دراسات قانونيةسلايد 1

بحث عن ضمانات توقيف الحدث في التشريع العراقي

حكـومـــــة إقليم كـوردســـــــــــتان

وزارة العـــــــدل
رئاسة الادعـــــــــاء العــــــــــــــام

ضمانات توقيف الحدث في التشريع العراقي
بحث مقدم إلى مجلس القضـــاء في إقليم كوردستان /العـــــراق
لغرض الترقية إلى الصنف الثالث من أصناف الإدعاء العــام

تقديم
عضو الادعاء العـــــــام
نسيم عمر رحمــــان
بأشراف
عضوة الادعاء العام
دريــــــة نور الدين غريـــــب
(2012)
بسم الله الرحـــمن الرحيــــــم
((وإذا قلتـــــــم فاعـــــــــدلوا ولـــــو كـانةذا قــــربى))
صدق الله العظيم
سورة الأنعام الآية 152

الإهداء:
إلى روح والدتي الطاهــــــــــــــــــــ ـــرة …
والى زوجتـــــــــــــــــي الوفـــــــــــــــــــــ ـــــية …
والى كل من ضحــى للعــــــلم والمعــــــرفة , فـــــي سبيــــــــــــــل
رقـــــــــــــــــــــــ ـــــي الإنسان …
اهدي هذا الجهد المتواضــــــــــــــــــ ــــــــــع

شكر وتقـديـر
قــد يقف المرء عاجــــزا أحيــــــــــــــــانا أمــــام رد الجميــــــــــــــــــــ ـــل لــــــــــذوي
الفضل , وقد لا تطاوعه أساليب التعبيـــــــر ليعـــــــــــــرب لهم عـــن معاني الشــــــكر
والتقدير عـــــــــــــــلى ما بذلوه مــــــــــــــن عـــــــــــون ومساعدة لصاحب البــــحث.

فيسعـــــــــــدني أن أتقدم بجزيل الشــــــــــــــــكر إلـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــى :
أستاذة الفاضـــــــــلة عضوة الادعــــــــــــاء العام السيدة درية نور الدين غريــــــــب
والتي كانت لها شرف الإشراف على هذا البحث , والـــى كل من وقـــــــــــــــــــــــ ــف
إلى جانبــــــــــــي بيده أو لسانه أو جهـــــــــــــــــده .

فأليهم جميعا – الشكـــــــــر الوفيـــــــــر والامتنان العظيم , عــــرفانا بالفضــــــــــــــل
وردا للجميــــــــــــــــــل , وجزاهم الله تعالى عني أحسن الجــــــــــــــــــــــ ـــــــــــزاء .
الباحـــــــــث
نسيــــــــــــم عــــــــــمر رحمـــــــــان
عضـــــــــــو الادعاء العــــــــــــــــــام
ضمانات توقيف الحدث في التشريع العراقي
خطــــة البحــــــث
المبحث الأول : التوقيف ومبرراته والجهة المخولة بـــــــــــــــــــــــه
المطلب الأول: تعريـــــــــــــــــــــ ـف التوقيـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــف
المطلب الثاني : مبـــــــــــــررات التوقيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــف
المطلب الثالث : الجهات المخولة سلطة التوقيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــف
المبحث الثاني : حـــــــــــــــــالات التوقيـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــف
المطلب الأول : حالات توقيف الحدث جوازا ووجــــــــــــــــــــــ ـــــوبا
المطلب الثاني : حالة المشردين ومنحرفي الســــــــــــــــــــــ ـــــــلوك
المبحث الثالث : مـــــــــــــــــدة التوقيف ومكانــــــــــــــــــــ ـــــــــــــه
المطلب الأول : مـــــــــــــــــــــــد ة التوقيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــف
المطلب الثاني : مـــــــــــــــــــكان التوقيـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــف
الخــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــا تمـــــــــــــــــــــــ ـــة
المـصــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــا در فهرســـــــــت البــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــحث

المقدمة
الحرية الذاتية التي تسمى الشخــــــــــــــصية القانـــــــــــونيـــة تتم مــــــــع ميـــــــــــلاد
الإنسان وتستـــــــمر مــــعه ما دام علــــــــى قيد الحياة , فليس بإمكان أي أحد أن يسلبهـــــــــــــــــا
عـــنه , وهذا ما أقره القرآن .(1)
من المسلم به عدم جواز تقييد حرية الشخص أو سلــبها إلا بــــناء على قــــــــــــــــــــــرا ر
قضائي صادر عـن جهة مختصة وتتم معاملتــــه على انـــه بريء حتــــــى تثبت إدانته مـــــــــــــــن
محكمة مختــــصة وخصوصا الحدث لأنه لا يزال فــــــــي مرحلة نمــو بالغة الحساسية , وهــــــــذا
يترتب عنــه آثار نفسية خطيــــرة عليه يكون مـــن الصعب علاجها فيما إذا ابعد الحـــــــدث عـــــن
أسرته لداعي توقيفه . لذالك حصر هذا التقييد بقرار صادر مــن جهة قضائية حيـــث إن مـــــــــــن
حـــق الشخص بشكل عام والحدث بشكل خاص أن يعيش في الحياة دون قيد على حريتـــــــــــــــــــه
الشخصية , ومـــن حق المجتمع إن يعيش بأمان واستقـــــــــرار ولما كان الأصــــــــــــل حمايــــة
المجموع على حماية الفرد لان الأفعال الفردية تزعزع كيـــــــــــان المجتمع وتسبب اضــــــــطـراب
الأمـــن ولأجل ذلك فللقاضي حــــق تقييد حـــرية الحدث وفـــــــق القـــــــــانون وهو على العمـوم
حالة استثنائية ليجوز اللجوء إليها إلا للضرورة وحماية المجتمع ومصلحة التحــــــــــقيق ولذا لا
يعتبر التوقيف عـــــــقوبة وإنما إجراء احتياطي لسلامة التحقيق تقتضيه ظروف القضـــــــية فــي
استعمال هذا الحق . ولخطورة التوقيف وآثاره على الحدث فأن قانون حقــــــــوق الإنســـــــــــان
الدولي يحاول خفض حالات التوقيف وآثاره وتجريــــده من الحرية إلى أدنى حد ممــــــــــكن وأن
يحاط التوقيف بضمانات قانونية من أجل التخفيف مـــــن آثاره الضارة , ومــــن هنـــــــــــــا تــبدو

(1) – الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي , حق الحرية في القرآن الكريم , 2012 , أربيل , الطبعة الرابــعة ,ص10 .

أهمية توقيف الحدث بوصـــــفه شكلا من أشكال التجريد مــــــن الحريـــــــــة لذلك حرصـت أغلب
التشريعات المقارنة الخاصة بالأحداث إلى مراعاة القواعد النموذجية في إدارة شــــــــــــــــؤون
الأحداث التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية وأقرتها الأمم المتحدة ومن أهمها اتفاقيـــــــــــــــة
حقوق الطفل وقواعد بكين وقواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحـــــــــــــــداث المجردين مـــــــــن
حــــــرياتهم . وان التشريعات عند إجازتها التوقيف للمتهمين بشكل عــــام والأحــــــــــداث بشكــل
خاص للضرورات القانونية والاجتماعية لم تطلقــــــــه بدون ضمانات تتعلق بالجــــــــــــــــــريم ة
وخـــــــــــطورتها ومنها ما يتعلق بالجـــــهة المخولة بإصدار قرار التوقيف وحـــــالاته الوجوبيـة
والجوازية ومدة التوقيـــــف ومكانه لهذا جاء قانون رعاية الأحداث رقــــم (٧٦) لســـــــنة ١٩٨٣
وتعديلاته متضمنا تلك الضمانات بما فيـــه من الأسس التي استند إليها والأهــــــــــــــــــــ ـداف التـي
سعى إلى تحقيقها . ولكن يثور سؤال هل أن قضاء الأحداث فـــــــــــــي العراق حقــــــق أهــــــداف
المشرع وطموحاته وأدرك الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لتشريـــــــــع الأحداث ؟ هذا مـــــــــــــــا
سنحاول الإجابة عنه من خلال تسليط الضوء عـــــــلى موضوع البحث عبر ثلاثة مباحــــــــــث ,
نتناول في المبحـث الأول التوقيف و مبرراته والجهة المخولة به ,وينقسم إلى ثلاثة مطالب, نتنــــاول في المطلب الأول تعريف التوقيف وفي المطلب الثاني نتناول مبررات التوقيف وفي المطلب الثـــالث نتناول الجهات المخولة لسلطة التوقيف , وفي المبحث الثـاني نتناول حالات التوقيف وينقســـــم إلى مطلبين في المطلب الأول نتناول حالات توقيف الحدث جوازا ووجوبا وفي المطلب الثاني نتنــــــاول حالة المشردين ومنحرفي السلوك , إما المبحث الثالث فنتطرق فيه مــــدة التوقيف ومكانه ,وينقــــسم إلى مطلبين في المطلب الأول نتناول مدة التوقيف وفي المطلب الثاني نتطرق إلى مكان التوقيف, ثــم ننهـــــــــــــي البحـــــــث بخاتمة تتضمن النتائج والمقترحات التي سنتوصل إليها .

المبحث الأول
التوقيف ومبرراته والجهة المخولة به
إن توقيف الحدث يترتب علــــــــــــــــــيه آثار سيئة لكـــــــــــــــــــــــ ونه في مرحلة عمرية
خطيرة وبالغة الحساسية لذا يجب أن يكــــــــــــــون لتوقيفه ضمانات ومبررات وأن تتميز الجهات
المختصة بإصدار أمر التوقيف بالكفاءة والاستقــــلال والثقة . ولتسليط الضوء على هذا الموضوع
فقد قسمت المبحث إلى مطلبين .

