دراسات قانونيةسلايد 1
بحث عن الآثار المترتبة على ممارسة حق الشفعة بالقانون التونسي
المقـــــــدمة
إن من أهم حقوق الفرد هو حق الملكية وهو حق أقرته مختلف الشرائع السماوية ومن بينها الشريعة الإسلامية كما أقرته غالبية التشريعات الوضعية ونزله إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789 منزلة خاصة وكذلك فعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
إن حق الملكية هو بالأساس تعبيرا عن الحرية الشخصية فهو الذي يضمن الحرية الفردية للشخص وبالتالي فلا حرية فردية دون ملكية شخصية فهو إذن حق طبيعي وغريزة أساسية في الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى على حب التملك وقد فشلت فشلا ذريعا جميع التشريعات والأنظمة السياسية التي حاولت تهميش هذا الحق أو كبت هذه الغريزة .
القانون التونسي بدوره لم يخرج عن هذا التمشي فقد كفل بدوره حق الملكية ونزله المنزلة التي هو جدير بها فحق الملكية في تونس حق دستوري إذ اقتضى الفصل 14 من الدستور على أن حق الملكية مضمون ويمارس في حدود القانون وكذلك أوجب وأن تكون الأحكام القانونية التي يمكن أن تحد من ممارسة حق الملكية نصوصا تشريعية صادرة عن السلطة التشريعية أي في مرتبة القانون بالمفهوم الشكلي وذلك عملا بالفصل 35 من الدستور الذي جعل مسألة تنظيم الملكية والحقوق العينية من المسائل التي ينفرد بها القانون .
بيد أنه في الدول المعاصرة لم يعد حق الملكية الخاصة حقا مطلقا يستطيع المالك بمقتضاه وأن يتصرف فيما يملكه كما يشاء دون قيد أو شرط بل أصبحت الملكية الخاصة وظيفة اجتماعية يقوم بها المالك لتحقيق مصلحته وكذلك المصلحة العامة .
مبدئيا يعـدّ كلّ الناس أحـرار في أموالهـم وممتلكاتـهم وتصرفاتهم في مكاسبهم، و إن كان الفرد حرّا في تصرفه المدني و في عقوده و امتلاكه للأشياء تحت حماية القانون الذي يحمي الاعتداء على هذا الحق ، فإنّ هذه الحرّية لا تكون مطلقة . و قد هدف المشرّع إلى الحدّ منها مراعاة منه للمصلحة العاّمة و كذلك للمصلحة الخاصة . والحقيقة أن المشرع التونسي لم يجعل من حق الملكية الخاص حقا مطلقا قد تلحق ممارسته ضررا بالمصالح أو بالمصلحة العامة إذ أن الفصل 21 من م.ح.ع اقتضى بأنه : ” على المالك أن يراعي في استعمال حقه ما تقتضيه النصوص التشريعية المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة ” .
وفي هذا الإطار تتنزل مؤسسة الشفعة باعتبارها قيدا على حق الملكية وقد عرفها المشرع التونسي صلب الفصل 103 من م.ح.ع بكونها حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المبينة في الفصول التي تلي الفصل المذكور .
ولقد أقرت الشريعة الإسلامية نظام الشفعة نظرا لكونها تقلل من مضار الشيوع في الملك بمنحها للشريك حق انتزاع العقار من المشتري وضمه إلى ملكه وذلك عن طريق إزاحة الأجنبي الذي قد يترتب على دخوله مضايقات تعرقل حسن سير واستغلال العقار وقد عرفها أحد الفقهاء بكونها ” تملك العقار على مشتريه بما قام عليه جبرا “.
