دراسات قانونية

الحماية القانونية لدائني الشركات خلال عملية الإندماج (بحث قانوني)

الحماية القانونية لدائني الشركات أثناء عملية الإندماج

عبد الجليل فدادي
طالب باحث ماستر قانون الأعمال والمقاولات
كلية الحقوق الرباط – السويسي

مقدمة:

إن العالم اليوم يشهد ظاهرة لم نلمسها من قبل تتمثل في تركيز القوى الإقتصادية كنتيجة لما أضحت تعرفه الحياة الإقتصادية من مشاكل و صعوبات ،تقف عقبة أمام المشاريع الصغرى و تعيق تقدمها[1] .

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

و يتخد التركيز الإقتصادي صور متعددة ، فقد يتخد شكل تجمع الشركات بأن تخضع مجموعة من الشركات لإدارة إقتصادية موحدة و تراقب من قبل إحدى الشركات المكونة للتجمع.

أو قد يتخذ شكل اخر يتمثل فيما يعرف بالإندماج ، الذي يمكن تعريفه بأنه تلك ” العملية التي تؤدي بشركة إلى ضم شركة أخرى و ذلك قصد تأليف شركة واحدة في نهاية المطاف ، و استثناء باختلاطهما معا قصد إنشاء شركة وحيدة “[2]

و ذلك قد يتم إما أفقيا متى كانت للشركات المندمجة نشاطا موحدا ، و إما عموديا إذا كانت لشركتين نشاطين متكاملين.

انطلقت ظاهرة الإندماج لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية[3] في تسعنيات القرن 19، إلا أن المغرب لم يعرف هذه الظاهرة إلى مع صدور قانون المغربة بتاريخ 2 مارس 1973 ، لتنتشر بعد ذلك خاصة بعد نهج المغرب سياسة عولمة الإقتصاد و انفتاح الحدود المغربية عن طريق إبرام اتفاقيات التبادل الحر.

من هنا يظهر بأن للموضوع أهمية كبرى تتفرع إلى شقين:

الأول علمي يتمثل في الإهتمام التشريعي بهذه الظاهرة بإفراز قواعد خاصة تحكمها.
والثاني عملي يتجلى فيما تشكله العملية باعتبارها إحدى تقنيات التركيز الإقتصادي التي تهدف إلى إحداث شركات عملاقة قادرة على المنافسة.

على أنه إذا كان المشرع المغربي عمل على تنظيم هذه العملية بالمقتضيات المنصوص عليها في قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة ، إلا أنه بمقابل ذلك وضع في الحسبان حماية حقوق الأغيارالمرتبطة بهذه العملية ولو نسبيا ، ونجد من ضمن هؤلاء دائني الشركات الإندماج .

وهو ما يدفعنا إلى طرح الإشكال التالي :

إلى أي حد عمل المشرع المغربي على حماية حقوق دائني شركات الإندماج؟

وللإجابة عن هذا الإشكال فإنه سيتم اعتماد التقسيم التالي :

الفقرة الأولى : حماية الدائنين العاديين أثناء عملية الإندماج .
الفقرة الثانية : حماية الدائنين حاملي سندات القرض أثناء عملية الإندماج.

الفقرة الأولى : حماية الدائنين العاديين أثناء عملية الإندماج

إن تطبيق مبدأ نسبية العقد على العقد الرابط بين شركتين و القاضي بإدماجهما يؤدي إلى عدم إلحاق أثاره على الأغيار ، والذي من ضمنهم دائني الشركتين وهو ما دفع المشرع المغربي إلى إقرار حماية خاصة لحقوق هؤلاء الغير حاملين للسندات القرض من خلال نصه في الفصل 224 من قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة على أنه يترتب على الإندماج انتقال مجموع الذمة المالية لشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة (أولا) ، ثم منحهم إمكانية رفع دعوى التعرض على مشروع الإندماج (ثانيا).

