دراسات قانونية
الاعتماد البسيط والمسؤولية القانونية للبنك (بحث قانوني)
قيام مسؤولية البنك في إطار الاعتماد البسيط
أسامة بالهدي
طالب باحث – ماستر قانون العقود والأعمال
الكلية المتعددة التخصصات بالناضور- جامعة محمد الأول
مقدمة:
المسؤولية في كل نظام ليبرالي، هي المقابل الضروري للحرية المهنية . فكلاهما يصبان في نفس الاتجاه، ألا وهو تحسين مستوى أداء الخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى المتوخي، وهي تنمية عنصر الزبائن واطراد الربح . هذه المقولة، التي وردت في مقدمة جاك فزيان حول مسؤولية البنكي في القانون الخاص الفرنسي، ينبغي أن تكون واضحة في أذهاننا، ونحن نحاول معالجة هذا الموضوع، الذي لا تخفى أهميته ومعاصرته رسميا في مجتمعنا، الذي يعرف ديناميكية حقيقية، تمتد إلى مختلف فعالياته.[1]
وفعلا، فان أي نظام ليبرالي، لا يمكنه سوى أن يستلهم من المبادئ العامة للمسؤولية المدنية، النبراس السوي، لتحسين سبل أداء مختلف المهن لمهامها في أحسن الظروف، وإتقانها، بل والدفع لمواكبتها العصر ورياحه المتغيرة، ومن ثم فليس هناك أدنى سبب معقول لعدم تطبيق نفس المبادئ على الابناك، ولعل من بين أهم الوظائف الأساسية التي تقوم بها هذه الأخيرة، نجد مهمة دعم ثقة الزبون لدى الغير المتعامل معه ، و ذلك إما من خلال تمكينه مباشرة من المبالغ المالية الكفيلة بمساعدته على تحقيق مشاريعه و انجاز مختلف عملياته ، و إما بالتدخل إلى جانبه بصفته كفيلا أو ضامنا و ذلك بقصد تعزيز مركزه لدى الدائن الذي يطمئن للتعامل معه بسبب وجود البنك إلى جانبه .
وهذا ما يؤكد من ناحية مدى أهمية الوظيفة التي يلعبها البنك مانح الاعتماد في الوقوف إلى جانب المقاولات التجارية و الصناعية، وبالنسبة للمشروعات الاقتصادية ، بقصد تنفيذ مشاريعها التي لا تكفيها عادة أموالها الخاصة لتحقيق ذلك، حتى إن البعض ذهب، وربما عن صواب إلى أنها تملك حق الحياة أو الموت، كما انه من جهة أخرى تبرز مدى الخطورة التي يمكن أن تنشأ عن عملية منح الائتمان بالنسبة للبنك إما بسبب الخسارة التي قد تلحقه من جراء عدم قدرته على استرجاع الأموال موضوع القرض، أو بسبب المسؤولية التي قد يتعرض لها عند عدم اتخاذه الاحتياط اللازم عند إقدامه على تقديم الائتمان للزبون دون تقدير المركز المالي للمقاولة أو في حالة امتناعه عن تقديمه.. ويتعرض البنك في ظل القانون الوضعي للمسؤولية، على مستويات متباينة : مدنيا، جنائيا، تأديبيا، صرفيا، وضريبيا .. غير أن الذي يهمنا هنا بطبيعة الحال هو موضوع المسؤولية المدنية للبنك عن التمويل بالإئتمان[2]، نظرا لطابعها السائد، وتتخذ مسؤولية البنوك هنا عدة أوجه و مظاهر.. ولعل أهم صور العقود البنكية ، والتي تمثل في حد ذاتها عمليات ائتمانية، نجد عقد الاعتماد البسيط الذي عرف انتشارا واسعا ، خاصة بعدما اثبت نجاعته ، وقدرته على مسايرة السرعة والتطور الذي تتسم به الحياة التجارية فقد جاء على لسان المادة 524 من مدونة التجارة:
” فتح الاعتماد هو التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود.
لا يعد الرصيد المدين العرضي فتحا للاعتماد.”[3]
والإعتماد البسيط حسب بعض الفقه[4] هو “ ذلك التعهد الممنوح من البنك والذي بموجبه يضع مبلغا محددا من النقود تحت تصرف زبونه المستفيد خلال مدة معينة أو غير معينة “
وعلى مستوى الإجتهادات القضائية، ذهبت محكمة استئناف مونبلييه إلى أن فتح الإعتماد البسيط هو اتفاق يتعهد بموجبه البنك بأن يضع مبلغا معينا تحت تصرف الزبون خلال مدة معينة، فيكون لهذا الأخير حق سحبه كله أو بعضه بالكيفية التي يراها ، وفي المقابل يلتزم الزبون بأداء العمولة لمتفق عليها ، وهو ملزم بها ولو لم يستخدم الإعتماد ، كما يلزم برد المبالغ التي سحبها من الإعتماد وفوائدها إذا اشترطت فوائد.[5]
و تطرح المسؤولية المدنية للابناك على مستوى عمليات الإئتمان بعض الصعوبات، ويعود مردها إلى سببين، فمن جهة يصعب بالنسبة لهذا الميدان التمييز بين شتى فروع القانون، لإفراز ما يمكن أن تخضع له تحديدا المسؤولية المدنية للابناك، ومن جهة أخرى، فمن المؤكد أن بعض القواعد العامة للمسؤولية، تنطبق هي أيضا على البنك، لكنها مصبوغة بالخطوط العامة لمهنته، فضلا عن وجود مجموعة أخرى من القواعد التي تنتمي لأنظمة قانونية مختلفة.