المطلب الأول
تعريف التوقيف
التوقيف إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي وهو من أخطر تلك الإجراءات وأكثرها مســاسا بحرية المتهم إذ بمقتضاه تسلب حريته , طـــــــــــــوال فترة توقيفه , ويقصد به حجز المتهم قبـــــــل صدور الحكم عليه .|
ويمكن تعريفه أيضا بأنه إجراء احتياطي وقتي يوضع بموجبه المتــــهم فـــــــــــــــــــــي مكان معيـــــــــــــــن , بأمر من جـــــــــــهة مختصة , وللمدة المقررة قانـــــــونا , تحاول الجهـــــــــــات المختصة خلالهـــــــــــــــا التأكد من ثبوت التهمة أو عدمها ويخضـــــــع المتهـــــم المــــــــــوقوف لنظــــــــــام خــــاص .
والتوقيف ليس عقوبة توقعها سلطة التحقيق وإنما إجراء من إجراءات التحقـــيق قصـــــــــــــــد به مصلحة التحقيق ذاتــــــــــــــــــه .(1)

(1)- سعيد حسب الله عبد الله – شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية – 2005 دار ابن الأثير للطباعة والنشر – الموصــــــــــــــل – ص 226- 227
مبررات التوقيف
هنالك العديد من المبررات التي تستدعي توقيف المتهــــــــــــــــم منها ما تقتضيه مصلـحة
التحقيق لضرورات الأمــــــــــن وحماية المجتمع وحماية المتهم نفسه وللتخفيف مـــــــن هيــــــاج
الناس خاصـــــــــة إذا كانت الجريمة ذات تأثير اجتماعي وحماية المتهــــــــــــــم من بطـش ذوي
المجني عليــــــــــــه وبذلك يشكل التوقيف إجراء تبرره الضرورة حيث يقوم بقيامـــــــها ,وينقضـي
بانقضائها وأن المبررات التي تستوجب التوقيف يمكن إجمالها وفق ما يأتي (١)

أولا : مصلحة التحقيق
إن الهدف من التوقيــــــــــف باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق هو الوصول إلى الحقيقة
من خـــــــــلال إجراءات تحقيقية سريـــــــعة وعادلة ويساعد سلطة التحقيق على القيام بواجباتهـــــا
على أكمل وجه لان إبقاء المتهم مطلق السراح قــــــــــــد يؤثر على الإجراءات التحقيقية مـــــــــن
خـــــــــــلال بالأدلة أو إخفائها أو الضغط على الشهود وان توقيف المتهـــــــم يحـــــــــــول دون
ذلك في أغلب الأحيان لذا فأن وجود المتهم في التوقيف يسهل تنفيذ الإجراءات التحقيقيــــــــــــة
مثل التفتيش أو إجراء التشخيص أو الكشف على محل الحادث أو مواجهة المتهم مـــــــــــــــــع

(١) نقلا عن عبد الأمير العكيلي ود.سليم حربة , أصول المحاكمــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــات الجزائية ,الجزء الأول , بغـــــــــــــداد, ١٩٨٨ص١٤٨.

الشهود والاستدلال على المتهمين الآخرين أو الشركاء إضافة إلى ذلك إكمال الإجـــــــــــــــراءات
التحقيقية الخاصة بالمتهمين الأحداث مثل البحث الاجتماعي ودراسة الشخصية(١) .
ثانيــا : ضرورات الأمن
يهدف التوقيف في بعض الأحيان إلى ضمانات تخص أمــن المجتمع أو أمــن المتهم حسب طبيعة الجريمة وظروف ارتكابها وشخصية المتهم وحالته النفسية والعقلية وفق ما يأتي(٢)
أ‌-ضمان أمن المجتمع
فتوقيف المتهم الذي يخشى منـــــه على أمن وسلامة أفراد المجتمع يـــــــؤدي الغايـــــة
المرجوة منه ويمنع ذلك الشخص من ممارسة إخلاله بأمــــــن المجتمع وارتكابه جــــــــرائم
أخرى , وتحقيق مصلحة اجتماعية إضافة إلى أن توقيف المتهم فيـــــــــــــه إرضاء لشــــــعور
المجني عليـــــه أو ذويه وأفراد المجتمع وشعور آخر بان العدالة أخــــــــذت مجراها فــــي
التحقيق ودعـــــــــم الثــــقة بأجهزة العدالة وخــــــــــاصة فـــي الجرائم العمدية ذات الطابـع
الاجتماعي ,(٣) ويدفع الخوف عن الشهود ويطمئنهم على أداء الشهادة بعيدا من انتــــــــــــــقام
المتهم وخاصة في الجرائم الخطيرة وقد جاء في التطبيقات القضائية إن عدم وقوع الصلح بيــن
طرفي الشكوى وهم يسكنون في منطقة عشائرية وفي قرية واحدة وأن الجريمة المنسوبة للمتهــم
هي جريمة قتل وفق المادة(٤٠٦) من قانون العقوبات , لذا قرر نقض قرار قاضي التحقـــــــــيق بإطلاق سراح المتهم بكفالة (٤). ويلاحظ أن المحكمة قد راعت في قــــــــــرارها ضرورات أمن المجتمع وأمن المتهم في ذات الوقــــــت .
[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ADMINI%7E1/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image007.gif[/IMG]
(١) أحمد محمد علي الحريثي , ضمانات توقيف الحدث في التشريع العراقي , بحث منشور في مجلة الرافديـــــــــــن
للحقوق , جامعة الموصل , العدد ٢٩ ,٢٠٠٦ , ص٢١٥ .
(٢) فؤاد علي سليمان , توقيف المتهم في التشريع العراقي , رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون , جــــامعة بغداد
, سنة ١٩٨١ , ص١٠٥ .
(٣) عيسى عبد الله عيسى , ضمانات الحرية الشخصية في توقيف المتهم , بحث منشور في مجلة الحـــــــــــــــقوقي
, العدد الأول ,٢٠٠٥ , ص١٤ .
(٤) ينظر : القرار التميزي المرقم ٣٤٠/ت/ ٢٠٠٣ في ١١ /١٠/٢٠٠٣ الصادر عن محكمة أحداث نينــــــــوى
بصفتها التميزية ( غيــــر منشـــور ).
ب- ضمان أمن المتهم
يحقق توقيف المتهم في الجرائم الخطيرة أو ذات التأثير الاجتماعي والأخلاقي ضمانا لأمن
المتهم عندما يكون المتهم هدفا لذوي المجني عليه للنيل منه , إذ أن في توقيفه حفاظا على سلامـــته
كما أن كثيرا من المتهمين الأحداث المشردين ومنحرفي السلوك ليس لهم مأوى وعدم توقيفهم قـــــــد
يؤدي إلى احتمال ارتكابهم بعض الجرائم وان إبقائهم في التوقيف لحين دراسة شخصيتهم من قبــــــل
مختصين في البحث الاجتماعي فيه مصلحة لهم حفاظا على أمنهم الاجتماعي(١) .
ثالثا :ضمان تنفيذ الحكم
عند إحالة المتهم على المحكمة المختصة موقوفا فان قرار تلك المحكمة بالإدانة والحكم علـيه
بالعقوبة ينفذ فورا وبعكسه فان تبليغ المتهم بالحضور إذا كان طليقا يصبح صعبا , وخصوصــــــا إذا كان المتهم واثقا من إدانته لتوفر الأدلة ضده فيعمد بشتى السبل إلى عدم حضور المحكمة , وعلـــى
هذا الأساس يمنع المشرع إطلاق سراح المتهم في الجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام فضلا عـــــــن جرائم أخرى اقتضتها ظروف خاصة (٢)مع اختلافات بين المتهمــين البالغين والمتهمــــــــــــــــــ ــين الأحداث(٣) راعى فيها المشرع طبيعة قضاء الأحــــــــــــــــــــد اث .
لذالك فان مشروعية التوقيف لابد أن تستند إلى إحدى المبررات الثلاث وأيا كانت هـــــــــذه المبررات فإنها يجب أن لا تخرج هذا الإجراء عن طبيعة الاستثنائية , مما يتطلب مباشرته فـــــــــي
أضيق نطاق لما ينطوي عليه من مساس بقرينه البراءة الحرية الشخصية .
(١) أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص٢١٦ .
(٢) إذ تنص المادة (١٠٩/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم(٢٣) لسنة١٩٧١ على أنه يجب توقيــــــــف
المقبوض عليه إذا كان المتهم بجريمة معاقب عليها بالإعدام وتمديد توقيفه كلما اقتضت ذلك ضرورة التحقـــــيق مع مراعاة المدة المنصوص عليها في الفقرة (أ) حتى يصدر قرار فاصل بشأنه من قاضي التحقيق أو المـــــــــــحكمة الجزائية بعد انتهاء التحقيق الابتدائي أو القضائي أو المحاكمة .
(٣)إذ تنص المادة (٥٢/ثانيا) من قانون رعاية الأحداث رقم (٧٦) لسنة ١٩٨٣ على أنه يوقف المتهم بجناية عقوبتها
الإعدام إذا كان عمره تجاوز الرابعة عشرة .
لذلك ونتيجة لهذا الطابع الاستثنائي لابد أن يستند أمر التوقيف إلى أسباب ومبررات واقعيـــــة
تجد مسوغا لهــــــــــــا مـــــن القانون وبدون ذلك فان التوقيف سوف يتحول إلى إجراء تحكمــــــي
ظالم إذا لم تكن هناك أسباب تمنع إطلاق سراح المتهم بكفالة وتدق المسألة أكثر عـــــــــــــــــــــندم ا
يكون المتهم الموقف حدثا (1).
المطلب الثاني
الجهات المخولة سلطة التوقيف
لما كان التوقيف تقيد لحرية الشخص لذلك يعتبر من أخطر الإجراءات التحقيقية وقد أباحـــة
القانون استثناءا لضرورات تتعلق بالأمن وحماية المجتمع وحماية المتهم نفسه لذا وجــــب إحاطته
بضمانات تحمي المتهم من العبث بحريته وعدم مباشرته إلا في نطاق الحكمة التي شرع من أجلهـــا
ومن أهم هذه الضمانات هو أن يعهد به إلى سلطة لها من الكفاءة والاستقلال ما يطمأن معه لحســن
تقديرها لهذا الإجراء , لذا فأن أغلب التشريعات قد حصرته بالجهات القضائية أو بالادعاء العـــام
أو بالتشاور بين الجهتين معا .(2)
وإذا كانت هذه القاعدة العامة بالنسبة للمتهمين البالغين في قوانين الإجراءات الجنائية فهـــــــي
ذاتها تنطبق على الأحداث مع بعض الاختلافات وفقا للسياسة الجنائية لكل دولة , وعلى هــــــــذا نصت المادة (49) من قانون رعاية الأحداث على انه يتولى التحقيق في قضايا الأحداث قاضـــــــي تحقيق الأحداث وفي حالة عدم وجوده يتولى قاضي التحقيق أو المحقق ذلك .
وعلى الرغم من أن قانون رعاية الأحداث أناط مهمة التحقيق في قضايا الأحداث بقاضــــــي
تحقيق الأحداث أو أي قاضي تحقيق أو محقق عند عدم وجود قاضي تحقيق الأحـــــــــــداث , إلا أن
(1)أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص213 .
(2)فؤاد علي سليمان , المصدر السابق , ص 1
المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية قد حصر سلطة إصدار أوامر التوقيف بقضاة التحقيق أصلا .)1)
وقد أجاز للمحققين على سبيل الاستثناء وفي حالة واحدة توقيف المتهم بارتكاب جنــــــــــاية في الأماكن النائية عن مركز دائرة القاضي .(2)
ونرى مع وجود رسائل الاتصال السريعة والحديثة في بعض المناطق أن يتم توجيه المحــــــققين
على إخبار القاضي للحصول على قرار هاتفي على أن يتم تحريره في أقرب فرصة وخصوصــــــــا
بالنسبة للأحداث لما للتوقيف من آثار النفسية خطيرة على الحدث لأن المحقق في الأماكن النائيـــــــة
سوف لا يملك إلا التوقيف في الجرائم الجنايات لكن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في التوقيف
أو إطلاق سراح المتهم بكفالة لكن في كل الأحوال هذه سلطة استثنائية أعطيت للمحقق وتحصـــــــل
في حالات قليلة , كذلك قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 في المادة (3) منه نـــــــــص على
ممارسة عضو الادعاء العام (3) صلاحية قاضي التحقيق في مكان الحادث, عند غيـــــــــــاب الأخير وتزول تلك الصلاحية عند حضور قاضي التحقيق المختص ما لم يطلب إليه مواصلة التحقيق كـــلا
أو بعضا فيما يتولى القيام به , ويتضح من ذلك أن عضو الادعاء العام يكتسب صفة قاضي تحقيــق عند تحقق شرطين أولهما عدم وجود قاضي التحقيق في محل الحادث وثانيهما أن يتم التحقيق فـــــي
محل الحادث وتصبح له جميع صلاحيات قاضي التحقيق بما ذلك إصدار القرارات المناسبة فـــــــي
القضية التي يجري التحقيق فيها ومن ضمن القرارات التوقيف وان هذا النص هو نص عام ينطــــبق
على التحقيق مع البالغين ومع الأحداث لان عضو الادعاء عندما يكتسب هذه الصفة يقوم بالعمـــــــل

