دراسات قانونية

التعديلات الدستورية و معضلة التطوير البرلماني في الجزائر (بحث قانوني)

دراسة وبحث قانوني في التعديلات الدستورية ومعضلة التطوير البرلماني في الجزائر

الدكتور مصطفى بلعور

الملخص:

يعتبر البرلمان إحدى أهم المؤسسات الدستورية في النظم السياسية المعاصرة انطلاقا من الأدوار التي يؤديها في المجال التشريعي والرقابي على أعمال السلطة التنفيذية.

عقب إقرار دستور فبراير 1989 والتحوّل نحو التعددية السياسية، حيث أصبح التمثيل السياسي غير منحصرا في الحزب الواحد، لكنّ الممارسة السياسية بقيت محدودة ، بل و كشفت التعديلات الدستورية في نوفمبر 1996 عن تضييق المجال التشريعي للبرلمان لصالح السلطة التنفيذية.

الكلمات المفتاح: التعديلات الدستورية، البرلمان،

Résumé

The parliament is one of the institutions of the contemporary political systems based on the roles performed in the field of legislative and regulatory acts of the executive authority.

After the adoption of a constitution in February 1989 and the transition to political pluralism has become a political representation and not confined to the unique political party practice; yet remained limited and even uncovered a valuable constitutional amendments in November 1996 by narrowing the area of legislation in favor of the executive authority.

مقدمة:

المتتبع لتطور المؤسسة التشريعية في الجزائر منذ الاستقلال الوطني يدرك أنها مرت بمرحلتين فاصلتين، الأولى عبرت عنها فترة الأحادية الحزبية،حيث يمكن اعتبار المنتخبين مجرد موظفين منتدبين تنحصر صلاحياتهم في إضفاء الشرعية على الخيارات الكبرى للنظام السياسي، كما يمكن اعتبارهم ممثلين للحكومة و الحزب الواحد آنذاك، أما المرحلة الثانية فجاءت عقب إقرار دستور فبراير 1989 والتحوّل نحو التعددية السياسية، حيث أصبح التمثيل السياسي غير منحصرا في الحزب الواحد، لكنّ الممارسة السياسية بقيت محدودة ، بل و كشفت التعديلات الدستورية في نوفمبر 1996 عن تضييق المجال التشريعي للبرلمان لصالح السلطة التنفيذية عن طريق ما يعرف “التشريع بالأوامر”.

تبحث هذه الورقة العلمية المتواضعة واقع العمل البرلماني في الجزائر على ضوء التعديلات الدستورية، و هل كانت تلك التعديلات أداة للتطوير البرلماني، أم معوقا لعمل البرلمان الجزائري ؟

تكون الإجابة عن الإشكالية من خلال التطرق للإطار الدستوري النظري من جهة،ثم إطار الممارسة السياسية للبرلمان الجزائري على النحو التالي:

1- البرلمان الجزائري في ظل التعديلات الدستورية (1989 – 2008)

1/1- علاقة البرلمان بالحكومة

1/2- آليات التحكم في العمل البرلماني

2- أداء البرلمان التعددي في الجزائر

1- البرلمان الجزائري في ظل التعديلات الدستورية (1989 – 2008):

1/1 – علاقة البرلمان بالحكومة:

حدد دستور 1989 ودستور 1996 سلطات البرلمان، سواء كانت سلطات تشريعية أو أو رقابية، في المجالات التالية:

– في المجال التشريعي: يعتبر التشريع اقدم الوظائف البرلمانية فقد نشأت البرلمانات اصلا بغاية تامين الشرعية الى الحكام من خلال تمرير مشروعات القوانين و بالتالي يمكن اعتبار البرلمان جهاز مداولة يتخذ قراراته استجابة لمبررات و قوى بارزة داخلة، كما يمكن اعتباره جهازا يعنى بالتشريع المعبر عن ارادة الشعب من خلال رؤية الاحزاب السياسية للرغبات الجماهيرية،اما في الجزائر يمارس البرلمان حق المبادرة باقتراح القوانين و تكون قابلة للمناقشة إذا قدمها عشرون نائبا حسب نص المادة (119) من الدستور1996(1)، كما يمارس البرلمان دوره التشريعي في المجالات التي خولها إياه الدستور صراحة حسب نص المادة (122) من دستور 1996.(2)

