دراسات قانونية
حماية النقود (بحث قانوني)
حماية النقود في التشريع الجزائري
الأستاذ حشيفة مجدوب
أستاذ متعاقد بالمركز الجامعي بالنعامة – الجزائر
مقدمة:
إن تحقق الوجود القانوني للنقود كان بفضل تدخل الدولة التي أصبغت على هذه الوسيلة الصبغة القانونية ، من خلال تحديد سلطة إصدارها والآليات التي تتيح هذا الإصدار ، كما أن الدولة وفرت لهذه الوسيلة حماية خاصة بحيث جرمت كل فعل من شأنه المساس بهذه الوسيلة.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
والجزائر من بين الدول التي أعطت حق إصدار النقود للبنك المركزي وبينت كيفية هذا الإصدار، كما أنها جرمت كل فعل من شأنه الإضرار بهذه الآلية ,وأقرت عقوبات ردعية لكل من يهز الثقة القانونية التي إكتسبها النقود لدى المتعاملين بها سواءا أفرادا كانوا أو مؤسسات. ومن هنا يطرح التساؤل الأتي : ما هي آليات إصدار النقود في الجزائر وما هي الجرائم الواقعة على النقود في نظر المشرع الجزائري ؟
وللإجابة على هذا التساؤل ارتأيت تقسيم هذه المقالة إلى مبحثين تناولت في المبحث الأول آليات إصدار النقود في الجزائر، والمبحث الثاني خصصته لدراسة الجرائم الواقعة على النقود.
المبحث الأول: آليات إصدار النقود في الجزائر
لقد وضعت مختلف دول العالم هيئات وآليات تسهر على إصدار النقود ، كما أنها وضعت نصوصا قانونية بينت اختصاصات هذه الهيئات ، فما هي الجهة المخولة قانونا في الجزائر التي أعطي لها حق إصدار العملة الوطنية ، وما هي طريقة إصدار هذه العملة؟
المطلب الأول: سلطة إصدار النقود
لقد منحت مختلف الدول حق إصدار النقود للبنوك المركزية، وفي الجزائر يتولى البنك المركزي هذه المهمة، والبنك المركزي الجزائري تأسس بموجب القانون رقم62-144الصادر بتاريخ 15ديسمبر 1962 (1).
وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وله حق فتح فروع في الجزائر، وهذا ما أكدته المادة11من القانون رقم 03-11المتعلق بقانون النقد والقرض الصادر في 26أوت 2003 المعدل والمتمم، بقولها ” بنك الجزائر مؤسسة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويعد تاجرا في علاقاته مع الغير”
وهو نفس التعريف الذي كان موجودا في المادة09 من القانون رقم 90-11المتعلق بقانون النقد والقرض الملغى
والبنك المركزي يحتوي على عدة هيئات تتولى تسييره وهذه الهيئات هي المحافظ ومجلس الإدارة ومجلس النقد والقرض وهيئة المراقبة وكلها محددة بموجب قانون النقد والقرض الصادر سنة2003 المعدل والمتمم.(2)
المطلب الثاني: كيفية إصدار النقود في الجزائر.
