دراسات قانونية

الأدلة وإشكالياتها في جرائم المخدرات (بحث قانوني)

الأدلة في جرائم المخدرات وإشكالياتها

نهاد أفقير

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

. سطات.

مقدمة

تشكل جرائم المخدرات، إحدى الانشغالات الكبرى للدولة المغربية والمجموعة الدولية على العموم، وذلك لتقاطعها مع مجموعة من الشبكات والظواهر الإجرامية الأكثر خطورة، حيث عمل المجتمع الدولي على إيجاد السبل الكفيلة للتصدي لظاهرة الاتجار الدولي في المخدرات وتسهيل ترويجها واستهلاكها عبر إبرام العديد من الاتفاقيات والمعاهدات.

وتكمن أهمية الموضوع في الطبيعة المزدوجة للمواد المخدرة بين ما هو غير مشروع ومشروع، وهذا الأخير يتجلى في الاستفادة منها لأغراض علمية وطبية،مما تمخض عنها من آثار سلبية استغلت من طرف العصابات والأباطرة، وهذه الوضعية تجعل القائمين على وضع سياسة جنائية في مجال مكافحة المخدرات في حيرة من أمرهم بحيث لا يستطيعون سن التشريعات لاستئصال إنتاج المواد المخدرة بصفة نهائية، وبالتالي يصعب إيجاد ضمانات تشريعية وتقنية تجعل تلك الاستعمالات مقتصرة على الأغراض الطبية والعلمية، فنظرا للخصوبة الاقتصادية والأمنية التي تطبع جرائم المخدرات،جعلت المشرع المغربي يتدخل لينظمها بنصوص خاصة سواء تعلق الأمر بظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها،أو من خلال مدونة الجمارك والضرائب الغير مباشرة بالإضافة إلى القانون الجنائي والمسطرة الجنائية التي تحدد مختلف اجراءات الإثبات في جرائم المخدرات, كما تظهر أهمية الموضوع أيضا في كون كل متدخل في موضوع المخدرات يضم صوته إلى أي مهتم آخر للإقرار بأن الحلول الزجرية التي جاءت بها التشريعات غير كافية لوضع حد لهذه الظاهرة،فعدد المدمنين في تزايد مستمر وأرباح أباطرة وتجار المخدرات في تصاعد،الشيء الذي دفع بنا إلى البحث عن الأدلة والوقوف عند بعض الإشكاليات من أجل محاولة معرفة الثغرات التي يستغلها أباطرة المخدرات ومحاولة مكافحتها والتقليل من حدة انتشارها دوليا ووطنيا.

وفي ظل ما سبق يحق لنا ان نتساءل عن :

ما مدى مساهمة المشرع المغربي في تنظيم وسائل الإثبات للكشف عن جرائم المخدرات؟

هذه الاشكالية تحيلنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة الفرعية:

ما هي القواعد المسطرية لإثبات جرائم المخدرات؟ وما الإشكاليات والصعوبات التي تحول دون تحقيق الأهداف المرسومة؟

للإجابة على هذه الأسئلة سنقوم بتقسيم هذا الموضوع الى مبحثين، حيث سنتطرق في المبحث الاول للوسائل المادية لإثبات جرائم المخدرات ،على أن نخصص المبحث الثاني للحديث عن الأدلة التقنية للكشف عن جرائم المخدرات.

المبحث الاول: الوسائل المادية لإثبات جرائم المخدرات

إن أهم ضمانات العدالة الجنائية هي احترام حقوق الدفاع في كل صورها و تجلياتها، خصوصا خلال مرحلة ما قبل المحاكمة أي أثناء البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، ذلك من خلال إقامة الدليل على وجود الجريمة، ويقصد بإثبات جنحة او مخالفة جمركية، إقامة الدليل على وجودها بالوسائل التي يحددها القانون،بالرغم من أن المحاضر تبقى الوسيلة الأولى في إثباتها، لذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث الى مطلبين، حيث سنتناول في المطلب الاول دور المحاضر الجمركية في اثبات جرائم المخدرات، في حين سنخصص المطلب الثاني للإشكالات القانونية والعملية للاعتراف وشهادة الشهود في جرائم المخدرات.

