دراسات قانونية
التزامات المؤمن في عقد التأمين البحري (بحث قانوني)
تقع على المؤمن بوصفه الطرف الاخر في عقد التأمين البحري التزامات لابد من قيامه بها. فالملاحظ ان التزام المؤمن بتعويض المؤمن له عما لحقه من خسارة وذلك من خلال دفعه مبلغ التأمين ليس هو الالتزام الوحيد في الوثيقة العائمة، اذ ان الالتزام الاخر الذي يقع عليه هو قبوله التأمين على جميع الشحنات المستقبلية التي تكون للمؤمن له مصلحة في التأمين عليها. ولذلك سنتطرق الى هذين الالتزامين فضلاً عن التطرق للاساس الذي يتخذ لتحديد مبلغ التأمين في وثيقة التأمين العائمة ، وذلك من خلال ثلاث مطالب: نتناول فيها التزام المؤمن بالتأمين على جميع الشحنات، والتزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له واساس احتساب مبلغ التأمين في المطلب الثالث.
المطلب الاول : التزام المؤمن بالتأمين على جميع الشحنات
ترتب العقود الملزمة للجانبين مثل عقد التأمين البحري الذي تكون وثيقة التأمين العائمة احد الاشكال المعبرة عنه حقوقاً والتزامات متقابلة ، فالمؤمن له يكون ملتزماً بدفع قسط التأمين وتقديم الاقرار الخاص بكل شحنة داخلة ضمن نطاق التغطية التأمينية للوثيقة العائمة في الفترة المحددة في عقد التأمين او الفترة التي يحددها القانون ويلتزم كذلك بالمحافظة على حقوق المؤمن، اذ ان المؤمن يقع عليه التزام ، وهو قبول التأمين على البضائع التي قُدِّم الاقرار الخاص عنها من قبل المؤمن له. لذلك لابد من التعرف على هذا الالتزام من خلال معرفة الاسباب الموجبة لهذا الالتزام، وماهو الجزاء المقرر في حالة مخالفة المؤمن لهذا الالتزام.
اولاً: الاسباب الموجبة للالتزام المؤمن بقبول التأمين على جميع الشحنات
اكدت التشريعات على وجوب قيام المؤمن بقبول جميع الشحنات التي تكون ضمن الوثيقة العائمة، وهي محقة في هذا الامر، بينما نجد ان القانون الانكليزي لعام 1906 لم يرد فيه نص صريح يؤكد هذا الالتزام، وربما اعتمد على الغرض المعروف من انشاء الوثيقة العائمة والتي كان الاصل من انشائها هو التأمين على جميع الشحنات، التي تكون لحساب المؤمن له او لحساب الغير، فلم يجد حاجة الى ذكر هذا الالتزام بنص صريح. أَمّا مشروع القانون البحري العراقي لعام 1974 فقد نصَّ في (م347) على هذا الالتزام، اذ اشارت تلك المادة “2-يلتزم المؤمن له في الوثيقة المقترحة بابلاغ المؤمن بالشحنات الاتي ذكرها كما يلتزم المؤمن التأمين عليها”.
ونصت م(394)(1) من قانون التجارة البحري المصري الى هذا الالتزام نفسه وبنص صريح اذ اشارت “2-يلتزم فيما يلي…. ويكون المؤمن ملزماً بقبول التأمين عليها” ولم يرد نص يُلزم المؤمن بقبول التأمين على جميع الشحنات المستقبلية في القانون السوري. وقد يتساءل البعض ، لماذا يؤكد المشّرع على هذا الالتزام بالرغم من كونه من الامور البديهية، اذ ان مجرد توقيع المؤمن لوثيقة التأمين يعني إن هذا اقرارُ منه على قبوله التأمين على تلك الشحنات، ومما يؤكد التزامه هذا هو قبوله لاقساط التأمين مقدماً، كما هو الحال في وثيقة التأمين العائمة المقفلة. ولكن يبدو لنا أَنَّ الاسباب التي دعت المشرع الى تأكيد هذا الالتزام هي:-
إنّ وثيقة التأمين العائمة بنوعيها (مقفلة ، مفتوحة) لاتقتصر على تغطية شحنةٍ واحدةٍ يؤمن عليها المؤمن (شركة التأمين) وينتهي سريان الوثيقة اما بوصولها سالمة الى ميناء التفريغ (او الى مخازن المؤمن له) او بتعويض المؤمن له عند تعرض البضاعة للخطر المؤمن منه. بل ان وثيقة التأمين العائمة لاينتهي مفعولها الا بانتهاء مبلغ التأمين الاجمالي او انتهاء اجل الوثيقة المحدد بالاتفاق ، لذلك نجد أَنَّه لايكفي التأمين على احدى الشحنات المشمولة بالتغطية للقول أنَّ المؤمن قد نفَّذ ما التزم به، بل يجب عليه ان يؤمن على جميع الشحنات المقدم عنها الاقرار من قبل المؤمن له.