– الدور الرقابي والمالي: تؤدي كافة البرلمانات وظيفة الرقابة على السلطة التنفيذية و الهدف منها التأكيد على مسؤولية موظفي السلطة التنفيذية في وزاراتهم و اداراتهم و متابعة حالة سوء الادارة في النفقات العامة،اما في الجزائر فقد حددته المادة (99) من دستور 1996 على البرلمان يراقب عمل الحكومة وفقا للشروط المحددة في الدستور، أما في المجال المالي تقوم البرلمانات بالمناقشة و المصادقة على قانون المالية. أما الآليات و الإجراءات التي من خلالها تتم الرقابة على الحكومة فهي كالتالي:

– استجواب الحكومة في إحدى قضايا الساعة (3).

– حق أعضاء البرلمان في توجيه أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة(4).

بالإضافة إلى الصلاحيات السابقة الممنوحة للسلطة التشريعية ، فإن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ،حيث وضع المشرع أدوات دستورية تسمح له بأن يقرر عند اللزوم مسؤولية الحكومة و إرغامها على الاستقالة بالإضافة إلى شرط الموافقة على البرنامج.

يعتبر دستور 1989 أول دستور في الجزائر كرس حق السلطة التشريعية في ممارسة الرقابة المباشرة على الحكومة و مسؤوليتها أمام البرلمان حسب نص المادة (80) من دستور. أما دستور 1996 فقد أكد ما نص عليه دستور 89 حيث تنص المادة (135) على أنه بإمكان المجلس الشعبي الوطني عندما يناقش بيان السياسة العامة أن يصوت على الملتمس الرقابة الذي ينصب على مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وفقا للشروط التالية:(5)

– لا يقبل ملتمس الرقابة إلا إذا وقع عليه سبع عدد النواب على الأقل.

– لا يقبل ملتمس الرقابة إلا عند المناقشة بيان السياسة بعامة للحكومة مرة واحدة في السنة.

– لا يقبل ملتمس الرقابة إلا بتصويت تلثي أعضاء مجلس النواب.

– لا يقبل ملتمس الرقابة ولا يتم التصويت عليه إلا بعد 03 أيام من تاريخ إيداعه.

في حالة توفر الشروط السابقة يصادق المجلس الشعبي الوطني على ملتمس الرقابة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية حسب التعديل الدستوري في نوفمبر 2008.أما المادة (81) من دستور 96 فنصت صراحة على ضرورة أن يوافق المجلس الشعبي الوطني على البرنامج المعروض عليه، و إلا قدمت الحكومة استقالتها لرئيس الجمهورية.(6)

من خلال استقراء النصوص الدستورية يتضح أن المشرع الجزائري ربط مسألة الثقة بالبيان السنوي للسياسة العامة للحكومة.(7)

1-2 آليات التحكم في العمل البرلماني:

من خلال تحليل جوانب التعديلات الدستورية و التي تنصب على توسيع دور السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية يتمتع رئيس الجمهورية في الدستور الجزائري بالعديد من الصلاحيات التي جعلت منه محور النظام السياسي عبر الدساتير الجزائر المختلفة سواء في دستور 1963 ، 1976 ، 1989 و 1996 و حتى في تعديلات 2008 ويتضح ذلك في النقاط التالية:.

من أبرز الصلاحيات الدستورية و أخرطها على نواب البرلمان المنتخب من الشعب هي امكانية حل المجلس الشعبي الوطني في حالتين هما :
– الحل الوجوبي : يتجسد في حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على برنامج الحكومة للمرة الثانية حسب نص المادة (82) من دستور 1996.

– الحل الاختباري :عندما يقرر رئيس الجمهورية حل البرلمان لإ جراء انتخابات تشريعية قبل أوانها بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ، و رئيس مجلس الأمة ، و رئيس الحكومة حسب النص المادة (129) من دستور 1996 وهو ما يؤكد رجحان كفة رئيس الجمهورية ممثل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.(8)

منح دستور 1996 لرئيس الجمهورية حق التشريع بالأوامر في الحالات التالية:
– في حالة شغور البرلمان.

– بين دورتي البرلمان.

– في الحالات الإستثنائية.

