دراسات قانونيةسلايد 1
الصلاحيات والسلطات التأديبية المخولة لمجلس الوزراء (بحث قانوني)
في هذا الموضوع سنتناول الحكومة بجزأيها: مجلس الوزراء كوحدة واحدة والوزراء كأفراد في هذه الحكومة. وعند التطرق إلى سلطة الوزراء التأديبية سيتناولها الباحث كسلطة رئاسية لوزارته أعطته الكثير من القوانين سلطة تأديبية على موظفيه حيث إن الوزير أعلى سلطة في وزارته(1) وسأبدأ بمجلس الوزراء وما هي تلك الصلاحيات التأديبية التي منحته إياها كل من القوانين الفلسطينية وبالطبع كل ذلك في اختصاصاته الإدارية وليس السياسية، حيث إن القانون الإداري هو ذلك القانون الذي يتناول نشاط وأعمال السلطة التنفيذية أي الأعمال الإدارية كحقها في إصدار القرارات الإدارية وتنفيذ القوانين وإنشاء المرافق العامة (2) ومن هنا فإن لمجلس الوزراء سلطات إدارية وما يهم في هذه الأطروحة تلك السلطات التأديبية التي تعتبر جزءا من الوظيفة الإدارية.
1- مجلس الوزراء
مجلس الوزراء: هو شخص معنوي يتكون من رئيس الوزراء وعدد من الوزراء حسب الحاجة والمصلحة العامة (3) ويعرفه القانون الأساسي الفلسطيني في مادته 63 “هو الأداة التنفيذية والإدارية العليا التي تطلع بمسؤوليات وضع البرنامج الذي تقره السلطة التشريعية موضع التنفيذ”. وأيًا كانت التعريفات فإن الذي يهم في هذا المقام هو سلطة ذلك المجلس الإدارية لاستخلاص السلطة التأديبية لهذا المجلس وبالتالي متى وجدت الأوضاع والاختصاص الإداري، وجدت سلطة التأديب التي تهدف إلى حماية الصالح العام وسير المرافق العامة، وأما ما لمجلس الوزراء من صلاحيات تأديبية، وهل يعتبر مجلس الوزراء جهة تظلم من القرارات التي تصدر من جهة اقل حسب السلم الوظيفي.
بداية إن لمجلس الوزراء سلطتين: الأولى سياسية وهذه تخرج من نطاق البحث حيث لكل من الرئيس والمجلس التشريعي رقابة وصلاحيات على هذه السلطة وهذا وارد في كل من القانون الأساسي الفلسطيني والنظام الداخلي لمجلس الوزراء ويسميها البعض بإعمال السيادة (4) حيث لا رقابة للمحاكم الإدارية عليها وبالتالي فإنها لا تعتبر من الأمور الإدارية التي تدخل بها سلطة التأديب وأعمال السيادة بالطبع لا تدخل تحت رقابة القضاء العادي أو الإداري، أي عمل حكومي لا يخضع لرقابة القضاء متى كان باعث الحكومة في إصداره تحقيق مقصد سياسي هدفه حماية الحكومة ضد أعدائها في الداخل والخارج (5) وهذه الأعمال التي لا تخضع لرقابة القضاء تستند إلى الباعث السياسي (6) وما يهمنا هي السلطة الثانية لمجلس الوزراء ألا وهي سلطته التأديبية التي سوف يتناولها الباحث من حيث ما نصت عليه القوانين الفلسطينية سواء في القانون الأساسي أو في القوانين الأخرى، وهذه السلطة التأديبية هي جزء من الأعمال الإدارية يعرفها البعض “بأنها تلك الأعمال الصادرة عن الوظيفة الحكومية الصادرة بناءا على الوظيفة الإدارية والتي تخضع للرقابة القضائية” (7) . وهذا التعريف حسب طبيعة العمل أو موضوعه إلا أن بعض الفقهاء اقر ما اعتبرته المحاكم من إعمال السيادة، وبالتالي لا تخضع للقضاء، فالقضاء هو الذي يبين هذه الأعمال ويحدد نطاقها في أحكام مختلفة، وما على الفقه إلا الرجوع إلى هذه . الأحكام القضائية كي يجمعها حول مبادئ وعناصر معينة (8)
ويتضح من كل ما سبق بخصوص إعمال السيادة أن للحكومة أعمالا إدارية وهي تلك الأعمال التي تنظم الإدارة العامة ونشاطاتها وما يثيره هذا النشاط من منازعات (9)، من هنا سيتناول الباحث تلك الأعمال الإدارية لمجلس الوزراء خاصة التأديبية منها، بداية فيما ينص عليه القانون الأساسي حيث أن كل عمل للحكومة ليس ضمن الأعمال السيادية هو عمل إداري (10) وهي تلك الأعمال التي يقرر له القضاء هذه الصفة وتتمثل في الأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان وبضمان سير السلطات العامة وفقا للدستور والأعمال المتعلقة بسير مرفق التمثيل الدبلوماسي وبعض أعمال الحرب وبعض الأعمال المتعلقة بسلامة الدولة وأمنها الداخلي وتستند النظرية أي نظرية السيادة على أن سلامة الدولة ايه قانون انظر في هذا بحيث أن صلاحيات هذا المجلس هي صلاحيات واسعة، فان هذه الأعمال التي تصدر منه التي يقصد منها مصلحة المجتمع ككل، وحسن سير المرافق العامة في الدولة تستوجب أن يكون لهذا المجلس سلطات واسعة لتحقيق هذه الغاية واقصد بالسلطات التأديبية تلك التي تطال الوزراء أو الموظفين الحكوميين على حد السواء. تناول القانون الأساسي السلطة التنفيذية في الباب الخامس معرفا مجلس الوزراء بأنه الأداة التنفيذية والإدارية العليا وقد أعطت المادة 63 الكثير من الصلاحيات لهذا المجلس ولم تذكر تلك الصلاحيات على سبيل الحصر، والدليل على ذلك في الجملة التي تناولتها المادة 63 “وفيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية يحددها القانون الأساسي تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية من اختصاص مجلس الوزراء”. وإذا كانت السلطات المحددة لرئيس الدولة موسعة وغير محددة لمجلس الوزراء إلا أن ذلك لا يعني أن سلطة مجلس الوزراء أعلى من سلطة الرئيس وللرئيس إقالة رئيس الوزراء (11). وان مجلس الوزراء يساعد الرئيس في أداء مهامه (12) أما عن تلك الاختصاصات الإدارية التي تحمل في طياتها السلطة التأديبية لمجلس الوزراء جاءت المادة 69 لتحدد اختصاصات ذلك المجلس ومرة أخرى على سبيل المثال فبالإضافة إلى ما ذكر سابقا في المادة 63 من الاختصاصات العامة لهذا المجلس جاءت الفقرة 11 من المادة 69 لتنص على “أية اختصاصات أخرى تناط به بموجب أحكام القانون” حيث فتحت هذه الفقرة الباب لمنح مجلس الوزراء صلاحيات أخرى بموجب قوانين غير القانون الأساسي.