(1) إذ تنص المادة (92) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه لا يجوز القبض على أي شخص أو توقيـــفه
إلا بمقتضى أمر صادر من قاضي أو محكمة أو في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك .
(2) إذ تنص المادة (112) من قانون رعاية الأحداث على أنه على المحقق في الأماكن النائية عن مركز دائـــــــــرة
القاضي أن يوقف المتهم في الجنايات , أما الجنح فعليه أن يطلق سراح المتهم فيها بكفالة وعليه في جميـــــــــــع
الأحوال أن يعرض الأمر على القاضي بأسرع وسيلة ممكنة وينفذ ما يقرره في ذلك .
(3)المقصود بأعضاء الادعاء العام هم رئيس الادعاء العام ونائبا الرئيس والمدعون العامون ونوابهم .
فإنما يقوم بذلك بصفتـــــــــــــــــــــ ـــه قاضيا وليس عضو ادعاء عام .
وان المشرع عنـــدما نص على هـــذه الحالة الاستثنائية إنما أراد أن يعــــــالج حالـــــــــــــــة
قانونية قد تنشأ عند حصول جريمة ويكون قاضي التحقيق غائبا , فبدلا من ترك التحقيــــــــــــــــــق
بيد جهات قد تكون غير مؤهلة وليس لديها القدرة على القيام بالتحقيق والتصرف وإصدار الــقرارات
بصورة فعالة وقانونية أولى هذه المهمة إلى عضو الادعاء العام الذي لديــــــــــه نفس مؤهــــــلات
القاضي ولديه السند القانوني .
ولا نعرف هل أن هذه الصلاحية تكون ضمن الرقعة الجغرافية المعين أو المنسب أمامــــــــها
عضو الادعاء العام أو أنها تكون عامة في أي مكان يتواجد عضو الادعاء العام وتحصل جريـــــمة
ولا يكون قاضي التحقيق موجودا ؟ ونحن نرى أن المشرع أراد الحالة الثانية وهو اكتسابه صــــفة
قاضي التحقيق في أي مكان تقع فيه الجريمة وعدم وجود قاضي تحقيق سواء تقع بالمكان المـــــعين
أو المنسب فيه أو أي مكان آخر وذلك لثقته بكفاءته القانونية أولا وتحقيق الحكمة مــــــــــــــــــــن
نص المـــــــادة (3) من القانون المذكور لعدم ضياع معالم الجريمة ثانيا .
وتنص المادة (108)من قانون رعاية الأحداث النافذ على أنه تطبق أحكام قانون العقوبات وقانون
أصــــــــــول المحاكمات الجزائيـــــــــة فيما لم يرد به نص في هذا القانون بما يتلاءم وطبيعة أســس
وأهداف قانون رعاية الأحــــــــــــــــداث .
واستنادا للقواعد العامة تكون لمحكـــــــــــــــــــمة الأحداث سلطة التوقيف وفق المـادة (92) من
قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ فلها أن تأمر بتوقيف المتهم المحال إليها مكفلا مــن قاضــــي
التحقيق أو أن تطلق سراحه بكفالة إن كان موقوفا .ب

(1) احمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص219
المبحث الثــــــــــــــــــــــ ـاني
حالات التوقيـــــــــــــــــــ ـــف
يولد جميع الناس أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق , هذا ما نصت عليه المادة الأولــــى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام , لذالك فان التوقيف سيبقى إجراءا يمس حرية الفــــرد الذي يعد بريئا حتى تثبت إدانته , إذ أن الأصل في الإنسان البراءة … وهي قاعدة أساسية تضمنتــــــــــــها إعلانات حقوق الإنسان وجسدتها التشريعات الوطنية , وأكدتها الاتفاقيات والمؤتمرات الدولـــــــــية والحرية الشخصية تعني في معناها الضيق _ قدرة الإنسان على التصرف في شؤونه الخاصـة دون الإضرار بالغير , آمنا من الاعتداء عليه , ضامنا عدم القبض عليه وتوقيفه أو حجزه إلا بمقتـــــضى القــــــــــــــانون .(1)
غير أنه ولاعتبارات عملية مهمة , أملتها الضرورات الاجتماعية , أجازت التشريعات مــخالفة هذه القاعدة وتوقيف الأشخاص الذين اتجهت إليهم أصابع الاتهام , مما دفع الأستاذ (جون دوبــــــلا)
للقول : (( إن التوقيف مسألة ضرورية موجبة للأسف ولكنها حتمية يلجأ إليها وان كــــــــــــــــــانت
ماسة بالحريــــــــــــــة الشخصية …)) (2)
ومن أجل ذلك وللتوفيق بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع التي تقتضي مراعاة الاعــــتبارات العملية المهمة التي سبق إيضاحها لذلك فان التشريعات على اختلافها أحاطت التوقيف بضـــــــمانات تزيد عن تلك التي قررتها لإجراءات التحقيق الأخرى .
وإذا كانت هذه هي القاعدة العامة في قوانين الإجراءات الجنائية بالنسبة للبالغين فهي أيضــــــــــا تطبـــــق على الأحداث مع بعض الاختلافات مراعاة للمعايير الدولية في قضاء الأحداث ووضـــــــع الحدث , ومع ذلك فان تشريعات الأحداث المقارنة تباينت في سياساتها الجنائية ضمن هذا المجــــــال فــــي مسائل متعددة منها تحديد الحالات التي يجوز فيها التوقيف (3). ويقسم هذا المبحث إلى مطلبين
الأول حالات توقيف الحدث جوازا ووجوبا وفي الطلب الثاني حالة المشردين ومنحرفي الســـــلوك .
(1) _ أحمد محمد الحريثي ,المصدر السابق , ص219 .
(2) _الذهبي العباسي , الإيقاف التحفظي وانعكاساته على الحريات العامة , مجلة القضاء والتشريع , تونس ,عدد 6
س 19 , 1977 ,ص 10 .
(3)_براء منذر كمال , السياسة الجنائية في قانون رعاية الأحداث ,دراسة مقارنة ,رسالة ماجستير مقــــــــــــــــدمة
إلى كلية القانون /جامعة بغداد , 2000 , ص87 .
المطلب الأول
حالات توقيف الحدث جوازا ووجوبا
فرق المشرع العراقـــــــــي في قانون رعاية الأحداث بين ثلاث حالات في توقيــــــــــــــف الحدث وفيما يأتي هذه الحــــــــــــالات :
أولا : لا يوقف الحدث في المخالفات , منع القانون توقيف الحدث في المخالفات هذا مـــــــــا نصت عليه المادة (52/ أولا) من قانون رعاية الأحداث النافذ التي تنص على انه ” لا يوقف الحدث فــــــي المخالفات ويجوز توقيفه في الجنح والجنايات لغرض فحصه ودراسة شخصيته أو عند تعذر وجـــود
كفيل له ‟ . وبذلك فان توقيف الحدث في المخالفات يعد محظورا قانونيا وان أي قرار بتوقيف الحدث
يكون مخالفا للقانون موجبا للنقض (1) .