– في حالة عدم المصادقة البرلمان على قانون المالية في ظرف 75 يوما.(9)

يعتبر التشريع بالأوامر الوسيلة القانونية الوحيدة التي يمكن بواسطتها يساهم رئيس الجمهورية في صنع القانون، و يعرض النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له

لتوافق عليها،و تعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان و يجب أن تتخدد الأوامر في المجلس الوزراء حسب نص المادة(124)من دستور 1996.

رغم القيود التي أحاطها المؤسس الدستوري لسلطة التشريع بالأوامر ،إلا أنه لا يتمكن انكار تمتع الأوامر التشريعية بقوة القوانين حيث يمكن أن تؤدي ثلاثة وظائف تشريعية و هي :

– تعديل القوانين. – إلغاء القوانين. – إستحداث قوانين جديدة.

من هنا يتضح أن التعديلات الدستوري أوجدت آلية من آليات التحكم في السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية في العمل البرلماني. و رغم الاختلاف في الطبيعة القانونية للأوامر التشريعية، إلا ان غالبية الفقه أكسب الاوامر الطبيعة القانونية أي يعتبر تشريعات بعد موافقة البرلمان عليها ، كما تعتبر جزءا من النظام القانوني المطبق اي تصبح كالقانون سواء بسواء.(10)

المتتبع لواقع البرلمان في الجزائر يدرك أنه من الصعب عليه رفض تلك الاوامر ،من جهة انها تكون دخلت حيزا التنفيذ قبل عرضها على البرلمان ،و من جهة ثانية لم يحدث عبر التجارب البرلمانية المتعاقبة في الجزائر منذ سنة 1997 أو 2002 أو 2007 أن رفض المجلس الشعبي الوطني أمرا واحد من الأوامر التشريعية.

يتدخل رئيس الجمهورية في العمل التشريعي من خلال : آلية اصدار القوانين و حسب المفكر “جورج بيردو” يعتبر الاصدار عبارة عن عمل يقرر بموجبة رئيس الدولة ان القانون قد تمت مراجعته، و أنه يصدر باالصورة التي وافق عليها البرلمان.(11)، و بالتالي يشارك رئيس الجمهورية من خلال تقنية اصدار القوانين في ممارسة التشريع.
يطلب إجراء مداولة ثانية حيث تنص المادة (127) من دستور 1996 عند وصول القانون الذي اقره البرلمان الى رئيس الجمهورية من اجل اصداره يمكن ان يكون للرئيس اعتراضات على القانون في غضون 30 يوما التالية لتاريخ اقراره ،وفي هذه الحالة بإمكانه ان يطلب من المجلس الشعبي الوطني اعادة النظر فيه عن طريق مناقشة جديدة و تعديل محتمل و تصويت جديد ،و لكي يمر القانون لابد ان يتم التصويت عليه بأغلبية ثلثي اعضاء المجلس الشعبي الوطني.(12)
كرست التعديلات الدستورية لسنة 1996 أو 2008 الآليات السلطوية لدستور الاحادية السياسية لمواد دستور 1963 أو دستور1976، حيث يلاحظ المستقرئ لدستور 1996 تجميع العديد من الصلاحيات في السلطة التنفيذية فهذه التجربة الدستورية الجزائرية كان لرئيس الجمهورية حق التشريع بالأوامر لكن الاستثناء الوحيد في هذه المجال نجده في دستور 1989 الذي سحب هذه السلطة من رئيس الجمهورية رغبة من المؤسس الدستوري في تحقيق نوعا من الفصل الجاهد بين السلطات الذي يقتضي ان تكون سلطة التشريع بكاملها للبرلمان وحدة.(13)

2- أداء البرلمان التعددي في الجزائر:

على الرغم من السلطات و الصلاحيات التشريعية و الرقابية التي يتمتع بها المجلس الشعبي الوطني، الا أن دوره في الحياة السياسية يتسم بالضعف و الهشاشة و هذا ما اكدته الدراسات السياسية و الدستورية فعلى صعيد عملية التشريع تؤكد خبرة ممارسة البرلمان التعددي في الجزائر منذ 1997 أن الحكومة هي التي تقدم الغالبية العظمي من مشاريع القوانين ، و يقوم المجلس بمناقشتها و اقرارها بدون تعديل ، أو بعد ادخال تعديلات طفيفة على بعضها .