ويبقى السؤال مطروحا بشأن الطبيعة القانونية لمؤسسة الشفعة فهل هي حق عينيا أم حقا شخصيا أم أمرا بين الاثنين ؟
لقد أورد المشرع صلب الفصل 12 من م.ح.ع الحقوق العينية على سبيل الحصر لا على سبيل الذكر ولم يورد من ضمنها الشفعة ورغم ذلك هنالك من الفقهاء من اعتبرها حقا عينيا وبالتالي من اختصاص المحكمة الكائن بدائرتها العقار المشفوع فيه . لكن هنالك من الفقهاء من يقول إن الشفعة حق شخصي وبالتالي هو حق لصيق بشخص الشفيع فلا يورث الشفيع عنه ولا يحوز إحالته ويزول بزواله في حين يرى شق ثالث من الفقهاء أنها ليست بحق عيني و لا حق شخصي بل هي ليست بحق أصلا فالشفعة سبب لكسب الحق، و الشفيع يكسب بالشفعة ملكية العقار موضوع البيع، أو حقا عينيا على هذا العقار. والفرق واضح بين الحق نفسه وبين سبب من أسباب كسبه، ويقول السنهوري في هذا الصدد ” فالشفعة تبدأ بأن تكون مركز قانونيا تتهيأ أسبابه للشفيع كأن تباع حقوق شائعة من عقار، فيصبح للشريك حق في أن يكتسب ملكية المناب المبيع بالقيام بإجراءات الشفعة، فهي سبب من أسباب اكتساب الشفيع إرادته في الأخذ بحقه في الشفعة، فإذا أعلن الشفيع إرادته في الأخذ بحقه في الشفعة، وهي إرادة منفردة، تكاملت عناصر الشفعة باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية فيمتلك الشفيع العقار المشفوع فيه عن طريق حلوله محل المشتري فالشفعة إذن ليست بحق بل مصدر للحق.
أما بالنسبة إلى موقف فقه القضاء وبقاء عند حدود حق الشفعة فإن المحاكم لم تستقر على رأي في تحديد الطبيعة القانونية لحق الشفعة، فهنالك من القرارات ما اعتبر دعوى الشفعة دعوى استحقاقيه وذلك قياسا على مؤسسة حتى الأولوية في الشراء.
وتختلف الشفعة عن حق الأولوية في الشراء الذي يمارس قبل حصول البيع ويفوز في إطاره المستفيد بحق التعاقد مباشرة مع المالك البائع قبل إتمام أي بيع مع شخص ثالث، فإن خالف المالك هذه الأولوية وباع لغير المستفيد منها حق لهذا الأخير طلب إحلاله محل المشتري وهو ما يعني أن الحلول هو جزاء لمخالفة حق الأولوية في الشراء (1).
وفي الحقيقة، فإنه مهما اختلف النقاش حول الطبيعة القانونية للشفعة، فإنه قد لا يختلف في تبرير و جودها اجتماعيا واقتصاديا نظرا لأهميتها في منع الضرر الذي يسببه الشيوع أو الذي يحصل بإدخال شريك أجنبي على العقار المباع و ما يأتيه من ضروب المضايقة التي تعطل استغلال الملك والانتفاع من ثماره انتفاعا كاملا (2) .
و نظرا لما للشفعة من منافع لا شك فيها وجب تأطيرها قانونا وهو ما اتجهت إليه المنظومة القانونية للشفعة إذ أن القانون ونظرا لخطورة ممارسة حق الشفعة ولطبيعتها كاستثناء كبير لمبدأ سلطان الإرادة قد أحاطها بجملة من القواعد الموضوعية والإجرائية المتشعبة والدقيقة
يترتب عن ثبوت حق الشفيع في الأخذ بالشفعة سواء بالتراضي أو بالتقاضي حلول هذا الأخير محل المشتري إزاء البائع في جميع حقوقه والتزاماته وهو ما اقتضاه صراحة الفصل 112 من م.ح.ع وذلك بتحول العلاقة التي كانت تربط البائع بالمشتري لتربط البائع بالشفيع عن طريق دعوى الحلول ( الفرع الأوّل )، إلا أنه و إن كان المشرع قد أحاط حق الشفعة بعناية فائقة، فإنه تعرض كذلك لمسألة سقوط دعوى الشفعة ( الفرع الثاني ) .
* الفرع الأوّل : دعوى الحلول
تثير مسألة دعوى الحلول تساؤلين هامين أوّلهما يتعلق بمفهوم الحلول ( أ ) و الثاني يهم آثار الحلول ( ب ) .
( أ ) – مفهوم الحلول :
نظم المشرّع التونسي حلول الغير محل الدّائن في الباب الثاني من المقالة الرابعة من مجلة م.ا.ع المتعلقة بانتقال الالتزامات، فقد جاء بالفصل 223 من هذه المجلة أن حلول الغير محل الدّائن في حقوقه يتم بمقتضى العقد أو بقوة القانون.