حاول المشرّع ان ينبه المؤمن أنّه على وفق الوثيقة العائمة يكون ملزماً بقبول التأمين على جميع الشحنات، سواء اكانت هذه الشحنات لحساب المؤمن له ام لحساب الغير. اذ ان التأمين على شحنات عائدة للمؤمن له لاتكفي لتنفيذ المؤمن التزامه بالتأمين، لاسيما وان الوثيقة العائمة ، تستخدم في الغالب من قبل أَمناء البضائع أَو شركات الملاحة من اجل التأمين لمصلحة شخص غير معين.
إنَّ الواقع العملي في مجال التأمين البحري يكشف لنا ان شركات التأمين غالباً ما تشترط على عملائها (المؤمن لهم) عند ابرام عقد التأمين بشكل وثيقة عائمة شرطاً مفاده، عدم قيام المؤمن له بابرام اي عقد تأمين للشحنات التي تشملها وثيقة التأمين العائمة لدى شركات تأمين اخرى(2)، رغبة منها في حماية مصالحها، لذلك نجد أَنَّ المؤمن له ملزم امام هذا الشرط، بأَنْ يؤمن على تلك الشحنات وان لايقوم برفض قبول التأمين على ايٍّ منها.
اِنَّ المؤمن على وفق الوثيقة العائمة يكون ملزماً بالتأمين على جميع الشحنات التي تكون مشمولة بالتغطية التأمينية ، بغض النظر عن طبيعة تلك البضائع أَو طريقة شحنها(3)، فلايجوز أنْ يرفض المؤمن التأمين عليها. ومن أَجل اقامة توازن في عقد التأمين من هذه الناحية فأن القانون يلزم المؤمن له بدفع قسط اضافي اذا تم مخالفة بعض الشروط التي من الممكن ان تزيد من احتمالية وقوع الخطر ولا يسمح له . ان يرفض التأمين على تلك الشحنات على رغم من قيام المؤمن له بمخالفة الشروط التي اتفق عليها مع المؤمن . فمثلاً اذا كانت السفينة او الباخرة التي تنقل البضائع المؤمن عليها وفقاً للوثيقة العائمة غير مصنفة، فأن المؤمن يلزم المؤمن له بدفع قساط اضافي، ولا يجوز له رفض التأمين.
إِنَّ عقد التأمين بصورة عامة يقوم على مبدأ الإحتمالية لذلك لايجوز للمؤمن ان يمتنع عن التأمين على اي شحنة، حتى وان كانت هناك ظروفاً طارئة. وان هذه الظروف تلحق بالمؤمن خسارة جسيمة، ذلك لان عقد التأمين في الاصل يحتمل الخسارة والربح في وقت واحد(4). لذلك كان لابد على المؤمن ان يتخذ الوسائل التي يمكن ان يلجأ اليها في مثل هذه الحالة مثل قيامه باعادة تأمين الشحنات.
ثانياً : جزاء اخلال المؤمن بالتزامه
ان القانون الزم المؤمن بقبول التأمين على جميع الشحنات، ولكن اذا رفض المؤمن التأمين على احدى او بعض هذه الشحنات، فما هو الجزاء الذي يمكن ان يتخذ في مثل هذه الحالة؟.
واذا كان المشرع قد نص على التزام المؤمن بقبول التأمين على جميع الشحنات التي شحنت لحساب المؤمن له، ولحساب الغير ما دامت هناك مصلحة له (للمؤمن له) فيها، لكنه لم يحدد الجزاء القانوني الذي لابد ان يتخذ في حالة اخلال المؤمن بهذا الالتزام. ويبدو أنّه قد احال هذا الامر الى القواعد العامة التي تقضي ، انه في العقود الملزمة للجانبين اذا اخل احد الطرفين بالتزامه، فانه يحق للطرف الاخر فسخ العقد مع المطالبة بالتعويض الذي يتناسب مع الضرر الذي الحق بالمؤمن له من جراء هذا الاخلال. ولكن هل من مصلحة المؤمن له المطالبة بفسخ عقد التأمين في الوقت الذي هو فيه قد أطمأن في الحصول على تغطية تأمينية لجميع شحناته المستقبلية من دون استثناء، بعد ان صدر قبول من قبل المؤمن؟ من الطبيعي ان لايكون طلب الفسخ من مصلحة المؤمن له، لذلك نعتقد انه مثلما وضع القانون عقوبات صارمة على المؤمن له بسبب اخلاله بالتزامه بتقديم الاقرار عن جميع الشحنات، فانه لابد ان يتم وضع حكم صارم يلزم المؤمن بقبول التأمين على جميع الشحنات ايضاً وبدون استثناء. ذلك نرى انه يجوز للمؤمن له في حالة رفض المؤمن قبول التأمين على احدى الشحنات -دون اي مسوَّغ يذكر- انه يطلب التأمين على هذه الشحنة لدى شركة تأمين اخرى، وعلى نفقة المؤمن الذي تعاقد معه على اصدار وثيقة تأمين عائمة. وذلك طبقاً للمادة (250) من القانون المدني العراقي الني نصّت “يستطيع الدائن بالتنفيذ على نفقة المدين بعد استئذان المحكمة في الحالات غير المستعجلة او بدون اذن المحكمة في الحالات المستعجلة”.