دراسات قانونية
الفصل التأديبي للأجير – المغرب (بحث قانوني)
مقدمة:
مقال حول موضوع :
مسطرة الفصل التأديبي للأجير بين القانون المغربي و المقارن
من إعداد الباحث: محمد أنور مسعود
مقدمة:
يعتبر قانون الشغل أهم قانون يحمي مصالح الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل، لذا فقانون الشغل هو مجموعة من القواعد القانونية التي تكون قائمة بين المشغلين والأجراء الذين يشتغلون تحت إشرافهم ورقابتهم مقابل أجر،لكن حينما يتعلق الامر بفصل الأجير عن عمله يتعلق الامر هنا إما لأسباب اقتصادية لا يمكن حلها إلا عبر مدة طويلة أو عندما يختل الأجير لشرط من شروط العمل التي اشترطها عليه مشغله أو تأخر أو تهاون في عمله أو لعدة أسباب أخرى، فيتعرض الأجير للطرد بشكل تعسفي من طرف مشغله.
ففي ظل التطورات التي عرفها الشغل و سيادة التكنولوجيا الصناعية وحلولها محل القوة اليدوية، فإن الحصول على منصب شغل أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا لا من حيت الخبرات المطلوبة في الأجير أو من حيت التنافسية الكبيرة حول كل منصب شغل من قبل أعداد كبيرة من العاطلين، أضف إلى ذلك التوجهات المتنامية لكبريات الشركات العالمية ولصغارها في تسريح أعداد كبيرة من العمال في إطار مساعيها لإعادة الهيكلة المنبنية على التقليص من النفقات لأقصى حد ممكن لضمان نسب عالية من التنافسية و تحقيق الإستمرارية في جني الأرباح، ونظرا لخطورة هذه العقوبة التأدبية على الحياة المهنية للأجير فقد أحاطها المشرع المغربي بجملة من الضمانات طريقا إجرائيا واجب الإتباع لتوقيع عقوبة الفصل عن العمل سيكون دا وقع كبير على الأجير ويأخد الفصل الذي يتعرض له الاجير صورتين الصورة الأولى صورة الفصل التأديبي الذي يتخده المشغل في حق الأجير المرتكب لخطأ جسيم و الصورة التانية الفصل التعسفي الذي يقوم فيه المشغل بفصل الأجير حتى ولو لم يرتكب أي خطأ.
وعلى هذا الأساس لماذا يتعرض الأجير للفصل من العمل.؟ و ما طبيعة الخطأ المرتكب من طرف هذا الأخير الذي يجعله يفقد عمله من طرف مشغله.؟ وإلى أي حد توفق المشرع المغربي في بسط أجنحة الحماية للأجير عند تعرضه للفصل.؟
للإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة ارتأيت ان اتناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي:
المبحـث الأول: الأسباب المبررة للفصل التأديبي ومسطرته
المبحـث الثـاني: مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي
سأحاول من خلال هذين المبحثين بسط أهم القواعد و الإجراءات الواجب احترامها في حالة الفصل لارتكاب الأجير لخطإ جسيم، مع إلقاء نظرة مقارنة لأوجه مقاربة التشريعات المغاربية لمختلف نقاط الفصل التأديبي.
المبحت الأول: الأسباب المبررة للفصل التأديبي ومسطرته
من البديهي أن يتعرض الأجراء للفصل جراء أي خطأ من طرفهم ذاخل أورقة العمل كالسرقة و افشاء السر المهني و التحرش الجنسي… وهو ما يطلق عليه في قانون الشغل بالخطأ الجسيم (المطلب الأول) ، لكن المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما غل يد المشغل من اتخاذ قرار فصل الأجير عن العمل جراء ارتكابه لأي خطأ كان وهو ما تحتم عليه اتباع مسطرتين عامة (المطلب الثاني) وخاصة (المطلب التالث).
المطلب الاول: الخطا الجسيم كسبب أساسي لإقاع الفصل التأديبي في حق الأجير
جرت العادة على أن إذا أخل الأجير بواجباته المهنية بعدم أداء العمل المطلوب منه بكل عناية أو ارتكب فعلا يتعارض مع ما توجبه قواعد حسن النية أثناء تنفيذ التزاماته التعاقدية أو خالف مقتضيات النظام العام أو عارض أوامر مشغله أو أي شخص أخرله سلطة القيام بذلك أو منع الأجراء الأخرين من أداء عملهم مثلا كأن يقوم باحتجاجات ذاخل مقر العمل وخارجه، فإن ذلك يرتب مسؤولية تجاه مشغله ويسمح لهذا الأخير بأعمال سلطته التأدبية المبنية على نظرية التبعية القانونية التي ينتج مباشرة عن عقد الشغل، ومن أجل ضمان إستقرار علاقة الشغل وازدهارها عمل المشرع على تركيز الحرية المطلقة للمؤاجر ولم يتركهم يستعملوا هذه السلطة وقت ما شاءوا.
وتندرج أنواع العقوبات المخولة للمشغل إيقاعها على الأجير المخطأ تبعا لطبيعة وحجم الخطأ غير الجسيم المرتكب من طرف الأجير حسب ما نصت على ذلك المادة 37 و 38 من مدونة الشغل وفضلا عن هذه العقوبات التأديبية فإن المشغل له سلطة فصل الأجير فصلا تأديبيا في حال ارتكاب هذا الأخير لخطأ جسيم.
