دراسات قانونية

ماهية حدود تعويض ضحايا الجريمة أمام القضاء (بحث قانوني)

حدود تعويض ضحايا الجريمة أمام القضاء

نورالدين فاضل
حاصل على ماستر في العلوم جنائية، وباحث في علم الضحية.

يلعب القضاء دورا هاما ومحوريا في كفالة حق الضحية في حصوله على تعويض، إلا أن دعوى التعويض أمام القضاء والتي يهدف الضحية من ورائها إلى حصول على تعويض عاجل عن الضرر الذي أصابه، قد لا تكون كافية لتحقيق هذا الغرض، ذلك أن لإجراءات الدعوى قد تطول، فيتأخر تعويض الضحية، وقد يتضح في النهاية أن المحكوم عليه معسر، بل قد يكون الجاني مجهولا فلا يتسنى رفع الدعوى عليه أصلا[1] ناهيك عن قصور بعض المقتضيات الإجرائية والتي قد تحرم أحيانا الضحية حتى في المطالبة بهذا التعويض أو تعرقل الحصول عليه ببعض القيود (المطلب الاول) لذلك وجب البحث عن وسائل أخرى تكفل حق الضحية في حصوله على تعويض وفي أسرع الأجل (المطلب الثاني). فالي أي حد تمكنت القواعد المعمول بها في تعويض ضحايا الجريمة من إيلاء الضحايا تعويضا عادلا داخل أسرع الآجال؟

للإجابة عن هذا السؤال سنعتمد التقسيم الثنائي الاتي :

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

المطلب الأول: محدودية الإمكانيات القانوني لكفالة حق الضحية في التعويض
المطلب الثاني : الضمانات القانونية المحصنة لحق الضحايا في التعويض

المطلب الأول: محدودية الإمكانيات القانوني لكفالة حق الضحية في التعويض.

إن القضاء سواء المدني أو الجنائي في مقتضياته الحالية لا يوفر الحماية الكافية لضحايا الإجرام ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوائق المتأصلة من القانون نفسه[2]
وسنحاول من خلال هذا المطلب إلى التطرق لبعض من هذه العوائق التي تواجه ضحايا الجريمة على المستوى الإجرائي علما أننا قد تطرقنا في المبحث الأول إلى بعض هذه العوائق وغيرها.

وتشمل هذه الدراسة كل من مساوئ حق الخيار (الفقرة الأولى) ثم قيود الإدعاء المباشر (الفقرة الثانية) بالإضافة إلى مسألة في غاية الأهمية والخطورة ألا وهي حرمان ضحايا الإجرام من حق الطعن في الشق الجنائي (الفقرة الثالثة)

الفقرة الأولى: مساوئ حق الخيار

لعل أهم تلك المساوئ عندما يلجأ الضحية المدعي المدني إلى ترك الطريق الجنائي ويلجأ إلى الطريق الجنائي ويلجأ إلى الطريق المدني، ففي هذه الحالة يقدم هدية للمتهم بحيث أن القضاء المدني يعد أفضل للمتهم من الطريق الجنائي الأثقل عليه وطأة وأشد عبئا[3] وذلك من خلال الإفلات من مواجهة خصمين – النيابة العامة والمتضرر- يتعاونان من اجل الوصول إلى مساءلته جنائيا ومدنيا ومن جهة أخرى فهذا الخيار يبطئ إجراءات المحاكمة أمام المحكمة المدنية بسبب قاعدة الجنائي يعقل المدني[4].
كما أن عرض الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري قد يكون فيه بعض من الإرهاق للقاضي الجنائي، هذا القاضي الذي يجد نفسه مضطرا إلى جانب البث في المسؤولية الجنائية إلى الخوض في مسائل متعلقة بالمسؤولية المدنية، ولا يخفى تعقد معطياتها القانونية في كثير من النوازل.

