دراسات قانونية
مشروعية الدليل الإلكتروني ومدى حجيتة أمام القاضي الجنائي (بحث قانوني)
حجية الدليل الإلكتروني و مشروعيته أمام القاضي الجنائي
محمد زروق
باحث في القانون الخاص
إن فكرة الإثبات قديمة قدم المعاملات الإنسانية، اهتدى إليها الإنسان منذ القدم، نظرا لما يترتب عن هذه المعاملات من نزاعات وخلافات، الشيء الذي حكم بإيجاد طرق تعمل على إيقاف هذه المنازعات والوصول إلى الحقيقة، وذلك من خلال صياغة وسائل وقواعد الإثبات، التي تهدف إلى كشف الحقيقة وإرجاع الأمور إلى نصابها،وللإثبات في المادة الجنائية أهمية بالغة، ذلك أنه ومن خلال الأدلة التي تتوفر في الدعوى تتحصل القناعة لدى المحكمة، فتصدر حكما بناء على ما اقتنعت به في موضوع الدعوى انطلاقا من مبدأ حرية القاضي في الإثبات والاقتناع.[1]
وفي إطار الشرعية القانونية، وحيث أن التطور العلمي هو حتمية طبيعية، ذلك أن هذا النوع من العلم وهو العلم الحسي فضلا عن كونه متغيرا بطبيعته بل هو أسرع أحداث المنجزات البشرية تغيرا، فهو أيضا من حيث مصدره كثمرة لنشاط الفكر الإنساني، يتأتى من خلال الاتساع التدريجي لنطاق المعارف النظرية، ثم انتقال حصيلة هذه المستجدات المعرفية إلى التطبيق الفعلي في الحياة المعرفية فتتأثر بذلك مختلف جوانبها، وينعكس ذلك الأثر ضمن ما ينعكس أداء الفكر الإنساني فيؤدي إلى تحسين القدرة على اكتساب المعارف وتوسيع نطاقها.[2]
ولما كان من الصعب فصل المجرم عن هذا التطور، كان على المشرع ضرورة ابتكار وسائل إثبات حديثة لمسايرة هذا الركب، الأمر الذي تأتى عن طريق ابتكار وسائل إثبات حديثة وفق ضوابط علمية للاستدلال على المتهم وكشف أغوار الجريمة وإدانة المجرمين في إطار الشرعية القانونية.[3]
ومن أعظم المشاكل التي تطرح في الجريمة الإلكترونية هو ما يقع على عاتق القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات والتحقق والتثبت منها والاقتناع بها، مصداقا لقوله تعالى: [ يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين][4] وذلك حتى لا يدان بريء ولا يفلت مجرما.
فالقاضي قبل أن يصدر حكمه يقوم بالبحث والتثبت حتى يتبين وجه الحق في الدعوى وهو في سبيل ذلك يقوم بفحص الأدلة المختلفة ويطرحها في الجلسة ليتناولها الخصوم بالفحص والتنفيذ سعيا للوصول إلى الحقيقة التي ترضي ضميره، وتكّون اقتناعه الشخصي لتحقيق العدالة.
وتختلف سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات من دولة إلى أخرى حسب ما تعتنقه كل دولة من الإثبات .
فحرية القاضي الجنائي في الاقتناع و تقدير الأدلة هو أوسع المبادئ القانونية انتشاراً في قوانين و دساتير العالم المتحضر و هو أهم مبدأ من مبادئ نظام الإثبات الحر، وقد أخذ به المشرع المغربي عندما نص في الفقرة الأولى من المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربي و التي نصت على ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون بخلاف ذلك، و يحكم القاضي بحسب اقتناعه الصميم و يجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي …”و غاية المشرع من إعطاء القاضي الجنائي هذه الحرية الواسعة لتشكيل قناعته و تقدير الأدلة المطروحة أمامه هو تمكينه من معرفة الحقيقة وكشف غوامض كل واقعة جرمية لتأمين العدالة و ضمان حرية الأفراد و صون كرامتهم.[5]
و المشرع المغربي لم يعتمد نظام الإثبات الحر و يعطي القاضي الجنائي هذه الحرية إلا بعد تجارب عديدة أثبتت جميعها أنه لا يمكن لأي تشريع مهما كان متطوراً و علميا أن يحدد بشكل مسبق أدلة إثبات قاطعة و جازمة لا يرقى الشك إليها لذا أسند المشرع لوجدان القاضي الجنائي و ضميره و شرفه مسألة تقدير الأدلة و حرية الاقتناع بها كإنسان مسؤول أمام الله و المجتمع لتطبيق العدالة و اعتبره أفضل ضمانة لتطبيق القانون و بسط العدالة أن مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع و تقدير الأدلة هو من أهم المبادئ التي تعتمد عليها نظرية الإثبات في المواد الجنائية.[6]
إلا أن الجدير بالذكر فرغم وجود الدليل الذي يثبت وقوع الجريمة و ينسبها لشخص معين لا يكفي التعويل على هذه الخاصية من أجل إصدار حكم بالإدانة، بحيث ينبغي أن يكون لهذا الدليل حجية و قيمة قانونية حتى يكون إصدار حكم بالإدانة مبني على أسا قانوني.
