دراسات قانونية
عقد الترخيص باستخدام العلامة التجارية وما يشتبه به من تصرفات قانونية اخرى (بحث قانوني)
يتميز عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية عن بعض التصرفات القانونية التي قد يشتبه بها، وهذه التصرفات قد تأخذ شكل العقود التجارية الدولية ، او تكون مجرد تصرفات واردة على العلامة التجارية ، لذلك سنقسم هذا الموضوع على مطلبين ، الأول لتمييز عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية عن بعض العقود التجارية الدولية ، والثاني سنخصصه لتمييزه عن بعض التصرفات الواردة على العلامة التجارية .
المطلب الأول : تمييزه عن بعض العقود التجارية الدولية :
يشترك عقد الترخيص باستعمال العلامة في بعض جوانبه القانونية مع بعض العقود التجارية الدولية ، والذي قد يؤدي الى حصول اللبس بينه وبين هذه العقود، وأهمها عقود نقل التكنولوجيا وعقد الامتياز التجاري (الفرنشايز)، ولغرض تسليط الضوء على هذا الموضوع سنقسم هذا المطلب على مقصدين، الأول لتمييزه عن عقود نقل التكنولوجيا، والثاني لتمييزه عن عقد الامتياز التجاري(الفرنشايز) وكالاتي :
المقصد الأول : تمييزه عن عقود نقل التكنولوجيا (1)
تتنوع صور العقود التي تهدف الى نقل التكنولوجيا ، ذلك انه لا يوجد عقد بذاته يمكن ان يطلق عليه انه وحده عقد نقل التكنولوجيا، وإنما يعد كذلك كل عقد يغطي عمليات معينة، ويتضمن التزامات تؤدي الى نقل التكنولوجيا، وهذا ما اتفق عليه غالبية الكتاب و الفقه المقارن(2). ويراد بنقل التكنولوجيا، كل اتفاق مكتوب يتعهد بموجبه مورد التكنولوجيا بان ينقل بمقابل الى مستورد التكنولوجيا خلال مدة معينة، معلومات فنية جديدة او غير مستخدمة من قبل مشاريع محلية أخرى لاستخدامها في طريقة فنية خاصة لإنتاج سلعة معينة او تطويرها او تركيب او تشغيل الآلات والأجهزة او لتقديم الخدمات، ولا يُعد نقلاً للتكنولوجيا مجرد بيع او شراء او تأجير او استئجار السلع ، ولا بيع العلامات والأسماء التجارية او الترخيص باستعمالها إلا إذا ورد ذلك كجزء من عقود نقل التكنولوجيا ، او كان مرتبطاً بها(3) . ويجب التمييز بين نوعين مختلفين لعقود نقل التكنولوجيا، الأول : النقل الداخلي للتكنولوجيا والذي يتم داخل المشروع الواحد، كالنقل داخل المشروع متعدد القوميات من الشركة الأم الى شركاتها الوليدة المنتشرة في أماكن متفرقة من العالم ، ويسمى كذلك لأنه لا يتضمن نقلاً حقيقيا للتكنولوجيا ،بل تظل الأخيرة في قبضة المشروع الناقل وسيطرته ، أما الثاني فهو النقل الخارجي للتكنولوجيا وهو الذي يتم بين المشروع الناقل ومشروعٍ آخر مستقل عنه ، وتشكل عقود الترخيص الصناعي الأداة الرئيسية لهذا النوع من عقود نقل التكنولوجيا(4) . وجوهر عقود نقل التكنولوجيا هو ليس العناصر المادية التي قد تشملها هذه العقود، بل هو العنصر المعنوي الذي يتمثل بحقوق الاختراع والمعارف الفنية (know How) وغيرها(5). في الواقع تجسد المعارف الفنية (know How ) المحل الرئيس لهذه العقود ، وتتمثل المعرفة الفنية بالأساليب والطرق الصناعية والمعارف والخبرات المرتبطة بها، لان المعرفة الفنية لا تنتقل من المورد الى المتلقي بمجرد إتباع إرشادات مكتوبة ، وإنما تنتقل من خلال أسلوب الشخص الخبير وتطبيقه لهذه الإرشادات ، فالمعرفة الفنية تتحلل الى عنصرين هما (المعرفة know ) و(الخبرة (How (6). من كل ما تقدم يتبين لنا ان هنالك أوجه شبه واختلاف بين عقود نقل التكنولوجيا وبين عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية ، فأوجه الشبه تتمثل بأن كِلا العقدين يردان على