في الحضارة اليونانية والاغريقية القديمة، مرورا بالعصور الوسطى، وعصر النهضة والتنوير وحتى عصور الثورات الكبرى، التي اكدت على الحقوق الاساسية للإنسان في اوروبا، فضلا عن العولمة التي سعت كمرحلة الى التأكيد على هذه الحقوق وتوسيع نطاق فاعليتها حتى تخلق مواطنة عالمية تتجاوز او تتعارض في بعض الجوانب مع المواطنة القومية([11]).
وان اقرب معنى للمصطلح في العصور القديمة ما توصلت اليه دولة المدنية عند الاغريق حيث كانت مدينة اثينا نموذجا تكرست به المواطنة ([12]). ولو انتقلنا إلى الرومانيين نجد أنهم على الرغم من أنهم ابقوا على فكرة تصنيف المجتمع إلى طبقات او فئات اجتماعية او متباينة في الحقوق والواجبات([13])، إلا أنهم تجاوزوا الفكرة التي كانت تحصر صفة المواطن في الشخص الذي تكون في قابليته تولي الوظائف العامة، وذلك عندما أضافوا على صفة المواطنة طابعا قانونيا أوسع([14]).
كذلك اسهمت الأديان السماوية في حماية حقوق الإنسان وتزايد اهتمامهم بالمواضيع التي تتعلق بضمان سعادة الإنسان والارتقاء بدوره، وبذلك قد اسهمت بحد كبير في انتشار وترسيخ مبدأ المواطن والاهتمام به. فقد نادت المسيحية بالمساواة بين الإفراد وأكدت بأنهم متساوون في نظر الخالق واعترفت بأهمية الفرد والمجتمع وهو ما نجده مثلا في أفكار القديس أوغسطين (354 ـ 430 م) حول مدينة الله([15])،وبهذا المعنى أيضا اسهم الإسلام في تأسيس العلاقات بين الأفراد داخل المجتمعات على مجموعة مبادئ إنسانية منها، مبدأ الإخاء البشري العام ([16]). وكذلك مبدأ المساواة الإنسانية الذي قرره الإسلام ونادى به ([17]). فضلا عن مبدأ العدل والقسط والإنصاف من المبادئ الجوهرية التي اقرها الإسلام. وفي الوقت نفسه التاكيد على مبدأ الشورة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليؤكد على ذلك الى جانب المبادئ الأخرى.. الكثير من الأسس تحقيق مبادئ المواطنة([18]).
ومن الأمور الأخرى التي أدت إلى تزايد الاهتمام بالمواطنة التحولات التي طرأت على التفكير اليوناني والروماني هو بروز وانتشار فكرة القانون الطبيعي وانتشاره([19]). وان الفلسفة الرواقية هي من ابرز دعاة نظرية القانون الطبيعي الذي يدعو الى مساواة بين جميع البشر وإقامة العدل بينهم وتطورت فكرة القانون الطبيعي مع الرواقية حتى أصبحت تقول بالمساواة بين البشر وعدم التميز بينهم وبين المجتمعات البشرية المختلفة([20]).
ثم شهدت فكرة الرواقين تتطورا ملحوظا في الأوساط الفكرية والدينية والأوربية اذ تأثر بها الفكر المسيحي في القرون الوسطى إضافة إلى بعض مفكري العصر الحديث، وقد لعبت فكرة القانون الطبيعي دورا رئيسيا في التشريعات الثورة الفرنسية وما تزال تمثل إلى اليوم مبادئ العدالة والمساواة([21]). وكان لعصري النهضة والتنوير ايضا ومفكريهما فضل كبير في تزايد الاهتمام بموضوع المواطنة اذ اتسم عصر النهضة بصفات تختلف عن سمات العصور الوسطى وكان من أهمها انهيار الإقطاع وبروز الطبقة البرجوازية (الرأسمالية) وقد تبع هذا التغير تغير في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية([22]).
وكانت لحركة النهضة مثل الحركة الإنسانية المرتبطة بها عودة داعية إلى المثل العليا والقيم الإنسانية في كثير من جوانب الحياة اذ تبنت مذاهب العقلانية في تقريرها للواقع والمؤسسات السياسية ويأتي هذا الانعطاف الفكري انعكاسا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي حدثت في أوربا خلال تلك الفترة([23]).اكما ان إمكانية القبول الفكري والتقبل النفسي لمبدأ المواطنة الذي شكل حجر الزاوية للمذهب الديمقراطي في أوربا الغربية وتحولت الدول في دائرة الحضارة الغربية تدريجيا بمقتضى مبدأ المواطنة إلى دول ديمقراطية([24]).
إذ لاشك إن للفكر النهضوي دوره الريادي في الثورة على العهد القديم ورموزه ومؤسساته وقيمه وكان طبيعيا لحضارة قد كبلتها سلطة الملوك الاقطاعين ورجال الكنيسة ان تجعل هدفها تحرير الإنسان من الاستبداد فتعلن المساواة للإطاحة بالامتيازات والتحررية لتأكيد قيمة الإنسان إزاء مؤسسات الكنيسة والإقطاع وتنادي بالشعب مصدرا للسياسة بديلا عن سيادة الملك والتعددية على أنقاض الانفرادية وفصل السلطات لمنع التركز والاستبداد([25])
وهكذا يظهر بوضوح ان حركة النهضة كانت بمثابة حركة اليقظة للوعي السياسي والاجتماعي والفكري في المجتمعات الأوربية فأثرت تدريجيا على باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى المطالبة بحقوقها. ومن ابرز رموز هذا العصر (هوبز ولوك وروسو)([26]). لقد كانت نظرية العقد الاجتماعي من أهم النظريات التي قبلت في تحديد الأساس القانوني للدولة وكان لها فضل كبير على رجال الثورة الفرنسية وبالأخص الأفكار التي طرحها جان جاك روسو، ويرى بعض الكتاب بان نظرية العقد الاجتماعي من اصلب الأسس الذي يستند إليها مبدأ المساواة([27]).وكذلك كانت لمبدأ الإصلاح الديني وبروز الدولة القومية من ابرز الأساليب التي أدت إلى ترسيم مبدأ المواطنة في المجتمعات الأوربية وفيما بعد في العالم ([28]).