أذ ان قسط التأمين الذي سيطلب من المؤمن له من قبل المؤمن الجديد، من الطبيعي ان يكون اعلى من قسط التأمين الذي يُطلب من قبل المؤمن موقع الوثيقة العائمة ذلك لانه سوف لن يراعي مسألة ثبوت اسعار التأمين التي اتفق عليها في الوثيقة العائمة، لان المؤمن الجديد سوف يطالب باسعار التأمين المتداولة في وقت طلب التأمين المقدم من قبل المؤمن له . وبذلك لابد ان يتحمل المؤمن الاول الفرق في قسط التأمين، وبذلك يمكن ان تعدّ هذه الوسيلة وسيلة ضغط على المؤمن ، حتى لا يرفض قبول اية شحنة في المستقبل. ويمكن أَنَّ يتدارك المؤمن له رفض المؤمن قبول التأمين على شحنته، ومن ثم يمكن للمؤمن له ان يطلب فسخ عقد التأمين مع المطالبة بالتعويض او الاستمرار في سريان الوثيقة العائمة ، هذا اذا كانت الشحنة سالمة ولم تتعرض للخطر المؤمن منه. لأنه اذا ما تعرضت الشحنة للخطر في المدة المحصورة بين شحن البضاعة ورفض المؤمن التأمين عليها بعد تقديم الاقرار عنها، فان المؤمن له لن يستطيع التأمين عليها لدى شركة تأمين اخرى بعد ان تعرضت للخطر. واذا كان اثر التأمين يبدأ من تاريخ شحن البضاعة ، فأن المؤمن يكون مسؤولاً عن التأمين عليها من تاريخ الشحن ومن ثم مسؤولاً عن تعويض المؤمن له لو تعرضت للخطر المؤمن منه.
المطلب الثاني : التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين الى المؤمن له
اِنَّ قيام المؤمن بإصدار وثيقة التأمين (اياً كان نوع هذه الوثيقة) هو تعهد صريح من قبله بالقيام بتعويض المؤمن له عما اصابه من ضرر، بسبب تعرض البضاعة المؤمن عليها لأي خطر تم التأمين عليه من قبل المؤمن، والذي يؤدي بطبيعة الحال الى فقدان البضاعة نفسها او قيمتها بصورة كلية او جزئية. وقد عبرّت م(983) من القانون المدني العراقي عن تعويض المؤمن له اذ نصت على “التأمين عقد به يلتزم المؤمن ان يؤدي الى المؤمن له والى المستفيد مبلغاً من المال او ايراد مرتباً او اي عوض مالي اخر في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده وذلك في مقابل اقساط او اي دفعة مالية اخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن”. واذا كان الغرض من التعويض هو جبر الضرر(5)، فأن هذا الغرض لايطبق في حالة التأمين على البضائع المنقولة بحراً. إِذ أَنَّ هناك مبلغ معين يتفق عليه مسبقاً، يكون المؤمن ملتزماً بدفعه عند تعرض البضاعة للخطر المؤمن منه. وبذلك نجد ان هذا الامر يعّد خروجا عن المبدأ المعروف في التعويض. إلا أنه جائز لاسيما وان المؤمن له قد اصدر موافقته منذ البداية على هذا المبلغ، وبذلك يتم اعادة تقدير قيمة البضاعة عند تحقق الخسارة(6). ويتضح هذا في المادة الاولى من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 التي نصت عند تعريفها لعقد التأمين على “عقد يتعهد المؤمن بموجبه بتعويض المؤمن له بالطريقة والمدى المتفق عليها عن الخسائر البحرية”. ولقد أَشار قانون التجارة البحري العثماني في م175 منه إلى أَنَّ المؤمن ملتزم بدفع المبلغ المتفق عليه، إذ نصت على ذلك عند تعرضها لعقد التأمين البحري “مقاولة بحرية يتضمن التعهد باعطاء التضمين تماماً الى المضمون في معاملة الضمان…..”. ونجد أَنَّ البند الخامس من بنود شروط مجمع التأمين في لندن المستعمل في العراق، والذي يرفق مع وثائق التأمين البحري بضائع قرر المبدأ نفسه والذي نصَّ على “……يتعهد بدفع المبلغ المؤمن به لاي طرد او لاية طرود قد تفقد كلياً…….”. ومن هذا المنطلق نرى ان يستعمل مصطلح مبلغ التأمين بدلاً من مصطلح التعويض، على وصف أَنَّ المؤمن يلتزم بدفع المبلغ المتفق عليه ، حتى وان لم يكن هذا المبلغ مُجْبِراً للضرر. وهناك من يرى(7) ان قيام المؤمن بدفع المبلغ المثبت في وثيقة التأمين امر منتقد، اذ ان هذا الامر يؤدي الى قيام المؤمن له متعمداً بالحاق الضرر بالبضاعة المؤمن عليه، او ان يتعمد بالاخلال بالتزامه بتقليل الخسائر التي تلحق بالبضاعة، عندما تنخفض قيمة البضاعة المؤمن عليها. لذلك لابد من أنْ يحدد التعويض في حدود الأَضرار الحقيقية التي لحقت المؤمن له.