أموالٍ منقولة معنوية(7) ، وكذلك ان كلاً من عقود نقل التكنولوجيا وعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية هما من عقود الاعتبار الشخصي(8) ، ومن العقود المستمرة التنفيذ والتي يلعب الزمن دوراً مهماً في تنفيذها(9) وكذلك كلاهما يردان على منفعة الشيء لا على ملكيته ، فعقود نقل التكنولوجيا لا تؤدي الى نقل ملكية التكنولوجيا الى المتلقي وإنما تمكنه من الانتفاع بها(10)، ويشتركان في الرقابة والإشراف التي يمارسها الطرف المورد او المرخص على الطرف المتلقي او المرخص له (11) ، فضلاً عن ذلك فان كلا العقدين يتم إبرامهما بين شركات أو مشروعات مستقلة مالياً وإدارياً وقانونياً (12). وبالرغم من أوجه الشبه فيما بين العقدين ، إلا إن هنالك بعض المسائل الجوهرية التي يختلفان فيها، فبينما ينصب عقد الترخيص باستعمال العلامة على العلامات التجارية فقط دون غيرها من عناصر الملكية الفكرية ،تنصب عقود نقل التكنولوجيا على نقل معلومات فنية لاستعمالها في إنتاج السلع او في تطبيق طريقة فنية في الإنتاج او في تقديم الخدمات ،فعقود نقل التكنولوجيا تتضمن الترخيص باستغلال حقوق المعرفة الفنية (know How ) فضلاً عن حقوق الملكية الصناعية كبراءات الاختراع والنماذج الصناعية والعلامات التجارية ، وقد تنصب هذه العقود أيضاً على توريد وتشغيل الأجهزة والآلات اللازمة للإنتاج ،وكما هو الحال في عقود تسليم المفتاح(13) .
وهذا الاختلاف في المحل الذي ينصب عليه العقد ، يستتبع اختلافاً في الآثار المترتبة على كل عقد منهما ،فبالرغم من اشتراكهما في الطابع الايجابي لالتزامات الطرف المورد او المرخص، إلا إنهما يختلفان في مضمون هذه الالتزامات (14)، كذلك يختلفان في انعقاد كل منهما ، فبينما ينعقد عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية بالتراضي بين طرفيه، تتطلب عقود نقل التكنولوجيا إضافة لذلك استيفاء شكلية معينة تتمثل بالكتابة ، والتي يترتب على انعدامها بطلان العقد (15) . فضلاً عن ذلك يختلف كلا العقدين في الغاية او الهدف المراد تحقيقه منهما ، فبينما تهدف عقود نقل التكنولوجيا الى قطع مسافة التخلف التكنولوجي والصناعي من خلال استيعاب ما وصلت إليه التكنولوجيا في الدول المتقدمة ، ليترتب على ذلك حتماً ازدياد التطور الاقتصادي وازدياد الدخل القومي وارتفاع مستوى المعيشة لدى الدول النامية المستوردة للتكنولوجيا(16) ، فان عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية يهدف الى زيادة الثقة في جودة البضائع والخدمات التي يقدمها المرخص له من خلال وضعه للعلامة التجارية المملوكة للمرخص والتي رخص له باستعمالها على بضائع او خدمات تحمل الجودة ذاتها التي تحملها منتجات المرخص(17). يتضح لنا من ذلك ان عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية لا يمكن جعلهُ لوحدهِ عقداً من عقود نقل التكنولوجيا للخصوصية التي تتميز بها هذه العقود من حيث المحل الذي ترد عليه ومضمون الالتزامات التي تترتب على عاتق أطرافها ، فضلاً عن كونها عقوداً شكلية مركبة من أكثر من عقدٍ واحد(18) . وحسناً فعل المشرع المصري في قانون التجارة رقم 17/لسنة 1999 عندما أشار في م (73) منه الى عدم جعل عقود الترخيص باستعمال العلامة التجارية من قبيل عقود نقل التكنولوجيا ، إلا إذا كان عقد الترخيص جزءً من عملية نقل التكنولوجيا ، والهدف من ذلك على رأي بعض الفقهاء هو منع أي تحايل على أحكام القانون ، من خلال إدراج الشروط التقييدية المحرمة في عقود نقل التكنولوجيا ، في عقود الترخيص باستعمال العلامة التجارية(19).