وقيمة الدليل الإلكتروني بصفة خاصة و الدليل بصفة عامة يتوقف على مسألتين الأولى ينبغي أن يكون هذا الدليل معترف به أي أن القانون يجيز للقاضي الاستناد إليه لتكوين عقيدته، و الثانية هو وجوب توفره على مجموعة من الشروط التي تضفي عليه المشروعية.
لكل ما سلف ينبثق عن الدليل الإلكتروني من حيث الإثبات و الحجية مجموعة من الإشكاليات يمكن طرحها على شكل الأسئلة التالية :
إلى أي حد يمكن الأخذ بالدليل الإلكتروني كحجية أمام القاضي الجنائي في الجريمة المعلوماتية؟ وما مدى مشروعية الدليل الإلكتروني في الجريمة المعلوماتية؟ و هل سلطة القاضي في تقدير الدليل الإلكتروني مقيدة أو مطلقة ؟
ولمعالجة الإشكالية المطروحة تم تقسيم هذا الموضوع إلى مطلبين تم تخصيص المطلب الأول (نطاق السلطة التقديرية للقاضي في تقييم الدليل الإلكتروني)، في حين كان المطلب الثاني من نصيب (مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي).
مطلب أول: نطاق السلطة التقديرية للقاضي في تقييم الدليل الإلكتروني:
يعتبر موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي من المواضيع المهمة التي غنى عنها في القانون الجنائي بصفة خاصة، فدور القاضي في المجال الجنائي يختلف كل الاختلاف عن الدور الذي يلعبه القاضي المدني ، فالأول يسعى إلى إثبات وقائع مادية و نفسية في حين يتجلى دور الثاني في السعي وراء إثبات وقائع قانونية، ونظرا للعبء الكبير الذي يقع على القاضي الجنائي كان و لابد من إطلاق سلطته التقديرية فيما يخص الإثبات من أجل الوصول إلى الحقيقة و كشف ملابسات الجريمة،و إذا كانت السلطة التقديرية للقاضي في الأدلة التقليدية المعروضة عليه لا تثير أي إشكال خلال مرحلة المحاكمة،إلا أن الإشكال يصبح قائما بكافة تجلياته فيما يخص الأدلة الإلكترونية كمظهر من مظاهر الأدلة العلمية التي تعتمد على وسائل تقنية من أجل الوصول إلى الحقيقة.[7]
و لقد أصبح الدليل الإلكتروني يحتل مكانة رئيسية في مجال الإثبات الجنائي،و أصبح القضاء يعول عليه كأداة فنية يؤسس عليها أحكامه سواء بالإدانة أو البراءة،إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا إلى هل يملك القاضي الجنائي بالنظر إلى ثقافته و تكوينه القانوني السلطة في تقدير الدليل الإلكتروني التي قد تصل إلى اليقين؟ و ماهي حدود سلطته التقديرية ؟؟
للإجابة عن هذا السؤال تم تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين الأولى(الدليل الإلكتروني دليل علمي)، و الفقرة الثانية (حجية الدليل الإلكتروني أمام القاضي الجنائي).
الفقرة الأولى: الدليل الإلكتروني دليل علمي:
المقصود بأن الدليل الإلكتروني كدليل علمي هو أنه لا يمكن الحصول على الدليل الإلكتروني أو الاطلاع على فحواه إلا باستخدام الوسائل العلمية[8]،كما تفيد هذه الخاصية خاصية بأهمية بما كان خاصة عند التطرق إلى المرحلة الثانية التي تأتي بعد الحصول على الدليل الإلكتروني ألا و هي مسألة حفظ الدليل بحيث يجب أن تأسس هذه العملية على أسس علمية [9].
كما أن هذه الميزة تفيد كذلك عملية تحديث أساليب تحرير المحاضر في هذا الشأن،فتحرير محضر يتناول دليل علمي يختلف كل الاختلاف عن عملية تحرير محضر تقليدي كاعتراف شخص بجريمة القتل أو سرقة ..الخ، الشيء الذي يجعل وجوب ضرورة وجود مسلك علمي في تحريره يتوافق مع ظاهرة الدليل الإلكتروني باعتباره دليل علمي.[10]
و يترتب على كون الدليل الإلكتروني دليلا علميا أيضا،أنه من أجل التعامل معه ينبغي أن يكون ذلك من قيل تقنيين متخصصين في الأدلة العلمية و العالم الافتراضي ككل.فالدليل الإلكتروني شأنه ليس كباقي الأدلة العادية الأخرى، فلا تنتج التقنية سكينا يتم به اكتشاف القاتل أو اعتراف مكتوب أو مالا في جريمة الرشوة …الخ،و إنما ما تنتجه هو نبضات رقمية تشكل قيمتها في إمكانية تعاملها مع القطع الصلبة التي تجسد الحاسوب على أية شاكلة يكون عليها.