المطلب الاول: دور المحاضر الجمركية في اثبات جرائم المخدرات

لم يعط المشرع المغربي تعريفا عاما للمحضر باستثناء ما ورد في المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية الذي اعتبره :” تلك الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه و يضمنها ما عاينه و ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه “. كما نص الفصل 70 من قانون الدرك الملكي على انه: ” تلك الوثيقة التي يضمن فيها جنود الدرك ما عاينوه من مخالفات أو ما قاموا به من عمليات أو تلقوه من معلومات “.

لذا نتساءل هل يمكن اعتبار جميع المحاضر بدون استثناء المنجزة كيفما كان نوعها أن تكون حجة

ودليل قاطع في جرائم المخدرات إلى أن يثبت ما يخالفها، أم أنها تعد ورقة رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور و خاصة المنجزة من طرف أعوان إدارة الجمارك؟

في حقيقة الأمر فإن المحاضر الجمركية يمكن أن تحرر من طرف عون واحد أو من طرف عونين أو أكثر، إلا أن قيمتها الثبوتية تختلف في الحالتين حسب ما سيأتي بيانه لاحقا، فالمحاضر الجمركية إما أن تكون محاضر حجز و إما محاضر بحث وبالرجوع للفصل 240 من مدونة الجمارك نجد أن الأفعال المثبتة و أعمال الحجز منجزة يجب أن تبين في محاضر متى أمكن و يجب أن تتضمن هذه المحاضر على:

تاريخ و مكان تحريرها و اختتامية.
أسماء و صفات و مساكن الأعوان محرري المحاضر.
تاريخ و ساعة و مكان الحجز أو الإثبات التصريحات التي قد يدلي بها مرتكب الفعل الذي يكون خارقا للقوانين و الأنظمة الجمركية.
و يجب أن توقع هذه المحاضر من طرف محرريها و من طرف مرتكبي الفعل إذا كانوا حاضرين، و في حالة استحالة التوقيع مرتكبي الأفعال أو رفضهم هذا التوقيع ينص على ذلك في الوثائق المذكورة و تسلم نسخة من المحاضر إلى مرتكبي الأفعال الحاضرين.

و يجب علاوة على ذلك أن ينص في محاضر الحجز على أسباب الحجز:

وصف الأشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها و كميتها.
التدابير المتخذة لضمان إيداعها أو دارسة حراستها أو حفظها.
هوية الحارس معين عند الاقتضاء مع موافقته و توقيعه.

حضور أو غياب مرتكبي الأفعال عند و صف الأشياء المحجوزة و الملاحظات التي قد يقدمها السماح عند الاقتضاء باستلام البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل مقابل كفالة أو وديعة.

و تتضمن المحاضر الجمركية الإثباتات المادية التي يتضمنها الأعوان حسب ما شاهدوه أو عاينوه، ووصف ظروف و مكان ارتكاب الجنحة و نوع البضاعة و ظروف القبض على المتورط في حالة التلبس، إلى غير ذلك من الوقائع المادية بالإضافة إلى التصريحات التي يدلي بها عند إيقافه، و فضلا عن ذلك يمكن أن تتضمن المحاضر الجمركية بعض الاستنتاجات الصادرة عن أعوان محرري المحضر.

و عليه فإدارة الجمارك يحق لها أن تقوم بحجز المخدرات و البضائع المخبئة فيها ووسائل النقل و لو لم تكن قابلة للمصادرة، و إذا توفي الجاني قبل تسديد العقوبات المالية تباشر دعوى الحجز على التركة، و إذا تعذر حجزها تستصدر حكما على الورثة بأداء قيمتها وفق سعر السوق الداخلية وقت ارتكاب الغش[1] ، ذلك أن الطعن في مثل هذه المحاضر لا يكون إلا بالزور نظرا للقوة الثبوتية التي تتمتع بها هذه المحاضر، لكن هناك اختلاف و تمييز بين المحاضر المنجزة من طرف عون واحد لإدارة الجمارك بحيث لا يكون لها نقس القوة الثبوتية التي يحررها عونين أو أكثر من إدارة الجمارك حيث بالرجوع إلى الفصل 242 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نجد أن المحاضر تنقسم إلى نوعين: المحاضر ذات الحجية النسبية التي يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها و هي المحاضر المحررة من طرف عون واحد للإدارة أو محررة من طرف عونين أو أكثر فيما يتعلق بمضمون الإقرارات و التصريحات الملقاة من طرفهم و المحاضر ذات الحجية المطلقة و التي لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور إذا كانت محررة من طرف عونين أو أكثر من أعوان إدارة الجمارك و كان مضمونها يتعلق بإثباتات مادية لأفعال مخالفة للأنظمة و القوانين الجمركية كما في حالة حجز بضائع المخدرات المرتكب الغش بشأنها.