وهناك نقدُ يوجه لهذا الرأي:
ان قيام المؤمن له بالحاق الضرر بالبضاعة عندما تنخفض قيمة البضاعة امر من النادر حدوثه، لاسيما وان البضائع تكون على ظهر السفينة الناقلة لها في وسط البحار وعلى بعد الاف الاميال عن المؤمن له.
ان اقساط التأمين التي تؤخذ من المؤمن له من اجل التأمين على البضاعة ، تتناسب طردياً مع مبلغ التأمين. فكلما كانت الاقساط مرتفعة كان مبلغ التأمين اكبر. ومن ناحية اخرى نجد ان واحد من العناصر التي تؤدي الى ارتفاع قسط التأمين هو قيمة البضاعة ونوعيتها التي تحدد عند شحن البضاعة.
لذلك نرى انه ليس من المنطق او العدل ان يقوم المؤمن له بدفع اقساط تأمين مرتفعة، وعند انخفاض قيمة البضاعة وتعرضها للخطر يقوم المؤمن بدفع تعويض يتناسب مع قيمة البضاعة المنخفضة.
ولذا فإنَّه في حالة الهلاك الكلي للبضائع المؤمن عليها من قبل المؤمن، فان الاخير لايلتزم بدفع اكثر من مبلغ التأمين المثبت في وثيقة التأمين حتى في حالة اذا كان الضرر الذي لحق بالبضاعة اكبر من مبلغ التأمين ، وذلك لان مبلغ التأمين المثبت في الوثيقة يعدّ الحد الاعلى لمسؤولية او التزام المؤمن.
أَمَّا في حالة الهلاك الجزئي للبضائع المؤمن عليها، فإنَّ المؤمن ملتزم بتغطية هذا الضرر إذغ كان لايجاوز مبلغ التأمين(8).
وإِنَّ التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين مرتبط في الواقع بتوافر اركان ثلاثة وهي:
1- تحقق الخطر المؤمن منه.
2- تضرر البضاعة المؤمن عليها.
3- العلاقة السببية بين الخطر والضرر.
اولاً : تحقق الخطر المؤمن منه
ان تعرض البضاعة المؤمن عليها بموجب الوثيقة العائمة لخطر ما لايعني ان المؤمن يكون مسؤولاً عن دفع مبلغ التأمين للمؤمن له، اذ يشترط في الخطر الذي يحول التزام المؤمن السلبي الى ايجابي (دفع مبلغ التأمين) ، ان يكون خطراً مؤمناً منه اي خطراً تم الاتفاق على التأمين عليه من قبل طرفي عقد التأمين (المؤمن – المؤمن له)، لذلك يشترط فيه:
أن يكون الخطر الذي(9) الحق الضرر او التلف بالبضاعة من الاخطار المشمول بالوثيقة العائمة، وبعبارة اخرى ان لايكون هذا الخطر من الاخطار المستثناة بنص صريح، سواء من خلال اتفاق الطرفين على استبعاده او بنص القانون.
ان يتحقق الخطر اثناء سريان الوثيقة.
يجب ان لايكون للمؤمن له او للمستفيد دخل في تحقق الخطر المؤمن منه، وذلك حتى لايكون عقد التأمين البحري وسيلة للحصول على الربح المادي من جراء احداث الخطر المؤمن منه والحاق ضرر بالبضاعة، وبعد ذلك يتم الحصول على مبلغ التأمين هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى نجد ان النظام العام لايجيز التأمين ضد الفعل او الخطأ العمدي، لأن في ذلك تشجيع على القيام بالحوادث العميدة(10)
ثانياً : تضرر البضائع المؤمن عليها
يمكن تعريف الضرر بانه كل تلف او هلاك او عبء يقع على البضائع المشمولة بالتغطية التأمينية ينشأ بشكل مباشر عن تحقق خطر . ويلتزم المؤمن ضمان نتائجه بموجب شروط العقد والذي يلحق الخساره او الضرر بالمؤمن له. من خلال هذا التعريف ، نجد ان الضرر الذي يصيب البضاعة المؤمن عليها لابد من ان تتوافر فيه شروط معينة، وهي:
ان يكون الضرر اصاب البضاعة محل التأمين.
ان ينشأ عن خطر مؤمن منه.
أنْ يلحق خسارة بالمؤمن له (11).
وفيما يخص الشرط الأخير وهو شرط الخسارة، نجد ان الخسارة التي هي عبارة عن انتقاص في الذمة المالية للمؤمن له نتيجة تضرر البضاعة بسبب تحقق الخطر المؤمن منه، وهذه الخسارة ليست على وتيرة واحدة فهي اما ان تكون خسارةً جزئيةً او خسارةً كليةً.
أ- الخسارة الجزئية
وهي الخسارة المادية التي تنشأ عن تضرر محل التأمين ، ولكن بصورة جزئية مع بقاء الجزء السالم من البضاعة صالح للاستعمال ومحافظ على خواصه الاساس، مثل تعرض شحنة من المكائن والالآت لخطر يؤدي الى تلف بعض هذه الاجهزة من دون ان يؤثر على جميع الشحنة ككل(12).
