دراسات قانونية
تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات الشرعية السعودي (بحث قانوني)
بحث مميز حول تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات الشرعية السعودي
تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات / فــــؤاد بن مــــحــــمــــد الــــمــــاجـــــد
مقدمة
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على رسولنا محمد وآله وصحبه أما بعد : فـلا يـخفى أن الشريعة الإسلامية قد أمرت بأداء الحقوق إلى أصحابها قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) ( ) .
والأصل في أداء الأمانات والحقوق أن يكون اختيارياً كما في قول النبي صلى الله عليه وسلـم : (( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )) ( ) , إلا أن هذا الأداء يـكون جبرياً عند الامتناع عنه بعد صدور الحكم القضائي به ؛ إذ (( لا ينفع تكلـم بحق لا نفاذ له )) ( ) كما جاء في خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما .
وانطلاقاً من ذلك وحيث إن التنفيذ الجبري هو ثمرة الحكم القضائي فإن المملكة العربية السعودية حينما أصدرت نظام المرافعات الشرعية في عام 1421هـ ولوائحه التنفيذية في عام 1423هـ أفردت الباب الثاني عشر منه للحجز والتنفيذ , وقد احتوى هذا الباب على خمسة فصول تشتمل على (37) سبع وثلاثين مادة نظامية و (109) مائة وتسع من مواد اللائحة .
كما أن مشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الموحد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي قرر مجلس الوزراء السعودي في بداية عام 1424هـ تطبيقـه كنظام استرشادي لمدة أربع سنوات قد تم تخصيص قرابة نصف صحائفه للتنفيذ .
ولأن هذين النظامين لا يتعارضان مع الكتاب والسنة وإصدارهما من باب السياسة الشرعية القائمـة على المصلحة لذا فإن المحاكم الشرعية في المملكة العربيـة السعودية تسير على نظام المرافعات الشرعية السعودية وتسترشد بمشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الخليجي .
هذا ومع كثرة الشواغل القضائية والإدارية والشخصية ومع ضعف الهمة إلا أني قـمــت بـإعـداد هــذا البحث استجابةً لدعوة كريمة من فضيلة الشيخ/ إبراهيم ابن عبدالعزيز البشر رئيس اللجنة العلمية بوزارة العدل صدرت لي برقم 64061/26 في 30/7/1426هـ وذلك للمشاركة في الندوة العدلية القضائية المقامة بالمنطقة الشرقية خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 18 , 19 /11/1426هـ الموافــق 20, 21/12/2005م . وأصل هــذا الــبــحــث جزء من رسالة الدكتوراه التي بعنوان ( حضور الخصوم وغيابهم بين الفقه الإسلامي والنظم الوضعية ) المقدمة لقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , ولكني اختصرت هذا الجزء كثيراً بناءً على طلب اللجنة العملية بالوزارة حتى يتناسب مع وضع الندوة المذكورة وأجريت عليه تعديلات كثيرة وزيادة وحذف وأضفت عليه الإشارة إلى اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية حيث لم تكن قد صدرت وقت إعدادي الرسالة .
ولإثراء البحث فقد أشرت فيه إلى عدد من الأنظمة ( القوانين ) السعودية والخليجية والعربية المتعلقة بالمرافعات المدنية والتجارية والأحوال الشخصية وقد جعلت مسك الختام لكل مسألة بيان موقف الشريعة الإسلامية منها ؛ لأن المقصود هو الحكم وفق ما شرعه الله تعالى في كتابه وشرعه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته وما يرجع إليهما ويستنبط منهما من مقاصد وقواعد وضوابط , وفي حالة وجود شيء من الأنظمة والقوانين الوضعية يخالف الشريعة الإسلامية فإنه يُنبذ ويُطرح ويُستبدل بما يتفق معها .
وقد قسمت هذا البحث
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد وبابين أما التمهيد فهو في تعريف التنفيذ وحكمه وأما البابان فبيانهما فيما يلي :
الباب الأول : شروط التنفيذ .
ويشمل أربعة فصول :
الفصل الأول : السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه .
الفصل الثاني : الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له .
الفصل الثالث : المال الذي يجوز التنفيذ عليه .
الفصل الرابع : مقدمات التنفيذ .
الباب الثاني : طرق التنفيذ .
ويشمل خمسة فصول :
الفصل الأول : محل التنفيذ .
الفصل الثاني : مدى استجابة المنفذ عليه ـــ التنفيذ الطوعي ـــ التنفيذ الجبري .
الفصل الثالث : مدى إمكانية أداء عين الحق المطلوب .
الفصل الرابع : الحجز على الأموال ـــ الحجز التحفظي ـــ الحجز التنفيذي .
الفصل الخامس : مصدر الحكم المراد تنفيذه .
ثم عرضت نموذجاً علمياً تطبيقياً للحجز والتنفيذ .
ثم خاتمة البحث التي أشرت فيها إلى عدد من التوصيات التي استقيتها من خلال عملي في المحكمة ومن الندوة المقامة في دولة الكويت الشقيقة بعنوان ( نحو تفعيل إجراءات التنفيذ وتوحيد التشريعات في دول مجلس التعاون ) المقامة خلال الفترة 8 , 9 ربيع الآخر 1426 الموافق 16 , 17 مايو 2005م وكنت رئيس الوفد السعودي إليها .
وختاماً أحمد الله تعالى على منّه وفضله وتوفيقه ثم أتوجه بالشكر إلى مقام حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان ابن عبدالعزيز آل سعود على ما تمت تهيئته لوزارة العدل وللقضاة من موارد وإمكانيات .
وكذلك إلى مقام وزارة العدل وعلى رأسها معالي الوزير الدكتور عبدالله بن محمد ابن إبراهيم آل الشيخ وأصحاب الفضيلة وكلاء الوزارة على الحرص البالغ لتطوير القضاء والقضاة كما لابد من التنويه بمحلس القضاء الأعلى ممثلاً بسماحة رئيسه الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان على صيانة صرح القضاء الشرعي وإعلاء مكانته , والشكر موصول للقائمين على اللجنة العلمية بوزارة العدل على اهتمامهم البالغ بنشر الوعي القضائي وإعداد البحوث والدراسات حول القضاء .
حفظ الله البلاد والعباد من كل سوء ومكروه وأدام عليها الأمن والأمان في ظل القيادة الرشيدة ووفق الجميع لما فيه خير الإسلام والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تمهيد
في تعريف التنفيذ وحكمه
تعريف التنفيذ في النظام
المقصود بتنفيذ الأحكام في النظام إجبار المحكوم عليه على القيام بما أُلزم به عينياً أو القيام به على نفقته ـ كـالإلزام بتسليم عين معينة أو إقامة بناءٍ ونحوه ـــ( ويسمى التنفيذ المباشر ) , أو الحجز على أمواله العقارية والمنقولة ونزع ملكيتها وبيعها جبراً عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها ( ويسمى التنفيذ غير المباشر ) .
حكم التنفيذ
يتفق نظام المرافعات السعودي مع ما قرره عامة فقهاء الشريعة الإسلامية من وجوب تنفيذ الحكم سواءً كان حضورياً أو غيابياً متى توفرت الشروط اللازمة لذلك . انظر ( المادة 196 مرافعات سعودي ) . ( )
ويتطلب الاعتراف بالقوة التنفيذية الجبرية للحكم أن تتوافر شروط معينة في طبيعته وفي وصفه الإجرائي . وهي تعكس الشروط العامة في مضمون السند التنفيذي وبيان ذلك فيما يلي :
أولاً :- يجب أن يكون الحكم موجوداً نظاماً :
فإذا كان الحكم معدوماً ؛ لصدوره من غير قاضٍ أو في مواجهة خصم توفي قبل رفع الدعوى , أو كان مزوَّراً , أو صدر بطريق الغش في غفلةٍ من الخصم , لا تكون له أية قوةٍ تنفيذية .
ثانياً :- يجب أن يكون حكم إلزام :
فالحـكـم الـتـقـريري البحت ( ) والحكم المنشئ البحت ( ) ( ) لا يصلحان لأن يكونا سنداً تنفيذياً ؛ وذلك لأن حكم الإلزام وحده هو الذي يكون محله أداءً جزائياً قابلاً للتنفيذ الجبري . وصورته هي الحكم بإلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود , أو بإلزامه بإخلاء عقار , أو تسليم منقول معين بالذات أو بإقامة بناءٍ أو هدمه ( ) .
ثالثاً :- لا بد أن يكون الحكم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه ( ) :
وذلك حتى تتوافر للحقوق الثابتة به درجةٌ من الاستقرار ( ) .
فلا يصدر أمر بتنفيذ الحكم بالقوة الجبرية إلا إذا كان قد اكتسب الصفة القطعية ما عدا الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل ( ) وسيأتي ـــ إن شاء الله ـــ تفصيل الحديث عنها فيما بعد:
والأحكام التي اكتسبت الصفة القطعية هي :
أ- الأحكام الصادرة أو المصدقة من محكمة التمييز .
ب- الأحكام التي فات آخر ميعاد للاعتراض عليها .
ج- الأحكام التي قنع بها المحكوم عليه ما لم يكن المحكوم عليه ناظر وقف أو وصياً أو ولياً أو مأمور بيت مال أو ممثل جهة حكومية ونحوه أو كان المحكوم عليه غائباً ( ) .
د- الأحكام المستثناة في الدعاوى اليسيرة بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى . ( )
وبعد اكتساب الحكم الصفة القطعية لا بد من تذييله بالصيغة التنفيذية من قبل مصدره أو خلفه لكي يكون هذا الحكم قابلاً للتنفيذ من الجهات التنفيذية أي يكون بعد ذلك سنداً تنفيذياً فلو صدق الحكم ولم يذيل بالصيغة التنفيذية وجب رد المستدعى وإفهامه بوجوب تذيل الحكم بالصيغة التنفيذية . ( )
ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أنه إذا تبلغ المدعى عليه لشخصه ـــ أو وكيله الشرعي في القضية نفسها ـــ بموعد الجلسة , أو أودع هو أو كفيله مذكرة بدفاعه للمحكمة قبل الجلسة , فيعد الحكم في حقه حضورياً , سواء أكان غيابه قبل قفل باب المرافعة , أم بعده . ( )
أما بالنسبة لبقية النظم الوضعية فيذكر شُرَّاح النظم أن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي هو الحكم الذي لا يجوز الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية وهي المعارضة والاستئناف ؛ لأن قابلية الحكم للطعن فيه بهذه الطرق دليل ضعفه ودليل عدم استقرار الحق الذي قُضي به لاحتمال إلغاء الحكم بعد الطعن فيه .
أما قابلية الحكم للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية وهي : التماس إعادة النظر والنقض فلا يمنع من تنفيذه ، بل إنه لو تم فعلاً الطعن فيه بطريق من هذه الطرق فإنه لا يوقِف تنفيذه . فالطعن بطريق النقض في حكمٍ لا يمنع المحكوم له من الشروع في التنفيذ إن لم يكن قد شرع فيه ، كما لا يمنع من الاستمرار في التنفيذ إن كان قد ابتدأ فيه قبل رفع الطعن ؛ وحكمة هذه القاعدة منع المحكوم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه من أن يتخذ من طرق الطعن غير العادية وسائل للمماطلة والتسويف .
وإنما يمنع من تنفيذ هذا الحكم ويلغي ما يكون قد تم من التنفيذ الحكمُ فعلاً بإلغائها من المحكمة التي يطعن فيه أمامها بطريق من طرق الطعن غير العادية ( ) .
ومن الضروري التنبيه هنا إلى مسألة مهمة تتعلق بالمرأة وهي : أنه إذا تم الحكم على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية فإن هذا الحكم لا يذيل بالصيغة التنفيذية ولا يجري تنفيذه جبراً عليها بمعنى أنه لا يتم اقتيادها بواسطة الشرطة من بيت أهلها إلى بيت زوجها , إنما تُفهم عند الحكم بسقوط حقوقها الزوجية من نفقة وكسوة وسكنى وقَسْمٍ إن هي رفضت العودة لأنها تكون حينئذ ناشزاً , ويُدوَّن ذلك في الضبط والصك . ( )
علماً بأن هذا الحكم يصدر إذا لم تطلب المرأة الطلاق , فإن طَلَبَتْهُ فإنها تعامل بموجب قرار هيئة كبار العلماء الصادر برقم 26 في 21/8/1394هـ المعمَّم من معالي وزير العدل برقم 55/12/ت في 22/3/1395هـ المبني على كتاب المقام السامي رقم 6895 في 1/3/1395هـ ، وقد تضمَّن هذا القرار عدة مراحل لنظر قضية النشوز والخلع آخرها أن ينظر القاضي في أمر الزوجين ويفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوضٍ أو بغير عوض . ( )
ومن كل هذا يتضح اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفتة خاصة وأنها قد سبقت القوانين الوضعية في ذلك .
الباب الأول شروط التنفيذ في النظام
تمهيد
إن الأحكام التي تقبل التنفيذ الجبري هي :
1- الأحكام الموضوعية وبعض الأحكام الوقتية , وتُستبعد الأحكام المتعلقة بالإجراءات والأحكام المتعلقة بالإثبات .
2- وهي التي تتضمن منفعةً لخصمٍ في مواجهة الخصم الآخر .
3- وهي التي تتطلب للحصول على هذه المنفعة استعمال القوة الجبرية فتُستبعد الأحكام التي يُعتبر صدورها ـ في ذاته ـ بمثابة وفاء لالتزام المدين , أو محققاً لكل ما قصده المدعي من دعواه ( ) , كتطليق المرأة من زوجها الغائب .
وتشترط النظم الوضعية للتنفيذ الجبري عدة شروط , وتتنوع هذه الشروط تبعاً لأربعة اعتبارات :
الاعتبار الأول : السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه .
الاعتبار الثاني : الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له .
الاعتبار الثالث : المال الذي يجوز التنفيذ عليه .
الاعتبار الرابع : مقدمات التنفيذ ( ) .
ومن أجل ذلك فقد قسمت هذا الباب إلى أربعة فصول بيانها فيما يأتي :
الفصل الأول الاعتبار الأول
السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه
يتفق نظام المرافعات السعودي مع بقية النظم الوضعية على اشتراط وجود السند التنفيذي حتى يصح التنفيذ .
كما تكاد تتفق هذه النظم على أن السند التنفيذي له عدة أنواع فهو يشمل الأحكام , والأوامر , والمحررات الموثقة , ومحاضر الصلح التي تصدَّق عليها المحاكم أو مجالس الصلح , والأوراق الأخرى التي تعطيها النظم قوة التنفيذ .
انـظـر : ( المــادتــيــن 50 , 55 تنظيم سعودي ) , و ( المادة 196 مرافعات سعودي ) , و ( المادتين 571 , 582 تـجـاريـة سعودي ) , و ( المادتين 20 , 21 تحكيم سعودي ) , و ( المادة 225 إجراءات إماراتي ) , و ( المادة 244 معدلة مرافعات بحريني ) , و ( المادة 362 مرافعات قطري ) , و ( المادة 190 مرافعات كويتي ) , و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . فتشترط هذه النظم أن يكون للسند قوةٌ تنفيذية حتى يمكن التنفيذ بموجبه , ولا يلزم أن يكون هذا السند حكماً .
وبيان أنواع هذه السندات فيما يلي :
1- أحكام المحاكم: إن الأحكام القضائية هي أهم السندات التنفيذية ؛ فهي تؤكد الحق الموضوعي على نحو لا تفعله أي من السندات الأخرى .
2- أحكام المُحكَّمين : يلتزم أطراف النزاع بناءً على عقد التحكيم بالحكم الصادر من المحكَّمين . إلا أن هذا الحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .
فالسند التنفيذي هنا مُركَّبٌ من حكم المحكَّمين الذي يحتوى جميع عناصره الإلزامية , ومن الأمر القضائي بالتنفيذ الذي يعطي الحكم قوته التنفيذية .
