دراسات قانونيةسلايد 1

أحكام الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية (بحث قانوني)

الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في الدول المقارنة :

سنتناول في هذا الموضع من الدراسة بحث الاحكام المتعلقة بموضوع الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في قوانين كل من مصر والاردن واليمن والجزائر. فقد أناط المشرع المصري مهمة الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية الى لجنة شؤون الأحزاب السياسية حيث نصت م (8) من القانون رقم (40) لسنة 1977 على ان (( … وللجنة في سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والاوراق والبيانات والايضاحات التي ترى لزومها من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك، ولها ان تطلب أية مستندات او اوراق او بيانات اومعلومات من اية جهة رسمية او عامة وان تجري ما تراه من بحوث بنفسها او بلجنة فرعية منها وان تكلف من تراه من الجهات الرسمية باجراء أي تحقيق او بحث او دراسة لازمة للتوصل الى الحقيقة فيما هو معروض عليها…)). في حين نصت م (16) على ان (( يخطر رئيس لجنة شؤون الاحزاب السياسية بكتاب موصى عليه بعلم الوصول باي قرار يصدره الحزب بتغيير رئيسه او بحل الحزب او اندماجه او بأي تعديل في نظامه الداخلي وذلك خلال عشرة ايام من تاريخ صدور القرار)).ونصت م (21) على ان ((تضع لجنة شؤون الاحزاب السياسية القواعد المنظمة لاتصال الحزب باي حزب او تنظيم سياسي اجنبي وذلك بناء على ما يقترحه رئيس هذه اللجنة)).

وعلى الرغم من ان المشرع المصري لم يمنح الجهات الادارية أية سلطات في مجال الرقابة الا ان جانب كبير من الفقه المصري قد درج على توجيه النقد الى لجنة شؤون الاحزاب السياسية من ناحية تشكيلها وعدم استقلال اعضائها عن الحكومة(1). ومنح المشرع المصري للأحزاب السياسية ضمانة هامة تمثلت في حظر تفتيش أي مقر من مقرات الحزب إلا بحضور احد رؤساء النيابة العامة في غير حالات التلبس بجناية او جنحة ، وأوجب على النيابة العامة اخطار رئيس لجنة شؤون الاحزاب السياسية بما اتخذ من اجراء بمقر الحزب خلال (48) ساعة من اتخاذه(2). اما قانون الاحزاب السياسية الاردني رقم (33) لسنة 1992 ، وقانون الاحزاب السياسية الجزائري رقم (9 – 97) لسنة 1997 فلم يتضمنا اية اشارة صريحة الى اناطة مهمة الرقابة بجهة من الجهات، وهذا – في تقديرنا – نقص تشريعي لما لنظام الرقابة من تأثير على نشاط الاحزاب السياسية فلا يصح تبعا لذلك ان تترك الجهة المختصة بممارسته للاجتهادات. ونرى ان وزارة الداخلية هي الجهة المختصة بهذا الشأن، فهي المسؤولة عن الموافقة على اجازة (تأسيس) الاحزاب السياسية في كل من الدولتين فضلا عن صلاحياتها في مجال الغاء اجازتها وهذا يفضي بلا ادنى شك الى منحها اختصاص الرقابة على نشاط الاحزاب السياسية لأن من يملك حق الانشاء والالغاء يملك بلا شك حق الرقابة والاشراف. ومن الجدير بالملاحظة ان قانون الاحزاب السياسية الاردني اشار الى منح الاحزاب عدد من الضمانات في مواجهة السلطات الادارية بينتها م (18) التي نصت على ان:

(( أ. مقار الحزب ووثائقه ومراسلاته ووسائل اتصاله مصونة فلا يجوز مراقبتها او مداهمتها او مصادرتها الا بقرار قضائي.

ب. لا يجوز تفتيش أي مقر للحزب، باستثناء حالتي التلبس والجرم المشهود الا بقرار من المدعي العام وبحضوره بالاضافة الى ممثل عن الحزب فاذا رفض الاخير يثبت ذلك في محضر التفتيش الذي يجري حينئذ بحضور شاهدين.

ج. يترتب على مخالفة الفقرة السابقة بطلان التفتيش وما يترتب عليه ويتحمل المخالف المسؤولية المدنية والجزائية)).