ثانيا :جواز توقيف الحدث في الجنح والجنايات لغرض فحصه ودراسة شخصيته أو عند تعـــــذر وجود كفيل له , هذا ما نصت عليه المادة (52/أولا) من قانون رعاية الأحداث التي تنص على انــــه
”… ويجوز توقيفه في الجنح والجنايات لغرض فحصه ودراسة شخصيته أو عند تعذر وجود كفيـــل لــــــــــه “ .
ويفهم من هذا الفصل جواز توقيف الحدث قانونا في الجنح والجنايات ويكون قرار القاضـــــــي بالتوقيف صحيحا فيما إذا تضمن عرض المتهم الحدث على مكتب دراسة الشخصية لان القــــــــانون أوجب على القاضي أن يرسل المتهم الحدث بارتكاب جناية وكانت الأدلة تكفي لإحالته على محكمة الأحداث إلى مكتب دراسة الشخصية هذا ما نصت عليه المادة (51/أولا) من قانون رعاية الأحــداث التي تنص على انه ” على قاضي التحقيق عند اتهام حدث بجناية وكانت الأدلة تكفي لإحالته علــــــى محكمة أن يرسله إلى مكتب دراسة الشخصية ‟ أما عند اتهام حدث بجنحة فان القانون أعطـــــــــــى القاضي سلطة تقديرية في إرسال الحدث إلى مكتب دراسة الشخصية إذا كانت الأدلة تكفي لإحالتـــه إلى محكمة الأحداث وكانت ظروف القضية أو حالة الحدث تستدعي ذلك هذا ما نصت عليه المــــادة
(1) – عبود صالح التميمي , التحقيق الجنائي العملي , الطبعة الأولى , 2006 , ص109 .
(51/ثانيا) من قانون رعاية الأحداث ” لقاضي التحقيق عند اتهام حدث بجنحة أن يرسله إلى مكتـــب دراسة الشخصية إذا كانت الأدلة تكفي لإحالته على محكمة الأحداث وكانت ظروف القضية أو حالــة الحدث تستدعي ذلك ‟ لغرض فحص الحدث بدنيا وعقليا ونفسيا ودراسة حالته الاجتماعية ومعرفـــة الأسباب الإنسانية وأثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية في ارتكاب الجريمـــــــة وبيان مدى علاقتها بالجريمة المرتكبة ومن ثم تنظيم تقرير مفصل عن حالة الحدث البدنية والعقلــــية والنفسية والاجتماعية والأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة والتدبير المقترح لمعالجته (1) .
وان هذه الدراسة لها أهمية كبيرة في تيسير مهمة قاضي الموضوع في التطبيق السليم للقانـــون ,
كما أن الدراسة قد تساهم في إعادة الحدث إلى الطريق الصحيح في المجتمع واستنادا لنص المــــــادة (51) من قانون رعاية الأحداث الواجب الإتباع من قبل قضاة التحقيق وان الدعوى الخالية من تقرير مكتب دراسة الشخصية تكون واجبة النقض (2) وخصوصا في جرائم الجنايات وتستدعي الإعادة إلى قاضي التحقيق لإكمال النقص المذكور ومن ثم ربطها بقرار قانوني وإحالتها ثانية على محكـــــــــمة الأحداث , ولا نعرف العلة أو السبب التي قصده المشرع من إلزام قاضي التحقيق بإرسال الحــــــدث إلى مكتب دراسة الشخصية في الجنايات وجعل ذلك جوازيا في جرائم الجنح وهذا يتناقض مــــــــــع الأهداف العامة للقانون بشكل عام والغاية التي من أجلها شرع هذا النص وذلك لان التقسيم الثلاثــــي للجرائم إلى مخالفات وجنح وجنايات هو تقسيم شكلي وليس موضوعي ومهما تكن من أسبـــــــاب لا مجال للخوض في مسألة تقسيم الجرائم ولكن بعض جرائم المخالفات والجنح ما يوازي الجنايـــــــات بالنسبة للحدث فجريمة السرقة المحكومة بنص المادة (446) من قانون العقوبات وهي جنــــــــــــحة وعقوبتها لا تزيد عن خمس سنوات وكذلك جريمة حيازة الأموال المسروقة المحكومة بنص المــــادة
(461) من قانون العقوبات كلها جرائم جنح وخطورتها لا تقل عن جرائم الجنايات إضافة إلى أنــــها يمكن أن تكمن وراءها انحرافات أو عقد نفسية مما يتطلب معه الأمر دراستها بغية التوصل إلـــــــى معرفة عوامل الجنوح وأسبابها عليه ترى أن يتم تعديل نص المادة المذكورة وان يتم شمول جمـــــيع الجرائم التي ترتكب من قبل الحدث إلى دراسة الشخصية .(3)
(1) – أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص221 .
(2) – ينظر القرارات التميزية المرقمة 15/ ت / 2010 و 30 /ت/2010 الصادرين عن محكمة أحداث أربيـــــــل
بصفتها التميزية المتضمن ”بالنظر لكون الدعوى خالية من تقرير مكتب دراسة الشخصـــية قرار نقض القرار‟.
(3)- أحمد محمد الحريثي , المصدر نفسه ص 22
وأجاز القانون توقيف الحدث عند تعذر وجود كفيل له أي إذا قرر القاضي إطلاق سراح المتهم بكفالة وتعذر إيجاد كفيل له , فيجوز التوقيف في هذه الحالة , أما إذا لم تكن حالة الحدث توجب إرساله إلى مكتب دراسة الشخصية أو أن المكتب قد أكمل إجراءاته في فحص المتهم ودراسة شخصيته وكان للمتهم الحدث كفيل فلا يوجد في توقيفه في هذه الحالة مسوغا قانونيا , والى هذا ذهبت محكمة أحداث دهوك بصفتها التميزية تحت العدد 16/ت/2008 في 25/5/2008 بأن نقضت قرار قاضي التحقيق بعدم إطلاق سراح المتهم الحدث بكفالة (1) .لكن إذا كان في توقيف المتهم الحدث ما يبرره من مصلحة للتحقيق أو لضرورة أمنية تهم المجتمع أو المتهم نفسه في هذه الحالة يجب تسبيب قرار التوقيف على أن تقرر المصلحة والضرورة في أضيق نطاق لان في ذلك خروجا عن الأصل ولما للتوقيف من آثار سلبية على الحدث .(2)
ثالثا : يوقف الحدث المتهم بجناية عقوبتها الإعدام إذا كان عمره قد تجاوز الرابعة عشرة وهذا ما نصت عليه المادة (52/ثانيا) من فانون رعاية الأحداث التي تنص على انه ” يوقف الحدث المتهم بجناية عقوبتها الإعدام إذا كان عمره قد تجاوز الرابعة عشرة ‟ وبذلك يكون على القاضي وجوبيا توقيف الحدث إذا ارتكب جناية عقوبتها الإعدام وكان عمره قد تجاوز الرابعة عشرة , في حين إذا كان عمر الحدث لم يتجاوز الرابعة عشرة فان توقيفه مسألة جوازيه يعود تقديرها إلى قاضي التحقيق حسب ما تمليه عليه ضرورات التحقيق التي سبق الإشارة إليها وان كانت الجريمة التي ارتكبها الحدث عقوبتها الإعدام .
إن الأحكام القانونية الواردة في قــــــــــــــــانون رعاية الأحداث تعكس مــــــــــدى رؤية المشرع لحقوق الإنسان والتزامه بالمواثيق الدولية الخاصة بإدارة شـــــــــــــــــــــــؤ ون قضاء الأحداث المتعلقة منها بالتوقيف بشكل خاص .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع العراقي كان قد منع في بعض الجرائم إطلاق سراح المتهم بكفالة سواء في دور التحقيق أو المحاكمة إلا بعد صدور قرار حاسم أو حكم في الدعوى وهذا يعني أنه أصبح توقيـــــــــــــــــــــ ف المتــــــــهم فــــــــي ارتكاب هذه الجــــــــــــــرائم وجـــــــــــــــوبي

(1)-أكرم زاده مصطفى ,شرح قانون رعاية الأحداث , رقم 76 لسنة 1983 المعدل وتطبيقاته العملية , أربيل , 2010 مطبعة شهاب , طبعة الأولى ,ص 149
(2)– أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص221 .
فالجرائـم المنصوص عليها في قرار رقم 8 لسنة 1983 الخاص بالجرائم المنصوص عليها فــــــــي قانون تنظيم التجارة والتي تسري عليها المادتين 135 و136 من قانون العقوبات رقم 111 لســــــنة 1969 منع إخلاء سبيل مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في القرار المذكور بكفالة في مرحلتــــــي التحـــــقيق والمحاكمة كما أن القرار رقم 38 لسنة 1993 يمنع المحاكم سواء أكان في دور التحقيق أم المحاكمة من إطلاق سراح المتهم بجريمة الاختلاس والسرقة والرشــوة حتى صدور قرار حكــم بات فـــــــــي الدعوى كما أن القرار رقم76 لسنة 1994يمنع إطلاق سراح المتهم بجريمـــــــــــــة التهــــــــريب فــــــــي دوري التحقيق والمحاكمة إلا بعد صدور حكم أو قرار حاسم في الدعوى كما أن القرار رقـــــم 157 لسنة 1996 يمنع إطلاق سراح المتهم بجريمة حيازة أو إخفاء أو استعمــــال مركبة متحصلة مــــــــن جناية أو التصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك حتى صدور حكم أو قرار فاصل بالدعوى (1)
ويلاحظ في هذا الصدد أن تلك القرارات لم تفرق في أحكامها بين المتهمين البالغين والأحــــداث وجرت العادة في أغلب الأحيان على تطبيق أحكام تلك القرارات على المتهمين الأحداث رغـــــــــــم تعارضها مع أحكام التوقيف الواردة في قانون رعاية الأحداث والذي هو قانون خاص وأن الخـــاص
يقيــــــــد العام (2) .
ويلاحظ في هذا الصدد أيضا القرار المرقم 38لسنة 1993 والقرار المـــــــــرقم 76لسنة 1996 والقرار المرقم 157 لسنة 1996 لا تطبق في إقليم كوردستان استنادا للقرار المرقم 11 لسنــة 1992 الصادر من البرلمان الكوردستاني ما لم يقرر البرلمان نفاذها في الإقليم .
لذلك نؤيد من ذهب باستثناء الأحداث من الأحكام الخاصة لتلك القرارات وغيرها من القـــــرارات لكونها لا تتلاءم وطبيعة وأسس وأهداف قانون رعاية الأحداث النافذ والأسباب الموجبة لصدوره (3).

(1) الدكتور سعد إبراهيم ألأعظمي , موسوعة مصطلحات القانون الجنائي , دار الشؤون الثقافية العامة , الطبــــــعة الأولى ,بغداد ,2002 , الجزء الثاني , ص248-249 .
(2)- ـجمـــــــــــــــــال محمد مصطفى , شرح قـــــــــانون أصـــول المحاكمات الجـــــــــــزائية , مطبـــعة الزمان ,
بـــــــــــــغداد , 2005 , ص 77 .
(3) – بــــــــــــــــــــــــ ــــراء منـــــــــــــــذر كمال , المصــــــــــــــــــدر السابق ,ص 92 .

ونرى انه يمكــــــن استبعاد أي قرار أو نص قانوني لا يتلاءم وطبيعة قـــــــــــــــانون رعايـــــة
الأحداث في قانون العقوبات أو قانون أصول المحاكمات الجزائية بالاستناد إلى نص المــــادة (108) من قانون رعاية الأحداث التي تنص على انه ” تطبق أحكـــــــــــــــــام قـــانون العـــــــــــــــــقوبات وقانون أصـــــــــــــــــــــول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد به نص في هذا القانون بما يتـــــــــلاءم
وطبيعة أسس وأهداف قانون رعاية الأحداث ‟ والى هذا ذهبـــــت محكمة أحداث كركوك بصــــفتها
التميزية بان صدقت قرار قاضي تحقيق الأحداث في كركوك بإطلاق سراح متهم حدث موقوف وفـق
المادة (444/أولا) من قانون العقوبات , وقد جاء في القرار” أن الأصل في قضاء الأحـــــداث أنه لا يجوز توقيف الحدث في غير الحالات التي نصت عليها المادة (52/أولا) من قانون رعاية الأحـــداث عليه فان قرار قاضي التحقيق بإطلاق سراح المتهم الحدث تقيد بأحكام القانون لضمان سير العــــدالة واحترام حــــــــــــرمة الفر وكرامته وان إطلاق سراحه تطبيقا للفقرة آنفة الذكر يتم بحق بـــــــــدون
طلب من الموقوف بل يلزم القاضي بإطلاق سراح المتهم الحدث بكفــــــالة ‟.(1)

وقد جاء القرار التميزي تطبيقا للقانون ومتوافقا ومنسجما مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بالأحداث والقواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث لعام 1985الجزء الثالث,المقاضاة
والفصل في القضايا وقـــــــــــــــد جاء في قواعد بكـــــــــــين ” لا تفرض قيود على الحــــــــــــرية الشخصية للحدث إلا بعد دراسة دقيقة وتكون مقصورة على أدنى حــــــــــــــد ممكن‟ كما تضمنـــت انــــــــــــــــــه ” لا يفرض الحرمان من الحرية الشخصية إلا إذا أدين الحدث بارتكاب فعل خطــــير يتضمن استخدام العنف ضد شخص آخر أو بالعودة إلى ارتكاب أعمال جرمية خطيــــرة أخــــــــرى وما لم يكن هناك أي إجراء مناسب آخر‟.(2)