وقد ذهبت العديد من التشريعات إلى مساءلة الأجير عن خطأه وإذا كان ناتجا عن إهمال منه باعتباره ملزما ببذل ما يمكنه من تبصر وحيطته وهو ما نصت عليه المادة 58/1[1] من قانون العمل المصري الجديد وهو ما يأخذ به كذلك في ظل القانون اللبناني من خلال المادة 636 التي تقضي بأن الأجير لا يكون مسؤولا عن خطإه فقط بل يسأل عن إهماله وقلة تبصره وعدم حيطته[2].
أما في إطار التشريع المغربي فرغم انه لم يعطي تعريفا للخطأ الجسيم إلا أنه حدد بعض الحالات اعتبرها نماذج عن الأخطاء الجسيمة أوردها في المادة 39 من مدونة الشغل على سبيل المثال لا الحصر، وتنص الفقرة 12 منها:” إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح ….” وبقراءة الخطأ المنصوص في المادة 39 من مدونة الشغل خاصة الفقرة 12 منها ومقارنة بالأخطاء الجسيمة 14 التي نص عليها الفصل السادس من ظهير 48 نجد أن المشرع في المدونة قيد بعض الأخطاء التي كانت عامة ومنها الحكم الصادر عن المحاكم العادية، وحصر السبب في ارتكاب جنحة ماسة بالشرف و الأمانة و الأداب العامة على أن يصدر بشأنها حكم نهائي وسالب الحرية.
وما يلاحظ من جديد في مدونة الشغل أن المشرع ربط بعض الأفعال بالنتائج التي يمكن أن تترتب عنها في تكييف أخطاء على أنها جسيمة أي أنها ترتبط بالنتيجة التي أدت إليها ومدى خطورتها، بحيت مثلا يجب أن ينتج عن إفشاء السر المهني ضرر للمقاولة أو أن عدم مراعاة حفظ الصحة و السلامة أدى إلى خسارة وترتب عنه ضرر بتجهيزات ومعدات المؤسسة، وقد أضافت المدونة بعض الأخطاء التي اعتبرتها جسيمة كتعاطي مادة مخذرة و التحريض على الفساد، وهذا التوجه الجديد كذلك قد يطرح إشكالات على مستوى التطبيق إذ قد يحصل التحريض على الفساد من زميل للأجيرة وليس للمشغل الصفة في رفع الدعوة، ويمكن أن يكون التحريض على الفساد من أجير لمشغلته، إلا أن الأكثر شيوعا هو التحريض من قبل المشغل ضد الأجيرة نظرا لمركزه وسلطته،ففي حالة مغادرة الأجيرة للعمل بعد أن تبين تحريضها على الفساد يكون الفعل تعسفيا وموجبا للتعويض،إن الفصل التأديبي باعتباره فعلا مشروعا يفقد الأجير لكثير من حقوقه وامتيازاته، لذلك حرص المشرع على إحاطته بمجموعة من الضمانات، فأين تكمن هذه الضمانات؟ هذا ما سأتصدى له في (المطلب التاني).
المطلب التاني:المسطرة العامة للفصل التأديبي
شهدت مسطرة لفصل عن العمل العديد من التطورات في ظل مدونة الشغل الجديدة بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع في ظل النظام النمودجي الذي كان الفصل 6 منه هو المنظم لمسطرة الفصل عن العمل في قطاعات الصناعة و التجارة و المهن الحرة، أما فصل العمال في قطاع الزراعة فكانت تؤطره مقتضيات قانونية خاصة (مرسوم 6 فبراير 1975) وكذلك الشأن بالنسبة لمستخدمي مقاولات القطاع العام (الفصل 54 من مرسوم 14 نونبر 1963). إذ أنه بعد مصادقة المغرب على الإتفاقية الدولية للشغل رقم 158 بموجب ظهير 1993 و المنظمة لمسطرة خاصة، دقيقة وجديدة للفصل عن العمل سعى المغرب إلى جعل تشريعه الذاخلي مطابقا لتلك الإتفاقية، من خلال إدراج أهم مقتضياتها في المادة 62 وما بعدها من مدونة الشغل لإحاطة الفصل التأديبي بجملة من الإجراءات الواجب على المشغل احترامها وإلا اعتبر الفصل تعسفيا.