أولا : إنتقال حقوق الدائنين بقوة القانون

كان يترتب على اندماج الشركات في فرنسا قبل سنة 1966 تجديد الدين نتيجة تغيير المدين ، الأمر الذي كان يتطلب معه ضرورة صدور موافقة دائني الشركة المندمجة على عملية الإندماج[4]، إلا أنه و بعد صدور قانون الشركات الفرنسي للسنة 1966، تم التخلي عن هذا التوجه من خلال إقرار المادة 381 منه على مسؤولية الشركة الدامجة عن كافة ديون الشركة المندمجة، وهو نفس التوجه الذي صارت على منواله المادة 239 من قانون 17-95 حينما نصت على أنه “تعتبر الشركة الضامة مدينة ، بدل الشركة المضمومة لدائني هذه الأخيرة من غير حاملي سندات القرض ،دون أن يؤدي هذا الإستبدال إلى تجديد الدين تجاه الدائنين”.
وهو ما يعني أن الإلتزام الأصلي يبقى قائما في مواجهة الشركة الدامجة دون أي تعديل في طبيعته ولا في سببه أو وصفه ولا في الضمانات التي كان يتمتع بها الدائن إزاء الشركة المضمومة قبل إجراء الإدماج[5].

فدائن الشركة المندمجة لا ينشأ له الحق في الرجوع على أصول الشركة المندمجة التي آلت إلى الشركة الدامجة فحسب و إنما ينشأ له الحق في الرجوع على كافة أموالها دون تفرقة بين الموجودات التي آلت إليها عن طريق الإندماج و موجوداتها الأصلية[6].

بيدأنه إذا كان المشرع قد أقر مبدأ إنتقال الدين من الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة بقوة القانون اثر عملية الإندماج ، فإنه مع ذلك قد عيب عليه إقصار هذا المبدأ على الشركات المساهمة دون سائر أنواع الشركات الأخرى و ذلك على اعتبار أن المادة 239 المشار إليها أعلاه ، وردت في إطار الفصل الثاني الذي جاء تحت عنون ” أحكام خاصة بشركات المساهمة “.
وهو ما دفع ببعض الباحثين[7] إلى دعوة المشرع من أجل أن يعمل على تطبيق هذه المقتضيات على سائرأنواع الشركات ، أو تبني على الأقل ما ذهب إليه المشرع الفرنسي الذي وسع من نطاق هذا المبدأ ليشمل حالة إندماج شركتين ذات المسؤولية المحدودة و حالة اندماج شركة المسؤولية المحدودة مع شركة المساهمة.

ثانيا : حق ممارسة دعوى التعرض

باستقراء أحكام المادة 239 من قانون 17-95 يتضح أن ممارسة دعوى التعرض يتطلب توفر شرطين أساسين: الأول يتمثل في كون أن حق ممارسة الدعوى التعرض مخول لكل دائن ، سواء كان دائنا للشركة المندمجة أو الشركة الدامجة ، باستثناء الدائنين أصحاب سندات القرض الذي لا يمكن لهم استعمال دعوى التعرض إلا بشكل جماعي عن طريق ممثلي كثلتهم طبقا لأحكام المادتين 238 و 241 من قانون الشركات المساهمة.
وقد ذهب بعض الباحثين[8] في تفسيرذلك بإرجاعه إلى العدد الكبير لحاملي سندات القرض داخل الشركات الكبرى وما يمكن أن ينجم عن ذلك من تراكم دعاوي التعرض لدى المحاكم التجارية ، فكان من المنطقي مادام أن حاملي سندات القرض على سبب واحد في تعرضهم أن تفرض عليهم الممارسة الجماعية لحق التعرض.

إلا أن صفة الدائن لا تخول حق ممارسة دعوى التعرض إلا إذا كان الدين سابقا على مشروع الإندماج ، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن الدائن الذي نشأ حقه بعد ذلك يحرم من إمكانية ممارسة هذه الدعوى .
على أنه و إن كنا نجد أن القضاء الفرنسي اعتبر التعرض صحيحا حتى في حالة نشوء الدين بعد إشهار مشروع الإندماج ، بسبب ذكر عنوان غير صحيح لمقر الشركة المندمجة عند الإشهار[9].