ب-الخسارة الكلية / وهي على نوعين
خسارة كلية حقيقية : ويقصد بها الهلاك او التلف الكلي للمال المؤمن عليه بشكل لايرجى من البضائع اية فائدة تذكر ، او لايمكن الانتفاع منها ، وذلك اما بسبب انعدام محل التأمين، كما لو احترقت البضاعة او غرقت، او ان تنعدم الخصائص الاساسية لتلك البضاعة، مثل ان تفقد البضاعة نوعيتها وصفاتها الاصلية، وبذلك لايمكن استعمالها للغرض الذي اوجدت من اجله مثل تعرض شحنة من الحبوب للتلف بسبب الرطوبة(13).
الخسارة الكلية التقديرية (الحكمية) :هي حالة متوسطة بين وصول البضاعة سالمة وبين هلاكها او تعرضها للتلف، مما يؤدي ذلك بدوره الى اضطرار المؤمن له ترك (التخلي)(14) عن البضاعة للمؤمن، لذلك نجد ان الاساس الذي يُعتمد لوصف الخسارة حكمية ، هو اصابة البضائع بتلف، وكانت تكاليف اصلاح هذا التلف وتكاليف ايصالها للميناء النهائي تزيد على قيمتها عند الوصول(15). ويجب على المؤمن له ان يخطر المؤمن عن رغبته بالتخلي عن البضاعة، من اجل ان تتخذ شركة التأمين الاجراءات اللازمة للمحافظة على ما تبقى من البضاعة واستلامه(16). ويمكن ان ينظر الى الخسارة من منظور آخر وتقسيمها الى خسارة خاصة وخاصة عامة. فالخسارة الخاصة: هي الخسارة التي تقع على عاتق المؤمن له وحده من دون سواه، والتي تصيب البضاعة المؤمن عليها سواء اكانت تلك الاصابة جزئية ام كلية(17). اما قانون التجارة البحري العثماني فقد عرف الخسارة الخاصة في م244 منه ، والتي نصت على “الخسائر البحرية الخاصة فهي ما يترتب من الاضرار او ما يقع من مصاريف فوق العادة على اي شيء وهي تعود على صاحب ذلك الشيء فقط”. وفيما يخص القانون المصري فانه لم يتطرق الى احكام الخسارة الخاصة بل اكتفى بالاشارة الى شروط الخسارة العامة. أمَّا قانون التأمين البحري الانكليزي فقد عرف الخسارة البحرية الخاصة موضحاً في هذا التعريف المعيار الذي يجب ان يطبق حتى تعد الخسارة خسارة خاصة في م64 منه، اذ نصت على “الخسارة الخاصة في خسارة جزئية تلحق الشيء المؤمن عليه تنشأ من وقوع حادث مضمون ولا تعد خسارة مشتركة”. اما عن قانون التجارة البحري السوري فقد عرف الخسارة الخاصة في م(258)، والتي نصت “الخسائر البحرية الخاصة هي كل الخسائر البحرية التي لاتكتمل فيها الشروط المطلوبة في المواد الثالية (الخسارة العامة) . ويتحمل هذه الخسائر صاحب الشيء المضرور. اما الخسائر العامة : هي التضحية الاختيارية التي تبذل في سبيل انقاذ الرحلة البحرية ككل والتي يتحمل قيمتها جميع اطراف الرحلة البحرية(18). ولم يورد قانون التجارة البحري العثماني تعريفاً للخسارة العامة ولا الشروط التي يجب ان تتوافر حتى تعد الخسارة عامة.
وهذا عكس مانراه في قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 والذي نص في م66 التي عرفت الخسارة العامة بانها “1-هي الخسارة التي يكون سببها او تنشأ مباشرة عقب اجراء بعمل في سبيل السلامة العامة وتشمل المصاريف والتصفيات المبذولة لهذا الغرض”. وهو نفس ماجاء به القانون المصري والسوري. ولقد عالجت قواعد بورك وانتروب(19) لعام 1994 مسألة الخسارة العامة وحددت الشروط التي يجب ان تتوافر فيها. فقد قضت القاعدة (A) من القواعد الابجدية الاتي “يكون فعل العوارية العامة عندما وفقط عندما تكون هناك تضحية او مصروفات غير عادية يتم تكبدها عمداً وبطريقة معقولة، لضمان السلامة العامة، وبقصد تجنب الاخطار التي تتعرض لها الاموال المشاركة المخاطرة البحرية”. من خلال هذه القاعدة نجد انه لابد من ان تتوافر شروط معينة حتى تعد الخسارة خسارة عامة ، وهذه القاعدة جاءت مطابقة للمادة (66/2) من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906، والتي حددت بمقتضاها شروط العوارية العامة وهي:-
تضحية او مصروف غير عادي.
يتم تحملها عمداً وفي حدود معقولة.
لضمان السلامة العامة ولايشترط ان يكون مالك البضاعة والسفينة مختلفين.