وبالنسبة للمسطرة الواجب سلوكها في الطعن بالزور في المحاضر الجمركية ليست المنصوص عليها في المواد 575 إلى 587 من قانون المسطرة الجنائية، بل المنصوص عليها في الفصول 244 و 245 و 246 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.

لكن يتبادر إلى ذهننا التساؤل عن ما هي الحدود التي رسمها المشرع الجمركي حتى لا يصدم أعوان إدارة الجمارك في تنازع اختصاصهم مع الضابطة القضائية التي تعمل تحت إشراف جهاز النيابة العامة؟

بالرجوع إلى الفصل 41 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نجد أن المشرع أحاط هذه الصلاحيات بقيود و ضمانات لعل أهمها ضرورة للحصول على إذن من طرف مدير إدارة الجمارك أو من يمثله بالإضافة إلى موافقة الشخص الذي يشغل هذه الأماكن موافقة كتابية قبل مباشرة عملية التفتيش و عند امتناعه يجب على هؤلاء الأعوان طلب مساعدة ضباط الشرطة القضائية بعد توصله بطلب مكتوب ولا يمكن اقتحام الأبواب إلا بحضور هذه الأخيرة، ما عدا في حالة المطاردة عن كتب و ملاحظاتهم دخول البضائع الخاضعة للأنظمة الدائرة إلى المنازل و المحلات المعدة للاستعمال المهني، و في حالة رفض الضابط الحضور بعد توصله بالطلب يمكن الاستغناء عن هذا الإجراء بعد إشعار وكيل الملك، لكن في حالة المطاردة المزدوجة من طرف الشرطة القضائية و أعوان إدارة الجمارك و اختصاص الجهازين في القيام بعملية تفتيش المنازل، من يحق له القيام بذلك؟ نعتقد و في غياب نص صريح يعالج هذا الإشكال أن ضباط الشرطة القضائية لهم أسبقية هذا الإجراء نظرا لكونهم يعملون تحت إشراف النيابة العامة، و أن هذه الأخيرة منحها المشرع صلاحية تحريك الدعوى العمومية في الجنح الجمركية قبل مدير إدارة الجمارك أو من يمثله حسب الفصل 249 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.

المطلب الثاني: الإشكالات القانونية والعملية للاعتراف وشهادة الشهود في جرائم المخدرات.

إن الاعتراف كتقنية للإثبات في المادة الزجرية قديمة قدم تاريخ الإنسانية نفسها، فهو يتخذ شكل تصريح، يدلي به المتهم أمام الجهات المختصة و ينسب بمقتضاه إلى نفسه مسؤولية الجريمة كليا أو جزئيا، كما يشترط أن يكون من المتهم نفسه[2]، و أن يكون الاعتراف سليما وواضحا و صريحا

وبمفهوم المخالفة لا يعتد بالاعتراف المشوب بعيب وهو ما اشار إليه المشرع المغربي في الفصل 293 من قانون المسطرة الجنائية، و هذا ما يحمل في طياته ضمانات للمتهم، و ذلك حماية له من التعسفات.