ومن هنا نستطيع القول بان حركة الإصلاح الديني تعد من احد أهم العوامل الرئيسة في تزايد الاهتمام بموضوع المواطن بتجاوزها الإطار الديني البحت إلى إطارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفيما يخص بروز الدولة القومية (الوطنية) الدولة التي اعتبرت لنفسها السيادة داخل حدودها، فلم يعد الأساس في قيام هذه الدولة هو ولاء الأفراد للملك او الإمبراطور الذي كان تختزل في شخصه، وإنما أصبح الأساس هو الولاء للحكومة التي تمنح الحريات للشعب([29]).
وبذلك ترسخ مبدأ المواطنة واقر كحق ثابت في الحياة السياسية واتسع نطاق ممارسته تدريجياً بزصفه ثمرة للتحولات التي شهدها البشرية كإحدى أهم الركائز الأساسية للعملية الديمقراطية.وبالإضافة إلى التحولات الانفةعلى سبيل المثال لا الحصر، إذ أن هناك أسبابا أو تحولات أخرى اسهمت ولا تزال تسهم في تزايد الاهتمام بالمواطنة ومنها على سبيل المثال الثورات الكبرى التي حصلت في التاريخ الوسيط والحديث من أبرزها الثورة الفرنسية (1789) والثورة الروسية (1917)،أو الإعلانات والمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان([30]). هذه تحولات عدة حدثت في اوروبا اسهمت في ارساء مبادي المواطنة في الدولة القومية الديمقراطية المعاصرة، والذي اسهم في ترسيخ الحقوق الطبيعية للإنسان، والمطالبة في المشاركة السياسية، ووضع القانون الذي اسهم في تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتلبية حاجات المجتمعات([31]).
وفي الوقت نفسه نجد ان بروز المواطنة العالمية قد تأثر بهذا النموذج العالمي للمواطنة بقوة وبفكرة العولمة منذ ظهورها، خاصة وان الاتحادات والتكتلات العالمية بدات تزداد بشكل جعل هذا المفهوم حقيقة واقعة مع الدعوة لعالم مفتوح ومترابط اقتصاديا وثقافيا وسياسيا بالاعتماد على التكنلوجيات الحديثة وغير ان هذا المفهوم العالمي لايزال غير قادر على اكتساب ثقة العالمية من الناس على ما يبدو فيه من تهديد للهوية الثقافية ومعارضته لمفهوم الدولة القومية([32]).
ومن هنا يرى الباحث ان المواطنة ليس بالمفهوم الحديث بل تم تطبيقه قديما وفق الظروف التي عاصرت تلك الفترات التاريخية ومع تطور المجتمعات واتساعها ادى الى تطور المفهوم وتشكله بما يتناسب مع التطورات السياسية والاجتماعية والعلاقات التي احكم الافراد بالحكومة والسلطة السياسية الحاكمة داخل المجتمع وعلاقة الافراد مع بعضهم البعض، ووفق القانون الذي يحكم المجتمع، ووفق المستويات التي تحددها الدولة.
ثالثا: اهمية المواطنة في المجتمع:
تعد المواطنة من المفاهيم الحضارية التي افرزها الفكر الحديث من خلال النتاج الفكري للإنسان وهو عماد واساس هذا المفهوم، وفضلا عن ذلك من خلال تراكم المنجزات الحضارية في الجانب العلمي التطبيقي، الذي حول المفاهيم المجردة الى نظرية عمل تكللت بإنجازات اسهمت في رفع قيمة الانسان باعتباره معيار الحضارة([33]).
لذا تعد المواطنة فكرة اجتماعية وقانونية وسياسية اسهمت في تطور المجتمع الانساني بشكل كبير بجانب الرقي بالدولة الى المساواة والعدل والانصاف، والى الديمقراطية والشفافية، والى الشراكة وضمان الحقوق والواجبات علية فهي ذات اهمية لأنها:
تعمل على رفع الخلافات والاختلافات الواقعة بين مكونات المجتمع والدولة في سياق التدافع الحضاري.
تحفظ للمواطن حقوقه وتوجب عليه واجبات تجاه دولته،اذ اننا لا يمكن ان نحقق المواطنة، بدون مواطن يشعر شعورا حقيقيا بحقوقه وواجباته في وطنه، فلا مواطنه بدون مواطن، ولا مواطن الا بمشاركة حقيقية في شؤون الوطن على مختلف مستوياته([34]).
تضمن المساواة والعدل والانصاف بين المواطنين امام القانون وخدمات المؤسسات، وامام الوظيفة والمناصب والمشاركة في المسؤوليات وامام توزيع الثروات في الدولة وكذلك الواجبات والخدمة العسكرية والمحافظة على الوطن والدفاع عنة فالمواطنة هي حق فردي لكل ابناء الوطن في تقرير مصير المواطن والتمتع بكل خيراته([35]).
تعترف بالتنوع والتعدد العرقي واللغوي والايديولوجي والسياسي والثقافي والطائفي والاقتصادي والاجتماعي وترتفع عنه في العلاقة بين المواطن والدولة،وتعمل على صون هذا التنوع والتعدد واحترامه مع توفر قنوات وممرات للمشاركة والتعاون والتكامل من اجل اثراء المضامين والمفردات المدنية والحضارية للمواطن والوطن معا([36]).
تمكن المواطن من تدبير الشان العام من خلال النظام الانتخابي ناخبا ومنتخبا للمؤسسات المنتخبة التي تعبر عن دولة القانون والمؤسسات. ومن خلال العضوية في المنظمات وهيات المجتمع المدني، مما يعني ان المواطن يسهم في البناء الدستوري والسياسي والمدني للدولة.
تحدد منظومة القيم والتمثلات والسلوك الاساس لاكتساب المواطنة والتربية عليها، كما تحدد الاطار الاجتماعي المرجعي لممارسة الحقوق والواجبات والعلاقات بين الافراد والجماعات والدولة. ومن ثم فهي نظام سياسي ومجتمعي واخلاقي وثقافي لفضاء الوطن بتجلياته المختلفة، يعطي الثقة للمواطن للمشاركة الحية والنشيطة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.