3- الأوامـر : هـي مـا يصدره القضاة من قرارات بناء على طلب خصمٍ دون سماع أقوال الآخر وفي غيبته , أي بغير طريق الخصومة القضائية .
ولها عدة صور منها :
أ- الأوامر على العرائض : كتقرير نفقة وقتية من أموال التركة , والإذن بالحجز التحفظي .
ب- أوامر الأداء : تصدر هذه الأوامر للإلزام بقضاء الحقوق الثابتة بالكتابة , متى كانت حالَّة الأداء , سواءً كان الحق مبلغاً من النقود مُعيَّن المقدار , أو كان منقولاً معيَّناً بذاته أو بنوعه ومقداره .
ج- أوامر التقدير : كتقدير مصاريف الدعوى , و تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم .
4 – المحرَّرات الموثَّقة : إن الأوراق المتضمنة لتصرفات نظامية ويتم تحريرها أمام مكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل تُعدُّ سنداً تنفيذياً عند بعض النظم .
وينبغي التنبيه هنا إلى أن ( المادة 96 قضاء سعودي ) قد جعلت للأوراق الصادرة من كتابة العدل قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ .
5 – محاضر الصلح القضائي : إذا قامت خصومة أمام القضاء ثم اتفق الخصوم على صلح معين في أية حالة تكون عليها الدعوى فإنه يتم إثبات ذلك في محضر الجلسة ، ويتم توقيعه من الخصوم أو وكلائهم ، ويُعدُّ هذا المحضر سنداً تنفيذياً بمجرد توقيع الكاتب والقاضي عليه .
6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سنداتٍ تنفيذيةً ( ) : تعترف معظم نظم المرافعات بالقوة التنفيذية لبعض المحاضر ، وأهم هذه المحاضر ما يلي :
أ – محضر بيع المنقولات المحجوزة : حيث يلتزم من رسا عليه المزاد بدفع الثمن فوراً ، وإلا وجب على مندوب التنفيذ إعادة المزايدة على ذمته بأيِّ ثمن كان . انظر ( المادة 229 مرافعـات سعودي ) .
ب – محضر التسوية الوُدِّية لتوزيع حصيلة التنفيذ: ولم تتم الإشارة إلى هذا المحضر في نظام المرافعات السعودي .
موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط وجود السند التنفيذي :
الأصل في الشريعة الإسلامية عدم التنفيذ إلا بوجود سندٍ تنفيذي , إلا أن الفقهاء أجازوا التنفيذ في حالاتٍ معينةٍ ولو لم يكن السند التنفيذي موجوداً , وذلك فيما يسمى مسألة الظفر .( )
موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ بموجب السندات المذكورة :
1 – أحكام المحاكم : يتفق الفقهاء على وجوب تنفيذ الأحكام القضائية متى كانت مستوفيةً لشروط إصدارها ( ) . وبهذا تكون النظم الوضعية متفقةً مع الشريعة الإسلامية في ذلك .
2 – أحكام المحكَّمين : يتفق الفقهاء أيضاً على وجوب تنفيذ أحكام المحكَّمين إذا توفَّرت الشروط المطلوبة لإصدارها ، والتي من أهمها كون المحكَّم أهلاً لولاية القضاء ( ) . فالنظم الوضعية متفقةٌ في مسألة تنفيذ أحكام المحكَّمين مع الشريعة الإسـلامية .
3 – الأوامر : بالنسبة لأوامر الأداء حيث أنها تُعدُّ في حقيقتها من باب الحكم على الغائب دون توفُّر الشروط اللازمة للحكم عليه عند الفقهاء ؛ فإنـي أرى عدم اعتبارها سنداً تنفيذيـاً .
أما بالنسبة للأوامر على العرائض وأوامر التقدير فإن الضرورة تدعو إليها لذا فإنه يلزم الـتـنفيذ بموجبها فيما أرى وهذا يتفق في مجمله مع نظام المرافعات السعودي مع شيء من التفصيل .
4 – المحرَّرات الموثقة : أرى أن هذه المحررات لها قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ ؛ لأنه ربما يستدعي تنفيذها نظراً قضائياً ، كأن تكون الوصية لوارث لم يعلم الموثق بأنه أحد الورثة أو لم يكن حين توثيق الوصية وارثاً .
فنظام القضاء السعودي يتفق مع هذا الرأي بينما تخالفه بقية النظم الوضعية .
5 – محاضر الصلح القضائي : حيث أن الصلح الذي يتم بين الخصوم في مجلس القضاء ويُحرَّر محضر بموجبه دون أن يكوِّن القاضي رأياً فيه قد يكون مشتملاً على بعض المخالفات الشرعية ؛ فإنـي أرى عدم اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً . أما إذا درسه القاضي وأثبت صحته فإن هذا الصلح يصبح حينئذٍ واجب التنفيذ، ولا يلزم أن يصرح القاضي بلفظ الحكم ؛ لأن الصلح عقدٌ ملزمٌ لطرفي الخصومة تأسيساً على أن حقوق الآدميين مبنيَّةٌ على المُشاحَّة ، ويستوي في ذلك أن يصدر بشكل صكٍّ كما في النظام السعودي أو أن يصدر بشكل محضرٍ كما في بقية النظم الوضعية ، ولكن بشرط أن يكوِّن القاضي رأياً في موضوع الصلح ويثبت صحته .
6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سندات تنفيذيةً :
أ – محضر بيع المنقولات المحجوزة :
أرى اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً وهذا يتفق مع نظام المرافعات السعودي .
ب – محضر التسوية الوُديِّة لتوزيع حصيلة التنفيذ :
أرى أنه إذا تم اتفاق ذوي الشأن على توزيع حصيلة التنفيذ بتسوية وُدِّيةٍ دون سبق نزاع بينهم على ذلك ، فإن القاضي يقوم بإثبات هذا الاتفاق بعد التأكد من صحته، ثم يصدر بذلك صكاً ؛ ويكون لهذا الإثبات قوة التنفيـذ .
وهذا الرأي يتفق مع نظام المرافعات السعودي ولكنه يخالف ما ذهبت إليه بقية النظم الوضعية التي لا تلزم القاضي بالتأكُّد من صحة هذا الاتفاق .
الفصل الثاني الاعتبار الثاني
الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له
تشترط معظم النظم الوضعية أن يكون الحق المطلوب تنفيذه مُحقَّقَ الوجود ، ومُعيَّن المقدار ، وحـالَّ الأداء ( المـادة 567 تجـارية سعـودي ) و ( المادة 225 إجراءات إماراتـي ) و ( المادة 362 مـرافعات قـطـري ) و ( المادة 190 مرافعات كويتي ) و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . وبيان هذه الشروط فيما يلي :
أولاً- أن يكون الحق مُحقَّقَ الوجود .
ولا يعني هذا أن يكون الحق خالياً من النـزاع ؛ إذ أن المدين ينازع عادةً في الدين عند التنفيذ ، وإنما المقصود أن يؤكِّد السند التنفيذي وجود الحق الموضوعي. ولا يتم ذلك إلا بما يأتـي :
1 – أن يردَ الحقُ في سندٍ تنفيذي .
2 – أن يؤكد السند ذاته وجود الحق بصفة قطعية جازمة ، فلا يجعل وجوده مسألةً احتماليةً محل شكٍ أو جهالة .
3 – أن يعين السند ذاته أشخاص الحق ومحلَّه ( أي لابُد أن يحدد أطراف الخصومة ومحلَّها من عين أو دين أو غير ذلك ) .
ثانياً – أن يكون الحق مُعيَّن المقدار ، ويلزم أن يكون الحق مُعيَّن النوع أيضاً . فلو كان الخلاف على سيارات – مثلاً – فلا بُد من تحديد عددها ونوعها ومواصفاتها وأرقام هياكلها أو لوحاتها .
ثالثاً – أن يكون الحق حالَّ الأداء ؛ لأن الحق الذي يؤكِّده السند حقٌّ جزائي قابل للتنفيذ الجبري ، وإذا كان الدين لم يحلّ أجله بعدُ فإنه لا يجوز للدائن المطالبة به ، وبالتالي يمتنع عليه من باب أولى إجبار المدين على تسديده ( ) .
موقف الشريعة الإسلامية من الشروط الواجب توافرها في الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له :
إن النظم الوضعية تتفق مع الشريعة الإسلامية في اشتراط هذه الشروط، فقد قال فقهاء المســلــمين بضــرورة أن تُرفع الدعوى بتعبيراتٍ جازمة وقاطعة ليس فيها تردد ، فلا تصح الدعوى بنحو : أشكُّ أن لي على فلان مبلغ كذا ، أو أظن أنه غصب مني سيارتـي ( ) .
كــمــا اشترطوا تحرير الدعوى ، أي أن يكون المدعى به مُعيَّناً معلوماً واضحاً لا غموض فيه ولا اشتباه ( ) .
وكــذلــك اشترطوا أن يكون الحق قد حلّ أجله إن كان مؤجلاً وذلك حتى تصحّ المطالبة به ؛ لأن الأجل يسقط بانتهاء مدته ، ويلزم حينئذٍ ردُّ الحق إلى صاحبه ( ) .
الفصل الثالث الاعتبار الثالث
المال الذي يجوز التنفيذ عليه
يشترط للتنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية توفر الشروط الآتيـة ( ) :
أولاً – أن يكـون محل التنفيـذ حقاً مالياً . سواءً أكانت الحقوق المالية عينيةً أم شخصية ( )، فلا يجوز التنفيذ على ما عداها كالحقوق الأدبية مثل حق المؤلف ، فلا يُلزم المؤلف بنشر مؤلَّفه أو إعادة نشره ، ولكن إذا تم نشر المؤلَّف فإنه يجوز التنفيذ على النُّسخ التي تم نشرها ، وكذلك لا يجوز التنفيذ على الشهادات والأوسمة والتذكارات العائلية وأوراق المدين وكذلك رسائله .
ثانياً – أن يكون محل التنفيذ حقاً للمدين . أي أن يكون الحق المراد التنفيذ عليه مالاً مملوكاً للمسؤول عن الدين أي المدين أو الكفيل الشخصي عند بدء التنفيذ ؛ إذ أن التنفيذ على مال الغير يمثل اعتداءً على حق الغير فيكون الحجز باطلاً . وبناءً على ذلك لا يجوز التنفيذ على مالٍ تصرَّف فيه المدين تصرفاً نافذاً قبل الحجز عليه ، كما لا يجوز التنفيذ على مال الشركة استيفاءً لِدينٍ على الشريك ولو كـان شريكاً متضامناً ؛ إذ أن مـن قـواعد الفقه الرومانـي أن ( كيان الشركة شيء وكيان كلّ شريك شيء آخر)( )، ولكن يجوز التنفيذ على مال الشريك المتضامن استيفاءً لدينٍ على الشركة( ).
ثالثاً – أن يكون الحق المالي مما يمكن التصرف فيه . يهدف التنفيذ بالحجز إلى بيع الأموال المحجوزة بالمزاد استيفاءً لحق الدائن من حصيلة هذا البيع ، وإذا كانت القاعدة أن ملكية المال تشمل سلطة التصرف فيه فإن النظم الوضعية قد تمنع مالكه من التصرف فيه لأسباب مختلفة يرجع بعضها لطبيعة المال كحق السُّكْنَى وكالعقار الموقوف ، أو حمايةً لمصلحةٍ عامةٍ أو خاصةٍ ، أو بناءً على شرط إرادي كشرط الموصي عدم التصرف في الموصى به ، وفي هذه الأحوال لا يجوز التنفيذ على هذا المال عن طريق الحجز ونزع الملكية ؛ لأنه إذا امتنع على المدين أن يبيع المال الذي يملكه ، فمن باب أولى امتناع ذلك على القضاء الذي يقوم مقام المدين في مباشرة سلطة التصرف عن طريق البيع القضائي .
رابعاً – أن تكون الأموال مما يجوز الحجز عليها : هناك بعض الأموال التي لا تجيز النظم الوضعية الحجز عليها رغم إمكان التصرف فيها ؛ وذلك مراعاةً لاعتباراتٍ معينة ، ويقع باطلاً أي حجز يوقع عليها سواءً أكان تنفيذياً أم تحفظياً، والأصل – كما أشرت سابقاً – هو قابلية جميع الأموال المملوكــة للمــدين للتـنـفـيـذ عـلـيـهـا ؛ لأنـهـا كـلَّهـا ضـامـنـة لديونه ، ومن قواعد الفقه الرومانـي أن ( الديون مضمونة بعموم المال لا ببعض أعيانه )( ). فعدم جواز الحجز يَردُ استثناءً من القاعدة العامة؛ ولهذا يقع عبء الإثبات على من يدَّعي عدم جواز الحجز،ولا يكلَّف الدائن بإثبات صلاحية الأموال لحجزها والتنفيذ عليها.
هذا ويمكن تقسيم الأموال التي لا يجوز الحجز عليها في النظم الوضعية إلى عدة أقسام تبعاً لثلاثة اعتباراتٍ هي :
1 – الإطلاق : وتنقسـم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أ – عدمُ جوازٍ مطلقٍ إذا كان لا يمكن الحجز على المال اقتضاءً لأيِّ حقٍ كان.
ب – عدم جوازٍ نسبيٍ . إذا كان يمكن الحجز على المال اقتضاءً لحقوق مُعيَّنة ، فبالنسبة لهذه الحقوق يعتبر المال مما يجوز الحجز عليه.
2 – الكُلِّيةُ وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين أيضـاً :
أ – عدم جواز كُلِّي . إذا كان لا يمكن الحجز على أي جزء من المال.
ب – عدم جواز جزئي. إذا كان عدم جواز الحجز لا يلحق كل المال. والمعتاد أن يكون عدم جواز الحجز الجزئي نسبياً ، أي يمكن الحجز على جزء من المال اقتضاءً لبعض الحقوق دون غيرها.
3 – العِلَّة : وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام هي :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه .
كالاختراع قبل صدور براءة به ، وكالمال المخصص لغرض النفقة .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معيَّن .
كالمال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه ضماناً لبقاء غلَّته.
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته .
كالغذاء والثياب التي تلزم المدين وأسرته ، وكذلك ما يلزم لمهنة المدين.
د – حالات ترجع إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .
كالأموال اللازمة لسير المرفق العام ( ) .
وهذه الحالات توجد في نظام المرافعات وفي نظم أخرى متفرقة ، وحصرها لا يدخل في نطاق هذا البحث .
وقد أشارت ( المادة 570 تجارية سعودي ) و ( المادة 427 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 249 – 251 مرافعات بحريني ) و ( المواد 387 – 392 مرافعات قطري ) و ( المادة 216 مرافعات كويتي ) و ( المواد 305-309 مرافعات مصري ) إلى أهم هذه الحالات .
وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي لم يتعرض لهذه المسألة فإن نظام المرافعات السعودي ولوائحه قد أشارت في ( المادة 217 ) من النظام و( المادتين 217/4 و 217/7 ) من اللوائح إلى أنه قبل بيع أموال المحكوم عليه يقوم القاضي بتحديد ما تدعو الحاجة إلى تركه للمحجوز عليه من المنقول والعقار مثل مسكنه ومركبه المعتاد , كما يجوز الحجز على مال المدين من راتب أو مخصصات بعد تقدير الكفاية له من نفقة ونحوها .
موقف الشريعة الإسلامية من شروط التنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية :
إن التنفيذ بهذا الطريق أقرب موضوع له عند الفقهاء هو الحجر والتفليس . ومن المُسلَّم به أنه لابُد أن يكون هذا المال حقاً للمدين ويمكن التصرف فيه وأن يكون مما يجوز الحجر فيه ، وهذا ما تُعبِّر عنه النظم الوضعية بأن يكون مما يجوز الحجز عليه. وقد يكون عدم جواز الحجر مطلقاً أو نسبياً كما قد يكون كلياً أو جزئياً ، ولابد من التنبيه هنا إلى أنه إذا أحاط الدين بمال المدين ، وطلب الغرماء الحجر عليه ، وجب على الحاكم تفليسه عند المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبي أبي حنيفة وهو المفتى به عند الحنفية ، ولم يخالف في ذلك سوى الإمام أبي حنيفة فقال : إنه لا يُفَلَّس ؛ لأنه كامل الأهلية وفي الحجر عليه إهدار لآدميته ، إلا أن الحاكم يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدون إجبـار ( ).