ويعتبر المشرع البلجيكي نموذج يحتذى به حيث قام طبقا لمقتضيات قانون 28 نونبر 2000 بتعديل قانون التحقيق الجنائي بإضافة المادة (39 مكرر) التي سمحت بضبط الأدلة الرقمية، مثل نسخ المواد المخزنة في نظم المعالجة الآلية للبيانات بقصد عرضها على الجهات القضائية[11].
الفقرة الثانية: حجية الدليل الإلكتروني أمام القاضي الجنائي:
إن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الدليل لا يمكن التوسع فيها بحيث هذه السلطة تمتد لتشمل الأدلة الإلكترونية، فالقاضي و ما يتمتع من ثقافة قانونية لا تجعله يدرك الحقائق المتعلقة بأصالة الدليل الإلكتروني بحيث ما يتمتع به هذا الأخير من قوة استدلالية بقيمة قانونية تصل إلى حد اليقين،هذا هو شأن الأدلة بصورة عامة و الدليل الإلكتروني بصفة خاصة[12]، فالدليل الإلكتروني من حيث وقائعه القانونية تتوفر فيه شروط اليقين الشيء الذي يمكن معه قبول بممارسة القاضي لسلطته في التأكد من ثبوت تلك الوقائع التي يعبر عنها ذلك الدليل.
إلا أن الجدير بالذكر فرغم القوة الثبوتية التي يتمته بها الدليل الإلكتروني فهذا لا يخرجه من دائرة الشك لا سيما من حيث الإجراءات المتبعة في الحصول عليه، الأمر الذي يعطي للقاضي التدخل وفق السلطة التقديرية المخولة له في تقييم الأدلة .هذه السلطة التي ينبغي للقاضي التمتع بها لأنه من خلالها يستطيع إظهار مواطن الضعف في هذه القرائن من ناحية و كذلك يستطيع من خلالها من تفسير الشك لفائدة المتهم من ناحية ثانية [13].
و في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن المشرع المغربي فيما يخص قبول القاضي الجنائي الدليل الإلكتروني في الإثبات فهو يأخذ بطريقتين،بطريقة مباشرة من جهة و بطريقة غير مباشرة من جهة ثانية، و المقصود بالطريقة المباشرة هي أن القاضي الجنائي المغربي يأخذ بالدليل الإلكتروني و يدرجه في أحكامه ضمن حيثياته باعتباره قرينة معززة لباقي وسائل الإثبات الأخرى،و يستدل ذلك من خلال الأحكام و القرارات الصادرة عن القضاء الجنائي المغربي.
حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش “و حيث اعترف الظنين تمهيدا بالمنسوب إليه …. و حيث أن إنكاره للمنسوب إليه أمام المحكمة تكذب تصريحاته التمهيدية أمام الضابطة القضائية و كذا مختلف الصور و الفيديوهات التي تم استخراجها من الموقع الإلكتروني العالمي المسمى FACEBOOKو الذي قام الظنين بالكشف للضباط الشرطة القضائية عن العناوين السرية التي استعملها للانخراط في الموقع المذكور”[14].
كما جاء أيضا في حكم أخر صادر عن المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة ” و حيث اعترف المتهم (ع.ط) تمهيديا بكونه هو من قام بتصوير المشتكية رفقة أصدقائها في حفل ميلادها و أن التسجيل لم يعده إلى صاحبته بعلة أن المسمى (ج) هو من احتفظ به بعد أن قام بتحويله إلى قرص مدمج …و حيث ثبت للمحكمة من خلال تصريحات الشاهد (ر.ح) بأنه سلم قرص بعد نسخه لكل من المتهم (ع.ط) و المسمى (ج.ب) و هو ما يتناقض مع تصريحات المتهم، و حيث ثبت للمحكمة من خلال وقائع الملف و خاصة القرص المدمج موضوع الشكاية بأنه يحتوي على اللقطات المصورة للمشتكية،و حيث ثبت للمحكمة استنادا إلى ما سبق قيام عدة قرائن قوية على قيام جنحة المشاركة في استغلال أشرطة فيديو لأغراض تجارية دون تأشير المركز السينماتوغرافي المغربي مع تضمنها لمشاهد مخلة بالآداب…”[15].
أيضا جاء في حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء يتعلق بالشذوذ الجنسي و عرض صور إباحية عبر الأنترنيت ” حيث إن إنكار الظنين للمنسوب إليه جاء مجردا تفنده تصريحاته و اعترافاته التمهيدية أمام الضابطة القضائية و ظروف و ملابسات القضية يؤكد صحة ذلك التصريحات مصرح المحضر (ي.أ) كون الظنين يستقطب بعض الشواذ مثله إلى بيته كلها قرائن تنهض دليلا على قيام الظنين بما نسب إليه”[16].
