دراسات قانونية

مؤسسة التوثيق العصري في القانون (بحث قانوني)

مؤسسة التوثيق العصري في القانون المغربي

جابر التامري
خريج ماستر القانون المدني بكلية الحقوق بأكادير

مؤسسة التوثيق العصري في القانون المغربي

مقدمة:

بادر المغرب إلى تنظيم مهنة التوثيق العصري منذ فترة الحماية, و ذلك بموجب ظهير 4 ماي 1925, المستوحى أساسا من نظام التوثيق الفرنسي لـ 16 مارس 1803, أو ما يعرف بقانون 25 فانتوز.

و عمر هذا الظهير ثمانية عقود و نيف من الزمن, حتى بلغ به الحال مرحلة لم يعد موافقا فيها لتطلعات الموثقين, و لا مواكبا للتطور الذي شهده المغرب, و هو الأمر الذي حتم على المشرع المغربي إخراج قانون جديد, يرقى بمؤسسة التوثيق العصري إلى مصاف المؤسسات الفعالة و المؤثرة في تحقيق الاستقرار, و جلب الاستثمار, و هو ما كان فعلا بتاريخ 22 نونبر 2011, و ذلك بإصدار القانون رقم 32.09, المنظم لمهنة التوثيق[1].
و سنحاول من خلال هذه المقالة, تسليط الضوء على مجموعة من المقتضيات المرتبطة أساسا بالموثق, و اختصاصاته, و شروط الولوج إلى مهنته, إلى جانب التركيز على الجانب المتعلق بأنواع المسؤولية الملقاة على عاتقه؛ و ما تشكله من ضمان للمتعاملين معه, و ارتقاء بمرفق التوثيق عموما.
و بهذا نقسم الموضوع وفقا للنسق الآتي:

المبحث الأول: الموثق وفقا للقانون رقم 32.09
المبحث الثاني: المسؤولية القانونية للموثق العصري

المبحث الأول: الموثق وفقا للقانون رقم32.09

جاء قانون التوثيق الجديد بمجموعة من المقتضيات التي تهم الموثق, كفاعل أساسي في مشهد التوثيق العصري بالمغرب, و بذاك فإن الحديث في هذا المبحث سيقتصر
على محاولة إعطاء تعريف للموثق, و طريقة تعيينه, إلى جانب تعداد ترسانة الشروط التي أوجب المشرع توفرها في الراغب الولوج إلى مهنة التوثيق (المطلب الأول) و كذا بحث المقتضيات الجديدة المتعقلة باختصاص الموثق, سواء من حيث المكان, أو الموضوع (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف الموثق و تعيينه و شروط الولوج للمهنة

يدور الحديث في هذا المطلب أساسا حول تعريف الموثق و تعيينه (الفقرة الأولى) إلى جانب تحليل أحكام المادة الثالثة من القانون 32.09, التي جاءت بشروط الانخراط في مهنة التوثيق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف الموثق و طريقة تعيينه

أولا: تعريف الموثق

لم يعرف القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق العصري الموثق, بل اقتصرت المادة الأولى منه على تعريف التوثيق بأنه: ” التوثيق مهنة حرة تمارس وفق الشروط و حسب الاختصاصات المقررة في هذا القانون و في النصوص الخاصة.”, و رغم أن هذه الأخيرة أسقطت تعريف الموثق[2], إلا أنه يمكن تعريفه في ظل المقتضيات الجديدة المتعلقة بتنظيم مهنته, بأنه الشخص المؤهل قانونا للقيام بعملية التوثيق و ذلك بتلقي اتفاقات الأطراف و الاستماع إلى الشهود عند الاقتضاء, و تدوينها بعد صبها في قالب قانوني, أو هو الموظف العمومي الذي يمارس مهامه التوثيقية بصفة حرة تحت مراقبة القضاء و في إطار القانون.

وصفة الموظف العمومي هذه أثارت جدلا واسعا بالأوساط الفقهية, فبعض الفقه أقر بهذه الصفة[3], و البعض الآخر أنكرها[4], دون إغفال النتائج المترتبة عن الموقفين؛ فإذا تم اعتبار الموثق موظفا عموميا, كان من اللازم أن تسري عليه مقتضيات ظهير 1958 المتعلق بالوظيفة العمومية, أما إذا اعتبر من أصحاب المهن الحرة فإنه سيخضع للقانون المنظم لمهنته فقط.

و نرى من جهتنا أن السبب الأساس في خلق هذا النقاش الفقهي حول صفة الموثق, هو التعريف الذي أورده المشرع بظهير 4 ماي 1915 المتعلق بتنظيم شؤون محرري الوثائق الفرنسيين الملغى, فقد اعتبر هذا الظهير في فصله الأول الموثق موظفا عموميا, إلا أن عمله من حيث الواقع يبقى حرا و غير خاضع للوظيفة العمومية. و هو الأمر الذي دفع الفقه إلى التساؤل ما إذا كان الموثق موظفا عموميا أم موظفا حرا.

