دراسات قانونيةسلايد 1

دراسة عن علم الإجرام وما قدمه للوقاية من الجريمة

تمهيـد
رغمَ الجهود العظيمة التي بذلها مؤسـسـوا علم الاجرام وأقطابهِ ومن تبعهم في البحث عن أسـباب الظاهرة الاجرامية، وكذلك على الرغم من تأسـيس مدارس ومعاهد مُتخصصة في دراسـة هذا العلم والمؤتمرات الدولية التي كُرِسـَتْ لهُ، فقد بقيّ السـؤال المطروح منذُ نشـأتهِ ولحد الوقت الحاضر دونَ إجابة وهو لماذا (س) يرتكب الجريمة ولايرتكبها (ص)؟ وذلك أمر بدهي لأنَ أسـباب الجريمة تختلف وتتنوع بإختلاف شـخص مُرتكبها واختلاف الزمان والمكان والظروف والعوامل المؤدية أو المُهيأة لإرتكابها، بل إنَ البعض يرى ان الجريمة ظاهرة مركبة تتكون نتيجة عوامل فردية واجتماعية وطبيعية. ومعنى ذلك إنهُ لايمكن الجزم بأنَ عاملاً فرديـاً أو عدة عوامل فردية هي التي تدفع بإتجاه الجريمة، أو ان عاملاً اجتماعيـاً أو عدة عوامل اجتماعية هي المُسـببة لها، وذلك صحيح إذا مـا اسـتثنينا الجريمة التي تقع بنـاءً على اسـتفزاز خطير من المجنى عليهِ بغير حق، والتي تُرتكب غسـلاً للعار، أو بسـبب إكراه الفاعل على ارتكابها، وجريمة الضرورة، فأسـباب هذهِ الجرائم معروفة ولاتحتاج الى عناء لفهم بواعثها أو فهم العوامل أو الظروف التي دفعت بالجاني الى ارتكابها.

ومع إنَ علم الاجرام قد قدمَ للمُشـرعين الحلول الناجعة لظاهرة الجريمة ولكن يُلاحظ ان جُل هذهِ الحلول انصبت على منع عودة الجاني الى ارتكاب الجريمة أو الحد من ذلك لا الوقاية منها قبلَ وقوعها، بإسـتثناء إتخاذ بعض التدابير الوقائية في الحالات الخطيرة التي تنبىء عن إحتمال اقدام الشـخص على القيام بفعل يعده القانون جريمة، وهذهِ (التدابير) نطاقها محدود في التشـريع العراقيّ إذ يشـترط وفق الأخير أن يكون المنوي فرض التدبير عليهِ قد ارتكب جريمة سـابقة، الأمر الذي يعني خلو هذا التشـريع من نصوص واقية للجريمة قبلَ وقوعها وهو مـادفعنا الى اختيارهِ موضوعاً لبحثنـا الذي قسـمناهُ الى ثلاثة مباحث، تناولنـا في المبحث الأول التعريف بعلم الاجرام وصلته بالعلوم الاخرى، وخصصنا المبحث الثاني لأهم نظريات علم الاجرام، وأفردنـا المبحث الثالث لرأينـا في الموضوع.

المبحث الأول
التعريف بعلم الاجرام وصلتهِ بالعلوم الاُخرى
المطلب
الأول التعريف بعلم الاجرام
(1)
نشـأة علم الاجرام
يرى البعض ان نواة علم الاجرام في الاتجاه الفلسـفي ظهرت عندَ فلاسـفة اليونان الأقدمين أمثال ايبوقراط وسـقراط وأفلاطون وأرسـطو الذين فسـروا الظاهرة الاجرامية بأنها نتاج نفسـية مضطربة ترجع الى عيوب خلقية جسـمية والى انحرافات عقلية عندَ الانسـان([1])، وقد بقي هذا الاتجاه قائماً حتى العصور الوسـطى إذ سـادت نظرية مُقتضاها انهُ يمكن الوقوف على طباع الشـخص من فحص خطوط يديهِ ورجليهِ وتقاطيب وجههِ بل وسـّرة بطهِ([2]).

ونعتقد إنهَ لايمكن اعتبار اشـارات ومُلاحظات الفلاسـفة الأقدمين بأنها تفسـيراً للظاهرة الاجرامية ومن ثمَ عد ذلك نواة لعلم الاجرام، ذلك لأنَ البحث في هذا العلم يتطلب وجود منهج علمي لتفسـير الظاهرة بحيث يبدأ الباحث في المقدمات وينتهي الى النتائج. فيبدأ أولاً بدراسـة مادة البحث وهو الانسـان المُجرم عندَ مَنْ يعزو أسـباب السـلوك الاجراميّ الى العوامل الداخلية للفرد ذاتهِ سـواء من ناحيتهِ التكوينية –أيّ الحالة البيولوجية- أو من ناحيتهِ النفسـية أو العقلية، أو يبدأ بدراسـة أسـباب هذا السـلوك خارج تكوين الفرد عندَ مَنْ يعزو أسـبابهِ الى العوامل الاجتماعية أو الطبيعية، أو بدراسـة النوعين من العوامل –ايّ الداخلية والخارجية- عندَ مَنْ يعزو تلك الأسـباب الى عوامل تكاملية (مُختلطة)، ثمَ ينتهي الى النتائج بمعنى تحليل السـبب وايجاد الصلة بينهُ وبين السـلوك الاجراميّ ويضع نظرية تربط هذا السـلوك بعامل أو عدة عوامل. ويرى البعض الآخرَ ان المدرسـة الوضعية الايطالية هي أعظم مدرسـة عرفها تأريخ علوم الجريمة إذ قدمت الى علم الاجرام نظرية اجرامية مُتكاملة، بإعتبار ان الدراسـة البيولوجية للمجرم لم تأخذ طابعها العلمي بالمعنى الدقيق للكلمة إلا بظهور مؤسـس هذهِ المدرسـة العالم الايطالي الاسـتاذ سـيزار لمبروزو (1835-1909)([3]). إلا إننـا نعتقد ان هذا القول غير دقيق لسـببين:

أولهما: ان عدداً من النظريات كانت سـبقت المدرسـة الوضعية في دراسـة الظاهرة الاجرامية كنظرية الاسـتاذين كيتليه وجيري.
ثانيهما: ان هذهِ المدرسـة لم تكُن ذات نظرية اجرامية مُتكاملة إنما بحثت جانبـاً واحداً من أسـباب السـلوك الاجرامي وهو المُتعلق بشـخص المُجرم، ومع ذلك لايُنكر إنها تعتبر من أوائل النظريات التي اتبعت المنهج العلمي التجريبيّ في تقصيّ أسـباب الجريمة. ونعتقد ان النواة الاولى لعلم الاجرام ظهرت في أبحاث الاسـتاذين كيتليه وجيري في النصف الأول من القرن التاسـع عشـر، وتلاهما الاسـتاذ لمبروزو بأبحاثهِ في النصف الثاني من ذات القرن وأبحاث مؤيديهِ فيري وكارفالو ثمَ بزوغ العديد من النظريات والمدارس التي تناولت هذا العلم في ذات الفترة وحتى النصف الأول من القرن العشـرين. وإذا صحَ مـاذُكر بأنَ الاسـتاذ ديلابورتـا (1535-1615) كان قد درس جثث عدد من المجرمين ليُحدد العلاقة بين صفات المُجرم ونوع جمجمتهِ، ولذلك ميّزَ لصاً من بين الأشـخاص الذين درسـهم، فذلك يجعل منهُ أول باحث في علم الاجرام ومُقتضى ذلك ان ابحاثه تتسـم بالطابع العلمي على خلاف مـاذهبَ البعض([4]) بإعتبارهِ ينتمي الى مرحلة مـاقبلَ العلمية في بحث أسـباب الظاهرة الاجرامية.