يضمن حقوق الانسان في المجتمع والوطن والدولة، لكونها تنقل الحق الانساني الى حق للمواطنة عبر تشريعه وتقنيته، وتضمن استمرار المجتمع في الاطار السياسي الذي يعبر عنه وهو الدولة([37]).
تؤدي الى بناء نظام سياسي مدني تعددي متنوع بمعنى كلما تعددت التكوينات والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية تصبح المواطنة اساسا لبناء الدولة المدنية، الحديثة ومن ثم تكون المواطنة معيارا للحق والواجب،تحدد عبرها العلاقة بين المجتمع والدولة([38]).
رابعا : طبيعة ركائز ثقافة المواطنة في المجتمع:
تعددت ركائز ثقافة المواطنة في المجتمع ويمكن التطرق الى اهم تلك الركائز والتي تتمثل:
اولا: القيم.
ان مضمون المواطنة يقوم على مجموعة من القيم والمبادئ والاساسيات الايجابية والاخلاقية، وبذلك فالمواطنة تشكل نسقا من القيم تتفاعل فيما بينها من جهة اولى، ومن جهة ثانية تتفاعل مع خارجها من القيم الاخرى، وهي قيم تتحرك نحو المواطن والوطن والدولة والبيئة، وهي تعني قيم المساواة والعدل والانصاف والحرية والكرامة والمشاركة والتسامح والديمقراطية والبناء والحوار والوحدة في تنوع والتكامل والتضافر والتآزر والتضامن والاندماج في المجتمع من اجل اغنائه وتطويره وتحسينه([39]).
فثقافة المواطنة لا تعني فقط المعرفة التامة بمجموع القيم المكونة لها، وانما هي الوعي بأهميتها في الحياة الفردية والمجتمعية، والاقتناع بفاعليتها في المجتمع لأجل تحقيق اهدافها المعلنة والضمنية.اذ قال العاهل المغربي: “فمنظورنا للإصلاح المؤسسي يستهدف عقلنة وتجديد المؤسسات، على درب توطيد دعائم دولة عصرية، وترسيخ ثقافة المواطنة التي يلازم فيها حقوق الانسان بواجباته وبأجهزة حمايتها من التجاوزات المنافية للقانون، بيد ان المواطنة الفاعلة لن تستقيم الا بالتنشئة الصالحة المرتكزة على الاركان الثلاثة المتكاملة للعقيدة السمحة والثقافة المنفتحة والتربية السليمة”([40]).
ثانيا: الاكتساب:
لا يمكن للمواطنة وقيمها ان تقوم دون اكتسابها عبر التربية والتنشئة عليها بمختلف الوسائل والطرق والادوات، بدء بالأسرة ومرورا بالمدرسة ووصلا الى وسائل الاعلام والتكنلوجيا ومؤسسات المجتمع المدني([41]).
ثالثا :الممارسة:
لامعنى للمواطنة من غير ممارسة فعلية لها على ارض الواقع، لان الممارسة هي التي تعطيها القيمة التداولية في سوق المواطنة،اذ تصبح بدون ممارسة ترفا فكريا لافائدة منها.علما ان العلم هو الذي تستفيد منه الانسانية في حل مشاكلها وقضاياها المختلفة.والمواطنة دون ممارسة تهدم ثقافة المواطنة والمواطن ذاتها من الداخل، لانها تفقد لدى المواطن قيمتها العملية والنفعية([42]).
ومن هنا فان هذه العناصر الاساسية الثلاث المتمثلة بالقيم والاكتساب والممارسة هي التي تتفاعل فيما بينها في نطاق الحراك الاجتماعي لانتاج ثقافة المواطنة، التي تعد من احد مداخل ترسيخ المواطنة في المجتمع واستمرارها، ونشرها كاساس عملي للتداول بين الناس فيما بينهم وبين الدولة. ومن ثم لا تستقيم المواطنة الا باسمها وشروطها وضرورياتها([43]).
خامسا:علاقة الثقافة بالمواطنة.
أن الثقافة في أي مجتمع تمثّل حاصل تجربته ومدى وعيه لذاته والمحيط به، وهي سجلّ للقيم الأساسية التي تحكم الممارسة الحياتية والسياسية؛ وهي بمعنى سهل إنتاج ما عبرَ التاريخ من الناحية المعنوية والمادية. ويمكن التمييز بين عناصر الثقافة ثلاثة، وهي الأفكار والقيم، والمؤسسات المجتمعية، ثم ما حقّقه المجتمع من إنجازات علمية. وثمة ترابط فيما بين الجوانب الثلاثة، ذلك أن الإطار الفكري والقيمي يحكم عمل المؤسسات التي تقوم بدورها بإنتاج الإنجازات المختلفة. وما يحدث من تغير في الجانب القيمي والمفاهيمي يؤثّر بدوره في مؤسسات الدولة والإنجازات([44]). ويمكن القول إن الإطار الفكري والقيمي الذي تعرّض إلى تغيير، نتج عن حالة الصراع بين الثابت والنسبي داخل الثقافة العراقية التي اتسمت بالتعقيد والتركيب، وقد أدّى ذلك إلى مولد ثقافة تتسم بالتمرد في مواجهة ثقافة الطاعة والخوف والاستسلام
وتثير قضية الثقافة دائماً مناقشة قضيتين مهمتين: الأولى هي الهوية والانتماء، والثانية هي قضية المواطنة، حيث نجد الصراع دائماً بين أصحاب دعاوى الأصالة والمحافظة والاتجاهات التقليدية من جهة، وبين أصحاب دعاوى الحداثة والمعاصرة والانفتاح على الآخر والرغبة في التغيير من جهة أخرى([45]). وهذا الصراع ليس وليد تلك المرحلة، بل يعود إلى الزمن الماضي الذي أفرز أكثر من خطاب كان له أثر في تكوين الذهنية العراقية والعربية، ويمكن القول إن أحد هذه الخطابات هو الخطاب الديني المتطرف الذي كان سبباً ومصدراً للتوترات الموجودة على الساحة العربية، والتي تظهر في صورة حركات تتسم بالعنف والتطرف والإرهاب، نظراً إلى أنه خطاب لا يؤمن بالتعددية والتسامح وقبول الآخر([46]).