ومنح قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية اليمني رقم (66) لسنة 1991 للجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية صلاحية فرض الرقابة على نشاط الاحزاب السياسية حيث نصت م (36) على ان ((للجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية توجيه التنبيه او الانذار لأي حزب او تنظيم سياسي يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون. واذا كان الفعل المرتكب يشكل جريمة جزائية وفقا لأحكام قانون العقوبات تحال الواقعة الى النيابة العامة للتصرف فيها وفقا لأحكام القانون)). وحسنا فعل المشرع اليمني بتحديده لصلاحيات لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بالتنبيه والانذار حتى لا تتحول صلاحيات هذه اللجنة الى سلطة للتحكم في مصير الاحزاب السياسية. والزمت م (32) الحزب او التنظيم السياسي باخطار رئيس لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بكتاب مسجل بأي قرار يصدره الحزب او التنظيم السياسي بتغيير رئيسه او بحله او اندماجه او بأي تعديل في نظامه الداخلي وذلك خلال (10) ايام من تاريخ صدور القرار. في حين نصت م (29) على ان ((مقرات الاحزاب والتنظيمات السياسية ووثائقها ومراسلاتها ووسائل اتصالاتها مصانة فلا يجوز مراقبتها او تفتيشها او مداهمتها او مصادرتها كما لا يجوز في غير حالة التلبس بجريمة جزائية تفتيش مقرات الحزب او التنظيم السياسي الا بحضور رئيس النيابة المختصة وحضور ممثل عن الحزب او التنظيم السياسي المعني فاذا رفض الاخير يثبت ذلك بمحضر. ويجري التفتيش بحضور شاهدين ويترتب على مخالفة هذه المادة بطلان التفتيش وما يترتب عليه، ويتحمل المخالف المسؤولية المدنية والجنائية، ويجب على النيابة العامة اخطار لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بما اتخذ من اجراء بمقر الحزب خلال (48) ساعة من اتخاذه)).

________________________________

1- وقد اشرنا الى هذه الانتقادات عند بحثنا لموضوع اختصاص لجنة شؤون الاحزاب السياسية بالبت في طلبات تاسيس الاحزاب السياسية في مصر.

2- م (14) من القانون.

الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في العراق :

تواترت القوانين المنظمة لشؤون الجمعيات والأحزاب السياسية في العراق على منح وزارة الداخلية سلطة الرقابة والاشراف على كل ما يتصل بها. فقد نصت م(10) من قانون 1922 على ان ((لوزير الداخلية حق الاشراف والمراقبة على كافة امور الجمعية ومعاملاتها وله ان يبطل الرخصة اذا تعاطت الجمعية احد الامور الممنوعة في المادة الرابعة(1). على ان يكون للجمعية حق الاعتراض على ذلك ورفعه الى مجلس الوزراء)). والملاحظ ان هذا النص قد منح لوزير الداخلية سلطات واسعة حيث اجاز له ابطال اجازة الحزب دون ان يسبق ذلك باجراء تمهيدي كالتنبيه اوالانذار ، ولا يقدح في صحة هذا الراي ما منحه النص من حق الاعتراض على قرارات وزير الداخلية لدى مجلس الوزراء لأن ذلك لا يمنح للأحزاب السياسية ضمانات جدية في مواجهة اجراءات السلطة الادارية. كما منحت م(12) لوزير الداخلية صلاحية تفتيش السجلات والوثائق والمحاضر المحفوظة في مقر الحزب السياسي في الاوقات التي يعينها لهذا الغرض. واشار كل من مرسوم الجمعيات رقم (19) لسنة 1954، وقانون الجمعيات رقم (63) لسنة 1955 الى النص الآتي:((لوزير الداخلية حق الاشراف والمراقبة على امور الجمعيات ومعاملاتها كافة))(2) .اما قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 فقد نظم موضوع الرقابة الادارية على الجمعيات في عدة نصوص ، حيث نصت م(22) على ان:((1. لوزير الداخلية ان ينبه او ينذر الجمعية عن المخالفات القانونية التي تقوم بها وله بموجب ذلك حق الاشراف العام والرقابة على الجمعيات وعليه استعمال هذا الحق بالطرق المقررة في القانون.2. يجوز للجمعيات الاعتراض على قرارات وزير الداخلية امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز في خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغها بهذه القرارات)).