(2)
تعريف علم الاجرام
يُعرف علم الاجرام بأنهُ العلم الذي يدرس الجريمة كحقيقة واقعية توصلاً الى أسـبابها وبواعثها بغية الوقوف على أنجع اسـلوب في التوقيّ منها وفي علاج فاعلها كي لايعود اليها من جديد([5]). أو هو العلم الذي يبحث في تفسـير السـلوك العدواني الضار بالمُجتمع وفي مُقاومتهِ عن طريق إرجاعهِ الى عواملهِ الحقيقية([6]). واتجه المؤتمر الدولي الثاني لعلم الاجرام المُنعقد في باريس (سـنة 1955) الى تحديد مفهومهِ بأنهُ الدراسـة العلمية لظاهرة الجريمة والبحث في أسـبابها وسـُبُل علاجها([7]).

ومهما تعدد تعريف هذا العلم فهو بِلا شـَك العلم الذي يهتم بدراسـة الظاهرة الاجرامية وتحليل أسـبابها، إذ ليس من وظيفتهِ مُقاومة السـلوك العدواني (أيّ الجريمة) بالمعنى الحرفي لهذا التعبير فتلك مهمة يضطلع بها المُشـرع عندَ تخطيطهِ للسـياسـة الجنائية وسـنهِ للتشـريع الجنائي في ضوء الدراسـات والآراء الفقهية والأحكام القضائية وتوصيات المؤتمرات الوطنية والاقليمية والدولية. غير ان بعض عُلماء الاجرام ومَنْ بحثوا في هذا العلم درجوا على وضع ارشـادات أو تنبيهات أمام المُشـرعين للوقاية من الجريمة قبلَ وقوعها وعلاج فاعلها بعدَ وقوعها لمنعهِ من العود الى ارتكاب جريمة أُخرى، فضلاً عن تأثير علم الاجرام في تشـريع أهم نظام من نظم قانون العقوبات وهو نظام تفريد العقوبة بجعل الأخيرة بين حدين حد أعلى وحد أدنى، ويترك للقاضي حرية اختيار العقوبة بين الحدين تبعاً لحالة كُلمُجرم النفسـية والعقلية وظروف الجريمة وطريقة تنفيذها والباعث الذي دفعَ بالجاني الى ارتكابها. كما كانَ لهُ تأثير في أجهزة العدالة الجنائية بالعمل على إعداد قُضاة مُتخصصين في القضاء الجنائي، وتطوير نظام السـجون والرعاية اللاحقة للسـجين بعدَ اسـتنفاذ العقوبة المفروضة عليهِ.

(3)
فروع علم الاجرام
يرى الاسـتاذ الدكتور رمسـيس بهنام ان علم الاجرام يضم ثلاثة فروع هي: علم طبائع المُجرم، وعلم الاجتماع الجنائي، وعلم الأمراض العقلية الاجرامية. ويضيف ان النوع الأول يدرس الاجرام كظاهرة فردية بينما يدرس الثاني هذا العلم كظاهرة اجتماعية، وينقطع النوع الثالث لدراسـة المجنون المُجرم والمُجرم المجنون إلا إنهُ يفيد في إلقاء الأضواء على جريمة مايُسـمى بالانسـان العاقل([8]). ويرى آخر ان اجرام الفرد ينقطع لدراسـتهِ فرعان من فروع علم الاجرام، وهما الانثروبولوجيا وعلم النفس الجنائي، ويُطلق عليها معاً اسـم البيولوجيا الجنائية. وأمـا إجرام الجماعة فيختص بهِ فرع آخر وهو علم الاجتماع الجنائي([9]). ونعتقد ان القول الأخير غير دقيق لأنَ علم الاجتماع الجنائي يدرس الجريمة كظاهرة اجتماعية، بمعنى دراسـة المُجتمع من خلال الظواهر الاجرامية التي تحدث فيهِ وذلك يتطلب تحديد العلاقة بين الظروف الاجتماعية المُختلفة وبين ظاهرة الاجرام، أيّ معرفة الصلة السـببية بين ظرف من تلك الظروف، كما لو كان الفقر أو انتشـار الامية بين أفراد المُجتمع أو تفشـيّ الرذيلة في منطقةٍ مـا، وبين ازدياد معدل الجرائم أو بقاءها عندَ مُسـتوى معين بتأثير ظرف أو أكثر من تلك الظروف. ومُقتضى ذلك يدعونا الى القول بعدم وجود مـاعَبرَ عنهُ صاحب الرأي بأنهُ (( إجرام الجماعة )) فالأخيرة لاترتكب الجريمة بصورة مُجتمعة إنما يرتكبها أشـخاص داخل الجماعة الواحدة أو المُجتمع الواحد. هذا من ناحية ومن ناحية أُخرى ان علم طبائع المُجرم واذ أنَ وظيفته فحص أشـخاص المُجرمين عن طريق الكشـف الطبي الشـامل على أجسـامهم ونفسـياتِهِم، فمعنى ذلك انه ذات العلم الذي يدرس المجنون المُجرم أو المُجرم المجنون أو الانسـان العاقل، الأمر الذي يجعل من العلمين علماً واحداً وبالتالي ان علم الاجرام يضم فرعين من العلوم هُما: علم الانثروبولوجيا الجنائية وعلم الاجتماع الجنائي.

المطلب الثاني
صلة علم الاجرام بالعلوم الاُخرى
لعلم الاجرام صّلات بالعديد من العلوم كعلم الأمراض العقلية والنفسـية، وعلم الطب العدلي، وعلم الاجتماع، وعلم الاحصاء، وعلم السـياسـة الجنائية، وقانون العقوبات([10]). والذي يعنينا –في إطار هذا البحث- الاثنين الأخيرين.

أولاً: صّلة علم الاجرام بالسـياسـة الجنائية:
في بداية نشـوء قوانين العقوبات والى مـابعدَ ذلك بمراحل زمنية طويلة دامت قرونـاً عديدة لم يكُن لدى القاضي الجنائي سـوى قائمة بسـيطة للجرائم وعقوباتها، فكان دورهُ يقتصر على فرض العقوبة المُقررة في النص بحق الجاني دون زيادة أو نقصان. بمعنى ان ليس لهُ الحق في تقدير ظروف الجريمة وظروف مُرتكبها والدافع لإرتكابها وكيفية تنفيذها …. إلخ.