وقد تناولت المادة 69 من القانون الأساسي صلاحيات مجلس الوزراء من حيث إعداد الجهاز الإداري ووضع هياكله والإشراف عليها ومتابعته وتعيين رؤساء الهيئات الإدارية والإشراف عليهم وتحديد اختصاصات تلك الهيئات. وواضح أن لهذا المجلس صلاحيات إدارية واسعة ومن يملك الإشراف هي سلطة أعلى من المشرف عليهم وهنا يثار تساؤل مهم: هل للإشراف معنى الرقابة فقط؟ وهل يعطي حق الإشراف سلطة التأديب من المشرف على المشرف عليهم؟ يجيب على هذا التساؤل فتوى لمجلس الدولة المصري “بان كون وكيل الوزارة يتولى الإشراف على إحدى المصالح الإقليمية لا يكسبه حقا إلى جانب رئيس المصلحة التي يشرف عليها لان الإشراف ما قصد منه إلا التنسيق في العمل وتوجيه المصلحة التي يشرف عليها وفق السياسة التي يرسمها الوزير” (13). وهذا النظام الرئاسي في التأديب يكون للرئيس الأعلى في كل جهاز إداري الحق في توليه تجريم والعقاب فالسلطة الرئاسية وحدها التي توقع الجزاءات التأديبية (14) وقبل تناول صلاحيات مجلس الوزراء التأديبية على الموظفين العموميين الوارد ذكرهم في قانون الخدمة المدنية، حسب ما ورد في القوانين العادية، سيورد الباحث ما يختص به مجلس الوزراء بخصوص شؤون الخدمة المدنية واختصاصات مجلس الوزراء في قانون الخدمة المدنية تناولته المادة الثانية و ذكرت كلمة الإشراف مرة أخرى التي منحها المشرع لمجلس الوزراء ليشرف على شؤون الخدمة المدنية وعلى سبيل الإشراف يقوم بأمور منها إعادة النظر في جدول الرواتب والعلاوات كعلاوات الاختصاص والنظرة والمخاطرة ووضع مشروعات القوانين لخدمة مصلحة الموظفين وتحديد أيام العمل والعطل في الدوائر الحكومية، وأهم نقطة في ذلك هي تلك التي تتناول منح مجلس الوزراء إصدار اللوائح والقرارات الأخرى المخولة له بمقتضى هذا القانون. فقد تناولت كل من المواد 23 و 28 من قانون الخدمة المدنية، إن لمجلس الوزراء تحديد نسبة من الوظائف لفئة معينة هم الأسرى والجرحى الذين أصيبوا في عمليات المقاومة، وان المادة 28 منحت مجلس الوزراء وضع الأنظمة لتوظيف الخبراء المحليين وهذا تأكيد لما ورد في المادة 3 من نفس القانون وجاءت الفقرة 2 من المادة 51 لتؤكد ما ورد سابقا في المادة 3 من إن لمجلس الوزراء اقتراح تعديل جدول الرواتب، أما عن سلطة مجلس الوزراء التأديبية حسب ما نص عليه قانون الخدمة المدنية السابق الذكر فقد تناولته المادة 71 التي منحت صلاحية إحالة موظفي الفئة للمجلس بإحالة موظفي الفئة العليا والتي ورد ذكرها في المادة 9 من الفصل الأول من الباب الثاني من نفس القانون التي تشمل الوظائف التخطيطية والإشرافية العليا حيث يتم تعيين الوكلاء والوكلاء المساعدين ورؤساء الدوائر والمديرين العامين من موظفي هذه الفئة أو ما يعادلها من قبل مجلس الوزراء، ويتم وإحالة موظفي هذه الفئة الى التحقيق وهذه الإحالة تكون بناءا على طلب من رئيس الدائرة الحكومية (15) وتكون إحالة هؤلاء – أي المتهمين بالمخالفات التأديبية- إلى لجنة مشكلة من قبل مجلس الوزراء وتتكون هذه اللجنة من موظفين لا تقل درجتهم عن درجة الموظف المحال وبعد التحقيق معهم ترفع توصيات هذه اللجنة إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، وهذا حسب ما ورد في المادة السابقة إن لمجلس الوزراء سلطة الإحالة إلى التحقيق وسلطة تكوين لجنة يكون دورها استشاريًا كما هو واضح من كلمة توصيات، أي أن القرار النهائي لمجلس الوزراء والخيار يرجع للمجلس في إصدار العقوبة التأديبية للفئة العليا من الموظفين، ولم تتناول المادة كيفية تشكيل اللجنة، وهل يوجد فيها شخص قانوني؟ وما عدد أفرادها؟ وكون قرار هذه اللجنة غير ملزم فلا حاجة للتظلم من قراراتها كونها غير نهائية. كما إن المادة لم تحدد كيفية التظلم من قرار مجلس الوزراء في تأديب موظفي الفئة العليا ومن الملاحظ أن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية لم تأتي على ذكر أي شيء بخصوص لجنة التحقيق الخاصة بموظفي الفئة العليا، كما هو الحال بالنسبة إلى تلك اللجان التي تشكل للتحقيق مع موظفي الفئة الأولى فما دون، واستثنت موظفي الفئتين الخاصة والعليا في المواد التي تناولت تشكيل لجان التحقيق ولم تتناول صلاحية مجلس الوزراء في تأديب موظفي الفئة الخاصة كما لم تتناول كيفية تأديب الوزراء. أما السلطة التأديبية لموظفي الفئة العليا على غيرهم من الموظفين فلم يمنح قانون الخدمة المدنية أية سلطة تأديبية لهؤلاء، إنما يمكن لرئيس الدائرة صاحب الاختصاص الأصيل في التأديب أن يفوض تلك السلطات لموظفي الفئة العليا على غيرهم من موظفي الفئة الأولى فما دون (16) ولا مجال لإعمال قاعدة من يملك الأكثر يملك الأقل في القانون العام الذي يقوم على قاعدة أساسية هي تحديد الاختصاصات أي إسناد تصرف معين صراحة أو ضمنا (17)
وبالتالي لا يملك موظفو الفئة العليا أية سلطة تأديبية إلا ما فوضوا بها من قبل الرؤساء الإداريين إلى أن هذا الحديث لا يؤخذ على إطلاقه ومن بين موظفي الفئة العليا رؤساء الدوائر الذين منحهم قانون الخدمة المدنية الكثير من الصلاحيات التأديبية على موظفي الدوائر التي يرأسونها. هذا ما تناوله قانون الخدمة المدنية بشان الصلاحيات التأديبية لمجلس الوزراء، أما عن القوانين المالية ودور مجلس الوزراء التأديبي فلم تمنح القوانين المالية الصادرة في عهد السلطة أية صلاحيات تأديبية لمجلس الوزراء، وكل ما هنالك أنها منحت رئيس الدولة ورئيس الوزراء صلاحية إحالة كل من رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو الوزراء إلى التحقيق من قبل النائب العام على أساس الجريمة الجنائية وليست مخالفة تأديبية كما هو حال القرار في القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن مكافحة الفساد ويختصر دور مجلس الوزراء في هذه القوانين المالية في وضع اللوائح التنفيذية في هذه القوانين وهذا هو الحال في القوانين الاجتماعية التي لم تمنح مجلس الوزراء أية سلطة تأديبية كونها لم تعالج مسائل خاصة بالوظيفة العامة وإنما تعالج أمورًا مرتبطة بالأحوال الخاصة كقانون العمل والطفل والصحة العامة وغيرها من القوانين ويقتصر دور مجلس الوزراء على إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون (18) .