هذا علاوة على أن العدالة قد تفقد طابع الهدوء والاتزان الذي ينبغي أن تتحلى به نظرا لما قد يتسم به موقف الضحية خلال سير المسطرة من تحامل على المتهم ومغالاة في طلب العقوبة.

كما أن هناك مساوئ أخرى تخص المتضرر عندما يسلك الطريق الجنائي فالمتضرر يكون معرض لخطرين، أولهما هو عدم إمكانية الاستماع إليه كشاهد في الدعوى العمومية، وهذا قد يؤدي إلى ضعف إثبات إدعائه بشكل بين إذا كان عمليا هو الشاهد الوحيد في الدعوى، وثانيهما أن دعواه قد ترفض.

وفي هاته الحالة يحق للمتهم أن يرجع عليه للمطالبة بتعويض لما لحقه جراء المتابعة[5].

الفقرة الثانية : حرمان الضحية من المطالبة بالتعويض أمام بعض المحاكم

بالإضافة إلى الحالات التي سبق وذكرنا والتي تمنع على الضحية اللجوء والخيار إلى القضاء المناسب له، وأيضا قصر المطالبة بالتعويض على المتضرر دون المجيء عليه.

نتحدث في هذه الفقرة عن حرمان الضحية من المطالبة بالتعويض أمام القضاء العسكري وذلك راجع لأهمية وخطورة هذا المقتضى الذي لطالما تضرر منه المتقاضين.
وبرجوعنا لقانون العدل العسكري يقضي فصله التاسع بأن المحكمة العسكرية[6] لا تنظر إلا في الدعوى العمومية ولا يجوز لأي شخص أن يطالب بالحقوق المدنية أمام المحكمة العسكرية ما عدى الأحوال التي يستثنيها الفصل 125.
وبرجوعنا إلى هذا الفصل نجده ينص على ” أنه حيادا عن المبدأ المنصوص عليه في الفصل 9 من هذا القانون فإن المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم بالبراءة تحكم بتعويضات الضرر التي يجوز منحها للمحكوم عليه أو لممثليه على إثر إجراء مسطرة المراجعة “.
ومن خلال هذا يتبين أن هذا الأمر يتعلق فقط بمسطرة المراجعة ولا يستند لباقي الأضرار الناجمة عن الجريمة.

ويرى الفقيه الخمليشي أن مسألة عدم السماح للمتضرر من المطالبة بالتعويض أمام القضاء العسكري لها ما يبررها بحيث أن المحاكم الاستثنائية لا تقبل أحكامها الاستئناف، فالسماح بممارسة الدعوى المدنية أمامها يترتب عليه حرمان صاحب المصلحة من إحدى درجات التقاضي، بالإضافة إلى أن الإجراءات أمام هذه المحاكم تمتاز بالسرعة. فإذا أحيلت عليها الدعوى المدنية تعذر إصدار الحكم بالسرعة المطلوبة لما تتطلبه هذه الدعوى من إجراءات بطيئة كإدخال المسؤول المدني أوالورثة ومناقشة القضية وغيرها.[7]

ونحن نخالف رأي الأستاذ أحمد الخمليشي لأنه ناقش الموضوع من زاوية ما هو كائن لا ما يجب أن يكون، فمسألة منع الضحية من المطالبة بالتعويض أمام القضاء العسكري فيها حيف وضياع لحقوق المجني عليه لعل أهمها سرعة بت القضاء العسكري – الزجري – له في التعويض ناهيك عن مساعدة مندوب الحكومة[8] الذي يمارس دور النيابة العامة، في إثبات الجريمة ومناقشة القضية لصالح المتضرر، لأن هذا القضاء بالحلة التي عليه يجب إعادة النظر فيها وذلك لما يحمله قانون العدل العسكري من خروقات وضرب لمبادئ المحكمة العادلة من جهة ،وانعدام الاهتمام بالضحايا من جهة أخرى. لذى وجب مراجعة بما يكفل احترام مبادئ المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا، ثم إيلاء الضحية مركز مهم في الإجراءات أمام القضاء العسكري، من أجل تحقيق تعويض ملائم عادل وفي أقرب الآجال.