(1) – ينظر القرار التميزي 3/ت/2004 في 20/3/2004 الصادر عن محكمة أحداث كــــــــــركوك بصفتهـــــــــــا
التميزية ( غير منشور) .
(2)- غسان خليل , حقوق الطفل , طبع على نفقة وزارة حقوق الإنسان , بغداد , 2005 , ص106 .
المطلب الثاني
حالــــــة المشردين ومنحرفـــي السلوك
التشرد هو نمط من أنماط السلوك الإنساني غير الاجتماعي وان من يسلك هذا النوع مـــــــــن السلوك الاجتماعي تكون إمكانية انحرافه وبالتالي جنوحه وتحوله إلى مجرم معتاد كبيرة.
وتشرد الأحداث من أخطر الأمراض الاجتماعية , لأنه النواة الأولى للإجرام , ومن هــــــؤلاء المشردين يخرج أشد المجرمين خطرا علــــى الهيئة الاجتماعية .
وهو ظاهرة تقع نتيجة عوامل مختلفة متداخلة ومتشابكة تركزت على كاهل الحدث الصــــــغير فقذفت به من بين أحضان والديه بعيدا يهيم على وجهه في الطرقات طريدا مشردا لا مـــــأوى له ولا طعام . وتحتل ظاهرة التشرد بين أنماط جنوح الأحداث منزلة خاصة , وذلك لأن المشردين يشكـلون أكبر نسبة بين الأحداث الجانحين من جهة , والعديد من الجانحين الكبار هم عادة من أولئك الــــــذين بدأو سلوكهم المنحرف في مرحلة مبــــــــــــكرة من أعمارهم من جهة أخرى (1).
وظاهرة التشرد لا يعتبرها البعض ضمن السلوك الجانح ولكن عادة ما يكون مصحوبا بجنـــايات أخرى , وفي معظم القوانين العالمية لا يعتبر التشرد بالأصل جريمة تستوجب العقوبة بل تحتـاج إلى التدابير الوقائية , وان القوانين التي تحكم هؤلاء الأحداث المشردين يجب أن تكون بعيدة كل البــــعد عن الزجر والردع وأن يكون الغرض منها انتزاع الحدث من الوسط الذي سقط فيه والعنايـــــــــة به ورعايته حتى يشب عضوا نافعا في الهيئة الاجتماعية .
لقد نصت المادة (24) من قانون رعاية الأحداث على الحالات التي يعد فيها الصغير أو الحـــدث مشردا وحصرتها في ستة حالات (2) ,كما عالجت فيه المادة (25) من قانون رعاية الأحداث الحالات التــــــــــــــــــــــ ـــــــــي يعد فيــــــــــــــها الصغير أو الحــــــــــــــــــــــ ـــــدث منحرف السلــــوك

(1)- مي فرج الشيخ , جنوح الأحداث في التشريع العراقي والمقارن , رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون /جامعة بغداد , 1970 ,ص116 .
(2)- نصت المادة (24) من قانون رعاية الأحداث على أنه أولا – يعتبر الصغير أو الحدث مشردا إذا أ- وجد متسولا في الأماكن العامة أو تصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو استعمل الغش كوسيلة لكسب عطف الجمهور بقصد التسول .
ب-مارس متجولا صبغ الأحذية أو بيع السكاير أو أية مهنة أخرى تعرضه للجنوح وكان عمره خمسة عشرة سنة
ج – لم يكن له محل إقامة معين أو اتخذ الأماكن العامة مأوى له .»
وحصرتها في ثلاثــــة حالات (1) .
ولم يرتب المشرع العراقي أي أثر على التفرقة التي أقامها بين التشرد ومنحرف الســــلوك لا في الإجراءات التي تتبع مع الحدث ولا في التدابير التي تفرض عليه في الحالتين , ولا نلمـــس فارقا حقيقيا أو حدا فاصلا يمكن بواسطته تحديد دائرة محددة للتشرد وانحراف السلوك .
ويشمل تعبير المشرد أو المنحرف السلوك الوارد في هذا القانون الحدث أو الصغير . حيــــــث أن الصغير هو من لم يتم التاسعة من عمره ذكرا أو أنثى .وبهذا فان الحدث أيا كان عمره وحتـــــــى بلوغه تمام الثامنة عشرة يعتبر بموجب هذا القانون خاضعا لإحكام التشرد الواردة في القانـــــــــــون استثناءا من الأصل العام المقرر للحد الأدنى للمسؤولية الجنائية . مما يعني أن المشرع الـــــــعراقـي لا يرى في التشرد أو انحراف السلوك جريمة , ولا يخضع الحدث المتشرد إلى القواعد العامـــــــــة في المسؤولية الجنائية , وبالتالي فان التدابير المقررة له ليست من قبيل العقوبات وإنما هي تدابــــــير تقويميـة يجب أن يستفيد منها كل حدث تستدعي حالته ذلك.
ومن الجدير بالملاحظة أن المشرع الكوردستاني قد جعل سن الصغير إلى الحادي عشرة مــــن العمر بدلا من التاسعة من العمر بموجب القانون المرقم 14 لسنة2001 .
ولمحكمة الأحداث دور مهم في رعاية المشردين ومنحرفي السلوك وانتشالهم من هاويــــــــــــــة الانحراف الذي يؤدي إلى الجنوح ولها سلطة مطلقة في تقدير الإجراء المناسب للحدث المشرد وفــي كل الأحوال لا تعتبر هذه الإجراءات عقوبات وإنما إجراءات وقائية . ووضع القانون في المــــــــواد (26 و27 و28 ) من قانون رعاية الأحداث نظاما لكيفية التعامل مع المشردين ومنحرفي الــــــسلوك وفي هذا أكد القانون على الناحية الوقائية بالأخذ بمبدأ الاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجـــــنوح . ولقد أعطى القانون دور لشرطة الأحداث في الاكتشاف المبكر في المادة (23) منه اذ تتولى شــرطة

» د- لم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش وليس له ولي أو مرب .
هـ – ترك منزل وليه أو المكان الذي وضع فيه بدون عذر مشروع .
ثانيا : يعتبر الصغير مشردا إذا مارس أية مهنة أو عمل مع غيـــــــــــــــــــــــ ر ذويـــــــــــــــه .
(1)–نصت المادة (25) من قانون رعاية الأحداث على أنه يعتبر الصغير أو الحدث منحرف السلوك إذا :
أولا: قام بأعمال في أماكن الدعارة أو القمار أو شرب الخمور.ثانيا:خالط المشردين أو الذين اشتهر عنهم سوء السلوك
ثالثا : كان مارقا على سلطة وليه .
(2)–صوالح محمد العروسي , التدابير القانونية المقررة للأحداث الجانحين , دراسة مقارنة , رسالة ماجستير, مقدمة إلى كلية القانون / جامعة بغداد , 1984 , ص 119 .
الأحداث البحث عن الصغار الضالين والهاربين من أسرهم والمهملين والكشف عن الأحـــــــــــــداث المعرضين للجنوح في أماكن جذب الأحداث كالمقاهي والمشارب والمراقص ودور السينما فـــــــــي ساعات متأخرة من الليل وكذلك عليها إيصال الصغير أو الحدث عند العثور عليه في الأماكن التــــي تعرضه للجنوح إلى ذويه (1) .
وان النظرة الحديثة لدور الشرطة في مجال الوقاية من الجنوح يتطلب تعميم شرطة الأحـــــــداث وخروج الشرطة من نطاق واجبها التقليدي في القبض على مرتكبي الجرائم إلى نطاق أوسع .ولـــــقد أوجبت المادة (26) من قانون رعاية الأحداث على قاضي التحقيق إذا وجد الصغير أو الحدث فـــــي إحدى الحالات المبينة في المادتين (24 و25) من هذا القانون أن يحيله إلى محكمة الأحداث الـــــــتي تقرر القرار النهائي بعد تسلم تقرير مكتب دراسة الشخصية(2) ولما يقدمه دراسة الشخصية من دور مهم في التطبيق السليم لأحكام القانون فان المواد (12 و13) من قانون رعاية الأحداث قد أوضــحت كيفية تشكيله إذ تنص على انه ” أولا – يؤلف في كل محكمة أحداث مكتب لدراسة الشخصية يرتبــط بمحكمة الأحداث يتكون من:
أ – طبيب مختص أو ممارس في الأمراض العقلية والعصبية أو طبيب أطفال عند الاقتضاء .
ب – اختصاص بالتحليل النفسي أو علم النفس .
ج – عدد من الباحثين الاجتماعين .
ثانيا – يجوز تعزيز المكتب بعدد كمن الاختصاصين في العلوم الجنائية أو العلوم الأخرى ذات الصلة بشؤون الأحــــــــــــــــــداث .
ثالثا – يعين وزير العدل أعضاء المكتب ويكون الطبيب مديرا له .
إذ نصت المادة (13) منه على انه “استثناء من أحكام الفقرة أولا من المادة (12) من هذا القاـــنون يجوز تأليف مكتب دراسة الشخصية من أعضاء متفرغين من بين الأطباء التابعين لوزارة الصــــحة بترشيح من وزيرها ومن الاختصاصين التابعين لوزارة التربية بترشيح من وزيرها أو من الجامـــعة بترشيح من رئيسها يتولون العمل في المكتب بالإضافة إلى وظائفهم ويعينون بأمر من وزير العـــدل
(1)– أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص224
(2)- صوالح محمد العروسي , المصدر السابق , ص100 .
وان تطبيق المادة (26) من قانون رعاية الأحداث بإحالة المشردين ومنحرفي السلوك إلـــــى محكمة الأحداث من قبل قاضي تحقيق الأحداث أو إيصال الصغار أو الأحداث المذكورين في المــادة (23) إلى ذويهم يتطلب بقائهم لدى سلطات التحقيق مدة من الزمن لحين إكمال الإجراءات الخاصـــة بالفحص ودراسة الشخصية فهل يعتبر بقاؤهم توقيفا أم إيداعا أم احتجازا ؟.
لا يمكن اعتبار المشردين ومنحرفي السلوك موقوفين رغم أن العادة جرت في محاكم التـــحقيق على توقيفهم إذ إن التوقيف إجراء من الإجراءات التحقيقية الخاصة بالمتهمين عند اتهامهم بارتكـــاب فعل يعاقب عليه القانون وهذا غير متحقق في أحكام التشرد وانحراف السلوك في المواد (24 , 25 , 26, 27 ) فهي مواد غير عقابية (1) كذلك لا يمكن اعتبار قرار قاضي التحقيق بحقهم إيداعـــــــا لان إيداع الصغير أو الحدث في دور الدولة المخصصة لكل منهما المنصوص عليها في قانون الرعــــاية الاجتماعية أو أية دار اجتماعية معدة لهذا الغرض أمر تختص به محكمة الأحداث بعد أن يحـــــــــال الصغير أو الحدث إذا وجد في الحالات المبينة في المادتين (24 , 25) وتتخذ قرارها النهائي بــــــعد تسلم تقرير مكتب دراسة الشخصية ومن تلك القرارات هو الإيداع , فالإيداع بهذا المعنى هو وضـــع الحدث في مؤسسة تلزمه بالإقامة فيها وإخضاعه لبرنامج يومي محدد تنفيذا لبرنامج تقويمي متكــامل لإصلاحه يوفر له القسط الكافي من التعليم المدرسي والتدريب المهني والتدريب الأخلاقي والرعــاية الصحيـــــــــــــة والنفسيــــــــــــــــــ ة المناسبــــة (2) .
إن القرار الذي يتخذه قاضي التحقيق بحق الصغار والأحداث المشردين ومنحرفي الســـــــلوك وأطفال الشوارع هو احتجاز احتياطي الغاية منه التحفظ عليهم وحمايتهم لحين البحث بأمرهم من قبل محكمة الأحداث وهو إجراء له طابع وقائي واجتماعي لحين عرض الأمر على محكمة الأحداث التي تصدر قرارها النهائي بعد تسلم تقرير مكتب دراسة الشخصية وفقا للمادة (26) من هذا القانون(3).