وقد ذكرت قريباً حالات عدم جواز الحجز على الأموال في النظم الوضعية ، وأنها تنقسم باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام وضربت عليها بعض الأمثلة.
وفيما يلي بيان موقف الشريعة من كل قسم بإيجاز من خلال تلك الأمثلة .
موقف الشريعة الإسلامية من حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه.
ومن أمثلة ذلك : الاختراع قبل صدور براءته ، وقد علَّل شُرَّاح النظم الوضعية عدم جواز الحجز عليه بأن المخترع قد يرى عدم الإعلان عن اختراعه فينتج عن الحجز على هذا الاختراع وبيعه إساءةٌ لسمعة المخترع ( ) .
وأرى تكليف اثنين من أهل الخبرة لمعاينة الاختراع وفحصه ، فإن كان صالحاً للانتفاع منه فإنه يتم تسجيل براءته ومن ثم حجزه وبيعه . وليس في ذلك إساءةٌ لسمعة المخترع وإنما فيه إشهار له وحفظ لحقه وحقوق غرمائه .
وإنما قلت ذلك تخريجاً على ما ذكره الحنابلة من أن المفلس المحترف يُجبَر على الكسب وإيجار نفسه فيما يليق به من الصنائع ؛ محتجين بأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها ، فأجبر على العقد عليها ، كما يباع ما له رغماً عنـه ( ) .
ومن الأمثلة أيضاً : المال المخصص لغرض النفقة على أقارب المدين ممن هم خارج أسرته .
والنظم الوضعية قد خالفت في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الذين يرون عدم وجوب النفقة على المدين في هذه الحالة ما دام معسراً ، وبالتالي يجوز الحجز على هذا المال ( ) .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معين .
ومن أمثلة ذلك : المال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه؛ ضماناً لبقاء غلَّته .
الأصل في الشريعة الإسلامية أن الهبة تمليك للعين الموهوبة ( )، وبناءً على ذلك لا يكون من حق الواهب اشتراط عدم التصرف فيها ؛ ومن هذا المنطلق يمكن حجزها وبيعها. إلا أنه قد توجد قرينة تجعل المقصود من الهبة مجرد تمليك المنافع دون العين ، كالعُمرى والرُقبى ( ) عند بعض الفقهاء ( ). وفي هذه الحالة تعتبر من باب العارية ، فلا يمكن حجزها وبيعها حتى ولو لم يشترط الواهب عدم التصرف فيها .
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته ، وهي ما يلي ( ):
1 – القوت الضروري : يرى المالكية والحنابلة أنه يُترك للمفلس من ماله قدرُ ما يكفيه وعيالَه من القوت الضروري الذي تقوم به البنية . وقال المالكية : تترك له ولزوجاته وأولاده ووالديه النفقة الواجبة عليه بالقدر الذي تقوم به البنية. وهذا إن كان ممن لا يمكنه الكسب ، أما إن كان ذا صنعةٍ يكتسب منها أو يمكنه أن يؤجر نفسه فلا يترك له شيء . وأضاف المالكية : أنه يترك ذلك له ولمن ذكر قدر ما يكفيهم إلى وقت يُظن بحسب الاجتهاد أنه يحصل له فيه ما تمكن معه المعيشة نحو الشهر ( ).
أما عند الشافعية فلا يُترك له من القوت شيء ما عدا قوت يوم القسمة، ولا نفقة عليه أيضاً لقريب ؛ لأنه معسر ، بخلاف حاله قبل القسمة .
وتسقط نفقة القريب لما بعد القسمة أيضاً عند الحنابلة ( ) .
2 – الثياب : اتفق الفقهاء على أنه يُترك للمفلس دست ( ) من ثيابه ، وقال الحنفية : أو دستان ، ويباع ما عداهما من الثياب .
وقال الحنفية : يُباع مالا يحتاج إليه في الحال كثياب الشتاء في الصيف .
وقال المالكية : يُباع ثوبا جمعته إن كثرت قيمتهما ، ويُشترى له دونهما. وهذا القول يقارب ما صَرَّح به الشافعية والحنابلة من أن الثياب إن كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها تُباع ، ويُترك له أقل ما يكفيه من الثياب .
وقال المالكية والشافعية : يترك لعياله مثل ما يترك له من الملابس ( ) .
3 – دار السكنى : قال مالك والشافعي -في الأصح عنه – وشريح : تباع دار المفلس ويُكترى له بدلها . واختار هذا ابن المنذر .
وقال أحمد وإسحاق ، وهو قول عند الحنفية والشافعية : لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها .
فإن كانت الدار نفيسة بيعت واشتُري له ببعض ثمنها مسكنٌ يبيت فيه ، ويُصرفُ الباقي إلى الغرماء ( ).
4 – الكتب : يرى الشافعية وبعض المالكية أنه تترك للمفلس الكتب التي يحتاج إليها في العلوم الشرعية إن كان عالماً لا يستغـني عنها. ولكـن المقدم عند المالكية أنها تباع أيضاً ( ) .
5 – آلات الصانع : قال الحنابلة وبعض المالكية : تترك للمفلس آلة صنعته . ثم قال المالكية من هؤلاء : إنما تترك إن كانت قليلة القيمة كمطرقة الحداد. وقال بعضهم : تباع أيضاً. ونص الشافعية على أنها تباع ( ).
6 – رأس مال التجارة : يرى الحنابلة وابن سريج من الشافعية أنه يُترك للمفلس رأس مال يتَّجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به . قال الرملي : وأظنه يريد الشيء اليسير أما الكثير فلا .( )
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أن دار السكنى أو غيرها مما ذكر إذا كانت مرهونةً أو كانت عين مال الغريم فإنها تباع عند جمهور الفقهاء ( ).
د – حالات ترجع إلى اعتباراتٍ تتعلق بالمصلحة العامة .
ومن أمثلة ذلك : الأموال اللازمة لسير المرفق العام .
وأرى أن النظم الوضعية تتفق في هذه المسألة مع الشريعة الإسلامية ؛ لأن من القواعد الفقهية المقررة شرعاً أن ( المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ) فإذا كان أحد مرافق الدولة مديناً فإنه لا يجوز الحجرُ عليه وبيع أملاكه ؛ لأن المرفق الحكومي موضوع لرعاية مصالح عموم المسلمين في الدولة، ومصلحتهم مقدمة على مصلحة الدائن الخاصة سواءً أكان واحداً أم أكثر .
الفصل الرابع الاعتبار الرابع
مقدمات التنفيذ
تشترط معظم النظم الوضعية أن يتقدم على إجراء التنفيذ خمسة شروط وهي :
1-إرفاق السند التنفيذي المذيل بالصيغة التنفيذية .
2- الكفالة .
3-إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء .
4-انقضاء ميعاد التنفيذ .
5-طلب التنفيذ .
وقد عقدت لكل شرط منها مبحثاً مستقلاً فإلى بيانها .
المبحث الأول
الشرط الأول إرفاق السند التنفيذي المذيل بالصيغة التنفيذية
إن معظم النظم الوضعية تشترط للبدء في إجراءات التنفيذ ، وجود الصورة التنفيذية -في غير الأحوال المستثناة ( ) – وهى عبارة عن ورقة رسمية يوقعها موظف مختص ( كاتب المحكمة بالنسبة للأحكام والأوامر ومحاضر الصلح، والموثِّق بالنسبة للمحرَّرات الموثَّقة ) . ويُثبت في هذه الورقة مضمون السند التنفيذي . ( أي أنها تتضمن صورةً كاملةً من الحكم أو الأمر أو محضر الصلح أو المحرَّر الموثَّق ) ، وتُذيَّل هذه الصورة بألفاظ معينة تُعرف باسم الصيغة التنفيذية ، ويتم التوقيع عليها وختمها من الجهة التي أصدرتها ، وهي تتضمن أمراً لرجال التنفيذ بإجراء التنفيذ . والمقصود من اشتراط هذه الصورة تسهيل مهمة رجال التنفيذ في التحقق من حق الطالب في التنفيذ ، وأنه لم يستوفِ حقه بعد بموجب تنفيذٍ سابق . وفي هذا مصلحة لجميع الأطراف ( ).
انظر : ( المــادتين 167 ، 196 مـرافـعـات ســعــودي ) و ( المــادتـيــن 132 ، 225 إجــراءات إمـــاراتــي ) و ( المادة 261 مرافعات بحريني ) و ( المادتين 128، 362 مرافعات قطري ) و ( المادتين 118 ، 190 مرافـعات كـويـتي ) و ( المادتين 181 ، 280 مرافعات مصري ) .
فقد نصت ( المادة 167 مرافعات سعودي ) – مثلاً- عـلى ما يلي : ” إعلام الحكم الذي يكون التنفيذ بموجبه يجب أن يختم بخاتم المحكمة بعد أن يذيل بالصيغة التنفيذية ، ولا يُسلَّم إلا للخصم الذي له مصلحة في تنفيذه ، ومع ذلك يجوز إعطاء نسخ من الحكم مجردةٍ من الصيغة التنفيذية لكل ذي مصلحة ” .
كما نصت ( المادة 196 مرافعات سعودي ) – مثلاً – على ما يلي :
” يتم التنفيذ بموجب نسخة الحكم الموضوع عليها صيغة التنفيذ . وصيـغة التنفيـذ هي: ( يُطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة ”
موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط إرفاق السند التنفيذي المذيل بالصيغة التنفيذية :
حيث أن في اشتراط ذلك المصلحة – التي تمت الإشارة إليها أعلاه – لجميع أطراف التنفيذ ، وحيث أن من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية جلب المصالح ودرء المفاسد ؛ فإنـي أرى جواز اشتراط هذا الشرط ، والله أعلم .
المبحث الثاني
الشرط الثاني الكفالة
المـقـصود بالكفالة هنا هو : ما يقدمه طالب التنفيذ -عند تنفيذ الحكم تنفيذاً مُعجَّلاً – من ضمانات ؛ لإعادة الحالة إلى ما كانت عليها ، ولتعويض الضرر الناجم عن التنفيذ إن ألغي الحكم عند الطعن فيه .
والحكمة من اشتراط الكفالة : الموازنة بين مصلحة المحكوم له في النفاذ المعجل للحكم الابتدائي ومصـلحة المحكـوم عليه في ضمان إزالة آثار هذا النفاذ عند إلغاء الحكم .
ومعظم النظم الوضعية تشترط غالباً الكفـالة في حـالة النفاذ المعجل للحكم ( أي قبل حيازة الحكم لقوة الشيء المقضي ، أو بمعنى آخر قبل اكتسابه للصفة القطعية ) ؛ لأن الحكم الابتدائي ذو حجية قلقة ، معرضٌ للإلغاء من المحكمة الاستئنافية ( أي ما يُسمَّى محكمة التمييز ). ( )
وقد نصت ( المادة 199 مرافعات سعودي) على ما يلي :
” يجب شمول الحكم بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدونها حسب تقدير القاضي وذلك في الأحوال الآتية :
أ – الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة .
ب – إذا كان الحكم صادراً بتقدير نفقةٍ أو أجرة رضاعٍ أو سكنٍ أو رؤية صغير أو تسليمه لحاضنه أو امرأةٍ إلى محرمها أو تفريقٍ بين زوجين .
جـ – إذا كان الحكم صادراً بأداء أجرة خـادم أو صـانع أو عامـل أو مرضعة أو حاضنة ” .أ هـ .
موقف الشريعة الإسلامية من الكفالة وطرقها :
أرى اشتراط الكفالة في حالة طلب صاحب الحق تنفيذ الحكم مؤقتاً ؛ لما في ذلك من مصلحة لــطــرفي الدعوى , فهو يتفق مع المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وهي ( جلب المصالح ودرء المفاسد ) و ( رفع الحرج عن الأمة ) .
المبحث الثالث
الشرط الثالث إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء
تشترط معظم النظم الوضعية – بصفة عامة – أن يسبق إجراء التنفيذ إعلان السند التــنــفــيــذي للمدين وتكليفه بالوفاء ( المادة 239 إجراءات إماراتـي) و ( المادة 264 مرافعات بحريني ) و ( المادة 369 مـرافعات قطري ) و ( المادة 204 مرافعات كويتي )و( المادة 281 مرافعات مصري ).
فقد نصت ( المادة 369 مرافعات قطري ) – مـثلاً – عـلى ما يلي: ” يجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي لشخص المدين أو في موطنه ، وإلا كان بـاطلاً .
ويجب أن يشتمل هذا الإعلان على بيان المطلوب ، وتكليف المدين بالوفاء ، وتعيين موطن مختار لطالب التنفيذ بدولة قطر – إن لم يكن له موطن بها – وميعاد الجلسة المحدد لنظر التنفيذ أمام قاضي التنفيذ .
ولا يجوز إجـراء التنفيـذ إلا بعد مضي يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي “. أ هـ .
ولم يتعرض تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي ، ولا نظام المرافعات السعودي لهذا الشرط .
والحكمة من إعلان المدين بالسند التنفيذي وتكليفه بالوفاء قبل التنفيذ – عند القائلين به – هي : مراعاة مصلحة المدين بحيث تتاح له الفرصة لتجنُّب إجراءات التنفيذ الجبري وذلك عن طريق الوفاء الاختياري ، كما يُتاح له الاطلاع على السند التنفيذي للتأكد من حق طالب الإعلان في التنفيذ ومراقبة مدى استيفاء السند لشروطه الموضوعية والشكلية ، والمنازعة في ذلك إن كان لها وجه.
إضافةً إلى أن الدائن بهذا الإعلان الذي تضمن تكليف المدين بالوفاء إنما يسجل عليه امتناعه إلى ذلك الحين عن الوفاء بالتزامه المقرر بالسند ، وهو ما يبرر حمايته التنفيذية ( ) .
موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء :
مع أن معظم النظم الوضعية تشترط هذا الشرط إلا أنني أرى أنه لا بُد في هذه المسألة من التفريق بين أربع حالات :
الحالة الأولى – أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق فوراً، وصدر الحكم وِفْقَ ذلك ، ولم يكن الحكم على غائب مجهول المكان، ففي هذه الحالة لا أرى اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين ولا تكليفه بالوفاء ؛ لأنه حينئذٍ يلزمه الاستعداد لحصول التنفيذ في أي وقت بعد صدور الحكم ، سواءً كان المحكوم عليه حاضراً أو متوارياً أو هارباً أو غائباً معلوم المكان ؛ لأن الحاضر والغائب معلوم المكان الذي تم تبليغه بالحكم كلاهما يعلمان ما صدر بشأنهما ، أما المتواري والهارب فهما قد خالفا الشريعة الإسلامية بفعلهما ذلك، وبالتالي لا يستحقان إعلانهما بموعد التنفيذ بل يُلزمان بوفاء الحق أو يتم استيفاؤه منهما فوراً .
الحالة الثانية – أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق فوراً ، وصدر الحكم وفق ذلك ، وكان الحكم غيابياً وكان الغائب مجهول المكان ، ففي هذه الحالة أرى اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين وتكليفه بالوفاء ؛ لأنه ربما يكون لم يعلم بالحكم فعليّاً ، حتى ولو تم إعلانه به بشكل نظـامي .
الحالة الثالثة – أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق ، ولكنه لم يطلب الفورية في ذلك ، وإنما تمّ الصلح بين الطرفين على تأجيل التسديد إلى أجلٍ أو تقسيط الحق على دفعاتٍ محددٍ وقتُها ، وصدر الحكم وفق ما تمَّ الصلح عليه ، ففي هذه الحالة لا أرى اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين ، ولا تكليفه بالوفاء ؛ لأنه حينئذٍ يلزمه الاستعداد لحصول التنفيذ عند حلول الأجل أو القسط المتفق عليه .