كما إن التعرف على اتجاهات المواطنين نحو الخطابات المتعددة، سواء كان الخطاب الليبرالي
أو القومي أو اليساري أو الديني أو الديمقراطي الاجتماعي، يُعَدّ أمراً مهماً لأن المواطنين يمثلون
الشريحة الواسعة وعليها نعوّل لبناء الوطن والحفاظ عليه،كما أن معرفة اراء الموطنين يمكن أن
تجعلنا نتنبأ بالمستقبل المرهون بأدائهم وتوجهاتهم وأفكارهم وقيمهم. ثم إن التعرف على رؤيتهم نحو
قضايا الوطن وهمومه، وموقفهم من قضية التحول الديمقراطي والمواطنة، يمكن أن يجعلنا قادرين
على رسم خطط وسياسات مستقبلية لتمكين تلك الشريحة من ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ومناهضة العنف والتطرف([47]). لذلك فليس من شروط المواطنة الاتفاق في الراية والاشتراك في الدين والمذهب والقومية.وان مفهوم المواطنة يستوعب كل هذه التعددية والتنوعات، ويجعل المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي مؤتيا لكي تمارس كل هذه التعديدات دورها وضيفتها الحضارية والوطنية في إثراء الواقع الوطني ومده بأسباب الاستقرار والانسجام الاجتماعي. كل الثقافة تؤسس للتمايز او التفريق بين أبناء الوطن الواحد على أساس تاريخية او فكريه وسياسيه هي ثقافة تساهم بشكل او بأخر في تفويض أركان الوحدة الوطنية، وتدق وتد في مشروع الوطن والمواطنة. فالمواطنة كمفهوم وإجراءات وحقائق، هي الإبداع الإنساني الدستوري الذي يضمن لجميع المكونات والتعبيرات المشاركة في إدارة الشأن العام لا اختيار أمامه لضمان الوحدة والاستقرار الا تأسيس الأوضاع القانونية والسياسية على مبدأ المواطنة ومقتضياتها الدستورية والسياسية([48]).
فالتعدد لا يمكن أن يدار في الإطار الوطني الا بمواطنه تضمن للجميع حقوقهم، وتفسح المجال أمامهم للالتزام بواجباتها والقيام بمسئولياتهم وإرساء مبدأ المواطنة في نظام العلاقة بين أبناء الوطن الواحد وبينهم وبين مؤسسات الدولة.كما إننا اليوم لا يمكننا ان نلتزم بمقتضيات انتمائنا القومي الا ببناء أوطاننا على أسس الحرية والعدالة والمساواة، وبوابتنا لذلك هي المواطنة بكل حقائقها ومضامينها الدستورية والسياسية والحقوقية. وبهذا المنظور تتجلى حقيقة لا لبس فيها وهي، ان المواطنة ليست شعارا مجرداً عن حقائق ووقائع الحياة، وإنما هي منظومة قيميه وإدارية وسياسيه، نتيجة لكل إمكاناتها لمنح المواطن كل حقوقه، وتحفزه للالتزام بكل واجباته ومسؤوليته. فالأمن والاستقرار والتحديث كل ذلك مرهون الى حد بعيد على وجود مواطنه متساوية مصانة بنظام يحول دون التعدي على مقتضيات ومتطلبات المواطنة الواحدة المتساوية، وحينما يغيب مفهوم المواطن في الفضاء السياسي والاجتماعي، حينذاك يتحول موضع الانتماء الوطني الى شعار للاستهلاك والمزايدات([49]).
وعليه ظهر استخدام مبدأ المواطنة في العقود الأخيرة وصار احد الركائز الأساسية للخطاب السياسي المدني الذي يدعو للإصلاحات السياسية والاجتماعية والقانونية في مواجهة جميع أشكال التهميش السياسي والثقافي ومنع ثقافة التمييز السائدة في المجتمع والدعوة إلى التسامح والوحدة ونبذ التشتت والافتراق. أن ما يشهده العراق اليوم من دعوات صريحة لبناء ثقافة تنموية تدعو إلى توسيع دائرة مفهوم المواطنة ليشمل جميع المواطنين في العراق، والخروج من جميع أزماته وتوتراته الداخلية من خلال العمل على تطبيق دعواته بصياغة ثقافة وطنية جديدة عمودها الأساسي ومرتكزها هو ” المواطنة ”. فمن القراءات العديدة لمشاكل وأزمات العراق الداخلية هي بسبب تغييب مفهومي (الوطن والمواطنة) أي الغياب الثقافي هنا وعلو ولاءات أخرى على حساب الانتماء للعراق مما أدى بدوره إلى تفاقم الاستقرار الاجتماعي ومن ثم انعكس على الاستقرار السياسي في العراق، ومن هنا فأن التنوع الاجتماعي في العراق ومن جميع مكوناتها لا يمكن أن يتوحد في هوية وطنية عراقية إلا من خلال الدعوة إلى مبدأ المواطنة([50]).
وعلى ضوء هذا نستطيع القول أن الشعوب والأمم التي تعاني من حالة ضعف في التزاماتها بقضايا ومتطلبات انتمائها الوطني والقومي، هو من جراء الغياب العملي والمؤسسي لواقع المواطنة، أما الأمم التي يشعر أبنائها باعتزاز عميق بانتماءاتهم فهو من جراء انجاز هذه الأمم لهذه المواطنة من دافع حياتهم. وإنما ومن مقتضى الوفاء للوطن ورحله ان نعمل معا على صنع حاضرنا وتطوير راهننا وتجاوز محن واقعنا وتحدياتهما لمزيد من الكفاح والبناء والعمران. بالفكرة والرؤية الجديدة والمنهج الجديد والأساليب الجديدة، التي تمكننا من بناء تجربتنا وتطوير واقعنا وتعزيز بنائنا الوطني. وعلى ضوء هذا بإمكاننا القول ان المواطنة بقيمها وحقوقها وواجباتها ومسؤولياتها هي حجر الأساس لتطوير النظام السياسي وحياته حقوق الإنسان وتجديد الحياة السياسية والثقافية، وتنميه مقومات وعمل السلم الاجتماعي وتعزيز الوحدة الداخلية. والمواطنة وفق هذا المنظور لا يبني الا في بيئة سياسية وديمقراطية _ قانونيه، ويتجاوز كل أشكال الانفراد بالسلطة والقرار او الاستهتار بقدرات المواطنين وبإمكاناتهم الفـــعلية والعــــــملية.