أما فيما يخص الأخذ بالدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي بطريقة غير مباشرة استنادا إلى الاعتراف القضائي[17]،و يستدل على ذلك من خلال مجموعة من الأحكام القضائية الصادرة عن محاكمنا المغربية.
حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء عم جنحة تزوير وثائق تصدرها الإدارة العامة و صنع شواهد تتضمن وقائع غير صحيحة و المشاركة في استعمالها و النصب، ” و حيث صرح الظنين (ع.ك) تمهيديا أنه يتعاطى لتزوير مختلف الوثائق و الشهادات الإدارية و المدرسية و كذا البطائق الرمادية الخاصة بالسيارات، و ذلك لفائدة أشخاص مختلفين مستعينا في ذلك بجهاز حاسوب و آلة طابعة و أقراص مدمجة تحتوي على نماذج لمختلف الشواهد الإدارية و المدرسية و كذا شهادات العمل وورقات الأداء فارغة تحمل بيانات شركة وهمية لا وجود لها و أن الظنين (ط.ف)يعمل على جلب الأشخاص الراغبين في الحصول على مثل هذه الوثائق و هي تصريحات أكدها الظنين (ط.ف)،و حيث إن اعترافات الظنين أمام المحكمة جاءت صريحة و صادرة عن إرادة حرة غير مكرهة و منسجمة مع وقائع القضية و متطابقة معها و تؤكد حالة التلبس و المحجوزات التي ضبطت بحوزة الظنين و تصريحاتهما التمهيدية”[18].
وفي هذا الصدد صدر عن نفس المحكمة المذكورة أعلاه حكم عن جنحة النصب و الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال و تملك و حيازة برامج للمعطيات تستعمل لذلك ووضعه رهن إشارة الغير حيث جاء فيه ” و حيث أحظر الظنين أمام المحكمة في حالة اعتقال و اعترف بما نسب إليه و حيث إنه لئن كانت محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها فإن الاعتراف القضائي يبقى خير دليل يمكن أن يدان بسببه المرء.و حيث أن قيام الظنين بالدخول إلى النظام المعلوماتي الخاص بشركة الخطوط الملكية و اقتناء تذاكر سفر لأشخاص آخرين يكون بذلك الظنين ارتكب جنحة الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال …”[19].
فرغم القوة الثبوتية للدليل الإلكتروني و تقدم مكانته في الإثبات الجنائي و علت قيمته العلمية و الفنية في الإثبات فإنه يحتاج إلى قاضي يتمتع بسلطة تقديرية،وكما سبق و رأينا فجل التشريعات أعطت للقاضي السلطة التقديرية في تقييم الدليل الإلكتروني و خيرا فعل المشرع المغربي عندما اقتدى بهذه التشريعات و منح القاضي سلطة لأن هذه الأخيرة الممنوحة للقاضي الجنائي تكون لازمة لتنقية الدليل من الغلط و الخطأ و الغش،و هي لازمة لأنها تحول الحقيقة العلمية إلى حقيقة قضائية.
و الواجب بالذكر أن الوسائل العلمية و إن كانت تفيد في تسهيل مهمة الكشف عن الحقيقة القضائية ، إلا أنها قد تعصف بحريات و حقوق الأفراد إذ لم يحسن استخدامها .
مطلب ثاني: مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي:
في إطار مشروعية الأدلة الإلكترونية، نجد أن قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي رغم أنه لم يتضمن أي نصوص تتعلق بمبدأ الأمانة أو النزاهة في البحث عن الحقيقة، إلا أن الفقه والقضاء كانا بجانب هذا المبدأ سواء في مجال التنقيب عن الجرائم التقليدية، أم في مجال التنقيب في جرائم الحاسوب والإنترنت، كأن يستخدم أعضاء الضابطة العدلية طرقًا معلوماتية في أعمال التنصت على المحادثات الهاتفية، ويشير رأي فقهي فرنسي إلى أن القضاء قد قبل استخدام الوسائل العلمية الحديثة في البحث والتنقيب عن الجرائم تحت تحفظ أن يتم الحصول على الأدلة الجنائية، ومن بينها الأدلة المتحصلة من الحاسوب والإنترنت، بطريقة شرعية ونزيهة، ونفس الشيء نجده في سويسرا وبلجيكا[20].
و حتى يكون للدليل الإلكتروني قيمة قانونية أمام القاضي الجنائي يجب أن يكون الطريقة التي تم التوصل بها إلى الدليل تمت عن طريق مشروعة، بعيدة عن أي زيف أو خداع الأمر الذي يحتم على من أسند إليهم أمر تحصيل الدليل الإلكتروني إتباع طرق قانونية و مشروعة تكون الغاية من ورائها إدانة المتهم من جهة و قبول الدليل من طرف القاضي الجنائي من جهة أخرى.