كما قلنا أنفا بأن حق إصدار النقود هو حق خالص للبنك المركزي وهذا ما أكدته المادة 2الفقرة2من قانون النقد والقرض بقولها” يعود للدولة امتياز إصدار العملة النقدية عبر التراب الوطني ويفوض ممارسة هذا الامتياز البنك المركزي دون سواه الذي يدعى في صلب النص ضمن علاقاته مع الغير بنك الجزائر ويخضع لأحكام هذا الأمر”
ومفهوم العملة النقدية يتضمن الأوراق النقدية أو ما يسمى بالنقود القانونية وكذلك يشمل النقود المساعدة والتي هي عبارة عن أجزاء من الوحدة النقدية وغالبا ما تكون معدنية وهذا ما نصت عليه المادة2الفقرة1 من قانون النقد والقرض لسنة2003 والتي جاء فيها” تتكون العملة النقدية من أوراق نقدية وقطع معدنية ” ولكي يقوم البنك المركزي بعملية إصدار النقود عليه بترجمة وتحويل الأصول الموجودة عنده إلى وحدات نقد أي أدوات تداول ودفع خاصة بمصدرها وهذا ما يسمى بالغطاء النقدي والذي حددت المادة38الفقرة 2 العناصر التي يجب أن يتضمنها وذلك بقولها” تتضمن تغطية النقد العناصر الآتية:
1- السبائك الذهبية
2-العملات الأجنبية
3- سندات الخزينة
4- سندات مقبولة تحت نظام إعادة الخصم أو الضمان أو الرهن”
وحجم الإصدار لابد أن يكون وفق معطيات وإحصائيات تقديرية يضعها البنك المركزي حول الوضع الاقتصادي للبلاد.
والنقود التي يصدرها البنك المركزي لها قوة إبرائية غير محدودة أي لها القدرة على الوفاء والقبول العام لدى المجتمع وهذا ما أكدته المادة 4من قانون النقد والقرض بقولها” يكون للأوراق النقدية والقطع المعدنية التي يصدرها بنك الجزائر دون سواها سعر قانوني ولها قوة إبرائية غير محدودة”
كما أن البنك المركزي له حق سحب النقود وتدميرها أو استبدالها وهذه النقود المسحوبة تفقد قوتها الإبرائية إذا لم تقدم للصرف خلال 10 سنوات وتكتسب الخزينة العمومية (3) قيمتها المقابلة وشكل الإصدار والسحب يحددان عن طريق التنظيم ، وهذا ما نصت عليه المادة 3 من قانون النقد والقرض ، وكما هو معلوم فإن العملة غالبا ما يكون لها إسم ،وفي الجزائر العملة الوطنية هي الدينار الجزائري وهذا وفقا لما جاء في المادة1من1من قانون النقد والقرض لسنة2003 .
المبحث الثاني: الجرائم الواقعة على النقود في الجزائر.
من أخطر الجرائم الواقعة على النقود جريمة تزوير العملة وما يتصل بها ،نظرا لأنها تؤدي إلى اهتزاز الثقة القانونية التي اكتسبتها من خلال احتكار الدولة لإصدارها ولقد أحالتنا المادة 08من قانون النقد والقرض لسنة2003 على قانون العقوبات الجزائري بخصوص جريمة تزوير العملة وما يتصل بها من إدخال واستعمال وترويج وتقليد وبيع ، فما هي أركان جريمة تزوير العملة وما يتصل بها؟ .
المطلب الأول: الركن المادي لجريمة تزوير العملة.
لقيام أي جريمة لابد من توفر ركنها المادي، ولقد جاء قانون العقوبات الجزائري بعدة أنواع من الأفعال التي تشكل الركن المادي لهذه الجريمة وهذه الأفعال هي:
أ-تقليد النقود
يأتي التقليد على رأس هذه الأفعال وهو صناعة شيء مشابه لشيء أخر، ولقد عرفته المحكمة العليا في الجزائر بموجب القرار الصادر في 24جوان 2003 بأنه” اصطناع شيء من العدم وجعله متشابها مع شيء أصلي”
وفي مجال النقود يعمد المزور إلى وضع عملة مشابهة للعملة المتداولة، ولا يشترط في التقليد أن يكون متقنا وإنما يكفي أن يكون التشابه كافيا لجعل العملة المزورة مقبولة عند الناس.(4)
ب- التزوير.