وهذا الحلول الوارد بالفصل 223 من م.ا.ع هو نفسه المتحدث عنه في حق الشفعة ذلك أن الشفيع يلتزم بالوفاء بجميع الالتزامات المترتبة عن العقد تجاه البائع كما كان سيقوم بها المشتري لو ظل مالكا للعقار المشفوع فيه .
ونظرا لأهمية الحلول جعله المشرع معيار التعريف الشفعة فهو جوهرها، ذلك أن الفصل 103 من م.ح.ع ينص على أن ” الشفعة هي حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه “، كما نص الفصل 112 من نفس المجلة على أنه ” يحل الشفيع إزاء البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته “.
و اعتمادا على هذه الأحكام وإذا متى استكملت الشفعة عناصرها أي إذا قام الشفيع في الأجل واستوفى جميع الإجراءات يحل الشفيع محل المشتري، و يجعل الشفيع هو المشتري منذ البداية ، وُيخرج المشتري من الصفقة كأنها لم تنعقد له أصلا، و يبقي البيع قائما منذ أن انعقد، و لكنه يكون بيعا المشتري فيه هو الشفيع لا المشتري الأصلي، و ينتج البيع آثاره فيما بين البائع والشفيع، فيكون للشفيع حقوق المشتري و عليه التزاماته . و تنعقد الصلة مباشرة بين البائع و الشفيع في نفس البيع الذي سبق أن تمّ ، فلا يكون المشتري وسيطا بينهما بعد أن خرج من الصفقة .
أما عن العقد المبرم بين البائع والمشتري فإنه لا يبطل باعتباره مستوفيا لجميع أركانه القانونية : و إنما يترتب عنه الحلول الذي ينشئ بدوره آثارا.
(ب) آثار الحلول :
إن الغاية التي يرمي إليها الشفيع من خلال ممارسته لحق الشفعة هي التملك بالمبيع، لذا فإن الحلول عمليا يتم بانتقال ملكية العقار المشفوع فيه إلى الشفيع، لكن السؤال المطروح هو متى تنتقل الملكية .
إن الفقه لم يختلف في الواقع في وقت انتقال الملكية إلى الشفيع، فهذا الوقت تحدده أحكام التسجيل لا أحكام الشفعة ولا خلاف في أن ملكية العقار المشفوع فيه لا تنتقل إلى الشفيع إلا بتسجيل حكم الشفعة أو سند التراضي و تنتقل إليه من وقت التسجيل بالنسبة للغير .
وباعتبار أن الشفيع حل محل المشتري فمن المفروض أن ملكية العقار المبيع تنتقل إليه في الوقت الذي كانت تنتقل فيه إلى المشتري لو بقي هذا الأخير في الصفقة مشتريا ولم يحل محله الشفيع، فالمشتري لا يصبح مالكا للعقار المبيع إلا إذا سجل عقد البيع بالقباضة المالية إذا كان العقار غير مسجل طبق ما نص عليه الفصل 581 من م.ا.ع و الذي ينص على أنه ” لا يجوز الاحتجاج بعقد البيع على الغير إلا إذا سجل بقباضة المالية مع مراعاة الأحكام الخاصة بالعقارات المسجلة ” و المتمثلة أساسا في ترسيم العقد بالسجل العقاري الذي من شأنه إنشاء الحق العيني و مواجهة الغير به طبق ما ورد بالفصل 305 من م.ح.ع الذي ينص على أن “كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه “.
و بما أن الأثر الجوهري للحلول بعد ثبوت حق الشفعة هو انتقال الملكية، فإن العلاقة تقوم بين البائع و الشفيع و تتضمن بالتالي التزامات يلتزم بها الشفيع حتى يتمتع بحقوقه كاملة إزاء البائع، وبالتالي فالشفيع ملزم بآداء ثمن المبيع إذا كان مؤجلا ولم يدفعه المشتري، مما يفترض معه أن البائع لم يقبض الثمن من المشتري .