سادسا: الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية للمواطنة
تعد المواطنة من القضايا القديمة التي ما تلبث ان تفرض نفسها عند معالجة اي بعد من ابعاد التنمية بالمفهوم الانساني الشامل بصفة خاصة ومشاريع الاصلاح والتطوير بصفة عامة. ولقد شهد المواطنة تغيرات عديدة في مضمونه واستخداماته ودلالاته وتختلف معنى المواطنة بحسب الهوية الثقافية والسياسية والعرف والطبقة الاجتماعية وبذلك فان المواطنة توحي بمجموعة من المعاني والقيم والاقتراحات حول الامة والمجتمع السياسي وبذلك تعد المواطنة من القضايا ذات الابعاد المتعددة سياسيا وتربويا وثقافيا وهذه الابعاد تعبر عن معايير الانتماء ومستوى المشاركة من قبل الافراد والحماية والذود عن الوطن،كما تعبر عن وعي الفرد بالحقوق والواجبات والنظر للاخر والحرص على المصلحة الوطنية وحماية المرافق العامة،كما تعكس مدى ادراكه لدوره كمواطن في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع والدولة في ان واحد([51]).
وأن معالجة موضوع المواطنة باعتبارها تهم العلاقة المتعددة الأبعاد للمواطن الفرد بوطنه والتي لا تقتصر على البعد القانوني بل تشمل أيضاً الأبعاد السياسية، والثقافية، والاقتصادية. كما أن هذه المعالجة تعطي الأولوية لفهم هذه العلاقة كتطورات تتسم بالتنوع والتقلب لدى الفرد حول مستحقاته من الدولة، وواجباته نحوها، وكممارسات سوسيولوجية على مستوى الواقع. ولتحديد ابعاد المواطنة يمكن مقاربتها على الاقل من خلال اربعة ابعاد منها:
اولا: البعد القانوني:
يتجسد هذا الإحساس على المستوى القانوني في الوثائق الإدارية التي تثبت الهوية الوطنية وتوثقها، والتي تتمثل في بطاقات التعريف الوطنية، وجواز السفر، وشهادات الميلاد والحياة وغيرها([52]).وعرف البعد القانوني تحولات بارزة اتسمت بكون الاعتراف القانوني بالمواطن لم يعد يطرح نفس الإشكالات التي كانت سائدة في فترات الاستبداد. وبالرغم من التحسن الملاحظ الذي حصل في هذا المجال، إلا أن الوضعية الحالية تخلق متطلبات جديدة للاستمرار في توفير شروط أكثر تكافؤاً في علاقة المواطن بدولته، وبإخضاع هذه الأجهزة للمراقبة والمحاسبة المستمرين، وللتحسن النوعي للخدمات العمومية([53]).
ثانيا:البعد السياسي.
يتجلى البعد السياسي للمواطنة في مدى إحساس الفرد بانتمائه إلى الوطن كجسم سياسي يتمثل في مؤسسات الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات، وأفكار حول الشأن العام والمجال العمومي، والأفكار التي تتبلور لدى الفرد حول هذا الجسم، ومدى سعي الفرد للتأثير فيه عن طريق الولاء والمعارضة للنظام أو الخوف منه، والابتعاد عنه، أو الثورة عليه، ويعرف البعد السياسي بدوره – تغييرات أساسية تتمثل في الانتقال من علاقة الخوف والرهبة والتوجس من الدولة أو علاقة الخضوع الأعمى لها، إلى علاقة تتسم بالتوجه التدريجي نحو اختبار للمشاركة في مؤسسات الدولة، ومطالبته بأن يلعب دوراً أكبر في تدبير الشأن العام. هذا التوجه الذي يظهر من خلال التنامي الكبير والسريع لحضور جمعيات المجتمع المدني على الخصوص في المجال السياسي.
ثالثا :البعد الثقافي.
يهتم البعد الثقافي ما يوفره الوطن من إحساس بالانتماء إلى جماعة تمثل في الهوية، وتتجسد هذه الهوية المشتركة فيما يجمع الفرد مع غيره من ممارسات الحياة اليومية من عادات الأكل واللباس والموسيقى وطقوس الأعياد والحفلات، كما أنها تتجسد في الرموز المشتركة لما يمثل الهوية الوطنية، أو الهويات الجماعية المتعايشة في ظل الوطن الواحد([54]). ويشهد البعد الثقافي بدوره تغييرات عميقة بسبب التحولات السوسيولوجية والديموغرافية التي يعرفها المجتمع. والملاحظ هو أن ما تشهده الحياة الثقافية في دول تشير إلى تراجع التوجهات التي تسعى إلى فرض مقترحات شمولية وأحادية للهوية إلى محاربة فكرة التعددية الثقافية بعدها تشكل خطراً على وحدة الوطن أو الأمة أو الطبقة. ومع ما تثيره هذه التقلبات من صراعات حول مفهوم ومحتوى الوطنية والوطن والمواطنة، وما تتطلبها هذه الصراعات من تطوير أدوات التدبير السلمي للتعددية، فإن التوجه الحالي يعد أكثر انسجاماً مع فكرة حقوق الإنسان التي تتعايش في إطارها هويات ثقافية متعددة([55]).