__________________
1- المادة 74 من القانون الأساسي الفلسطيني.
2- د.الطهراوي، هاني. القانون الإداري، د.ط، الدار العلمية الدولية عمان 2001 ، ص 28
3- المرجع السابق، ص166
4- وهي تلك الأعمال التي يقرر له القضاء هذه الصفة وتتمثل في الأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان وبضمان سير السلطات العامة وفقا للدستور والأعمال المتعلقة بسير مرفق التمثيل الدبلوماسي وبعض أعمال الحرب وبعض الأعمال المتعلقة بسلامة الدولة وأمنها الداخلي وتستند النظرية أي نظرية السيادة على أن سلامة الدولة ايه قانون انظر في هذا الشأن، الطماوي، سليمان. النظرية العامة للقرارات الإدارية، مرجع سابق، ص 145
5- حافظ، محمود. القضاء الإداري، الطبعة السابعة، دار النهضة العربية، القاهرة ص 25
6- الشوبكي، محمد. القضاء الإداري، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997 ، ص 89
7- عبد الفتاح، حسن. ،نظرية أعمال السيادة، د.ط ، مطبعة جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1955 ، ص 302
8- خليل، حسن. القضاء الإداري اللبناني، د.ط ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1982 ، ص 296
9- الطماوي، سليمان. الوجيز في القانون الإداري، د.ط، دار الفكر العربي، القاهرة ، 1982 ، ص 4
10- مادة 45 من القانون الأساسي الفلسطيني.
11- مادة 64 من القانون الأساسي الفلسطيني.
12- فتواه في 29/4/1953 س6ص 564.
13- الزعبي، خالد سمارة. القانون الإداري وتطبيقاته في المملكة الأردنية الهاشمية، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1993 ، ص 242
14- الدائرة الحكومية: أية وزارة أو إدارة أو مؤسسة عامة أو سلطة أو إي جهة أخرى تكون موازنتها ضمن الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية أو ملحقة بها. انظر في ذلك المادة 1 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني المعدل رقم 4،2005
15- الفئة الخاصة تشمل من يعين بدرجة وزير من رؤساء الدوائر الحكومية حسب ما نصت عليه الفقرة 1 من المادة 9 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني.
16- المادة 86 من اللائحة التنفيذية من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998
17- البنداري، عبد الوهاب. العقوبات التأديبية للعاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام وذوي الكادرات الخاصة، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 66
18- المادة 73 من قانون الطفل رقم 7 سنة 2004
الصلاحيات التأديبية لكل من رئيس الوزراء والوزراء :
سنبدا الموضوع فيما ورد في القانون الأساسي وبعد ذلك ما ورد في قانون الخدمة المدنية واللائحة التنفيذية له، ومن ثم تلك النصوص وردت في كل من القوانين الاجتماعية والمالية الصادرة في عهد السلطة على التوالي، ولكن قبل البدء في ذلك سيحاول الباحث الإجابة على سؤال: ما إذا كان رئيس الوزراء موظفا عاما يوقع على تلك الجزاءات التأديبية وتصدر منه تلك القرارات التأديبية بحق الموظفين بناءا على السلطة الرئاسية؟ بداية عرف قانون الخدمة المدنية الموظف العام ” أنه الشخص المعين بقرار من جهة مختصة لشغل وظيفة مدرجة في نظام تشكيلات الوظائف المدنية على موازنة إحدى الدوائر الحكومية أيا كانت طبيعة تلك الوظيفة أو مسماها” (1) من خلال تحليل هذا التعريف يتضح انه يجب أن يعين الشخص الموظف من جهة مختصة وعليه فان رئيس الوزراء يتم تكليفه من قبل رئيس السلطة، فهل التكليف له نفس معنى التعيين؟ فرئيس السلطة يملك حق التعيين وان كان ذلك موقوفًا على الثقة الممنوحة لرئيس الوزراء وحكومته من قبل المجلس التشريعي، أما الجملة الثانية من تعريف الموظف العام فيجب تعيين هذا الشخص في وظيفة مدرجة بنظام تشكيل الوظائف الحكومية و قانون الخدمة المدنية في مادته التاسعة تتناول تصنيف الوظائف الحكومية وفئات الموظفين لم تتطرق إلى رئيس الوزراء كما أنها استثنت الوزراء أيضا من تقسيم وتصنيف الوظائف إلا انه في رأي الباحث لا تعتبر هذه المادة دليلا على عدم اعتبار أي من رئيس الوزراء والوزراء من الموظفين العموميين. وسيظهر لاحقا أن القانون منح هؤلاء سلطات وحملهم واجبات تندرج عليهم صفة الموظف العام وإذا ما تم تناول تعريف الموظف العام، من ناحية فقهية فيعرفه بعضهم بأنه “هو كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو احد أشخاص القانون العام “. ويعرفه آخرون بأنه ” تعبير اصطلح على إطلاقه على الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام يديره احد أشخاص القانون العام ” (2) من الملاحظ أن التعريفات الفقهية تضع مجموعة من الخصائص لوصف الموظف العام ومن لم تتوفر فيه هذه الصفات لا يعتبر موظفا عاما وهذه الخصائص هي:
1- العمل الدائم وعليه فان إعمال المياومة لا تعتبر من يقوم بها موظفًا عامًا (3) فهل يعتبر عمل رئيس الوزراء عملا دائمًا؟ وبرأي الباحث فإن عمل رئيس الوزراء عمل دائم و ذلك استنادا إلى تعريف الموظف العام وهو ” كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تتولى إدارته الدولة أو احد أشخاص القانون العام الإقليمية أو المرفقية، وذلك بتولي منصب دائم يدخل في نطاق التنظيم الوظيفي” (4) . و يقول الدكتور عدنان عمرو: “إن الموظف يمثل ذلك الشخص الذي يعين من لدن سلطة إدارية مختصة كالرئيس أو الوزير أو مدير مؤسسة عامة أو دائرة حكومية مدرجة في ميزانية الدولة، ليقوم بمجموعة من المهام المنصوص عليها قانونًا بغض النظر عن المهمة الموكلة إليه سواء أكان هذا الموظف وزيرا أو حارسا في إدارة” (5)