بالإضافة إلى ماسبق فإنه يلزم تقديم التعرض داخل أجل 30 يوما ابتداءا من تاريخ الشهر الأخير للمشروع.
وهذا عكس ما ذهب إليه المشرع السعودي، الذي حدد أجل التعرض طبقا لأحكام المادة 215 من قانون التجارة السعودي الصادر بتاريخ 17 مارس 1975، في تسعين يوما مي تاريخ إشهاره[10].
و يترتب على إحالة التعرض على أنظار المحكمة التجارية أن تأمر الشركة الضامة إذا اتضح لها أن التعرض يرتكز على أساس صحيح، إما بإرجاع الدين وإما بتقديمها ضمانات لفائدة الدائن إذا منحتها الشركة و اعتبرة كافية.
على أنه في حالة عدم إرجاع الدين أو تقديم الضمانات المأمور بها ، فإنه لايحق الإحتجاج بالإدماج على الدائن المتعرض[11].

ولابدا من لإشارة في الأخير إلى أنه إذا كان المشرع الفرنسي و المغربي يذهبان إلى عدم تأثير دعوى التعرض على متابعة إجراءات عملية الإندماج ، فإنه في مقابل ذلك نجد أن المشرع الإيطالي و اللبناني يقرران وقف إجراءات الإندماج لحين التحقق من عدم وقع ضرر على الدائن نتيجة لهذا الإندماج.

الفقرة الثانية: حماية الدائنين الحاملين للسندات القرض أثناء عملية الإندماج

لطالما قد تحتاج الشركة خلال حياتها إلى أموال جديدة تقتضيها ضرورة السير في استكمال مشروعاتها ، وهو الأمر الذي قد يدفعها إلى الإلتجاء إلى الإقتراض معتمدة في ذلك على إصدار سندات للقرض موجهة للجمهور متى كانت المبالغ التي تحتاجها ضخمة.

ويمكن تعريف سندات القرض بكونها تلك السندات التي تصدرها شركة المساهمة بطرحها للإكتثاب العام للحصول على قرض طويل الأمد قابل للتداول ، تكون له قيمة أسميا لا يجوز أن تقل عن 50 درهما، على أنه إذاكانت الشركة مقيدة أسهمها في بورصة القيم فإنه يحدد الحد الأدنى في 10 دراهم[12].

وللشركة المساهمة أن تصدر نوعين من سندات القرض :
إما سندات القرض عادية (أولا) وإما سندات القرض قابلة للتحول إلى أسهم (ثانيا)،الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول الحماية القانونية الذي خولها المشرع بالنسبة للدائنين الحاملين لكل نوع من أنواع هذه السندات؟

أولا : حماية حاملي سندات القرض العادية أثناء الإندماج

عمل المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 299 من قانون شركات المساهمة على تخويل حاملي سندا القرض المنشأة إثر نفس الإصدار تكوين كثلة خاصة بهم تتمتع بالشخصية المعنوية بغرض حماية حقوقهم المشتركة ،على أن تكون هذه الكثلة ممثلة بواسطة وكيل واحد أو عدة وكلاء يتم إنتخابهم من طرف الجمعية العامة العادية لحاملي سندات القرض.
و برجوع إلى المادة 236 من نفس القانون نجدها تنص على أنه ” يعرض مشروع الإدماج على الجمعيات حاملي سندات القرض في الشركات المضمومة، إلا إذا عرض عليهم إرجاع قيمة سنداتهم بناء على طلبهم.”[13]
يتبين من خلال هذه المادة أن المشرع أعطى للشركة المضمومة الخيار بين عرض[14] مشروع الإدماج على حاملي سندات القرض قصد إبدء رأيهم في مشروع الإدماج و إما أن تعرض عليهم إرجاع قيمة سنداتهم بناء على مجرد طلب منهم.

و يترتب على مشروع الإندماج النتائج التالية:
❶ إبداء دائني الشركة المضمومة موافقة على هذا المشروع ، الأمر الذي يصبحون معه دائنون للشركة الضامة .على انه و إن كان قرار الموافقة يتجد بالأغلبية ، فإنه مع ذلك يسري على كافة الدائنين سواء من كان غائبا منهم أو من عارض هذا المشروع.