وقد نظمت المسطرة العامة للفصل التأديبي التي تهم عموم الأجراء مدونة الشغل في موادها (62_63_64_65).ونظرا لما يتمتع به المشغل من سلطة تأديبية فإنه إذا تبث له كون الأجير ارتكب خطأ جسيم فإن له حق فصله عن العمل، ونظرا لخطورة هذه العقوبة على الأجير الذي يجد نفسه دون عمل تدخل المشرع و أنشأ قاعدة تتمحور في أن المشغل الراغب في الفصل التأديبي عليه قبل اتخاد هذا القرار التقييد ببعض الإجراءات الشكلية التي نصت عليها المدونة في المواد 62_65 ونميز في إطار هذه الإجراءات بين مرحلتين مرحلة الإستماع إلى الأجير(الفقرة الأولى)،ومرحلة تسليم المقرر(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:مسطرة الإستماع إلى الأجير
في هذا الإطار نصت مدونة الشغل في الفصل 62 على وجوب أن تتاح للأجير فرصة الدفاع عن نفسه قبل فصله وذلك بالإستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء او الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه وذلك ذاخل أجل لا يتعدى 8 أيام من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه ويحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير وإذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل[3].ولقد كان موقف المشرع المغربي إيجابيا عند تخويله للأطراف المتنازعة فرصة لمحاولة فض النزاع حبيا، خاصة ما يمكن أن ينجم عن هذا الحوار و الإستماع من تفهم المشغل لحقيقة الوضع وأيضا للظروف الدافعة بالأجير لإرتكاب الفعل المنسوب إليه.وذلك على غرار المشرع الفرنسي الذي لم يقف عند حدود إلزام المشغل بالإشعار بالطرد بل ألح على ضرورة إجراء حوار بين الطرفين قبل اتخاذ أي قرار بالطرد وهكذا ألزمت المادة 122_14 المشغل أو ممثله الذي ينوي تسريح الأجير قبل اتخاذ أي قرار باستدعاء المعني لإجراء المقابلة الأولية بين المشغل و الأجير المعني بعد مرور 5 أيام من تاريخ توصل الأجير بالإستدعاء، وقد نص القانون الفرنسي على اللقاء الذي يجريه صاحب العمل مع الأجير ليستعرض فيه المشغل على الأجير الأخطاء التي ارتكبها ويتلقى منه الإجابات، وتعتبر مسطرة الإستماع إلى الأجير هي جوهر المسطرة لأن لقاء المشغل بالأجير يمكن أن يوضح له أمورا كانت غائبة عليه وأنه في إطار دفاع الأجير عن نفسه يمكن أن يقدم لمشغله جميع الإتباتات ويقنعه بكون الأخطاء المنسوبة إليه لا أساس لها من الصحة.
الفقرة التانية: مسطرة تسليم مقرر الفصل
بعد تبوت ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم وبعد سلوك مسطرة الإستماع إليه وتمكنيه من الدفاع عن نفسه بحضور ممثل العمال وتحرير محضر بذلك يوقع عليه الطرفان يتم اللجوء مباشرة إلى ما يسمى بمسطرة تسليم مقرر الفصل إلى الأجير.
أولا:مقرر الفصل
سنتناول في هذا الإطار عن ماهية مقرر الفصل(1) تم ننتقل للحديت عن مضمون مقرر الفصل ومرفقاته(2).
1:ماهية مقرر الفصل
يمكن أن أعرف مقرر الفصل بأنه محرر كتابي يكون على شكل رسالة أومقرر يسلمه المشغل للأجير يبين له فيه الأسباب التي أدت إلى فصله عن العمل،وكذلك جعلها المشرع الوسيلة التي يعلم بها بموجبها الأجير بفصله عن العمل، وهو ما أكده المجلس الأعلى في قراره 1199″…الغاية من اشتراط المشرع أن يكون الطرد برسالة مضمونة الوصول أو تسليم الأجير نسخة يدا بيد هو علمه بالطرد وسببه…”
2:مضمون مقرر الفصل ومرفقاته
تنص المادة 64 من مدونة الشغل في فقرتها التانية ما يلي:
“…يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير للأسباب المبررة لإتخاذه،وتاريخ الإستماع إليه،مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62 أعلاه..”[4].وعليه نجد أن المشرع قد أوجب من خلال هذه المادة على رب العمل أن يتضمن في مقررالفصل الموجه للأجير الأسباب و المبررات التي تجعله يتخد ذلك القرار بفصله عن العمل كما يجب أن يتضمن ذلك المقرر تاريخ الإستماع للأجير وذلك في إطار المادة 62 ويجب ذكر كل الأخطاء المنسوبة إليه بدقة حتى تتمكن المحكمة من بسط رقابتها على السلطة التأديبية للمشغل، ومسألة التنصيص على الأخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل حرص عليها القضاء المغربي حتى قبل صدور المدونة ويتجسد ذلك من خلال ما أكد عليه المجلس وذلك خلال قراره الصادر بتاريخ 13/06/1992 عدد 196 الذي جاء فيه:”…فإن رسالة الفصل التي يوجهها رب العمل بصورة للأجير يجب أن تتضمن بصفة واضحة أسباب الطرد وتاريخه…”. وفي الأخير يجب أن تتضمن من خلال التنصيص على أجال تسعين يوما في المقرر حتى يتمكن الأجير من رفع دعواه ضد المشغل ذاخل الأجال المحددة يبتدئ سريان هذا الأجال من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل، زيادة على ذلك يجب إرفاق مقرر الفصل بصورة من محضر الإستماع المشار إليه في المادة 62 من مدونة الشغل.
تانيا: تسليم أو تبليغ مقرر الفصل
كان المشرع المغربي ينص في إطار النظام النموذجي على أن المشغل أو المؤاجر ملزم بتسليم مقرر الفصل للأجير يدا بيد مع إرسالية له مرة تانية بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وهو ما تراجع عنه في ظل مدونة الشغل (قانون 99-65) رغبة منه في تبسيط الإجراءات حيت اكتفى المشرع بإحدى الوسيلتين أي إما تسليم المقرر يدا بيد أو رسالة بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وبإلقاء نظرة على التشريعات المقارنة نجد أن المشرع الجزائري كذالك نص على أن العامل الذي يتعرض للتسريح التأديبي يجب أن يتم إبلاغه بصفة رسمية وكتابية بقرار الفصل سواء كان ذلك الفصل بإشعار مسبق وتعويض التسريح أو بدونهما وذلك ما نصت عليه الفقرة التانية من الفصل 73/2 من قانون رقم 90-11 و التي جاء فيها:”…يجب أن تنص هذه الإجراءات على التبليغ الكتابي لقرار التسريح….”[5].