فإذا ما أخذ الشفيع العقار المشفوع فيه سواء بحكم من القاضي أو بالتراضي وجب عليه دفع الثمن للمشتري، وفي حالة الحكم بالشفعة يكون الشفيع قد أمن الثمن، فما على المشتري المشفوع عليه إلا أن يسحب بإذن من القاضي المختص ما أودعه الشفيع، و يكون الشفيع قد وفى بالتزامه بدفع الثمن .
أما في حالة التراضي على الشفعة فما على الشفيع إلا دفع كل الثمن المتفق عليه للبائع.
كما يلتزم الشفيع كذلك بتسليم العقار المشفوع فيه من البائع إذا كان لا يزال تحت يده ومن المشتري إذا كان هذا الأخير قد تسلمه و التسلم في أغلب صوره هو العملية المتممة للتسليم. فالبائع يلتزم بتسليم المبيع و الشفيع يلتزم بتسلمه أي بأن يتحوز به فعلا .
وقد قضت محكمة الإستئناف المصرية في هذا الخصوص بأنه : ” يجوز للشفيع بعد القضاء له بالشفعة أن يرفض تسلم العقار المشفوع فيه و دفع الثمن بحجة أن الحكم صـدر لمصلحته وأنه متنازل عنه و ذلك لأن الحكم قد خوّل حقا للمشتري أو البائع و هو قبض الثمن ( 35 ) أما فيما يتعلق بحقوق الشفيع فهي نفس حقوق المشتري التي يرتبها عقد البيع .
فمن حقوق الشفيع تسلم العقار على الحالة التي كان عليها وقت البيع وبالمقدار الذي عين له في العقد و بالملحقات التي تتبعه، ومن حقوقه أيضا أنه إذا ما هلك العقار أو تلـف قبـل التسليم يكون على عاتق البائع تبعة ذلك، فإن كان قد قبض الثمن وجب عليه أن يرده إلى الشفيع وإن لم يقبضه بعد فلا تجوز له المطالبة به، أما إذا كان الهلاك جزئيا فإن التبعة تكون على البائع قبل التسليم، وعلى الشفيع بعد التسليم .
ومن حقوق الشفيع أيضا أنه إذا استحق المشفوع فيه من يده لفائدة غيره، فإنه يقع الرجوع بالضمان على البائع دون الشفيع لحلول هذا الأخير محل المشتري إزاء البائع في جميع حقوقه والتزاماته طبق ما ورد بالفصل 112 من م.ح.ع، فالبائع يلتزم إذن بضمان التعرض والاستحقاق بصاحب الحق، فإذا ما استحق العقار للغير بعد تسلمه من قبل صاحب الشفعة فإن البائع يلتزم تجاهه بالضمان وهو ما ينطبق أيضا بالنسبة لضمان العيوب الخفية .
أما بالنسبة لتصرفات المشتري بين البيع و صدور الحكم بالشفعة فقد تعرض لها الفصل 114 من م.ح.ع الذي ينص على أنه :” لا يمضي على الشفيع عمليات التفويت التي قام بها المشتري قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة “، و في ذلك قضت محكمة التعقيب بأن ” مشتري الحق المشاع لا يجوز له بيعه للغير و لو لبعض الشركاء قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة فيه ممن له الحق في ذلك، و إذا ما فوت فيه قبل ذلك الأجل فإن التفويت لا يحول دون الأخذ بالشفعة فيه أي في البيع الأول، و بذلك فإن الحكم القاضي بعدم جواز الشفعة بعلة التفويت لشريك فإن الفصل 114 من م.ح.ع لا يقضيه و يكون الحكم خارق للقانون ويستوجب النقض ( 36 ).
أما المشتري فله أن يستغل العقار وله حق إدارته والتصرف فيه خلال الفترة السابقة للأخذ بالشفعة وفي صورة الحلول القضائي فإن الشفيع لا يتملك بالمبيع إلا من وقت صدور الحكم ولا حق له على المشتري قبل ذلك، أما بالنسبة للتصرفات المجراة من قبل المشتري قبل أخذ الشفيع بشفعته فإن الفصل 113 م ح ع نص على أن ” غلة المشفوع فيه للمشتري إلى وقت القيام بدعوى الشفعة وعلى الشفيع المصاريف الضرورية والتحسينية التي بذلها المشتري” .