رابعا: البعد الاقتصادي والاجتماعي:
وتتمثل فكرة الوطنية على المستوى الاقتصادي فيما يوفره الوطن من ما تسميه الكتابات الحقوقية ((شروط الحياة الكريمة والتي تعني سوسيولوجيا ظروف الارتقاء الاجتماعي، لذا ظل البحث على المستوى الاقتصادي عن فرص الارتقاء الاجتماعي وشروط تحققه مرتبطة بدايات الاستقلال بحدود الدول الوطنية، وتركزت الصراعات السياسية والأيديولوجية حول كيفية تسخير مؤسسات الدول الوطنية ومواردها لتحقيق هذا الارتقاء.
وارتبط البحث عن الارتقاء الاجتماعي بموجب الهجرة الواسعة من البداية إلى المدينة داخل حدود الــدول الوطنية، كما ان الضغط المستمر من طرف المجتمع على الدول يتحقق التنمية الاقتصادية وتوفير الشغل، ومن ثم توفير فرص الاتقاء الاجتماعي،ظل بعد منذ الاستقلال المعاير الأهم في تقييم مدى فعالية مشاريع الدول الاستقلالية،واليوم يعد دور نصف قرن على الاستقلال، تشير الحصيلة على انه بالرغم من المنجزات التي لا يمكن إنكارها، الا ان الطلب على المعجزات اكبر وافضل تبقى مع ذلك هائلة([56]).
هذه الإبعاد المتنوعة تجسد محتوى الوطني ليست مستقرة لا كاختيار ولا كممارسات، بل إنها تشهد نقلات باستمرار نتيجة للتحولات التي تعرفها الوطن او الدول الوطنية، ويعرفها المجتمع على المستوى الديمغرافية والسوسيولوجية، او بسبب التوسع الهائل لظاهره العولمة، اذا كانت الإبعاد جميعها خاضعة للتقلب، وهي بالتالي تأثير على طبيعة العلاقة بين الفرد ووطنه، فان احد المقربات الرئيسه لتحليل محتوى هذه التحول مرتبط بمدى التأثير الحاصل على طبيعة الاستبدادية للدول وتسلطها على الفرد وتعويضها بعلاقة متكافئة تنبني على احترام متبادل لكل من الفرد والدولة على المستوى الممارسة للقوانين والمؤسسات. وهذا التغيير يقاس اليوم على المستوى العالمي انطلاقا من معايير حقوق الإنسان. ولا شك إذن في إن فهم التحولات التي شهدها الإبعاد المتنوعة لفكرة المواطنة، تعد مساهمه في فهم الشروط التي تترسخ من خلال حقوق الإنسان.
سابعا :آليات تعزيز ثقافة المواطنة في مجتمع العراقي:
هناك ضرورات ذاتية وموضوعية قصوى لتنمية ثقافة سياسية – ديمقراطية جديدة في المجالين العربي والإسلامي، تتجاوز كل عناصر التخلف والانحطاط والاستبداد العالقة في الثقافة السياسية السائدة ،وذلك لأنه لا يمكن الخروج من مآزق الراهن والتفاعل الإيجابي مع مكاسب الحضارة، بدون ممارسة قطيعة معرفية وسياسية مع ثقافة التخلف والاستبداد وتقاليدهما. وذلك لأنها هي المسؤولة عن عرقلة الكثير من مشروعات التقدم والحرية في الأمة. فالاستبداد السياسي الجاثم على صدر الأمة، هو الذي يعرقل انطلاقتها الحضارية الجديدة، وهو الذي يكبل الأمة بالمزيد من الكوابح التي تحول دون التقدم والتطور السياسي والحقوقي والحضاري. من هنا تتشكل الحاجة الماسة إلى تفكيك ثقافة الاستبداد والديكتاتورية في الفضاء الثقافي والسياسي العربي، وبناء فكر وثقافة سياسية جديدة، قوامها الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وصيانتها([57])
كما إن الوضع العربي بشكل عام اليوم، لا يمكن أن يخرج من ازماته وتوتراته الداخلية، إلا بإعادة الاعتبار في السياسيات والإجراءات والتشكيلات إلى مفهوم المواطنة وثقافتها والعمل على صياغة فضاء وطني جديد، قوامه الأساسية ومركزه الرئيس هو المواطنة بصرف النظر عن المنابت الأيديولوجية او القومية او العرقية، فالمواطنة بكل ما تخص من متطلبات واليات هي حجر الأساس في مشروع البناء الوطني الجديد([58]).
من هنا فان الخطوة الأولى في مشروع الحل والإصلاح هي تأسيس العلاقة بين مكونات المجتمع والدول على أسس وطنيه تتجاوز كل الأطر والعناوين الضيقة بحيث يكون الجامع العام لكل المكونات والتعبيرات والأطراف هو المواطنة، وتؤخذ هذه الرابطة فعاليتها وقدسيتها من طبيعة العقد الوطني والمضامين السياسية والثقافية التي يتضمنها ويحتضنها([59]). فاختيار المواطنة في المنظور الحضاري يقوم على مفهوم الجماعات الحرة والمتوافقة والمتعايشة بالتراضي والوئام والشراكة. والتجارب السياسية في العديد من المناطق والمجالات الحضارية أثبتت آن دحر الخصوصيات الذاتية او الجماعات الفرعية لصالح الإطار العام،لا يقضي الى وحدة مواطنه سليمة،بل تدفع محاولات الإقصاء والدحر الى تثبيت كل جماعه بذاتها وخصوصيتها وتنعزل نفسيا وشعوريا وثقافيا عن الجماعات الأخرى. لذلك فإننا نعتقد ان خلق المواطنة الجامعة والحاضر لكل الجماعات والتعبيرات لا يأتي بإفناء الخصوصيات الثقافية اواقصائها وتهميشها وبذاتها وخصوصياتها وتنعزل نفسيا وشعوريا وثقافيا عن الجماعات الأخرى، وإنما عبر إيجاد النظام القانوني والمناخ الاجتماعي _ الثقافي الذي يسمح لكل التعبيرات والحقائق الثقافية من المشاركة في إثراء الوطن والمواطنة.هذا لا يعني التشريع للفوضى او الميوعة تجاه الجوامع المشتركة، انما يعني ويعمق ان الالتزام بالجوامع والمشتركات الوطنية ومقتضياتها، لا يأتي إلى بالحرية والعدالة ومتوالياتهما التي تنعكس في السياق الوطني ومستوى التزام الجميع بالوحدة والاندماج الوطني([60]).