و في إطار هذا التضارب, حاول البعض تعريف الموثق تعريفا جامعا بين الرأيين, فعرفه جلال حكمت بمايلي: ” الموثق ضابط رسمي يعمل في إطار حر، مفوض من طرف الدولة لتلقي العقود التي يستلزم القانون أو تريد الأطراف أن تضفي عليها الصبغة الرسمية التي تتمتع بها أحكام السلطة العمومية، وإعطائها تاريخا ثابتا والاحتفاظ بأصولها، وتسليم النظائر التنفيذية والنسخ الرسمية و العادية منها «
فهو ضابط رسمي للدلالة على وظيفته العمومية، و يعمل في إطار حر للدلالة على استقلاليته في اختيار مكان عمله و طريقة تعامله[5].

ثانيا: تعيين الموثق

لكي تكون المحررات الصادرة عن الموثق حائزة لقوتها الثبوتية و القانونية لابد من توافر شرط الأهلية في الموثق, و لا يقصد بالأهلية هنا أهلية الإدراك و التمييز, بل هي الأهلية التي يتمتع بها بعد التعيين, فإذا كان ظهير 4 ماي 1925 ينص على أن التعيين يكون بواسطة ظهير ملكي شريف, فإن المادة 10 من القانون رقم 32.09 نقلت هذا التعيين إلى رئيس الحكومة و ذلك عن طريق قرار صادر عنه و باقتراح من وزير العدل, بعد إبداء اللجنة المنصوص عليها في المادة 11 من نفس القانون رأيها في الموضوع.

و جاء في المادة 10 ما يلي: ” يعين الموثق و يحدد مقر عمله بقرار لرئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل, بعد إبداء اللجنة المنصوص عليها في المادة 11 بعده رأيها في الموضوع.”

و تتكون اللجنة المذكورة في المادة أعلاه من وزير العدل بصفته رئيسا أو من يمثله, و الوزير المكلف بقطاع المالية أو ممثله, و الأمين العام للحكومة أو ممثله, و رئيس أول لمحكمة استئناف أو نائبه, و الوكيل العام للملك لدى محكمة استئنافية أو نائبه, و قاض بالإدارة المركزية لوزارة العدل من الدرجة الأولى على الأقل بصفته مقررا, و رئيس المجلس الوطني للموثقين أو من ينوب عنه, و رئيسين اثنين لمجلسين جهويين ينتدبان لهذه الغاية من طرف رئيس المجلس الوطني.

و يطالب الموثقون بتعديل نص المادة 10, و ذلك لاعتبارهم أن التعيين عن طريق قرار لرئيس الحكومة يعتبر تراجعا و تخليا عن مكسب رمزي مهم كان ممنوحا لهم, و هو التعيين من طرف الملك, كما كان عليه الحال في ظل الظهير الملغى بموجب الفصل السادس منه, كما أن جل المملكات (بلجيكا و إسبانيا مثلا) يعين فيها الموثق عن طريق الملك.

الفقرة الثانية: شروط الولوج لمهنة التوثيق العصري

سعيا من المشرع المغربي في ضمان جودة مرفق التوثيق, فقد أحاطه بمجموعة من الضمانات التي تحقق ذلك و تصبو إليه, و من بين هذه الضمانات تقريره لمجموعة من الشروط الضرورية التوفر في المترشح لمهنة التوثيق العصري.

و عليه, جاءت المادة الثالثة من القانون 32.09 بعشرة شروط تتعلق أساسا بكفاءة الشخص المترشح لهذه المهنة؛ و أول شرط نصت عليه هو اشتراط الجنسية المغربية, و هذه خطوة حسنة من المشرع المغربي, و ذلك بإدراك منه و سعي إلى ضرورة مغربة مجموعة من القطاعات الحساسة و المهمة, و من بينها مرفق التوثيق.

كما اشترطت المادة في المترشح بلوغه 23 سنة ميلادية كاملة, دون تجاوز 45 سنة باستثناء بعض الفئات المحددة في المادة الثامنة من نفس القانون[6], و يلاحظ في هذا المقام أن المشرع قد خفض شرط السن من 25 سنة في ظل الظهير الملغى إلى 23 سنة في ظل القانون الجديد.
و أثار شرط السن هذا العديد من التساؤلات, اذ اعتبره البعض شرطا غير دقيق, لكونه يفوت الفرصة على بعض الطاقات الشابة و المتمكنة في المجال القانوني من ولوج هذا النوع من المهن, لاسيما أن أغلب الطلبة يحصلون على الإجازة في سن مبكرة[7], كما اعتبره أحد الباحثين بأنه خروج عن الإجماع الوطني بخصوص سن الرشد (18 سنة) و بالتالي يعتبر تمييزا لا طائل منه[8].