ولأنَ دراسـات علم الاجرام قد كشـفت العديد من الأسـباب والعوامل المؤدية الى ارتكاب الجريمة قسـماً منها يتعلق بالفاعل، والقسـم الآخر يرتبط بالعوامل الخارجية (اجتماعية أو طبيعية)، ممّا نبه المُشـرعين الى ضرورة توجيه الاهتمام الى شـخص الفاعل ذاته وظروفه وظروف ارتكاب الجريمة، وبنتيجة ذلك ظهرت في التشـريعات الجنائية أنظمة جديدة تُتيح للمحكمة موائمة العقوبة مع ظروف الجريمة وظروف مُرتكبها ودرجة اجرامهِ. ويعني ذلك وجود صلة بين علم الاجرام وبين السـياسـة الجنائية لاسـيما ان المشـرع وإذ يُخطط الأخيرة لابدَ أن يأخذ في الاعتبار النتائج التي توصلَ إليها علم الاجرام حولَ أسـباب الظاهرة الاجرامية مايعينه عند وضع قواعد التجريم والعقاب وعلاج السـلوك الاجراميّ.

ثانياً: صّلة علم الاجرام بقانون العقوبات:
الباحث في علم الاجرام لايدرس كافة أنواع السـلوك الانسـاني غير المشـروع إنما تتحدد دراسـته بالسـلوك غير المشـروع جنائياً، بمعنى الجريمة، فلابُدَ أن يتعرف على مفهوم الجريمة ولاسـبيلَ لهُ في ذلك إلا بالرجوع الى قانون العقوبات الذي يضم مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم وعقوباتها. يُضاف الى ذلك ان صلة علم الاجرام بقانون العقوبات تظهر من خلال تأثير الأول في الثاني لجهة الكشـف عن بعض أنماط السـلوك الذي لاينضوي تحت نص عقابيّ، فقد لاحظَ بعض علماء اجرام ان تلك الأنماط تُشـكل خطراً على المجتمع في وقت هي لاتعد جريمة يطالها نص في القانون، مع إنها تُشـكل خطراً إذا تُرك الشـخص ذا الحالة الخطرة دونما إجراء يُتخذ ضده لاسـيما إذا كانت هناك دلائل وامارات تنبىء عن احتمال اقدامه على ارتكاب جريمة، فلابُدَ من توقي خطره وذلك لايكون إلا بإتخاذ تدابير تحول دون وقوعها. فكان ان وُجد نظام التدابير الاحترازية ومُقتضاهُ ان المحكمة إذا وجدت حالة الشـخص خطرة على سـلامة المجتمع وتبين لها ذلك من أحواله وماضيهِ وسـلوكهِ ومن ظروف الجريمة السـابقة وبواعثها ان هناك احتمالاً جدياً لإقدامهِ على ارتكاب جريمة أُخرى، جازَ لها ان تفرض عليهِ تدبيراً من التدابير الاحترازية السـالبة للحرية أو المُقيدة لها، حسـب الأحوال. وكل ذلك لم يكُن ليحصل لولا أن نبه علماء الاجرام على الحالات الخطرة لبعض الاشـخاص.

المبحث الثاني
نظريات علم الاجرام
تعددت النظريات التي حاولت تفسـير السـلوك الاجرامي بحيث يتعذر على الباحث أحياناً التمييز بين نظرية وأُخرى، ومرد ذلك يعود الى تشـعبها وتنوعها حتى ضمن المجموعة الواحدة التي يجتمع أنصارها على مصدر واحد من مصادر الجريمة. فعلى سـبيل المثال ان أصحاب النظرية الفردية ينقسـمون الى قسـمين: الأول يعزو أسـباب السـلوك الاجرامي الى عوامل بيولوجية تتصل بالتكوين الجسـماني للفرد المُجرم، ويعزوها القسـم الآخر الى العوامل العقلية أو النفسـية للمُجرم. وينقسـم أصحاب النظرية الاجتماعية الى: رأيّ يردُ تلك الأسـباب الى البيئة العائلية، وثانِ الى المُحيط الاجتماعي، وثالث الى الحالة الاقتصادية، ورابع الى الحالة السـياسـية، وخامس الى الأسـباب الطبيعية. إلا إننـا وفي حدود هذا البحث سـنتناول أهمها وبايجاز.

المطلب الأول
نظرية العوامل الفردية
الفرع الأول
التفسـير البيولوجي للسـلوك الاجراميّ
ومعنى التفسـير البيولوجي ان البحث عن أسـباب السـلوك الاجرامي ينبغي ان يتوجه الى شـخص المُجرم وبالذات الى تكوينهِ الجسـماني، فقد تبدو عليهِ علامات ومظاهر عضوية يقول أصحاب هذا التفسـير بأنها تدل على أن الشـخص لديهِ خصائص بيولوجية (عضوية جسـمانية) مُعينة هي السـبب في ميلهِ الى ارتكاب الجريمة. ويُعتبر الاسـتاذ سـيزار لمبروزو من أوائل المُتبعين لهذهِ الطريقة، أيّ الدراسـة العلمية لشـخص المُجرم، فقد مكنه عمله كطبيب وضابط في الجيش الايطالي من مُلاحظة اقبال عدد من الجنود الذين يتسـمون بالشـراسـة على الوشـم وانتشـارهِ على أجسـامهم بصورة مُنافية للحياء، وذلك دفعه الى فحص عدداً منهم فخلص الى قناعة بوجود نموذج للانسـان المُجرم بطبيعتهِ (أيّ بالميلاد) وهو يكتسـب الصبغة الاجرامية عن طريق الوراثة من سـلفهِ، ويتميز بعلامات أَطلق عليها بالعلامات الارتدادية وهي ذاتها التي يتصف بها الانسـان البدائي الأول([11]).

وقد حظيت آراء الاسـتاذ لمبروزو – في بادىء الأمر- بإعجاب واسـتحسـان البعض من مُعاصريهِ، كما كان لها صدى واسـعاً في أوسـاط عامة الناس، ويعود سـبب ذلك الى اتباعهِ المنهج العلمي التجريبـي في البحث عن أسـباب السـلوك الاجرامي، أضف الى ذلك ان البحث عن تلك الأسـباب قبل لمبروزو –بإسـتثناء أبحاث ديلا بورتا وجيري وكيتيليه- كان يتسـم بالطابع التجريدي بمعنى أنه لايقوم على أُسـس علمية، إنما تعزى الى امور غيبية من قبيل ان أرواحاً شـريرة تتقمص شـخص المُجرم وتدفعهُ الى الجريمة، أو انها عقاب ألهي، أو تعبيراً عن الخطيئة. إلا ان آراء الاسـتاذ لمبروزو لم تسـلم من النقد وخصوصاً في شـقها المُتعلق بالطبيعة الوراثية للاجرام وتأثير العوامل الارتدادية التي قال بها في دفع الشـخص نحو ارتكاب الجريمة، لاسـيما لم يثبت علمياً توافر تلك العلامات لدى الانسـان البدائي الأول([12])، الأمر الذي دعاهُ –لاحقاً- الى إعادة صياغة فكرة الارتداد (أو الرجعة) بقولهِ ان تلك العلامات لاتُسـبب بمفردها السـلوك الاجرامي، إنما لابُدَ من أن تتفاعل مع شـخصية مَنْ يحملها إذا تهيأت لها الظروف لإنتاج السـلوك الاجراميّ([13])، لكنهُ ظلَ مُتمسـكاً بفكرة وراثة الاجرام على الرغم من انه لم يثبت علمياً لافي عصرهِ ولابعدَ ذلك قابلية الصبغيات الوراثية على نقل جينات تحمل خصائص اجرامية من السـلف الى الخلف. ومع ذلك فإنَ البعض يرى بأنَ عمل لمبروزو يأخذ قيمة علمية كبيرة حين يُضاف إليهِ عمل أنريكوفيري (1856-1929) ورافائيل كارفالو (1852-1934) اللذان سـاهما معهُ في إنشـاء المدرسـة الوضعية الايطالية، وهي أكبر مدرسـة في تأريخ القانون الجنائي وعلم الاجرام([14]).