من خطر حقيقي مشترك(20).
ومن ملاحظة هذه الشروط يمكن القول ان الخسارة الخاصة هي الخسارة التي لاتتوافر فيها الشروط المذكورة سابقاً.
ثالثاً: العلاقة السببية بين الخطر والضرر
يكشف الواقع العملي للتأمين البحري أَنَّه قد يحدث ان يشترك اكثر من سبب في احداث الخسارة او الضرر في البضاعة المؤمن عليها، مما يؤدي الى احداث نزاعات بين المؤمن والمؤمن له حول مسؤولية المؤمن في تغطية هذا الخطر الذي اشترك في احداثه اكثر من سبب (خطر) قد يكون بعضها مشمولاً بالتغطية والبعض الاخر غير مشمول بها. لذلك لابد من البحث عن السبب المباشر في احداث الضرر بالبضاعة المؤمن عليها، والذي يكون المؤمن مسؤولاً عن تغطية. وهذا ما أشارت اليه م55 من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906، والتي نصت على “يسأل المؤمن وفقاً لنصوص هذا القانون عن اي خسارة سببها المباشر خطر مؤمن ضده ، ولكنه لايسأل عن اي خسارة لايكون سببها المباشر خطر مؤمن ضده مالم تقض وثيقة التأمين بغير ذلك”. والبحث عن السبب المباشر ليس بالامر السهل، إذ أَنَّه من الصعوبة ان يتم التوصل لمعرفة السبب المباشر في احداث الضرر، لاسيما اذا كان هناك اكثر من سبب في احداث هذا الضرر. ونجد ان الفقه قد سعى لتحديد مدلول السبب المباشر من خلال وضع معيار معين لتحديد، او لمعرفة السبب (الخطر) الذي يعدّ المؤمن مسؤولاً عن تغطيته. لذلك كان هناك مدلولان للسبب المباشر : هما المدلول القديم والمدلول الحديث اللذين سنتناولهما في الفقرتين الاتيتين.
المدلول القديم: السبب المباشر هو السبب الاخير
كان الفقه سابقاً يرى ان السبب (الخطر) الذي يؤدي الى تحقق الخسارة بالبضاعة، هو السبب الاخير من حيث زمن وقوعه. فلو اشترك اكثر من خطر في تحقق الخسارة بالبضاعة ، فان الخطر الاخير هو الذي ينظر اليه. فاذا كان من الاخطار المؤمن عنها فان المؤمن يكون مسؤولاً عن تغطيتها، والا فان المؤمن لايكون مسؤولاً عن تعويض المؤمن له. فاذا كان المؤمن قد أمَّن على الاخطار الحربية لشحنة معينة ، فانه يعفى من المسؤولية اذا اصطدمت السفينة بالصخور بسبب اطفاء انوار الميناء في حالة الحرب بوصف ان السبب الاخير الذي ادى الى تحقق الخطر، هو اطفاء الانوار، وليس الاخطار الحربية لذلك لايكون المؤمن مسؤولاً عن تغطية على وصف ان السبب الاخير هو ليس من الاخطار البحرية المضمونة.
وفي قضية اخرى تتعلق بشحنة من الارز تعرضت للتلف عندما قرضت الجرذان انبوبة تمر خلال الشحنة، مما ادى الى تكوين ثغرة تسرب من خلالها الماء مما ادى الى تلفها وهكذا حكم بمسؤولية المؤمن على وصف ان السبب الاخر هو تسرب الماء وهو من الاخطار المضمونة في الوثيقة(21). وفي الواقع عند التمعن في القضيتين السابقتين نلحظ انَّ السبب في حدوثهما هو حالة الحرب التي ادت الى اطفاء الانوار في القضية الاولى، والجرذان في القضية الثانية هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، ان فكرة السبب الاخير تقوم على اساس انَّ الاخطار تقع بصورة متتالية متتابعة، ولكن الغالب ان هذه الاخطار قد تقع بوقت واحد او تقع في اوقات متقاربة بحيث لايمكن معرفة السبب الذي ادى الى تضرر البضاعة. لذلك نجد ان الفقه عدل عن مدلول السبب الاخير الى مدلول اخر وهو السبب الفعال(22).
المدلول الجديد السبب المباشر هو السبب الفعال
عدل الفقه والقضاء عن فكرة المدلول القديم الذي كان يعدّ السبب المباشر هو السبب الاخير، واتجه الى مدلول اخر وهو ان السبب المباشر هو السبب الفعال او الكافي لاحداث الضرر(23) ويقصد بالسبب الفعال انه السبب الذي لولاه لما وقع الضرر. فمتى كان السبب الفعال مضموناً على وفق وثيقة التأمين ، فإن المؤمن مسؤول عن تغطيته. لذلك نجد انه وفقاً للمعيار الجديد يجب ان يكون السبب (الخطر) في تحقيق الخسارة هو السبب الفَّعال في تضرر البضاعة، حتى وان لم يكن هو السبب الاخير فاذا ما انتشر حريق ناتجاً عن انفجار وادى هذا الحريق الى تضرر البضاعة المؤمن عليها، فان السبب الفعال في هذه الحالة هو الانفجار. وبذلك يكون من حق المؤمن له المطالبة بالتعويض عن تضرر البضاعة مادام خطر الانفجار قد أمن منه(24). ولقد استقر العمل في شركات التأمين على المعيار الثاني، الذي يعد المعيار المناسب في تحديد السبب (الخطر) الذي يكون المؤمن مسؤولاً عن تغطيته، ويعتبر اكثر عدالة من المعيار الاول ، اذ انه يضمن حقوق المؤمن له في المطالبة بالتعويض.