(1) – تنظر : القرارات التميزية 67/ت/2004 في 22/11/2004 و 37/ت/2004 فـــــــــــــــــــــي 27/7/2004 و 38/ت/2004 في 27/7/2004 والصادرة عن محكمة أحداث نينوى بصفتها التميزية (غير منشور) .
(2) – زينب أحمد عوين , قضاء الأحداث , رسالة دكتوراه , مقدمة إلـى كلية الحقوق , جامعة النهرين , عام 2003,
ص 223
(3) – أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص225 .
المبحث الثالث
مدة التوقيف ومكانه
يجب أن لا تقيـــــــــــــــد الحريــــة الشخصيـــــة للحدث إلى أمـــــــد غير محــــــدد بل يجب أن تكون هناك مــــــــــدة محددة للتوقيف وان لا يخالط الحدث عند توقيفه مع البالغين بــــل يجب أن يكون هناك مكان مخصص لتوقيف الأحداث فيه (1) . ويقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول فـــــــــي المطلب الأول مدة التوقيف وفي المطلب الثاني مكان التوقيف .

المطلب الأول
مدة التوقيـف
سوف نتنـــــــــــــــــــــا ول فــــي هـذا الموضـــــــــوع تحــــــــــديد مـدة التوقيـــــــــف وكيفية تنزيـــــل المدة من التدابيــــــــــــــــــ ــــــر .
أولا – تحديد المدة
إن قانون رعاية الأحداث النافذ لم يتطرق إلى تحديد مدة للتوقيف وحيث انه أشار في المــــــــادة (108) منه إلى “تطبيق أحكام قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يـــــــرد به نص في هذا القانون بما يتلاءم وطبيعة أسس وأهداف قانون رعاية الأحداث “. وهذا يعني الرجـــوع إلى القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات الجزائية في كل ما لم يرد به نص خاص في قانــــون رعاية الأحداث إذ نصت المادة (109/أ ) على انه ” إذا كان الشخص المقبوض عليه متهما بجريمــة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو بالسجن المؤقت أو المؤبد فللقاضي أن يأمـــــــر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوما كــــــــــــــــــــــــ ــل مرة أو يقــــــــــــــــــرر إطـــــــلاق سراحه بتعهد مقرون بكفــــــــــــــــــــال ة شخص ضامن أو بــــــــــــدونها بان يحضــــــــــــــــــــــ ر متى طلب منه ذلك إذا وجد القاضي أن إطلاق ســــــــــــــــراح المتهم لا يؤدي إلــــــــــــــى هروبه

(1) – أحمد محمد الحريثي , المصدر نفسه , ص227 .
ولا يضر بسير التحقيـــــــــــــق ” . وجاء في الفقرة (ج) من المادة المذكورة انه “لا يجوز أن يزيـــد مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ولا تزيد بأية حال على ستة أشهر وإذا اقتضـــى الحال تمديد التوقيف أكثر من ستة أشهر فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايـــات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة أو تقرر إطلاق سراحــــــــه بكفالة أو بـــــــــــــــــدونها مع مراعاة الفقرة (ب) “.
وجاء في الفقرة (ب) من المادة المذكورة انه” يجب توقيف المقبوض عليه إذا كان المــــــــــتهم بجريمة معاقب عليها بالإعدام وتمديد توقيفه كلما اقتضت ذلك ضرورة التحقيق مع مراعاة المـــــــدة المنصوص عليها في الفقرة (أ) حتى يصدر قرار فاصل بشأنه من قاضي التحقيق أو المحكمـــــــــــة الجزائية بعد إنهاء التحقيق الابتدائي أو القضائي أو المحاكمة “.
نجد أن القانون أخذ بالتمديد الدوري لمدة لا تتجاوز (15) يوما في كل مرة كما عين حدا أقصى ينتهي عنده التوقيف إذ لا يزيد بأية حال على ستة أشهر . أما إذا اقتضى الأمر تمديد التوقيف أكـــــثر من ذلك فعلى قاضي التحقيق عرض الأمر على محكمة الأحداث بالنسبة للأحداث لتأذن له بتمــــــديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة أو تقرر إطلاق سراحه بكفالـــــة أو بدونها ع مراعاة الفقرة (ب) من المادة (109) فيما يتعلق بعدم تجاوز مدة التوقيف خمسة عشرة يوما كل مرة , وعليه فإذا كانت العقوبة حدها الأقصى ثلاث سنوات (36 شهرا) فربعها تسعة أشهر فـــفي هذه الحالة يجب أن لا تتجاوز مدة التوقيف هذه على تسعة أشهر وإذا كان الحد الأقصى للعقوـــــــــبة سنتين (24 شهر) فربعها ستة أشهر ففي هذه الحالة لا تتجاوز مدة التوقيف عن ستة أشهر وهكـــــــذا أما الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فلا يجوز إطلاق السراح فيها بكفالة وهي مستثناة من مـــدة الستة أشهر لان عقوبة الإعدام لا يمكن تجزئتها لذلك يستمر التوقيف حسب مقتضيات التحقيق حتى يصـدر قرار بإحالة المتهم على المحكمة أو الإفراج عنه أو بصدور أي قرار فاصل في الدعوى .
نجد أن في الواقـــــــع العملي بعض قضاة التحقيق لا يقومون بعرض الأمر للحصول علــــــــى الإذن بالتمديد علـــــــــى الرغم من انتهـــــــــــــاء مدة التوقيف البالغة ستة أشهر فيما إذا كــــــــــيف الواقعة وفق مادة عقابيــــــــة عقوبتها الإعدام وأن هذا الاتجاه غــــــــــــــــــير صحيـــــح لأنــه وان كانت المادة العقابية عقوبتها الإعدام ولا يجوز إطــــــــــــلاق سراح المتهم فيها بكفالة لكـــــــــــــــن هـذا لا يعني أن الأدلة تكفي للإدانة والحكم بالعقوبة هذا من جهـة ومن جهة أخـرى سوف يترتـــــــب عليه عدم متابعة القاضي للإسراع في تنفيذ القرارات وانجاز التحقيق في أســــــرع وقــــــــــــت لان علم القاضي المسبق في وضع مادة التوقيف يجعله يتوانى هو والمحقق في إعطاء القضية الأهمـــــية
المطلوبة وإكمال التحقيــق بالسرعـــــــــــــــــــ ة والدقة المرجوة مما يصيــــــــــــــب الموقــــــــوف بالحيــــــــف والظــــــــــــــــــلم (1).
ونرى انه يجب عرض الأمر بالتمديد في كل مرة على محكمة الأحـــــــداث لاستحصال الإذن بالتمديد مهما كانت المادة العقابية المحددة للموقوف في مذكرة التوقيف وعلى هذا ذهبت محكمــــــــة أحداث نينوى بصفتها التميزية في قرارات عديدة (2). وانسجاما مع طبيعة وأسس قانون رعايــــــــــة الأحداث والاتجاهات الحديثة في قضاء الأحداث التــــــــــــــــــــــ ي حرص المشرع العراقــــــــــــي على مواكبتهـــــــــــــــا ونؤيد الرأي الذي يذهـــــــــــــــب إلى تقليـــــــــــــــــــــ ــص مدة التوقيـــف للأحــــــــــــــداث (3).
ونقترح أن تكون مدة التوقيف في كل مرة بالنسبة للأحداث سبعة أيام على أن لا تتـجاوز (30) يوما في الجنح و (45) يوما في الجنايات مع جواز تمديد هذه المدة بعد استئذان محكمة الأحداث كلما اقتضت ضرورات التحقيق ذلك على أن يكون قرار المحكمة مسببا تسبيبا واقعيا , ضمــــــانا لحقوق المتهم الحدث ولما لتوقيف من آثار سلبية في نفسية الأحداث والصبيان منهم بشكل خاص وانسجامـــا مع المعاير الدولية التــــــــــــــــي أقرتهـــــا الأمم المتحدة .
ولقد جاء في الفقرة (ب) من المادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل (1979- 1989) “ألا يحــــرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتـــــــجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة”.
وأكدت هذا المبدأ الأمم المتحدة في قواعد بكين (4), إذ جاء فيها أن “لا تفرض قيود على الحرية الشخصية للحدث إلا بعـــــــــــــــــد دراسة دقيـــــــــــقة وتكون مقصورة على أدنى حــــــد ممكن “.

(1) – أحمد محمد الحريثي , المصدر نفسه , ص 227 .
(2) – ينظر القرارات التميزية المرقمة 3/ت/2003 في 15 /1/2003 الصادر عن محكمة أحداث نينوى بصفتــــــها التميزية المتضمن “منح الإذن لقاضي التحقيق بتمديد الموقوفية لمدة شهر ونصف على أن ينجز التحقيق خلال هـــــذه المدة وفي حالة عــــدم انجازه عرض أوراق المتهم مجددا مع بيان أسباب عدم التحقيق” . بنفس المعنى القــــــرارات 35/ت/2005فــــي 18/12/2055 و23/ت/2003 فـــــي 29/3/2003 الصادرة عن محكمة أحداث نينوى بصفتــها التميزية (غيـــــر منشور ) .
(3)- أحمد محمد الحريثي ,المصدر السابق ,ص227 .
(4)- الفقرة (4/ج) من الجزء (3) من القواعد النموذجية الدنيا( قواعد بكيــــــــــــــــــن) (1985) .
ثانيا – تنزيل مدة التوقيف من التدبير
لقد أخذ المشرع العراقي بفكرة تنزيل مدة التوقيف من العقوبة أو التدبير السالب للحرية الصادرة بحق المتهم إذ نصت المادة (295) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه “تنزيل مـــــــــــدة التوقيف من العقوبة أو التدبير السالب للحرية الصادرة على المحكوم عليه في نفس الجريمـــــــة وإذا تعددت العقوبات في نفس الدعوى فتنزل من العقوبة الأخف “.
وقد أثار موضوع تنزيل مدة التوقيف من العقوبة تساؤلات ومشاكل عملية كثيرة لعل أهمــــــــها :

1 – هل تنزل المدة التي يقضيها المتهم مقبوضا عليه قبل صدور قرار مــــن جهة مختصة بتوقيفه من العقوبة أو التدبير السالب للحرية ؟
بالرجوع إلى نص المادة(295) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لم يذكر فيها مدة القـــبض لتنزيلها من العقوبة ولكن بالرجوع إلى نص المادتين (281 و284 ) من القانون ذاته نجـــــــــــد أن المشرع العراقي أخذ بمبدأ تنزيل مدة القبض أو التوقيف إذ نصت المادة (281) على أنه “علـــــــــى المحكمة عندما تصدر حكما بعقوبة أو تدبير سالب للحرية أن يرسل المحكوم عليه إلى المؤســـسة أو السجن ومعه مذكرة الحجز أو السجن يتضمنه . . .والمدة التي قضاها المحكوم عليه مقبوضا عليه أو موقوفـــــــــا”.(1)
كما نصت المادة (284)على انه “يخلى سبيل المتهم الموقوف إذا كان الحكم صادرا بالبـراءة أو الصلح أو . . .أو إذا كان قد قضى في القبض والتوقيف مدة العقوبة المحكوم بها”.
ولتشابه التدابير السالبة للحرية المقررة للأحداث مع التدابير السالبة للحرية المقررة في قاــــنون العقوبات رغم اختلافها في بعض الجوانب . ونؤيد من ذهب إلى تطبيق هذه القاعدة العامة علـــــــــى المتهمين الأحداث رغم أن هناك من ذهب بعدم جواز تنزيل مدة التوقيف من مدة إيداع الحدث فـــــي الإصلاحية على أساس أن تلك المدة التي يقضيها المتهم الحدث في الإصلاحية وسيلة من وسائـــــــل التهذيب القصد منها , ولا تنطوي على مفهوم العقوبة (2).