والحقيقة ان ثمة مُشـتركات بين آراء الأسـاتذة الثلاثة المذكورين وهناك اختلاف بينهم أيضاً، فالجميع يتفقون على رد أسـباب الجريمة الى عوامل عضوية لدى شـخص المُجرم، إلا ان فيري وعلى خلاف لمبروزو لم يغفل أهمية العوامل الاجتماعية والطبيعية التي تدفع الى ارتكاب الجريمة وذلك يعني اختلاف نظرة الاثنين حول تلك الأسـباب –وهذا أمر مهم- لأنهُ يُشـير الى انضمام فيري الى طائفة القائلين بتظافر العوامل الفردية والاجتماعية والطبيعية في إنتاج السـلوك الاجرامي. بينما أعطى كارفالو للعوامل الاجتماعية أهمية من الدرجة الثانية.

الفرع الثاني التفسـير النفسـيّ للسـلوك الاجراميّ
يُراد بالتفسـير النفسـيّ للسـلوك الاجراميّ البحث عن أسـباب هذا السـلوك في نفس شـخص المُجرم للكشـف عنمـا يعتريها من خلل او اضطراب قد يكون هو السـبب في إرتكاب الجريمة. ورائد هذا الاتجاه الاسـتاذ سـيجموند فرويد (1856-1939) كان طبيباً في المُسـتشـفى المركزي في فيّنـا وأجرى العديد من البحوث والدراسـات في التحليل النفسـيّ والاضطرابات العصبية والقلق والذات والغرائز وغير ذلك، وخلص الى عدد من الاسـتنتاجات التي اسـتندَ اليها في تفسـير السـلوك الاجرامي. إلا إننـا نبدأ بعرض تقسـيمهِ للجهاز النفسـيّ للانسـان فهو المدخل الذي صاغَ فيهِ تحليله لهذا السـلوك إذ يرى ان هذا الجهاز يضم ثلاثة أقسـام هي:

القسـم الأول: الذات ويرمز لها بـِ(Id) وهو ذلك الجانب اللاشـعوريّ من النفس الذي يُعتبر مصدر الميول والاسـتعدادات الموروثة والنـزعات الغريزية، والذات نزاعة دوماً الى إخراج هذهِ الميول والرغبات الى حيز التنفيذ([15])، غير أن الفرد واتسـاقاً مع التقاليد والقيّم الاجتماعية فهو مُضطر الى كبّت الغرائز في منطقة اللاشـعور، لكن متى مـاتهيأت ظروف وأحوال مُلائمة خرجت من أعماق النفس الى حيز التنفيذ، بمعنى اتيان الفرد فعلاً شـاذاً سـواء بوصفهِ جريمة أو كان غير مألوف اجتماعياً.

القسـم الثاني: الأنـا ويرمز لها بالـ(Ego) وهي بمثابة النفس العاقلة التي تعمل على كبح جماح (الذات) وترويضها وإقامة التوازن بين النـزعات الغريزية وبين مـايُعتبر مقبولاً اجتماعياً([16])، بمعنى ان مهمة (الأنـا) التوفيق بين النـزعات والغرائز الفطرية القابعة في (الذات) وبين القيّم السـائدة في المُجتمع. ويُشـبه فرويد الـ(أنـا) بالفارس ويُشـبه الجانب الشـهواني (في الذات) بالجواد الجموح والذي يدفع راكبه في أغلب الأحيان الوجهة التي يريدها، فوظيفة الفارس كبح جماح الفرس والسـيطرة عليها وإلا انسـاقَ الانسـان معها حيث تريد وذلك يعني الاخطار والاهوال([17]).

القسـم الثالث: الذات العُليـا ويرمز لها بـِ(Super-ego) وهي الجانب المثالي من النفس البشـرية الذي يحوي المبادىء والمُثل العُليـا التي اكتسـبها الفرد من القيّم الأخلاقية والدينية والتقاليد السـائدة المُجتمع، ويُعبر عنها بـِ(الضمير). ومهمة الذات العُليـا مُراقبة (الأنـا) في أدائها لواجباتها ووظيفتها ومُسـاءلتها عن أيّ تقصير في ضبط الميول والنـزعات الفطرية القابعة في أعماق النفس، فإذا أحسـنت المُراقبة والضبط سـلكَ الفرد الطريق القويم في حياتهِ اليومية، والعكس إذا أخفقت فيهما اتجه الفرد الى سـلوك الطريق الشـاذ أو غير المألوف في المجتمع. ويعزو الاسـتاذ فرويد ارتكاب الجريمة الى أحد سـببين: أمـا بسـبب إخفاق الجانب العقلاني (الأنـا) في تحقيق الانسـجام والتوافق بين النـزعات والميول الفطرية وبين القيم والتقاليد السـائدة في المُجتمع، فتنطلق الغرائز الفطرية (البهيمية) من عقالها لتحقيق الرغبات (الأفعال) المُضادة لقيم المجتمع ويعني ذلك ارتكاب جريمة. أو ان الجانب المثالي (الذات العُليـا) ينعدم لدى الفرد وليس ثمة رقيب يُراقب (الأنـا) ويوجهها لغرض مُمارسـة دورها في كبح جماح الجانب الشـهواني في النفس، وقد ينجم عن ذلك انفلات الغرائز والميول الشـهوانية مايعني سـلوك الطريق غير السـويّ اجتماعياً. وأوردَ الاسـتاذ فرويد مثلين على تحليلهِ للسـلوك الاجرامي والذي اعتبره انعكاسـاً للخلل أو الاضطراب الذي يعتريّ النفس، وأطلق على الأول (عقدة أوديب) وعلى الثاني (عقدة الذنب). فعقدة أوديب تتعلق باتجاه الغريزة الجنسـية للانسـان تبعاً لمراحل عمره، ففي بداية طفولتهِ يُحب والديهِ دونَ تفريق بينهما، ثمَ لايلبث في السـنة الثالثة أو الرابعة من عمره أن يزداد تعلقهِ بأُمهِ وحُبهِ لها تعبيراً عن ميلهِ الفطريّ الجنسـيّ، ونتيجة لعلاقة أبيهِ الجنسـية بأُمهِ يتكون لديهِ شـعور بالنقص أمام هذا المُنافس القوي (أيّ الأب)([18]).