والملاحظ ان هذا النص قيد سلطات وزير الداخلية بالمقارنة مع ما منحه له نص م (10) من قانون الجمعيات 1922 فضلا عن اقراره لمبدأ الرقابة القضائية على قرارات وزير الداخلية. كما ألزمت م (24) الجمعية بأن تقدم الى وزير الداخلية في خلال شهر حزيران من كل سنة بيانا عن السنة المنصرمة يتضمن عدد اعضاء الجمعية الجدد واسمائهم وجنسياتهم ومهنهم واعمارهم وعدد اعضائها في اليوم الاخير من السنة. وقد نصت م (39) على ان ((تؤلف لجنة دائمة من كل من وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة والمعارف والعدل تقوم باعطاء المشورة لوزير الداخلية فيما يتعلق بالجمعيات من ناحية شرعية اغراضها وتماشيها مع احكام القانون وغير ذلك ويعتبر راي هذه اللجنة استشاريا ولا يشمل ذلك الأحزاب)). ويعد تشكيل هذه اللجنة المبادرة التشريعية الاولى من قبل المشرع العراقي في مجال الرقابة على نشاط الجمعيات غير ان النص قلل من اهمية الدور الذي تمارسه بأن جعل رأيها استشارياً فضلا عن انه اخرج الأحزاب من نطاق اختصاصاتها ، ولا نرى في ذلك أي مبرر الا احكام هيمنة وزارة الداخلية على نشاط الأحزاب السياسية. واشارت م (11) ف (1) الى جواز ابطال كل قرار تصدره الهيئة العامة ويكون مخالفا للقانون او لنظام الجمعية، وكل عمل يقوم به مديرو الجمعية او هيئات ادارتها متجاوزة به حدود اختصاصها او مخالفة فيه احكام القانون او نظام الجمعية او قرارات الهيئة العامة بحكم من محكمة البداءة التابع لها مركز الجمعية بناء على طلب أي شخص ذي مصلحة وذلك في ظروف ستين يوما من تاريخ صدور القرار او القيام بالعمل مع حصر كل ما تقدم بالحقوق المدنية فقط. ولا نرى ان الاحكام التي جاء بها نص م (11) من (1) قد افضت الى انشاء حق للأفراد في اللجوء الى القضاء او تبني رقابة قضائية على اعمال الجمعيات بل اقتصر دورها الكشف عن هذا الحق لان القانون منح للجمعيات شخصية معنوية تؤهلها لان تكون مدعية أو مدعى عليها فضلا عن مسؤوليتها عن القرارات والاعمال الصادرة عنها.

ويستفاد من هذا النص تحديده للمحكمة المختصة بالنظر في الدعوى المقامة ضد القرارات والاعمال الصادرة عن الهيئة العامة للجمعية او هيئات ادارتها. اما قانون الأحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991 فقد نص في م (22) على ان ((يقدم الحزب السياسي الى وزير الداخلية خلال شهر كانون الثاني من كل عام بيانا يتضمن اسماء المنتمين الجدد وعددهم وعناوينهم ومهنهم وتاريخ انتمائهم واسماء الذين فقدوا العضوية وأية بيانات أخرى تحددها التعليمات)). ولم نجد في هذا النص او في غيره من نصوص قانون الأحزاب السياسية ما يشير الى صلاحيات وزير الداخلية في مجال الرقابة والإشراف على الأحزاب السياسية ، كما لم يمنح هذا القانون أية ضمانات لها في مواجهة سلطة الرقابة. ومما يدل على صحة هذا الرأي تنظيم المشرع العراقي لحق الطعن القضائي لدى الهيئة العامة لمحكمة التمييز في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء والمتعلقة بتطبيق احكام قانون الأحزاب السياسية (3). دون الاشارة الى منح الأحزاب السياسية هذا الحق فيما يتعلق بقرارات وزير الداخلية، ولا شك ان هذا يؤدي الى فسح المجال امام وزارة الداخلية للتضييق على نشاط الأحزاب السياسية. وكان الاجدر بالمشرع العراقي ان يمنح للأحزاب السياسية حق الطعن القضائي في قرارات وزير الداخلية الخاصة بالرقابة والاشراف على انشطتها.