رغم أن المشرع الجزائري قد أورد فصلا خاصا بهذه الجرائم تحت عنوان “تزوير النقود” إلا أنه لم يضع تعريفا للتزوير ، والتزوير هو كل فعل يهدف إلى تغيير للحقيقة في شيء موجود أصلا سواءا بزيادة أو حذف أو تعديل ،أو هو حسب قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 24جوان 2006 “تغيير للحقيقة في شيء موجود أصلا إما بإضافة بيان أو حذفه أو محوه”
إذ أن التزوير في مجال النقود هو كل تغيير في النقوش التي تحملها النقود ،أو التلاعب في الأرقام المكتوبة عليها زيادة أو نقصانا ، فالتزوير تلاعب يرد على أصل النقود.(5)
ج- التزييف
يعتبر التزييف إحدى الأشكال التي يقوم بها الجناة لتغيير أصل النقود والتزييف هو نقصان شيء من قيمة محل الجريمة بغرض تضليل وإخفاء القيمة الحقيقية لها ،أو هو نقصان شيء من معدن أو أوراق أو طلائها بطلاء يجعلها شبيهة بالنقود أو تظهر على أنها أكبر من قيمتها الحقيقية.
د- الترويج والتوزيع.
يقصد بالترويج طرح النقود المزورة إلى التداول وذلك عن طريق خروجها من حيازة حاملها و انتقالها إلى الغير ،ويستوي في ذلك أن يكون المروج هو المزور ذاته أو غيره بشرط أن يكون هذا الغير على علم بأنها مزورة.
ه- البيع .
البيع هو عملية تسويقية للنقود المزورة وذلك عن طريق صرفها أو تحويلها إلى نقود أخرى أو استبدالها أي إدخالها في عمليات التبادل.
و- الإدخال.
يحدث أن يتم التزوير خارج البلاد، لكن الجاني يقوم بإدخال هذه النقود المزورة إلى البلاد وهنا لاتهم الوسيلة التي يتم بها إدخال النقود المزورة سواءا عن طريق البريد أو ضمن حقائب المسافرين وما إلى ذلك.
ويلاحظ في جميع هذه الأنواع أن المشرع الجزائري لا يعتد بالوسيلة التي تتم بها الجريمة سواءا كانت هذه الوسيلة تقليدية أو حديثة.(6)
المطلب الثاني: الركن المعنوي والشرعي لجريمة تزوير العملة.
1 -الركن المعنوي لجريمة تزوير العملة.
يقوم الركن المعنوي في هذه الجريمة على قصد عام وقصد خاص ، فالقصد العام يتمثل في علم الجاني بعدم صحة النقود أو السندات التي بحوزته بأنها مزورة.
أما القصد الخاص فهو اتجاه إرادة الجاني إلى الاتجار بالنقود غير الصحيحة ويكون هذا الاتجار بقصد الحصول على منافع مادية، فلا يعد مرتكبا للجريمة من قصد بفعله مجرد المزاح أو أثبت أن الهدف من العملية هو القيام بتجربة ثقافية أو علمية، كما أنه في حالة البيع أو الترويج يتطلب القانون أن يكون الجاني عالما بأن ما يروج له ليست نقودا صحيحة وقت تسلمها فلا يعد مرتكبا للجريمة من تسلم وتعامل بنقود غير صحيحة إذا كان وقت التسليم أو التعامل معتقدا أنها نقود صحيحة.
أما في حالة إدخال النقود المزورة إلى تراب الجمهورية فيجب أن يثبت أن الفاعل كان يعلم وقت الإدخال أن العملة مقلدة أو مزورة وأنه فعل ذلك من أجل إدخالها في التعامل.(7)
ب- الركن الشرعي لجريمة تزوير العملة
نص المشرع الجزائري على عقوبات مختلفة وذلك نتيجة لاختلاف قيمة النقود أو السندات محل الجريمة أو نتيجة لمختلف أنواع العمليات الغير المشروعة الواقعة على النقود وذلك عند تفحصنا لنص المواد من197 إلى203 من قانون العقوبات الجزائري.
إذ نص المشرع الجزائري في المادة 197من قانون العقوبات على عقوبة السجن المؤبد في حق كل من قلد أو زور أو زيف نقودا معدنية أو أوراقا نقدية أو أذونات أو أسهم تصدرها الخزينة العمومية بشرط أن تكون قيمة هذه النقود أو السندات أو الأسهم أو الأذونات تساوي أو تفوق 500.000دج .