الحالة الرابعة – إذا توفي المدين أو فقد أهليته أو زالت صفة من كان يباشر إجراءات الخصومة نيابة عنه فأرى اشتراط إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء للورثة في حالة وفاة المدين ، أو لمن أصبح يقوم مقام المدين في حالة فقده لأهليته ، أو للمدين نفسه ،أو من ينوب منابه في حالة زوال صفة من كان يباشر إجراءات الخصومة نيابةً عنه ؛ لأن من يتم التنفيذ في مواجهته -حينئذٍ -ليس من تم الحكمُ في مواجهته .
علماً بأن ما رأيته من اشتراط الإعلان في الحالات المذكورة لا يعني عدم إيقاع الحجز التحفظي على أموال المدين ، بل لابد من ذلك حتى لا يتمكَّن من التصرف فيها قبل انقضاء ميعاد التنفيذ ، وبالتالي يضيع الحق من صاحبه .
المبحث الرابع
الشرط الرابع انقضاء ميعاد التنفيذ
إن النظم الوضعية التي تشترط إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء تشترط كذلك انقضاء ميعاد التنفيذ .
وإذا كان ميعاد التنفيذ يبدأ من تاريخ إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء ، فإن النظم الوضعية قد اختلفت في تحديد مدة هذا الميعاد بالنسبة للمديـن .
موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط انقضاء ميعاد إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء :
مما لا شك فيه أنه على القول باشتراط إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء فإنه لا بد من اشتراط انقضاء ميعاد هذا الإعلان .
أما بالنسبة لمدة هذا الإعلان فإنـي أرى أن النظم الوضعية قد أحسنت صنعاً بالتفريق بين حالة الإعلان للمدين وحالة الإعلان لورثته ونحوهم ؛ لأنهم قد لا يكون لديهم علم بالدين ولا بالحكم أصلاً ، ولعل تحديد المدة بسبعة أيام بالنسبة للمدين عند من يرى إعلانه ، وبثلاثة أشهر بالنسبة للغائب مجهول المكان وكذلك للورثة ونحوهم يكون مناسباً ، وتحديد مدة لانقضاء ميعاد الإعلان يتمشَّى – هذا التحديد – مع مقصد من المقاصد العامة للشريعة وهـو ( رفع الحرج عن الأمة) . والله أعلم .
المبحث الخامس
الشرط الخامس طلب التنفيذ
تشترط اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات السعودي للبدء في التنفيذ أن يتقدم صاحب الحق بطلب تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ( المادة 202/2 لوائح مرافعات سعودي )ويتم تقديم هذا الطلب إلى المحكمة المختصة ( المادة 218/3 لوائح مرافعات سعودي ) .
ولم ينص نظام المرافعات السعودي على ميعاد مُعيَّن لهذا الطلب ، فيجوز تقديمه قبل إعلان السند أو بعده. وميعاد التنفيذ يبدأ من تاريخ إعلان السند ـــ عند من يشترطه ـــ لا من تاريخ الطلب .
ويتم قيد طلب التنفيذ في جدول خاص يُعدُّ في محكمة التنفيذ لهذا الغرض .
كما يتم إنشاء ملف له تودع به جميع الأوراق المتعلقة بهذا الطلب .
ولابد أن يكون الطلب مصحوباً بالصورة التنفيذية ، كما يجب أن يكون مصحوباً بما يثبت تقديم الكفالة إذا كانت مشروطةً للتنفيذ ( ).
وحكمة اشتراط طلب التنفيذ تتركز في الاعتبارات التالية :
1 – أن سياسة الرعية تقتضي عدم إرغام صاحب الحق على اقتضائه جبراً عنه.
2 – في معظم النظم يتمّ التنفيذ عن طريق القضاء ، ومن مظاهر نزاهة القضاء أن يكون النشاط القضائي مطلوباً وليس طالباً من تلقاء نفسه .
3 – أن الدائن هو الذي يتحمل مخاطر التنفيذ الفاشل فلا يمكن البدء بالتنفيذ إلا بمبادرة منـه .
4 – أن الملاءمة تقتضي أن يُترك للدائن اختيار الوقت المناسب للتنفيذ ، بعد أن يدرس موقف مدينه المالي ، ويحدد الأموال التي يرغب في التنفيذ عليها .( )
موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط طلب التنفيذ :
أرى اشتراط هذا الشرط لما في ذلك من المصالح الواردة في الحكمة آنفاً , وقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ المصالح ودرء المفاسد .
الباب الثاني طـــرق التنفيــــذ
لــقــد أشــارت النظم الوضعية إلى عدة طرق للتنفيذ ، وتتنوع هذه الطرق تبعاً لخمسة اعتبارات :
الاعتبار الأول: محل التنفيذ .
الاعتبار الثانـي: مدى استجابة المنفَّذ عليه .
الاعتبار الثالث: مدى إمكانية أداء عين الحق المطلوب .
الاعتبار الرابع: الحجز على الأموال .
الاعتبار الخامس: مصدر الحكم المراد تنفيذه .
وقد عقدت لكل اعتبار منها فصلاً وبيانها فيما يلي :
الفصل الأول
الاعتبار الأول
محل التنفيذ
تنقسم طرق التنفيذ باعتبار محل التنفيذ إلى قسمين :
أحدهما : التنفيـذ على الأموال .
والآخر : التنفيذ على الأشخاص .
وبيـان ذلك في المبحثين التاليين .
المبحث الأول
ألقسم الأول : التنفيذ على الأموال
لقد سبق الكلام عن شروط التنفيذ على الأموال ، وما يجوز التنفيذ عليه منها وما لا يجوز ، وموقف الشريعة الإسلامية من ذلك ( ).
ترتيب الأموال التي يتم التنفيذ عليها :
إن من المقرر في معظم النظم الوضعية عدم اشتراط البدء بالتنفيذ على مالٍ معيّن، فللدائن أن يحجز أولاً على أموال المدين المنقولة أو على أمواله العقارية، وله أن يحجز على المال ذي القيمة القليلة أو يبدأ بالحجز على مال كبير القيمة ، وله أن يحجز على عقار معيّن دون عقار آخر ، أو يحجز على منقول دون آخر ، وله أن يبدأ بمال معين ولو كان التنفيذ عليه أكثر كلفةً على المدين من التنفيذ على غيره ، أو كانت لهذا المال قيمة خاصة لديه ، وللدائن أيضاً أن يفضّل حجز ما للمدين لدى الغير ، وله الحجز على مال آخر للمدين غير المال المرهون له ؛ لأن جميع أموال المدين ضـامنة للوفــاء بــديــونــه ( ) . انــظــر : ( المــادة 217 مــرافــعــات سعودي ) ، و( المادة 564تجارية سعودي) ، و ( المادة 391/1 مدنـي إماراتـي ) ، و ( المادة 234/1 مدنـي مصري ) .
الغرامات التهديدية :
يوجد في بعض النظم ما يسمى بالإكراه المالي أو الغرامات التهديدية وذلك بأن يتم الحكم على المدين بتنفيذ الالتزام بالعمل أو بالامتناع عن عمل تنفيذاً عينياً خلال مدةٍ معينة ، فإذا تأخر في التنفيذ كان ملزَماً بدفع غرامة للدائن يحددها القاضي عن كل وحدة زمنية أو عن كل مرة يأتـي عملاً مخلاً بالتزامه ، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني ، أو حتى يمتنع نهائياً عن الإخلال بالالتزام ، ثم يرجع إلى القاضي لتصـفية ما تـراكم على المدين من غرامات تهديدية ، فيجـوز له أن يخفّضهــا أو أن يعفي منها تماماً ، وذلك وفقاً لما أصاب الدائن من ضرر وما بـدا من المـدين من عنت ( المادتين 213 ، 214 مدنـي مصري ). ( )
موقف الشريعة الإسلامية من طريق التنفيذ على الأموال بالغرامات التهديدية :
إن من المسائل القريبة لهذا الطريق مسألة الشرط الجزائي ، وهذا الشرط يكون بين طرفين متعاقدين ، أي برضا من المشروط عليه لا جبراً عنه .
وسبق أن صدر من مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية قرار حول الشرط الجزائي نص المقصود منه : ” أن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجب اشتراطه في العقود شَرطٌ صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له معتبر شرعاً فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول ، وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعةٍ أو لَحِقَ من مضرةٍ. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملاً بقوله تعالى : (( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )) ( ) وقوله سبحانه : (( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) ( ) وبقوله صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار”( ). وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم “.أ هـ. ( )
كما أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية عشرة القرار رقم 109 (3/12) الذي ينص على ما يلي :
أولاً : الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقرير التعويض الذي يستحقه من شُرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفِّذ الطرف الآخر ما التزم به ، أو تأخر في تنفيذه .
ثانياً : يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2/9) ونصه : ( لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه ؛ لأنه عبارة عن دين ، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير)، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) ونصه : ( يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة ) ، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) ونصه : ( إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أيَّ زيادة على الدين بشرطٍ سابقٍ أو بدون شرط ؛ لأن ذلك ربا محرم ) .
ثالثاً : يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي ، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
رابعاً : يجوز أن يُشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً فإن هذا من الربا الصريح .
وبناءً على هذا فيجوز هذا الشرط – مثلاً – في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد ، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفِّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه .
ولا يجوز – مثلاً – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواءً كان بسبب الإعسار أو المماطلة ، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنِع إذا تأخر في أداء ما عليه .
خامساً : الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية ، وما فاته من كسب مؤكَّد ، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعـنوي .
سادساً : لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارجٍ عن إرادته . أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أيُّ ضرر من الإخلال بـالعقد .
سابعاً : يجوز للمحكمة بناءً على طلب أحد الطرفين أن تعدِّل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك ، أو كان مبالغاً فيه .( ) أ هـ .
كما أن من المسائل القريبة لهذا الطريق من طرق التنفيذ مسألة التعزير بالمال، فقد قال جملة من الفقهاء بجواز التعزير بالمال ، سواءً بالإتلاف مثل : شق أوعية الخمر وتحريق أمكنة الخمارين ، أو بتغيير المال مثل تقطيع السِّتر الذي فيه صورة إلى وسادتين ، أو بتمليك المال مثل إضعاف الغرم على السارق من غير حـرز. ( )
فهذه ثلاثة أنواع للتعزير بالمال أَقْرَبُها لمسألة الغرامات التهديدية النوع الثالث أي التعزير بتمليك المال. إلا أن هذا النوع أيضاً يكون التمليك فيه لبيت مال المسلمين ؛ ذلك أن المسروق ماله من غير حرز لا يُحكم له إلا بما سُرق منه فقط أما ضِعْفُ الغرم فيكون لبيت مال المسلمين . بينما حصيلة الغرامات التهديدية يُحكم بها للدائن ، فهذا أسلوب ربوي يترتب بموجبه أرباح للدائن على مدينه بدون وجه حق ، ومن خلال هذا العرض أرى عدم جواز الحكم بالغرامات التهديدية . والله أعلم .
المبحث الثاني
القسم الثاني : التنفيذ على الأشخاص
ويضم أربعة مطالب
المطلب الأول : حبس المدين
كان الإكراه البدنـي أحد وسائل الحماية التنفيذية للحق الموضوعي في العصور القديمة، فلم يكن المدين مسؤولاً عن ديونه في أمواله فقط ، بل كان جسمه أيضاً ضامناً للوفاء بها ، فقد كان الدائن في النظام الرومانـي يُحضر مدينه أمام القاضي ويسمح لكل شخص بالتدخل لوفاء الدين أو لإثارة أي إدعاء ضد التنفيذ على المدين ، فإذا لم يحدث هذا التدخل كان للدائن – دون حاجة لأي قرار من القاضي – أن يأخذ المدين لديه ، وله أن يأسره ويقيده بالسلاسل ، ويدوم الحبس – في منـزل الدائن – ستين يوماً ، فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقوم المدين أو غيره بالوفاء ،كان للدائن أن يقتل أسيره أو أن يبيعه كرقيقٍ في الخارج .
إلا أن اتباع هذه الإجراءات أدى إلى بعض الاضطرابات العنيفة في روما ، فتمَّ إصدار أنظمة تخفف من شدة هذه الإجراءات. ( )
وفي المملكة العربية السعودية – انطلاقاً من منهج الشريعة الإسلامية التي تحمي حقوق الإنسان وتحفظ له كرامته – لا يجوز للدائن قتل مدينه ولا بيعه ، وإنما يتم حبس المدين في مكان مناسب دون أي إهانة له.
فسبق أن صدر تعميم سماحة رئيس القضاة سابقاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ برقم 2681/3 في 16/10/1381هـ المتضمِّن : أن على القاضي ألا ينظر في دعوى الإعسار إلا بعد تكليف المدعى عليه أولاً ، فإن امتنع فيُسجن ويُبحث عن موجوداته وتباع علناً ويسدد ما عليه ؛ وذلك حتى لا تضيع حقوق الناس . أ هـ .( )
فإذا ثبت بعد ذلك عسر المدين ولم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب بالتسديد، وحَرُم سجنه وملازمته ، ولا يُلزَم بإقامة كفيل عليه بناءً على التعميم الصادر من سماحة رئيس القضاة سابقاً برقم 286 في 23/5/1379هـ .( )
كما صدر تعميم وزارة العدل في السعودية برقم 12/28/ت في 14/2/1406هـ المشار فيه إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 17/1085في 4/1/1406هـ الموجه إلى أمراء المناطق ولسعادة مدير الأمن العام المعطى للوزارة صورة منه المشتمل على اللائحة المنظمة للإجراءات التي تُتَّبع في إدارات الحقوق المدنية عند المطالبة بحقوق خاصة ، الصادرة بالقرار الوزاري رقم 20 في 2/1/1406هـ ، ومما ورد في اللائحة المنوّه عنها ما يلي :
مادة (10) : إذا ادعى المدين الإعسار فيُسجن ، ما لم يقدم كفيلاً غرمياً مليئاً يؤدي عنه الدين خلال مدة يقبلها الدائن .
مادة (15) : إذا عرفت أموال للمدين أحيل مع دائنه بعد صدور صكٍ أو حكمٍ أو قرارٍ من الجهة المختصة بثبوت الدين إلى المحكمة الشرعية لتأمر بسداد دينه ولو اقتضى الأمر أن يبيع أمواله المنقولة أو العقارية أو بعضها وذلك خلال مدة تحددهـا.
مادة (16) : إذا لم يمتثل المدين لأمر المحكمة خلال المدة التي حددتها أحيل مع دائنه إليها لتقرير بيع ما يكفي من أمواله المنقولة ثم العقارية عليه وسداد دينه من ثمنها .
مادة (17) : إذا لم يُعرف للمدين مال ظاهر يمكن بيعه عليه ومضت على سجنه مدة مناسبة بالنظر إلى مقدار الدين دون الوفاء به وأصرَّ على ادِّعاء الإعسار أحيل مع دائنه إلى المحكمة الشرعية بعد صدور الصك أو الحكم من الجهة المختصة بثبوت الدين واستحقاقه للنظر في ادعائه الإعسار.
مادة (18) : إذا تبينت المحكمة أن المدين لم يكن متلاعباً بأموال الناس ، وأن الأموال التي عليه لم تكن بسبب جرائم تعمد ارتكابها من سرقات ونحوها ، وأنه غير ظاهر أن له أموالاً يخفيها ، وثبت لديها إعساره وحكمت بذلك في مواجهة دائنيه أو بعضهم ، فيجب إطلاق سراحه والكف عن ملاحقته .