و نتساءل من جهتنا أنه إذا كان المشرع باشتراطه هذه السن راميا إلى جعل مهنة التوثيق مهنة لأشخاص ناضجين عقلا و جسما, و مكونين فقها علميا و آخر واقعيا, فإننا نتساءل ما إذا كانت فعلا سن 23 سنة سنا كافية لتحقيق ذلك, و كذا الائتمان على مصالح الناس و حقوقهم؟ فنرى بأنه كان حريا بالمشرع المغربي إن كان يرمي إلى تحقيق نضج حقيقي إعادة النظر في هذه السن, أما إذا كانت غايته خلاف ذلك, فالأحرى به تخفيضها إلى 21 سنة حتى لا تضيع الفرصة على العديد من خريجي كليات الحقوق بالمغرب.
أما الشرط الثالث, فيتمثل في حصول المترشح على شهادة الإجازة في الحقوق من إحدى كليات الحقوق المغربية أو ما يعادلها, و رغم أن المشرع لم يحدد ما إذا كانت إجازة في القانون الخاص أم القانون العام, إلا أن الواقع يفرض أن تكون إجازة في القانون الخاص, نظرا لتلائم مواد تكوين طلبة القانون الخاص مع ما تقتضيه طبيعة مهنة التوثيق.

كما اشترط المشرع من خلال المادة الثالثة أن يكون المترشح متمتعا بحقوقه الوطنية و ذا مروءة و سلوك حسن, و إن كان هذا الشرط تفرضه ابتداء ضوابط المسؤولية الأخلاقية المفترضة في الموثق, و التي نصت عليها المادة الثانية من القانون 32.09, التي جاء فيها: ” يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة و النزاهة و التجرد و الشرف و ما تقتضيه الأخلاق الحميدة و أعراف و تقاليد المهنة.”.

و اعتبر أحد الباحثين أن شرط المروءة و السلوك الحسن, شرط شكلي مفرغ من محتواه, ما دامت صفة المروءة والسلوك التي وردت في المادة الثالة والتي تكاد جميع القوانين المهنية تجمع عليها، يتم إثباتها بشهادة عدم السوابق العدلية وبشهادة عدم السوابق الجنائية، علما أن هاتين الشهادتين ليس بإمكانهما إثبات هذه الصفة بشكل صحيح ودقيق فيمن يدلي بهما، فهما وثيقتان شكليتان، في وسع كل شخص أن يحصل عليهما مهما كانت أخلاقه، وليس كل من لم يسبق إدانته من قبل العدالة يكون موثقا، إذن ينبغي البحث في آليات أخرى كتفعيل البحوث السرية التي تنجزها الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة فيمن يرغب ولوج بعض المهن القضائية[9].

من الشروط كذلك, أن يكون المترشح لمهنة التوثيق العصري متمتعا بالقدرة الكافية لممارسة مهنة التوثيق على أكمل وجه و أتمه, و يتم إثبات هذه المقدرة بواسطة شهادة طبية صادرة عن طبيب يشتغل بمصالح الصحة التابعة للقطاع العام.
كما اشترط المشرع كذلك أن يكون المترشح غير محكوم عليه من أجل جناية أو جنحة, باستثناء الجنح غير العمدية, و لو رد اعتباره, و هذا خلاف ما كان عليه الوضع في ظل الظهير الملغى الذي كان يسمح للمحكوم عليه ولوج مهنة التوثيق إذا حصل على رد الاعتبار.

إضافة إلى ما ذكر, اشترط المشرع في المترشح أن لا يكون قد صدرت في حقه في إطار الوظيفة العمومية أو المهن الحرة عقوبة نهائية, سواء كانت تأديبية أو إدارية بالإقالة أو التشطيب أو العزل أو الإحالة على التقاعد أو سحب الإذن أو الرخصة, و كذا غير محكوم عليه بإحدى العقوبات المتخذة ضد مسيري المقاولة المنصوص عليها في القسم الخامس من الكتاب الخامس من مدونة التجارة و لو رد اعتباره[10], و غير مخل بالتزام صحيح يربطه بإدارة أو مؤسسة عمومية لمدة معينة.

و اختتمت المادة الثالثة شروطها العشرة بضرورة النجاح في مباراة الانخراط لمهنة التوثيق, و ارتباطا مع هذا الشرط, نصت المادة السادسة من نفس القانون على أن نظام المباراة و نظام الاختبارات يتم تحديده بنص تنظيمي.
و هو النص الذي عمل المشرع المغربي على إخراجه سنة 2013 كمرسوم تطبيقي لقانون التوثيق الجديد[11], و الذي نص في مادته الثانية على أن المباراة تشتمل على اختبار كتابي يشمل مواد القانون المدني و القانون التجاري و قانون الشركات و الحقوق العينية و الثقافة العامة, و اختبار شفوي متعلق بالنصوص المنظمة لمهنة التوثيق, و كذا بالتنظيم القضائي, و يرتب المترشحون حسب استحقاقهم في حدود المناصب المتبارى بشأنها.
و نرى بأن المشرع قد أحسن صنعا لما نص صراحة على هذه الشروط, و ذلك رغبة منه في جعل مرفق التوثيق مرفقا متضح المعالم, و مؤسسة لأشخاص مؤهلين علميا و ذوي سلوك حسن و كفاءة عالية تنهض بهذا المرفق و تساهم بشكل فعال في بناء دولة المؤسسات.