ومن هنـا ينشـأ الصراع بين نوعين مُتناقضين من المشـاعر، وهو صراع قد يؤدي بالابن –في مرحلة عمرية لاحقة- الى سـلوك طريق الجريمة إذا لم تنجح (الأنـا) في تكييف تلك المشـاعر مع القيّم الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية([19]). ويوضح فرويد عقدة الذنب عندما يقدم الفرد على سـلوك غير مألوف لايُشـكل جريمة في حد ذاتهِ إنما يعد سـلوكاً شـاذاً في المجتمع، ثمَ يسـيطر عليهِ شـعور بالذنب والتقصير بسـبب مُغالاة الذات العُليـا في تأنيب (الأنـا) على هذا الخطأ، وكُلُ ذلك يؤدي الى ارتكاب جريمة للتخلص من الشـعور بالذنب.

المطلب الثاني
نظرية العوامل الاجتماعية
نظرية العوامل الاجتماعية ليسـت واحدة بل هي عديدة يجمع بينها قاسـم مُشـترك هو اتفاقها على دور العوامل البيئية في خلق الجريمة، إلا إنها تختلف تبعاً لنوع العامل البيئي التي تعتبره سـبباً في ارتكاب الجريمة أو مُهيئاً لإرتكابها، والنظريات هي: الجغرافية، والوسـط الاجتماعي، والتفكُك الاجتماعي، والمُخالطة المُتفاوتة، والاشـتراكية، وصراع الثقافات. وسـيقتصر بحثنـا للنظريات الأربعة الاولى إذ نعتقد إنها الأهم.

الفرع الأول
نظرية العوامل الجغرافية
صاحبا هذا الاتجاه الاسـتاذان أدولف كيتليه (1796-1874) وأندريه ميشـيل جيري (1802-1866)، وملخص فكرتها ان هناك ارتباط بين الاجرام وبين الموقع الجغرافي. فقد درسـا الاحصاءآت الجنائية الفرنسـية عن الجرائم المُرتكبة للفترة من سـنة 1826 لغاية سـنة 1830 ولاحظا إنَ جرائم الاعتداء على الأشـخاص هي أكثر شـيوعاً في الأقاليم الجنوبية أثناء الفصول الحارة، وإنَ جرائم الاعتداء على الأموال أكثر شـيوعاً في الأقاليم الشـمالية أثناء الفصول الباردة. وقد بنى الاسـتاذان المذكوران على النتائج التي توصلا إليها قانونهما المعروف بـِ(( قانون الحرارة الاجراميّ ))، ومفاده ان ظاهرة الاجرام ترتبط بالموقع الجغرافي للسـكان كما ترتبط بفصول العام([20]).

وهو مـا أثبتتهُ الدراسـات والاحصاءآت في دول أُخرى كإيطاليـا والولايات المُتحدة الأمريكية، فقد لوحظ ان حرارة الجو أو برودتهِ لها تأثير على سـلوك الانسـان فتؤدي الى زيادة الجرائم أو قلتها وكذلك على نوعها، فكُل فصل من فصول السـنة الأربعة يختلف عن الفصول الاُخرى من حيث عدد الجرائم ونوعها([21]).

الفرع الثاني
نظرية الوسـط الاجتماعيّ
أصحاب هذا الاتجاه الأسـاتذة لاكاسـاني (1843-1924) وجابريل تارد (1843-1904) واميل دوركايم (1858-1917)، إذ يرون ان البحث عن أسـباب الاجرام ينبغي ان يكون في الوسـط الاجتماعي الذي يعيش فيهِ المُجرم لا في تكوينهِ البيولوجي. فالأول يقول ان المُجتمعات لاترزأ بالمُجرمين، بمعنى انهم ليسـوا مفروضين عليها، وإنما هي التي تصنعهم ولذلك ليس للمُجتمع من المُجرمين يزيد عمّا يسـتحقه، وهو يُشـبه المُجرم بجرثومة المرض لاضرر منهُ ولاخطر إلا حين يتهيأ لهُ الوسـط المُلائم وهذا الوسـط هو المسـؤول عن الجريمة وليس تكوين المُجرم([22]).

وهو أيضاً مذهب دوركايم في تحميل المُجتمع المسـؤولية عن ظاهرة الاجرام من خلال مايجرمه من أنماط سـلوكية بموجب القواعد السـائدة فيهِ، وترتيباً على ذلك يرفض ربط الجريمة بالعوامل التكوينية للمُجرم فهي بنظرهِ سـلوك يكتسـبهُ الفرد في المُجتمع بوصفهِ كائناً اجتماعياً([23]). ويرى تارد ان الجريمة بوصفها ظاهرة اجتماعية تنشـأ وتنتشـر في الوسـط الاجتماعي شـأنها في ذلك شـأن غيرها من الظواهر الاجتماعية الاخرى، وذلك بمُقتضى عملية اجتماعية هي عملية التقليد التي تتم عن طريق الاتصال المُباشـر أو غير المُباشـر بين طائفتين من الأشـخاص احداهما مُنشـئة والاُخرى مُقلدة([24]). لكنهُ لم يبين المصدر الذي قلدته الطائفة المُنشـئة، بمعنى اذا كان تعلم السـلوك الاجرامي يتم عن طريق الاتصال المُباشـر او غير المُباشـر بين طائفتين –كما يقول- فذلك يقتضي وجود طائفة أُخرى قد قلدتها الطائفة المُنشـئة.

الفرع الثالث
نظرية التفكُك الاجتماعيّ
رائد هذا الاتجاه الاسـتاذ تورسـتن سـيلين إذ يرى ان الظاهرة الاجرامية ترتبط بأوضاع المُجتمع، فإذا كان يسـوده التفكُك وعدم الترابط بين أفرادهِ إزدادت مُعدلات الجريمة فيهِ، والعكس إذا كان مُترابطاً مُتماسـكاً إنعدمت الجريمة فيهِ أو انحسـرت الى حدٍ كبير ويضرب مثلاً على ذلك في المُقارنة بين مُجتمعين، المُجتمع الريفيّ والمُجتمع المدينيّ، فالأول يتميز بالانتظام والانسـجام في ظروفهِ وأهداف أفرادهِ فهم يعملون وفق تقاليد وعادات مُتقاربة ومُتشـابهة وبالتالي فهم يشـعرون بالأمان لأنهم مُتعاونون داخل مُجتمعِهِم عندما تلم بأحدِهِم كارثة أو مرض أو في حالة الشـيخوخة([25])، ولذلك ليس ثمة حاجة للفرد في مُجتمع كهذا ان يسـلك طريق الجريمة ضد أفراد مجتمعهِ طالما كان ينعم بالأمان ويجد مَنْ يعينه في الملمات. وعكس ذلك المجتمع المديني وبسـبب عدم الانتظام والانسـجام في ظروفهِ وأهداف أفرادهِ وفقدان الروابط وإنعدام التعاون بينهم، ولتعدد حاجات الأفراد وتضارب المصالح وهو الأمر الذي يؤدي الى نشـوب أنواع الخصومات والصراعات بينهم، ويعني ذلك بداهة ارتكاب الجرائم. ومع ذلك لاينبغي المُغالاة في إعتبار المُجتمع الريفي مُجتمعاً مثالياً خالياً من الجرائم –وخصوصاً في بلادنـا وعدد من البُلدان العربية- إذ لاتزال جرائم الثأر والنهوة هي السـائدة فيهِ، والى عهد قريب جداً كانت السـرقة في هذا المُجتمع تعبيراً عن رجولة السـارق بإقدامهِ على عمل شـُجاع!