مادة (19) : إذا تبينت المحكمة أن للمدين أموالاً يخفيها ؛ حتى لا يقتضي الدائن حقه منها، أو أنه متلاعب بأموال الناس، أو أن الأموال التي عليه كانت بسبب جرائم ارتكبها من سرقات ونحوها وحكمت برفض ادعائه الإعسار أو قررت إرجاء النظر في ادعائه الإعسار، فلا يجوز إطلاق سراحه ، ويُرفع الأمر لإمارة المنطقة للتوجيه بالإجراء المناسب أو لتحديد الموعد المناسب لطلب إعادة النظر في ادعاء الإعسار .
مادة (20) لا تنظر دعوى الإعسار بخصوص الغرامات المحكوم بها إلا في مواجهة ممثل بيت المال بعد استئذان المقام السامي أما غيرها من الأموال التي تكون مستحَقَّةً للدولة فيتبع في شأن تحصيلها ما هو مقرر بنظام حماية أموال الدولة ما لم يوجد نص نظامي خاص في منع المدعى عليه من السفر ” . أ هـ ( ) .
وكان قد صدر أيضاً تعميم معالي وزير العدل في السعودية برقم 136/12/ت في 28/10/1402هـ المرفق به الكتاب الصادر من المقام السامي برقم 4/ص/21795 في 17/9/1402هـ المتضمن الموافقة واعتماد ما جاء في قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 135/5/36 في 7/8/1402هـ المتضمن قواعد عامةً لإثبات الإعسار ومما ورد فيه ما يلي :
1 – من كانت عليه حقوق مالية وعجز عن وفائها ولم يكن متلاعباً بأموال الناس وثبت عسره لدى القضاء بمواجهة دائنيه بعد عجزهم عن إثبات وجود مال له ، فإن القاضي يصدر صكاً بذلك ، ومتى صدر صك مستكمل لمستلزماته وجب الكفُّ عن المعسر إلى حال يسره “. أ هـ.( )
وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية لم يتعرض لمسألة حبس المدين أو توقيفه فإن نظام المرافعات السعودي قد نصت ( المادة 230 ) منه على ما يلي : ” إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يمكن التنفيذ على أمواله جاز للمحكوم له طلب توقيف المحكوم عليه ، بموجب عريضة يرفعها إلى الحاكم الإداري المختص ، وعلى الحاكم أن يأمر بوقف الممتنع لمدة لا تزيد عن عشرة أيام ، وإذا أصرَّ المحكوم عليه على الامتناع عن التنفيذ بعد تلك المدة فيحال إلى المحكمة التي يقيم المحكوم عليه في نطاق اختصاصها للنظر في استمرار توقيفه أو إطلاق سراحه على ضوء النصوص الشرعية “.
كما نصت ( المادة 231 مرافعات سعودي) على ما يلي :
” متى كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار فيحال المحكوم عليه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للتحقق من إعساره أو عدمه ” .
ونصت ( المادة 232 مرافعات سعودي ) على ما يلي :
” إذا أدَّى المحكوم عليه بالتوقيف ما حُكم به أو أحضر كفيلاً غارماً أُطلق سراحه ، وفي كل الأحوال فمتى ظهر له مال فإطلاق سراحه لا يمنع من تنفيذ الحكم بطريق الحجز على أمواله بالطرق الاعتيادية ” . أ هـ .
المطلب الثاني : المنع من السفر
ومن طرق التنفيذ على الأشخاص المنع من السفر ، وقد نصت معظم النظم الوضعية على هذه المسألة ( المادتين 585،586 تجارية سعودي ) و ( المادتين 329 ، 330 إجراءات إماراتـي ) و ( المادتين 178، 179 معدّلة ( ) مرافعات بحريني )و ( المواد 405 – 407 مرافعات قطري ) و ( المادتين 297 ، 298 مرافعات كويتي ) .
أما بالنسبة للنظام السعودي فلم يتعرض تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية ولا نظام المرافعات لهذه المسألة .
بينما تعرَّض لها نظام المحكمة التجارية السعودي في ( المادتين 585،586) منه -كما أشرت آنفاً – فقد نصّت ( المادة 585 تجارية سعودي ) على ما يلي :
” كل شخص مطالب بحق شخصي مقام عليه به قضية في المحاكم التجارية مكلّف حين اعتزامه السفر بأن يقيم عنه وكيلاً شرعياً يواصل المرافعة عنه مدة غيابه حتى انتهاء القضية بالحكم له أو عليه ، وأن يقدّم لدائنه كفيلاً مليئاً غارماً لدى كاتب العدل ” .أهـ.
ونصّت ( المادة 586 تجارية سعودي ) على ما يلي :
” إذا طلب الدائن من المدين تأمينه بتقديم الكفيل وإقامة الوكيل وفاقاً لما نُصَّ عليه في المادة السابقة وامتنع عن إجابة طلبه فعلى الجهات المختصة منع المدين من السفر على أن يكون ذلك بطلب من الدائن وتبليغٍ قضائي صـادر من المحكمـة التجـارية حسب الأصول .أهـ .
كما صدر بشأن المنع من السفر التعميم الوزاري رقم 12/28/ت في 14/2/1406هـ المشار فيه إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 17/1085 في 4/1/1406هـ الموجَّه لأمراء المناطق ولسعادة مدير الأمن العام والمعطى للوزارة صورة منه والمشتمل على اللائحة المنظمة للإجراءات التي تُتَّبع في إدارة الحقوق المدنية عند المطالبة بحقوق خاصة .
ومما ورد في اللائحة المنوه عنها ما نصه :
” مادة (21) : يجوز للمدعي بحقٍ خاصٍّ الذي أقام الدعوى مطالباً بالحق الذي يدعيه أن يطلب منع خصمه المدعى عليه من السفر لخارج المملكة.
مادة (22) : يجب على من يطلب منع خصمه المدعى عليه من السفر لخارج المملكة أن يقدم كفيلاً مليئاً ؛ لضمان ما قد يترتب على منع خصمه من السفر من أضرارٍ حالَّةٍ إذا ظهر بطلان ادِّعائه .
مادة (23) : يقدَّم طلب منع سفر المدعى عليه للخارج لإدارة الحقوق المدنية وعليها إحالته فوراً إلى المحكمة التي تنظر دعوى المطالبة بالحق.
مادة (24) : تنظر المحكمة في طلب منع سفر المدعى عليه بحضور الطرفين وبعد سماع ما يقرره كل منهما أو وكيله الشرعي.
مادة (25) : إذا قرَّرت المحكمة منع المدعى عليه من السفر لخارج المملكة فيجب أن تحدِّد في قرارها مدة منعه ، فإذا لم تبتَّ في الدعوى قبل انقضائها بعشرة أيام نظرت في طلب تجديدها بناءً على طلب المدعي وبعد سماع أقوال المدعى عليه ، ويكون التجديد لمدة تحددها في قرارها ويجب أن تبت المحكمة في طلب التجديد قبل أسبوع على الأقل من تاريخ انقضاء مدة المنع السارية .
مادة (26) : إذا قررت المحكمة منع شخصٍ من السفر فلا يجوز إعطاؤه تأشيرة خروج من المملكة أو الإذن له بمغادرتها إلا بعد انقضاء المدة المحددة بقرار منعه بثلاثة أيام ما لم يصدر قرار تمديدها أو يرد إشعار من ذات المحكمة التي أصدرت قرار المنع ينص صراحةً على السماح له بالسفر .
مادة (27) : يجب على المحكمة تبليغ قرار منع المدعى عليه من السفر لخارج المملكة فور صدوره وكذا قرار إلغاء المنع والسماح للمدعى عليه بالسفر إلى الإمارة ، وعلى إمارة المنطقة إبلاغه لأقرب إدارة جوازات للتعميم بمقتضاه على إدارات الجوازات بجميع المنافذ والموانئ والمطارات .
مادة (28) : إذا لم تر المحكمة ما يدعو لمنع المدعى عليه من السفر فيجوز للمدعي أن يطلب من الإمارة عدم السماح للمدعى عليه بالسفر إلا بعد استيفاء الشروط الآتيـة :
أ – أن يقدم وكيلاً يباشر الدعوى أمام المحكمة نيابةً عنه في مواجهة المدعي الذي طلب منعه من السفر .
ب – أن يقدم كفيلاً مليئاً يضمن الوفـاء بالحق المدعى به في حالة الحكم للمـدعي باستحقاقه .
مادة (29) : بالنسبة للقادمين للحج والزيارة والقادمين للمملكة بطريق غير مشروع وبالنسبة لمجهولي الهوية المطلوب ترحيلهم تعطى لمن يدعي عليهم الفرصة لإثبات حقه بصورة سريعة ومستعجلة، ثم يسمح لهم بالسفر أو يُرحَّلون لخارج المملكة على أن يتابع صاحب الحق بعد ثبوته المطالبة بواسطة وكيله أو بواسطة الممثليات في الخارج إذا لم يكن قد تمكَّن من استحصال حقه قبل سفر من عليه الحـق .
مادة (30) : إذا كانت الحقوق التي يدعي بها المستدعي ناشئة عن ارتكاب المدعى عليه جريمةً كسرقةٍ أو اختلاسٍ أو خيانة أمانةٍ أو نحو ذلك وطلب المستدعي منع خصمه من السفر ، فيحال مع المدعى عليه إلى الجهة المختصة بالتحقيق الجنائي للمسارعة في إجراء التحقيق وسجن المدعى عـلـيـه في الأحوال الجائز فيها ذلك نظاماً، أو إحالته مع خصمه للمحكمة المختصة للبَتِّ في الدعوى .
مادة (31) : إذا كان المدين تاجراً والدين تجارياً وطلب الدائن منع مدينه من السفر -وسواءً كان الطلب قبل إقامة الدعوى أو بعدها – يحال مع المدعى عليه إلى هيئة حسم المنازعات التجارية للفصل في طلبه حسبما هو منصوص عليه في المادتين (580 ، 856 ) من نظام المحكمة التجارية ثم ينفذ ما تقرره الهيئة .
مادة (32) : في الأحوال الطارئة يجوز لأمير المنطقة الأمر بتأخير سفر المدعى عليه، مع إحالته فوراً مع المدعي إلى الجهة المختصة بنظر المنازعة بينهما ؛ لتقرير ما تراه بشأن منع المدعى عليه من السفر ، حسبما سلف إيضاحه “. أ هـ ( ).
المطلب الثالث : التنفيذ على ذات الأشخاص
ما تقدم ذكره من حبس المدين أو منعه من السفر لم تكن ذات المدين فيها موضوعاً للحكم وإنما كان ذلك مجرد وسيلة إكراه له للوفاء بالتزامه ، ولكن هناك حالاتٍ ينصبُّ فيها التنفيذ على الأشخاص إذا ما كان الشخص ذاته هو موضوع الحكم، كالمجرم في القضايا الجنائية ، وكتسليم الولد إلى وليِّه والمرأة إلى محرمها ، والتفريق بين الزوجين ، وتسليم الصغير والصغيرة للحاضنة . ( ) انظر 🙁 المادة 58 تنظيم سعودي ) ، و ( المادة 199 مرافعات سعودي) ، و( المادة 215 مرافعات كويتي ) ، و ( المادتـين 345، 346 شخصية تـرتيب مـصري ) ، و ( المادة 889 مرافعات ب ق مصري ) ( ).
فقد نصت ( المادة 58 تنظيم سعودي) – مثلاً -على ما يلي : ” تنفيذ الحكم بتسليم الولد إلى وليِّه والمرأة إلى محرمها وبالتفريق بين الزوجين وتسليم الصغير والصغيرة للحاضنة يكون جبراً بصورة مستعجلة نظامية ” . أ هـ .
ولكن يلاحظ أن الحكم بانقياد الزوجة إلى طاعة زوجها لا يتم تنفيذه جبراً عنها ، فقد صدر تعميم معالي وزير العدل برقم 8/ت/105 في 20/10/1411هـ الإلحاقي لتعميم الوزارة رقم 170/1/ت في 24/8/1394هـ المتضمِّن : أن على القاضي إذا رُفعت إليه قضية زوجية وحَكَم فيها على الزوجة بالانقياد لزوجها أن يذكر في الصك أنها إذا لم تمتثل فإنها تعتبر ناشزاً ، ويكون ذلك موجباً لسقوط حقوقها الزوجية ما دامت مصرَّةً على عدم الانقياد ، كما أكد التعميم المذكور على جهات التنفيذ بعدم استعمال القوة لتنفيذ مثل هذه الأحكام ( ).
هذا إذا لم تطلب المرأة الطلاق ، فإن طَلَبَتْهُ فإنها تعامل بموجب قرار هيئة كبار العلماء رقم 26 في 21/8/1394هـ المعمَّم من معالي وزير العدل برقم 55/12/ت في 22/3/1395هـ المبني على كتاب المقام السامي رقم 6895 في 1/3/1395هـ ، وقد تضمَّن هذا القرار عدة مراحل لنظر قضية النشوز والخلع آخرها أن ينظر القاضي في أمر الزوجين ويفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوضٍ أو بغير عوض. ( )
المطلب الرابع : موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ على الأشخاص
أولاً – الحبس( ) :
المدين إما أن يكون معسراً أو موسراً أو مجهول الحال.
فــالمـدين الــذي ثبـت إعـســاره يُمهَل حتى يوسر ؛ لقوله تعالى : (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ( ).
والمدين الموسر يعاقب بالحبس إذا امتنع من وفاء الدين الحالِّ عند جمهـور الفقهـاء( ) لقول رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – : “ليُّ الواجد ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته “( ).
أما المدين مجهول الحال الذي لا يُعرف غناه ولا فقره فيُحبس عند جمهـور الفقهاء بطلب من الغرماء حتى يستبين أمره . ( )
ومن هذا يتبين قُرب النظام السعودي من الشريعة الإسلامية في هذه المسـألة.
ثانياً – المنع من السفر :
إن المدين الذي حلَّ عليه أجل الدين ولزمه الوفاء – سواءً أكان ذلك بإقراره أم بحكم صادر عليه – ليس له الحق في السفر قبل وفاء ما عليه من حقوق، وليس هذا محل خلاف بين الفقهاء. ( )
أما بالنسبة للمدين الذي لم يحل موعد سداد ما عليه من دين فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المدين إذا أراد سفراً وعليه حق يحلُّ قبل عودته من سفره فلصاحب الحق مَنْعُه ما لم يقدِّم كفيلاً أو رهناً يفي بمقدار الحق ، وله منعه أيضاً إذا كان السفر مما لا يؤمن معه السلامة كالجهاد ونـحـوه حـتـى وإن كــان الــدين لا يــحــل مــوعد سداده إلا بعد العودة من السفر ؛ لما في مثل هذا السفر من خطر الموت وفوات الحق. ( ) وهذا المذهب يتمشى مع قاعدة : ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) ( ) ، وقاعدة : ( إذا تعارض المانع والمقتضي يُقدَّم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم ) ( ) .
فسفر المدين فيه مصلحة ومنفعة له ومفسدة ومضرة على الدائن لاحتمال فوات حقه، كما أن في منع المدين من السفر مفسدة ومضرة عليه لاحتمال ضياع مصالحه بسبب تأخر سفره بينما فيه مصلحة ومنفعة للدائن بحفظ حقه.
فالسفر والمنع منه كلاهما يتضمنان مصلحةً باعتبارٍ ومفسدةً باعتبارٍ آخر ، إلا أن مراعاة جانب الدائن أولى ؛ لأن الضرر الواقع عليه من سفر المدين قد لا يمكن رفعه بينما باستطاعة المدين رفع الضرر عن نفسه بتعجيل أداء الدين أو بإحضار من يكفله أو برهن شيء من عقاراته أو نحو ذلك . ومن القواعد الفقهية المقررة شرعاً : أنه ( يُرتكب أخفُّ الضررين لدفع أعلاهما ) ( ).
ومع أن الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة إلا أن الظاهر عدم اختلافهم في مشروعية منع المدين من السفر بناءً على طلب الدائن الذي يدّعى أن دينه قد حلَّ وذلك ريثما يصدر الحكم بإلزامه بالتسديد ؛ حفاظاً على الحقوق من الضياع .والله أعلم .
والنظم الوضعية تتفق في ذلك مع الشريعة الإسلامية .