رغم ان مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة جرى بشأنها مناقشات حادة في البرلمان و رغم اعتراض نواب المعارضة على بعض القوانين، الا انه لم يكن كافيا حيث ان الأغلبية التي كان يتمتع بها التجمع الوطني الديموقراطي في البرلمان التعددي الناتج عن انتخابات 1997 أو الأغلبية التي يتمتع بها حزب جبهة التحرير الوطني المتحالف مع التجمع الوطني الديموقراطي و حركة مجتمع السلم عقب الانتخابات التشريعية التعددية لسنة 2002 أو 2007 تسمح للحكومة بتمرير القوانين التي تريدها فقد حصلت الاحزاب الثلاثة في عام 1997 على 287 مقعدا من مجموع 389 بنسبة 75% و في سنة 2002 حصلت الاحزاب الثلاثة مجتمعة على 284 مقعدا من مجموع 380 بنسبة 73% من مجموع مقاعد المجلس الشعبي الوطني ، وحصلت في عام 2007 على 249 مقعدا من مجموع 389 بنسبة 64%.(14)

في المجال الرقابي يتمتع المجلس الشعبي الوطني بسلطات رقابية إلا أنه لا يمارس هذه السلطات كما يجب ، و بما يعزز من دورة في مراقبة أعمال الحكومة ، حيث يغلب على النشاط الرقابي للبرلمان اساليب الرقابة الأقل تأثيرا على الحكومة مثل توجيه الأسئلة الشفوية و الكتابية مقارنة بأساليب الرقابة الاكثر فاعلية مثل الاستجوابات و التصويت بملتمس الرقابة ضد الحكومة ،حيث تشير الخبرة البرلمانية في الجزائر انه لم يحدث ان قام المجلس الشعبي الوطني بالتصويت عن طريق ملتمس الرقابة ضد الحكومة لا في فترة البرلمان الاحادي منذ دستور 1963 و لا في البرلمان التعددي منذ 1997 و إلى يومنا هذا.

منذ اقرار دستور 1996 الذي نص على استحداث غرفة ثانية للبرلمان ” مجلس الأمة ” طرحت تساؤلات حول جدواها في البناء الدستوري، و بالتالي في مجال التوازن المؤسساتي حيث رأى البعض ان وضعها جاء للحد من احتمال سيطرة اغلبية برلمانية في الغرفة الأولى ،حيث ينتخب ثلثا مجلس الأمة بطريقة غير مباشرة من المنتخبين المحليين و الثلث الباقي من تعيين الرئيس لمراقبة المجلس الشعبي الوطني الذي قد يسيطر عليه حزب قوي.(15)

كشفت الممارسة السياسية أن الازدواجية البرلمانية في الجزائر ماهي إلا عبارة عن وسيلة لتأطير الانتخابات التشريعية، وليست كما يذهب اليه الخطاب الرسمي ترسيخ المسار الديمقراطي وتعميقه بتوسيع التمثيل السياسي في ظل توازن مؤسسات الدولة الدستورية وفي ظل مبدأ الفصل بين السلطات بل هذه الازدواجية تذهب عكس آليات الفاعلية والرشاد في العمل التشريعي وبالتالي تذهب عكس ما تصبو اليه الانتخابات (16). رغم حداثة التجربة البرلمانية التعددية في الجزائر فقد تميزت الجلسات العامة للبرلمان بالنقاش الصريح والساخن أحيانا، وبالطرح الموضوعي في معالجة القضايا والمسائل المطروحة للنقاش، كما مثلت تلك الجلسات بالنسبة للأحزاب السياسية والنواب الاحرار فرصة للتعبير عن آرائهم بشأن ما عرض عليهم من برامج وقوانين وأوامر واتفاقيات (17).

أما بالنسبة للتعديلات الدستورية التي تم اقرارها في نوفمبر 2008 فقد ابقت على مسؤولية الوزير الاول امام البرلمان، الا انها مسؤولية اسمية فقط دون محتوى تهدف إلى: (18)

– منح البرلمان آلية الرقابة والتصويت على القوانين، ومن تم تكون هناك مناقشات لمخطط عمل الوزير وتصويب، وانتقادات شكلية، ويكون سنويا بيان عن السياسة العامة تتبعه جلسات ومناقشات، ويكون بصورة مستمرة وزير اولا و وزراء في البرلمان يدافعون عن مشاريعهم أمام النواب .