المطلب الثاني: اختصاصات الموثق

ينقسم اختصاص الموثق حسب قانون التوثيق الجديد, إلى اختصاص من حيث الإقليم أو المكان (الفقرة الثانية) و إلى اختصاص من حيث موضوع العقود التي يمكن للموثق مباشرة تحريرها, و إضفاء الطابع الرسمي عليها (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الاختصاص الموضوعي للموثق

جاء في المادة 35 من القانون 32.09 مايلي: ” يتلقى الموثق ما لم ينص القانون على خلاف ذلك العقود التي يفرض القانون إعطاءها الصبغة الرسمية المرتبطة بأعمال السلطة العمومية أو التي يرغب الأطراف في إضفاء هذا الطابع عليها و يقوم بإثبات تاريخها و ضمان حفظ أصولها و بتسليم نظائر و نسخ منها.”.

يتضح جليا من خلال نص المادة أعلاه أن الموثق يختص – طبقا للنصوص المعمول بها- بتلقي العقود التي يحتم القانون إضفاء الصبغة الرسمية عليها المرتبطة بأعمال السلطة العمومية كالبيوعات الواردة على العقارات أو الحقوق العينية المرتبطة بها طبقا لنص المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية[12], أو تلك التي يرغب الأطراف في رسميتها؛ و هي جميع العقود التي لم يتطب القانون ضرورة إضفاء الطابع الرسمي عليها, إلا أن أطرافها ارتأوا جعلها رسمية, و بالتالي يقوم الموثق بإثبات تاريخها و ضمان حفظ أصولها و كذا تسليم نسخ منها.
و بالموازاة مع ذلك لا يسوغ للموثق أن يقوم مثلا بكتابة محرر يتعلق بالحالة المدنية أو توثيق عقود الزواج لكونها من اختصاص العدول المنتصبين للإشهاد, و كذلك توثيق الطلاق والرجعة[13].

وتجدر الإشارة إلى أن الموثق يحرر العقود تحت مسؤوليته, و هذا ما نبهت إليه الفقرة الأولى من المادة 41 من القانون 32.09 التي جاء فيها مايلي: ” يحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفصل بين الفقرات و البنود, و في هذه الحالة يوضع خط على البياض.”, و باللغة العربية وجوبا, اللهم إذا اتفق الأطراف على التحرير بلغة غير العربية, و هو ما أشارت إليه الفقرة الأولى من المادة 42 التي جاء فيها: ” تحرر العقود و المحررات باللغة العربية وجوبا, إلا إذا اختار الإطراف تحريرها بلغة أخرى.”.

و نود الإشارة في هذا الإطار إلى أن بعض الأبناك المانحة لقروض من أجل عمليات الشراء, تمتنع عن توقيع العقود المحررة من لدن الموثقين باللغة العربية, الشئ الذي يجعل الأطراف أمام شرط تعسفي متمثل في ضرورة تحرير العقد باللغة الفرنسية, حتى يتسنى لهم الحصول على توقيع البنك, و بالتالي الاستفادة من القرض.
و بتوقيع الموثق على المحرر أو العقد يكتسب الصيغة الرسمية المقررة في الفصول من 418 إلى 420 من قانون الالتزامات و العقود, كما يقع أيضا – و دائما تحت الاختصاص النوعي- على عاتق الموثق حفظ العقود و تسليم النظائر و النسخ إلى كل واحد من الأطراف[14].

الفقرة الثانية: الاختصاص الإقليمي للموثق

نود بدء الإشارة إلى ما كان عيه الحال في ظل ظهير 4 ماي 1925, حيث جاء في الفصل الثاني منه مايلي: ” إن الموثقين الذين يقيمون بالرباط يمكنهم مباشرة التوثيق في دائرة نفوذ محكمة الاستئناف كلها, أما الذين يقيمون في دائرة نفوذ محكمة ابتدائية, فيمكنهم مزاولة مهامهم في دائرة هذه المحكمة, و غيرهم من الموثقين لهم الحق في مباشرة مهامهم داخل دائرة محكمة الصلح التي يوجد فيها مقرهم, و عند الاقتضاء يمكن تمديد دائرة اختصاصهم بمقتضى ظهير إلى دوائر اختصاص محاكم صلح أخرى إذا كانت هذه الأخيرة تفتقر إلى وجود موثقين”.

هذا الفصل كان في فترة الحماية و بقي العمل به حتى بعد الاستقلال, مما فرض تعديله بشكل يتناسب و التنظيم القضائي للمملكة[15], الشئ الذي لم يتحقق إلا بصدور القانون رقم 32.09, حيث أصبح الموثق يعين بدائرة نفوذ محكمة استئنافية و يمارس مهامه بمجموع تراب المملكة و ذلك بموجب الفقرة الأولى من المادة 12 التي جاء فيها مايلي: ” يمارس الموثق مهامه بمجموع التراب الوطني.”.
و تجدر الإشارة إلى أن المقتضيات السالفة المتعلقة بالاختصاص المحلي, تسري على الموثقين فحسب, و لا تشمل الأفراد, حيث يبقون أحرارا في اللجوء إلى أي موثق يختارونه لتوثيق اتفاقاتهم[16].