المقصد الثاني : تميزه عن عقد الامتياز التجاري (الفرنشايز)
الفرنشايز او (الامتياز التجاري ) نشاط جديد ، ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنذ مدة لا تزيد عن الربع قرن وانتشر منها الى العالم ، وهو يعني إقدام شخص او مؤسسة على تطوير نشاطها التجاري او الصناعي و إطلاقه بشكل مزدهر، بعد إتباع أساليب ووسائل وطرق سرية جديدة وعلامات تجارية تكون الباعث في تقدم هذا النشاط ، ومن ابرز الأمثلة على الامتياز التجاري: سلسلة مطاعم الماكدونالد والبيتزاهات و الهوليداي إن وغيرها (20) . وعرف الامتياز التجاري او الفرنشايز بأنه علاقة عقدية بين طرفين يتضمن حق احدهما وهو المتلقي، باستعمال مجموعة من حقوق الملكية الصناعية والتجارية والمعرفة الفنية ، والتي توصل إليها المانح و أثبتت نجاحها في مشروعه ،واستغلال كل ذلك في إنتاج او توزيع السلع او تقديم الخدمات، في مقابل اجرٍ يتفق عليه الطرفان مع تعهدهما بالتعاون المستمر فيما بينهما للحفاظ على مستوى الجودة العام لنشاطهما (21). ويستند عقد الامتياز (الفرنشايز) بشكل أساس على مقومات غير مادية تدخل في إطار الملكية الفكرية أو في إطار الأسرار الواجب حمايتها (المعرفة الفنية ) كونها تشكل العصب الرئيس لهذا النشاط (22) . وبذلك يمكن القول ان عقد الامتياز يرتكز على مجموعتين من العناصر :-
الأولى :- هي حقوق الملكية الصناعية والتجارية (العلامات التجارية والاسم التجاري والرسوم والنماذج الصناعية ) ، وهذه الحقوق مملوكة للمانح إلا انه يعطي المتلقي الحق في استعمالها شريطة ان تكون العلامة التجارية من بينها ، لأنها تشكل عنصراً جوهرياً في عقد الامتياز التجاري (23)
الثانية :- المعرفة الفنية والتي تتمثل بالأساليب والطرق والوسائل الناتجة عن خبرة وتجربة صاحب الامتياز، والتي كانت سبباً في نجاحه وازدهاره ، وهي سرية وجوهرية ومحددة (24) . يتضح لنا من ذلك ان هنالك بعض أوجه التقارب بين عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية وعقد الامتياز، إلا انه وبالرغم من هذا التقارب فيما بينهما ، إلا ان عقد الامتياز التجاري (الفرنشايز ) يكون أكثر تعقيداً من عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية من جهة مشتملاته ، فهو يتضمن منح الترخيص باستعمال العلامة التجارية مع منح التراخيص باستعمال حقوق أخرى من حقوق الملكية الفكرية ، هذا يعني ان الترخيص في عقد الامتياز التجاري يمتد ليشمل الاسم التجاري والنماذج الصناعية والمعرفة الفنية وغير ذلك ، فعقد الامتياز فضلاً عن طرق التصنيع يغطي طريقة البيع وخطط التوزيع والتسويق، وباختصار فان عقد الامتياز يتضمن عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية فضلاً عن أمور أخرى مهمة كالمعرفة الفنية (know How )(25). وبذلك فإننا لا يمكن لنا القول بأي حال من الأحوال ان عقد الامتياز هو عقد ترخيص تجاري ، وذلك لان هذا القول سيؤدي الى اللبس والخلط مع عقود أخرى ، وهي عقود الترخيص البسيطة سواء أكانت ترخيصاً باستعمال العلامة التجارية أم ترخيصاً بالمعرفة الفنية ، صحيح ان عقد الامتياز التجاري (الفرنشايز) يتحلل في نهاية المطاف الى عقود الترخيص البسيطة هذه مجتمعة ، بيد ان اخذ كل عقد منها بصورة مستقلة ، لا يشكل في النهاية عقد الامتياز التجاري ، لان تفكيك عقد الامتياز إلى مجموعة من عقود الترخيص لا يعني ان هذه العقود مستقلة ستكون عقد امتياز تجاري(26) .