2- أن يدار المرفق من قبل الدولة وفي ضوء إشرافها وتنظيماتها ووسائلها الإدارية. وهنا يثار تساؤل حول الموظف المعار إلى جهة خاصة فهل يبقى يحمل مسمى موظف حكومي وذلك إن كانت هذه الجهة الخاصة غير تابعة لدولة إلى أن الموظف يبقى تابعا للجهة الأصلية وخاصة في حالة وقوع مخالفة منه فهو يخضع في تأديبه للجهة الأصلية المعار منها أي للدولة المتمثلة في إدارتها ووسائلها (6) . إلا أن هذا الرأي الفقهي يخالف ما نصت عليه المادة 79 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الفلسطيني والتي تنص على ” يكون المعارون خاضعين إداريا للجهات المستعيرة فيما يتعلق بالإشراف عليهم ومحاسبتهم وكتابة التقارير عنهم وإرسال نسخة عنها للدائرة الأصلية ” ويفهم من محاسبتهم إلى أن تأديب الموظف المعار يكون للجهة المستعيرة.
3- أن يعين الشخص للعمل في مرفق عام وهنا رئيس الوزراء يعمل في الدولة وليس في مؤسسة خاصة. كل تلك الأركان يمكن تطبيقها على رئيس الوزراء والوزراء وفي هذا المجال يقول الدكتور عدنان عمرو ” يشمل الموظف العام الشخص الذي عين من لدن سلطة إدارية مختصة كالرئيس أو الوزير أو وكيل الوزارة أو مدير مؤسسة عامة أو دائرة حكومية مدرجة في موازنة الدولة ليقوم بمجموعة من المهام المنصوص عليها في القوانين واللوائح والتعليمات والقرارات الإدارية وما يتعلق بها من صلاحيات وما يترتب عليها من مسؤوليات، على أن تكون هذه المهام متعلقة في الأمور المدنية المدرجة في نظام التشكيلات الوظيفية وعلى موازنة وزارة أو إدارة أو مؤسسة أو أية سلطة أو جهة تدخل موازنتها ضمن الموازنة العامة للسلطة الوطنية أو ملحقة بها، أو مؤسسة عامة إدارية أو اقتصادية أو شركة وطنية اختارت إخضاع العاملين فيها لهذا القانون، وبغض النظر عن طبيعة المهمة الموكولة لذلك الشخص كون ذلك الموظف وزيرا في وزارة أو حارسا في إدارة ” (7) ، من الملاحظ إن الدكتور عمرو اعتبر الوزير موظفًا عامًا ولم يأتِ على ذكر رئيس الوزراء ومما سيتضح لاحقا بان لرئيس الوزراء مهام إدارية كما للوزير فلا حاجة لاستثنائه وعدم اعتباره موظفا عاما. وهنا سيعود الباحث إلى القانون الأساسي والسلطات الإدارية لرئيس الوزراء وهل يمتلك سلطة تأديبية على غيره من الموظفين وما مدى هذه السلطات إن وجدت بداية يتناول القانون الأساسي السلطة التنفيذية في بابه الخامس معرفا مجلس الوزراء مانحا إياه صلاحيات واسعة وقد حددت المادة 68 منه اختصاصات رئيس الوزراء وما يهم في هذا الموضوع تلك الصلاحيات التي يمكن استخلاص الصلاحيات التأديبية منها، فها هو رئيس الوزراء يشكل الوزارة يقيل ويعدل ويقبل إقالة الوزراء ومن يملك التعيين يملك الإقالة وله أيضا سلطة التأديب استنادا إلى السلطة الرئاسية وله أيضا أن يعين نائبًا له من الوزراء ليقوم بإعماله عند غيابه، هذا بخصوص سلطته على الوزراء أما على غيرهم من الموظفين فقد منحته الفقرة الخامسة من نفس المادة سلطة الإشراف على أعمال الوزراء المؤسسات العامة التابعة للحكومة، وله إن يصدر قرارات في حدود اختصاصاته ووفقا للقانون، ومن ثم جاءت المادة 69 من القانون الأساسي لتحدد اختصاص مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الوزراء والإشراف على أداء الوزارات وسائر وحدات الجهاز الإداري وإنشاء وإلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات من وحدات الجهاز الإداري من اختصاص مجلس الوزراء بالإضافة إلى تعيين رؤساء الهيئات والمؤسسات والإشراف على هذه المؤسسات والهيئات، ومجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء هو الذي يحدد اختصاصات هذه المؤسسات والهيئات فان هذه السلطات الواسعة تستوجب لحفظها وحسن سير العمل فيها منح سلطات تأديبية لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء وان لم يذكر ذلك صراحة في القانون الأساسي على إن المادة 75 من القانون الأساسي في فقرتها الثانية منحت صراحة لرئيس الوزراء إحالة الوزراء إلى التحقيق (8) في حال نسبت إليهم جرائم أثناء تأديتهم لأعمالهم أو بسببها وأما التحقيق والاتهام والمحاكمة فهي من اختصاص النائب العام والقضاء، هذا بخصوص الجرائم الجنائية حيث يفهم ذلك من نص الفقرة 2 من المادة 76 من القانون الأساسي حيث أوجبت تطبيق قانون العقوبات والإجراءات الجزائية، حيث لم تتناول هذه المواد المحاكمات التأديبية وفي رأي الباحث إن هذه المحاكمات التأديبية تكون من حق رئيس الوزراء في الجرائم التأديبية كما إن المادة 80 تناولت المحظورات على رئيس الوزراء والوزراء فيما يتعلق بذمتهم المالية ولم تتناول ما يستوجب الإخلال بهذه الواجبات أية مساءلة إدارية تحمل التأديب. وإذا لم يتناول القانون الأساسي ذلك صراحة فلا يعني انه لا مسؤولية أو مساءلة تأديبية عليهم.