المبحث الثاني: المسؤولية القانونية للموثق العصري

يمكن اعتبار المسؤولية القانونية للموثق, الوسيلة الفعالة الموضوعة رهن إشارة القانون و القضاء, لمراقبة حسن سير مرفق التوثيق العصري, فهي بذاك تكون الحائل دون تجاوز الحدود المرسومة بنص القانون أو العقد ابتداء, و الآلية الكفيلة بجعل التوثيق يؤدي الغاية المرجوة منه انتهاء, و بهذا سنبحث في المقتضيات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للموثق (المطلب الأول), إلى جانب مسؤوليتيه المرتبطتين بالخطأ الجنائي و الخطأ التأديبي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المسؤولية المدنية للموثق العصري

إن البحث في المسؤولية المدنية للموثق العصري, لا يمكن الإلمام به في جزء من مقالة, بل يتعدى ذلك إلى كتابات مطولة مستقلة ببحث كل الجوانب و سبرها, و طرح كل الإشكاليات و دراستها, و حسبنا في هذا المطلب الاقتصار على دراسة اتجاهين فقهيين مختلفين, غير موغلين في تعدد الآراء و تضارب الأفكار بخصوص طبيعة التزامه و أركان قيام مسؤوليته[17], و بذاك نقتصر على دراسة الرأي القائل بكون المسؤولية المدنية للموثق مبنية على مخالفة التزام عقدي (الفقرة الأولى) إلى جانب رأي من بناها على مخالفة التزام قانوني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المسؤولية العقدية للموثق العصري

ذهب جانب من الفقه في معرض تمييزه بين المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية, نحو الميل إلى اعتبار المسؤولية المدنية للمهنيين بصفة عامة, و الموثق بصفة خاصة ذات طبيعة عقدية[18], و بالتالي فهم يقيمون مسؤولية الموثق المدنية على أساس مخالفته التزاما فرضه العقد الرابط بينه و بين زبونه.
و هو الموقف الذي تبنته المحكمة الابتدائية بمراكش, سنة 1992, حينما اعتبرت أن المشرع المغربي قد كيف العلاقة الرابطة بين من يمارس مهنة حرة و زبونه على أساس أنها علاقة تعاقدية[19].
و يدعم القائلون بعقدية مسؤولية الموثق رأيهم بمجموعة من الحجج, منها:

أن الموثقين و غيرهم من المهنيين كالأطباء و المحامين و المهندسين, يرتبطون عادة بعقود مع عملاءهم محلها تقديم خدمة, و يثير إخلالهم بواجباتهم المهنية مسؤوليتهم العقدية, لأن العقد يفرض التزامات متبادلة بين الطرفين[20].
توجه الزبون إلى الموثق من أجل التعاقد, يدخل في إطار الإيجاب و القبول, فالموثق عندما يفتح مكتبا للتوثيق و يضع لوحة إشهارية بخارجه أو بداخله, فإن ذلك يعتبر إيجابا منه, و لجوء الأطراف إلى الموثق على هذا الأساس هو بمثابة قبول لإيجاب الموثق, و بذلك فإن شروط العقد قائمة[21].

و تجدر الإشارة في ختام هذه النقطة إلى أنه إذا كان أنصار هذا الاتجاه قد اتفقوا على بناء مسؤولية الموثق المدنية على أساس عقدي, فإنهم قد اختلفوا حول تحديد الطبيعة القانونية لهذا العقد, فمنهم من اعتبرها قائمة على عقد الوكالة, و منهم من أقامها على عقد المقاولة أو عقد العمل, و منهم من أسسها على اعتبار مصدر العقد هو رابطة الخدمة العامة, و بالتالي فهو عقد من عقود القانون العام[22].

الفقرة الثانية: المسؤولية التقصيرية للموثق العصري
في مقابل الاتجاه القائل بالطبيعة العقدية للمسؤولية المدنية للموثق, ظهر اتجاه فقهي آخر, يقيم مسؤولية الموثق على أساس تقصيري, و بالتالي فمسؤولية الموثق عندهم تجد أساساها في مخالفة التزام قانوني خارج عن دائرة التعامل بالعقود.

و يدعم أنصار هذا الاتجاه رأيهم بمجموعة من الحجج منها:

أن الأعمال الأدبية و الفنية و العلمية كالتوثيق مثلا, لا يمكن أن تكون محلا للتعاقد الملزم من الناحية المدنية, و رأى أصحاب هذا الاتجاه أن الموثق لا يسأل عقديا في مواجهة عملائه[23].
أن مصدر تحديد معظم الالتزامات المهنية للموثق هو القانون, و ليس العقد الذي يربطه بالزبون إلا في حدود ما اشتمل عليه من التزامات ملقاة على عاتقه, و هي مقارنة مع الالتزامات القانونية لا تشكل إلا نسبة يسيرة, و بالتالي فالإخلال بالتزام مرده إلى القانون يقيم المسؤولية التقصيرية لا العقدية[24].