❷ رفض حاملي سندات القرض مشروع الإدماج ، أو تعذر حصول التداول بشكل صحيح لعدم اكتمال النصاب القانوني ، فإنه في هذه الحالة يمكن لمجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية للشركة المضمومة الإستغناء عن هذه موافقة و الإستمرار في عملية الإندماج[15].

على أن قرار الإستغناء هذا يجب أن يتم نشره في الجريدة المخول لها نشر الإعلانات القانونية و التي فيها الإعلام بتوجيه الدعوى لعقد الجمعية ، على أنه إذا كانت الشركة ممن تدعو الجمهور للإكتثاب ينشر القرار المذكور بالإضافة إلى ما سبق فال الجريدة الرسمية .
على أن حاملي سندات القرض في هذه الحالة يحتفظون بصفتهم هذه في الشركة الضامة ،وذلك مالم جمعية هذا النوع من الدائنين على توكيل ممثل كثلتهم لتقديم التعرض على هذه العملية وفقا للشروط و الأثار الوارد النص عليها في المادة 239 من قانون شركات المساهمة.
ونشير في الختام إلى أن المشرع منع صراحة إمكانية عرض مشروع الإدماج على أنظار جمعية حاملي سندات القرض في الشركة الضامة[16]، الأمر الذي دافع عليه بعض الباحثين باعتبار أن الإندماج يقوي ضمانات دائني الشركة الدامجة و لا يضعفها[17].

ثانيا: حماية حاملي سندات القرض القابلة للتحول إلى أسهم

إن سندات القرض القابلة للتحول إلى أسهم هي في طبيعتهامن نفس طبيعة سندات القرض العادية إلا أنها تمتاز عنها بكونها تعطي لحاملها الحق في اختيار تحويل سنداتهم غلى أسهم في كل وقت ، أو في اجل أو أجال تحددها الشركة المصدر[18].
و بالنظر إلى هذه الخصوصية عمل قانون الشركات التجارية المغربي على إفراد الدائنين الحاملين لهذا النوع من السندات حماية خاصة أثناء عملية الإندماج ،هكذا ألزمت المادة 323 منه استشارة جمعية حاملي سندات القرض القابلة للتحول إلى أسهم تحت طائلة بطلان عملية الإندماج، على أنه في حالة عدم الموافقة أو إذا لم تتمكن الجمعية من التداول بشكل صحيح لعدم توفر النصاب القانوني المطلوب، فإنه يتم تطبيق نفس الأحكام القانونية الخاصة بحاملي سندات القرض العادية[19]، باعتبارأن المادة 323 أعلاه قد أحالت على مقتضيات المادة 241 من نفس القانون ، الأمر الذي دفع ببعض الباحثين[20] إلى اعتبارأن الإستشارة الإلزامية المرتبطة بجزاء البطلان لا تتغير شيئا من ضعف الحماية التي يوفرها المشرع من خلال الحل المتعلق بعرض مشروع الإندماج على جمعية حاملي سندات القرض .

خاتمة:

إنه و بعد إستقراء المقتضيات القانونية المنظمة للإندماج الشركات ، يبدو أن المشرع المغربي و على غرار نظيره الفرنسي عمل على إقامة نوع من التوازن بين حقوق دائني الشركات المشاركة في عملية الإندماج و بين إنجاح مشروع الإندماج ، إلا أن ذلك و كما ذهب بعض الباحثين[21] و عن حق يستهدف بالدرجة الأولى إنجاح عملية الإندماج من خلال محاولته تدويب كل العوائق و الصعوبات التي قد تعترض هذه العملية ، و ذلك راجع لما يشكله الإندماج من تكوين وحدات إقتصادية كبرى قادرة على المنافسة و خلق فرص وفيرة للتشغيل ، و هو ما يطرح معه التساؤل التالي:
كيف عمل المشرع الغربي على حماية أجراء الشركة المندمجة من اثار الإندماج؟

 

(محاماه نت)

إغلاق