ثالثاً – التنفيذ على ذات الأشخاص :
لقد أتت الشريعة الإسلامية بعقاب المجرم ، وقد يكون هذا العقاب قصاصاً وقد يكون حدّاً وقد يكون تعزيراً حسب نوعية الجريمة التي تمَّ ارتكابها، والدولة السعودية -أيَّدها الله -قائمة بتطبيق هذه الأحكام ، وهذا من فضل الله، وستستمر على ذلك إن شاء الله .
وبالنسبة لتنفيذ الحكم بتسليم الولد إلى وليِّه ، والمرأة إلى محرمها وبالتفريق بين الزوجين وتسليم الصغير والصغيرة للحاضنة جبراً بصورة مستعجلة ، يتمشى ذلك مع أحد المقاصد العامة للشريعة وهو جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم.
أما عدم جبر المرأة على الانقياد لزوجها بالقوة التنفيذية في النظام السعودي فذلك يتفق مع قول نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – : ( لا ضرر ولا ضرار ) الذي استُنبطت منه القاعدة الفقهية : ( الضرر يُزال ) ، فإلزام المرأة بالانقياد لزوجها مع بغضها الشديد له أو مع إيذائه لها , في ذلك ضرر عليها ، بل ربما ينتج عن ذلك الإضرار به أيضاً كقيامها بقتله للتخلص منه ، وقد لا يكون لديها من المال ما تتمكن معه من طلب الطلاق وافتداء نفسها من زوجها ، فلم يبق إلا الحكم بنشوزها إن أبت الانقياد له ما دامت لا تطيق العيش معه.
أما في حالة طلبها الطلاق ؛ لبغضها لزوجها أو عدم تمكُّنها من إثبات إيذائه لها وهي قادرة على فداء نفسها ، وكذلك في حالة ثبوت وقوع الضرر البالغ عليها حتى ولو لم تكن قادرةً في هذه الحالة على فداء نفسها بإعادة المهر ، فإنه في نهاية المطاف وبعد تعذُّر محاولات الصلح وإصرار الزوج على إمساكها يقوم القاضي بفسخ نكاحها حسبما يراه شرعاً بعوض أو بغير عوض.
الفصل الثاني
الاعتبار الثاني مدى استجابة المنفَّذ عليه
تنقسم طرق التنفيذ باعتبار مدى استجابة المنفَّذ عليه للحكم إلى قسمين :
أحدهما – التنفيذ الطوعي .
والآخر – التنفيذ الجبري. وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً – التنفيذ الطوعي : ويُسمَّي أيضاً التنفيذ الاختياري .
الأصل أن يقوم المدين بأداء التزامه أو بالوفاء بدينه بطوعه واختياره دون جبرٍ أو إكراهٍ من أحد ، سواءً أكان ذلك عن رغبةٍ في الوفاء أم عن رهبة من الإكراه عليه ، وسواءً أكان الالتزام التزاماً طبيعياً لا يملك صاحبه إجبار المدين على الوفاء به ؛ لعدم وجود سند تنفيذي يُلزم به ، أو كان الدائن قادراً على إجبار المدين على أدائه لوجود سند تنفيذي للحق. ( )
موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ الطوعي :
إن شريعة الإسلام -وهي شريعة الحق والعدل -تغرس في نفوس المسلمين الحرص على أداء الحقوق لأصحابها وعدم مماطلتهم قال تعالى : (( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ )) ( ) ، وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) ( ) وقال عز وجل : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) ( ) فالنظم الوضعية تتفق مع الشريعة الإسلامية في هذا الطريـق .
ثانياً – التنفيذ الجبري :
إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه اختياراً من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب الدائن ، كان للدائن –بما لَهُ من سلطة الإجبار – أن يجبر المدين على التنفيذ وفقاً للإجراءات التي تحدِّدها النظم . ( )
موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ الجبري :
يتفق الفقهاء على وجوب تنفيذ الحكم القضائي فور صدوره ولو أدَّى ذلك إلى حبس المدين أو الحجر عليه وبيع أمواله . حسب ما تم إيضاحه سابقاً. ( )
الفصل الثالث
الاعتبار الثالث مدى إمكانية أداء عين الحق المطلوب
تنقسم طرق التنفيذ بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أحدهما – التنفيذ المباشر .
والآخر- التنفيذ غير المباشر. وهما قسما التنفيذ الجبري .
أولاً – التنفيذ المباشر : ويسمى أيضاً التنفيذ العيني . وهو الطريق الذي يتم به التنفيذ الجبري للالتزام الذي ليس محله مبلغاً من النقود ، وسُمّي تنفيذاً مباشراً لأن اقتضاء الدائن لحقه يتم مباشرة ، وسُمّي تنفيذاً عينياً لأن الدائن يحصل على حقه نفسه وليس شيئاً آخر يقوم بديلاً عنه .
فالمقصود بالتنفيذ المباشر إجبار المدين على القيام بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً – ولو أدى ذلك إلى حبسه – أو القيام بالتنفيذ على نفقته فإن كان الالتزام بتسليم عينٍ معيّنة أو منقولٍ معيّن، أو كان الالتزام بعملٍ معيّن – مثل إقـامة بناء أو إغلاق نافذةٍ أو شق قناة ريٍّ – أو بالامتناع عن عملٍ معيّن – مثل عدم فتح محل ، أو عدم غرس أشجار , أو عدم إقامة بناءٍ , كان للدائن – إذا رغب في ذلك – إلزام المدين بتنفيذ عين ما التزم به ، ويتم إجبار المدين –بعد إعذاره – على القيام بذلك إذا كان التنفيذ بهذا الطريق ممكناً ، فلو تلف الشيء الذي كان المدين ملزَماً بتسليمه – مثلاً – فإن هذا الالتزام يتحول إلى تسليم مبلغ من النقود على سبيل التعويض. ( )
وقد تضمّنت ( المواد 321-323 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 289 – 291 مرافعات كويتي ) إجراءات هذا النوع من التنفيذ ، وأشارت إليه ( المادة 583 تجارية سعودي ) .
ثانياً – التنفيذ غير المباشر : ويسمى التنفيذ بالحجز ونزع الملكية.
وهـو طـريـق تـنفيذ الالتزام الذي محلُّه مبلغ من النقود ، سواءً أكان ذلك أصلاً أم كان ذلك مالاً ؛ بسبب عدم إمكان تنفيذ الالتزام مباشرةً وتحوّله إلى التزامٍ بمبلغٍ من النقود ، ومن قــواعــد الـفـقـه الـرومــانـــي أنـه ( إذا حقّ الرد وجب حصوله على وجهٍ يعيد للمستردِّ أصل حقه كاملاً ) ( ).
فالتنفيذ غير المباشر هو التنفيذ الذي يقع على غير محل الحق الموضوعي المراد اقتضاؤه من المدين ، ويتم عن طريق الحجز على أمواله – العقارية أو المنقولة – ونزع ملكيتها منه وبيعها جبراً عنه لاستيفاء حق الدائن من ثمنها. ( )
وقــد تـضـمـَّنـت ( المادة 202 وما بعدها مرافعات سعودي ) و ( المادة 564 وما بعدها تجارية سعودي ) و ( المادة 247 وما بعـدها إجراءات إماراتـي ) و ( المادة 176 ، والمادة 273 وما بعدها مرافعات بحريني ) ، و ( المواد 398-404، 408 وما بعدها مرافعات قطري ) ، و ( المادة 216 وما بعدها مرافعات كويتي ) و ( المادة 316 وما بعدها مرافعات مصري ) إجراءات هذا النوع من التنفيذ .
موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ المباشر والتنفيذ غير المباشر :
حيث أن التنفيذ المباشر والتنفيذ غير المباشر هما نوعا التنفيذ الجبري ، فإن موقف الشريعة الإسلامية منهما هو ذاته موقفها من التنفيذ الجبري .
ولكن ينبغي التنبيه هنا إلى أن الفقهاء أشاروا إلى مسألة ضمان المِثليِّ والقيميِّ ، فذهبوا إلى ضمان المثلي بمثله . أما القيمي فذهب جمهورهم – في الجملة – إلى أنه يضمن بقيمته .
والمثليُّ : هو ماله مِثْلٌ شكلاً وصورةً من أصل الخلقة ، كالمكيل والموزون، فله وصف ينضبط به ويُنسب إليه .
ومن أمثلته : الحبوب والثمار والعسل .
والقيميُّ : هو ما لا وصف له ينضبـط به في أصل الخلقة حتى يُنسب إليه، كالعبد والدار. ( )
والمسائل التي يقع فيها الضمان عديدة منها : إذا فات المغصوب في يد غاصبه ، ومنها : إذا فات المبيع في يد المشتري وكان عقد البيع فاسداً ، ومنها : إذا فات ما تم اقتراضه في يد المقرض ، ومنها : إذا فـات الـصـداق المعــين في يد الزوج قبل تسليمه للزوجة، ومنـها إذا فـات المقبوض في يـد الوكيـل ، ومنها : إذا فات المعار في يد المستعير.
وقد ذكر بعض الفقهاء أن أسباب فوات الحق أربعة ، وهى :
1 – تغيُّرُ الذات .
2 – تغيُّرُ الملك .
3 – الخروج عن اليد بالبيع .
4 – تعلُّقُ حق الغير به .
والأصل هو الأداء ، وقد ذكر بعض الفقهاء أن الأداء نوعان : كامل وناقص . فالكامل هو : أداء عين الحق دون أن يتغيّر. والناقص هو : أداء الحق بعد تغيُّره ، كمن غصب حنطةً فطحنها فإنه يلزمه ردُّها مع أرش نقصها.
كما ذكروا أن القضاء نوعان أيضاً : كامل ، وقاصـر . فالكـامل تسلـيم مثل الواجب صورةً ومعنىً ، كمن غصب عشرة أوسق ( ) حنطةً فاستهلكها فإنه يلزمه ردُّ عشرة أوسقٍ حنطةً ، ويكون المؤدى مِثْلاً للأول صورةً ومعنىً ، وأما القاصر فهو ما لا يماثل الواجب صورةً ويماثل معنىً ، كمن غصب شاةً فهلكت ضمن قيمتها ، والقيمة مثل الشاة من حيث المعنى لا من حيث الصـورة ( ).
الفصل الرابع
الاعتبار الرابع الحجز على الأموال
الحجز هو : عبارة عن جميع الإجراءات الموصلة إلى وضع الأموال -منقولةً كانت أو عقاريةً – تحت أمر القضاء أو تحت يده .
وتنقسم طرق التنفيذ بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أحدهما – الحجز التحفُّظِي .
والآخر – الحجز التنفيذي .
وبيان ذلك فيما يلي :
أولاً – الحجز التحفُّظي : هو وضع مال من أموال المدين تحت يد القضاء لا تمهيداً لبيعه وإنما تفادياً لخطر تهريبه من قبل المدين بإخفائه أو بالتصرف فيه،مما يؤدي إلى عدم تمكن الدائن من استيفاء حقه .
فالحجز التحفظي مجرد وسيلةٍ وقتيةٍ للمحافظة على الضمان العام المقرر للدائن على أموال مدينه ، تستهدف عدم نفاذ تصرفات المدين بالنسبة للأموال محل الحجز في مواجهة الدائن ، فضلاً عن تقييد حق المدين في استعمال هذه الأموال واستغلالها . ( )
وقد تضمنت ( المواد 208-216 مرافعات سعودي ) و ( المواد 564- 584 تجارية سعودي ) و ( المواد 256-270 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 304-309 مرافعات بحريني ) ، و ( المواد 398-404 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 222-241 مرافعات كويـتي ) ، و ( المواد 316-352 مرافعات مصـري ) إجراءات الحجز التحفظي .
فللدائن أن يطلب إيقاع الحجز التحفظي على منقولات مدينه إذا لم يكن للمدين محل إقامة ثابت في الدولة أو خشي الدائن لأسباب مقبولة اختفاء المدين أو تهريب أموالـه.
ولمؤجر العقار أن يطلب إيقاع الحجز التحفظي على المنقولات أو الثمار الموجودة في العين المؤجرة ضماناً للأجور المستحقة .
ولمن يدعي ملك المنقول أن يطلب إيقاع الحجز التحفظي عند من يحوزه متى كانت هناك دلائل واضحة تؤيد ادعاءه .
وللدائن بدين مستقر حالِّ الأداء – ولو لم يكن بيده حكم قابل للتنفيذ – أن يطلب إيقاع الحجز التحفظي على ما يكون لمدينه لدى الآخرين من الديون ولو كانت مؤجلةً أو معلَّقةً على شرطٍ وما يكون له مـن الأعيان المنقولة في يـد الغير ( المواد 208-211 مرافعات سعودي ) .
وقــد صــدر تــعــمــيم معالي وزير العدل السعودي برقم 8/ت/88 في 27/5/1410هـ المتضمن : عــدم الــشــرح عــلـى سجل أي صك بالتحفظ أو الإلغاء إلابإذن من الوزارة أو بطلب من حاكم شرعي . أ هـ. ( )
وسند الحجز التحفظي قد يكون سنداً تنفيذياً ، وقد يكون حكماً غير واجب النفاذ، كالحكم الذي لم يكتسب الصفة القطعية ، وقد يكون أمراً من القاضـي .
وفي الحالة الأخيرة لابُد أن يقوم الدائن برفع دعوى ثبوت الحق وصحة الحجز خلال مدةٍ معيَّنة من تاريخ إيقاع الحجز، وإلا اعتبر الحجز ملغياً كأنه لم يكن. وقدر هذه المدة عشرة أيام حسب ما نصت عليه ( المادة 214 مرافعات سعودي ) ( ) بينما تم تحديدها بثمانية أيام في ( المـادة 575 تـجـاريـة سـعودي ) و ( المادة 255/2 إجراءات إماراتـي ) و ( المادة 308 مرافعات بحريني قبل تعديلها ) ، و ( المادة 225 مرافعات كويتي ) و ( المادة 320 مرافعات مصري ) ، وفي النظام البحريني حُدِّدَت المدة أخيراً بخمسة عشر يوماً ( المادة 308 معدَّلة مرافعات بحريني).( ) أما في قطر فقد حددت ( المادة 402 مرافعات قطري ) هذه المدة بأسبوعين.
وتقْرُبُ من مسألة الحجز التحفظي مسألة الحراسة عند نظر الدعوى فللمحكمة المختصة بنظر الموضوع – في المنقول أو العقار الذي يقوم في شأنه نزاع ويكون الحق فيه غير ثابت – أن تأمر بالحراسة – بعد رفع دعوى طلبها – إذا كان صاحب المصلحة في المنقول أو العقار قد قدَّم من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه ، ويتكفل الحارس بحفظ المال وبإدارته وبــردِّه مــع غــلــته المقبوضـة إلى من يثبُت له الحـق فيـه ( المادة 239 مرافعات سعودي ) وانــظــر ( المواد 240 – 245 مرافعات سعودي ) .وموضوع هذا النوع من الحراسة القضائية يتم بحثه عادةً في الأنظمة المدنية لا أنظمة المرافعات ، انظر – مثلاً – ( المواد 729-738 مدنـي مصري ). ( )
ثانياً – الحجز التنفيذي : هو وضع مال من أموال المدين تحت يد القضاء تمهيداً لبيعه وتوزيع الناتج عنه على الدائنين .
فالحجز التنفيذي هو أول إجراء من إجراءات التنفيذ على أموال المدين.( )
وقد تضمنت ( المواد 217 – 229 مرافعات سعودي ) ، و ( المواد 271 – 315 إجراءات إماراتـي ) ، و ( المواد 275 – 303 مرافعات بحريني) و ( المواد 408 – 498 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 242 – 281 مرافعات كويتي ) و ( المواد 353 – 468 مرافعات مصري ) إجراءات الحجز التنفيذي سواءً أكان ذلك على المنقول أم العقار أم الأسهم والسندات والإيرادات والحصص ، وبيعها بعد الإعلان عنها ، بما في ذلك مـن تـنبيهٍ بنـزع ملكية العقار وإنذار الحائز وتسجيلهما ، وإيداع قائمة شروط البيع والاعتراض عليها ، وإجراءات البيع بالمزاد العلني والحكم بإيقاعه والاعتراضات الواردة عليه ، وانقطاع إجراءاته ، وحالة ما إذا كانت الأموال لدى المدين أو كانت للمدين لدى الغير .