وعلى الرغم من ذلك فقد شهد العراق مجموعة من التحولات المهمة مع تغيير السياسي الذي جرى في البلاد،حيث مر العراق منذ سقوط النظام في حكومة البعث في 9/4/2003 وحتى 20018 ،بمراحل انتقالية عدة يمكن اعتبارها تجسيدا عمليا على طريق اعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على اسس جديدة لما تحقق فيها من انجازات كبيرة تسهم بصورة تدريجية في بناء دولة مدنية قائمة على اساس مبدا المواطمة الديمقراطية،ويمكن ذكر بعض من انجازات تلك المراحل:
تشكيل مجلس الحكم الانتقالي بتاريخ 12/7/2003 من ممثلي غالبية الفئات الاجتماعية والتيارات السياسية في المجتمع العراقي كخطوة جدية لتطبيق القرار الدولي المرقم 1482 لستة 2003 الصادر من المجلس الامن الدولي.
ثم اقرار دستور مؤقت باسم قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في 8/3/2004.
تشكيل الحكومة المؤقتة 2004.
عقد المؤتمر الوطني العراقي في 15/8/2004 والذي انتخب المجلس الوطني العراقي المكون من (100) شخصية من مختلف الفئات العراقية.
اول انتخابات برلمانية في 30/1/2005 تجري بشكل ديمقراطي في تاريخ العراق الحديث لانتخاب ممثلين واعضاء الجمعية الوطنية العراقية والمجلس الوطني الكردستاني ومجلس المحافظات ([61]).
اقرار الدستور الدائم من قبل الشعب في ضوء الاستفتاء الذي جرى في 15/10/2005.
اجراء انتخابات برلمانية في 15/12/2005 لانتخاب اعضاء مجلس النواب لمدة اربع سنوات.
وهكذا جرات انتخابات برلمانبة لاختيار ممثلين الشعب لعدة سنوات متوالية 2010 و2014و2018.واخيتار حكومة عن طريق البرلمان.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الفترات بكل مراحلها رغم ماتحقق فيها من الانجازات لم تخل من الثغرات والنوافص مما اثرت سلبا على مجمل العملية السياسية في البلاد،ومن اهمها:
اتساع دائرة العنف وفقدان الامن .
استشراء الفساد السياسي والاداري والمالي.
النقص الحاد في الخدمات.
ضعف الوعي والثقافة القانونية والسياسية وهيمنة الولاءات الضيقة على الولاء للوطن.
التدخلات الاقليمية والدولية في الشان العراقي.
الاثار السلبية الناجمة عن الاحتلال وسيطرة داعش على اجزاء من مدن العراق.
وبناء على ذلك وفي ضوء تلك التحولات ومن شروط واليات ومبادى ترسيخ مبدا المواطنة في المجتمع العراقي ،الاشارة بشكل رئيس على مضامين الدستور الدائم،وذلك من خلال:
اولا:كفالة الحقوق والحريات الاساسية للمواطنين وتحقيق المساواة فيما بينهم.
ثانيا:حل المشكلات القومية والطائفية حلا سلميا(1)
لذا باتت مسالة حقوق الانسان وحرياته الاساسية موضوعا يمس حياة كل الشعوب والدول وهي مسالة ترتبط بحياة كل انسان كفرد بحكم طبيعته وتكوينه.فالمواطنة لايمكن ان تفهم الابوصفها الية ووسيلة لتاكيد حقوق الانسان وحرياته،والمواطنة في صورتها المتكاملة تعني ضمان ممارسة الانسان لكافة حقوقه وحرياته الاساسية التي اكدتها الاديان السماوية ونظمتها المواثيق والمعاهدات الدولية وناضلت من اجلها البشرية على مر الزمن ([62])
ولقد خصص الدستور العراقي الدائم بابا كاملا (الباب الثاني منه )للحقوق والحريات في /22 مادة من المادة/14 الى المادة/45 مؤكدة في المادة/2 الفقرة /ج منه بانه لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور. ويعد مبدا المساواة المبدا الاساسي الذي تستند اليه جميع الحقوق والحريات في الوقت الحاضر.والذي يعني عدم التمييز بين المواطنين في الدولة في الحقوق والواجبات لاي سبب كان والتسليم بهذا المبدا شرط لازم لقيام نظام قائم على اساس المواطنة،فعلى الدولة تهيئة الظروف والامكانيات امام الجمبع ليتمكنوا من ممارسة حقوقهم وحرياتهم بالتساوي امام القانون والقضاء او في تولي الوظائف العامة وفي التكاليف والاعباء العامة([63])
والمساواة بين المواطنين تقوم على ركيزتين: اولاهما: المساواة بين الناس باعتبارهم بشرا،وهذه تتطلب نفي عبودية الانسان لغير الله. وثانيتهما:اقرار مبدا المواطنة،باعتبار المواطنة مصدر الحقوق ومناط الواجبات والحجر الاساس في نظام الحكم الديمقراطي ([64])
وفي هذا السياق تؤكد المادة /14 من الدستور على ان( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس اوالعرق او القومية او الاصل او اللون او الدين اوالمذهب او المعاقد او الراي او الوضع الاقتصادي والاجتماعي) ومن هنا فان كفالة الحقوق والحرياتالاساسية للمواطنين ومراعاة مبدا المساواة بشكل عام من مستلزمات تحقيق مبدا المواطمة في اي بلد.
لكن يجب الاشارة الى تلك الحقيقة التي تقضي بان مجرد النص على تلك الحقوق والحريات في الدستور الدولة وقوانينهاغير كاف لتحقيق الغرض المنشود مما يتطلب وجود ضمانات داخلية وقانونية وسياسية واقتصادية وثقافية وضمانات دولية نابعة من قناعة النظام السياسي والتي تسمح بتكريس هذه الحقوق والحريات داخل المجتمع([65])
ومن هذه الضمانات:
الضمانات الداخلية.
عدم الجمع بين السلطات(العمل بمبداالفصل بين السلطات).
استقلالية السلطة القضائية.
التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني.
