دراسات قانونية
مكانة الأمن القضائي من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة (بحث قانوني)
مكانة الأمن القضائي من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة
جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – فاس
بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص
إعداد الطالبين:
حميد شرغو
رشيد الشافعي
إشراف فضيلة الدكتور :
عبد الحميد أخريف
السنة الجامعية
2014 – 2013
مــقـــدمـــة
لقد خاض الفلاسفة والمفكرون قديما وحديثا في مفهوم العدالة باعتباره من المبادئ التي تكبر في نفس الإنسان إحساسا عميقا بالمثل العليا والقيم السامية، وتعني منح كل ذي حق حقه بمنتهى النزاهة والشفافية والموضوعية والحياد، وهي مهمة مقدسة تستمد كينونتها من النيابة عن المجتمع الإنساني، بل هي أهم وأول مهمة للمجتمع الإنساني المنظم سياسيا، وبالطبع ليس هناك على الإطلاق ما هو أعظم من القضاء العادل الذي يطمئن الناس في ظله على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم وحرياتهم، حتى قيل “أن القاضي هو القانون” فمنه نستطيع أن نتوقع تحقيق تلك الحماية النظرية التي يعدنا بها القانون، وعندما ينطق القاضي لصالحنا بحكم العدالة في النزاع المطروح، ندرك يقينا أن العدالة ليست مجرد أشباح مهتزة تتمثل في كلمات ونصوص فالقضاء هو أهم وسيلة لتحقيق العدالة والإنصاف، وهو الذي يبث الروح في القانون لتحريكه، وبالتالي مهما كانت الجهة التي خرقته من السطوة والنفوذ[1].
وإذا كان التاريخ الدستوري المغربي قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في ترسيخ وحدة الدولة والحفاظ على مقوماتها، فإن مستقبله الآن أمام حدث تاريخي مرتكز في العديد من خياراته –التي لا رجعة فيها- على وجود سلطة قضائية مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني ودلالات يكون هدفها خدمة المواطن بحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي والتطبيق العادل للقانون، أهداف أصبحت حقوقا دستورية لفائدة المواطن والتزاما يقع على عاتق القضاء أدائه وتنفيذه على أحسن وجه، خصوصا بعد الرعاية السامية التي خص ها جلالة الملك جهاز العدالة[2].
ولهذا يصبح القضاة المغاربة مطالبين بالمساهمة في بناء المستقبل من خلال التفاعل الإيجابي والانخراط التام في الورش الإصلاح الذي وضعت أسسه وخارطة طريقه فصول الدستور المغربي الجديد، هذا الانخراط لن يكون إلا بالتفعيل الأمثل والتنزيل الايجابي لمقتضيات الدستور الذي بعدما وطد أسس استقلال القضاء واستقلالية القضاة في أبعادها المختلفة، وأوضح بعد ذلك من خلال ترتيب أبوابه وفصوله أن الأمر لا يتعلق بامتياز للسلطة القضائية وإنما حق المواطن في المقام الأول، هدفه الحفاظ على ثقة الأفراد في المؤسسة القضائية.
وبقراءة متأنية لأهم بنوده يبدو أن المشرع الدستوري كان واضحا نصب هذا المعطى إذ أسس لمفهوم الأمن القضائي كإحدى الغايات والأهداف المطلوب من القاضي تحقيقيها حيث يؤكد على ذلك الفصل 117 من الدستور المغربي الجديد، على ضرورة حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، فارتقى بذلك بالأمن القضائي إلى مصاف الحقوق الدستورية[3].
وتعرف مؤسسة العدالة بالمغرب العديد من التحديات وتعوقها مجموعة من الصعوبات، تعترض المتقاضين إذا ما أرادوا عرض نزاعاتهم على العدالة والاستفادة من خدماتها مما يجعل تقريب العدالة من المتقاضين مطلبا لعموم المواطنين وهاجسا يشغل بال الدولة ومختلف المهتمين بالشأن القضائي[4].
وفي هذا السياق فإن أهمية المرحلة التي يعرفها المغرب بعدما أصبحت الوثيقة الدستورية الجديدة سارية المفعول بعد استنفاذ كافة الآليات القانونية والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي سواء في إقتراحها أو إعدادها أو بلورتها، تفرض علينا الآن إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس المواطن والمتقاضين بآثارها الملموسة على أمنه القضائي في القريب المنظور.
ويعتبر مفهوم الأمن القضائي مفهوما فضفاضا يحمل عدة أوجه وذي أبعاد نفسية واجتماعية واقتصادية ويختلط مع مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الأخرى المماثلة ويثير في هذا الملتقى الكثير من اللبس وعلامات الاستفهام ويختلف معناه من شخص لآخر حسب موقعه وصفته ومصلحته.
وعلى العموم فإن تتبع مختلف الكتابات الفقهية والقضائية ذات الصلة بمفهوم الأمن القضائي، يفضي إلى أنه لم يحض بالدراسة اللازمة[5]، كما أنه يحمل في طياته مفهوما موسعا وآخر ضيقا.
فالأمن القضائي بالمفهوم الواسع هو الذي يعكس الثقة في المؤسسة القضائية، والاطمئنان إلى ما ينتج عنها وهي تقوم بمهمتها المتجلية في تطبيق أو قول القانون dire le droit على ما يعرض عليها من قضايا أو ما تجتهد بشأنه من نوازل، هذا مع تحقيق ضمانات جودة أدائها وتسهيل الولوج إليها.
هذا الأمن القضائي لا تختص به جهة قضائية معينة وإنما يتعبأ له القضاء بمختلف فروعه سواء كان قضاءا عاديا أو متخصصا بل ويتجاوز حتى حدود القاضي الوطني في بعض الحالات كما هو الشأن بالنسبة لقضاة المحاكم الأوروبية[6].