ولا جدال أن مسؤولية البنك العقدية قد تقوم اتجاه الزبون ، كلما كان هناك عقد يربط البنك بزبونه المتضرر، بمناسبة تنفيذ البنك، لأحد عقود الخدمات المصرفية، كما أن مسؤوليته التقصيرية أيضا قد تثار إذا ارتكب خطأ [6] اعتبر إخلالا منه بالالتزام، الذي يفرضه القانون على الجميع، كما قد تثار كلما كان المتضرر غيرا، بالنسبة للمصرف، فالمقرر هو قيام مسؤولية البنك على مستوى عمليات الإئتمان ، وفق القواعد العادية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، والقواعد الخاصة المنصوص عليها في القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة [7]، و القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.[8]
وقد عرف القانون البنكي المغربي تطورا ملموسا وايجابيا، وهناك المزيد من الالمام بجوانب المسؤولية المدنية للابناك خاصة عند التمويل بالإئتمان، من طرف المحاكم التي تكرس منذ مدة لا يستهان بها مبادئ وقواعد واجتهادات قضائية غنية فعلا تثرى هذا العمل ومن شانه ان يكون حافزا حقيقيا، لإتقان افضل للممارسات البنكية السائدة. ومن المؤكد فعلا ان الاجتهاد القضائي المغربي في مادة المسؤولية المدنية للابناك خصوصا في إطار عقد الاعتماد البسيط يزداد تطورا ويزداد الماما بجوانب هذا الموضوع، ويتلاقى مع افضل الاتجاهات القضائية الاجنبية التي تناولت هذه الاشكالات.[9]
والسؤال المحوري الذي يتبادر إلى أذهاننا هو ما مدى توفق المشرع المغربي في تنظيم مسؤولية البنك في إطار عقد الاعتماد البسيط، وما مدى مساهمة الاجتهاد القضائي في تطوير هذه المسؤولية؟
ونحن إذ نحاول معالجة هذا الموضوع الذي لا تخفى أهميته، سنقوم بالإعتماد على التصميم التالي:
المبحث الأول : قيام مسؤولية البنك عند تكوين وتنفيذ عقد الاعتماد البسيط
المبحث الثاني : قيام مسؤولية البنك عند إنهاء عقد الإعتماد البسيط
المبحث الأول : قيام مسؤولية البنك عند تكوين وتنفيذ عقد الاعتماد البسيط
لا ريب في ان قدرات البنك ضخمة، ويعتبر تاجرا في مدلول القانون التجاري. والبنك تاجر ميسور الحال، يحظى بثقة من حوله، وهاته الثقة يحولها سلعة يقدمها للزبائن، وتلعب بالتاكيد الابناك أدوارا جد هامة على مستوى تنمية الثروات، وتوزيع الائتمان عموما، من هنا تبرز أهمية الائتمان على المستوى الاقتصادي، حيث تساهم في الرواج الاقتصادي عن طريق تمويل مشاريع كبرى، إلا أنها في نفس الوقت يمكن أن تنقلب سلبا على هذا الأخير،إذا لم يحكم استعمالها، مما يستلزم تنظيم هذه العمليات بشكل محكم حتى تحقق الغاية المنشودة.
ونظرا لاعتبارات متعلقة بالبنك كاحترافي، ومفترض فيه وجوب المحافظة على مصالح زبائنه، فان الفقه الراجح يجمع على وجوب بذله عناية اكبر، من تلك التي يمكن أن تصدر عن أب حنون وبسبب هذا الاحتراف، فان القضاء يشدد على البنك في كيفية أداء التزاماته، وفي معيار مساءلاته، وأيضا لأسباب أخرى متعددة من بينها تخصصه في مهامه، ولوفرة إمكانياته المادية ولممارسته عمل له مساس واضح بالأنشطة الاقتصادية العامة فضلا عن ممارسته بشكل من الاحتكار الفعلي، لمهنة منح الائتمان التي أضحى غالبية الناس في حاجة إليها .[10]
ويمكن ملاحظة هذا التشدد، من خلال العديد من الأحكام، الصادرة عن المحاكم المغربية، والتي تصدت لموضوع المسؤولية المدنية للابناك خصوصا في إطار الاعتماد البسيط.
إلا أن الإشكالية التي تثار في هذا الصدد هي كيفية تحديد الخطأ المهني للبنك في مجال فتح الاعتماد البسيط، فإلى وقت قريب كان الأثر الوحيد لمسؤولية البنك ينحصر في إمكانية خسارة جزء من الاعتماد أو كله في حالة خطئه أو فقدان الضمانة التي تغطي دينه، أما اليوم فان التساؤل يثار بصدد مسؤولية البنك في حالة فتح الاعتماد البسيط لمقاولة تعرف صعوبات مالية من اجل مد حياتها التجارية وما يسبب ذلك من ضرر للدائنين يصبحون بمقتضاه لهم حق مقاضاة البنك طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، فقد جاء على لسان الفصل 78 ق ل ع :
“كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر”
فلتحقق هذه المسائلة يكفي إثبات خطأ البنك أيا كانت درجته واثبات أي إهمال من جانب البنك،[11] وذلك عندما يكون الخطأ بينا، ومتى تعلق الأمر بمهني ، فان لكل مهنة أصولا وقواعد يتعين مراعاة الواجب العام المنظور إليه داخل الإطار الذي تم فيه ممارسة هذا النشاط،[12] والبنك عليه أن يدلي بالحجة على عدم ارتكابه لأي خطا استنادا إلى الواجبات التي تطوقه .