الفرع الرابع
نظرية المُخالطة المُتفاوتة
صاحب هذا الاتجاه الاسـتاذ ادوين سـذرلاند (1883-1950) ويرى ان المُجرم لايولد بطبعهِ مُجرماً، إنما يكتسـب السـلوك الاجرامي عن طريق التعلم من الغير شـأنه شـان مَنْ يتعلم حرفة أو صناعة او مهنة كالميكانيكا([26])، وهذا التعلم (أو التدريب) يجيء عن طريق التفاعل مع أفراد آخرين يختلفون عن المُجرم بفروق مُعينة وبعد المُخالطة يصبح الفرد مُجرماً مثلهم، كما قد يصبح مُجرماً إذا امتنع عن مُخالطة الجماعة التي يسـود فيها احترام القانون([27]).

ويختلف حجم اكتسـاب الفرد للسـلوك الاجرامي من الآخرين (المُجرمين) بإختلاف درجة اتصالهِ بهم ومدته، فكُلما طالت مُدة الاتصال زاد ذلك من انحرافهِ. لكن الاتصال أو الاحتكاك بالأنماط السـلوكية المُنحرفة لايعني ان الفرد أصبح قاب قوسـين أو أدنى من ارتكاب الجريمة، إنما يتحدد ذلك بالتأثير الذي يحدثه المذكورون في نفس الفرد وعقلهِ وبالتالي يعود الأمر لهُ في النهاية وقيامهِ بالمُفاضلة بين اتجاهين، أمـا سـلوك طريق مُخالفة القوانين، ويعني ذلك ارتكاب جريمة، او الاعراض عن هذا الطريق وتفضيل السـلوك القويم عليهِ، إلا اننـا نعتقد ان عملية المُفاضلة بين طريقين لايمكن أن تتم بمعزل عن العوامل الفردية الخاصة بالشـخص ذاته والظروف والعوامل البيئية الاُخرى، إذ لاتسـتطيع فئة مُنحرفة مهما أؤتيت من قوة الاقناع وتزيين طريق الجريمة ان تؤثر في شـخص تربى منذُ نعومة اظفارهِ في كنف عائلة حرصت على ان توجهه الوجهه السـليمة.

ولنظرية المُخالطة نصيب من الصحة وأحياناً نصيب كبير منها، ذلك ان عدد غير قليل من الأفراد –وخصوصاً الفتيان منهم- انزلقوا الى طريق الجريمة وعادةً مـاتكون الخطوة الاولى في انحراف الفتى هي مُخالطة رفاق السـوء، فيبدأ بتقليدهم في صغائر الامور، أيّ المُخالفات البسـيطة، ثمَ ينتهي بهِ المطاف الى ارتكاب الجرائم وربما كانت من نوع الجرائم الجسـيمة لاسـيما إذا ضعفت أو انعدمت الرقابة الابوية عليهِ. ولعل هذهِ النظرية تجد مصداقاً لها في قول الرسـول المُصطفى مُحمد صلى الله عليهِ وسـلّم، إذ قال (( انما مثل الجليس الصالح والجليس السـوء كحامل المسـك ونافخ الكير، فحامل المسـك امـا أن يحذيك وامـا أن تبتاع منهُ وامـا ان تجد منهُ ريحاً طيبة ونافخ الكير امـا أن يحرق ثيابك أو تجد منهُ ريحاً خبيثة )).

المطلب الثالث
النظرية التكاملية
يرى البعض ان الاسـتاذ بنينو ديتوليو يعتبر من أصحاب الاتجاه التكاملي في تفسـير الظاهرة الاجرامية، فقد اعتمد على عنصرين أسـاسـيين: أحدهما يتعلق بالتكوين الفردي وعبر عنهُ بالاسـتعداد الجرميّ، والآخر يتعلق بظروف البيئة التي قد تحركهُ وتدفع بهِ الى الوجود بشـكل سـلوك اجراميّ، وهذا الأمر وضعَ النظرية في موقع أثارَ اهتمام وتأييد الكثير من الباحثين لأنها تجنبت مواضع الخلل التي اعتبرت النظريات السـابقة –أيّ النظريتين الفردية والاجتماعية- إذ جمعت بين الاتجاهين البيولوجي والاجتماعي في تفسـير الظاهرة الاجرامية([28]).

ونعتقد ان اعتبار الاسـتاذ ديتوليو من أصحاب الاتجاه التكاملي قول غير دقيق إذ على الرغم من ايمانهِ بِدور العوامل الاجتماعية لكنهُ يعطي الدور الأكبر للعوامل الفردية، أيّ انهُ لايرى تأثيراً للعوامل الاولى إلا إذا كان لدى الفرد اسـتعداداً اجرامي (أصيل او عارض)، بمعنى لابُدَ أن يكون لديهِ اسـتعداد طبيعي يدفعهُ الى ارتكاب الجريمة واقترن ذلك بالظروف البيئية المُسـاعدة. وذلك يجعل من تفسـير ديتليو لظاهرة الجريمة مُرتبطاً بالعوامل الفردية أكثر من ارتباطهِ بالعوامل الاجتماعية، الأمر الذي يقربه من تفسـير لمبروزو بعدَ تعديل نظريتهِ بقول الأخير ان العلامات الارتدادية (علامات الرجعة) لاتُسـبب بمفردها السـلوك الاجرامي إنما لابُدَ من أن تتفاعل مع شـخصية مَنْ يحملها إذا تهيأت لها الظروف لإنتاج السـلوك الاجرامي، ومعنى الأخيرة العوامل الخارجة عن شـخص الفاعل أيّ العوامل البيئية. ومـايؤكد ذلك ان الاثنين –لمبروزو وديتليو- يؤمنان بوجود خصائص مُعينة لدى المُجرم هي السـبب في ميلهِ الى ارتكاب الجريمة إلا أنَ الفارق بينهما من هذهِ الناحية يتمثل في ان الأول يصف تلك الخصائص بكونها (عضوية جسـمانية) يكتسـبها الفرد عن طريق الوراثة، بينما يعتبرها الثاني بأنها اسـتعداداً اجرامياً أصيلاً. ورغم ان الاسـتاذ انريكوفيري يُعتبر من مؤيدي الاسـتاذ لمبروزو وبقيّ مُتمسـكاً برأيّ الأخير الذي يعتبر الشـذوذ البيولوجي للفرد عاملاً من عوامل السـلوك الاجراميّ، لكنهُ لم يغفل العاملين الآخرين (الاجتماعي والطبيعي) أي ان الجريمة برأيهِ نتاج عوامل فردية واجتماعية وطبيعية، الأمر الذي يدعونـا الى القول بأنَ فيري يُعتبر من أصحاب الاتجاه التكاملي في تفسـير الظاهرة الاجرامية.