و للحديث عن مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي باعتباره أول الشروط التي ينبغي للقاضي مراعاتها في أي دليل يعرض عليه، هنا وجب الحديث عن ما المقصود بالمشروعية (الفقرة الأولى)،و ما أساس مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم مشروعية الدليل في الجريمة الإلكترونية:
يقصد بمشروعية الدليل الجنائي بما يتضمنه من أدلة إلكترونية هو :”التوافق و التقيد بالأحكام القانونية في إطارها و مضمونها العام فهي تهدف إلى تقرير ضمانة أساسية و جدية للأفراد لحماية حرياتهم و حقوقهم الشخصية ضد تعسف السلطة و بالتطاول عليها في غير الحالات التي رخص فيها القانون بذلك من أجل حماية النظام الإجتماعي و بنفس القدر لتحقيق حماية مماثلة للفرد ذاته “[21].
ويقصد بها كذلك ضرورة إتفاق الإجراء مع القواعد القانونية و الأنظمة الثابتة في وجدان المجتمع المتحضر،كما أن مشروعية الدليل لا ترتبط فقط بالقواعد القانونية فقط،بل يجب كذلك مطابقتها مع إعلانات حقوق الإنسان و المواثيق و الإتفاقيات الدولية وكذلك حتى مع قواعد النظام العام و حسن الآداب السائدة في المجتمع.
ومبدأ المشروعية يمثل أحد الدعائم الأساسية التي نصت عليها التشريعات الجنائية المعاصرة إلا أنها لا تكفي وحدها لحمـاية حريـة الإنسان في حالة القبـض عليه أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاكمته مع افتراض إدانته، فكل إجراء يتخذ ضد الإنسان دون افتراض براءته سيؤدي حتما إلى تكليفه عبئ إثبات براءته من الجريمة المنسوبة إليه ، فإذا عجز عن إثبات هذه البراءة اعتبر مسؤولا عن جريمة لم تصدر عنه .[22]
و يؤدي هذا الوضع إلى قصور الحماية التي يكلفها مبدأ الشرعية طالما كان من الممكن المساس بحرية المتهم من غير طريق القانون، أو كان من الممكن إسناد الجرائم لأحد ما ولو لم يثبت ارتكابه لها عن طريق افتراض إدانته. من هذا كان من اللازم تدعيم هذه القاعدة ، بقاعدة ثانية تحكم تنظيم الإجراءات تتخذ ضد المتهم، على نحو يضمن احترام الحقوق والحريات الفردية وهذه القاعدة تسمى بالشرعية الإجرائية ، أو قاعدة مشروعية الدليل[23] .
و في بريطانيا قامت الشرطة بتركيب جهاز تنصت على خط هاتف إحدى الشاكيات بناءً على موافقتها، وقد أجرت الشاكية عدة مكالمات هاتفية مع الشخص الذي كانت الشرطة تشك في ارتكابه الجريمة، وقد تم تسجيل هذه المكالمات التي تضمنت موضوعات تدين المتهم، لكن القاضي استبعد هذه التسجيلات على أساس أنها تمت من خلال شرك خداعي.
أما في اليابان فقد أصدرت محكمة مقاطعة (KOFV) حكماً أقرت فيه مشروعية التنصت للبحث عن الدليل ، حيث ضرورة التحريات، وإمكانية استخدام الإجراءات في التحريات تكون مأخوذة بعين الاعتبار،لكن الفقه الياباني، يرى أن الأدلة الجنائية التي يتم الحصول عليها بطرق مشروعة يجب أن تكون مستبعدة سواء كانت تقليدية أم أدلة إنترنت.[24]
تُعد من الطرق غير المشروعة أيضًا استخدام التدليس أو الغش أو الخداع في الحصول على الأدلة الإلكترونية، ولقد صادقت لجنة الوزراء التابعة للمجلس الأوروبي في 28/1/1981م على اتفاقية خاصة بحماية الأشخاص في مواجهة مخاطر المعالجة الآلية للبيانات ذات الطبيعة الشخصية.
ومن المحاور المهمة التي تناولتها الاتفاقية ضرورة أن تكون البيانات المضبوطة صحيحة وكاملة ودقيقة، ومستمدة بطرق مشروعة، ومدة حفظها محددة زمنيًا، وعدم إفشائها أو استعمالها في غير الأغراض المخصصة لها، وحق الشخص المعني في التعرف والاطلاع على البيانات المسجلة المتعلقة به وتصحيحها وتعديلها ومناقضتها ومحوها إذا كانت باطلة.[25]
ومن أمثلة الطرق غير المشروعة التي يمكن أن تستخدم في الحصول على الأدلة الناتجة عن الجرائم المعلوماتية، الإكراه المادي والمعنوي في مواجهة المتهم المعلوماتي من أجل فك شفرة نظام من النظم المعلوماتية أو الوصول إلى دائرة حل التشفير أو الوصول إلى ملفات البيانات المخزنة، أو التحريض على ارتكاب الجريمة المعلوماتية من قبل أعضاء الضابطة العدلية ، كالتحريض على الغش أو التزوير أو التجسس المعلوماتي، والاستخدام غير المصرح به للحاسوب، والتنصت، والمراقبة الإلكترونية عن بُعد.[26]
الفقرة الثانية: أساس مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي:
تثير إشكالية أساس مشروعية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي جدالا و اختلافا كبيرا بين التشريع و القضاء و الفقه في الاتجاه الأنجلو سكسوني من ناحية، و التشريع و الفقه و القضاء من ناحية ثانية .و للتوسع في هذا الجدال تم تقسيم هذا الفقرة إلى الحديث عن مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة اللاتينية (أولا)،و مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة الأنجلوسكسونية (ثانيا).