– الإبقاء على هذه الصيغة الدستورية لأن إسقاط مسؤولية الحكومة امام البرلمان والغاء الرقابة البرلمانية وحرمان البرلمان من مصدر نشاطه يوقع المؤسس الدستوري في معضلة كبيرة تستدعي تغيير الدستور برمته، وبإلغاء صيغة النظام الشبه الرئاسي والاتجاه نحو النظام الرئاسي.

تعكس الممارسة السياسية للبرلمان التعددي في الجزائر أداءه المتأخر” نهاية عهدة البرلمان الحالي في 2012″، حيث وقع أكثر من 34 نائبا في المجلس الشعبي الوطني لائحة طالبو فيها حكومة الوزير الأول “أحمد أويحي” بتقديم بيان السياسة العامة وحصيلة نشاطها تطبيقا لنص المادة (80) من الدستور والمادة (50) من القانون العضوي المنظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان، و اتهمت اللائحة الحكومة بعدم احترام الدستور و التهرب من التزاماتها القانونية، حيث أنه في ظرف 05 سنوات منذ 2007 و إلى 2012 لم تقدم الحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني إلا بيانا واحدا للسياسة العامة في أكتوبر 2010 رغم أنّ المادة (84) من دستور 1996 تلزم الحكومة بذلك سنويا.

في سياق متصل لم تقدم حكومة الوزير الأول “أحمد أويحي”-عقب التعديل الجزئي للدستور في نوفمبر 2008- مخطط عملها للبرلمان كما تنص عليه المادة(80) من الدستور، حيث أكد النواب في لائحتهم السابقة ” أنهم كانوا ينتظرون تقديم الوزير الأول بيان السياسة العامة في أكتوبر 2011 لكنه لم يفعل ذلك إلى اليوم.” (19)

إجمالا تؤكد الدراسات المهتمة بالسلطة التشريعية في الجزائر والتي حاولت قياس درجة المؤسسية وفقا للمعايير – التي وضعها المفكر “صمويل هنتجنون”- وهي التكيف والتعقيد، والاستقلالية والتماسك أنها: (20)

– إفتقدت الاستمرارية الزمنية والكفاءة الوظيفية حيث شهدت انقطاعا مستمرا، فأول مجلس تشريعي وطني تأسس عام 1963 لم يستمر سوى عامين وبقيت البلاد دون برلمان حتى سنة 1977، كما شهدت انقطاعا بتعيين برلماني انتقالي مند بداية التسعينات من القرن الماضي والى غاية 1997. أما من حيث التغير الوظيفي للبرلمان فان وظيفة البرلمان بقيت جامدة فلم يتجاوز أكثر من منح الشرعية القانونية لقرارات يتم صنعها في مكان آخر.

– التعقيد بمعنى أن يكون للمؤسسة اكثر من وظيفة فرغم تعدد اللجان البرلمانية في الجزائر، إلا أنها صورية ولا تمارس إلا وظائف محددة وجامدة مما يعني أنها فاقدة القدرة على التعقيد.

– الاستقلالية: أي مدى حرية وذاتية المؤسسة في العمل المالي والوظيفي، ويتضح التداخل بين عمل البرلمان وعمل السلطة التنفيذية.

– التماسك: بمعنى درجة الرضا بين نواب البرلمان ويمكن أن يتضح هذا من خلال الممارسة البرلمانية والخبرة السياسية و النشاط داخل البرلمان.

الخاتمـــــــة:

ثمة عدة اعتبارات من خلالها يمكن تفسير ضعف دور البرلمان في الحياة السياسية والدستورية في مقدمتها وجود حالة من عدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب عدم التوازن الدستوري والقانوني من جهة، وبسبب ضعف الاداء البرلماني الناتج عن ضعف أداء الاحزاب السياسية ذاتها.

– وسعت التعديلات الدستورية لسنة 1996و 2008 من صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب المؤسسات الدستورية الاخرى وهو ما يعتبر تراجعا عن قواعد دستور 1989، باتجاه قواعد دستورية نصت عليها دساتير الحزب الواحد مثل دستور 1976 والذي قنن التشريع بالأوامر.

– افتقار البرلمان الجزائري للمؤسسة السياسية التي تعني القدرة على تقييد الحكومات على حد تعبير “فيليب نورتون” بمقاربة بتلك البرلمانات غير القادرة على ممارسة ضغوطات على الحكومات، وبالتالي تفتقد الى معايير المؤسسية وهي التكيف، التعقيد، الاستقلالية، التماسك.