ورغم أن المسؤولية، تقوم على عنصري الخطأ والضرر، وليس على أساس الضرر وحده، فان القضاء المصري نحا إلى قيام مسؤولية البنكي على أساس الضرر فقط، وقرر قيام هذه المسؤولية رغم أن البنك لم يثبت خطئه وألزمه بتعويض الزبون على الضرر اللاحق به، من جراء قيام البنك بأداء قيمة شيك، تم تزوير توقيعه على الزبون [13]. ويتجلى من هذا القرار أن محكمة النقض المصرية أخذت بالمسؤولية الموضوعية، وعلى أساس فكرة المخاطر وتحمل التبعية، وهو موقف سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن تبنته.[14] كما أن بعض التشريعات تسير صراحة في هذا الاتجاه كما هو عليه الآمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، النمسا ..
وفي سبيل التخفيف من هذه المسؤولية، تلجا الأبناك إلى إبرام اتفاقيات مع الزبون، للتخفيف من مسؤوليتها العقدية، في عقود الخدمات البنكية كالاعتماد البسيط ، وهي جائزة طبعا لان مصدرها توافق الإرادة، دون أن يطال ذلك الإعفاء من الفعل العمد أو ما يلحق بالفعل العمد، وهو الخطأ الجسيم، لكن لا يجوز للمدين أن يعفي نفسه من المسؤولية عن عمل الغير، حتى لو كان هذا العمل عمدا أو خطا جسيما فان عمد الغير لا ينزل منزلة الشرط الإرادي المحض . ولذلك فلا يجوز للبنك ان يشترط إعفاءه من المسؤولية الناشئة عن الغش أو الخطأ الجسيم الصادر من مديره، او احد ممثليه القانونيين لكون المدير لا يعتبر وكيلا عن البنك بل يعتبر أداة له، فمسؤولية البنك عن فعله تعتبر مسؤولية عن فعل شخصي لا عن فعل الغير، من البداهة أيضا عدم إمكانية البنكي اشتراط إعفاءه من أية مسؤولية ناتجة عن غشه، أو عن خطئه الجسيم، وذلك عملا بأحكام الفصل 232 من قانون الالتزامات والعقود. وتبعا لذلك، فشروط الإعفاء، لا يمكن تطبيقها سوى في مجال المسؤولية العقدية، وهذا طبيعي، لعدم جواز إعفاء البنك من مسؤوليته التقصيرية، قبل تحققها من وطأتها، نظرا لصراحة الفصل 232 المذكور، ولاعتبار أن أحكام المسؤولية التقصيرية من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها[15] .
وفي هذا الصدد ينبغي استحضار الواجبات المهنية التي تثقل كاهل البنك وهو بصدد منح الائتمان في إطار الاعتماد البسيط ، التي لاشك أن الإخلال بها يعتبر خطا يسأل عنه البنك اذا نجم عنه ضرر ووجدت العلاقة السببية بينه وبين الخطأ، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية[16] في قرارها والذي جاء فيه ” وان كان ليس من الضروري وضع قائمة بمختلف أنواع الخطأ الذي قد يرتكبه البنك ، غير انه من الضروري معرفة الواجبات التي تطوقه”
المطلب الأول : مسؤولية البنك نتيجة الإخلال بواجب الإعلام، والاستعلام حول الزبون والعملية موضوع التمويل.
من المقرر أن البنك يملك حرية اكبر بصدد منح الائتمان أو الاعتراض عليه و ذلك على عكس الحق في الحساب الثابت للزبون بموجب مقتضيات القانون البنكي ، و ذلك بسبب أهمية عنصر الاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه عموما عمليات الائتمان كيفما كان نوعها والاعتماد البسيط على وجه الخصوص، و لمدى الخطورة التي قد تترتب عنها في جانب البنك . مما يعني انه يقع لزوما على عاتق البنك واجب التحري عن مدى جدارة الزبون بالائتمان البنكي وعن شخصيته وهويته حيث إننا نجده عمليا يباشر بمجرد ما يتلقى طلبا في هذا الإطار من الزبون، يباشر بإجراء تحرياته و جمع كافة المعلومات عنه تمكنه من وضع تصور عام حول الوضعية لمالية للزبون و مدى ملاءته و قدرته على تنفيذ التزاماته في مواجهته.