هذا بالإضافة إلى قواعد الاختصاص الاستثنائية أو ما يصطلح عليها الامتياز القضائي قد منعت المتضرر من المطالبة بالتعويض أمام محكمة النقض فيما يخص الجرائم التي يرتكبها مستشار جلالة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة أو قاض بمحكمة النقض أو بالمجلس الأعلى للحسابات أوعضو في المحكمة الدستورية أو والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة الاستئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام لديها[9]. وهو أمر غير مقبول ويشكل حرمانا للمجني عليه في المطالبة بالتعويض بشكل صريح.
ويرى أستاذنا محمد كروط أنه نظرا لانعدام أي مبرر منطقي لهذا المنع الذي يضر بمصلحة المجني عليه، ولا يخدم المصلحة العامة، والذي يتماشى مع النتائج التي أثبتها علم المجني عليه المتمثلة في ضرورة حضور المجني عليه أمام القضاء للإلمام بالظاهرة الإجرامية دوره فيها وكذا العلاقة بينه والجاني.

وتماشيا مع توصيات المؤتمرات الدولية في هذا الشأن والداعية إلى حماية حقوق المجني عليه ومن أهمها الحق في التعويض، وبناء على ما تبناه المشرع المغربي في ديباجة قانون المسطرة الجنائية من اتخاذ آليات جديدة لحماية ضحايا الإجرام.
فإنه يتعين إلغاء المقتضى التشريعي المانع للمجني عليه من التدخل كطرف مدني سواء أمام قضاء الحكم أو أمام قضاء التحقيق في مجال قواعد الاختصاص الاستثنائية.[10]
ونحن بدورنا نساير هذا الطرح لما فيه من مساواة أمام القضاء. إذا لا يعقل أن تتملص مجموعة من الشخصيات من محاسبتهم مدنيا عن أفعالهم التي كبدت المتضرر أضرار وخسائر.

الفقرة الثالثة : حرمان ضحايا الجريمة من حق الطعن في الشق الجنائي

ليس لضحية الجريمة – سواء كان مجني عليه أو مدعي مدني- ، أن يطعن في الحكم الجنائي أمام محاكم الاستئناف، لاقتصار خصوصيته على حقوقه المدنية فقط، وهو ما نص عليه المشرع المصري[11] والفرنسي[12].
أما المشرع المغربي فقط نص عليه في الفصل 410 من ق م ج بحيث أن استئناف المطالب بالحق المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية يقصر نظر محكمة الاستئناف على المصالح المستأنفة المدنية.
ولا يكون للحكم الصادر على إثر هذا الاستئناف سواء قضى بالحقوق المدنية أو برفضها أي تأثير على الدعاوى العمومية حيث أن الحكم الصادر بناء على متابعة النيابة العامة يكون قد اكتسب قوة الشيء المقضي به.
أما استئناف المطالب بالحق المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية فلا يتيح لمحكمة الاستئناف إلا تصحيح الحكم أو إلغاؤه لفائدة المستأنفين.

ومنه نقول أن استئناف المدعي المدني يجعل نظر محكمة الاستئناف منحصر في حدود الشق المدني للحكم المستأنف فلا يمكن لها بسط ولايتها على الشق الجنائي الغير المستأنف بقوة القانون، طبقا لمبدأ الأثر النسبي للطعون.[13]