(1) – فؤاد علـــــــــــي سليمان , المصدر السابق , ص 206 .
(2( – فاضـــــــــل زيدان محمد , العقوبات السالبة للحرية , رسالة ماجستيـــــــــــــــر مقدمة إلى كلية القانون / جامعـــــــــة بغـــــــــــــــداد/1978 , ص 393 .
2 – كيفية تنزيل مدة التوقيف عند تعدد التدابير:
إن موضوع تنزيل مدة التوقيف عند تعدد التدابير والأمر بتنفيذ التدبير الأشد يثير مشكلة فــــي بعض الأحيان بالنسبة للأحداث , فكيف يتم تنزيل مدة القبض والتوقيف؟ حيث لا يوجد نص فـــــــــي قانون رعاية الأحداث يعالج هذا الموضوع وذلك لان المادة (67) من قانون رعاية الأحــــداث تنص على انه ” إذا اتهم حدث بارتكاب أكثر من جريمة يضمها باب واحد من فانون العقوبات جــــــــازت محاكمته بدعوى واحدة والحكم عليه بالتدبير المقرر لكل جريمة والأمر بتنفيذ الأشد دون سواه “.ولما كانت المادة (108) من قانون رعاية الأحداث أشارت إلى تطبيق أحكام قانون العقوبات وفانـــــــــون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد به نص …” وهذا يعني الرجوع إلى القواعد العامة في قانـون أصول المحاكمات الجزائية إذ تنص المادة (295) على انه “تنزل مدة التوقيف من مدة العقـــــوبة أو التدابير السالبة للحرية الصادرة على المحكوم عليه في نفس الجريمة وإذا تعددت العقوبات فـــي نفس الدعوى فتنزل من العقوبة الأخف “. وهذا يعني انه سوف ينفذ بحق الحدث التدبير الأشــــد وان تنزل مدة التوقيف من التدبير الأخف لن يكون له معنى ولا يستقيم مع المنطق القانوني وليس فيه مصــلحة للمتهم الحدث لذلك فان محكمة التميز الاتحادية قد اتجهت في هـــــــــــــــــــــــذ ا الموضــــــــوع إلى
اجتهادات مختــــــــــــــــــــــ لفة منهـــــــــــــــا :
أ- تنزيل مدة الموقوفية من التدبير الأخف
أصدرت محاكم الأحداث قرارات ذهبت فيها إلى تنزيل مدة التوقيف من التدبير الأخف عند تعدد
التدابير والأمر بتنفيذ التدبير الأشد , وقد عرضت تلك القرارات على محكمة التميــــــــــــــــــــ ــــــز
وصادقــــــــــــــــــــ ــــــــــت عليهـــــــــــــــــــــ ـــا (1).
ب –تنزيل مدة التوقيف من التدبير الأشد
أصدرت محاكم الأحداث قرارات ذهبت فيها إلى تنزيل مدة التوقيف من التدبير الأشد عند تعدد التدابير والأمر بتنفيذ الأشد وقد عرضت تلك القرارات على محكمة التميز الاتحادية وصادقت عليها2
(1)- ينظر القرار التميزي المرقم 20/أحداث/ 2003(غير منشور)الصادرة من محكمة التميز الاتحادية وبموجبه صدق قرار محكمة أحداث نينوى في الدعوى المرقمة 136/ج/2002في 23/9/2002 , القرار التميزي المرقم 182/أحداث 2003في 30 /10 2003 (غير منشور) الصادرة من محكمة التميز الاتحادية والذي بموجبه صدق قرار محكمة أحداث نينوى في الدعوى المرقمة 20 /ج/ 2003 في 15/3/2003 .
(2) – ينظر القرار التميزي المرقم 706/أحداث /2005 في 20 /11/2005 (غير منشور ) الصادرة من محكمة تميز الاتحادية وبموجبه صدق قرار محكمة أحــــــــــــــــــــــد اث نينوى فــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــي الدعوى المرقمة 25 /ج/2005 في 29/12/2005 .
ومن الاطلاع على تلك القرارات والاتجاهات التي ذهبت إليها محكمة التميز, فإننا نؤيد الاتــجاه
الثاني باحتساب مدة التوقيف وتنزيلهــــــــــــــــــ ــــا من التدبير الأشد عـنــــــد تعــــــدد التدابيــــــــر والأمر بتنفيذ الأشد , حيث أن تنزيل مدة التوقيف وتنزيلها من التدبير الأخف لا يتفق مع المنطـــــــق القانوني ولا يتلاءم مع طبيعة قانون رعاية الأحداث وليس فيه مصلحة للحدث , عليه يكون الاتجــــاه الثاني أقرب للعدالة وانه راعى التفسير المنطقي للقانون (1).
المطلب الثاني
مكان التوقيف
اتجهت غالبية التشريعات إلى تخصيص مكان لتوقيف الأحداث بعيدا عن الموقف الخــــــــــاص بالبالغين , وهذا المبدأ أقرته كل المؤتمرات الدولية مثل المؤتمر الأول للأمم المتحدة لمكافحـــــــــــة الجريمة ومعاملة المدنيين في جنيف 1955 وغيـــــــــــره من المؤتمرات (2) .فمصلحة الحــــــــدث
تقتضي توقيفه في مكان خاص يحظر فيه الاختلاط بالمتهمين الكبار في ذلك الموقف وخارجه , لـذا نرى أكثر الحكومات تنشئ أماكن خاصة يودع فيها الأحداث الجانحين ليكونوا في مأمن من خطـــــر احتكاكهم بالمجرمين الراشدين أو المعتادين , ذلك الخطر الذي ينطوي على تقوية ميولـــــــــــــــــهم الفاسدة , وتشجيعهم أحيانا على الإمعان في الإجرام(3) .
وعلى هذا نصت المادة (52/ثالثا) من قانون رعاية الأحداث إذ جاء فيها “ينفذ قرار توقيـــــــف
الحدث في دار الملاحظـــــــــة , أما في الأماكن النائية التي لا يوجد فيها دار ملاحظة فتتخذ التدابـير اللازمة لمنع اختلاط الحدث مع الموقوفين بالغي سن الرشد”.
وعلى هذا ذهبت محكمة أحداث نينوى إلى نقض قرار الإحالة الصادر من إحدى محاكــــــــــــم التحقيق لعدم إيداع الحدث في دار الملاحظة (4)
(1) – أحمد محمد الحريثي , المصدر السابق , ص234 .
(2) – براء منذر كمال , المصدر السابق , ص 98 .
(3) – مي فرج الشيخ , المصدر السابق , 79 .
(4) – ينظر : القرار التميزي المرقم 18 / ت / 2007 في 19 / 3 / 2007 الصادر عن محكمة أحداث نينوى بصفتها التميزيــــــــــــــة (غيـــــــــــر منشور ) .

ولكن بعيـــــــــدا عن النصوص القانونية نجـــــــــــــــــد في الواقع العملي يظهر في كثير مــــن الأحيان عكس ذلك حيث يتم توقيف الأحداث في مراكز الشرطة مـــــــــــــــع المتهمين البالغيــــــــن
قبل إيداعهم في دور الملاحظة الأمر الذي يسهم في خلق العقلية الإجرامية للحدث لمخالطـــــــــــــته المجرمين البالغين وندعو قضاة التحقيق وأعضاء الادعاء العام للقيام بزيارات دورية لرصـــــــــــــد التجاوزات ومعالجتها , فضلا على أن تلك الدور ليست بالمستوى المطلوب ولم تراع المعايــــــــــير الدولية في أحسنها وغالبا ما يودع الموقوفين في قاعات دون الفصل على أساس الفئات العمريــــة أو نوع الجــــــــــــرائم , وتعاني من نقص في المستلزمات والتقنيات الحديثة وكذلك من المختصيـــــــن فــــــي البحث الاجتماعــــــــــــــي .
وتجــــــــــــــدر الإشارة إلى انه من المبررات المهمة التي دعت الأمم المتــحدة إلى إقـــــــرار قواعد حماية الأحداث المجردين من حريتهــــــــــــــــــــ م (1) هو عدم تفريق عدد كبير مـن الأنظمــة القانونية بين البالغين والأحداث في المراحل المختلفة لتطبيق نظام القضاء , مما يؤدي إلى احتجــــاز الأحداث في سجون ومرافق ع البالغين , هذا ولذا فقد نصت اتفاقية حقوق الطفل “على ضـــــــرورة فصل كل طفل محروم مــــــــــــــــــــن حريته عـــــــــن البالغين ما لم تكن مصلحة الطفـــــــــــــــل تقتضــــــــــــــــــــي خـــــــــــــــــلاف ذلك”(2).