الفرق بين الحجز التحفظي والحجز التنفيذي ما يلي :
1 – أن الحجز التحفظي لا يلزم لإجرائه وجود سند تنفيذي مع الحاجز ، أما الحجز التنفيذي فلا بد أن يكون مع طالبه سند تنفيذي .
2 – أن الحجز التحفظي لا تسبقه مقدمات التنفيذ بل يقتضي غالباً مفاجأة المدين قبل أن يتمكن من التصرف في أمواله ، وإن كان لا بد من إعلانه بهذا الحجز بعد وقوعه . أما الحجز التنفيذي فلا بد أن تسبقه مقدمات التنفيذ من إعلان المدين بالسند التنفيذي وتكليفه بالوفاء وانقضاء ميعاد التنفيذ .
3 – أن الحجز التحفظي لا يخوِّل الحاجز سلطة تحريك إجراءات نزع الملكية . أما الحجز التنفيذي فيخوِّل الحاجز هذه السلطة .
4 – أن الـحـجـز الـتحفظي في العديد من النظم الوضعية لا يرد على العقار وإنما على المنقول فقط ( المواد 208-216 مرافعات سعودي ) و ( المواد 252-270 إجراءات إماراتـي )، و( المواد 304 – 309 مرافــعــات بحريني ) ، و ( المواد 398 – 404 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 222-241 مرافعات كويتي ) ، و ( المواد 316-352 مرافعات مصري ) .
أما الحجز التنفيذي فيرد على العقار والمنقول ( المواد 217-229 مرافعات سعودي ) ، و ( المواد 217 – 315 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 275 – 303 مرافعات بحريني ) ، و ( المواد 408 – 498 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 242 – 281 مرافعات كويتي ) ، و ( المواد 353 – 468 مرافعات مصـري ) .
وقد انتقد شُرَّاح نظام المرافعات المصري عدم ورود الحجز التحفظي على العقار ؛ لأن العقار إذا كان لا يمكن تهريبه مادياً فإنه يمكن تهريبه نظاماً بالتصرف فيه بالبيع وغيره، وإخراجه بالتالي من ضـمـان حـق الـدائـن ، ولـهـذا تُنظِّم بعض النظم حجزاً تحفظياً على العقار أسوةً بالحجز على المنقول ( المادة 572 تجارية سعودي)، و ( المادة 616 أصول محاكمات لبنانـي) و ( المادة 671 مرافعات إيطالي )( ) ؛ علماً بأن ( المادة 208/2 لوائح مرافعات سعودي ) نصت على ما يلي : ( إذا كان المتنازع فيه عقاراً وقد أقيمت فيه الدعوى فللقاضي بناءً على طلب الخصم أن يأمر بوقف نقل الملكية وما في حكمها حتى تنتهي الدعوى إذا ظهر له ما يبرر ذلك ) وهذا يعني جواز إيقاع الحجز التحفظي على العقار ولكن في حدود الدعوى المرفوعة أي إذا كانت الدعوى مرفوعة حول ذات العقار فقط .
ومن قواعد الفقه الرومانـي أنه( إذا لم توجد منقولات يحجز على العقار)( ).
5 – في الحجز التحفظي لابد أن يكون الدين حالَّ الأداء ومُحقَّق الوجود ، ولا يلزم أن يكون مُعيَّن المقدار ،وإنما يتم تقديره بحكم القضاء ولو بعد إجراء الحجز ، أما الحجز التنفيذي فلا يجوز إيقاعه إلا إذا كان الدين حالَّ الأداء ومحقَّق الوجود ومُعيَّن المقدار . 6 – إذا حُكم ببطلان الحجز التحفظي أو بإلغائه لانعدام أساسه فإنه يُحكم على الحاجز في بعض النظم بغرامة فضلاً عن التعويضات للمحجوز عليه. أما إذا حُكم ببطلان الحجز التنفيذي أو إلغائه فلا عقاب على الحاجز ولا يُسأل عن التعويضات إلا إذا ثبت خطؤه أو سوء نيته ( ).
تحوُّل الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي :
حتى يتمكن الحاجز حجزاً تحفظياً من استيفاء حقه من ثمن الأموال المحجوزة لابد أن يسعى إلى تحويل الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي ، ويتم ذلك عن طريق استيفاء شروط الحجز التنفيذي ، وأهمها أن يكون بيد الدائن سندٌ تنفيذي مؤكِّدٌ لحقٍّ مُحقَّق الوجود حالِّ الأداء مُعيَّن المقدار ، وكذلك استيفاء مقدمات التنفيذ التي منها إعلان المدين بالسند التنفيذي وتكليفه بالوفاء وانقضاء ميعاد التنفيذ في الأنظمة التي تشترط ذلك ( ).
موقف الشريعة الإسلامية من الحجز والحراسة على الأموال :
أولاً – الحجز التنفيذي :
ما دام أن الحجز التنفيذي على أموال المدين إنما هو تمهيد لبيعها فهو يُعَدُّ أول إجراءات التنفيذ الجبري ، وقد سبق بيان مشروعية التنفيذ الجبري ( ).
ثانياً – الحجز التحفُّظي :
إن من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم، وما دام أن الحجز التحفظي فيه مصلحة للدائن حتى لا تضيع حقوقه ، وإذا كان الدائن قد أعطى من الضمانات مالا تبقى معه مضرة على المدين، فإنـي أرى مشروعية الحجز التحفظي. والله أعلم .
ثالثاً – الحراسة :
لقد كان الفقهاء يسمون الحارس : أمين القاضي ، ووكيله ، وعدلاً ، وثقةً، ونحو ذلك من الاصطلاحات ، التي تدل على الصفات الواجب توافرها في شخص الحارس ، وقد طبق فقهاء الشريعة الإسلامية الحراسة القضائية على حالات عديدة منها : حالة النـزاع على ملكية الأشياء سـواءً أكـانــت عقاريةً أم منقولةً ، ومنها : حالة الحجر على أموال المدين لحفظ حق الدائنين ، ومنها : حالة دعوى الإرث فإذا رفعت هذه الدعوى من أحد الورثة في غياب الباقين منهم ، فإن القاضي يأمر بتسليم الوارث الحاضر نصيبه ، ويضع أنصبة الغائبين عند حارس.
فالشريعة الإسلامية أوسع من النظم الوضعية في تطبيق الحراسة القضائية ( ).
الفصل الخامس
الاعتبار الخامس مصدر الحكم المراد تنفيذه
تنقسم طرق التنفيذ بهذا الاعتبار إلى قسمين : أحدهما أحكام محلية أو وطنية، وثانيهما أحكام أجنبية ، وبيان ذلك فيما يلي :
أولاً – الأحكام المحلية أو الوطنية : المقصود بذلك ما يصدر من أحكام من نفس الدولة المطلوب التنفيذ فيها . وهذا النوع هو الغالب من الأحكام ولا إشكال في وجوب تنفيذها تنفيذاً جبرياً متى ما توفرت الشروط التي سبقت الإشارة إليها .
كما سبق بيان موقف الشريعة الإسلامية من ذلك ( ).
ثانياً – الأحكام الأجنبية : تتفق النظم الوضعية على تنفيذ الأحكام القضائية وأحكام المحكَّمين والسندات الصادرة من دولة أجنبية ، وذلك بعد قيام المحكمة المختصة أو إدارة التنفيذ بالتأكد من توافر الشروط المطلوبة لذلك . انظر : ( المواد 235 – 238 إجراءات إماراتـي ) ، و ( المواد 252 – 255 مرافعات بحريني) و ( المواد 379 – 383 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 199 – 203 مرافعات كويتي ) ، و ( المواد 296 – 301 مرافعات مصري ) .
أما في المملكة العربية السعودية فإن ديوان المظالم هو الجهة المختصة بالفصل في طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية ( المادة 8 / ز مظالم سعودي ).( )
وانظر التعميم الصادر من معالي وزير العدل برقم 8/ت/191 في 5/8/1414 هـ( ) المبلِّغ لقرار مجلس الوزراء الصادر برقم 78 في 14/7/1414هـ الذي نصت الفقرة ثانياً منـه على ما يـلي : ” يختـص ديوان المظالم بالنظر في طلبات تنفيذ أحكام المحكَّمين الأجنبية “. أ هـ .
وقد تضمن قرار مجلس الوزراء المنوَّه عنه : الموافقة على انضمام المملكة إلى اتفاقية الاعتراف وتــنفيذ أحكام المحكَّمين الأجنبية لدى هيئة الأمم المتحدة على أنها ستُقصر على إقليم دولة متعاقدة .
وقد نصت (المادة الخامسة / 2) من هذه الاتفاقية على ما يلي : يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف وتنفيذ حكم المحكَّمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبيَّن لها :
( أ ) أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النـزاع عن طريق التحكيم .
( ب) أو أن في الاعتـراف بحـكم المحكَّمين أو تنفيذه ما يخـالف النظـام العام في هذا البلد ” . أهـ.
كما أن الاتفاقية المعقودة بين دول الجامعة العربية –حول تنفيذ الأحكام –الواردة لرئاسة القضاة شفع كتاب مدير مكتب وزارة الخارجية بالرياض رقم 1/28/68 في 11/4/1390هـ ، المعمَّمة على المحاكم من سماحة نائب رئيس القضاة برقم 67 / 2/ت في 16/5/1390هـ المتضمنة : أن حكومات السعودية والأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن قد اتفقت على عدة أمور تتعلق بتنفيذ الأحكام فيما بين دولها ، نصَّت ( المادة الثانية ) منها على ما يلي : ” لا يجوز للسلطة القضائية في الدولة المطلوب إليها التنفيذ أن تبحث في موضوع الدعوى ، ولا يجوز لها أن ترفض تنفيذ الحكم إلا في الأحوال الآتية :
أ – إذا كانت الهيئة القضائية التي أصدرت الحكم غير مختصة بنظر الدعوى بسبب عدم ولايتها – عدم الاختصاص المطلق – أو بحسب قواعد الاختصاص الدولي.
ب – إذا كان الخصوم لم يُعلَنوا على الوجه الصحيح .
ج – إذا كان الحكم مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، وهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها ، أو إذا كان الحكم مناقضاً لمبدأ معتبر كقاعدةٍ عموميةٍ دوليةٍ .
د – إذا كان قد صدر حكم نهائي بين نفس الخصوم في ذات الموضوع من إحدى محاكم الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، أو أنه توجد لدى هذه المحاكم دعوى قيد النظر بين نفس الخصوم في ذات الموضوع رُفعت قبل إقامة الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه ” .أ هـ.
كما نصَّت ( المادة الثالثة ) منها على ما يلي : ” مع مراعاة ما ورد في المادة الأولى من هذه الاتفاقية ( ) لا تملك السلطة المطلوب إليها تنفيذ حكم محكَّمين صادر في إحدى دول الجامعة العربية إعادة فحص موضوع الدعوى الصادر فيها حكم المحكَّمين المطلوب تنفيذه ، وإنما لها أن ترفض طلب تنفيذ حكم المحكَّمين المرفوع إليها في الأحوال الآتية :
أ – إذا كـان قانون الدولة المطلوب إليها تنفيذ الحكم لا يجيز حَلَّ موضوع النـزاع عن طريق التحكيم .
ب – إذا كان حكم المحكَّمين غير صادرٍ تنفيذاً لشرطٍ أو لعقد تحكيمٍ صحيحين .
ج – إذا كان المحكَّمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر قرار المحكَّمين على مقتضاه .
د – إذا كان الخصوم لم يُعلَنوا بالحضور على الوجه الصحيح .
هـ – إذا كان في حكم المحكَّمين ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، وهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها .
و – إذا كان حكم المحكَّمين ليس نهائياً في الدولة التي صدر فيها “. أ هـ. ( )
أما بالنسبة للمستندات التي يجب إرفاقها بطلب التنفيذ المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذه الاتفاقية فقد سبق بيانها عند الكلام عن مقدمات التنفيذ ( ).
كما أن اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السـادسة عشرة التي عُقدت بمدينة مسقط خلال الفترة من 12 إلى 14 رجب لعام 1416هـ المصادق عليها بالمرسوم الملكي الكريم الصادر برقم م / 3 في 28/4/1417هـ ( ) قد نصَّت( المادة 2) منها على ما يلي :
” يُرفض تنفيذ الحكم كلِّه أو جزءٍ منه في الحالات الآتية :
أ – إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو أحكام الدستور أو النظام العام في الدولة المطلوب إليها التنفيذ .
ب – إذا كان غيابياً ولم يُعلَن الخصم المحكوم عليه بالدعوى أو الحكم إعلاناً صحيحـاً.
ج – إذا كـان الـنــزاع الصادر في شأنه الحكم محلاً لحكمٍ سابقٍ صادرٍ في الموضوع بين الخصوم أنفسهم ، ومتعلقاً بذات الحـق محلاً وسبباً ، وحـائزاً لقوة الأمر المقضـي به لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ أو لدى دولةٍ أخرى عضوٍ في هذه الاتفاقية .
د – إذا كان النـزاع الصادر في شأنه الحكم المطلوب تنفيذه محلاً لدعوى منظورة أمام إحدى محاكم الدولة المطلوب إليها التنفيذ بين الخصوم أنفسهم ويتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ، وكانت هذه الدعوى قد رُفعت في تاريخ سابق على عرض النـزاع على محكمة الدولة التي صدر عنها الحكم .
هـ – إذا كان الحكم صادراً ضد حكومة الدولة المطلوب إليها التنفيذ أو ضد أحد موظفيها عن أعمال قام بها أثناء الوظيفة أو بسببها فقط .
و – إذا كان تنفيذ الحكم يتنافى مع المعاهدات والاتفاقات الدولية المعمول بها لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ “. أ هـ. ( )
أما بالنسبة للمستندات التي يجب إرفاقها بطلب التنفيذ فقد سبق بيانها عند الكلام عن مقدمات التنفيذ ( ) .
علماً بأنه قد صدرت بعد ذلك اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي التي أقرّها مجلس وزراء العدل العرب وتم التوقيع عليها بمدينة الرياض بتاريخ 23/6/1403هـ الموافق 6/4/1983م المصادق عليها بالمرسوم الملكي الكريم الصادر برقم م/14 في 12/8/1420هـ , وقد تضمن الباب الخامس من هذه الاتفاقية وجوب الاعتراف بالأحكام الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والإدارية وقضايا الأحوال الشخصية وتنفيذها وفق الشروط المتعارف عليها , فلا يتم رفضه إلا في الحالات الواردة في المادة ( 30) بالنسبة للأحكام القضائية والمادة (37) بالنسبة لأحكام المحكمين , وقد ورد في هاتين المادتين ـــ من ضمن ما نصت عليه ـــ رفض تنفيذ الحكم إذا كان مخالفاً للشريعة الإسلامية .
وسواءً أتمَّ النص على عدم جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية المخالفة للشريعة الإسلامية -كما في الاتفاقيتين الأخيرتين – أم لم يتم النص على ذلك – كما في الاتفاقيتين السابقتين – فإن عدم جواز تنفيذ هذه الأحكام في السعودية يعد أمراً مُسلَّماً به ؛ لأن النظام العام – الذي نصت عليه الاتفاقيتان السابقتان – هو الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية ( ) .
ومما يؤكد ذلك التعميم الصادر من معالي رئيس ديوان المظالم السعودي برقم 7 في 15/8/1405هـ حيث أن الفقرة ثالثاً منه –بعد الإشارة إلى أن للدولة الحق في رفض تنفيذ الحكم الأجنبي إذا كان مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ نصت على ما يلي : ” إن أهم ما يتعين الالتزام به لدى النظر في طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية أنه لما كانت الشريعة الإسلامية هي الدستور والمرجع الأعلى للقضاء والحكم بالمملكة العربية السعودية ، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال تصور إمكان إقرار تنفيذ أي حكم أجنبي إذا كان مخالفاً لأصل من الأصول العامة للشريعة .