فالتأصيل التشريعي لواجب التحقق من شخصية الزبون وهويته يرجع بالأساس إلى المادة 488 م ت[17] . فرغم أن مقتضيات هذه المادة تتحدث عن فتح الحساب ولا شك انه لا يمكن تصور وجود فتح للاعتماد بدون فتح الحساب والأكثر من ذلك يعتبر فتح الاعتماد أخطر من فتح الحساب ، مما يجعل مكنة إعمال القياس وتطبيق مقتضيات المادة 488 م ت على فتح الاعتماد واردة لا محالة [18]
فأول واجب يقع على عاتق المؤسسة البنكية عند طلب أحد الأشخاص الاستفادة من الخدمات التي تقدمها وخاصة طلب القروض وفتح الاعتماد، هو واجب الاستعلام عن شخصية الزبون وهويته سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، فقد ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في احد قراراتها إلى ” تلزم كل مؤسسة بنكية قبل فتح الحساب لأي شخص يرغب في ذلك التحقق من الصفة القانونية للشخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا ” [19] وفي نازلة أخرى حمل القضاء المغربي المسؤولية للمؤسسة البنكية حينما لم تحترم مقتضيات المادة 488 من مدونة التجارة[20] ،كما إن التزاما يقع على عاتق المؤسسة البنكية قبل الإقدام على منح الائتمان يتمثل في ضرورة التأكد من وضعية الزبون المالية و ذلك حتى لا يساهم قرار البنك بالموافقة على القرض في تأزيم الوضع المالي للزبون المقترض.[21] ،وقد جاء في احد القرارات القضائية ” مما يوجب تحميل المدعية مسؤولية تزويد زبونها الساحب بمبالغ دون التأكد من وضعيته المالية” [22]
ولعل أهم ما يشغل المؤسسة البنكية وهي بصدد فحص المركز المالي للعميل[23] هو النظر إلى نتائج الاستغلال الذي يباشره ، وبعبارة أدق، ما يحقق المشروع من أرباح أو ما يتكبده من خسائر، ويبدو واضحا أن من اكبر هموم المصرف وهو بصدد فتح الاعتماد توقي مخاطر ضياع أمواله ، إذ لاشك أن منح الثقة وتقديم المال لمشروع مضمون النجاح يعد من أول ما يسعى البنك لتحقيقه ، حتى يتفادى انتقاص حقوقه من طرف الدائنين.[24]
ولا جدال انه إذا ما اثبت البنك قيامه قبل فتح الاعتماد بكل ما يلزم للاستعلام عن الوضعية المالية للزبون و في عدم وجود ما يمكن أن يثير الشبهة بخصوص هذا الوضع فانه لا يتحمل أية مسؤولية سواء تجاه الزبون أو تجاه الغير بسبب ما آلت إليه الوضعية المالية للزبون [25].
انطلاقا مما سبق فان البنك يتحمل خطأ يستوجب التعويض ، إما لفائدة الزبون أو الغير ، إذا ما أقدم على فتح الاعتماد البسيط لزبون دون القيام بتحريات لازمة بخصوص مدى جدارته له ، و هذا ما جرى عليه العمل القضائي حيث نجد أن هذا الأخير يتشدد كثيرا في حالة عدم احترام البنك لواجب التحري و الاستعلام حول شخصية الزبون والعملية موضوع التمويل و يرفض في غالبية الحالات دفوعات الأبناك بخصوص عدم مسؤوليتهم لجهلهم الوضعية المالية الحرجة للزبون او عدم علمهم بكون الزبون في وضعية التوقف عن دفع الديون التي يؤشر على وضعية ميؤوس منها.
ويثار تساؤل مهم، هل يمكن إلزام البنك بتقديم المعلومات التي يعرفها، عندما يطلب منه ذلك متى لم تكتس طابع السر المهني ؟
بهذا الصدد يقول الفقيه ديموج : إن إحدى النتائج المترتبة عن تعاون المتعاقدين، هو التزام كل طرف منهما بإعلام الطرف الأخر خلال جريان العقد بالأحداث التي له مصلحة في معرفتها عند تنفيذ العقد ، وهذه الفكرة ليست سوى صدى للمدلول المعاصر للعقد، وهي احد انعكاسات روح التضامن، التي تطبع عصرنا ضدا على روح الفردية للقرن التاسع عشر.[26]
ودون دخول في تفصيلات لا حصر لها، فانه يمكن القول، إن البنك غير ملزم بتقديم معلومات عن شخص أخر ليغر زبونه، رغم وجود عادة في هذا السياق[27].