وكما نلاحظ أن المشرع أوجب على المشغل أن يوجه نسخة من المقرر إلى العنوان المكلف بتفتيش الشغل دون أن يلزمه باتباع طريقة خاصة للتيليغ وبخصوص أجال إصدار مقرر الفصل نلاحظ أن المشرع المغربي لم يحدد أجالا معينة يتوجب على المشغل أن يتقيد بها لإصدار قراره بفصل الأجير من العمل، ونقصد هنا الأجال بين ارتكاب الفعل أو الخطأ الجسيم من طرف الأجير وبين وقت إصدار مقرر الفصل، وهذا عكس ما ذهب إليه المشرع الفرنسي حيت نص في مادته 1-14 على أن رسالة الفصل يجب أن توجه إلى الأجير في أجل أقصاه شهر بعد تاريخ إجراء أول حول الفصل.
ويعد مقرر الفصل نقطة أساسية وتسليمه الأجير ألية لحماية الأجير من تعسف المشغل ومن جهة أخرى وسيلة تبين مدى احترام المشغل لشكليات الفصل، وإذا كان المبدأ أو القاعدة هو احترام شكليات مسطرة الفصل بكاملها حتى يكون الفصل مستوف لشروطه القانونية،إلا أن هناك بعض الإستثناءات يمكن من خلالها أوتوفير شروطها أن يعفى المشغل من تبليغ مقرر الفصل وهي حالة المغادرة التلقائية للعمل من قبل الأجير وكذا حالة المرأة الحامل المنصوص عليها في المادة 159 من مدونة الشغل التي سنقف عندها لدى دراستنا لمسطرة الفصل الخاصة بالمرأة الحامل.
ثالثا: الرقابة القضائية على مقرر الفصل
بتصريح المادة 42 من مدونة الشغل وخاصة الفقرة الأخيرة منها والتي تنص على أنه:”تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسته للسلطة التأديبية
ورغم ذلك وبعد سنة 1971 اتجه المجلس الأعلى في اتجاه مخالف للمدونة، حيت بدأ يتخذ قرارات مخالفة تماما للقرار السابق تزكية لمبدأ الحماية الممنوحة للأجير بمقتضى القانون وفرضت الرقابة على أفعال المشغل انطلاقا مما يكون قد تذكره من أسباب في مقرر الفصل.
فالقرار عدد 655 أكد أن المحكمة لا يمكن أن تناقش إلا أسباب الطرد الواردة في الرسالة نفس التوجه سار عليه المشرع بعد صدور مدونة الشغل سنة 2004 حيت أكد في قراره 414 على أن المحكمة في جميع الأحوال لا تكون ملزمة بمناقشة كل الأخطاء الواردة برسالة الفصل والتي نسبتها المشغلة لأجيرها، لكن يتعين عليها التقييد بها ويكفيها اعتماد إحداها فقط متى كان جسيما لتبرير الطرد فرسالة الفصل أو الإعفاء كما هو على لسان الفقيه هي التي ترسم حدود و إطار النزاع بين الطرفين لما يرفع أمام القضاء.
واستناذا لما سبق يمكن أن نؤكد على أن الرقابة القضائية على مقرر الفصل هي مقيدة بدورها وليس مطلقة وهذا التقييد بها يظل يفرضه المشرع نفسه سواء من خلال الفصل 6 من تانظام النموذجي المعمول به سابقا أو من خلال ما سارت عليه مدونة الشغل الحالية.
المطلب التالث: المسطرة الخاصة للفصل التأديبي
إن المقصود بالأجير “المحمي” هو ذلك الذي أفرد له المشرع قواعد قانونية خاصة وذلك إما لصفة فيه أو بغض النظر لوضعية صحية يوجد عليها، وإذا هذه الحماية في ظل التشريع القديم قد همت مندوب الأجراء والأجيرة الحامل، فإن ما يلاحظ في ظل مدونة الشغل هو أن هذه الحماية امتدت أيضا لتشمل طبيب الشغل بدوره.وعلى اعتبار هذا الأخير ة الأول يوجدان في وضعية خاصة بالمقاولة فمندوب الأجراء باعتباره المدافع عن الأجراء قد يتعرض للمضايقات من طرف المشغل الذي يسعى عادة إلى الحفاظ على السلطة التأديبية التي يتمتع بها بعيدا عن أي عقبات قد تحد من سلطته، أما طبيب الشغل فباعتباره ملزما بأداء مهمته بكل استقلال وحرية وأن لا يراعي في ذلك إلا اعتبارات خاصة بمهنته فإنه يتعرض بدوره للمقتضيات من طرف المشغل.وبالنسبة للأجيرة الحامل فاعتبارا لحالتها الجسمانية و الصحية خلال تلك الفترة أفرد لها المشرع حماية خاصة.
وعلى هذا المنوال سأتناول الحالات التي نصت عليها مدونة الشغل في (الفقرة أولى) ومعالجة إشكاليات الفصل التأديبي بالنسبة لبعض المقاولات وفق الأنظمة الأساسية أو بمقتضى الإتفاق في (الفقرة تانية).
الفقرة الأولى: الحالات التي نصت عليها مدونة الشغل
هذه الحالات هي طبيب الشغل(أولا) ومندوب الأجراء والممثل النقابي(ثانيا) والمرأة الحامل(ثالثا).
أولا: طبيب الشغل
جاءت مدونة الشغل تنبه المشرع للتفوهة التي أوجبته المادة 313 من أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل موضوع قرار يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل بعد أخد رأي الطبيب مفتش الشغل.