– عبء اثبات السبب (الخطر) في تحقق الخسارة
يقصد بعبء الاثبات انه الالتزام الذي يقع على عاتق احد طرفي العقد، لأثبات صحة مايدعي به امام المحكمة في حالة قيام نزاع لأثبات امر معين(25). فالاصل أن عبء الاثبات يقع على عاتق المؤمن له لاثبات ان الخطر الذي أَلحق بالبضاعة الخسارة هو السبب الفعال، فاذا كانت هناك بضاعة ، وهذه البضاعة مؤمن عليها ضد مخاطر معينة، مثل جنوح كسر، غرق، وتبين عند وصول البضاعة ان بعض او كل اجزاء البضاعة تعرضت للخسارة، فان المؤمن لايكون مسؤولاً عن دفع مبلغ التأمين مالم يقم المؤمن له الدليل على اثبات ان التلف ناتج عن خطر مؤمن منه. اما في حالة اذا كان المؤمن له قد أمَّن على بضائعة تأميناً شاملاً عن جميع الاخطار ، في هذه الحالة فأن المؤمن هو الذي يقع عليه عبء اثبات ان السبب (الخطر) الذي ادى الى تحقق الخسارة بالبضاعة غير مؤمن عليه(26)
المطلب الثالث : اساس احتساب مبلغ التأمين في الوثيقة العائمة
المبلغ المؤمن به (مبلغ التأمين) يعني هو ذلك المبلغ الذي يتعهد المؤمن بدفعه للمؤمن له او للمستفيد بمجرد تحقق الخطر المؤمن منه(27). ونجد أَنَّ من الشروط المهمة والاساس في الوثيقة العائمة (بنوعيها المفتوحة والمغلقة) هو شرط (كيفية احتساب مبلغ التأمين لكل شحنة) الذي يدرج في وثيقة التأمين العائمة. ففي وثيقة التأمين العائمة يتم الاتفاق المسبق بين طرفي عقد التأمين (المؤمن – المؤمن له)، على الاساس الذي يتم فيه تحديد مبلغ التأمين(28). وذلك يرجع الى سببين:
ان سبب الاتفاق المسبق على تحديد مبلغ التأمين لدرء الغش الذي يمكن ان يقع المؤمن ضحيته من جراء قيام المؤمن له بالمغالاة في قيمة البضاعة، وذلك عندما يتحقق الخطر المؤمن منه قبل وصول الاقرار الخاصة بالشحنة الى المؤمن (شركة التأمين)(29).
نجد في وثيقة التأمين الإِعتيادية ان مبلغ التأمين يحدد مسبقاً عند تقديم طلب التأمين الخاص بأي شحنة(30)، ويرجع ذلك الى ان المؤمن له يكون عالماً بمقدار الشحنة ونوعيتها، وبذلك يمكن ان نحدد مبلغ التأمين مسبقاً قبل تحقق الخطر. أَمَّا في الوثيقة العائمة فان المؤمن له لايستطيع معرفة نوعية او كمية الشحنة او الشحنات التي تتم في المستقبل ، لذلك يتم الاتفاق في هذه الحالة على اساس معين يتم بموجبه بتحديد مبلغ التأمين الخاص بكل شحنة، والذي يكون المؤمن ملتزماً بدفعه الى المؤمن له عند تحقق الخطر. والاساس الذي يتم الاتفاق عليه قد يكون (C.I.F) + 10% او(C and F) +10%. كأن يقال أَنَّ أَساس احتساب مبلغ التأمين في الوثيقة العائمة هو (C.I.F) + 10%(31) وهذا الاساس هو عبارة عن مجموع البيانات الاتية:
قيمة البضاعة حسب قوائم الشراء.
مصاريف شحن البضاعة.
قيمة النولون اذا كانت من مسؤولية الشاحن.
تكاليف التأمين.
نسبة مئوية مقابل ارباح تكون من حق المؤمن له يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين المؤمن والمؤمن له.
وقد يكون الأساسَّ المتَّبع لتحديد مبلغ التأمين هو (C and F) + 10% ، والذي يكون عبارة عن مجموع البيانات الاتية:
كلفة البضاعة حسب قوائم الشراء.
اجرة شحن البضاعة.
ونسبة مئوية من اجل تغطية جزءٍ من الارباح والمصاريف(32) . والفرق بين الاساسين ان احتساب مبلغ التأمين على وفق النظام الثاني (C and F) لايشمل تكاليف التأمين.