وحول مدى حق الإعلام الممنوح للزبون، يشير الأستاذ فاسور بان : “ …. ممارسة علاقات مستمرة وقديمة، بين البنكي وزبونه، والمطبوعة بروح الثقة، ومن يجعل الزبون ينتظر الكثير من بنكه.. وكل هذا لا يمكن أن يحول دون تقديم الأخير معلومات ونصيحة”.[28]
المطلب الثاني : مسؤولية البنك نتيجة عدم ملائمة الائتمان مع مصلحة الزبون
إن الغرض النهائي من مد البنك الزبون بالائتمان ليس هو وضع قدر من المال تحت تصرفه ، ولو في إطار ملف عادي للائتمان مشمول بضمانات تغطي المال المقترض ، ثم انسحابه للوراء للتفرج على المستفيد وتركه هو و شانه يتصرف في تلك الأموال على هواه ، دون حسيب أو رقيب ، ودون أن يشعره البنك المانح انه متابع باستمرار ، وان هناك فعلا من سيحاسبه على سوء تصرفه في تلك الأموال إن هو أساء التصرف فيها آو استعملها لغير الغرض المعدة له في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان ، بل إن البنك _ وهذا هو الاهم _ملزم من التأكد من مدى قدرة المال المقترض على سد حاجات الزبون.[29]
وتقوم مسؤولية البنك بصفة واضحة إذا منح ائتمانا لزبون وهو يعلم أن هناك ركودا اقتصاديا باعتبار إن من بين التزامات البنك قبل منح الائتمان القيام بدراسة دقيقة لوضعية الزبون مع وجوب مراعاة الظروف الاقتصادية الوطنية والدولية.[30]
ولكن ذهب بعض الفقه المصري[31] إلى القول بأنه لا يقع على المصرف واجب تقدير ملائمة الائتمان مع مصلحة العميل، لان المؤسسة البنكية ليست موجهة للوعي الاقتصادي للعميل وهي لا تحل محله في إدارة النشاط واتخاذ القرارات خاصة وان عملاء المصارف يكونون عادة من ذوي الخبرة والدراية القادرين على تدبير أمورهم ، إضافة إلى أن العرف التجاري مستقر على مبدأ عدم تدخل المصرف في شؤون العملاء.
لكن نرى أن هذا التوجه يبقى محل نظر ، فإذا كان البنك ليس موجها للوعي الاقتصادي الوطني للعميل فمن يا ترى يقوم بذلك ؟
يرى احد الباحثين[32] ان البنك باعتباره محترفا في مجال توزيع الائتمان يتوفر على الإمكانيات اللازمة لذلك أو بالأحرى تكون له دراية مسبقة إلى ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية مما يجعله عرضة لإثارة المسؤولية.
وغير خاف أن ملائمة الائتمان مع مصلحة الزبون من الناحية التقنية على الأقل ، هي فن لا يتقنه سوى البنكي الذي خبر العمل المصرفي عموما وعمل لفترة طويلة ضمن الخلية المنوط بها منح القروض والاعتمادات [33]
وقد جاء على لسان المادة 12 من قانون 12- 103 [34] المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها: ” يمكن للبنوك أن تعتمد من أجل مزاولة كل أو بعض الأنشطة المشار إليها في المواد 1 و7 و16 من هذا القانون ويسمح لها وحدها أن تتلقى من الجمهور أموالا تحت الطلب أو لأجل يساوي أو يقل عن سنتين.” [35]
ويستفاد من المادة 12 المشار إليها أعلاه أن البنك يعد بحق محترفا في مجال توزيع الائتمان وموجها للوعي الاقتصادي والمهيمن على سوق الائتمان نظرا للكم الهائل من الصلاحيات المخولة له تشريعا، إذ لا غنى للناس وخصوصا التجار عن خدمات البنوك.
وفي هذا المقام، فان القضاء يشدد على البنك في كيفية أداء التزاماته، وفي معيار مساءلاته، وأيضا لأسباب أخرى متعددة من بينها: تخصصه في مهامه، ووفرة إمكانياته المادية وممارسته عمل له مساس واضح بالأنشطة الاقتصادية العامة فضلا عن ممارسته بشكل من الاحتكار الفعلي، لمهنة البنك التي أضحى غالبية الناس في حاجة إليها.
وتعتبر المؤسسات البنكية مسؤولة أيضا عن كل فعل صادر عن مستخدميها بمناسبة أدائهم لمهامهم بهذه المؤسسات والذي ينتج عنه ضرر للزبون أو الغير. وتعتبر هذه المسؤولية إحدى صور مسؤولية التابع عن أعمال المتبوع التي تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، يحث ينص الفصل 85 من ق ل ع في فقرته الأولى على :
” لا يكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته”.[36]
المطلب الثالث : مسؤولية البنك نتيجة الاخلال بواجب مراقبة استعمال الائتمان
يعتبر التزام البنك بمراقبة استعمال الائتمان في الغرض المخصص من أهم الالتزامات التي تقع على عاتقه، والتي تجد أساسها في ضرورة تقديم النصح والإرشاد للمقاولة، حماية لمصالحه من جهة وحماية لمصالح الزبون والأغيار من جهة أخرى إذ ” بقدر ما تواكب إدارة المؤسسة البنكية عميلها بقدر ما تستطيع أن تحجم من مخاطر الائتمان وتعطي الفرصة الناجعة للتحصيل”،[37]
ومن تم فإذا كان هناك اتفاق على تخصيص الائتمان لغرض معين أو لتمويل عملية بذاتها، ففي هذه الحالة يتحمل الزبون بالتزام بعدم إنفاق مبلغ الاعتماد في غير الوجهة المحددة له في العقد الذي يربطه بالبنك، كما يكون في مقابل ذلك للبنك الحق في مراقبة سلوك الزبون بهذا الخصوص، وهذا المبدأ هو الذي تم ترسيخه من طرف محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 11 يناير 1983[38]، والذي اعتبرت من خلاله أن البنك يلتزم بجبر الضرر الذي أصاب المستفيد من الإئتمان عندما يقوم وكيل هذا الأخير مستغلا إهمال البنكي بتحويل مبلغ الإئتمان لصالحه، حيث يتمثل خطأ البنكي في ترك إتمام عملية التحويل دون أن يتخذ الوسائل الضرورية لمنع هذا التحويل.