أن التحديد القانوني لأتعاب الموثق, يجعل هذا الأخير ملتزما بها غير متجاوز إياها تحت طائلة التأديب, و هي الحالة التي يكون معها الزبون عالما بالتزاماته, و لجوئه إلى الموثق يعتبر موافقة منه على الارتباط معه وفق الشكل الذي حدده القانون, و هو الشئ الذي يؤكد انتفاء الرابطة العقدية بين الزبون و الموثق.
و نشير إلى أن المشرع المغربي قد نظم التحديد القانوني لأتعاب الموثق بموجب المادة 15 من القانون 32.09, التي جاء فيها: ” للموثق الحق في أتعاب يحدد مبلغها و
طريقة استيفائها بنص تنظيمي.” كذا المادة 16 من نفس القانون التي نصت على مايلي: ” لا يحق للموثق. تحت طائلة المتابعة التأديبية و الزجرية. أن يتقاضى أكثر من أتعابه, و مما أداه عن الأطراف من صوائر مثبتة.”
و نود التنبيه في ختام هذا المطلب, إلى أنه في ظل هذا التضارب بين الاتجاهين, ظهر اتجاه ثالث حاول الجمع بين المسؤوليتين, فأكد أن الموثق رغم كونه ضابطا عموميا إلا أن لجوء الأطراف إليه غالبا ما يكون إبرام عقد معه, و مظهر التعاقد هو قيام الموثق بالممارسة الصحيحة لوظيفته, فإذا أخل بها فإن للعميل أن يختار نظام المسؤولية الذي يلجأ إلى أحكامه, إلا أن وجود العقد لا ينفي حق العميل في اللجوء إلى قواعد المسؤولية التقصيرية عن الأضرار المترتبة عن تقاعس و إهمال الموثق في أداء وظائفه, و من هنا نكون إزاء حالة من حالات الجمع بين المسؤوليتين[25].

المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية و التأديبية للموثق

كما هو مبين من خلال عنوان هذا المطلب, فإن الدراسة فيه ستقتصر على عرض جوانب المسؤولية الجنائية للموثق (الفقرة الأولى), على أساس ختم الحديث بمسؤوليته التأديبية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مسؤولية الموثق الجنائية

إذا كان مناط المسؤولية المدنية هو التعويض, فإن غاية المسؤولية الجنائية زيادة على معاقبة المسؤول, حماية المجتمع, لذلك نجد الموثق كغيره من أصحاب الوظائف العامة أو المهن الحرة, خاضعا لأحكام المسؤولية الجنائية, لما في ذلك من ضمان لحقوق المتعاملين معه من جهة, و جعل مرفق التوثيق وسيلة فعالة في تحقيق الأمن التعاقدي من جهة أخرى.

و يقصد عموما بالمسؤولية الجنائية صلاحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي جراء ما ارتكبه من أفعال مخالفة لنصوص القانون الجنائي.
و يتميز النظام الجنائي في كليته بمبدأ شرعية الجريمة و العقوبة, إذ لا جريمة و لا عقوبة و لا تدبير إلا بنص, و بالتالي فقد حدد المشرع الجنائي الجرائم على سبيل الحصر, و حدد كذلك عقوباتها, فلا يجوز للقاضي توقيع عقوبة لم ينص عليها القانون, كما لا يجوز له الحكم بعقوبة تزيد عن الحد الأقصى للعقوبة المحددة كجزاء للفعل المرتكب[26].

و الباحث في المسؤولية الجنائية للموثق لا يجد أي صعوبة, أو مشقة, كتلك التي تبرز في بحث المسؤولية المدنية, على أساس أن المسؤولية التي تثار في هذه الحالة مرتبطة بصفته هاته, كان يأتي فعلا من الأفعال المنصوص عليها في قانون العقوبات, أو أي نص جزائي آخر, أو اتجاه مصالح الدولة التي فوضته القيام بجزء من مهامها كالخزينة العمومية[27].

و من بين النصوص التي تثير المسؤولية الجنائية للموثق في القانون 32.09, نجد المادة 90, التي نصت على مايلي: ” يمنع على الموثق القيام مباشرة أو بواسطة الغير بأي عمل يدخل في نطاق سمسرة الزبناء أو جلبهم.
يعاقب على مخالفة مقتضيات الفقرة السابقة بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبالغرامة من 20.000‏ إلى 40.000‏ درهم مع مراعاة العقوبات التأديبية التي قد تطبق على الموثق سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا.”
و كذا المادة 91 التي جاء فيها: ” يمنع على الموثق القيام بعمليات الإشهار شخصيا أو بواسطة الغير، غير أنه يحق للموثق أن يتوفر على موقع في وسائل الاتصال الإلكترونية يشير فيه باقتضاب إلى نبذة عن حياته ومساره الدراسي والمهني، وميادين اهتماماته القانونية وأبحاثه، شريطة الحصول على إذن مسبق من رئيس المجلس الجهوي للموثقين بمضمون ذلك.