المبحث الثالث
رأينـا في الموضوع
مضى على أول انطلاقة لأبحاث علم الاجرام مـايزيد على مائة وخمسـين سـنة، وعلى مدى هذهِ السـنين قُدمت العديد من الأفكار والآراء المُختلفة حولَ أسـباب الظاهرة الاجرامية كما كُرسـت مؤتمرات دولية خصيصاً لهذا العلم وأولتهُ العديد من الدول أهمية بالغة بعدَ أن شـعرت ان العقاب لوحده لايجديّ نفعاً في مواجهة تلك الظاهرة، فكان أن أخذ عدد من التشـريعات بالآراء والحلول التي قدمها علماء الاجرام والباحثون فيهِ([29]).

إلا إنَ هذهِ الحلول كانت تُعالج حالتين من حالات ارتكاب الجريمة هما العود الى الجريمة والاعتياد على الاجرام، واقتصرت الحلول لما قبلَ ارتكاب الجريمة (أيّ الوقابة منها) على مجموعة من التدابير الاحترازية (الوقائية) كما ان بعض التشـريعات ومنها التشـريع العراقيّ قيّدَ من نطاق هذهِ التدابير بإشـتراطهِ أن يكون الشـخص المنويّ فرض التدبير عليهِ قد ارتكبَ جريمة، وهو الأمر الذي يعني عدم صلاحية نظام التدابير الاحترازية للوقاية من الجريمة في الدول التي أوجبت تشـريعاتها مثل هذا الشـرط. وقبلَ ان نقدم بعض الحلول التي نعتقد إنها كفيلة في الحد من ظاهرة الاجرام إذ من العسـير القضاء عليها بشـكل كامل، لابُدَ من تقييم النظريات التي بحثت في أسـبابها أولاً ومن ثمَ نُعرج على تلك الحلول ثانيـاً، وذلك مـاسـيكون موضوع المطلبيين التاليين.

المطلب الأول
تقييم النظريات
(1)
ممّا لاشـكَ فيهِ ان رائد النظرية البيولوجية الاسـتاذ سـيزار لمبروزو كان لهُ الدور الكبير في توجيه الاهتمام الى شـخص المُجرم بعدَ ان كان الاهتمام مُنصباً على الجريمة لوحدها، بمعنى جانبها المادي، دون النظر الى شـخصهِ او ظروفهِ أو بواعثهِ على ارتكاب الجريمة، فلم يكُن هناك أدنى تمييز بين مَنْ ارتكب الجريمة ببواعث شـريفة وبين مَنْ ارتكبها بنـاءً على اسـتفزاز خطير من المجنى عليهِ بغير حق، وبين مَنْ ارتكبها ببواعث دنيئة. أو مَنْ ارتكبها بطريقة مألوفة (عادية) وبين مَنْ ارتكبها بطريقة وحشـية، أو بين مُرتكب الجريمة لأول مرة وبين العائد الى ارتكابها أو المُعتاد على الاجرام. ومع ان هذهِ النظرية وجهت الاهتمام الى شـخص المُجرم كما أسـلفنا وهو فضل يحسـب لها، إلا إنها أخفقت في تقديم الدليل على اسـتنتاجاتها لجهة وراثة عوامل الاجرام وحتمية السـلوك الاجراميّ، ثمَ اغفالها لدور العوامل الاُخرى غير الفردية المُسـببة أو المُهيئة لإرتكاب الجريمة. صحيح ان أحد روادها (( الاسـتاذ أنريكو فيري )) أدخلَ العديد من التعديلات على آراء لمبروزو واعتبر الجريمة مُركبة من عدة عوامل فردية واجتماعية وطبيعية، لكنهُ ظلَ مُتمسـكاً بالمبدأين الأولين ونعني بهما الوراثة وحتمية السـلوك الاجرامي. هذا من ناحية ومن ناحية أُخرى ان تقسـيمات المُجرمين التي قالَ بها لمبروزو والحلول التي قدمها بإزاء كُل واحد منهم([30])، فإنَ البعض من هذهِ الحلول يجافي العقل وفيهِ شـذوذ عن المنطق ومبادىء العدالة، إذ كيف يجوز القول بإسـتئصال (أيّ اعدام) شـخص فاقد الادراك أو الارادة بسـبب الجنون أو الاختلال العقلي وهو لايدرك طبيعة فعله ولايُميز بين الخطأ والصواب ولا بينَ مـايضرهُ ومـاينفعهُ؟. أو عدم اخضاع المُجرم بالعاطفة لعقوبة لأنها تفسـدهُ وتجعل منهُ مُجرماً بالعادة بحجة ان مثل هذا الشـخص يتميز بحسـاسـية خاصة وهو يندفع الى ارتكاب الجريمة دونَ سـبق اصرار، مع ان جريمته قد تكون قتلاً عمداً.

(2)
ولاتسـلم نظرية التحليل النفسـيّ من النقد بل النقد الشـديد، فالقول بأنَ انحراف الشـخص يعود الى ميلهِ الفطريّ الجنسـيّ في مراحل طفولتهِ الاولى وتعلقهِ بأُمهِ (( جنسـياً )) وهو لم يزل في سـن الرابعة، وكُرههِ لأبيهِ بسـبب علاقة الأخيرالجنسـية بأُمهِ مـايُولد صراعاً لدى الطفل بين نوعين مُتناقضين من المشـاعر وهو صراع يؤدي (لاحقاً) بالابن الى سـلوك طريق الجريمة، هو قول لايفتقر الى الدليل العلمي وحسـب إنما يجعل من الانسـان آلة محكومة بالغرائز والميول الفطرية الجنسـية. وفضلاً عن ذلك فإنَ الذي يؤثر في الفرد مـابعدَ ولادتهِ وحتى وصولهِ مرحلة الصِبا ليسـت الميول الغريزية الجنسـية كما ذهبِ الاسـتاذ فرويد، إنما مـايكون عليهِ والداه (وخصوصاً الأب) من صلاح حالهما او فسـادهِ، فإذا كان الأب صالحاً قلده الأبن في ذلك فينشـأ على الأخلاق الحسـنة والسـلوك السـويّ، والعكس إذا كانَ الأب فاسـداً قلدهُ الأبن في ذلك فينشـأ على الأخلاق السـيئة والسـلوك غير السـويّ، لاسـيما إذا تداخلت عوامل أُخرى كرفاق السـوء في دفع الفرد الى الانحراف. وبإفتراض صحة مذهب الاسـتاذ فرويد بشـأن أسـباب انحراف الفرد ومرد ذلك الى ميلهِ الفطريّ الجنسـيّ في مراحل طفولتهِ الاولى …. إلخ، فهو لم يبين حال الطفل اللقيط (مجهول الأبوين) والذي يعيش في رعاية مؤسـسـات الدولة أو المؤسـسـات الخيرية الخاصة، إذ ليس لهُ (( اللقيط )) أبوين كيما يُسـند انحرافه لاحقاً الى النوعين من المشـاعر المُتناقضة في طفولتهِ، مـايعني إنهُ في منأى عن هذا التناقض وبالتالي سـيكون في صِباه او شـبابه أفضل حالاً وأقوم سـلوكاً من الولد الشـرعيّ!