أولا: مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة اللاتينية:
إن خصوصية مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة اللاتينية فإنها تترك للقاضي كامل الحرية في انتقاء الدليل و بأي وسيلة يراها موصلة للحقيقة،إلا أنه في المقابل يقيده من حيث الوسيلة التي يستعين بها في الوصول إلى الدليل الذي يبني عليه حكمه ، و التي لا بد أن تكون مطابقة للقانون، فلا يكفي وجود الدليل من أجل الحكم بالإدانة أو البراءة يل لابد من احترام المشروعية القانونية التي يقوم أساسها على احترام حقوق دفاع المتهم و كرامته الإنسانية .[27]
و يعتبر المشرع المغربي (أ)، و المشرع المصري (ب) نماذج يحتذى بها في مجال مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة اللاتينية.
المشرع المغربي:
فيما يخص التشريع و لاسيما في مسألة مشروعية الدليل الإلكتروني،فقد نص المشرع المغربي على جزاء البطلان عند عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها قانونا و ما قد يترتب عنها من إجراءات و لقد نص على ذلك في مجموعة من المواد من أهمها المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية و التي نصت على ” يعمل بالإجراءات المقررة في المواد 59و60 و 61 أعلاه تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب و ما قد يترتب عنه من إجراءات”،أيضا نصت المادة 751 من نفس القانون ق.م.ج بأنه ” كل إجراء يأمر به هذا القانون و لم يثبت إنجازه على الوجه القانوني كأن لم ينجز…”.[28]
فكل هذه النصوص القانونية سالفة الذكر و غيرها، تعكس فكرة واحدة أساسها اتجاه إرادة المشرع في احترام القواعد الإجرائية ” لا إجراء بدون نص” كما تعكس في نفس الآن إرادة المشرع المغربي في احترام حقوق دفاع المتهم الذي لا يجوز إدانته إلا بناء على الأدلة المشروعة أي الأدلة التي تمت بطريقة مشروعة.
أما بخصوص الفقه المغربي[29]، فكانت له كلمة أكد فيها هو الأخر موقف المشرع المغربي، حيث اعتبر أن مشروعية الأدلة الجنائية بصفة عامة – بما تتضمنه من أدلة إلكترونية- هي وسيلة فعالة للتوفيق بين مصلحة الأفراد في حماية حقوقهم و مصلحة المجتمع في معاقبة مرتكبي الجرائم، و أن تقرير البطلان كجزاء على عدم احترام نصوص قانون المسطرة الجنائية، بحيث أنها تشكل ضمانة فعالة في فرض تطبيق القانون بكيفية سليمة تقوم بالأساس على احترام حقوق الدفاع .[30]
و في رأيي أن شرط المشروعية يعتبر بمثابة حاجز وقائي يحمي الأفراد من الانتهاكات التي قد يتعرضون لها في الحقوق المخولة لهم قانونا، و خيرا فعل المشرع عندما ربط الدليل بالمشروعية بحيث إدا ما تبين للقاضي الجنائي أثناء مناقشة الدليل بعدم مشروعيته أقر ببطلانه.
أما فيما يتعلق بالقضاء الجنائي المغربي، فقد هو أيضا بوجوب مشروعية الأدلة الجنائية بصفة عامة و يستدل على ذلك من خلال مجموعة من الأحكام و القرارات.حيث صرحت غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط أن المحضر الباطل يوثر على الاعتراف المضمن به و يبطله.[31]
و هذا ما أكدته كذلك محكمة النقض بقولها :” بأن عدم استدعاء المحامي يترتب عنه بطلان محضر الاستنطاق و بطلان الاعتراف الذي يتضمنه و أن حضور المحامي لجلسة الاستنطاق بدون استدعائه لا يصحح البطلان”[32].
التشريع المصري:
كرس المشرع المصري هو الآخر ضرورة مشروعية الأدلة الجنائية بوجه عام – بما فيها الأدلة الإلكترونية بصفة خاصة- بحيث أم كل دليل يتم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة يتم إبطاله استنادا إلى المادة 336 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ” إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، ويلزم إعادته متى أمكن ذلك”[33].