ومما لا شك فيه أن هذا الوضع يشكل إجحافا خطيرا بحقوق ضحايا الجريمة، فضحية الجريمة له مصلحة مؤكدة في أن ينال المتهم عقابا لما جنت يداه، وبالتالي فاقتصار حق الطعن على النيابة العامة وحدها قد يكون في صالح المتهم خاصة عن الحكم بالبراءة وعدم استئناف النيابة العامة له، فكان ينبغي أن تتاح للضحية فرصة الطعن في الحكم الجنائي حتى يصل بدعواه إلى محكمة أعلى قد تقدر ظروفه وتقتنع بوجهة نظره وذلك احتراما لإرادته في بلوغ دعواه للقضاء والبت فيها[14].
وبرجوعنا لبعض التشريعات نجدها قد قدرت خلو ذلك على حقوق المجني عليه، فأباحت للمجني عليه حق الطعن في الأحكام الجنائية الصادر من المحكمة كالقانون الإجراءات الروسي المادة 24 وأيضا قانون الإجراءات الإيطالي المادة 577 منه، كلها أعطت المجني عليه حق الطعن في الحكم الصادر ببراءة المتهم أوبإدانته بشقيه الجنائي والمدني.[15]

كما أن القضاء قد نزل بدلوه لتخفيف من حدة هذه القاعدة خاصة محكمة النقض الفرنسية بحيث أكدت على أن استئناف المدعي المدني لا يعد طرح الدعوى المدنية وحدها بل الدعوى الجنائية أيضا[16].
وقد سايرت محكمة النقض المصرية نفس الاتجاه فقضت بإمكانية استئناف المدعي بالحق المدني في دعاوى الجنحية، الشيء الذي نجده مغيبا في القضاء المغربي الذي لا زال يتمسك بهذه القاعدة بكامل ثقلها على ضحايا الجريمة .
وقد تبين لنا من خلال اطلاعنا أن جميع المحاكم قد دأبت على عدم السماح للضحية بالطعن في الشق الجنائي.[17]

بل أكثر من ذلك فالمحكمة لما تصدر حكما بالبراءة تصرح بعدم اختصاصها للبت في الدعوى المدنية، كما أن محاكم الاستئناف تأيد الحكم القضائي بعدم الاختصاص في الدعوى المدنية رغم أنها مختصة ودون أن تبين السند القانوني الذي تعتمده للقول بذلك، إذ كيف يعقل أن تحكم محكمة الدرجة الثانية بتأييد حكم ابتدائي قضى بعدم الاختصاص للبت في الدعوى المدنية لتصريحه بالبراءة فيما يخص الدعوى العمومية تطبيقا لما تنص عليه 389 من ق ج م ج ؟.[18]

المطلب الثاني : الضمانات القانونية المحصنة لحق الضحايا في التعويض

لا شك في أن أغلب التشريعات قد اعترفت لضحايا الجريمة بحقهم في التعويض، باعتباره الطريق الأمثل لترضيتهم عما لحقهم من ضرر؛ إلا أن الإشكال الذي طالما أثار بحيث رجال القانون وانصب عليه جهدهم، يتعلق بإيجاد الوسائل التي تكفل وتضمن حق الضحية في التعويض.
وفي هذا الإطار تعمل التشريعات الحديثة على التنصيص على جملة من الوسائل التشريعية التي من شأنها تسهيل تعويض الضرر الذي تحمله الضحية بسبب الجريمة.
ويمكن تقسيم هذه الوسائل التي تحت الجاني على أداء التعويض لفائدة الضحية، حسب مراحل المحاكمة، فهناك وسائل أثناء المحاكمة ( الفقرة الأولى ) وأخرى بعد النطق بالحكم ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : في مرحلة المحاكمة

أخذ المشرع بعين الاعتبار الصعوبات التي قد تعترض عملية تعويض الضحية عن الأضرار والتي قد لا تتحمل وضعيته مزيدا من الأذى والتفاقم لذى سن جملة من الإجراءات التي من شأنها مساعدة الضحية في الحصول على التعويض أثناء مرحلة المحاكمة، وهي كالآتي :

أولا : إمكانية الحكم بتعويض مؤقت

يتمثل هذا الإجراء في أنه يجوز للضحية أو خلفه أن يطلب من المحكمة أن تأمر له على وجه الاستعجال بصرف مبلغ من التعويض مسبقا إلى أن يتم النطق بالحكم النهائي للتعويض.[19]