(1) – قواعـــــــــــــــــــــ د حمايـــــــــــــــة الأحداث المجردين مـــــــــــــــن حريتهم , 1990 .
(2) – اتفاقيـــــــــــــــــة حقـــــــــــــــــــــوق الطفــــــــــــل المـــــــــــــادة (72/ج) .
الخاتمـــــة
من هذا العرض لنصوص قانون رعاية الأحداث وقانون أصول المحاكمات الجزائية , والقواعد الدولية المهمة المتعلقة بالتوقيف وتجريد الأحداث من حرياتهم ومــــــــــــــــــــن واقـــــع قضـــــــاء الأحداث واتجاهاته والمبادئ القانونية التي تضمنتها القرارات التميزية التي عرضناها . خلــــــــــص البحث إلى جملـــــــــــــــــة من النتائج والمقترحـــــــــــــــات :
أولا- النتائج:
1 – أظهر البحث أن قانون رعاية الأحداث بالأسس التي استند إليها والنصوص التي تضمنتها جـــاء متطورا ومواكبا للسياسات الجنائية الحديثة في مراعاة المصالح الفضلى للطفل والقواعد النموذجــــية الدنيا التي تبنتها الأمم المتحدة في إدارة شؤون قضاء الأحداث , والمبادئ الخاصة منها بالتوقــــــيف والاحتجاز , إذ إن الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان ومن بينها اتفاقية حقوق الطفل أصبح من مؤشرات التقدم الحاصل في التنمية البشرية لكل مجتمع . ومن خلال استقراء واقع قضاء الأحداث , يبدو انـــه لم يرق إلى مستوى أهداف المشرع , إذ ما زالت كثير من المحاكم تفسر نصوص القانون انطلاقا من القواعد العامة دون النظر إلى الطبيعة الخاصة لقانون رعاية الأحداث وإطاره الإنساني , وذلك لعـدم تخصص العاملين في قضاء الأحداث من جهة ولعدم توفر الإمكانيات وتهيئة دور ملاحظــــــة ودور لتأهيل الأحداث كافية لتحقيق السياسة الجنائية للمشرع العراقي التي تبدأ من الاكتشاف المبكر إلــــى الوقاية ومن ثم الإدماج وإعادة التأهيل .
2 – سكت قانون رعاية الأحداث عن تحديد مدة التوقيف وتمديدها في كل مرة أو بيان حدها الأقصـى وكيفية احتسابها وتنزيلها من مدة التدبير المحكوم به للحدث , وقد أحالت المادة (108) منه إلى أحكام قانون العقوبات وأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد به نص بما يتلاءم وطبيـــــــعة قانون رعاية الأحداث , وبالرجوع إلى الأحكام العامة نجد أن بعض تلك الأحكام الواردة في قانــــون أصول المحاكمات الجزائية والمتعلقة بالتوقيف لا تتلاءم مع طبيعة قانون رعاية الأحداث , من ناحية مدة التوقيف وتمديدها في كل مرة وحدها الأقصى وكيفية احتسابها وتنزيلها من مدة التدبير المحكــوم به ولا سيما عند تعدد التدابير والأمر بتنفيذ الأشد , الأمر الذي أثار بعض المشاكل العملية , التــــــي تباينت في ضوئها التطبيقات القضائية , فبعض المحاكم اتجهت إلى تنزيل مدة الموقوفية من التدبيـــر الأخف ومنها ما اتجه إلى تنزيلها من التدبير الأشد , وقد أيدنا الاتجاه الثاني لكونه أقرب إلى المـنطق القانوني وفيه مصلحة الحدث , إذ لا قيمة قانونية لتنزيل مدة التوقيف من التدبير الأخف , وهـــــو أن ينفذ بحق المتهم عند تعدد التدابير والأمر بتنفيذ الأشد .
ثانيا – المقترحات :
1 – ندعو المشرع العراقي إلى معالجة موضوع توقيف الحدث بكل تفاصيله من ناحية المدة وحــدها الأقصى وكيفية احتسابها وتنزيلها من مدة التدبير عند تعدد التدابير , نقترح أن يكون بنصـــــــــوص قانونية في قانون رعاية الأحداث , تتضمن تمديد مدة التوقيف سبعة أيام مع جواز تمديدها في كــــــل مرة على أن لا تتجاوز (30) يوما في الجنح و(45) يوما في الجنايات مع جواز تمديدها أكثر مـــــن ذلك بعد استئذان محكمة الأحداث , كلما اقتضت ضرورات التحقيق ذلك , وأن يكون قرارها مسببـــا وأن ينص على تنزيل المدة التي يقضيها المتهم الحدث مقبوضا عليه أو موقوفا من مدة التدبير الـــذي تأمر بتنفيذه المحكمة عند تعدد التدابير في الدعوى الواحدة , وأن يحدد طبيعة الإجراءات المتــــــخذة بحق المشردين ومنحرفي السلوك من الصغار والأحداث عند القبض عليهم .
2 – نقترح أن يبادر مجلس القضاء إلى إعداد خطة مستقبلية للتخصص في مجال قضاء الأحــــــداث وتأهيل العاملين فيه من قضاة وأعضاء في المحكمة وباحثين اجتماعيين ومراقبي سلوك وشرطـــــــة تأهيلا علميا من خلال إشراكهم في دورات تطويرية متخصصة في إدارة شؤون قضاء الأحداث فــي المعهد القضائي , ولا سيما أن موضوع تخصص العاملين في مجال قضاء الأحداث كان مثار بحــث ومناقشات حثيثة على مستوى المؤتمرات الدولية, وتعالت الأصوات من قبل الأمـــــــــــــــــــــ ـــــــم المتحدة , والمختصين في قضايا الأحداث داعين إلى ضرورة التخصص , لكي يكون الجهاز قـــادرا على القيام بمسؤولياته وتحقيق أهداف المشرع .
3 – نرى ضرورة أن يبادر مجلس القضاء إلى إصدار تعميم على قضاة التحقيق ويحثهم علـــــــــــى استبعاد النصوص القانونية والقرارات الاستثنائية التي لا تتلاءم مع أسس قانون رعاية الأحــداث ولا سيما المتعلقة بالتوقيف وعدم تطبيقها على الأحداث عملا بنص المادة (108) من قانون رعايــــــــــة الأحداث . وأن لا تقيد سلطة قاضي التحقيق بإطلاق سراح المتهم الحــــــــــــــــدث بكفالة إلا وفقــــا لقانون رعاية الأحداث .
4 – ندعو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى تهيئة دور لملاحظة الأحداث وفقا للمعايير الدوليــة وأن تتوافر في تلك الدور كل المستلزمات الضرورية والتقنيات الحديثة وأن يتم تقسيمها حسب الفئات العمرية للأحداث وخطورة الجرائم وأن يكون الإشراف عليها من قبل كادر متخصص وكاف للقيـــام بمسؤولياته وفق ما حدده القــــــــــــــــــــــ ـانون .
ونسجل في نهاية هذا البحث تلك العبارات القيمة الصادقة التي جاءت على لسان العلامـــــــــــة عبدا لرحمن البيساني (( لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ولــــو زيد هذا لكان يستحسن ,ولو قدم هذا لكان أفضل , ولو ترك هذا لكان أجمل , وهذا من أعظم العــــبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر )) والله ولي التوفيق
المصــــــادر
أولا – الكتب :
1 – القرآن الكريم .
2 – أكرم زاده مصطفى , شرح قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل وتطبيــــــــــقاته العملية , الطبعة الأولى , مطبعة شهاب , أربيل ,2010 .
3 – الدكتور سعد إبراهيم ألأعظمي , موسوعة مصطلحات القانون الجنائي , الطبـــــــــــــــــــــ ـــعة الأولى , بغداد ,2002 , الجزء الثاني , دار الشؤون الثقافية العامة .
4 – جمال محمد مصطفى ,شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية , مطبــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــعة الزمان , بغداد .2005.
5 – سعيد حسب الله عبدا لله , شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية , دار ابن الأثير للطباعة والنشر , 2005 , الموصل .
6– عبدا لأمير العكيلي والدكتور سليم حربة , شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية , الجـــــــــزء الأول ,المكتبة القانونية , بغداد ,1998 .
7 – عبود صالح التميمي , التحقيق الجنائـــــــــــــــي العملي , الطبعة الأولـــــــــــــــــى , 2006 .
8 – غسان خليل , حقوق الطفل , طبع على نفقة وزارة حقوق الإنسان ,بــــــــــــــــــغداد , 2005 .
9 – د. مصطفى إبراهيم الزلمي , حق الحرية في القرآن الكريم , الطبعة الرابعة ,أربـــيل ,2012 .

ثانيا – الرسائل الجامعية :
10 – براء منذر كمال , السياسة الجنائية في قانون رعاية الأحداث , دراسة مقارنة , رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون , جامعة بغــــــــــــــــداد , 2000 .
11 – زينب أحمد عويـــــن , قضاء الأحداث , رسالة دكتوراه , مقدمة الى كلية القانون , جامعــــــة
النهريـــــــــــــــــن , 2003 .
12 – صوالح محمد العروسي , التدابير القانونية المقررة للأحداث الجانحين , دراسة مقارنة ,رسالة
ماجستير مقدمة الى كلية القانون , جامعة بغداد , 1984 .
13 – فاضل زيدان محمد , العقوبات السالبة للحرية , رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون ,
جامعة بغـــــــــــــــــــــــ ــداد , 1978 .
14 – فؤاد علي سليمان , توقيف المتهم في التشريع العراقي , رسالة ماجستير مقدمة الى كلية
القانون , حامعة بغـــــــــــــــــــــــ ــــداد , 1981 .
15 – مي فرج الشيخ , جنوح الأحداث في التشريع العراقي والمقارن , رسالة ماجستير مقدمة
الى كلية القانون , جامعة بغــــــــــــــداد 1970 .
ثالثا – البحوث :
16 – أحمد محمد علي الحريثي , ضمانات توقيف الحدث في التشريع العراقي , بحث منشور في
مجلة الرافدين للحقوق , جامعة الموصل , عدد 29 , 2006 .
17 – الذهبي العباسي , الايقاف التحفظي وانعكاساته على الحرية العامة , بحث منشور في مجلة
القضاء والتشريع , تونس , عدد 6 , س 19 , 1977 .
18 – عيسى عبدالله عيسى , ضمانات الحرية الشخصية في توقيف المتهم , بحث منشور في مجلة
الحقوقـــــــــــــــــــ ـــــــي , عدد ,1 , 2001 .
رابعا – القوانين :
19 – قانون أصول المحاكمات الجزائيــــــــــــــــــ ـــــــــــــة رقم (23) لسنة 1971 .
20 – قانون رعايـــــــــــــــــــــ ـــــة الأحـــــــــــــــــــــ ــــــداث رقم (76) لسنة 1983 .
خامسا – المواثيق الدولية :
21 – اتفاقيـــــــــــــــــــ ــــــة حقوق الطفـــــــــــــــــــــ ـــــــل , (1979 – 1989 ) .
22 – القواعــــــــد النموذجية الدنيا (قــــــــــــــــــواعد بكين ) ,1985 .
23 – قواعد حماية الأحداث المجردين مـــــــــــــــــن حرياتهم , 1990 .
سادسا – القرارات القضائية :
24 – مجموعة قرارات غير منشورة صادرة عن محاكم التميــــــــــــــــــز الاتحادية .
25 – مجموعة قرارات غير منشورة صادرة عن محاكم الأحداث بصفتها التميزيــــة .

فهرست البحث
الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 6
المبحث الأول / التوقيف ومبرراته والجهة المخولة به 8
المطلب الأول / تعريف التوقيــف 8
المطلب الثاني/ مبررات التوقيف 9
المطلب الثالث/الجهات المخولة سلطة التوقيف 12
المبحث الثاني /حالات التوقيف 15
المطلب الأول /حالات توقيف الحدث جوازا ووجوبا 16
المطلب الثاني/حالة المشردين ومنحرفي السلوك 21
المبحث الثالث / مدة التوقيف ومكانه 25
المطلب الأول /مدة التوقيف 25
المطلب الثاني/ مكان التوقيف 30
الخاتمـــــــــــــــة 32
المصـــــــــــادر 35

إغلاق