كما أن القضاء المغربي ذهب في احد قراراته الى تكريس التزام البنك بمراقبة استخدام الزبون للائتمان الممنوح له ، وان هذه المراقبة ما هي إلا ترجمة للواجب المفروض على المؤسسات البنكية فيما يخص الحرص واليقظة في تتبع حسابات الزبناء والتأكد من سلامة ما يتم في إطارها من عمليات بنكية تتفق مع النظرية الحديثة التي ينظر من خلالها لهذه المؤسسات التي أصبحت تمارس نشاطا محفوفا بالمخاطر.[39]
فمن واجبات البنك القيام بفحص لكافة التعليمات الكتابية، الواردة عليه من زبونه للتنفيذ بادئ الأمر من صدورها الفعلي عن موكله، وهذا الفحص يزداد إلحاحا بمناسبة الاعتماد البسيط . وهكذا سبق لمحكمة الاستئناف الرباط إن قضت بمسؤولية البنك لعدم تيقنه من مطابقة الوثائق لمضمون رسالة الاعتماد الصادرة عن زبونه، غير أن هذا لا يمكن أن يمتد إلى حد التيقن من حصول هذه المطابقة مع البضاعة[40] .
وقد أكد المجلس الأعلى سابقا على قاعدة مهمة، حينما اعتبر أن من حق البنك أن يتحقق من تسلسل التظهيرات للتأكد من أن المدعي هو الحامل للكمبيالة دون فحص التوقيعات ولذلك فانه لم يكن من حق المدعى عليه أن ينازع الشركة الحاملة للكمبيالة ( احد الابناك) في صحة توقيع من ظهر لها الكمبيالة.
و تجدر الإشارة إلى أن مراقبة استعمال الائتمان كثيرا ما يصعب ممارسته على مستوى الواقع العملي وخصوصا في المجالات التي قد يشكل فيها كل فحص مسا بمبدأ السر المهني الذي يطبع أعمالها، وهو ما أكده لنا عدة مسؤولون في بعض الابناك.
وبخصوص مسؤولية البنك في إطار صعوبات المقاولة ومدى إمكانية تأثيرها سلبا على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية نسجل غياب حدود واضحة تؤطر مسؤولية البنك خلال هذه المرحلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية تمس السياسة المتبعة من طرف مانحي الائتمان الذين قد يجدون أنفسهم معرضين للمسؤولية بالرغم من عدم ارتكابهم لأي خطأ أو تقصير، مما يجعل الأمر ينقلب ضد المقاولات ذاتها ويعجل بإغلاقها.
فوضعية الأبناك حرجة ومؤرقة في موضوع تمويل المقاولات حيث يكون تساهلها أو إهمالها أو تهورها في التقييم الموضوعي لاقتراض المقاولة من الأسباب التي قد تغرقها بديون من المستبعد أن تستطيع الوفاء بها، وقد تدفعها إلى صعوبات بل وإلى اختلال نهائي … وعلى العكس فإن تشدد البنك في شروط الإقراض وامتناعه عن مساندة المقاولة، بل واقتصاره على تطبيق حازم لمقتضيات القانون البنكي … قد يفوت على المقاولة فرصة تجاوز صعوبات ظرفية، أو قد يخلق لها متاعب تعرقل سياستها الاستثمارية والتشغيلية ربما كانت سببا في تدهور وضعيتها بشكل لا رجعة فيه[41] .
لذلك فالتمويل البنكي يبقى محصورا على المقاولات المهيكلة التي لها وضعية مالية سليمة وضمانات كافية ، ونتيجة لذلك يمكن القول بأن المشرع المغربي وإن كان قد حاول تحفيز الأبناك على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية بتمكينها من الحق في استيفاء ديونها بالأسبقية على باقي الديون الناشئة قبل فتح المسطرة فإنه لم يكن في مستوى تطلعات الأبناك حينما ساهم في إفراغ هذا الامتياز من محتواه الحقيقي ومن أهدافه المالية والاقتصادية.