هذا الفصل يذكرنا بالفصل 55 من نفس المجلة والمتعلق بحوز المنقول والذي نص على أنه “للحائز لو غاضبا إذا ما أدخل على المنقول ما غير حاله كأن يزيد في قيمته زيادة معتبرة بالنسبة إلى جوهره حبس الشيء على أن يغرم قيمة المادة الأصلية مع مبلغ يوكل تقديره لاجتهاد المحكمة ويضيف نفس الفصل “بأنه للمنتفع بالعقار الخيار في استرداد الشيء على الحالة التي صار عليها بعد التحسينات بشرط أن يرجع للحائز ما زاد في القيمة ” .
وقد اكتفى المشرع بالتعرض إلى المصاريف التحسينية دون التعرض إلى الحالة التي ينقص فيها المشتري من قيمة العقار.
* الفرع الثاني : سقوط دعوى الشفعة
إن في عدم احترام الشفيع للشروط الإجرائية المتعلقة بالدعوى سببا بسقوط حقه في القيام بها ( أ ) ويضاف إلى هذا السبب سببا آخر تنقضي به دعوى الشفعة وهو الرغبة الصادرة عن الشفيع في التنازل عن ممارسة حقه في الشفعة ( ب ) .
( أ ) – عدم احترام الآجال :
تتميز الشفعة بكونها استثناء يسلط على مبدأ حرية التعاقد وحق الملكية، ونظرا لذلك أحاط المشرع أحكام هذه المؤسسة بجملة من القيود خاصة الإجرائية منها و التي يؤدي عدم الإمتثال لها وعدم احترامها إلى سقوط الحق في ممارسة دعوى الشفعة .
ومن ذلك أن حق ممارسة الدعوى يزول إذا زال سبب التمتع بهذا الحق قبل إتمام الأخذ به أو قبل أن يصدر الحكم قضائيا بثبوته و تسليم المشتري به .
وقد تطرق المشرع صلب م.ح.ع إلى أسباب سقوط حق القيام بدعوى الشفعة المرتبطة بالآجال الواجب احترامها من قبل الشفيع، حتى لا ينقضي حقه بخرق هذه الآجال .
الفقرة الأولى : آجال سقوط الدعوى
قد يمثل تحديد آجال سقوط دعوى الشفعة جزاء للشفيع الذي يهمـل حقـه في الشفعة ويتهاون بالآجال المنصوص عليه صلب الأحكام المتعلقة بالشفعة والواردة بمجلة الحقوق العينية .
ومن جهة أخرى فقد نجد في مبدأ حرية التعاقد وفي مفهوم حق الملكية تفسيرا لهذه القيود الإجرائية .
وقد شمل الفصل المحدد لآجال سقوط دعوى الشفعة تنقيحا بالقانون عـ29ـدد لسنة 2006 مؤرخ في 15/05/2006 ، وبالتالي أورد المشرع صلب هذا الفصل أجلين يسقط حق ممارسة الشفعة بعدم احترامهما.
أما بالنسبة للأجل الأول ويعد قصيرا وهو حسب الفقرة الأولى من الفصل 115 جديد من تاريخ محضر إعلام المشتري الشفيع بالشراء بواسطة عدل تنفيذ، وفي هذه الصياغة الجديدة للفصل المذكور نلاحظ أن أجل الشهر يحتسب من تاريخ إعلام الشفيع بمحضر عدلي، و في ذلك حماية لحقوق الشفيع من بعض الحيل التي قد يلجأ إليها المشتري للحيلولة دون وقوع إعلام الشفيع بالشراء، وبالتـالي فعـلى الشفيع القيام بدعوى الشفعة قبل مضي أجل الشهر المنصوص عليه، وقد إعتبرت محكمة التعقيب أن ” حق الشفيع يسقط إذا لم يقع القيام بدعوى الشفعة بعد مضي شهر من إعلامه بالشراء من قبل المشتري و أن المقصود من كلمة القيام بالدعوى الواردة بالفصل 115 هو تقديم الشفيع لدعواه أمام المحكمة المختصة “.