من كل ما تقدم يتضح لنا ان عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية لا يمكن جعله ولوحده عقداً للامتياز التجاري (الفرنشايز) لان الأخير يتضمن فضلاً عن الترخيص باستعمال العلامة التجارية ، تراخيص باستعمال حقوق أخرى من حقوق الملكية الفكرية ، ناهيك عن استخدام المعرفة الفنية (know How) والتي تشكل العمود الفقري لِعقد الامتياز التجاري ، خلافاً لعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية الذي لا يتضمن مثلَ هذه المعرفة .
المطلب الثاني : تمييزه عن بعض التصرفات الواردة على العلامة التجارية :
لما كانت العلامة التجارية تمثل قيمة مالية في الجانب الايجابي من ذمة مالكها ، فإن الأخير له الحق باستعمالها بنفسه او استغلالها من خلال الترخيص للغير بهذا الاستعمال ، وكذلك له الحق بالاستفادة من قيمتها المالية من خلال التنازل عن ملكيتها للغير او تقديمها حصة في شركة معينة، فضلاً عن ذلك يجوز له رهنها والاقتراض بضمانها ، و تدخل العلامة التجارية في الضمان العام لدائني صاحبها ، فيجوز لهم ان يحجزوا عليها ليستوفوا حقوقهم من ثمنها . يتضح من ذلك ان عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية الذي يبرمه المالك، هو ليس التصرف الوحيد الذي يردُ على هذه العلامة ،بل هنالك تصرفات أخرى ممكن ان تكون العلامة التجارية محلاً لها ، وهذه التصرفات هي التنازل عن ملكيتها للغير ، او رهنها والاقتراض بضمانها او الحجز عليها من قبل دائني مالكها ، ولذلك ولتفادي حصول أي خلطٍ بين هذه التصرفات وعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية ، سنسلط الضوء في هذا المطلب على تمييزه عن هذه التصرفات ،وذلك في ثلاثة مقاصد:-
الأول ، لتميزه عن التنازل عن العلامة التجارية ، والثاني لتميزه عن رهن العلامة التجارية والأخير سيكون لتميزه عن حجز العلامة التجارية وكالاتي :-
المقصد الأول : تميزه عن التنازل عن العلامة التجارية
التنازل عن العلامة التجارية هو عقد بموجبه يتنازل مالك العلامة التجارية عن حقوق ملكيته المعترف له بها على تلك العلامة (27). فالتنازل عن العلامة التجارية يعني نقل ملكيتها الى الغير ، سواء تم هذا التنازل بعوض او بدون عوض، فان كان بدون عوض ، فإننا سنكون أمام هبةٍ للعلامة التجارية يجب ان نتبع فيها أحكام الهبة الواردة في القانون المدني (28) . ولكن في الغالب يكون التنازل عن العلامة التجارية بـِعوض ، ويُعد في هذه الحالة بيعاً لهذه العلامة التجارية ويخضع للقواعد العامة في عقد البيع (29) .وقد حصل تطورٌ ملحوظ في التشريعات المقارنة بخصوص موضوع التنازل عن العلامة التجارية حيث أجازت هذه التشريعات ومعها قانون العلامات التجارية العراقي المعدل (30) التنازل عن العلامة التجارية سواء أ كان هذا التنازل قد حصل مع المحل التجاري او مشروع الاستغلال أم بمعزلٍ عنهما ، بعد ان كانت هذه التشريعات لا تجيز مثل هذا التصرف إلا مع المحل التجاري او مشروع الاستغلال ، كون العلامة التجارية تابعة لهما ، معللة ذلك بحماية الجمهور من التضليل واللبس ، إذ لو جاز التصرف في العلامة التجارية وحدها منفصلة عن المحل او مشروع الاستغلال واستخدمت في تميز منتجات محل او مشروع تجاري آخر، قد يستمر الجمهور في اعتقاده بأن المنتجات التي تحمل هذه العلامة هي نفس منتجات المحل او مشروع الاستغلال الأول ( المتنازل )(31). وقد يحصل التنازل عن العلامة التجارية من خلال قيام المالك بشطب علامته بحيث تصبح مالاً مباحاً للجميع ، وذلك بالاتفاق مع المتنازل إليه ، حيث يقوم الأخير وعلى الفور بطلب تسجيلها باسمه ، وهو ما يطلق عليه بـ (التصرف بالعلامة التجارية على بياض ) ، وكان يتم اللجوء إليه في السابق عندما كانت التشريعات تمنع التصرف بالعلامة التجارية بمعزل عن المحل التجاري (32) . فضلاً عن ذلك فإن التنازل عن العلامة التجارية قد يتم من خلال تقديمها كحصة عينية في شركة، فإذا كان تقديم العلامة على سبيل التملك ، سرت على هذا التنازل أحكام عقد البيع ، وتصبح العلامة التجارية