فالقانون البنكي يفرض على الأبناك التزامات صارمة بمجرد أن تلاحظ المؤشرات والعلامات الأولى لتعثر المقاولة تمنعها من الاستمرار في الإقراض، ومن جهة مقتضيات مدونة التجارة المنظمة لصعوبات المقاولة فإن وضع البنك يزداد إشكالا من خلال الالتزامات التي تضعها عليه قصد إنقاذ المقاولة، بحيث يبرز نوع من التناقض بين المواقف القانونية يفرض على المؤسسة البنكية حيطة وتبصرا خاصين كيفما كان القرار الذي تتخذه، ولعل هذا التناقض الذي وقع فيه المشرع المغربي هو الذي يفسر التطبيق المعيب لمبدأ حرية البنك في توزيع الائتمان، ” فالملاحظ من الواقع العملي أن المهيمن في تعامل المؤسسات البنكية بالمغرب مع طالبي الائتمان هو السلوك الانتقائي بهاجس تحقيق الربح الكبير، وليس بهاجس تلافي المخاطر حيث يفرض شروطا ويختلق أسبابا ومبررات غير منطقية وغير قانونية لإقصاء الأشخاص غير المرغوب فيهم من دائرة توزيع الائتمان “[42]
وتأسيسا على ذلك فإن تقصير البنك في قيامه بهذا الواجب عند منحه ائتمانا لمقاولة متعثرة، يعتبر خطأ يستوجب مساءلته عن الأضرار التي أحدثها ، إلا أن مساءلته على هذا الأساس يختلف طرحها باختلاف طبيعة العملية التي يتم تمويلها وكفاءة مسيريها، كان هذا ما يخص بإيجاز قيام مسؤولية البنك عند تكوين وتنفيذ عقد الاعتماد البسيط، لكن ماذا بخصوص قيام مسؤولية البنك عند إنهاء عقد الإعتماد البسيط ؟
المبحث الثاني : قيام مسؤولية البنك عند إنهاء عقد الإعتماد البسيط
الحديث عن مسؤولية البنك عند إنهاء عقد الإعتماد البسيط يقتضي منا معالجة كل اعتماد على حدة، أي معالجة الإعتماد محدد المدة (المطلب الأول) ثم الإعتماد غير محدد المدة (المطلب الثاني)
المطلب الأول : إنهاء البنك لعقد الإعتماد محدد المدة
مبدئيا يترتب عن تعمد المؤسسة البنكية إنهاء عقد اعتماد محدد المدة بإرادتها المنفردة إلى ترتيب مسؤولية على عاتقها بسبب الضرر اللاحق بالمستفيد لان من مقتضيات العقود عامة التزام الطرفين بتنفيذ التزاماتهما المتبادلة بحسن نية و عدم مبادرة احدهما دون موافقة الطرف الأخر بإنهائه بمحض إرادته، وهو ما ينص عليه الفصل 230 ق ل ع. مما يعني ان البنك يتعين عليه مبدئيا الاستمرار في تقديم الاعتماد لفائدة الزبون حتى انتهاء مدة العقد المبرم بينهما.
وقد نصت المادة 525 من مدونة التجارة على :
“يفتح الاعتماد لمدة معينة قابلة أو غير قابلة للتجديد، أو لمدة غير معينة.
لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيض مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد عند فتح الاعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما.
ينتهي الاعتماد المفتوح لمدة معينة بقوة القانون بانتهاء المدة المحددة من غير أن يكون البنك ملزما بإشعار المستفيد بذلك…”
غير أن البنك يتحلل من هذا الالتزام في الحالة التي تطرأ طوارئ على الاعتبار الشخصي الذي على ضوئه أقدم البنك على إبرام عقد اعتماد مع الزبون، كحالة توقف المستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطأ جسيم، حيث تتزعزع ثقته في الزبون ، الأمر الذي يصبح معه إرغام الزبون على الاستمرارية في العقد إلى حين انتهاء مدته مشوبا بنوع من التعسف خصوصا إذا علمنا أن من شان هذا الاستمرار إلحاق أضرار ليس بالمستفيد و البنك فحسب و لكن أيضا حتى بالنسبة للغير المتعامل مع الزبون وهكذا جاء في الفقرتين الأخيرتين من نفس المادة المذكورة أعلاه (525 م من مدونة التجارة):
“… سواء كان الاعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة، فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الاعتماد بدون أجل، في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطإ جسيم في حق المؤسسة المذكورة أو عند استعماله للاعتماد.
يؤدي عدم احترام هذه المقتضيات من طرف المؤسسة البنكية إلى تحميلها المسؤولية المالية.”
وفي هذا السياق فعدم أداء الزبون لأقساط الدين الحالة، يؤدي به لارتكاب خطا جسيم، يعطي الحق للبنك بقفل الإعتماد المحدد المدة بدون إشعار، عملا بما تقضي به الفقرة الرابعة من المادة 525 م من مدونة التجارة.
و مما تجدر الإشارة إليه في هذا الباب أن القضاء الفرنسي عمد إلى الحد قدر الإمكان من إمكانية البنك في إنهاء عقد الاعتماد محدد المدة بإرادته المنفردة و ذلك في حالة فقد الزبون المستفيد من الاعتماد لإحدى مقومات الاعتبار الشخصي التي بني عليها منح الاعتماد ، و ذلك بهدف حماية الزبون و أن لا يفاجأ بقرار البنك القاضي بوقف تقديم الاعتماد في وقت قد يكون في أمس الحاجة إليه . مما يتضح معه أن البنك لا يملك الحق في وضع حد لعقد الاعتماد إلا في الحالة التي يتأكد فيها بان المركز المالي للزبون يعتريه اضطراب تكون معه وضعيته المالية غير قابلة للإصلاح و التقويم حيث انه لا يجوز إعمال هذا الحق في الحالة التي يثبت فيها على ان وضعية الزبون مختلة بشكل لا رجعة فيها situation irrémédiablement compromise .[43] هذا الحل الذي اقرت به محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها تم تكريسه تشريعيا في هذا البلد بموجب قانون 24 يناير1984.
ومهما يكن، فإن حماية مصالح الزبون وذوي حقوقه تقتضي ان لا يتم التوسع في تعداد الصور التي يسمح فيها للبنك بالعمل على إنهاء الإعتماد المحدد المدة، في حالة فقدان المستفيد من هذا الإعتماد بعض مقومات الإعتماد الشخصي.[44]
المطلب الثاني: إنهاء البنك لعقد الإعتماد غير محدد المدة
الأصل ثبوت الحق لكل طرفي العقد في إنهائه في أي وقت بمجرد تعبير احدهما عن رغبته في ذلك ، وذلك طبعا مع مراعاة المقتضيات القانونية، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 525 من مدونة التجارة على :
“.. لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيض مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد عند فتح الاعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما..”