وبهذا نجد المادة 392 من ق م ج المغربي نصت على أنه في حالة صدور حكم تمهيدي بإجراء بحث أو خبرة يمكن للمحكمة التي قبلت مبدئيا مسؤولية مرتكب الجريمة أن تمنح للطرف المدني تعويضا مسبقا. يخصم من التعويض النهائي، ويشمل بالخصوص تسديد المصاريف المؤداة من طرفه أو المتوقع أداؤها.
وتكون هذه المقتضيات قابلة للتنفيذ رغم كل تعرض أو استئناف وذلك تماشيا مع توصيات مؤتمر بودابست التي أكدت أنه على المحكمة أن تأمر بالتنفيذ المؤقت للتعويض، الشيء الذي نجده كذلك عند التشريع الفرنسي في المادة 706 / 6 من ق م ج الفرنسي[20].

وكذلك في القانون الإيطالي من خلال المادة 24 الفقرة الأولى من قانون التأمين الإجباري على المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال السيارات والقوارب البخارية حيث تستمع المحكمة للخصوم في تحقيق موجز، فإذا وجدت أدلة كافية على مسؤولية قائد السيارة أو القارب، أمرت المحكمة بدفع جزء من التعويض في انتظار الفصل النهائي فيه.[21]
وقد أكد هذا المبدأ العمل القضائي المغربي بعد التثبيت في الدعوى العمومية بالإدانة أن تحكم تمهيديا في الدعوى المدنية بإجراء بحث أو خبرة أو تقرير في المسؤولية المدنية وتمنح تعويض مؤقتا عن الضرورة للمتضرر[22].
وأخيرا يمكن القول بأن هذا الإجراء سيحفظ حقوق الضحية المتضرر لا محال على نحو يمنع من استفحال الأضرار التي تسبب فيها الجريمة.

ثانيا : التعويض كشرط لوقف تنفيذ العقوبة

القاعدة العامة للعقوبة هي إنزال العقوبة المناسبة لارتكاب المجرم جريمة تبث مسؤوليته فيها، إلا أن هذه العقوبة قد يوقف تنفيذها لسبب من الأسباب والتي من بينها ضرورة أداء تعويض للضحية حتى يفصل نظام وقف تنفيذ هذه العقوبة.
وبالتالي تشترط عدة تشريعات لتطبيق هذا النظام أن يكون الجاني قد قام بتعويض الضحية أو على الأقل تعهد له بتعويضه. وقد يترك الأمر للسلطة التقديرية للقاضي عند اختيار الأسلوب الجنائي الأمثل للمتهم.[23]

وبرجوعنا للتشريع الفرنسي نجده يخضع تطبيق نظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار لشرط قيام المتهم بالوفاء بالالتزامات المالية المستحقة للضحية، كما أضاف بأنه يجوز لمحكمة الجنح أن تمدد فترة الوضع تحت الاختبار أو تأمر بتنفيذ العقوبة إذا تعمد المحكوم عليه عدم تنفيذ التزامه بإصلاح الضرر حتى ولو كان هذا الالتزام غير منصوص عليه كشرط لاستمرار وقف التنفيذ.[24]
أما في التشريع المغربي فيتوقف نظام تنفيذ على تقدير القاضي.

ثالثا : تضامن الجناة في دفع التعويض

وردت قاعدة تضامن المحكوم عليهم في أداء تعويض للضحية في الفصل 109 من القانون الجنائي الذي جاء فيه بأن جميع المحكوم عليهم من أجل نفس الجناية أو نفس الجنحة أو نفس المخالفة ملتزمون متضامنون بالغرامات والرد والتعويضات المدنية و الصوائر وهو إجراء لا محال سيكفل حق الضحية في الحصول على التعويض المحكوم به لفائدته وهو بالتالي خير ضمان لتفادي تملصهم من دفع التعويض أو إعسار بعضهم هو تقرير تضامنهم في أداء التعويض كما أن حكم التضامن في هذه الحالة يفيد في الإسراع بتعويض الضحية.
كانت هذه الوسائل المتاحة في حالة المحاكمة التي من خلالها تؤثر المحكمة على الجاني من أجل حثه على أداء التعويض للضحية، إلا أنها قد لا تكفي وحدها لذلك اعتمد المشرع وسائل أخرى خاصة بعد النطق بالحكم وكل ذلك بغية الضغط على الجاني من أجل أداء التعويض لصالح الضحية.