وقد أراد المشرع بالتمديد في أجل القيام بدعوى الشفعة في حالة الإعلام بالشراء التيسير على الشفيع وتمكينه من زمن معقول لتدبر الثمن ومصاريف العقد إن كانت له رغبة حقيقية في ممارسة الشفعة، ويجدر التذكير في هذا الإطار أن الأجل الذي كان معتمدا في الصبغة الأصلية للفقرة الأولى من الفصل 115 هو ثمانية أيام ، و بالتالي يتضح أن المشرع سعى إلى توحيد ملكية العقارات المشاعة هادفا إلى تفادي تشتت ملكيتها مراعاة منه لاعتبارات اقتصادية مشروعة ( 37 ).
أما بالنسبة للآجل الثاني و يعد طويلا نسبيا، و هو الأجل المعتمد في صورة عدم إعلام المشتري الشفيع بالشراء، و قد نصت أحكام الفقرة 3 من الفصل 115 جديد من م.ح.ع على هذا الأجل حيث جاء بها أنه : ” في صورة تعذر الإعلام فإن القيام بدعوى الشفعة يسقط بمضي ستة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة الخاضعة للمفعول المنشـئ للترسيـم و من يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية بالنسبة للعقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم أو العقارات غير المسجلة “، وبالتالي حدد القانون آجال سقوط دعوى الشفعة في صورة عدم وقوع الإعلام، غير أنه رغم التنقيحات المتعلقة بالآجال يبقى تأثيرها السلبي على مصالح الشفيع واردا .
الفقرة الثانية : سلبيات أحكام الآجال
يتضح مما سبق شرحه أن الشفعة إن لم تكن رضائية يصبح الشفيع مضطرا للقيام أمام القضاء، وبالتالي فدعوى الشفعة تفتح الأبواب لإجراءات تتسم بالتعقيد، و تشوبها مخاطر عدة يضيع معها حق ممارسة الشفعة و بالتالي مصلحة الشفيع التي من المفروض أن تحضى بحماية ضد خطر التحيل خاصة .
غير أن ما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال، هو أن الشفعة استثناء سعى المشرع إلى حمايته وفي نفس الوقت التضييق عليه حتى لا يتسع على حساب مبـدأ حـرية التعـاقد وحق الملكية الذي يخول لصاحبه التفويت في ملكه لمن شاء ومتى شاء .
وفي هذا الإطار تتطابق إرادة المشرع مع روح الفصل 541 من م.ا.ع الذي ينص على أنه ” إذا أحوجت الضرورة تأويل القانون جاز التيسير في شدته و لا يكون التأويل داعيا لزيادة التضيق أبدا “.
و رغم أن الشفعة مؤسسة تجد تبريرا لها اجتماعيا واقتصاديا فإن الشـروط المتعلقة بتوفرها وخاصة منها إحترام الآجال لا تخول تحقيق السياسة التشريعية المقررة ( 38 )، فتنظيم الآجال على النحو المنصوص عليه بالفصل 115 لا تساعد على تمكين الشفيع من ممارسة حقه في الشفعة، لما تكتسيه من ثغرات تساعد البائع و المشتري على التحايـل علـى الشفيع لإبعاده و منعه من الحلول محل المشتري .
غير أن هذه الحواجز المتعلقة بالآجال و التي قد تحول دون تمتع الشفيع بحقه في ممارسة الدعوى بدأت تؤول نحو الزوال خاصة بعد تنقيح الفصل 115 من م.ح.ع لسنة 2006 و الذي حدد طريقة إعلام المشتري الشفيع بالشراء و كذلك تاريخ سريان احتساب الآجال .
( ب ) تنازل المنتفع بالشفعة :
لا تمارس دعوى الشفعة إلا بإرادة صاحب الحق، وبناء على ذلك فمن المنطقي القول بأن صاحب حق ممارسة الشفعة يمكن له متى شاء أن يتخلى أو يتنازل عن حقه و ذلك بترك الدعوى و العدول عنها مما ينجر عنه سقوط الآثار المترتبة عن وجـود هـذا الـحق، غير أنه لا يمكن للمنتفع بحق الشفعة التراجع عن التنازل الصادر عنه بعد تمسكه به .
