دراسات قانونيةسلايد 1

بحث عن أحكام الشاهد في القوانين العربية المختلفة

جرى استعراض تسعة قوانين عربية وتم استخراج نصوص المواد التي تتعلق بالشهادة وأدائها وهي ملحقة بالبحث ، وهذه القوانين التي تم استعراضها هي :
1. وثيقة الرياض للنظام ( القانون ) الموحد للإجراءات الجزائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية .
2. قانون أصول المحاكمات الجزائية بالأردن .
3. قانون المحاكمات الجزائية وقانون البينات في سوريا .
4. قانون المسطرة الجنائية بالمغرب .
5. قانون الإجراءات الجنائية بمصر .
6. قانون الإجراءات الجزائية بالجزائر .
7. قانون أصول المحاكمات الجزائية بلبنان .
8. قانون الإجراءات الجزائية بفلسطين .
9. قانون الإجراءات الجزائية باليمن .
ويلاحظ أن قوانين الدول التسعة المذكورة أعلاه تتقاطع فيما يلي :
أ‌- الشاهد ملزم بالحضور إلى المحكمة متى ما طلبته ، ويستثنى من ذلك حال العذر ، فإذا قام بالشاهد عذر انتقلت المحكمة إليه مع الخصوم . والقانون الأردني انفرد بأنه ( يجوز للمدعي العام أو المحكمة إذا اقتضت الضرورة وبقرار معلل استخدام التقنية الحديثة وذلك حماية للشهود الذين لم يكملوا الثامنة عشر من العمر عند الإدلاء بشهادتهم وعلى أن تمكن هذه الوسائل أي خصم من مناقشة الشاهد أثناء المحاكمة ، وتعد هذه الشهادة بينة مقبولة في القضية ) .

وبعض القوانين تخص الأشخاص المقيدين بسر المهنة بحكم ، فالقانون اللبناني نص على أنه ( لا يجبر على أداء الشهادة من كان ملزماً بسر المهنة إذا كان موضوع الشهادة يكشف سراً من الأسرار المؤتمن على كتمها ) . أما القانون الجزائري فنص على أن ( الأشخاص … المقيدون بالسر المهني فيجوز سماعهم بالشروط والحدود التي عينها لهم القانون ) ، وقريب منه قانون المسطرة المغربي ، حيث نص على ما يلي : ( يمكن الاستماع إلى الأشخاص المقيدين بالسر المهني، وفق الشروط وفي نطاق الحدود المقررة في القانون ) ( ).
ب‌- إذا طلبت المحكمة الشاهد وتخلف عن الحضور ، فللمحكمة إحضاره بالقوة ولها أن تحكم عليه بغرامة مالية . والقانون الأردني والفلسطيني جوز معاقبته بالحبس مدة لا تتجاوز الشهر ( ) .
ت‌- لا بد من تسمية الشاهد ( ).
ث‌- الأصل في الشهادة أن تؤدى شفهياً ، واستعانة الشاهد بأوراق ونحوها حال أدائه الشهادة يجوز استثناء وفي حالات معينة .
ج‌- للقاضي والمشهود ضده مناقشة الشهود ( ).
ح‌- على الشاهد إذا بلغ سناً محددة – تختلف من نظام إلى آخر – أن يؤدي اليمن قبل أدائه الشهادة بصيغة معينة في بعض الأنظمة ، وفي بعضها بصفة معينة أيضاً ( ) ( ).
خ‌- القوانين المذكورة أعلاه أغفلت أمر تزكية الشهود فلم تتطرق إليه لا بإثبات ولا نفي .

د‌- كما أن أغلبها أغفل الحديث عن قوادح الشهادة ، سوى القانون اللبناني فقد نصّ على أنه ( لا تقبل مبدئياً شهادة أصول المدعى عليه وفروعه وإخوته وأخواته ومن هم في درجتهم عن طريق المصاهرة والزوج والزوجة حتى بعد الطلاق. يمكن للقاضي سماع شهادة أي من هؤلاء إذا لم يعترض عليها المدعي الشخصي أو المدعى عليه ولا تكون باطلة شهادة هؤلاء. غير أن اعتراض أحدهما على سماعهم لا يمنع القاضي من أن يسمعهم على سبيل المعلومات ) . وأما القانون المصري فنص على أنه يجوز للشاهد ( أن يمتنع عن أداء الشهادة ضد المتهم أصوله وفروعه وأقاربه وأصهاره إلى الدرجة الثانية ، وزوجة ولو بعد انقضاء رابطة الزوجية . وذلك ما لم تكن الجريمة قد وقعت على الشاهد أو على أحد أقاربه أو أصهاره الأقربين ، أو إذا كان هو المبلغ عنه ، أو إذا لم تكن هناك أدلة إثبات أخرى ) .
ذ‌- وأيضاً أغفلت الحديث عن نصاب الشهادة ، ومتى تقبل شهادة المرأة ومتى لا تقبل .