والواضح أن المشرع قد سوى بين جميع حالات الإجراءات التأديبية سواء كان موضوعه الفصل أم مجرد إنذار أو توبيخ أو نقل واشترط فيها جميعا وجوب موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل على الأجراء المزمع اتخاده أيضا استشارة الطبيب مفتش الشغل وقد ذهب بعض الفقه إلى القول أن جزاء خرق هذه المقتضيات سيجعل لا محالة الأجراء المتخد غير مبرر ويمكن إلغاؤه أو اعتباره فصلا تعسفيا في حالة حدوثه.
تانيا: مندوب الأجراء والممثل النقابي
1:مندوب الأجراء
أوجب المشرع على جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا مالا يقل عن عشرة أجراء دائمين أن تنشئ نظاما تمتيليا للأجراء في شخص مندوب الأجراء والذين تتمثل مهمتهم وحسب المادة 4 من مدونة الشغل:”في تقديم جميع الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل أو عقد الشغل واتفاقية الشغل أو النظام الذاخلي إلى المشغل وإذا لم تقع الإستجابة لها مباشرة أحيلت تلك الشكايات إلى العون المكلف بتفتيش الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها ونظرا لهذا الدور الحساس الذي يقوم به مندوب الأجراء ذاخل المقاولة فقد أوجب المشرع لفصله عن العمل إتباع مسطرة خاصة جدا تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى التعسف في حقه فكان أبرز العمال المحمسين على الإطلاق.
وهكذا بمقتضى الفصل 12 من ظهير 29/10/1962 المتعلق بتمثيلية الأجراء ذاخل المؤسسات الصناعية و التجارية و الفلاحية و المنجمية وأجراء الإنتخابات ألزم المشرع رب العمل بأن يكون كل نقل أو طرد مؤقت أو نهائي أونهائي تقرره مديرية المؤسسة بشأن كل مندوب من المستخدمين رسميا أو نائب الأجراء يجب عرضه فورا على نظر العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيه معللا بالأسباب، أما مدونة الشغل فتجاوزت الجدل الذي أثارثه المادة 12 السالفة الذكر حول مدى اعتبار رأي مفتش الشغل إلزاميا أو اختياريا،بأن أقرت من خلال ما نصت عليه المادة 457 من مدونة الشغل:” يجب أن يكون كل إجراء تأديبي،يعتزم المشغل اتخاده في حق مندوب الأجراء أصليا أو نائبا،موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل..” إلزامية الموافقة الصريحة لمفتش الشغل على مقرر الفصل مما يفيد بمفهوم المخالفة أن أي تجاوز لهذه الموافقة سيجعل الفصل غير مبرر،ويفتح الباب أمام المحكمة لتقدير وجود عناصر التعسف في إنهاء عقد الشغل.
2: الممثل النقابي
منح القانون للنقابة الأكثر تمثيلا و التي حصلت على عدد أكبر من الأصوات في الإنتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة الحق في تعيين ممثلين نقابيين لها من بين أعضاء المكتب النقابي وتنحصر مهمة الممتل النقابي حسب المادة 471 من مدونة الشغل فيما يلي:”…تقديم الملف المطلبي للمشغل أو من ينوب عنه و الدفاع عن المطالب الجماعية و أجراء المفاوضات حولها و المساهمة في إبرام الإتفاقية الجماعية..”[6].
وبخصوص مسطرة فصل الممثل النقابي الذي تبت أنه ارتكب خطأ جسيما فإن المشغل يسلك معه نفس المسطرة المقررة بخصوص فصل مندوب الأجراء، وهو ما نصت عليها المادة 472 على اعتبار الممثل النقابي أجيرا محميا يستفيد من نفس الحماية التي يستفيد منها مندوب الأجراء، أما بالنسبة للمشرع التونسي فقد سار في نفس اتجاه نظيره المغربي من خلال تأكيده على ضرورة سلوك هذا الإجراء الذي ورد بالفصل 166 من مجلة الشغل التونسية:”..كلما اعتزم المؤجر طرد عضو رسمي أو مناوب ممثل للحملة باللجنة الإستشارية للمؤسسة أو نائب رسمي أو مناوب للعملة فإنه يتعين عليه عرض ذلك على تفقدية الشغل المختصة تربيا ويكون ذلك بالنسبة لأعضاء اللجنة الإستشارية للمؤسسة بعد أخذه رأي هذه الأخيرة ويبدي مفتقد الشغل رأيه معللا في أجل لا يتجاوز 10 أيام من تاريخ تعهده ويعتبر تعسفيا إذا تم دون احترام الإجراءات المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا الفصل….”[7]
ونشير في الأخير أن هذه المسطرة الخاصة بفصل الأجراء عن وجوب اتباع المسطرة العامة المقررة بمقتضى المواد 62 وما بعدها من مدونة الشغل ولا سيما ما يتعلق بالإستماع إلى الأجير وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه قبل اتخاد أي قرار،وبالتالي نعتقد وفي إطار التنسيق بين مسطرتين أن المسطرة العامة تطبق أولا تم بعد ذلك تطبق في حقه المسطرة الخاصة ما دام أن صفته كمندوب أجراء لا تنفي عن صفته كأجير وبالتالي عدم حرمانه من حقه في الدفاع عن نفسه كما هو منصوص عليه قانونا و إلا اعتبر الفصل تعسفيا.