لا يجوز للموثق أن يضمن في اللوحة البيانية الموضوعة خارج البناية التي بها مكتبه أو بداخلها سوى اسمه الكامل وصفته كموثق وكذا لقب دكتور في الحقوق عند الاقتضاء ويحدد شكل اللوحة بقرار لوزير العدل.
يعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة باللوحة بغرامة من 1.200 ‏ إلى 5.000 درهم ، ويعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة بإحداث الموقع الإلكتروني بغرامة من 2.000 ‏ إلى 0.000‏1 درهم.”
كما نستحضر في هذا المقام الفصلين 352 و 353 من مجموعة القانون الجنائي[28], اللذين ينصان على جريمة و عقوبة التزوير التي يرتكبها الموثق أثناء قيامه بوظيفته.

و عموما فقد جاءت هذه النصوص كتكريس من المشرع لسياسة الحد من التلاعبات التي قد يرتكبها بعض الموثقين فاقدي الضمير اتجاه زبنائهم, و ما تعكسه هذه السلوكات من زعزعة للثقة في صفوف المتعاملين مع مرفق التوثيق, و تأثير ذلك في الأمن القانوني برمته.
و نشير في الختام إلى أن أركان مسؤولية الموثق الجنائية, لا تخرج عن أركان المسؤولية الجنائية عموما, و بذلك فهي تتأسس على خطأ, و ضرر, و علاقة سببية جامعة بين الخطأ و الضرر.

و المقصود هنا بالخطأ مفهومه الواسع, سواء كان خطأ عمديا أو خطا إهمال, مادام متصلا بالأصول الفنية لمهنة التوثيق, و عرفه بعض الباحثين بعدم قيام الموثق بالالتزامات التي تفرضها عليه وظيفة التوثيق, أو أنه تقصير لا يقع من موثق يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالموثق[29].
أما الضرر؛ فقد يكون ماديا يمس مصلحة مالية, أو معنويا يمس المضرور في شعوره و وجدانه, و كلاهما موجب للتعويض[30].
و إلى جانب الخطأ و الضرر, فلابد لإسناد المسؤولية إلى الموثق, من ارتباط الضرر بالخطأ الصادر عنه, و ذلك عن طريق إثبات العلاقة السببية[31].

الفقرة الثانية: مسؤولية الموثق التأديبية

تتجسد المسؤولية التأديبية أساسا, في مخالفة المهني لواجبه وفقا للمقتضيات القانونية, و التنظيم المعمول به, و ذلك عند إتيانه عملا إيجابيا أو سلبيا محددا, يعد إخلالا منه بواجبات مهنته, أو خروجا عن مقتضياتها, أو يعد مساهمة منه في وقوع الخطأ المهني[32].
و يدور الحديث في هذه الفقرة حول المخالفات التأديبية للموثق, و العقوبات المقررة لها, دون تعدي هذه المقتضيات إلى الجانب الإجرائي المتعلق بمسطرة التأديب و طرق الطعن في المقررات الصادرة في إطار المسؤولية التأديبية للموثق.

أولا: المخالفات التأديبية للموثق

يعرف أحد الباحثين الخطأ التأديبي بكونه انحرافا في التصرف, أو السلوك, و يتحقق بانتهاك واجب, أو التنكيب لمبادئ محددة في السلوك, و المفروض أن يكون هذا الخطأ التأديبي محدود الأثر في نطاق الطائفة التي ينتمي إليها الشخص المخالف[33].
و عرفه القضاء الفرنسي تعريفا بسيطا, حيث عرفته المحكمة الإدارية لرينيه سنة 1997, ” بالإخلال بالواجبات المهنية”[34], و عرفته محكمة الاستئناف بمرسيليا سنة 2008 في معرض تقريرها أن الإخلالات بالواجبات المهنية, توصف بالخطأ المبرر للجزاء التأديبي[35], أما محكمة جرونوبل فقد أشارت سنة 2007 في حكم لها أن الخطأ التأديبي هو كل إخلال بقواعد المهنة[36].
أما بخصوص المشرع المغربي, فقد عدد مجموعة من المخالفات التي تثير المسؤولية التأديبية للموثق, نقتصر منها علي الآتي:

المخالفات المتعلقة بالنصح و الإعلام و شرف المهنة:
نستشف مقتضيات هذه المخالفة من خلال ما جاءت به المادة الثانية من القانون 32.09, التي نصت على مايلي: ” يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة.”.
و على هذا النحو, فإن الإخلال بتطبيق أحكام هذه المادة يعد خطأ قد يرتب أضرار توجب المسؤولية, و ذلك وفقا لمقتضيات الفصل 39 من ظهير 4 ماي 1925, الذي استثنى من التعديل الذي أقره القانون 32.09, حيث يكون الموثقون مسؤولون ماليا عما يحدثونه من ضرر بسبب ما يصدر منهم أو من كتابهم, أو مستخدميهم أثناء القيام بخدمتهم[37].