ملكاً لهذه الشركة ، ولا يتم إرجاعها للمالك بعد انتهاء هذه الشركة او الحكم ببطلانها إلا إذا اتفق صراحة على ذلك ، أما إذا قدمت على سبيل الانتفاع فقط ، وليس على سبيل التملك فتسري أحكام الترخيص بالاستعمال، أي يصبح للشركة حق استعمال هذه العلامة التجارية مع احتفاظ المالك بملكيتها (33) . والتنازل عن العلامة التجارية بكافة صوره سالفة الذكر ينعقد صحيحاً بتراضي أطرافه دون الحاجة الى استيفاء شكلية معينة ، إلا انه لا يكون نافذاً في مواجهة الغير إلا بعد تسجيل هذا التنازل في السجل المخصص لذلك بعد ذكر اسم المالك الجديد وسبب نقل الملكية ، والإعلان عنه في جريدة العلامات التجارية (34) ، إلا ان المشرع العراقي وفي قانون العلامات التجارية رقم (21) لسنة 1957 المعدل ، لم يشترط التسجيل والإعلان لنفاذ التصرفات الواردة على العلامات التجارية بحق الغير، وذلك بعد ان أشار في المادة (2،18) المستحدثة بموجب التعديل رقم ( 80 ) لسنة 2004 الى انه: ( لا يشترط لإثبات قانونية العلامة او للتمسك بالحق فيها تجاه الغير قيد التحويل او الترخيص باستعمال العلامة للمحول له او المرخص له ) ، وقد تأكد موقف المشرع العراقي هذا ،عندما عَلق العمل بالمادة (19) من القانون نفسه والتي كانت تشترط التسجيل والإعلان لنفاذ التصرف بالعلامة التجارية بحق الغير ، وهذا اتجاه غير سليم لأنه يؤدي الى التضليل واللبس لدى جمهور المستهلكين ، فضلاً عن الإضرار بحقوق الغير الذين يكون لهم حقوق على هذه العلامة التجارية ، وذلك لعدم علمهم بالتصرفات الواردة عليها . وقد منع قانون الملكية الفكرية الفرنسي تحديد الحدود الجغرافية لاستعمال العلامة المتنازل عن ملكيتها (35) ، لان مثل هذا الشرط يعد تعسفاً في استعمال الحق من وجهة نظر القضاء الفرنسي (36) . ويترتب على التنازل عن العلامة التجارية بكافة صوره السابقة ، نقل ملكية هذه العلامة من الطرف المتنازِل الى الطرف المتنازل إليه ، فيكون للأخير حقٌ عيني قابلاً للاحتجاج به على الكافة ، وهو حق ملكية العلامة التجارية محل التنازل ، والذي يمكنه من احتكار استعمالها دون غيره في تميز المنتجات والسلع المقرر وضعها عليها ، وكذلك يحق له منع الغير بما فيهم الطرف المتنازل ذاته من استيراد او استخدام او بيع او توزيع المنتجات التي تحمل هذه العلامة ، فضلاً عن ذلك يكون له الحق بالتنازل عن ملكيتها مرة ثانية، او ان يقرر حق رهن عليها او يمنح للغير ترخيصاً باستعمالها ، كما يصبح صاحب الحق الوحيد في مقاضاة الغير بسبب التعدي على هذه العلامة ، ما لم يتفق على خلاف ذلك (37) . يتضح مما تقدم ان التنازل عن العلامة التجارية يشتبه مع عقد الترخيص باستعمال العلامة في بعض الجوانب القانونية ، سيّما في حالة الترخيص الاستئثاري ، إذ يتجرد المالك من حقه في استعمال علامته التجارية داخل الإقليم ألاستئثاري مما يجعله يشتبه بالتنازل عن العلامة وهذا الأمر سيثير اللبس لدى الغير إذ يجعلهم يعتقدون بان الطرف المرخص ربما يكون قد تنازل عن علامته التجارية للطرف المرخص له، ومعيار تمييز التصرف كونه تنازلاً عن العلامة او مجرد ترخيص للغير باستعمالها، هو الآثار القانونية المترتبة على العقد وليس اللغة المستخدمة في صياغة هذا العقد(38) . وبذلك فانه وبالرغم من أوجه الشبه بين عقد التنازل عن العلامة التجارية وعقد الترخيص باستعمالها ، إلا انه هنالك مجموعة من الفروق الجوهرية في مابين هذين العقدين وهي :
ان التنازل عن العلامة التجارية يخول الطرف المتنازل إليه حق الملكية ، ومعنى ذلك ان الطرف المتنازل إليه يكون له حقاً عينياً على العلامة التجارية محل التنازل ، فيستطيع بمقتضاه التصرف بهذه العلامة بالبيع او بالهبة ، كما يمكن له ان يمنح الغير ترخيصاً باستعمالها ، خلافاً لعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية، الذي لا يخول الطرف المرخص له إلا حق الاستعمال فقط ، وبالتالي فلا يستطيع ان يتصرف بهذه العلامة ، لأنه لا يكون إلا صاحب حق شخصي على هذه العلامة والذي يخوله حق استعمالها شخصياً(39).