ولذلك فإن الأمن القضائي يجب فهمه من هذا المستوى الموسع من وجهتين اثنتين.
أنه يعتبر حاجزا وقائيا لفائدة الأشخاص ضد تجاوزات بعضهم البعض من جهة وحائلا دون تجاوز الإدارة ضد هؤلاء من جهة ثانية.
كما أنه يشكل حماية للسلطات العمومية ضد الدعاوى التعسفية والكيدية للمتقاضين.
فيكون المستفيد من هذا الدور القضائي بصفة خاصة والناظم القانوني بصفة عامة، وهو ما سينعكس إيجابا على حجم الثقة واستقرار المعاملات والاطمئنان إلى فعالية النصوص القانونية والوثوق بالقانون والقضاء في نهاية المطاف.
أما المفهوم الضيق فيرتبط بوظيفة المحاكم العليا المتمثلة بصفة أساسية في السهر على توحيد الاجتهاد القضائي وخلق وحدة قضائية[7].
ويكتسي مفهوم الأمن القضائي أهمية نظرية تتمثل أساسا في الحزمة التشريعية والنصوص القانونية التي خصه بها المشرع لضمان تطبيقه السليم، إضافة إلى أهمية عملية تبرز في دوره المحوري المتمثل في تعزيز ثقة المتقاضين في جهاز العدالة وضمان حقوقهم وحرياتهم.
وقد جاء الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة في هاجس تعزيز سلطة قضائية مستقلة تطبيقا لأحكام الباب السابع من الدستور مع تخويل المجل الأعلى للسلطة القضائية مهمة إدارة وتسيير شؤون القضاء ورجاله، وحماية الضمانات الدستورية والاعتبارات الكفيلة بترسيخ ثقة المواطنين في قضاء مستقل وكفئ ونزيه ومحايد وفعال.
وبالنظر لاهمية وجودة التوصيات التي جاء بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة والتي تشكل موجهات إرشادية للمؤسسة لا تكتسي صبغة إلزامية، وإنما صبغة معنوية لا يمكن نكرانها، مع الإقرار بعمومية وإجمال وفضفاضة بعض التوصيات التي تتناول إصلاح بعض القوانين مثل قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقانون المساعدة القضائية وغيرها دون إبراز ملامحها وأبعادها وتصوراتها الجلية والجديدة وبمقاربة تفصيلية ذات مضمون إجرائي وموضوعي محدد، فإلى أي حد يشكل ميثاق إصلاح منظومة العدالة مدخلا رئيسيا لتعزيز مكانة الأمن القضائي بالمغرب؟
وانسجاما مع الإشكالية العامة لا بد من التساؤل عن الآليات التي ستسهم في تحقيق الأمن القضائي بالمغرب، سواء ما يتعلق منها بجهاز القضاء أو ما يتعلق بالمتقاضين؟
ولمناقشة هذا الإشكال يتعين تقسيم الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: آليات تحقيق الأمن القضائي المرتبطة بجهاز القضاء وتحسين أدائه.
الفصل الثاني: أليات تحقيق الأمن القضائي المرتبطة بالمتقاضين وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة.
خاتمة :
في نهاية هذا البحث نؤكد على أن الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، بالرغم من التحديات والإشكالات التي تواجه تطبيقه الفعلي، قد جاء بجملة من الأهداف التي ترمي في مجملها إلى تعزيز مكانة الأمن القضائي بالمغرب.
بداية باستقلال السلطة القضائية الذي اعتبر في أهم محاور إصلاح منظومة العدالة، الذي يرمي في جوهره إلى تكريس حقوق المواطنين في الاحتماء بالقضاء المستقل المنصف والفعال، ومرورا بتخليق منظومة العدالة وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، وتحصين الجهاز القضائي، من مظاهر الفساد والانحراف، واتخاذ تدابير تشريعية، لضمان المحاكمة العادلة، والارتقاء بأداء العدالة الجنائية، والارتقاء بفعالية القضاء. ونجاعته وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة، وتوفير عدالة قريبة من المتقاضين، من خلال تطوير التنظيم القضائي وعقلنة الخريطة القضائية، والرفع من نجاعة الأداء القضائي.
وتبسيط المساطر وخفض التكلفة، وتطوير نظام المساعدة القضائية وتعزيز ثقة، المتقاضين في جهاز في جهاز العدالة عن طريق تقوية أجهزة التفتيش والرقابة والرفع من جودة الحكام، أعمالا لمقتضيات الدستور، المتعلقة بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة.
وانتهاء بإنماء القدرات المؤسسة للمنظومة العدالة عن طريق الرفع من القدرات المهنية لكل مكوناتها ، وتوفير مؤسسات قادرة، على تأهيل مختلف العاملين في هذه المنظومة.
فضلا عن تحديث الإدارة للقضائية وتعزيز حكمتها ، وعصرنة أساليب الإدارة القضائية. ومعالجة تنظيمية وهيكلية، من أجل أداء القضاء لمهتمة على الوجه الأكمل وتلبية حاجيات المواطنين والمواطنات بنجاعة وفعالية[7].
وبالنظر إلى المزايا، العديدة التي يحقها الأمن القضائي، ينبغي العمل على ضمانه من خلال النصوص الدستورية والقوانين، وأيضا على مستوى الممارسة.
ويجب أن يكون ذلك في إطار ما هو متعارف عليه دوليا من معايير ومبادئ كرسها القانون الدولي لحقوق الإنسان كما يجب العمل على تكريس وتدعيم المبادئ الأساسية المتعلقة بسلوك الجهاز القضائي، والتي تتجلى أساسا في الاستقلالية، والحياد والنزاهة واللياقة والمساواة والاختصاص والحرص[8].
(محاماه نت)