مخالفة الوساطة في بيع ملك غير قابل للتفويت:
حدد المشرع مجموعة من الأملاك غير القابلة للتفويت, كأراضي الحبوس, و الجموع, و الدولة الملك العام…[38], كما جعل تفويت أملاك أخرى خاضعا لاستيفاء بعض الإجراءات القانونية, و بالتالي يمنع على الموثق تحت طائلة متابعته التأديبية التوسط في تفويت هذه الأملاك, و هو ما نص عليه البند الرابع من المادة 34, الذي جاء فيه: ” يمنع على كل موثق:

أن يبرم عقودا تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت, أو أن تفويتها يتوقف على إجراءات غير مستوفاة؛”.
و صدر حكم في هذا الإطار عن المحكمة الابتدائية بالرباط, سنة 2006, اعتبرت فيه أن عقد البيع المنصب على عقار و المبرم قبل فرز الرسم العقاري الخاص به من الرسم العقاري الأم, مندرجا في الفقرة 12 من الفصل 30, و أدانت الموثق المبرم لهذا العقد من أجل مخالفة التوسط في بيع عقار غير قابل للتفويت إلا بعد إتمام بعض الموجبات[39].
مخالفة الاحتفاظ بالمبالغ المالية المودعة لدى الموثق:
و هي المخالفة التي أشار إليها البند الثالث من المادة 33 من القانون 32.09, الذي جاء فيه: ” يمنع على كل موثق:

أن يحتفظ بالمبالغ المالية التي في عهدته لحساب الغير بأي صفة كانت, و يجب عليه وضعها فور تسلمها بصندوق الإيداع و التدبير.”.
و تعتمد المحكمة في إثبات هذه المخالفة على إقرار الموثق, أو على مقارنة تاريخ تسليمه الأموال الثابتة بمقتضى العقد المبرم بواسطته, أو الوصل المسلم من طرفه, مع تاريخ إيداع هذه الأموال بصندوق الإيداع و التدبير, و ذلك في حالة قيامه بالإيداع خارج الأجل, و إلا فإن المخالفة ثابتة مادام الإيداع لم يتم أصلا[40].

ثانيا: العقوبات التأديبية للموثق
عرف أحد الباحثين العقوبة التأديبية بالجزاء المهني أو الوظيفي الذي يصيب المهني الذي تثبت مسؤوليته عن ارتكاب خطأ تأديبي معين, بحيث توقع باسم و لمصلحة الطائفة المنتمي إليها, و تنفيذا لأهدافها المحددة سلفا[41].
و إذا كان ظهير 4 ماي 1925, يصنف العقوبات التأديبية إلى صنفين, عقوبات من الدرجة الأولى و عقوبات من الدرجة الثانية, فإن القانون الجديد, حصر هذه العقوبات في أربعة أنواع؛ و هي الإنذار, و التوبيخ, و التوقيف المؤقت لمدة لا تتجاوز سنة واحدة, و العزل, و هذا ما نصت عليه المادة 75, التي جاء فيها مايلي: ” العقوبات التأديبية هي :
– الإنذار ؛
– التوبيخ ؛
– الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تتجاوز سنة ؛
– العزل.
‏يمكن أن تكون العقوبات التأديبية الثلاث الأولى مقرونة بعقوبات إضافية كالحرمان من الحق في الترشيح لعضوية المجلس الوطني والمجالس الجهوية للموثقين أو التصويت في الانتخابات المتعلقة بها وذلك لمدة لا تتجاوز 5 ‏سنوات.”
و تعتبر عقوبتا التوبيخ و الإنذار من العقوبات المعنوية, أو العقوبات الأدبية, التي تهدف إلى تبصير الموثق بخطئه و تنبيهه إليه, و بالتالي فالتوبيخ و الإنذار عقوبتان أدبيتان بسيطتان, في حين تبقى عقوبة العزل أخطر عقوبات المادة 75 أعلاه, إذ تعتبر الحد الفاصل في إنهاء الحياة المهنية للموثق المحكوم عليه بها.

و نشير في الختام إلى أنه لابد من تحقيق التناسب بين الخطأ المهني و العقوبت التأديبية, و هو ما سار عليه القضاء في مصر, حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية العليا, سنة 2008, أن: ” الأصل أن يقوم الجزاء على أساس التدرج تبعا لدرجة جسامة الذنب المرتكب, و إذا كانت للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب المهني و ما يناسبه من جزاء فإن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو, و من صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب و بين نوع الجزاء, ففي هذه الحالة يخرج التقدير عن نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية, و من ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة”[42].

 

(محاماه نت)

إغلاق