_______________________________

1- سبق وان اشرنا الى هذه المادة عند بحثنا للشروط الموضوعية اللازمة لتأسيس الأحزاب السياسية.

2- م(15) ف (أ) من المرسوم رقم (19) لسنة 1954، و م (16) ف (أ) من القانون رقم (63) لسنة 1955.

3- تنظر: م (30) من القانون.

الرقابة على الجوانب المالية للأحزاب السياسية في الدول المقارنة :

سعى المشرع الفرنسي من خلال اصدار قانون (( الشفافية المالية للحياة السياسية )) في 11/3/1988 إلى تنظيم الرقابة على الجوانب المالية للاحزاب السياسية عليها من علانية شاملة لكل اجزاء نشاطها المالي .وانصبت معظم احكام هذا القانون على تنظيم الرقابة المالية على الأحزاب السياسية في مجال استخدامها للاعانة السنوية المقدمة من الدولة ، حيث الزمها بتقديم تقرير سنوي عن حساباتها موثق بالمستندات اللازمة إلى مكتب رئاسة احد مجلسي البرلمان ، على ان تنشر هذه التقارير في الجريدة الرسمية ، ويترتب على اخلال الحزب السياسي بهذا الالتزام فقدانه الحق في الحصول على الاعانة المقدمة من الدولة في العام التالي (1) .وهذا يعني ان الأحزاب السياسية لا تخضع للرقابة المالية التي تمارسها هيئة المحاسبة المالية أو غيره من الاجهزة الرقابية مما يفضي إلى المحافظة على استقلال الأحزاب السياسية في مواجهة السلطات الحكومية (2) .وبسبب رغبة المشرع الفرنسي في تعزيز الرقابة على الجوانب المالية للاحزاب السياسية بادر إلى اصدار قانون 15/1/1990 ، الذي تضمن تأسيس (( اللجنة الوطنية المختصة بحسابات تمويلات الحملات السياسية )) (3). وتمارس هذه اللجنة اختصاصاتها في مجالين : الاول رقابة حسابات المرشحين في في الحملات الانتخابية المختلفة ، والثاني في الرقابة على الجوانب المالية للاحزاب السياسية ، وتتألف هذه اللجنة من (9) اعضاء يتم تسميتهم بمرسوم لمدة (5) سنوات ، ويتم اختيارهم على النحو الآتي :

(3) اعضاء من مجلس الدولة يتم ترشيحهم من قبل نائب رئيس مجلس الدولة،

(3) اعضاء من محكمة التمييز يتم ترشيحهم من قبل رئيس محكمة التمييز ،

(3) اعضاء من هيئة المحاسبة المالية يتم ترشيحهم من قبل رئيس هيئة المحاسبة (4) .