الفقرة الثانية : بعد النطق بالحكم

في كثير من الأحيان لا يستفيد الضحية من التعويض الذي تصدره المحكمة لصالحه ويرجع ذلك بطبيعة الحال لإعسار الجاني أو لعدم كفاية أمواله والحالة الأولى هي الأكثر شيوعا فمن يحترفون الإجرام في أغلب الأحيان هم من الفقراء والبؤساء، لذى فطبيعي أن يمتنعوا عن أداء التعويض.
لهذا تدخلت أغلب التشريعات الجنائية الحديثة من أجل الضغط بوسائل حتى بعد النطق بالحكم على الجاني من أجل أداء ما نطقت به المحكمة من تعويضات للضحية.

أولا : أولوية التعويض على الغرامة في التنفيذ على أموال الجاني

منحت كثير من التشريعات امتيازا لتعويض المحكوم به لضحايا الجريمة في حالة تزاحم الغرامة وما تستحقه الحكومة من مصاريف قضائية، إذ كانت أموال المحكوم عليه عند تنفيذ عليها لا تكفي.[25]
إلا أن المشرع المغربي عندنا لم يتماشى مع هذا الطرح وسبق المصاريف القضائية والرد على التعويضات[26].
لهذا يجب وجب تعديل المادة 634 من ق م ج وذلك بتغيير الترتيب وجعل الرد في المرتبة الأولى ثم يليه التعويض وبعد ذلك الصوائر والغرامات.[27]

ثانيا : الوفاء بالتعويض كشرط من شروط الإفراج الشرطي ورد الاعتبار

من بين الوسائل التي تضغط على المحكوم عليه لتعويض الضحية هو جعل الإفراج الشرطي ورد الاعتبار متوقفين عن قيام المحكوم عليه بتعويض الضحية.
لأنه ليس من العدل أن يتمتع الجاني بجريمته وأن يرد إليه اعتباره على مرأى من المضرور دون أن يكفر عن ذنبه بتعويض هذا الأخير.[28]

وقد حثت توصيات مؤتمر بودابست في القسم الثالث والأخير المعنون بــ ” تدابير أخرى تحت على تعويض الجاني عليه ” على ضرورة تبني التشريعات مسألة الوفاء بالتعويض كشرط من أجل إعمال الإفراج الشرطي.[29]
الشيء الذي تبناه التشريع الفرنسي من خلال المادة 536 / 5 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي وأيضا القانون المصري من خلال المادة 491 من قانون الإجراءات الجنائية المصري.

والمشرع المغربي بدوره لم يخرج عن هذا الاتجاه ونص على هذا الإجراء صراحة من خلال المادة 627 من ق م ج الذي جاء فيه ” يتم منح الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط بقرار لوزير العدل بناء على قرار اللجنة المشار إليها في المادة 624 أعلاه، ويمكن بمقتضى هذا القرار إخضاع الإفراج المقيد لبعض الشروط واتخاذ تدابير المراقبة تكون الغاية منها تسهيل وتحقيق إعادة إدماج المستفيدين من الإفراج في المجتمع خاصة أداء المبالغ الواجبة للخزينة أوالتعويضات المحكوم بها للضحايا “.
أما فيما يخص رد الاعتبار فإن الحصول عليه يستوجب على المحكوم عليه أن يثبت أداء المصاريف القضائية والتعويض والغرامة أو يثبت إعفاءه منها وإذا لم يثبت ذلك فعليا أن يثبت أنه قضى مدة الإكراه البدني أو أن الطرف المتضرر تخلى عن هذه الوسيلة.[30]