وقد تطرقت أحكام الفصل 25 من م.ا.ع إلى التنازل عن حق الشفعة حيث جاء بها أن ” ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله فبعض التنازل عن حق الشفعة ككله ” .
أما فيما يتعلق بإمكانية تنازل المنتفع بحق الشفعة عن حقه قبل وقوع البيع، فإن القانون التونسي لم يتطرق إلى هذه المسألة، غير أن الحل يستشف من أحكام الشريعة الإسلامية، فقد اتفقت أغلب المذاهب على أنه يحق للشفيع التنازل عن الشفعة قبل البيع . و قد جاء في مذهب مالك و الشافعي أن ” الشفيع إذا عفا عن الشفعة قبل البيع أو أسقط شفعته أو ما شابه ذلك لم تسقط و له حق المطالبة بها متى وجد البيع” ( 39 ) .
غير أن المنطق يفترض أن لا يحدث تنازل المنتفع بالشفعة ضررا بالبائع الذي بدوره يحق له بيع ملكه و قبض ثمنه .
ولئن تعرض التشريع التونسي إلى التنازل عن حق الشفعة إلا أنه لم يبين الصيغة التي يجب أن يرد عليها هذا التنازل، فهل تكون بصريح العبارة أم يكفي أن ترد بصيغة ضمنية .
أما بالنسبة لفقه القضاء فقد أكدت بعض القرارات التعقيبية وجوب أن يكون التنازل بصريح العبارة من ذلك القرار التعقيبي المدني عدد 1496 المؤرخ في 23 جوان 1970 ( 40 ) .
و ما يمكن الإشارة إليه في هذا الإطار هو أن التنازل مهما كانت صبغته يبقى استثناء لا يمكن التوسع في تفسيره، وقد اعتبر الفقه ( 41 ) أنه ” و ما دام التنازل على الشفعة يؤدي إلى سقوط الحق فيها فلا يجوز التوسع في تفسيرة بحيث يؤخذ في الحدود التي انتهت إليها الإرادة دون زيادة ” .
ويضيف الفقه ( 42 ) في هذا المجال أن تنازل الشفيع عن حقه في الشفعة لا يحتج به عليه إذا ما انتقلت لمالك جديد وفي هذه الصورة يجوز له المطالبة من جديد بحقه في الشفعة ذلك أن تنازله لم يكن موجها لشخص معين وفي صورة تغيير صاحب الحق فإنه يمكن للشفيع أن يتراجع في تنازله .
الخــــــــاتمة
إن مـا يسعنـا الإشـارة إليـه أخيـرا هـو أن الشفعـة ولـئن أولاها المشـرّع أهميـة علـى مستـوى التشريـع، تعكـس أهميتـها الإجتمـاعية والإقتصـادية، فـإن النصـوص القانونيـة المتعلقـة بهـا و رغـم تنقيـح البعـض منهـا تبقـى قـاصرة عـلى تـوفير الضمانـات الكـافية لصـاحب الحـق .
فالمشـرع حـافظ عـلى الصيـاغة الغـامضة لأحكـام الشفعـة، ذلـك أن تنقيـح الفصـل 115 من م.ح.ع. بالقـانون عـ29ـدد لسنـة 2006 المـؤرخ فـي 15 ماي 2006 كـان مـن المنتـظر أن تعـاد صياغتـه عـلى ضـوء مـا يحتـاجه الشفيـع مـن حمايـة لحقـه، إلاّ أن المشـرّع رتـب علـى صـورة ” تعـذّر الإعـلام ” بالفصـل 115 جـديد سـقوط دعـوى الشفعـة، مهمـلا مـا قـد يتعـرض لـه صـاحب الحـق مـن حيـل غايتهـا تعـذر الإعـلام وبـالتالي سـقوط حـقه فـي ممـارسة الشفعـة، ومن جهة ثانية فإن وجوبية الإعلام ومن ثم وجوبية إثبات تعذر الإعلام قد يبقي أجل القيام بالشفعة مفتوحا لا نهاية له، ولعـلّ المشـرّع يسعـى إلـى إيجـاد حـلول نهـائية وفقـا لمـا يتطلبـه العـدل فيعيـد لمؤسسـه الشفعـة مكانتهـا .