وتمارس هذه اللجنة اعمالها في مجال الرقابة المالية من خلال تلقيها تقارير عن حسابات سنوية خاصة بالأحزاب السياسية ، حيث الزم القانون هذه الأحزاب بتقديم التقارير واشترط ان تكون مصدقة من قبل خبيرين في مجال الحسابات ، واذا لم يتم تقديم هذه التقارير في الوقت المحدد، أو إذا تبين للجنة عند مراجعتها للتقارير المقدمة اليها عدم دقة أو صحة بياناتها ، فان الحزب المخالف قد يفقد حقه في اعانة الدولة للسنة القادمة (5) . اما قانون الأحزاب السياسية المصري رقم (40) لسنة 1977 فقد نصت م (12) منه على ان (( لا يجوز صرف اموال الحزب الا على اغراضه واهدافه طبقاً للقواعد والاجراءات التي يتضمنها نظامه الداخلي . ويجب على الحزب ان يودع امواله في احد المصارف المصرية وان يمسك دفاتر منتظمة للحسابات تتضمن ايرادات الحزب ومصروفاته طبقاً للقواعد التي يحددها نظامه الداخلي . ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات بصفة دورية مراجعة دفاتر ومستندات وحسابات ايرادات ومصروفات الحزب وغير ذلك من الشؤون المالية وذلك للتحقق من سلامة موارد الحزب ومشروعية اوجه صرف امواله وعلى الحزب ان يمكّن الجهاز من ذلك. وعلى الجهاز المذكور اعداد تقرير سنوي عن كافة الاوضاع والشؤون المالية للحزب واخطار رئيس لجنة شؤون الأحزاب السياسية بهذه التقارير )). ويرى جانب من الفقه في مصر – ونحن نؤيده – الى ان هذا النص قد وضع الأحزاب السياسية تحت سيطرة الحزب الحاكم، وذلك لان الجهاز المركزي للمحاسبات يتبع مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم من خلال حصوله على اغلبية دائمة فيه لم تقل عن ثلاثة أرباع أعضاء المجلس منذ أن طبق قانون الأحزاب وحتى الوقت الحاضر فضلاً عن الطابع الحكومي للجنة شؤون الأحزاب السياسية والهيمنة الواضحة للحزب الحاكم عليها والمتجسدة في رئاستها من قبل رئيس مجلس الشورى احد اعضاء الحزب الحاكم(6). وقد اشارت م (26) الى فرض عقوبة الحبس او الغرامة او كلاهما معا في حالة مخالفة احكام ف(1) و ف(2) من م(12). وتكفلت م(11) ف(3) ببيان مظهر من مظاهر العلانية حينما نصت بأن ((على الحزب ان يعلن عن اسم المتبرع وقيمة ما يتبرع به في احدى الصحف اليومية على الاقل وذلك اذا زادت قيمة التبرع على (500) جنيه في المرة الواحدة او على (100) جنيه في العام الواحد)). اما قانون الأحزاب السياسية الأردني رقم (32) لسنة 1992 فقد اشار الى موضوع الرقابة المالية في م(22) منه التي نصت على ان ((على الحزب ان يحتفظ في مقره الرئيسي بالسجلات والبيانات الآتية : … د. سجل واردات الحزب ومصروفاته بصورة مفصلة))، في حين الزمت م(20) الأحزاب السياسية بتزويد وزير الداخلية بنسخة من موازناتها السنوية خلال الربع الأول من السنة المالية مع بيان عن مواردها المالية ومصادر تمويلها وأوضاعها المالية، وله او من يفوضه حق الاطلاع على حسابات الأحزاب وتدقيق قيودها المالية. ولم يحدد المشرع الاردني جزاءً خاصاً في حالة الاخلال بأحد الالتزامات الواردة في م(20) و م(22) وهذا يعني شمول المخالف بأحكام م(24) ف(د) التي قضت بفرض عقوبة الحبس او الغرامة في حالة مخالفة احكام قانون الأحزاب السياسية وعدم تحديد عقاب خاص لهذه المخالفة. اما قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمني رقم (66) لسنة 1991 فقد نص في م(24) على ان ((لا يجوز صرف اموال الحزب او التنظيم السياسي الا على اغراضه وأهدافه طبقا للقواعد والاجراءات التي يتضمنها نظامه الداخلي، ويجب على الحزب او التنظيم ان يودع امواله في احد المصارف اليمنية وان يمسك دفاتر منتظمة للحسابات تتضمن ايراداته ومصروفاته طبقا للقواعد التي يحددها نظامه الداخلي وعلى الحزب او التنظيم ان يرفع تقارير سنوية عن حسابه الختامي الى اللجنة المختصة)).