وبعد أن تطرق الباحث للقانون الأساسي من حيث السلطات التأديبية الممنوحة لرئيس الوزراء سيتطرق الباحث إلى قانون الخدمة المدنية وما هي سلطات رئيس الوزراء التأديبية إن وجدت. قانون الخدمة المدنية في مادته 69 الفقرة 1 ذكر تكون الإحالة للتحقيق على مخالفة تأديبية لمن يملك سلطة توقيع العقوبة على الموظف فهذا دليل على أن رئيس الوزراء يملك توقيع عقوبات تأديبية على الوزراء. أما بخصوص قانون الخدمة المدنية فلم تتناول مواده أية سلطات تأديبية لرئيس الوزراء ولم يتم تصنيف الوزراء أو رئيس الوزراء في المادة التاسعة التي تناولت تصنيف الوظائف ولم تتطرق اللائحة التنفيذية في جداول الرواتب أي ذكر لرئيس الوزراء أو الوزراء ما عدا رؤساء الدوائر بمرتبة وزير فالقانون الأساسي في مادته 81 ذكرت أن مخصصات كل من رئيس الوزراء والوزراء تحدد بقانون. ولم يتطرق قانون الخدمة المدنية لأية صلاحيات لرئيس الوزراء وإنما كما مر سابقا تلك الصلاحيات الممنوحة لمجلس الوزراء كوحدة واحدة ولم يمنح صلاحيات خاصة لرئيس الوزراء بمعزل عن المجلس ككل أما عن القوانين الأخرى فصلاحية رئيس الوزراء التأديبية بها فها هو قرار القانون الخاص بمكافحة الفساد لم يمنح رئيس الوزراء أية سلطات تأديبية قبل وزارته كما كان في قانون الكسب غير المشروع الملغى حيث كان لرئيس الوزراء أن يحيل الوزراء إلى التحقيق في حال إذا ما نسب إليهم أي من جرائم الكسب غير المشروع، وإنما اقر للهيئة في حالة وجود اشتباه في الفساد بالنسبة للوزراء أن تحيل الأمر الخاص بذالك إلى رئيس مجلس الوزراء كما أن على رئيس هيئة الكسب غير المشروع أن يحيل أمر الاشتباه بوجود فساد من قبل رئيس الوزراء أو مستشاريه إلى رئيس السلطة الوطنية (9) وأما في قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية فان رئيس وأعضاء مجلس الوزراء يخضعون لرقابة الديوان بخصوص المخالفات المالية والإدارية التي تصدر منهم وقد حددت تلك المخالفات في المادتين 40 و 41 منه بخلاف قانون الخدمة المدنية الذي لم يحصر تلك المخالفات استنادا إلى أن الأمور الإدارية متغيرة ومتطورة ولا يمكن حصر ما قد يقع من خلافات في المستقبل إلى أن المشرع تخلى عن هذا الاتجاه وحصر المخالفات في قانون ديوان الرقابة، مع التنويه إلى أن الديوان ممثلا برئيسه أو أي من موظفيه لا يملك سلطة التأديب على الموظفين العموميين الآخرين. أما موظفو الديوان فان تأديبهم يكون من قبل رئيس الديوان والتحقيق معهم يكون من قبل لجنة تحقيق و يشترط في قرار التأديب أن يكون مسببا وكتابيا (10) و لم يوضح قانون ديوان الرقابة كيفية تشكيل لجنة التحقيق إلى أن المادة 53 منه أشارت إلى سريان قانون الخدمة المدنية في ما لم يرد به نص في قانون ديوان الرقابة. مع التنويه إن رئيس الوزراء بالإضافة إلى هذه الصفة قد يكون وزيرا لأكثر من حقبة كان يكون رئيس الوزراء ووزير المالية وبالتالي يكون له ما للوزير من سلطات تأديبية على موظفي الوزارة. أما في القوانين الأخرى فلم تمنح رئيس الوزراء أية سلطات تأديبية على الموظفين العموميين. ولم يمنح القانون صراحة رئيس الوزراء أية سلطة تأديبية ابتدائية أو تعقبية بالنسبة للعاملين المدنيين في الدولة وان إشرافه على أجهزة الدولة لا يخوله أية سلطة تأديبية (11) . ويخضع رئيس وأعضاء مجلس الوزراء ومن في حكمهم لرقابة ديوان الرقابة مع التنويه أن تعيين رئيس الديوان يكون بقرار من رئيس السلطة الوطنية بناءا على تنسيب من مجلس الوزراء وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة من المجلس التشريعي عليه (12) وهنا تدخل من السلطة التنفيذية في تكوين الديوان وبرأي الباحث أن هذا بنقص من سلطة الديوان المستقلة فكيف يمكن لديوان أن يمارس سلطة رقابية نزيهة على من له يد في تعيينه، على أن المشرع تدارك هذا القصور بأن لم يترك أمر عزل رئيس الديوان لسلطة التنفيذية، وإنما منح السلطة التشريعية سلطة عزل رئيس الديوان (13) ، وبالتالي فان ديوان الرقابة شأنه شأن دائرة الشكاوي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التي لم ينص قرار تشكيلها على أي دور تأديبي لها سوى على الوزراء أو غيرهم من موظفي الحكومة بخلافموظفيها الذين يخضعون لسلطة الأمين العام لمجلس الوزراء في حال رفعت الشكوى ضد مدير دائرة الشكاوي أو احد موظفي الدائرة التابعة لمجلس الوزراء، أما الشكاوي المقدمة ضد مدير دائرة الشكاوي أو احد موظفيها التابعة للوزارات فيتولى النظر قي هذه الشكاوى واتخاذ كافة . الإجراءات اللازمة من قبل الوزير التابعة له هذه الدائرة (14)
أما عن الوزراء والسلطة التأديبية الممنوحة لهم تمنح الكثير من القوانين سلطات تأديبية واسعة للوزير حيث هو الذي يقف على أعلى قمة في هرم الوظيفة العمومية ويبرر تخويل الوزير سلطة توقيع بعض الجزاءات التأديبية على الموظفين كون الوزير يملك سلطة التوجيه والمسئول عن حسن سير العمل في وزارته التي يرأسها وهو بالتالي الأقدر على الحكم على تصرفات الموظفين التي تشكل مخالفة، وتقدير الجزاء التأديبي الملائم بعيدا عن الإجراءات الطويلة والمعقدة وعلى ضوء تقديرهم لظروف الخطأ مما ينعكس على الجزاء بالتشديد أو التخفيف ومواجهة المخالفات اليومية البسيطة بسرعة وحزم وهو أمر يكون في ذاته أحيانا من الوسائل الناجعة لردع الموظفين المسيئين على الفور (15) وهنا سنتطرق إلى تلك السلطات التأديبية المنصوص عليها قانونا مبتدءا بالقانون الأساسي ومن ثم سنتطرق إلى تفويض تلك السلطات التأديبية (16) وما مدى صلاحيات الوزير في التعقيب على القرارات التأديبية (17) التي تصدر من رؤساء الإدارات في وزارته وكل ذلك في حدود القانون. وهذا الحق أي حق التعقيب منح للوزير في نظام العاملين في دولة مصر رقم 47 لسنة 1978 ولا يوجد له مثيل في قانون الخدمة المدنية الفلسطيني.