لما كان الطرف المتنازل إليه صاحب حق عيني على العلامة التجارية فانه يستطيع ان يتصرف بحقه هذا كافة أنواع التصرفات ، كما يكون هذا الحق قابلاً للانتقال للغير عن طريق الميراث او الوصية ، خلافا لحق الطرف المرخص له الذي يكون مجرد حق شخصي بالاستعمال فقط ، فلا يجوز ان يتنازل عن حقه هذا للغير لان شخصيته تكون محل اعتبار ، وكذلك لا ينتقل هذا الحق الى ورثته او الموصى له ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك(40) .
للمتنازل إليه الحق في إقامة الدعاوى الخاصة بحماية حقه في الملكية ، أي ان الطرف المتنازل إليه يبقى صاحب الحق الوحيد في إقامة هذه الدعاوى ضد أي اعتداء على العلامة التجارية ، خلافاً لعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية الذي يبقى فيه الطرف المرخص صاحب الحق ألوحيد في إقامة مثل هذه الدعاوى ، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك (41) .
المقصد الثاني : تميزه عن رهن العلامة التجارية
قد يلجأ التاجر ونتيجة لاعتبارات الائتمان التجاري الى رهن علامته التجارية للاقتراض بضمانها ، سواء تم ذلك الرهن مع المحل التجاري او بصورة مستقلة عنه، فالجهة مانحة القرض او الضمان تسعى جاهدةً الى ضمان سداد التاجر لهذا القرض ، وفي سبيل ضمان مستحقاتها تسعى للحصول على ضمانات تؤمن لها هذا السداد ، ومن هذه الضمانات إيقاع الرهن على العلامة التجارية المملوكة للراهن ، سيّما وان معظم التشريعات المقارنة ومعها التشريع العراقي قد أجازت هذا التصرف الذي تكون العلامة التجارية محلاً له (42) . وبحسب علمنا فانه لا يوجد تنظيم تشريعي خاص برهن العلامات التجارية ، لذلك ولكون الأخيرة عنصراً معنويا مهماً من عناصر المحل التجاري ، فإننا سنطبق القواعد الخاصة برهن المحل التجاري على رهن ألعلامات التجارية ، سيّما وان بعض التشريعات المقارنة قد أفردت تنظيماً تشريعياً خاصاً برهن المحل التجاري (43) . ويُعد رهن المحل التجاري رهناً ذا طبيعةٍ خاصة ، إذ لا يمكن خضوعه لبعض القواعد العامة المنظمة لرهن المنقولات على اعتبار ان المحل التجاري مالٌ منقول سواء أكان ذلك في القانون التجاري أم المدني ، سيّما تلك القواعد المتعلقة بنقل حيازة الشيء المرهون الى الدائن المرتهن أو الى الغير(44) ، لان تطبيق هذه القواعد على رهن المحل التجاري أو العلامة التجارية يعني فوات الفرصة من هذا الرهن، لان الطرف الراهن سوف يُحرم من استغلال وإدارة محله التجاري أو علامته التجارية ، لذلك أجازت بعض التشريعات وخروجاً عن الأصل العام أن يكون للراهن الحق في الاحتفاظ بحيازة مَحلهُ التجاري أو علامته التجارية المرهونة، كي يستطيع ممارسة نشاطه التجاري بالرغم من وجود الرهن(45) ، ومن هذه التشريعات هو التشريع اللبناني الذي أشار وفي المادة(22) من قانون رقم(11)لسنة 1967 الخاص بالمؤسسة التجارية ، الى أن المؤسسة التجارية من الممكن رهنها دون نقل حيازتها الى الدائن المرتهن ، وكذلك الحال بالنسبة للمشرع المصري الذي أشار الى الحكم ذاته في قانون رقم (11) لسنة 1940الخاص برهن المحل التجاري او المصنع ،وذلك في المواد (24،18،13).