وقضت م(22) ف(ب) بإيقاف الاعانة المقدمة من الدولة في حالة عدم تقديم الحزب السياسي لتقريره السنوي الخاص بحسابه الختامي. ونظمت م(25) الطريقة التي تتم بها ممارسة الرقابة على الجوانب المالية للأحزاب السياسية حيث نصت على ان ((للجنة شؤون الأحزاب السياسية بعد اطلاعها على التقرير السنوي عن الحساب الختامي للحزب او التنظيم الحق بالقيام بالمراجعة والتفتيش على دفاتر ومستندات وايرادات ومصروفات الحزب او التنظيم ومشروعية ايراداته وأوجه صرف امواله من قبل مجموعة فنية غير حزبية تنتدبها اللجنة على ان تقدم صورة من التقرير الى قيادة الحزب او التنظيم وعلى اللجنة والمجموعة الفنية المحافظة على سرية النتائج التي يتم التوصل اليها الا في حالة اكتشاف مخالفة تستدعي العرض على القضاء وفقاً لهذا القانون )) واشار القانون الى مظهر من مظاهر العلانية المالية للاحزاب السياسية تمثل في الزامها بتثبيت اسم المتبرع وقيمة ما تبرع به في سجلات حسابية قانونية مع ابلاغ لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية اذا زادت قيمة التبرع عن (100.000) الف ريال في المرة الواحدة او عن (200.000) الف ريال في العام الواحد (7).اما قانون الأحزاب السياسية الجزائري رقم 9-97 لسنة 1997 فقد نص في م(34) على ان (( يجب على كل حزب سياسي ان يمسك محاسبة بالقيد المزدوج ، وجرد لاملاكه المنقولة والعقارية . كما يجب ان يقدم حسابات سنوية الى الادارة المختصة (8) .ويبرز في أي وقت مصدر موارده المالية واستعمالها )).كما نصت م (35) في القانون على ان (( يجب على الحزب السياسي ان يتزود بحساب واحد يفتح لدى مؤسسة مالية وطنية في مقره الرئيسي او في فروعه المقامة عبر التراب الوطني)).وقضت م (41) بفرض عقوبة الحبس والغرامة او احدهما في حالة مخالفة الاحكام الواردة في كل من م(34) و م(35) وبعد بحث موضوع تمويل الأحزاب السياسية في قوانين كل من العراق والدول المقارنة ، نورد الملاحظات الآتية :-

1. وردت الاشارة الى التمويل العام للأحزاب السياسية في كل من قانون الجمعيات 1922 وقانون الأحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991، في حين لم نجد مثل هذا الامر في باقي القوانين العراقية المقارنة.

2. منح قانون الأحزاب السياسية رقم(30) لسنة 1991 رئيس الجمهورية صلاحية تحديد منحة الدولة السنوية في ضوء عدد المنتمين الى الحزب السياسي وعدد ممثليه في المجلس الوطني ودوره في النضال الوطني وكان الأجدر بالمشرع العراقي ان يبادر الى تشكيل لجنة مختصة بهذا الشأن، وأن يمنحها هذه الصلاحية في ضوء الاحكام والضوابط التي اشرنا اليها في كل من فرنسا وكذلك اليمن.

3. لاحظنا حرص جميع القوانين المنظمة للأحزاب السياسية على تأكيد مسألة اعتماد الأحزاب في تمويلها على مصادر وطنية ، وحظر أي تمويل من جهة اجنبية، وهذا يعكس رغبة المشرع في المحافظة على ولاء هذه الأحزاب وصدق انتماءاتها الوطنية.

4. لاحظنا عناية المشرع الفرنسي بموضوع الرقابة على الجوانب المالية للأحزاب السياسية، وهذا بلا شك انعكاس للمشاكل التي شهدتها فرنسا اثناء الحملات الانتخابية مما أدى الى اصدار عدة قوانين للوصول الى ((الشفافية والعلانية)) في الميدان السياسي، ويبدو ان هذا الموضوع لم يلق ذات الاهتمام من قبل القوانين العراقية او العربية المقارنة، وقد يفسر هذا الأمر بعدم مواجهة هذه المسألة على المستوى العملي التطبيقي وخاصة في العراق.

5. لاحظنا حرص المشرع الفرنسي على تأكيد استقلالية وحياد الجهة المسؤولة عن الرقابة على الجوانب المالية للأحزاب السياسية، حيث تبدى ذلك من خلال أسلوب تشكيلها والعضوية فيها. ونرى ان يبادر المشرع العراقي الى تشكيل لجنة مختصة بموضوع الرقابة على الجوانب المالية للأحزاب السياسية على ان يراعى فيها الاستقلال والحياد والاختصاص في مجال الرقابة المالية فضلا عن التفرغ لأن ذلك أدعى الى المحافظة على مبدأي الحرية والمساواة في مجال تمويل الأحزاب السياسية.

_____________________________________

1- Jacques Robert . Libertes ، Melanges ، paris : L.G.D.J، 1999 ، P 83.

2- Ibid ، P84.

3-يرمز لهذه اللجنة اختصاراً بـ ( C.C.F.P ) .

4- Georges Burdeau (and others) ، op. Cit، P.477.

5- Georges Burdeau (and others)، op. cit، P. 478.

6- د. حسن البدراوي ، المصدر السابق ، ص583.

7- م (17) من القانون .

8- ويقصد بها وزارة الداخلية .

المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق

إغلاق