و بالرجوع إلى المشرع المغربي نجده أعطى للقاضي الزجري سلطة في تقدير الاعتراف حتى يتأكد من شروط صحته و له أن يستغني عنها متى لم تقتنع المحكمة لحجيتها في الإثبات، على اعتبار أن البراءة هي الأصل عملا بما جاء في الفصل الأول من قانون المسطرة الجنائية ودستور 2011 باعتبار أن الأصل في الإنسان هو البراءة إلا أن يثبت العكس، و ما تجدر الإشارة إليه أن الاعتراف يعتبر حجة كافية و قاطعة ضد صاحبه، لذا نجد الأحكام القضائية تعاملت بأسبقية مع الاعتراف على باقي وسائل الإثبات الأخرى، وذلك في حسم الخصومة الجنائية في جرائم المخدرات، و بالتالي يتضح أن الاعتراف لا يثير أي إشكال من الناحية القانونية و الواقعية عكس اعتراف المتهم على المتهم الذي سنتطرق إليه،بحيث تعد شهادة الشهود وسيلة هامة في ارتكاب إحدى جرائم المخدرات و في حسم الخصومة الجنائية بصفة عامة، فإذا كان الفصل 117 من قانون المسطرة الجنائية منح قاضي التحقيق سلطة واسعة في تقدير الاستماع لأي شخص يرى فائدة لسماع شهادته، فانه مقيد بسلوك مجموعة من الشكليات التي يتعين عليه احترامها بما تشكله من ضمانات للمتهم، و لقد اجمع الفقه المغربي هذه الضمانات في حق المتهم في طلب الاستماع إلى الشهود، وجوب أداء الشاهد لليمين، و في الاستماع إليه على انفراد، و تدوين الشهادة. بالإضافة إلى ما سبق، نجد أن المشرع قد منح بموجب القانون 37.10 الشاهد بمجموعة من التدابير الحمائية، و على أساس ذلك أصبح يحق للشاهد في أي قضية عندما تكون هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته للخطر أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أوممتلكاته للخطر أو لضرر مادي أو معنوي، إذا ما أدلى بشهادته أن يطلب من قاضي التحقيق اتخاذ احد الإجراءات لحمايته و لأفراد أسرته و التي يتخذ في شأنها قاضي التحقيق قرارا معللا[3] .

أما فيما يخص شهادة متهم آخر في جرائم المخدرات تثير إشكاليات و يطرح تساؤلات بكونها هل تعد اعترافات أم شهادات أم مجرد أقوال و تصريحات لا اقل و لا أكثر؟ للإجابة على هذا التساؤل نجد أحد الفقهاء[4] يميز بين حالتين :

الحالة الأولى: الشهادة التي يعترف فيها على المتهم على واقعة إجرامية معينة و في نفس الوقت يوجه اتهامات لأشخاص آخرين كانوا معه، على أساس أنهم هم المساهمون في الجريمة و أن دوره اقتصر فقط على الأعمال التحضيرية أو مشاركا في هذه التصريحات لا تصح أن تعد شهادة بالمعنى المتعارف عليه مسطريا لان اعتراف الشخص باقترافه جريمة معنية في ظروف و ملابسات معينة في شهادة على نفسه تلزمه وحده و لا يمكن أن تتعداه إلى الغير، إضافة إلى ذلك فالشاهد يجب أن يكون موضوعيا و محايدا بمعنى ألا يكون طرفا في الواقعة المشهود بها.

الحالة الثانية: هي التي يدلي فيها المتهم تصريحات حول الواقعة الإجرامية غير الواقعة الإجرامية التي ارتكبها أو أشار فيها، و ذلك ضد متهم آخر كما إذا قام هو بجريمة قتل و قدم تصريحات ضد متهم آخر بإخفاء الجثة أو سرقة المخدر الذي كان بحوزة الضحية، فأمثال هذه التصريحات لا مانع من اعتبارها شهادة إذا توفرت فيها الشروط الشكلية و الموضوعية لأداء الشهادة.

وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية، لا نكاد نجد أي مقتضى قانوني يمنع المحاكم الزجرية من شهادة متهم على متهم آخر، كما لا نجد أي نص قانوني يجيز لهذه المحاكم و يحثها على الاستماع إلى المتهمين كشهود في القضايا المعروضة، باستثناء الإشارة الواردة في الفصل 118 من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على : ” يتعين على كل شخص استدعي لسماعه بصفته شاهدا، أن يحضر ويؤدي اليمين القانونية عند الاقتضاء، وأن يدلي بشهادته، وذلك تحت طائلة العقوبات المقررة في القانون غير أنه يمكن للشخص الموجهة ضده شكاية مرفقة بالمطالبة بالحق المدني أن يرفض سماعه بصفة شاهد، ، و على قاضي التحقيق أن يشعره بهذا الحق، و أن يطلعه على الشكاية و يضمن هذا الإجراء في محضر، و في حالة الرفض لا يمكن سماع الشخص المذكور إلا بصفته متهما “.

كما لم يرد المشرع المغربي صفة المتهم ضمن الأسماء الممنوعة من أداء الشهادة، حتى المحكوم عليهم بعقوبة جنائية لا يوجد ما يمنعهم من أداء الشهادة لكن دون أداء اليمين طبعا، لكن رغم ذلك وجب على القضاء أن يتعامل مع تصريح متهم على متهم آخر بالحيطة و الحذر و التدقيق، لإمكانية المتهمين في جرائم المخدرات بتوريط أشخاص آخرين إما بدافع العداوة أو الانتقام. لدلك وجب تعزيز هذا النوع من الشهادة بأدلة منسجمة ومتناسقة.