أما إذا كانت قيمتها أٌقل من 500.000دج فتكون العقوبة من10إلى 20سنة وبغرامة من 1000.000دج إلى 2000.000دج مع تطبيق أحكام المادة 60مكرر الخاصة بالفترة الأمنية .
أما عقوبة من قام عن قصد بإصدار أو توزيع أو بيع أو إدخال النقود أو السندات أو الأذونات أو الأسهم المبينة في المادة197من قانون العقوبات إلى التراب الوطني وكانت قيمتها تساوي أو تفوق500.000دج فإن العقوبة تكون السجن المؤبد أما إذا كانت القيمة تقل عن 500,000دج فإن العقوبة تكون السجن المؤقت من 10إلى20سنة وبغرامة من1000.000 دج إلى 2000.000دج مع تطبيق أحكام المادة 60مكرر الخاصة بالفترة الأمنية وهذا طبقا لنص المادة198من قانون العقوبات الجزائري.
كما منح المشرع الجزائري بموجب المادة199من قانون العقوبات لمرتكب إحدى الجنايات المذكورة في المادتين السابقتين إذا أخبر السلطات أو كشف عن شخصية الجناة بشرط أن يكون هذا الكشف قد تم قبل إتمام الجريمة وقبل بدء أي إجراء من إجراءات التحقيق ،أو سهل القبض على الجناة الآخرين حتى بعد بدء التحقيق ، حق الاستفادة من العذر المعفي المنصوص عليه في المادة 52من قانون العقوبات ،غير أنه يمكن للقاضي أن يحكم على الشخص الذي يعفى من العقوبة بالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر سنوات وهذا طبقا لنص المادة 199الفقرة 2من قانون العقوبات.
كما أن المشرع الجزائري بموجب المادة 201من قانون العقوبات قرر عدم توقيع العقوبة على كل من تسلم نقودا أو أوراقا نقدية مقلدة أو مزورة أو مزيفة أو ملونة وهو يعتقد أنها صحيحة وطرحها للتداول وهو يجهل العيب الموجود فيها، لكن إذا طرحها للتداول بعد اكتشاف العيب الموجود فيها فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تساوي أربعة أضعاف المبلغ المطروح للتداول.
أما من قام بتلوين النقود ذات السعر القانوني سواءا داخل أو خارج الوطن بغرض التضليل في نوع معدنها أو أصدر مثل هذه النقود الملونة أو أقام بإدخالها فإن عقوبة الجاني سواءا كان فاعلا أصليا أو مساهما هي الحبس من 6أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 50.000دج إلى 300.000دج وهذا طبقا للمادة200من قانون العقوبات الجزائري.
أما من قام بصنع أو إصدار أو توزيع أو بيع علامات نقدية بقصد إحلالها محل النقود ذات السعر القانوني أو القيام مقامها فإن عقوبته هي الحبس من سنة إلى 5سنوات وبغرامة من 500إلى 20.000دج وهذا طبقا لنص المادة202من قانون العقوبات الجزائري.
كما قام المشرع الجزائري بمعاقبة كل من صنع أو حصل أو حاز مواد أو أدوات معدة لصناعة أو تقليد أو تزوير نقود أو سندات القرض العام أو حصل عليها أو احتفظ بها أو تنازل عنها وتكون العقوبة في هذه الحالة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500إلى5.000دج وهذا طبقا لنص المادة 203من قانون العقوبات الجزائري.(8)
الخاتمة.
من خلال هذه البحث تتضح لنا المكانة التي تحتلها النقود في النظام القانوني الجزائري، هذه المكانة الهدف منها حماية أحد أهم آليات الوفاء قديما وحديثا ، ولأن أي يعمل يهدف إلى الإضرار بهذه الأداة هو إضرار بالدولة برمتها وزعزعة لاستقرارها.
(محاماه نت)