تناولت المادة 71 من القانون الأساسي اختصاص كل وزير في إطار وزارته وما يهم في هذه المادة فقرتها الثانية التي منحت الإشراف على سير العمل في الوزارة للوزير وله إصدار التعليمات اللازمة، وأما عن تفسير كلمة الإشراف وما تحمله من معان ستتضح هذه المعاني لاحقا عند معرفة ما للوزير من سلطات تأديبية في القوانين كما إن الفقرة الخامسة من نفس المادة تحدثت على جوًا تفويض الوزير لبعض صلاحياته لوكيل الوزارة أو غيره من موظفي الإدارة العليا، وقد منحت المادة 86 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الفلسطيني صلاحية الوزير في تفويض صلاحياته التأديبية في توقيع عقوبتي التنبيه أو لفت النظر إلى موظفي الفئة العليا. أما عن قانون الخدمة المدنية وما هي السلطات التأديبية الممنوحة للوزير، بداية عرف قانون الخدمة المدنية الوزير بأنه ” كل وزير أدى اليمين الدستورية ومنح الثقة من المجلس التشريعي الفلسطيني ولغايات هذا القانون تشمل كلمة وزير الوزير فيما يختص بوزارته والدوائر المرتبطة به ” (18). يتضح من التعريف إن الفقرة الأولى منه إن رئيس الوزراء هو وزير وان لم يكن يحمل أي حقيبة وبالتالي له سلطات تأديبية وما يتضح من الفقرة الثانية من هذا التعريف تقتصر على تعريف الوزير الذي يحمل حقيبة وزارية وهذا ما يستدل عليه بجملة (فيما يختص بوزارته). على إن المادة 9 ذكرت في فقرتها الأولى إن هناك من يعين بدرجة وزير من رؤساء الدوائر الحكومية وهم ما يطلق عليم الفئة الخاصة ولم يتناول قانون الخدمة المدنية أي صفة خاصة بالوزراء بالنسبة لمسألة تأديب الموظفين وإنما جاءت المواد عامة حيث بداية تناولت المادة 69 الإحالة على التحقيق حيث يختص بذلك من يملك سلطة توقيع العقوبة باستثناء موظفي الفئة العليا (19) وتكون إحالة موظفي هذه الفئة من قبل مجلس الوزراء بناءا على طلب رئيس الدائرة التي يعملون بها (20)
أما توقيع العقوبات التأديبية على فئات الموظفين جميعا باستثناء الفئة العليا فهي للرئيس الإداري بالنسبة لعقوبتي التنبيه ولفت النظر (21) مع التنويه إن القانون لم يذكر صراحة إن هاتين العقوبتين توقعان من قبل الرئيس الإداري للموظف وإنما يفهم ذلك من جملة ” فيما عدا عقوبتي التنبيه ولفت النظر لا يجوز توقيع العقوبة على الموظف إلا بعد إحالته إلى لجنة التحقيق” (22). وإنما جاء ذكر ذلك صراحة في المادة 86 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية. ومما يتضح إن سلطات الوزير التأديبية قاصرة على التنبيه ولفت النظر وان جاءت مواد قانون الخدمة المدنية مقتصرة على ذكر ذلك صراحة وإنما يفهم ذلك من كون الوزير هو اعلي سلم في وزارته بالإضافة إلى أن قانون الخدمة المدنية عندما تناول تعريف الدائرة الحكومية اعتبر الوزارة دائرة حكومية وبالتالي فان رئيس الوزراء هو الوزير وبالتالي له صلاحيات رئيس الدائرة. واعتبر ذلك قصورًا في قانون الخدمة المدنية الذي لم يذكر صراحة دور الوزير أو الرئيس الإداري في التأديب هذا بالنسبة لدور الوزير التأديبي في قانون الخدمة المدنية، أما غيره من القوانين فها هو قانون الهيئات المحلية (23) يمنح وزير الحكم المحلي وضع انظمه داخلية للهيئات المحلية تبين كيفية اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق موظفي هذه الهيئات (24) مما سبق يتضح أن دور الوزير يقتصر على وضع أنظمه بخصوص كيفية تأديب الموظف مع التنويه أنه ولحين إعداد هذا البحث فإن وزير الحكم المحلي لم يقم بإصدار تلك الأنظمة (25) وبالتالي يطبق على هؤلاء الموظفين قانون الخدمة المدنية ومن الملاحظ بشكل عام إن دور الوزير التأديبي لم يتجاوز دور رئيس المصلحة في التأديب وذلك باختصار دوره على إيقاع عقوبتي التنبيه ولفت النظر وما عدا ذلك من عقوبات تأديبية ورد ذكرها في قانون الخدمة المدنية (26) تكون توقع العقوبات بعد استشارة لجنة تحقيق (27) وان لم يتناول قانون الخدمة المدنية مدى إلزامية قرارات هذه اللجان وان تم ذكر ذلك في اللائحة التنفيذية في هذا القانون حيث تعتبر قرارات اللجان عبارة عن توصيات لمن قام بتشكيلها وهذا ما سيورده الباحث لاحقا هذا بالنسبة لفئات الموظفين جميعا وهنا يود الباحث إن يتطرق إلى نقطتين هامتين وردتا في كل من المادة 69 والمادة 71 من قانون الخدمة المدنية ففي المادة 69 جاء لفظ موظف بشكل عام ولم يحدد فئته الوظيفية حيث أوحت المادة أن تتولى لجنة تحقيق التحقيق معه وان تصدر توصياتها للجهات التي شكلتها ومن ثم هذه الجهات تقرر العقوبة المناسبة. وأما عن دور الوزير في التعقيب أو سحب أو تعديل تلك