المبحث الثاني:الادلة التقنية في جرائم المخدرات

يعرف العلم المعاصر ثورة علمية، و تكنولوجية هائلة صاحبتها أشكال إجرامية متعددة ومتشابكة في جميع ميادين الحياة و مجالاتها، و تعتبر جرائم المخدرات الخيط الرابط بين كل هذه الأنشطة الإجرامية و هي تشكل تهديدا فعليا للأمن الوطني و الإقليمي و الدولي، و عليه لم تعد أساليب البحث والتحري التقليدية كافية. لذلك نجد من أهم الوسائل و الأدلة العلمية، التصنت على المكالمات الهاتفية الذي سنتطرق إليه في المطلب الأول، إضافة إلى الخبرة التي سنناقشها في المطلب الثاني.

المطلب الأول: التصنت على المكالمات الهاتفية
يعتبر التصنت على المكالمات الهاتفية من بين الوسائل العلمية التي يلجأ إليها القضاء لضبط و إثبات إحدى جرائم المخدرات، إلا أن هذا الإجراء تنازعه مصلحتين متعارضتين:أولهما: المحافظة على الأمن و سلامة المواطنين و حريتهم الشخصية. و ثانيهما: توفير حماية فعالة للمجتمع في مواجهة الجرائم الخطيرة و المنظمة و الوصول إلى مرتكبيها، الأمر الذي يمس بمبادئ حقوق و حريات الأفراد، و الواقع انه دوليا أصبح التقاط المكالمات الهاتفية و الاطلاع على المراسلات مألوفا و متداولا من طرف أجهزة مكافحة الإرهاب، و مكافحة الإجرام بشكل عام لفك ألغاز العصابات المنظمة و ملاحقة الجناة، و كثير من التشريعات أيدت هذه الإجراءات السابقة، و بالنسبة للمغرب أجاز في الظهير الشريف المؤرخ بتاريخ 1315.04.11 في الفصل 19 الاطلاع على المراسلات الصادرة عن السجناء من طرف مدراء السجون أو قواد الحراس ما لم تكن موجهة لمحاميهم و ذلك بموجب القانون رقم 98/23 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية في المواد من 89 إلى 97.[5]

فإذا كان المشرع افتتح المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد و تسجيلها و اخذ نسخ منها أو حجزها، إلا انه عاد في نفس المادة يستثني قاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يعطي أوامر بالتقاط المكالمات الهاتفية و كافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال.

كما منح هذا الاختصاص للوكيل العام، إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك أن يلتمس من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية، كما يمكنه في حالة الاستعجال القصوى، وبصفة استثنائية الأمر بالتقاطها دون أن يلتمس ذلك من الرئيس الأول خوفا من اندثار وسائل الإثبات.

كما وجب إشعار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف فور إصدار أمر بالالتقاط حينها يتعين على الرئيس الأول إصدار مقرر خلال 24 ساعة بتأييد أو تعديل أو إلغاء أمر الوكيل العام للملك، و إذا تم إلغاء الأمر فان التقاط المكالمات الهاتفية أو الإنصات يتم إيقافه على الضرر، و تعتبر الإجراءات المنجزة تنفيذا للأمر الملغى كأن لم تكن.[6]

و سعيا إلى تحقيق نوع من الفعالية الأمنية، سمحت اغلب الدول الديمقراطية بالتقاط المكالمات الهاتفية و الاتصالات الأخرى، و إذا كانت اغلب هذه الدول تحصر هذا الإجراء على الجهاز القضائي ممثلا في قاضي التحقيق فان دولا أخرى سمحت للسلطة التقديرية ممثلة في وزارة الداخلية في القيام بهذا الإجراء الخطير، ففي فرنسا مثلا يسمح القانون بالتصنت الأمني بترخيص من الوزير الأول يمنحه لوزير الداخلية أو الوزير المكلف بالجمارك من اجل البحث عن معلومات تهم الأمن الوطني و العناصر الأساسية للحفاظ على المخزون الإعلامي و الاقتصادي لفرنسا، أو الوقاية من الإرهاب و الجريمة و الانحراف المنظم.[7]

أما في المغرب فان التصنت الأمني و إن وجد في الواقع العملي فلا يملك أية تغطية قانونية صريحة، عكس التصنت القضائي الذي نظمه قانون المسطرة الجنائية، إلا أن ما يعاب عليه انه يشكل ضربا للحرمة الشخصية و سرية المرسلات كما انه يمس بإجراءات البحث و التفتيش و التحري لان التصنت على المكالمات الهاتفية لا يجب استعماله إلا بعد عجز و فشل الوسائل الأخرى في الوصول إلى الحقيقة.