– رغم نقائص التجربة البرلمانية في الجزائر، فقد كرست مبدا التعددية السياسية وقبول الرأي الاخر، مع التسليم بقرار الاغلبية حسب ما تمليه القواعد الديمقراطية.

في سياق متصل تقتضي عملية تفعيل وتطوير أداء البرلمان التعددي في الجزائر مــــــا يلي:

– أن يعبر البرلمان عن الاحتياجات المجتمعية في مناقشة السياسة العامة وتصحيحها بما يخدم تلك الاحتياجات سواء كانت اقتصادية، اجتماعية و ثقافية.

– أداء دوره الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية من خلال معارضة فاعله ومنظمه في البرلمان.

– تحقيق التواصل بين مؤسسات الدولة والمجتمع عبر قيام البرلمان بدوره التشريعي الذي يعزز اقامة الحكم الرشيد المستند إلى الشفافية والعلانية والمساءلة.

المراجـــع والهوامش:

(01) الجمهوريـــة الجزائريـــة الديمقراطيــة الشعبية، دستور 1996، الجزائر: الديوان الوطني للأشغــال التربوية، 1998، ص30.

(02) نفس المرجع، ص31-32.

(03) نفس المرجع ، المادة (133) من دستور 1996، ص35.

(04) نفس المرجع ، المادة(134) من دستور 1996، ص 35.

(05) نفس المرجع ، المادة(135و136و137) من دستور 1996، ص 36-37.

(06) أنظر المادة (81) من دستور 1996، ص 19.

(07) فدوى، مرابط، السلطــــة التنفيذيــــة في بلدان المغـــرب العربي. بيــــروت:مركز دراســــات الوحدة العربية، 2010، ص 205.

(08) تفاصيل أكثر انظر أحمد الرشيدي، المؤسسة التشريعية في العالم العربي. القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية 1997.

(09) يقوم وزير المالية في جلسة علنية بعرض مشروع قانون المالية على أعضاء المجلس الشعبي الوطني، وبعد ذلك تأتي مرحلة المناقشة، فمرحلة التصويت على القانون في ظرف زمني لا يتجاوز 47 يوما، يضاف له المدة القانونية المحددة لمجلس الامة وهي 20 يوما، وفي حالة الخلاف بين غرفتي البرلمان حول مشروع قانون المالية، تكون لجنة متساوية الاعضاء للفصل في الخلاف، والمهلــة المحددة للبث في الخلاف والفصل فيه هي 08 ايام، وفي حالة عدم المصادقة ومرور 08ايام دون ان تفصل اللجنة المتساوية الاعضاء، يصدره رئيس الجمهوريــــة بمــوجب أمر بمرور 75 يومـــا ،أي (47 يوما + 20 يوما + 08 ايام) = 75يوما.

(10) بركـــات، أحمـــد، “وسيلة مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاص السلطـة التشريعية في مجال صنع القانون”، مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد(01)، جوان 2009، ص 194.

(11)Georges, Burdeau, Droit constitutionnel et institutions politiques. Paris : L.G .D .J , 1980 , p 611.

(12) أنظر المادة(127) من دستور 1996، المرجع السابق، ص 34.

(13) بلحاج، صالح، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري في الجزائر من الاستقلال الى اليوم. الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية، 2010، ص 205.

(14)عـــروس، الزبيـــر وآخرون، النزاهـــة في الانتخابات البرلمـــانية مقوماتهـــا وآلياتهـــا في الأقطـار العربية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، ص 382.

(15) قيرة، إسماعيل وآخرون، مستقبـــل الديمقراطيـــة في الجزائـر. بيـــــروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2002، ص 153.

(16) عروس الزبير وآخرون، مرجع سابق، ص 360.

(17) لعروســي، رابـــح، “قراءة في الأداء السياسي للبرلمـــان التعددي الجزائـــري”، مجلـــة دراسات استراتيجيـة، العدد(04)، جويلية 2007، ص 31.

(18) بلحاج، صالح، مرجع سابق، ص 235.

(19) لحياني،عثمان،” أويحي مطالب بتقديم بيان السياسة العامة أمام البرلمان”، يومية الخبر، 25/01/2012

(20) الرشيدي، أحمـــد، مرجع سابق ، ص 94-95.

إغلاق