تالثا: المرأة الحامل
يجب الإشارة هنا أنه بخصوص المقتضيات الواردة بمدونة الشغل الجاري بها العمل حاليا هو أنه إذا زادت غيبة الأجيرة الحامل 90 يوما وإن كان ذلك بسبب مرضها الذي نتج عن العمل أو النفاس وتجاوزت مدة الغياب 180 يوما ولو أتبتتها شواهذ طبية فإنه يمكن للمشغل أن يعتبرها في حكم المستقلية من عملها طبقا للمادة 272 من المدونة ما لم يكن قد وقع اتفاق بينهما لإستفاذتها من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة لتربية مولودها إضافة إلى أنه حتى في حالة تبوت ارتكابها لخطأ جسيم فالمشرع ألزم المشغل بعدم تبليغه الأجيرة قرار الفصل أثناء فترة التوقف فهل ذلك يعني إعفاءها من مسطرة الإستماع.؟
إن وضعيتها كحامل إذا كانت تقرر لها حماية خاصة، فلا يجوز في نفس الوقت أن تسلبها الحماية المقررة بمقتضى المواد 62 وما يليها من المدونة، وهذا ما تمت الإشارة إليه كاستثناء على مبدأ تسليم مقرر الفصل.
الفقرة التانية: مسطرة الفصل بالنسبة لبعض المقاولات بمقتضى الأنظمة الأساسية أو بمقتضى الإتفاق
أفرد المشرع قوانين لبعض المقاولات نظرا للإختلاف الذي يوجد بينهما سواء من حيت تنظيمها أو من حيت الأهداف التي أنشأت من أجلها واعتبر هذه القوانين الضابط المنظم للعلاقة فيما بينها وبين أجراءها وإذا كان الكتير منها قد تم نسخه بمقتضى مدونة الشغل فإنه بالرجوع للمادة 3 من المدونة نجدها تنص على ما يلي:”..تظل فئات الأجراء التي ذكرها:1_أجراء المقاولات و المؤسسات العمومية التابعة للدولة المحلية 2_ البحارة 3_ الصحفيون المهنيون،4_أجراء المقاولات المنجمية 5_أجراء الصناعة السينمائية 6_ البوابون في البنايات المعدة للسكن خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل عما تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات، تخضع الفئات المذكورة أعلاه لأحكام هذا القانون في كل ما لم يرد النص عليه في الأنظمة الأساسية المطبقة عليها…” مما يعني أن الأنظمة الأساسية للفئات المشار إليها أعلاه لم تنسخ و أن العمل بها لا يزال ساريا و أنه في نفس الوقت تطبق عليهم المدونة فقط في كل ما لم ينص عليه من نظامه الأساسي، و بالتالي كان لابد من إعطاء لمحة سريعة عن القانون المنظم لبعض تلك الفئات.
بالنسبة للمؤسسات العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية:
فيحكمها مرسوم 12/12/1962 الذي نص في فصله الرابع والخامس على أن الإعفاءات لا يمكن أن تتم إلا بعد استشارة لجنة الموظفين.
بالنسبة للبحارة:
فهم يخضعون للقانون البحري هذا الأخير نص في فصله 201 مكرر على أن فسخ عقد الإستخدام المبرم لمدة غير محدودة يباشر في موانئ المغرب بإيحاز من أحد المتعاقدين عند انصرام أجل سابق الإعلام المحدد.
بالنسبة لأجراء المقاولات المنجمية:
فهم يخضعون لظهير 24/12/1960 بشأن النظام الأساسي لمستخدمي القاولات المنجمية هذا الأخير تطرق للإعفاء في جزئه الرابع المتعلق بالعقوبات و الإعفاءات و الإستقالة ولا سيما الفصل 9 منه و الذي حدد العقوبات ونص على أنها يجب أن تبلغ كتابة مع بيان الأسباب و أن جميع العقوبات باسثثناء التوبيخ و التوفيق لا تصبح نافذة المفعول في حالة النزاع إلا بعد دراستها من طرف الفرع المختص للجنة النظام الأساسي و المستخدمين.
بالنسبة للصحفين المهنين:
فهم يخضعون لظهير 22/02/1995 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافين ومن خلال إلقاء نظرة على مقتضيات هذا الظهير الذي يتضمن 22 مادة فقط نلاحظ أن المشرع لم يخصص أية قواعد شكلية خاصة بإعفائهم و إنما أحال شأنهم بمقتضى المادة 12 على أحكام التشريع الخاص بالشغل.
بالنسبة للبوابين في البنايات المعدة للسكن:
فالقانون المنظم لهم هو ظهير 08/10/1977 المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكين البوابين المعدة للسكن والملاحظ بشأن هذا الظهير أيضا أنه لم ينظم أية مسطرة شكلية للفصل وإنما أحال هو الأخر بمقتضى الفصل 12 منه على التشريع الخاص بالشغل و بأن هذا الأخير هو المطبق على البوابين.
وهكذا نلاحظ أن المشرع شرع مساطر وقوانين خاصة هذه الفئات السالفة الذكر التي تنظمهم وتبين لكل شخص من هذه الفئات أن يلتزم بما يطبق عليه، وإذا كان هذا ما شرحته وتطرقت له بالتفصيل الذي يتعلق بالأسباب المبررة للفصل التاديبي ومسطرته في المبحت الأول سأشرح كذلك مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي في(المبحت الثاني).