وقد استقر قضاء ديوان المظالم على ذلك منذ المرحلة السابقة على نفاذ نظامه الجديد حيث جرى على رفض تنفيذ بعض الأحكام الأجنبية فيما تضمنته من فوائد ربوية، ونؤكد على ضرورة الالتزام الكامل والمطلق بأحكام شرعنا الحنيف باعتبار أن هذا أمر مُسَلَّمٌ به ويسمو على كل ما عداه “. أ هـ .
موقف الشريعة الإسلامية من تنفيذ الأحكام الأجنبية :
إذا كانت الأحكام المطلوب تنفيذها صادرةً من دول أخرى ، فما وافق منها الشريعة الإسلامية وجب تنفيذه وما خالفها لم يجز تنفيذه .
ولابد من التنبُّه هنا إلى المسائل الآتية :
أولاً : هل القاضي الذي أصدر الحكم مسلم أم كافر ؟
ثانياً : هل تتوفر شروط القضاء فيمن أصدر الحكم ؟
ثالثاً : هل من قام بتولية القاضي سواءً أكان رئيس دولة أو نحـوه له ولاية شـرعية ؟
رابعاً : هل الحكم في ذاته متفق مع الشريعة الإسلامية أم هو متفق مع نظم وضعية تخالف الشريعة الإسلامية ؟
خامساً : هل وسائل الإثبات والثبوت التي يعتمد عليها القاضي من بيّنات وقرائن يمكن الاعتماد عليها شرعاً أم لا ؟
فبالنسبة للبلدان التي لا تحكم بشريعة الله لا شك أن المسلمين فيها لا يمكن أن يُتركوا سُدىً ، بل إذا كانت لهم جماعة قائمة وجب عليها أن تعمل من خلال القنوات الرسمية على تنصيب قاضٍ مسلم فإذا تم تنصيبه فإنه يعتبر قاضياً شرعاً وتَنْفُذُ تصرفاته وتُقبل خطاباته إن كان صالحاً للقضاء ، وإن لم تستطع جماعة المسلمين ذلك رسمياً فلتنظر إلى القضاة الذين نصبتهم حكوماتهم فإن كان فيهم من يصلح للقضاء اعتمدت الجماعة تنصيبهم ؛ فتكون توليتهم صحيحةً شرعاً لصدورها من جماعة الحل والعقد من المسلمين.
وإن لم يكن للمسلمين في بلد من هذه البلدان جماعة منتظمة ، فمن كان أهلاً للقضاء من الذين نصبتهم الحكومات يستمد سلطته الشرعية من تراضي الناس عليه فيكون كالمحكَّم ( ) .
أما القضاة الكفار الذين تنصبهم الدولة الكافرة لفصل الخصام بين رعاياها وتطبيق أنظمتها فبالإمكان اعتبار مخاطباتهم مجرد قرائن ، فيقبل القاضي المسلم منها ما اقتنع بصحته؛ للضرورة وعموم البلوى ( ) . والله أعلم .
نموذج عملي تطبيقي للحجز والتنفيذ
سعادة/محافظ وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد … فتجدون طيه المعاملة الواردة إلينا برقم ……. في ……………… المتعلقة بالحجز على المعــدات والآلات المـنـقــولــة المــوجــودة في مـصـنـع الـخـرسانة العائدة لـــ …………… والعائدة ملكية الـثـابـت منه لورثة …………….. الواقع في ……………. والمستأجــرة أرضــه من الــورثة المذكـــورين وحـيــث أن المــذكــور مــطــالــب لــعــدة غـــرماء بمبلغ قدره ………….. ولم يقم بسداد شيء من المبالغ التي في ذمته حتى الآن مع أنها ثابتة في ذمته بموجب صكوك شرعية وقرارات من وزارة التجارة .
هذا وبناء على المادتين رقم 218 و219 من نظام المرافعات الشرعية فقد قررنا تشكيل لجنة مكونة من : مندوب عن المحافظة ومندوب عن المحكمة ومندوب عن الشرطة . وتتولى هذه اللجنة إنهاء إجراءات الحجز على المصنع وبيعه مع إفهام من يشتري المصنع بأن عليه نقل المعدات والآلات التــابــعــة للمصنع فوراً مالم يتفق مع مالك أرض المصنع على استئجارها وتقوم هذه اللجنة بما يلي :
أولاً ــ الحجز على معدات وآلات المصنع وذلك بإعداد محضر تفصيلي تبين فيه مفردات الأشياء المحجوزة مع ذكر أوصافها وبيان قيمتها التقريبية ، ويقوم أهل الخبرة في مصانع الخرسانة بالإشتراك مع اللجنة المذكورة وذلك لبيان قيمة المواد المحجوزة على وجه التقريب , ويقوم بإعداد المحضر القائم بالحجز في قسم الحجز والتنفيذ في المحكمة ويجب أن يشتمل محضر الحجز على ما يأتي :
أــ رقم صك الحكم وتاريخه .
ب ــ مكان إقامة المحجوز عليه ومحل عمله .
ج ــ مكان الحجز .
د ـــ ذكر مفردات الأشياء المحجوزة وأوصافها وبيان قيمتها التقريبية .
هـ ـــ تحديد يوم البيع وساعته والمكان الذي يجري فيه .
وذلك وفق المادة (220) من نظام المرافعات الشرعية ولوائحها التنفيذية .
ثـانياً ــ تـستمر الحراسة على المصنع المشار إليها في الكتاب الصادر من سعادة وكيل إمارة ……………. برقم …….. في ……………… .
ثالثاً ـــ إعداد محضر حجز إجمالي إلحاقي يتضمن :
أ ـــ نوع الأشياء المحجوزة ووصفها بالإجمال .
ب ـــ ما قام به الحاجز من إلصاق البيان (أي محضر الحجز الإجمالي ) على باب مكان الحجز وكذا في اللوحة المعدة لذلك بالمحكمة وتزويدنا بنسخة من هذا المحضر ليتم وضعه في لوحة الإعلانات . وذلك وفق المادة (221) من النظام المذكور ولوائحها التنفيذية .
رابعاً ــ يتم تسليم صورة من محضر الحجز التفصيلي وكذلك نسخة من الإعلان إلى شخص المحجوز عليه أو وكيله ويعطى مهلة عشرة أيام من تاريخ التبليغ وذلك وفق المادة (220/3) من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات والمادة (224) من النظام المذكور حيث أن المدعى عليه هارب فيتم إبلاغه عن طريق الجهات التنفيذية (أي عن طريقكم ) وذلك وفق الفقرة المادة (ط) من المادة (18) من نظام المرافعات والمادة (18/4) من اللوائح التنفيذية للنظام المذكور ، وأرى أيضا ًوضع صورة من محضر الحجز الإجمالي وصورة من التبليغ بالبيع على منزل المحجوز عليه في ………. حيث أن أهله لا يزالون يقيمون في نفس المنزل .
خامساً ـــ بالنسبة للبيع المشار إليه في الفقرة (هـ) من المادة (220/2) من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات يتم تحديد موعده بحيث يكون في اليوم الخامس عشر من تاريخ الحجز وذلك وفق المادة (223/2) من اللوائح المنوه عنها.
سادساً ــ يتم الإعلان عن بيع معدات وآلات المصنع ، وذلك بلصق الإعلان على مكان المحجوزات وعلى اللوحة المعدة للإعلان في المحكمة بحيث يتم تزويدنا بنسخة منه وذلك وفق المادة (223/2) من اللوائح المشار إليها .
سابعاً ـــ يجري البيع بالمزاد العلني في الزمان والمكان المحددين وعلى المكلف بالتنفيذ ان يكف عن المضي في البيع إذا نتج عنه مبلغ كاف لوفاء الديون المحجوز من أجلها ، أو أحضر المحجوز عليه المبلغ الواجب دفعه ، أو أحضر كفيلاً غارماً لمدة عشرة أيام على الأكثر . ويتم إعداد محضر بذلك وذلك وفق المادة (223) من نظام المرافعات الشرعية .
ثامناً ـــ يتم اســتــيفاء الثمن مع المصروفات إن وجدت أو بموجب شيك مصرفي لأمر المحكمة العامة بالقطيف بحيث يودع من رسى عليه المزاد عشر الثمن الذي رسى به المزاد والمصروفات ، وأن يودع باقي الثمن خزانة المحكمة خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ البيع عليه أو يقدم به شيكاً مقبول الدفع من مصرف معتبر وفق المادة (228) من نظام المرافعات قياساً للمنقول على العقار .
ثامناًــــ إذا تبين عدم وجود رصيد للشيك فيعاد البيع وتحصل المزايدة الجديدة ويلزم المشتري المتخلف بما ينقص من الثمن ومصروفات المزايدة وما يزيد فهو له وذلك وفق المادة (229) من نظام المرافعات قياساً للمنقول على العقار .
تاسعاًـــ يتم بعد ذلك إعادة المعاملة إلى المحكمة لتوزيع قيمة معدات وآلات المصنع على الغرماء حسب الوجه الشرعي والتعليمات .
لذا نأمل الاطلاع وإكمال اللازم والله يرعاكم .
رئيس المحكمة العامة بمحافظة القطيف
د/فــؤاد بن مــحــمــد الـــمــاجـــد
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خير البريات نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي النفوس الزاكيات أما بعد فإن تنفيذ الأحكام من المسائل القضائية المهمة التي ينبغي التوسع في بحثها ؛ لأن التنفيذ هو ثمرة الحكم .
وفي نهاية هذا البحث ومن خلال الواقع العملي في المحكمة و كذلك من خلال ما تم تقديمه من بحوث وتوصيات في ندوة تنفيذ الأحكام بدولة الكويت الشقيقة فإني أوصي بما يلي :
1- إيجاد إدارة عامة للتنفيذ في وزارة العدل ودعمها بالمتخصصين في مجال التنفيذ ؛ وذلك تسهيلاً وتيسيراً لمهمة أقسام الحجز والتنفيذ في المحاكم .
2- إيجاد مكاتب تابعة لــهــذه الإدارة بـيـانـهـا فـيـمـا يـلي : مكـتـب الرقـابة المالية ، ومكتب المتابعة وخــدمــة المواطن بخصوص الإعلان ونحوه ، ومكتب متابعة الأمور القانونية ، ومكتب المنع من السفر ـــ و ينبغي أن يكون هناك وحدة في المطار تستلم المبلغ المحكوم به وترفع المنع مباشرة في أي وقت حتى في غير وقت الدوام الرسمي وفي أيام العطل ـــ ، ومكتب الحاسب الآلي ، ومكتب لوزارة الداخلية للحجز على السيارات ، والهيئة العامة للمعلومات المدنية ، وقسم التنفيذ الشخصي ومن ضمن الموظفين بهذا القسم باحثون نفسيون ، ومكتب البيوع لتنظيم المزادات العلنية .
3- أن يكون هناك ربط آلي بين وزارتي العدل والداخلية بحيث يتم التنفيذ على المدين عند مراجعته لأي إدارة من إدارات وزارة الداخلية .
4- تطوير العنصر البشري وهذا يشمل مأموري التنفيذ ومندوبي الإعلان والموظفين ، وذلك بإقامة دورات عديدة مثل تعليم فن التعامل مع الجمهور ومع ضغط العمل ، وتعليــم الكـمـبـيـوتر ، وكذلك تعليم أحدث الإجراءات في العمل وآخر ما صدر من تعاميم .
5- الاستعلام عن التنفيذ عن بُعد مجاناً لمن أراد ذلك من المحامين وغيرهم .
6- التنفيذ عن بُعد : وتقام دورات في ذلك بحيث يتم تنفيذ الأحكام وتبليغها عن طريق الإنترنت .
7- التعاون مع بقية دول العالم بصفة عامة ومع بقية الدول العربية بصفة خاصة ومع بقية دول مجلس التعاون الخليجي بصفة أخص بحيث يكون تبليغ الأحكام المطلوب تنفيذها عن طريق الإنترنت .
8- وضع نماذج لتنفيذ الأحكام بين الدول وتحديد جهات مركزية بوزارات العدل لتسهيل ومتابعة وصول الإعلانات والأوراق القضائية والاتصال بين الدول عن طريق الإنترنت .
9- الاشتراك في الاتحاد الدولي لأجهزة مكافحة غسيل الأموال ( الأجمونت ).
10- أن التنفيذ لا يعد من أعمال السلطة التنفيذية كما يوحي بذلك اسمه , ولكنه نشاط قضائي لا يُجــرى إلا إذا كــانــت هـنــاك مـخـالـفـة للـنـظــام ( الــقــانون ) يتطلب الأمر إزالتها , فهدفه نظامي ( قانوني ) بحت ؛ ولذلك فإنه يسمى التنفيذ القضائي , ويترتب على الطبيعة القضائية للتنفيذ أن الجهاز القضائي للدولة هو الذي يباشر سلطة التنفيذ .
11- أن تكون هناك شرطة قضائية على غرار ما هو معمول به في بعض الدول وبحيث تكون أقسام التنفيذ لدى الشرطة تابعة لوزارة العدل .
12- الإسراع في تزويد المحاكم بقضاة التنفيذ .
13- تعديل المواد المتعلقة بإلغاء عبء الحجز و التنفيذ على رئيس المحكمة ـــ في حالة عدم وجود قاضي التنفيذ ـــ بحيث يستمر هذا الإجراء من اختصاص ناظر القضية كما كان سابقاً , ولا مانع من أن يتولى رئيس المحكمة الإشراف على قسم الحجز و التنفيذ ؛ قياساً على ما هو معمول به بالنسبة لقسم بيت المال بالمحكمة سواء كانت الأموال لمعاليم أو مجاهيل أو قاصرين أو كانت لأوقاف .
14- خطورة إيجاد صندوق في المحكمة لحفظ حصيلة الأموال التي يتم التنفيذ عليها , وإنما الذي ينبغي في ذلك فتح حساب مستقل باسم أموال التنفيذ , ويتم التعامل معه وفق ما هو معمول به مع بيت المال .
15- زيادة تفصيل طرق التنفيذ في اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية حيث أن بعضاً منها لا يزال مبهماً كبيع المنقول .
16- ضرورة مراجعة التشريعات القائمة لتواكب وتنظم ما استجد من مستحدثات في ميدان إجراءات التنفيذ ، وما يقتضي ذلك من إدخال التعديلات المناسبة على هذه التشريعات ، وسن الجديد منها تحقيقاً لهذه الأهداف .
17 – الـعمل على إزالة صعوبات التنفيذ بين الدول ، وفي مقدمتها ضرورة حـضــور طالب التنفيذ ، والتي تعـمـل بـهـا بعض الأنظمة إلا في الحالات التي تقتضيها طبيعة الحكم المقضي به ، والمراد تنفيذه في الدولة الطرف .
18- التوسع في استعمال التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال ، وتدريب العاملين على هذه التقنيات ، وربط إدارات التنفيذ بكافة الأجهزة المعنية بالتنفيذ في الدولة .
19- تشكيل لجنة من الخبراء لوضع تنظيم موحد لإجراءات التنفيذ في الدول الإسلامية .
20- التركيز على التعاون الدولي في مجال إجراءات تنفيذ الأحكام بين الدول ، وتفعيل الإمكانات المتعلقة بهذا الشأن .
21- اعتبار نصوص اتفاقية التعاون القضائي الدولي ، النظام الواجب التطبيق حال تنفيذ الأحكام الصادرة من الدول الأطراف بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية .
وختاماً أسأل الله أن ينفع بهذا البحث وأن يرزقه القبول , والحمد لله أولاً وآخراً , ولبيان ذلك حرر في 5/11/1426هـ والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه
فــــؤاد بن مــــحــــمــــد الــــمــــاجـــــد