والاساس الثاني هو الاساس المتبع في العراق(33) بعد صدور قرار البنك المركزي العراقي لسنة 1952 رقم (233)، الذي اشترط فيه أَنْ يتم استيراد البضائع وأحتساب مبلغ التأمين على اساس (C and F) الذي يمثل قيمة البضاعة واجور شحن البضاعة. لذلك فإنه على وفق قرار المصرف المركزي العراقي يمنع اتباع الاسلوب الاول وهو (C.I.F) ، اذ لايسمح للمستوردين التأمين على بضائعهم داخل العراق، الا لدى شركة التأمين الوطنية، وذلك من اجل تشجيع عمل شركة التأمين الوطنية(34). ولقد اشارت م(307) من قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984 الى البيع بشرط نقل البضاعة من دون التأمين عليها (سي. اند. اف)، إذ نصت تلك المادة على “البيع بشرط نقل البضاعة دون تأمين عليها (سي . اند. اف) هو البيع الذي يلتزم فيه البائع بابرام عقد نقل البضاعة من ميناء الشحن الى ميناء الوصول دون ان يلتزم بابرام عقد التأمين عليها ضد مخاطر النقل”. اما فيما يخص النسبة المئوية، فهي النسبة التي تغطي (المصاريف الاعتيادية اللازمة من اجل ان يقوم المؤمن له بفتح الاعتماد والتخليص والتعقيب). وانَّ العمل في شركة التأمين الوطنية قد حدد هذه النسبة بـ(10%) من قيمة البضاعة(35) ومن ناحية اخرى، نجد انّ تعريفة التأمين البحري العراقية اجازت ان تزيد هذه النسبة الى حد (25%) ، وفي الحقيقة انّ اي نسبة تزيد على (10%) هي ليست كلفة بضاعة، بل هي ارباح متوقعة. وهنا تخضع هذه الزيادة الى أسس تأمين البضاعة مع الربح المتوقع عن هذه البضائ(36). اما فيما يخص المادة (29/4) من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 التي نصت على “مالم تنص الوثيقة بغير ذلك فان عدم اعطاء تصريح بالقيمة الا بعد الاشعار بالخسارة او الوصول فان حكم التصريحة بالنسبة لمحل التأمين تكون كوثيقة غير قيمية (Unvalued Policy)”. ونرى أَنَّ المقصود من هذا النص أَنَّه في حالة وصول البضاعة الى المكان المقصود والنهائي لها او بعد ان تتعرض للخسارة ، فإن الوثيقة تعدّ وثيقة غير قيمية من حيث الكيفية التي يتم من خلالها احتساب مبلغ التأمين فيها، وذلك في عدم ايراد نص في ذات الوثيقة العائمة يشير لغير ذلك. وبعبارة اخرى ، أَنَّه من الممكن ان نطبق الاساس السابق في احتساب مبلغ التأمين او ان احتساب قيمة مبلغ التأمسين بالطريقة التي تستخدم في حالة الوثائق غير القيمية. أَما بالنسبة الى قانون التجارة العثماني فقد اشار الى الاساس الذي يتبع في حالة عدم تحديد مبلغ التأمين في عقد التأمين في وثيقة التأمين. في م184 منه ، إذ نصت تلك المادة على “اذا لم تتعين قيمة البضائع والاشياء في عقد الضمان، فيجرى اثباتها حينئذ في قائمة البضائع وسجلاتها واذا لم يوجد فيها قوائم ولا سجلات ايضاً فيجري تقديرها وتقويمها على وفق سعرها الرائج في المحل، والوقت الذي شحنت فيهما مع ما اعطى منها من رسم كمركي(37)، وباقي المصاريف الواقعة لحين نقلها الى السفينة”. ويتضح من خلال نص هذه المادة، انه يجب ان يتم تحديد مبلغ التأمين من خلال معرفة قيمة البضاعة، وذلك بالرجوع الى قائمة شراء البضاعة والسجلات الخاصة بها. وفي حالة عدم اثبات قيمة البضاعة عن طريق قائمة الشراء والسجلات الخاصة بها، فيتم تقديرها حسب قيمتها وعلى وفق ميناء الشحن، وهذا مبدأ معروف في التأمين البحري الذي يقضي بوجوب الأخذ بِقيمة البضاعة في ميناء الشحن وليس قيمتها وقت الحادث. ولم يتطرق القانون المصري الى مسألة تحديد قيمة البضائع بالنسبة للوثائق. أَمَّا بالنسبة للقانون السوري فقد حدد طريقة تحديد قيمة البضائع في الوثائق غير القيمية في نص م(314) والتي جاءت مطابقة لنص م(184) من قانون التجاري البحري العثماني. لقد اشارت م(16/3) من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 الى كيفية احتساب القيمة التأمينية اذ نصت على “3-في التأمين على البضائع والسلع كالامتعة تكون القيمة التأمينية هي كلفة الشراء او الثمن الاصلي للاموال المؤمن عليها يضاف الى ذلك مصاريف الشحن والمصاريف الطارئة للشحن واجور التأمين على جميع ما ذكر”.
(محاماه نت)