ثالثا : تنفيذ حكم التعويض بالإكراه البدني

تجنب المشرع إعطاء تعريف قانوني قائم وواضح المعالم لماهية الإكراه البدني، وهذا الراجع في حد ذاته لمجموعة من الاعتبارات الموضوعية والتقنية وعلى رأسها صعوبة إقرار تصور تعريفي شامل وموحد لمفهوم الإكراه البدني، يكون قادرا على الإحاطة الشاملة بماهية هذا المفهوم ومستعد لاستعاب المستجدات التي قد تطرأ في هذا المجال.

ولسد ثغرات هذا الواقع التشريعي تدخل التنظير الفقهي والعمل القضائي بكل ثقله لمحاولة الإحاطة بمفهوم الإكراه البدني، نأخذ منها تعريف الأستاذ بنباصر يوسف بأنه ” هو آلية قانونية وتقنية تشريعية للتنفيذ الجبري تسلط على المدين غير المعسر المتماطل أو الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بأداء دين محدد في مقداره… “[31]

ونظم المشرع المغربي الإكراه البدني في الفصول من 633 إلى 647 من ق م ج، إلى أم ما يطرح إشكال هو أن المغرب صادق على اتفاقية نيويورك الدولية لسنة 1966 خاصة الفصل 11 منها والتي تنص على أنه لا يجوز حبس شخص من أجل دين، هنا تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي[32] المغربي كان لا يعير اهتمام لهذه الاتفاقية وكان يطبق الإكراه البدني الوارد في القوانين الداخلية، حيث جاء في قرارات محكمة النقض المجلس الأعلى سابقا. ” … حيث تعين الطالبة على القرار بالتطبيق الخاطئ للقانون وخرق القانون الداخلي ذلك أن الفصل 11 من الاتفاقية الدولية المؤرخة في 16 / 12 / 66 تنص على أنه لا يجوز حبس شخص من أجل دين مترتب عن التزام تعاقدي والمغرب مصادق على هذه المعاهدة مما يجعل أن طلب تحديد الإكراه البدني لم يعد مشروعا مع الإشارة إلى أن التشريع الدولي يرجع على التشريع الداخل، لكن حيث إن ظهير 20 / 02 / 61 الذي ينظم الإكراه البدني لا زال ساري المفعول ولم يصدر أي قانون يأمر بإلغائه والمحكمة ملزمة بتطبيق القانون وليس من اختصاصها تعديل أو إلغائه، وعليه فإن ما قضت به المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه فإنه مرتكز على أساس قانوني وكانت الوسيلة غير جديرة بالاعتبار…”[33]

كان هذا التوجه السائد إلا أنه بعد دسترة مسألة سمو المواثيق الدولية على القانون الداخلي أصبح هناك بعض التدبدب في العمل القضائي بحيث هناك من القضاة من يأخذ به والبعض الآخر ما دام المشرع لم يحسم فيه بنص خاص يزيح اللبس والتدبدب.
ومنه نقول بضرورة تدخل المشرع في حسم هذه المسألة وذاك مع الإبقاء على نظام الإكراه البدني وذلك لما فيه من ضمانات تكفل للضحية حقه في التعويض.

خاتمة.

ورغم ما تم تخويله للضحية من حقوق للحصول على تعويض لتغطية ما أمكن من الضرر الحاصل له من جراء الجريمة. فإن ذلك لا يضمن له استيفاء التعويض المحكوم به رغم الجهد الجهيد الذي يبذله تحقيقا لمبتغاه، لذا نشأ اتجاه حديث يرمي إلى الإقرار للمجني عليه بالحق في اقتضاء التعويض من الدولة في حالة فشله في الحصول على تعويض مناسب من المحكوم عليه.[34]

 

(محاماه نت)

إغلاق