وعليه فان مالك العلامة التجارية يبقى متمتعا بحيازة علامته بالرغم من هذا الرهن ، لذلك فهو يستطيع استعمالها والتصرف بها بكافة أنواع التصرفات ، وفي هذا الجانب يقترب رهن العلامة التجارية من عقد الترخيص باستعمالها ، ففي كلا العقدين لا يحرم المالك من سلطاته على علامته التجارية (المرهونة او المرخص باستعمالها)، بالرغم من ترتب حقوق للغير عليها ورهن العلامة التجارية هو من العقود الرضائية التي لا يشترط لصحتها استيفاء شكلية معينة(46) ، وان كانت كتابة هذا العقد شرطاً ضرورياً لمثل هذا التصرف ، حيث لا يمكن الاحتجاج بالرهن اتجاه الغير إلا إذا سجل في السجل المخصص لذلك وأعلن في جريدة العلامات التجارية ، أي ان رهن العلامة التجارية لا يكون نافذاً اتجاه الغير إلا بعد إجراء عملية التسجيل والإعلان(47)، وبذلك فهو يشترك مع عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية في هذه الصفة . وبعد هذا العرض الموجز عن رهن العلامة التجارية يتبين لنا ان هنالك بعض أوجه التشابه بينه وبين عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية ، والتي اشرنا إليها فيما سبق، إلا انه وبالرغم من هذا التشابه فإن هنالك فوارق جوهرية فيما بينهما، تتمثل ابتدءاً باختلاف طبيعة كل منهما ، فرهن العلامة التجارية هو تصرف قانوني يجريه مالك ألعلامة لضمان تسديد قرض او ألوفاء بالتزام أصلي ، وبالتالي يدور وجوداً وعدماً مع ذلك الالتزام ، فهو ليس عقداً مستقلاً بذاته بل تابع لالتزام أصلي ، إذ يبرمه مالك العلامة ضماناً وتأميناً لحقوق الدائن المرتهن ، نتيجة لوجود علاقة مديونية سابقة فيما بينهما فيأتي رهن العلامة لضمان قيام المدين ( الراهن ) بالوفاء بها ، خلافاً لعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية الذي يُعد اتفاقاً مستقلاً بذاته بموجبه يسمح مالك العلامة التجارية باستعمال علامته لمدة معينة وفي نطاق محدد ، وبالتالي فهو ليس نوعاً من التأمينات كما هو الحال في عقد رهن العلامة التجارية (48) ، كذلك يختلف عقد رهن العلامة التجارية عن عقد الترخيص باستعمالها من حيث نوع الحق الذي ينشئه كل عقد منهما ، فبينما ينشئ رهن العلامة التجارية حقاً عينياً للدائن المرتهن ، يخوله مزايا الحقوق ألعينية سيّما التقدم والتتبع ، لا يكون للطرف المرخص له في عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية إلا حقا شخصياً يخوله استعمال هذه العلامة وفقا للشروط المذكورة في العقد (49) .