المطلب الثاني: اجراء الخبرة في جرائم المخدرات
يعرف الفقه الخبرة بكونها تكليف المحكمة لشخص يتوفر على كفاءة علمية لمعاينة وقائع تقتضي تلك الكفاءة دون أن تكون المحكمة متوفرة عليها و ذلك من اجل تمكين المحكمة من البث في النزاع المعروض عليها.

و يقوم الخبير أو الخبراء المنتدبين من طرف قاضي التحقيق بإنجاز مهامهم تحت مراقبة هذا الأخير، إلا انه ارتأى عدم الاستجابة لطلب إجراء الخبرة، فيجب عليه أن يصدر أمرا معللا قابلا للاستئناف وفق الإجراءات و الآجال المنصوص عليها في المواد 222 و 223 من قانون المسطرة الجنائية، في حين لا يقبل الأمر بإجراء الخبرة الطعن بالاستئناف، و إن كان يجب تبليغه إلى النيابة العامة و الأطراف و يشار في التبليغ إلى اسم الخبير و صفته مع تضمين نص المهمة التي كلف بها.[8]

و تكمن أهمية الخبرة في جرائم المخدرات في الكشف عن المادة المخدرة مدسوسة في جسم الإنسان، أو تحديد طبيعة المخدر إن كان مشكوكا فيه على انه مخدر، إضافة إلى معرفة الشخص هل تناول المخدر أم لا.

كما أن القضاء تعرض عليه أحيانا قضايا يتابع فيها أشخاص بارتكاب جرائم المخدرات، إلا أن المادة المحجوزة في هذه الجرائم قد يدفع صاحبها بكونها ليست مخدرا، إما لكونها غير معروفة، أو غير مدرجة بالجدولين أ و ب الملحقين بظهير 21 ماي 1974 أو تتشابه مع إحدى المواد المشروعة، وهو ما يقتضي من المحكمة إجراء بحث دقيق و خبرة علمية على هذه المادة للتأكد منها.

فمن خلال ما سبق يتضح أن القاضي لا يمكنه الحكم على المادة مشكوكا فيها على أنها مخدرات، إلا بعد القيام بإجراء الخبرة و ذلك في المختبر الوطني للشرطة العلمية المتواجدة بالدار البيضاء، بحيث تقوم مصلحة التسميم و المخدرات بتحليلها و التأكد منها.

إلا أن هذا الإجراء من الناحية العلمية يشوبه الكثير من العيوب يمكنها أن تنقص من قيمة الخبرة كوسيلة من وسائل الإثبات.

و من أهم الإشكالات المتعلقة بهذا الإجراء تتجلى في غياب الآلات و المعدات المتخصصة.

و في هذا النوع من الخبرة نظرا لكونها تتجدد و تتطور بين الفينة و الأخرى لكونها باهظة الثمن، كما نجد أن هناك عدة ثغرات على مستوى مسطرة إحالة العينات ( المادة المفترض كونها مخدر) إذ أن هذه الأخيرة تتم إحالتها وفق طريقة تقليدية على هذا المختبر دون أية معلومات عنها و لا عن ترتيبها و مصدرها … حيث تكون معرضة لضياعها و تغييرها و استبدالها مما يؤثر على هذه الخبرة كقيمة و كوسيلة إثبات.

كما يمكن إعمال الخبرة على الشخص متى تبين انه تناول مخدرا مع التشكيك في ذلك، إلا أن سرعة اندثار هذا الدليل تجعل هذا الإجراء في حالة نادرة الوقوع، من جهة أخرى أجاز المشرع المغربي لأعوان الجمارك في المادة 45 مكرر من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة متى تشككوا من كون احد الأشخاص يحمل في جسمه مخدرات، و عند عدم اعترافه و مساعدته لهم يمكنهم بعد إشعار وكيل الملك بإجراء الخبرة على المتهم، و هذا الإجراء تم اللجوء إليه في السنوات الأخيرة مع ارتفاع وثيرة الهجرة غير الشرعية، بحيث أن هناك شبكات الاتجار في المخدرات داخل أجسامهم، مما يقتضي الحيطة و الحذر في تطبيق هذا الإجراء والتوفيق بين الحق في التحريات و التفتيش و بين الحقوق الفردية و حرمة الأشخاص عند التفتيش، و كذلك يجب تفادي التعذيب و الإكراه المجرم دوليا أثناء إجراء الخبرة على أجساد الأفراد، كما وجب زيادة عدد المختبرات لتشمل جميع جهات المملكة.