وأختم هذه المقدمة بالمقارنات التي عقدها الدكتور محمد الزحيلي بين الشهادة في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية – بتصرف – :
1- التشريعات الوضعية اتفقت على مشروعية الشهادة وحجيتها في الإثبات ؛ لكنها جعلتها في المرتبة الثانية بعد الكتابة لاعتبارات كثيرة منها سهولة الكتابة وانتشار العلم في العصر الحديث ، مع فساد الأخلاق وضعف العقيدة ، ومنها المحاباة في الشهادة لقرابة أو مصلحة أو التحامل فيها لعداوة أو ضغينة مع انتشار شهادة الزور ، ومنها طروء النسيان مع التقادم ، والقانون يحاول تقليل الدعاوى أمام القضاء التي لا تستند إلى دليل كتابي ؛ لذلك جعل القانون الشهادة وسيلة احتياطية للإثبات وأخضعها لسلطة القاضي التقديرية في قبول الإثبات بها ولقناعته الخاصة في الاعتماد عليها ، كما أنه أجاز الإثبات بها في بعض الوقائع دون بعض ( ).
أما الشهادة في الشريعة فتأتي في المرتبة الأولى لوسائل الإثبات وهي ذات حجية مطلقة في جميع الوقائع ، وأحاط الشارع اعتبارها بشروط وضوابط ، فحذر من كتمها أو الكذب فيها ، وحدد أنصبة معينة لها بحسب نوع المشهود فيه .
كما أن القانون متناقض فهو يجيز أقوال أهل الخبرة ويعطي القضاة سلطة تقديرية مطلقة في تقدير الشهادة والقرائن رغم اشتراك القضاة وأهل الخبرة في الاعتبارات التي ذكروها في الشاهد ( ).

2- الازدواجية في القانون ، فهو قد حط من قيمة الشهادة لاحتمال الزور والخطأ والنسيان التي تنشأ من فساد الذمم ، وفي الوقت نفسه وضع الثقة الكاملة بالقضاة ومنحهم الحرية المطلقة في تقدير قيمة الشهادة ، وهذا التقدير لا يخضع لرقابة محكمة النقض ، فما هو الضامن بالنسبة للقضاة ألا يقعوا فيما جعلهم ينزلون منزلة الشهادة ( ).
3- فقدان القواعد والضوابط ، ذلك أن القانون في نظرته للشهادة لم يضع لها قيداً ولم يحدد فيها شروطاً ، وأطلق عنانها بل لم يكلف نفسه أن يميز بين أفرادها وأنواعها ، وفي الجانب المقابل وضع السلطات المطلقة في يد القاضي يقبل ما يشاء من الشهادات ويرد ما يشاء وأطلق له الحرية في اقتناعه بما شاء منها ، ورفضه ما شاء دون أن يرسم له طريقاً في ذلك أو يضع أمامه معياراً للقبول والرفض ، أو يقيم له أساساً لا يحيد عنه ( ).
4- لم يرد في القوانين الوضعية شيء عن تحمل الشهادة ولم يلزم الأفراد بتحملها ، أما الأداء فألزمهم به وأعطى المحكمة الحق في إحضارهم بالقوة وفرض عقوبات على المتخلفين عن الحضور أو الذين يمتنعون عن أداء القسم قبل إدلائه بشهادته ، تطبيقاً للمبدأ القائل بأن الشهادة أمام القضاء خدمة عامة .
كما أنه ليس في قوانين الإثبات مجال لشهادة الحسبة ، فلا تسمع الشهادة أمام القضاء إلا بتعيين المتخاصمين أو بطلب القاضي ( ).
أما الشريعة فيحكمها قوله تعالى : {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } ، وقوله : {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } وقوله  في شهادة الحسبة : ” ألا أخبركم بخير الشهداء الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها ” ( ) .
5- لم يحدد القانون نصاباً للشهادة وإنما أجاز شهادة الواحد واعتبرها حجة كاملة وبينة تامة ولم يفرق بين شاهد وآخر بل ترك الأمر للقاضي في قبوله الشهادة ومدى القناعة التي يكونها منها سواء كانت من شاهد واحد أو أكثر ، وسواء كانت من كبير أو صغير ناقص الأهلية ، ومن أقوالهم : ( المدار في الشهادة على الوزن لا على العدد ) ، أي : أنهم ينظرون إلى الكيف لا إلى الكم ، وعملاً بهذا المبدأ يصح أن يعول القاضي على شهادة الفرد وينبذ شهادة الجماعة حسبما يوحي إليه ضميره وتبعاً للمؤثرات الخاصة التي يستخلصها من وقائع الحال ( ) .

قصارى المقارنة : أن القوانين العربية تنص على أن الشاهد ملزم بالحضور إلى المحكمة متى ما طلبته ويفرض عليه غرامة مالية إن تخلف عن الحضور بلا سبب ، كما أنه ملزم بالإفصاح عن اسمه ، والأصل أن تكون شهادته شفاهاً لا كتابة .

إغلاق