المبحـث الثـاني: مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي
إن قراءة في مدى توفق المشرع المغربي في توفير الحماية القانونية للأجير قد يتعرض للفصل يفرض التطرق للإشكالات التي تطرحها مسألة إلزامية مسطرة الفصل التأديبي،هذه الإشكالات التي تناولها كل من الفقه و القضاء المغربيين عبر مجموعة من الأراء الفقهية و الإجتهادات القضائية،هذا ما سأحاول تناوله من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: موقف الفقه من مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي
قبل التطرق إلى مختلف الإتجاهات الفقهية التي أثارت النقاشات التي أفرزتها مسطرة الفصل التأديبي،حري بي أن أذكر ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي:”..إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام هذه المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل..”[8].ومعنى ذلك أن المشرع لم يرتب أي جزاء والحال أن الفقرة الأولى قد جاءت بصيغة الوجوب وألزمت المشغل بإتاحة الفرصة للأجير من أجل الدفاع عن نفسه و الإستماع إليه،وأن ما يؤكد صيغة الوجوب هو ما نصت عليه مقتضيات المادة 64 التي تنص على أنه:”..يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لإتخاده وتاريخ الإستماع إليه مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62، وبناء عليه أستنتج أن صيغة النص جاءت معيبة لوجود تناقض بين الفقرة الأولى من المادة 62 التي جاءت بصيغة من الوجوب و الفقرة الأخيرة حيت خولت إمكانية لجوء الأطراف إلى مفتش الشغل في حالة إذا رفض أحد الأطراف إجراء أو إتمام هذه المسطرة،وسيستشف من ذلك أنها لم ترتب أي جزاء والحال أن هناك تناقضا بين الفقرة الأولى و الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة.
وعلى هذا الأساس فقد أثار الفقهاء نقاش جدلي حول مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي ثلاثة اتجاهات فقهية يمكن لي إجمالها فيما يلي:
الإتجاه الأول: إتجاه معتدل مرن يتجاوز إجراءات المسطرة إلى البحت في طبيعة الخطأ المرتكب من قبل الأجير،ويعتبر الطرد من قبل التعبير عن إرادة منفرذة، وأن مقرر الفصل قد يصدر بشكل كتابي أو شفوي، فمن وجهة نظر أصحاب هذا الإتجاه أن المشرع لم يجعل الكتابة ركنا لوجوب الإشعار بالطرد وإنما هي شرط الإتبات فقط ، حيت يمكن تعويضها بوسيلة أخرى، إذ أن العبرة من سلوك مسطرة الفصل هو أساس تبليغ الأجير بقرار الطرد.
الإتجاه التاني: هو اتجاه متمسك بحرفية النص ويقول على أن المشرع لم يضع هذه المقتضيات عبثا وإنما جاءت بشكل إلزامي وذلك من خلال بعض العبارات التي ساقها مثل: يجب_لا يمكن_ وغيرها مما جاء في المواد 62 و 63 و 64 و 65، من مدونة الشغل رغبة من المشرع في حماية حقوق الأجير حيت أنه إن لم تكن هناك رسالة طرد فلن يكون هناك تحديد للوقائع ولا للأسباب مما يفسح المجال لرب العمل ليتعسف في طرد الأجير، و بالتالي فإن خرق المشغل للمسطرة يجعل من طرد الأجير طردا تعسفيا، وهكذا يرهن هذا الإتجاه حماية الأجير بمدى احترام مسطرة الفصل التأديبي.
الإتجاه التالث: استقر هذا الإتجاه على وجوب الإشعار بالطرد في كل الأحوال سواء ارتكب الأجير خطأ جسيم أم لا، ما عدا إذا تعدر ذلك لسبب قاهر بالرغم مما لاحظه ممثلوا هذا الإتجاه من تناقض بين النصوص القانونية التي تتحدت عن الإشعار بالطرد.
والواقع أنه لا يمكن إنكار أن بعض الأخطاء التي قد يرتكبها الأجير قد تكون من الحدة بحيت تلحق أضرار خطيرة بالمؤسسة التي يعمل فيها، ومع ذلك فإن المشغل إذا أغفل أحيانا احترام المسطرة التي تستلزمها مدونة الشغل في موادها السابقة إما عن جهل أوعدم اهتمام فإنه يواجه من طرف المحكمة بكونه خرق المسطرة فيعتبر الفصل الذي أوقعه على الأجير تعسفيا، رغم أنه من الحيف اعتبار هذا الطرد تعسفيا.
المطلب التاني: موقف القضاء من مدى إلزامية الفصل التأديبي
أما بخصوص القضاء فسيتم معالجته من خلال تلاث فقرات:موقف محاكم الموضوع في(الفقرة الأولى) و موقف المجلس الأعلى سابقا و الذي هو محكمة النقض حاليا في(الفقرة التانية) وبعض مواقف القضاء المقارن في(الفقرة التالثة)
الفقرة الأولى: موقف محاكم الموضوع
إن الرقابة القضائية على إجراءات الفصل التأديبي التي تشمل في إطارها مرحلة الإستماع إلى الأجير المرشح للفصل عن العمل وكذا مرحلة تسليم مقرر الفصل تعتبر مبدأ أساسي نصت عليه عدة نصوص قانونية كالإتفاقية الدولية رقم 158 والقانون الفرنسي وكذلك مدونة الشغل المغربية، والهذف من هذه الرقابة هو الحد من سلطة المشغل في فصل الأجير بكل حرية إلا أن بعض الفقه يرى بأن هذه الرقابة غير فعالة في حين أن القضاء الإجتماعي المغربي أو القضاء المقارن أولى هذه الرقابة كامل عنايته واهتمامه، وعلى الرغم من أن المشرع لم يرتب أي جزاء في حالة عدم احترام رب العمل للإجراءات الواجبة الإتباع قبل فصل الأجير إلأ أنه من المعلوم أن كل قاعدة قانونية لا يجب أن تكون مقرونة حتما بالجزاء حتى يضمن لها التطبيق و الإحترام،بل إن الجزاء يرتبه القاضي في نطاق القواعد العامة أو الخاصة للمسؤولية إذا ظهر له تضررر أحد الأطراف من جراء خرق الطرف الاخر للإلتزام المفروض عليه بموجب القواعد القانونية.