خاتمة:
في ختام هذه الدراسة المتواضعة للأدلة في جرائم المخدرات و اشكالياتها، يلاحظ أن المشرع جعل جميع وسائل الإثبات المتعارف عليها في الميدان الجنائي صالحة لإثبات الجنح الجمركية من الطبقة الأولى إلا أن الأهمية التي أولاها الإثبات بواسطة المحاضر الجمركية التي تنتج إما عن مسطرة الحجز، أو مسطرة البحث جعلتنا نستغرب لهذا النظام المخالف لقواعد الإثبات المعمول بها حيث أنها تحل بمصلحتين: مصلحة المجتمع في الدفاع عن نفسه ضد الجريمة، و مصلحة الأفراد في الدفاع عن حرياتهم و حقوقهم المشروعة، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لمبدأ أن البينة على من يدعي، و مبدأ قرينة البراءة و التي بموجبها يفسر الشك لصالح المتهم، و لم يقف الأمر عن هذا الحد بل تجاوز من خلال الطابع المطلق للقرائن القانونية التي تعج بها مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة إلى درجة المبالغة، ثم قلب عبئ الإثبات بحيث أصبح المتهم مدانا إلى أن يثبت براءته بالإضافة إلى تقييد حرية القاضي الجنائي في الاقتناع، و ذلك بفعل المحاضر الجمركية التي تتمتع بالحجية الخاصة التي منحها لها المشرع في الفصل 242 من مدونة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة، و بالتالي و جوابا على الإشكالية المركزية التي أوردناها في مقدمة هذا الموضوع، يمكن القول أن المحضر الجمركي ليس فقط وسيلة لإثبات المسؤولية الجنائية بل وسيلة إدانة و ضعها المشرع بين يدي إدارة الجمارك لضمان المصالح المالية لهذه الأخيرة.

كما أن الشهادة خصوصا شهادة متهم على متهم آخر يجب أن تتسم بالحيطة والحذر و على المشرع المغربي تأطيرها و تنظيمها بنصوص قانونية لأن كثيرا من المتهمين يسعون إلى توريط أناس أبرياء بدوافع الحقد أو البغض أو الانتقام و بالتالي يساهمون في تضليل العدالة و خلط الأوراق و التحكم في مصير الآخرين.

كما أن الاعتراف لم يعد سيد الأدلة كما كان يوصف قديما، فقد أضحى كبقية وسائل الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة التي تتحقق من سلامته و مدى مطابقته للحقيقة و الواقع و كونه صادرا عن إرادة حرة غير مشوبة بإكراه أو ضغط. كما وجب إنشاء مراكز و معاهد من اجل إجراء الخبرة بخصوص المواد المخدرة، و تكوين الأطر بهذا الخصوص.

[1]– ختيم عبد القادر: ” الجريمة الجمركية “، مجلة المرافعة ،العدد السابع ،ص24 .

[2] – محمد احمد محمود : ” الوجيز في أدلة الإثبات الجنائي”، دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2002 ، ص:23.

[3] – احمد قيلش، محيدي السعدية،سعاد الحميدي, محمد زنون:” الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية”، مطبعة الأمنية الرباط ، الطبعة الثانية 2013 ، ص: 169 و 170.

[4] – يوسف وهابي: القول الاسلم في شهادة متهم على متهم ،مقال منشور بمجلة البحوث ،العدد الثاني ،يونيو 2003 ص131.

[5]– لطيفة الداودي- دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات – الطبعة الخامسة مارس 2012، الصفحة 202.

[6] – محمد غزاف – جرائم المخدرات واشكالياتها العملية– المطبعة الوطنية الطبعة الثالثة،2009 ،الصفحة117.

[7] – محمد غزاف – مرجع سابق – الصفحة: 114.

[8] – احمد قليش، مجيدي السعدية، سعاد حميدي، محمد زنون مرجع سابق ص: 170.

إغلاق