المقصد الثالث : تميزها عن حجز العلامة التجارية
تمثل العلامة التجارية قيمة مالية هامة في ذمة صاحبها(50) ، لذلك فهي تُعد جزءً من الضمان العام لجميع دائنيه ، فيجوز لهم ان يستصدروا حكماً بالحجز عليها لاستيفاء حقوقهم من ثمنها(51) وقد أجازت التشريعات المقارنة ومعها قانون العلامات التجارية العراقي ان تكون العلامة التجارية محلاً للحجز من دائني مالكها ، سواء أتم حجزها مع المحل التجاري أم بصورة مستقلة عنه(52) . وحجز العلامة التجارية يتم وفقاً لما هو مقرر في قانون المرافعات المدنية سيّما القواعد الخاصة بحجز الأموال المنقولة بين يدي المدين او حجز ما للمدين من أموال لدى الغير(53). والحجز الاعتيادي على العلامة التجارية يُعد تدبيراً مؤقتاً يهدف الى التحفظ على أموال المدين بهدف حفظها وعدم إنقاص قيمتها ، حمايةً لحقوق الدائن او الدائنين الحاجزين(54) . وبعد ان تقرر المحكمة الحجز على العلامة التجارية بناءاً على الطلب المقدم من الدائن او الدائنين الحاجزين ، فأنها تقوم بتنفيذه وتبليغ المحجوز عليه والشخص الثالث المحجوز تحت يده إن وجد(55) . فضلاً عن ذلك لابد من تسجل الحجز في السجل المخصص لذلك ، وهذا السجل يسمى بسجل العلامات التجارية ، (والذي يمسك في العراق من قبل وزارة الصناعة، وفي مصر تتولى مسكه مصلحة التسجيل العقاري، وفي لبنان يمسك من مصلحة حماية الملكية الفكرية ، اما في فرنسا فيتولى مسكه المعهد الوطني للملكية الصناعية ) ، مع ذكر اسم الدائن الذي تم الحجز لمصلحته ، من ثم يتم الإعلان عن الحجز من خلال نشره في جريدة العلامات التجارية(56) . وبالرغم من حجز العلامة التجارية فان صاحب العلامة ( المحجوز عليها ) يبقى مالكاً لها ، لان الحجز أياً كان نوعه لا يؤدي الى إخراج هذه الأموال المحجوزة من ملكية المدين المحجوز عليه ، ولا يؤدي مباشرةً الى بيع تلك الأموال ، وبالتالي فان الحجز لا يُرتب حقاً عينياً للدائن الحاجز على الأموال المحجوزة ( العلامة التجارية ) وإنما الهدف من الحجز هو التحفظ على هذه الأموال تمهيداً لاستيفاء الدائن الحاجز حقه من ثمنها بعد بيعها(57) ، فما دامت العلامة التجارية المحجوزة أموالاً منقولةً ( معنوية) يتم تسجيل ونشر المعاملات الجارية عليها في الدوائر الرسمية، فان المحجوز عليه يستطيع ان يتصرف بها أو يرتب عليها أي حقوقٍ أخرى ، على ان يتحمل المالك الجديد او مكتسب الحق نتائج هذا الحجز، لأنه قد إطلعَ على قرار الحجز وقَبلَ بإجراء التصرف لمصلحته رغم وجود هذا القرار ، وتبعاً لذلك فإنه يتحمل نتائج قرار الحجز(58) ، وبذلك يشترك حجز العلامة التجارية مع عقد الترخيص باستعمالها لان المالك وبالرغم من الحجز او الترخيص يبقى محتفظا بحقوقه وسلطاته عليها . يتضح لنا من ذلك انه وان كان هناك بعض أوجه الشبه بين حجز العلامة التجارية والترخيص باستعمالها والتي أشرنا إليها فيما سبق ، إلا ان هنالك بعض أوجه الاختلاف التي تبيّن وبجلاء الفرق بينه وبين عقد الترخيص بالاستعمال ، فحجز العلامة التجارية لا يخرج عن كونه إجراءاً وقائياً أو تحفظياً مؤقتا ً يلجأ إليه ألدائن عند الضرورة للحفاظ على ضمانه العام بواسطة استصدار أمر من المحكمة المختصة بذلك، فضلاً عن كونه إجراءاً تحضيرياً أو تمهيدياً لبيع العلامة التجارية بعد التنفيذ عليها في المزاد العلني(59) ، في حين ان عقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية اتفاق بين طرفين (المرخص والمرخص له ) موضوعه السماح للأخير باستعمال العلامة التجارية المملوكة للمرخص وفقاً للشروط المتفق عليها في العقد ، فضلاً عن ذلك فان حجز العلامة التجارية هو عبارة عن إجراء من طرفٍ واحد هو الدائن ( الحاجز ) ، والذي يتم جبراً على المدين (مالك العلامة التجارية ) وبدون أرادته ، خلافاً لعقد الترخيص باستعمال العلامة التجارية الذي يُعد اتفاقاً رضائياً بين طرفين لترتيب آثار معينة ، فالتراضي ركنٌ أساس لانعقاد هذا العقد(60) .
(محاماه نت)