ومن هذا المنطلق فإن الجهة التي يتم اللجوء إليها من طرف الأجير عندما يواجه بالطرد بداية هي المحاكم الإبتدائية، حيت يكون على القاضي الإبتدائي تقدير و التأكد من مدى جسامة الخطأ الذي ارتكبه الأجير ومدى واقعيته ومدى ملائمة الجزاء له من جهة، تم هل هو من ضمن ما نصت عليه المادة 39 من مدونة الشغل من جهة تانية.
الفقرة التانية: موقف المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا)
في ظل النظام النموذجي الذي كان معمولا به في السابق أثارت مسألة اعتبار مقرر الفصل شرط صحة أم مجرد وسيلة إتبات جدلا كبيرا،فكان توجه المجلس الأعلى قبل سنة 1974 يذهب في اتجاه اعتبار مقرر الفصل وسيلة إثبات، توجه ستتغير معالمه بعد ذلك إلى اعتبار المقرر شرط صحة،وذلك من خلال قراره عدد 392 الصادر بتاريخ 26/09/1976 و الذي جاء فيه: “المحكمة كانت على صواب حين صرحت أن طرد أي عامل يستوجب إتباع المسطرة حيت أشار إلى وجوب إعلام الأجير ومفتش الشغل وأنها في نطاق سلطة تقدير الحجج الموكولة إليها،اعتبرت أن ليس في وثائق الملف ما يتبت أن الطاعنة قد طبقت المسطرة بل اعتبرت أن الفصل يكون تعسفيا في عدم بيان أسبابه وبأن المؤاجر لم يتوصل بأي إشعار عن فصله،وبعد توصله به يعتبر المشغل فاسخا للعقد فسخا تعسفيا”هذا بخصوص موقف المجلس الأعلى، أما بخصوص موقف القضاء المقارن فسأتطرق له في الفقرة الموالية.
الفقرة الثالثة: موقف القضاء المقارن
لقد سار القضاء التونسي على نفس نهج القضاء المغربي حيت أكد على إلزامية مسطرة الفصل التأديبي حيت اعتبر الفصل تعسفيا حتى ولوثبت الخطأالجسيم في حق الأجير إذا جاء قرار الفصل غير مراعي للإجراءات المنصوص عليها في القانون والتي يوليها القضاء أهمية كبرى وجعل رقابة مشددة على مدى احترام يطبيق مقتضيات هذه المسطرة وهكذا ذهبت محكمة التعقيب التونسية في قرارها عدد 111984 الصادر بتاريخ 21/10/1988 إلى”أن يشكيل المجلس 5 أعضاء عوض 6 أعضاء فيه إخلال من شأنه حرمان العامل من حقوقه في ثمثيل فعلي أمام لجنة التأديب”.
كما اعتبرت محكمة التعقيبي من خلال قرارها 13921 “أن طرد العاملة دون استدعائها للمثول أمام المجلس التأديبي الذي أصدر قراره في غيابها بإعفائها من العمل بمثابة طرد تعسفي.
نخلص إلى اعتماد القضاء التونسي لإجبارية احترام إجراءات مسطرة الفصل التأديبي وأن أي إخلال بأي جزء منها يؤدي إلى اعتبار الفصل تعسفيا ويستوجب التعويض.
أما إلى القضاء الفرنسي الرائد في مجال السهر على احترام النصوص القانونية المخولة للحماية القانونية للأجراء باعتبارهم الطرف الأضعف في علاقات الشغل فقد أكد بدوره على مدى إلزامية احترام مسطرة الفصل التأديبي وعدم الإخلال بها حماية لحقوق الأجراء، إلا أن القضاء الفرنسي لا يعتبر الإخلال بالمسطرة موجبا لتكييف الفصل على أنه فصل تعسفي وإنما على أنه فصل غير نظامي أو غير قانوني.
خاتمة
وفي خلاصة القول يمكن القول بأن الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل يتعرض للطرد من طرف مشغله سواء ارتكب لخطأ جسيم أو لم يرتكب أي خطأ،لهذا السبب تذخل المشرع المغربي وفرض قيودا على المشغلين كي لا يطبقوا على الأجراء تعسف غير قانوني وطرده من العمل، وعليه فقد توفق المشرع في فرض سيطرته على المشغلين اللذين يتجاوزون حدودهم أحيانا،فرغم هذه الإمتيازات التي منحها المشرع للأجراء نجد العديد من المؤاجرين عاطلين عن العمل بسبب الفصل الذي يتعرض له الأجراء عادة من طرف المشغلين لعدة أسباب وعلى هذا الأساس هل توفق المشرع المغربي أيضا في إيجاد حل للأجراء اللذين يتعروضون للطرد لأسباب اقتصادية من طرف المشغلين.؟
تم بحمد الله.
(محاماه نت)