و نفس الأمر أكده الفقه المصري، غير أنه ميز بين دليل الإدانة و دليل البراءة، فأجمع الفقه المصري[34]، على وجوب مشروعية الدليل من أجل الإدانة ،انطلاقا من كون أن أصل الإنسان بريئا و أن هذه البراءة لا يمكن دحضها إلا بناء على الأدلة المشروعة تحترم فيها الحريات و تضمن الحقوق التي رسمها القانون، أما بالنسبة لدليل البراءة فكان الفقه المصري مختلفا بشأنه، بحيث رأى البعض أن المشروعية ضرورية في الدليل سواء من حيث الإدانة أو البراءة،و هناك من أرجع المشروعية إلى كيفية تحصيل الدليل هل ثم بطريقة مشروعة أو العكس.
و كذلك نفس الشأن بالنسبة للقضاء المصري،فلقد كرس على هذا المبدأ في العديد من أحكامه و القرارات الصادرة عن محكمة النقض،حيث جاء في إحدى قراراتها أن تقليد صوت الغير أو الاستماع إلى الحديث الهاتفي خلسة من الوسائل غير المشروعة [35]،فمشروعية الدليل في القضاء المصري ركن أساسي من أجل قبول الدليل .
ثانيا: مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة الأنجلوسكسونية:
إن مشروعية الدليل الإلكتروني في القوانين ذات الصيغة الأنجلوسكسونية تختلف كل الاختلاف عن المشروعية التي يتمتع بها الدليل في قوانين اللاتينية، فإذا كانت هذه الأخيرة تعطي للقاضي حرية مطلقة في التعامي مع الدليل و تقييمه و كذلك وجوب تمتعه بالمشروعية ، فالعكس في القوانين ذات الصيغة الأنجلوسكسونية من حيث تمتيع القاضي بالحرية.
فمضمون قاعدة مشروعية الدليل الجنائي بما يحتويه من أدلة إلكترونية يختلف ضيقا و اتساعا،حسب نطاق ما يسمى بقاعدة الاستبعاد.
و يعتبر كل من التشريع الأمريكي (أولا)،و التشريع الإنجليزي (ثانيا) نماذج يحتذى بها في القوانين ذات الصيغة الأنجلو سكسونية.
أولا: التشريع الأمريكي:
عرف الفقه الأمريكي فيما يخص مشروعية الدليل انقساما، فهناك من جانب من الفقه اعتبر بأن عدم مشروعية الدليل الجنائي بما فيه الدليل الإلكتروني ليس مبرر لاستبعاده لأن ذلك يعد علاجا غير فعال و من شأنه أن يساهم في إفلات المجرمين من العقاب، في حين ذهب الجانب الثاني من الفقه إلى بأن المجتمع سيعاني من جراء تطبيق استبعاد الأدلة الباطلة.
غير أن أغلب الفقه يؤيدون قاعدة استبعاد الأدلة غير المشروعة و يعتبرونها العلاج المناسب في حالة مخالفة القانون لكزنها تصون حرية الأفراد[36].
أما على مستوى الفقه الأمريكي، فقد كان يتبنى هذا الأخير قاعدة عدم استبعاد الأدلة المتحصل عليها بطريقة غير مشروعة،إلى أن قررت المحكمة الفدرالية العليا سنة 1914 هجر هذه القاعدة و تغييرها بقاعدة أخرى متمثلة في قاعدة استبعاد الدليل الباطل، غير أن هذه القاعدة لم تكن ملزمة لجميع المحاكم في أمريكا،بل قيدت المحاكم الفيدرالية دون محاكم الولايات،الشيء الذي جعل المحكمة الفيدرالية بأن تعيد ترتيب أوراقها سنة 1961 و قررت بتطبيق استبعاد قاعدة الدليل غير المشروع يشمل جميع أنحاء محاكم الولايات.[37]
ثانيا: التشريع الإنجليزي:
يعتبر التشريع الإنجليزي من التشريعات التي تعمل بقاعدة استبعاد الدليل الجنائي الذي تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة،خاصة بعدما صدر قانون الشرطة و الإثبات الجنائي سنة 1984، و ذلك بخلاف ما كان معمول به سابق حيث كان المشرع الإنجليزي يتقبل الدليل و لو كان مصدره غير مشروع.
فإذا ما تم التدقيق في قانون الشرطة و الإثبات الجنائي 1984يتبين أن هذا القانون بمجموعة من النصوص القانونية التي تنص صراحة على استبعاد الدليل المتحصل عليه بطرقة غير مشروعة ، والمادة 76 من القانون أعلاه التي نصت بصحيح العبارة على استبعاد الاعتراف المتحصل عليه تحت الضغط أو تحت أي وسيلة غير مشروعة تجعل منه دليلا مستبعدا[38].
أما على مستوى الفقه، فقد كان يعرف تضارب فيما بينه بحيث أن هناك من الفقه رفض مسألة استبعاد الدليل غير المشروع و استند على قوله بأن هناك جزاء مستقل لما قد يأتيه رجال الشرطة من إجراءات مخالفة للقانون، الشيء الذي يدعو إلى عدم استبعاد الدليل.