و ينص الفصل 60 فقرة أولى من القانون الفرنسي المؤرخ في 24 يناير 1984على
” كل مساعدة لأجل غير محدد تمنحها إحدى مؤسسات الائتمان لا يمكن تخفيضها أو وقف صرفها إلا بمقتضى تبليغ مكتوب و بعد انصرام مدة الإشعار المحدد عند منح المساعدة .”
غير أن الصعوبة التي تطرح في هذا الإطار تكمن بالدرجة الأساسية في التعارض القائم بين مصالح الطرفين ، ففي الوقت الذي يبدو أن من مصلحة البنك وضع حد للاتفاق الذي يجمعه بالزبون لوجود أسباب معتبرة لذلك ، نجد ان مصلحة الزبون تقضي عكس ذلك و هو رغبته في بقاء البنك على التزامه في تدعيم مركزه المالي الذي يوفره له هذا العقد . فهل يكون البنك إذن ملزما عند رغبته في وضع حد لهذا الاعتماد تحث طائلة المسؤولية العقدية بضرورة إشعار الزبون بقراره و إعطائه مهلة لتدبير أموره أم انه لا يقع عليه أي التزام مادام أن العقد هو غير محدد المدة ؟
ففي حالة وضع حد للاعتماد غير المحدد المدة بشكل غير مبرر و غير مشروع ، فان محكمة النقض الفرنسية[45] قد ذهبت إلى منح قاضي المستعجلات على أساس إجراءات إعادة الحالة إلى ما كانت عليه من أن يأمر باستمرار البنك في دعم الزبون . غير أن الحالات تتباين فيما يتعلق تطبيق هذا الحل بين ما إذا كان الإنهاء يتعلق بمقاولة أو بشخص من الخواص.
فبالنسبة للمقاولة من بين الصعوبات التي قد تثار بهذا الصدد، تلك التي تتعلق بمدة اجل الإشعار فحسب المقتضيات السالفة يجب أن يحدد عند فتح الاعتماد ، في حين انه في الغالب لا يتم ذلك مما يتعين معه ضرورة أن يكون الأجل معقولا دون أن يقل عن 60 يوما . و الكثير من النزاعات تنجم عن تحديد هذا الأجل، و لا يمكن في هذا السياق تقرير إجابة مبدئية لان مدة الإشعار هنا تترتب نتيجة لعدة عوامل مثل طبيعة الاعتماد و قيمته و مدته . حيث يتعين على المؤسسة المصرفية في بعض الأحيان ضرورة منح مهلة كافية للزبون قبل الإقدام على وضع حد لاعتمادها من اجل البحث عن وسيلة أخرى للتمويل. أما بالنسبة للشخص الخاص فانه في حالة الإنهاء التعسفي فان يمكن إثارة مسؤولية البنك بناء على نظرية التعسف في استعمال الحق.[46]
خاتمة
مجمل القول فالقانون البنكي المغربي يعرف تطورا ملموسا وايجابيا، و هناك المزيد من الالمام بجوانب المسؤولية المدنية للابناك من طرف المحاكم التي تحمل مسؤولية جسيمة للابناك بقدر ما تتحمله من التزامات تجاه الاطراف. كما تكرس منذ مدة لا يستهان بها مبادئ وقواعد واجتهادات قضائية غنية فعلا تثرى هذا العمل ومن شان هذا ان يكون حافزا حقيقيا، لإتقان افضل للممارسات البنكية السائدة.
فعلى مستوى الاعتماد البسيط، وبخصوص مسؤولية البنك في إطار صعوبات المقاولة ومدى إمكانية تأثيرها سلبا على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية نسجل غياب حدود واضحة تؤطر مسؤولية البنك خلال هذه المرحلة ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية تمس السياسة المتبعة من طرف مانحي الائتمان الذين قد يجدون أنفسهم معرضين للمسؤولية بالرغم من عدم ارتكابهم لأي خطأ أو تقصير، مما يجعل الأمر ينقلب ضد المقاولات ذاتها ويعجل بإغلاقها. فالائتمان البنكي يعتبر بمثابة سيف ذو حدين، فهو قد يكون من جهة إيجابيا لمن يستفيد منه ومن جهة أخرى سلبيا بالنسبة إليه، لذلك فعلى البنك أن يحسن تقدير ملاءمته الائتمان للمصلحة الاقتصادية للمقاولة وإلا كان معرضا للمساءلة سواء تجاه الزبون أو تجاه الأغيار. فتقصير البنك عند منحه ائتمانا لمقاولة متعثرة، يعتبر خطأ يستوجب مساءلته عن الأضرار التي أحدثها ، إلا أن مساءلته على هذا الأساس يختلف طرحها باختلاف طبيعة العملية التي يتم تمويلها وكفاءة مسيريها ..
وفي الأخير يبقى التساؤل مطروح حول مدى تحمل البنك للمسؤولية في اطار الاعتماد المستندي؟
(محاماه نت)