القرارات التأديبية الصادرة عن غيره سواء لجان تحقيق أو السلطة الرئاسية وعن دوره في النظر في التظلم من هذه القرارات الصادرة من غيره أي تلك القرارات المتعلقة بالعقوبات التأديبية فبداية إن التعقيب على القرارات التأديبية الصادرة من رؤساء الدوائر الحكومية وحيث إن الوزير هو الرئيس الأعلى لوزارته فهو الذي يتولى وضع خطة وزارته في إطار السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها (28) وبالتالي فان هذه السلطة الرئاسية الممنوحة للوزير تخوله صلاحيات واسعة بالنسبة لموظفي وزارته والتعقيب يشمل إلغاء أو تعديل أو تجديد أو تخفيض القرار التأديبي الصادر من مرؤوسيه كوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة (29) ولم يتطرق قانون الخدمة إلى مدى سلطات الوزير في سحب تلك القرارات أو إلغائها أو تعديلها وبالتالي فان الحكم في ذلك هو للقضاء والفقه وهذا خلاف قوانين الخدمة الأردني والمصري التي تطرقت إلى سلطة تعقيب على القرارات التأديبية ويرى الدكتور سليمان الطماوي انه حتى وان لم ينص القانون صراحة على سلطة التعقيب أي إلغاء أو تعديل حفظ القرار الإداري التأديبي لمرؤوسيه فهو حق أصيل يستمده الوزير من طبيعة منصبه وكونه الرئيس الإداري الأعلى (30) حتى إن قوانين وأنظمة العاملين الحكوميين المتعاقبة في مصر أعطت صورًا أخرى للتعقيب تتمثل بضرورة تصديق الوزير على القرارات التأديبية الصادرة من مرؤوسيه وأصبح اختصاص إصدار القرار التأديبي بحق الموظف مشتركًا بين الرئيس الإداري والوزير (31) ولا يحتاج إصدار القرار التأديبي من الرؤساء الإداريين تفويضًا من الوزير إذ هو حق أصيل منصوص عليه قانونا (32) أما عن سلطة الوزير التعقبية على قرارات اللجان التي تصدر العقوبات التأديبية فان قانون الخدمة هي عبارة عن توصيات والقرار النهائي لمن شكل هذه اللجنة وهو رئيس الديوان أو من يفوضه خطيا بالتنسيق مع الدائرة الحكومية التي يتبعها الموظف إلا أن قانون الخدمة المدنية لم يشر في أي من مواده إلى سلطة الوزير التعقبية. ومما هو معروف إن المعهد الدولي للعلوم الإدارية قسم الاتجاهات التشريعية في منح السلطة التأديبية إلى ثلاثة أقسام أولها النظام الرئاسي أي إن الذين يقدرون الأخطاء التأديبية ويقررون لها العقوبات هم الرؤساء المختصون في السلم الإداري دون أية مساعدة مسبقة من هيئة جماعية استشارية (33) من الواضح إن هذا مطبق في تشريعنا الفلسطيني بخصوص عقوبتي التنبيه أو لفت النظر.
وثانيا النظام شبه القضائي أي إن توقيع الجزاء في ظل هذا النظام من اختصاص السلطات الرئاسية ومع ذلك يستلزم توقيع الجزاء استشارة هيئات وكقاعدة عامة لا يعتبر هذا الاقتراح ملزمًا (34) وهذا ما اخذ به المشرع الفلسطيني بالنسبة لموظفي الفئة العليا وأيضا بالنسبة لتوقيع العقوبات الأخرى غير التنبيه أو لفت النظر بالنسبة لفئات الموظفين الأخرى. وثالثا النظام القضائي وهذا النظام يفصل ما بين السلطة الرئاسية التي ترفع وتتابع الدعوى وما بين هيئات قضائية خاصة مستقلة ويعتبر قرارها ملزمًا للسلطات الرئاسية (35) وهذا ما لم ينص عليه قانون الخدمة المدنية وان تم الإشارة إلى المحاكم التأديبية في القانون الأساسي الفلسطيني ” يجوز بقانون إنشاء محاكم إدارية للنظر في المنازعات الإدارية والدعاوي التأديبية ويحدد . القانون اختصاصاتها الأخرى والإجراءات التي تتبع أمامها ” (36) وأما عن تفويض الاختصاصات التأديبية للوزير فلم يتناول قانون الخدمة المدنية ذلك بأي من نصوصه على إن التفويض ورد ذكره في القانون الأساسي ” يجوز للوزير تفويض بعض سلطاته إلي وكيل الوزارة أو غيره من موظفي الإدارة العليا في وزارته في حدود القانون” (37). وفي حكم لمحكمة العدل العليا الفلسطينية اعتبرت التفويض الإداري أداة للإسراع في انجاز الإعمال الإدارية وتجنب عجز الإدارة العامة وشللها وعلة ذلك انه يصعب على الوزير باعتباره الرئيس الإداري اتخاذ القرارات الإدارية جميعها، فيتعين عليه أن يعهد بممارسة جزء من اختصاصه إلى بعض معاونيه ومساعديه في الوزارة المركزية في العاصمة أو مدير المديريات في الأقاليم فتتم هذه الصلاحيات نيابة عن الوزير المختص أصلا بممارستها ويقتصردوره في مثل هذه الحالة على الإشراف والرقابة (38). على أن السلطة التأديبية لا تفوض وهذا ما حكمت به محكمة العدل العليا الفلسطينية في حكمها ” تحديد السلطة التأديبية أمر متعلق بالنظام العام، لان فيه تحديدا لجهة مختصة وفي ذلك ضمان ضروري للموظفين فلا يجوز إذن للسلطة المختصة أن تنزل عن اختصاصها وان تفوض سلطة أخرى به ” (39).