وجود وتنظيم اوجه الرقابة على اعمال السلطات العامة في الدولة.
التحول في البنية الاقتصادية للمجتمع.
نشر ثقافة الديمقراطية داخل المجتمع ([66]).
الضمانات الدولية.
وبناءعلى ماتقدم فان هذا الفهم لعملية اعادة بناء الدولة والمجتمع في العراق على اساس مبدا المواطنة يجعلها الشرط الذي لا غنى عنه كبداية للتغيير والتعامل الجدي مع مشكلة تكامل فئات المجتمع العراقي مع قناعتنا بان العملية هذه ليست مطلبا سهلا او يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها بل هي عملية صعبة ومعقدة وتستغرق وقتا طويلا وذلك من شان اقامتها في العراق مثلا تنطوي على تغيير تقاليد اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية راسخة وموروثة من عقود من زمن العنف الدموي والروح الديكتاتورية مما جعل المواطن العراقي مسلوب الراي والفكر على المستوى الرسمي على الاقل،لذلك تحتاج هذه العملية الى استراتيجية البناء المتراكم لمبدا المواطنة الديمقراطية لاعادة المواطن العراقي الى ذاته الحرة المستقلة وشخصيته المتوازنة ودفعه للتمسك بحقوقه وحرياته الاساسية ومن ضمنها الحقوق والحريات المشروعة لكافة الفئات الاجتماعية في المجتمع عند ذاك ستكون عملية التغيير المنشودة ممكنة وضرورية وحاجة وطنية ومطلب جماهيري لايمكن الاستغناء عنها ([67]) ولذلك فان الخطوات الاتية لتشكيل حكومة وحدة وطنية ومدى تطبيق بنود الدستور ومستويات كفالة حقوق الانسان وتجاوز اخطاء الماضي هي التي ستحدد درجة التكامل في المجتمع العراقي.
ثامنا : خاتمة البحث
أولا : أهم النتائج التي توصل إليها البحث :
مبدآ المواطنة كما استقر في الفكر السياسي المعاصر هو مفهوم تاريخي شامل ومعقد له إبعاد عديده ومتنوعة منها ما هو مادي _ قانوني، ومنها ما هو ثقافي _ سلوكي، ومنها أيضا ما هو وسيله او هو غاية يمكن بلوغها تدريجيا.
نوعية المواطنة في دولة ما تتأثر بالنضج السياسي والرقي الحضاري، كما يتأثر مفهوم المواطنة عبر العصور بالتطور السياسي والاجتماعي وبعقائد المجتمعات وبقيم الحضارات والمتغيرات العالمية الكبرى.
على الرغم من صعوبة تعريف مبدأ المواطنة باعتباره مصطلحا سياسيا حسيا ومتحركا في صيرورة تاريخيه مستمرة إلا إن ذلك لا يعني بأي حال من الأحول أن مصطلح المواطنة يمكن استخدامه دون دلاله ملزمه تسمح للمتحدث والمستمع في أن واحد أن يصلا معاًإلى مفهوم محدد ومشترك يتعدى فهم كل منهما للأخر الى فهم الآخرين المعنيين باستخدام المصطلح داخل البلد نفسه وخارجها أيضا.
إن التحدي الأساسي الذي يواجه المجتمع الديمقراطي هو انه كلما زادت الديمقراطية كان لزاما على المواطنين أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم وان يضبطوا أنفسهم، وان يحدد مجتمعا متعاونا يقدم منهجا مسؤولا لحكم الذات، ومجتمعا يتحقق فيه التعايش السلمي.
أن العنصر الأساسي في المواطنة هو تغذيه التعاطف الاجتماعي الصادق بين الناس والهدف الحقيقي لتحديد المواطنة هو رفض تفويض شؤون الحياة العامة والمساعدة العامة بكاملها إلى اختصاصي الحكومة.
أن تنظر الحكومة إلى المواطنة على إنها قوائم حياة المجتمع وان تسعى برامجها الى جمع الفقير والغني كشركاء في تجديد المجتمع فان تكون مواطنا يعني ان تكون مرتبطا اجتماعيا بالمجتمع القوي في تضامنه الاجتماعي، هو مجتمع غني بالمواطنين فيعهد فيه الناس راعية المؤسسات والعادات والأخلاق التي يقوم عليه المجتمع البشري.
ثانياً : المقترحات والتوصيات:
اعتماد مبدأ الديمقراطية كنظام للحقوق والحريات مع ضرورة توفير وعي ثقافي جماهيري لتقبلها ذلك من خلال تثقيف المواطنين بالثقافة والتنشئة السياسية وتربية على المبادئ الديمقراطية والتسامح والتكافل والتآخي من خلال القيام بحمله توعيه ثقافيه واسعة طويلة الأمد للتأثير على قناعات الإفراد والشارع لكي يكون مؤهلا لتقبل الحلول الديمقراطية وخلق روح المواطنة والانتماء إلى الدولة.
دعم وتنميه عملية التفاعل الاجتماعي من خلال خلق آلية وظروف ملائمة يمكن من خلالها ربط أفراد المجتمعات بعضهم ببعض عقليا وعاطفيا اجتماعيا وثقافيا ماديا ومعنويا في إطار سلوكي عام مقبول لدى الجميع
معالجة النواقص والثغرات الموجودة في الدستور الدائم في العراق، فيما يتعلق بعمليه أعادة بناء الدول والمجتمع على أساس مبدأ المواطنة، وعدم المساس بالبنود والفقرات الايجابية فيها.
معالجة المشكلات الداخلية المتمثلة بفقدان الأمن والفساد الإداري والمالي والنقص في الخدمات وغيرها من المشاكل التي رافقت التحولات والانجازات وذلك من خلال إتباع خطط وبرامج أمنيه وإدارية وماليه.. الخ فعاله على الصعيد الداخلي والتعاون مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي من اجل بناء مجتمعات مستقرة أمنه وخاليه من كل إشكال العنف والاضطهاد ودعم التوجيهات نحو بناء المواطنة العالمية في ضل التعاون والتقارب بين الشعوب ارتباطا بظاهرة العولمة.
(محاماه نت)