أما التيار الثاني من الفقه و هو الغالب فيذهب إلى تأكيد قاعدة استبعاد الدليل غير المشروع،ويرى ضرورة استبعاد الأدلة الناتجة عن الإجراءات غير المشروعة [39].
أما فيما يخص القضاء الإنجليزي، فقد كان تارة يأخذ بمسألة استبعاد قاعدة الدليل غير المشروع و تارة يأخذ بهذه القاعة ،ففي إحدى القضايا التي تم عرضه على القضاء الإنجليزي سنة 1988 و الذي حاول من خلالها الدفاع التشكيك في أدلة الإثبات مدعيا أن مجموعة من الأدلة التي بنى عليها الادعاء اتهامه يجب استبعادها من تقدير القاضي، ولقد فند تدخله بالمادة 78 من قانون الشرطة و الإثبات الجنائي لسنة 1984،كما انتقد الدفاع أساليب التحري و الطرق غير المشروعة و اللاقانونية التي من خلالها تحصيل الأدلة و بموجب هذه الأمر الذي من خلال هذه الطرق غير المشروعة إلى القبض على اثنين من المتهمين إلا أن كل هذه الإدعاءات التي تقديمها من طرف الادعاء تم العصف بها و رفضها من طرف القاضي[40] .
وعلى النقيض من ذلك ففي إحدى القضايا الأخرى التي عرضت على القضاء و التي تم استبعاد الدليل غير المشروع الذي كان تحصيله من خلال شرك خداعي،و الذي رغم تضمنها تسجيلات هاتفية تدين المتهم إلا أن القاضي قام باستبعاد هذه التسجيلات لأنها تمت بطرق غير مشروعة الشيء الذي أعطى للقاضي الأخذ بقاعدة استبعاد الدليل غير المشروع .[41]
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :
ومما لا شك فيه هو أن ظهور مثل هذه النوع من الجرائم الذي تعتبر الثورة العلمية للتكنولوجيا و الاتصالات سببا في ظهورها،قد ساهم كثيرا في تطوير وسائل الإثبات الجنائي بما يتلاءم مع مثل هذه الجرائم.
وقد كان من الإشكالات التي كانت تطرح نفسها بشكل واضح هو الدليل الإلكتروني هذا الأخير الذي كان يختلف عن الدليل العادي في الجريمة التقليدية، بحيث كان يتميز بمجموعة من الخصائص التي جعلت منه دليلا متميزا عن باقي الأدلة و من الخصائص التي كان يتميع بها هو أن دليل جعل من البيئة الإلكترونية مسكنا له ،كما أنه دليل سهل التدمير و الإخفاء و أن عملية الحصول عليه تستدعي المرور بمجموعة من المراحل المعقدة السبب الذي كلف الجهة التي أسندت إليها الحصول على الدليل الإلكتروني المتمثلة في محققين و خبراء أعدوا لهذا الغرض.
و نظرا لظهور هذه الجريمة المعلوماتية كان على كل الدول التي تعرف تقدما تكنولوجيا أن بأن تعد العدة من أجل سن قوانين تمشي في نفس الطريق الذي تمشي فيه الجريمة الإلكترونية.
و يعتبر المشرع المغربي نموذج يحتذى به و خيرا فعل عندما قام سن بعض القوانين في السنوات الأخيرة من جهة و تعديل أخرى من جهة ثانية التي تتناسب مع مثل هذه الجرائم، و يتعلق الأمر بقانون 03_07 الصادر بتنفيذ ظهير شريف المتعلق بمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، والتي نصت عليها وعلى عقوبتها تسعة فصول جنائية جديدة هي الفصول من 3-607 إلى 11-607، وهي جرائم يمكن أن تكتسي صبغة إرهابية إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف.
فرغم تنوع الجرائم المعلوماتية التي ورد التنصيص عليها في القانون الجنائي المغربي، إلا تتفق في مجموعها على ضرورة وجود نظام للمعالجة الآلية للمعطيات كما يشترط ذلك الفقه أي النظام المعلوماتي المتكون من جهاز الحاسب الآلي والكيانات المنطقية ووحدات الإدخال والإخراج وشبكات الربط والاتصال. وتتشكل أبرز الجرائم المعلوماتية من الأفعال الآتية: الدخول الاحتيالي إلى نظام من نظم المعالجة الآلية للمعطيات، والبقاء في نظام المعالجة الآلية للمعطيات رغم العلم بعدم مشروعية الدخول.
و في الأخير لا يسعني إلا أن أقول إن المبدأ العام الذي سيظل سائدا في مجال الإثبات الجنائي هو عدم إمكانية حصر أدلة الإثبات ،فجميع أدلة الإثبات سيبقى معمول بها أمام القاضي الجنائي شريطة أن تكون طريقة تحصل هذه الأدلة تم بطرق مشروعة و قانونية.
(محاماه نت)