مما سبق يتضح أن قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية لم يشيرا قط إلى سلطة الوزير التأديبية المبتدئة أو التعقيبية وهذا بخلاف القانون المصري الذي منح سلطة تأديبية للوزير مبتدئه وتعقيبية فها هو الوزير كما يقول الدكتور البنداري يمارس اختصاصاته التأديبية بالنسبة لجميع العاملين بالوزارة سواء كانوا في الديوان العام أو المصالح التابعة له وذلك بعكس الحال بالنسبة لوكيل الوزارة ورئيس المصلحة وغيرهما من شاغلي الوظائف العليا فكل منهم يمارس سلطة مبتدئه في حدود الجهة التي تتبعه والتي يمارس فيها اختصاصاته الوظيفية (40) إلا انه يفهم من المادة الأولى لقانون الخدمة المدنية أنها اعتبرت الوزير رئيس دائرة عندما جاءت الدائرة الحكومية على ذكر أية وزارة ورئيس الوزراء هو وزير وله سلطة تأديبية مبتدئه أي له أن يوقع عقوبتي التنبيه ولفت النظر دون الحاجة إلى لجنة تحقيق وله أن يوقع أي من العقوبات الأخرى بعد اخذ رأي لجنة تحقيق.
______________
1- المادة 1 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني
2- عطار، فؤاد. القضاء الإداري _ دراسة مقارنة، طبعة أولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967 ، ص 437
3- انظر في هذا الشأن كتاب القضاء الإداري، للدكتور عطار، فؤاد. ص 437 ، مرجع سابق، الدكتور الطماوي، سليمان. الوجيز في القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982 ، ص 447
4- د.جعفر، محمد أنس. النشاط الإداري و الوظيفة العامة، د.ط، دار النهضة العربية، القاهرة 1996 ، ص 156
5- د.عمرو، عدنان. مبادئ القانون الإداري الفلسطيني، د.ط، المطبعة العربية، القدس 2002 ، ص 103
6-انظر في هذا الشأن د. الشيخ، عصمت عبد الله. الإحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي، دار النهضة العربية، القاهرة ، ص 35
7- عمرو. عدنان، مبادئ القانون الإداري الفلسطيني، د.ط، المطبعة العربية الحديثة القدس 2002 ، ص 203
8- وتعرف الإحالة إلى التحقيق بأنه وسيلة إجرائية يقصد بها البدء في إجراءات التحقيق مع الموظف لوجود احتمال قوي بارتكابه مخالفة تأديبية. انظر في هذا الشأن د. الشيخ، عصمت عبد الله. الإحالة إلى التحقيق في النظام التأديب الوظيفي، د.ط، دار النهضة العربية، القاهرة 2003 ، ص 9
9- المادة 17 ، من قرار بقانون بشأن مكافحة الفساد
10- المادة 52 ، من قانون ديوان الرقابة المالية و الإدارية رقم 15 لسنة 2004
11- البنداري، عبد الوهاب. العقوبات التأديبية للعاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام وذوي الكادرات الخاصة، دار الفكر العربي، القاهرة ، ص 47
12- المادة 31 و 4 من قانون ديوان الرقابة المالية.
13- المادة 10 من قانون ديوان الرقابة المالية
14-المادة 12 و 13 من قرار مجلس الوزراء رقم 6 لسنة 2005 الخاص بتنظيم عمل دائرة الشكاوي في رئاسة مجلس الوزراء ووحدات الشكاوي قي الوزارات.
15- كنعان، نواف. النظام التأديبي في الوظيفة العامة، الطبعة الأولى، إثراء للنشر والتوزيع، عمان 2008 ص 198 ، انظر الطماوي، سليمان. القضاء الإداري، الكتاب الثالث، قضاء التأديب (دراسة مقارنة) دار الفكر العربي، القاهرة 1995 ، ص 495،494
16- التفويض: هو أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جانب من هذا الاختصاص سواء في مسالة معينة أو في نوع معين من المسائل إلى شخص أخر.
17- ويرى الدكتور الطماوي أن للوزير حق التعقيب على جميع القرارات الصادرة من مرؤوسيه في جميع المجالات ومن بينها القرار الصادر بحفظ التحقيق وهو حق أصيل يستمده من طبيعة منصبة وكونه الرئيس الأعلى مأخوذ عن الطماوي، سليمان. قضاء التأديب، مرجع سابق، ص 451
18- المادة 1 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني.
19- تشمل الفئة العليا الوظائف التخطيطية والإشرافية العليا.
20- فقرة أ من المادة 71 من قانون الخدمة المدنية.
21- الفقرة 2 من المادة 69 من قانون الخدمة المدنية.
22- الفقرة 2 من المادة 69 من قانون الخدمة المدنية.
23- قانون رقم 1 سنة 1997 بشان الهيئات المحلية الفلسطينية .
24- المادة 19 من قانون الهيئات المحلية
25- د. أبو عمارة، محمد. بحث بعنوان (المسؤولية التأديبية للموظف العام في فلسطين بموجب نظام الخدمة المدنية 1996 وقانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 ، مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد الثالث عشر، العدد الأول 2005 ، ص 376
26- المادة 68 من قانون الخدمة المدنية.
27- في المادة 69 من قانون الخدمة المدنية.
28- الطهراوي، هاني علي. القانون الإداري، الطبعة الأولى، الدار العلمية الدولية ومكتبة دار الثقافة ،عمان، 2001
ص 169
29- كنعان، نواف. النظام التأديبي في الوظيفة العامة، الطبعة الأولى، إثراء للنشر والتوزيع، عمان 2008 ، ص 202
30- الطماوي، سليمان. قضائي إداري _ الكتاب الثالث _ قضاء التأديب، د.ط، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1987 ، ص .497
31- المرجع السابق، ص 499
32- المرجع السابق، ص 499
33- المرجع السابق، ص 455،454 ، للمزيد انظر غازي، هيثم حليم. مجالس التأديب ورقابة المحكمة الإدارية العليا، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2011 ، ص 48
34- الطماوي، سليمان. قضاء التأديب، ص 455 نقلا عن مجلة العلوم الإدارية ، العدد الأول سنة 1960 . ص 267 وما بعدها.
35- الزعبي، خالد سمارة. القانون الإداري وتطبيقاته في المملكة الأردنية الهاشمية، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان ، ص 246
36- المادة 102 من القانون الأساسي الفلسطيني 2003
37- المادة 71 الفقرة 5 من القانون الأساسي الفلسطيني.
38- قرارها رقم 172/2008 جلسة 16 /3/2009 رام الله غير منشور
39- حكمها في 17/2/2002 الطعن رقم 5460 لسنة 46 ق ج 1غير منشور، شبكة المعلومات القانونية العربية ، موقع الكتروني.
40- البنداري، عبد الوهاب. الاختصاص التأديبي والسلطات التأديبية، د.ط، دار الفكر العربي، ص 124
المؤلف : عبير توفيق محمد ابو كشك .
الكتاب أو المصدر : سلطة التأديب بين الادارة والقضاء