(3)
وعيب نظرية العوامل الاجتماعية إنها أهملت دور العوامل الفردية مع ان الأخيرة قد يكون لها دور أكبر من العوامل الاجتماعية أو ربما تتعادل معها في التأثير باتجاه دفع الشـخص الى السـلوك الاجراميّ، حسـب الأحوال. يُضاف الى ذلك أن أحد أهم اقطابها (( دوركايم )) وإذ يرى ان المجتمع مسـؤول عن انحراف الشـخص فإنَ فكرته هذهِ تقترب كثيراً من الفكرة اللمبروزية التي تؤمن بمبدأ حتمية السـلوك الاجرامي، بمعنى ان الفكرتين تعتبران المُجرم شـخصاً مُنقاداً الى ارتكاب الجريمة، وهو تبسـيط شـديد لعمل مُعقد ومُركب (( الجريمة )) ينقضهُ ان الشـرائع السـماوية والوضعية مُتفقة على ان الفرد حر في اختيار الطريق الذي يريد، إذ يقول عزَّ من قائل (( ونفس ومـاسـواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دسـاها ))([31]).

كما ان المسـؤولية الجنائية في القانون الوضعي تدور وجوداً وعدماً مع وجود ارادة ارتكاب الجريمة أو انعدامها، فالقصد الجرمي هو (( توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفـاً الى نتيجة الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية أُخرى ))([32]).

و (( تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة الاجرامية بسـبب خطأ الفاعل سـواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو رعونة او عدم انتبـاه أو عدم احتياط أو عدم مُراعـاة القوانين والانظمة والأوامر ))([33]). اللهم إلا إذا كان الفاعل فاقد الادراك أو الارادة لجنون أو عاهة في العقل أو بسـبب كونهِ في حالة سـُكُر او تخدير نتجت عن مواد مُسـكرة او مُخدرة أُعطيت لهُ قسـراً أو على غير علم منهُ بها([34]).

(4)
ونحنُ نميل الى النظرية التكاملية (المُختلطة) ذلك ان الجريمة ظاهرة مُركبة سـببها عوامل عديدة ومُتنوعة، قسـم منها يتصل بشـخص الفاعل ذاته والقسـم الآخر يرتبط بالبيئة الاُسـرية أو رفاق السـوء او الحالة السـياسـية أو الحالة الاقتصادية، ونعني بالأخيرة تردي المُسـتوى المعاشـيّ للسـُكان أو لمجموعة منهم مع ان هذا العامل لايكون وحدهُ كافياً لإنتاج الجريمة مالم يتداخل معهُ عامل أو عوامل أُخرى فردية كانت أم اجتماعية. وعموماً ان أسـباب الظاهرة الاجرامية عديدة ومُتنوعة وهي مُتغيرة من بلد الى آخر أو من منطقة الى أُخرى ومن مُجتمع الى آخر داخل البلد الواحد، ومن وقت الى آخر، ومن فرد الى آخر، إذ لايمكن الجزم بأنَ ذات العوامل (المُختلطة) تؤثر في عدد من الأفراد بنفس القوة والدرجة بإتجاه دفعهم الى ارتكاب الجريمة، فتلك امور تتحكم فيها الحالة الفردية لمُرتكب الجريمة والوقت الذي يرتكبها فيهِ ومدى تأثير العامل أو العوامل الخارجية بالاتجاه المذكور.

المطلب الثاني
مـا الذي يمكن فعلهُ للحد من ظاهرة الجريمة إذا كان من المُسـتحيل القضاء عليها؟
الحق ينبغي علينـا أن لانُغالي بما قدمهُ علم الاجرام في مواجهة ظاهرة الجريمة فالأخير اقتصرت حلوله على حالة مـابعدَ ارتكاب الجريمة، بمعنى منع عودة الجاني الى ارتكاب جريمة أُخرى او الحد من ذلك، وتوجيه أنظار المُشـرعين الى شـخص المُجرم، لكنهُ عجزَ عن تقديم الحلول للوقاية من الجريمة قبلَ وقوعها بإسـتثناء أمر التدابير الاحترازية وهذهِ عديمة الجدوى وفق التشـريع العراقي كما قد ألمحنـا سـابقاً، إذ وفق التشـريع الأخير لايجوز فرض تدبير من تلك التدابير مالم يكُن الشـخص قد ارتكب جريمة سـابقة حتى لو كانت حالتهُ خطرة على سـلامة المُجتمع وهناك احتمالاً جدياً لإقدامهِ على ارتكاب جريمة([35])، بمعنى مهما بدت حالة مثل هذا الشـخص خطرة على المُجتمع وكان قاب قوسـين او أدنى من ارتكاب الجريمة فلايجوز اتخاذ أيّ إجراء ضدهُ مالم يكُن قد ارتكب جريمة سـابقة، اللهُمَ بإسـتثناء حالات قليلة جداً يجوز فيها مُحاسـبة الشـخص عن التصرف الذي قامَ بهِ وأن لم يُشـكل جريمة تامة أو شـروعاً فيها وفق مفهوم الجريمة الطبيعية، وهي حالة الاتفاق الجنائي (( المادة 55 ع.ع. )) وجرائم السـُكُر (( المواد (386-388) )) وجريمة تقليد مفاتيح أو تغيير فيها أو صنع آلة مع توقع اسـتعمالها في ارتكاب جريمة سـرقة (( المادة 447 )) وجريمة قيادة مركبة بسـرعة تزيد عن السـُرعة المُقررة قانونـاً (( المادة 18 فقرة 3 من قانون المرور رقم 48 لسـنة 1971))([36]).

إلا ان تطبيق تلك النصوص لم يحد من ظاهرة الجريمة، فعلى الرغم من مضي مـايزيد على أربعين عاماً على تشـريع قانون العقوبات الحالي ونفاذهِ لم تزل تلك الظاهرة قائمة في بلادنـا تنخر في جسـد المُجتمع العراقيّ، بل هي في ازدياد مُسـتمر ومُخيف إذ ظهرت أنماط سـلوكية اجرامية غريبة على المُجتمع، ففي كُل يوم أو اسـبوع نفاجأ بجريمة او أكثر غاية في البشـاعة يهتز لها المُجتمع في بادىء الأمر لكنهُ سـُرعان مـاينسـاها ويعتبرها حالة اعتيادية مثلها مثل أية ظاهرة غير سـوية أُخرى تحدث وينتهي أثرها في الحال أو بعدَ فترة وجيزة، إلا في ضمير وعقل مَنْ يعيّ خطورتها بكونها سـتؤدي عاجلاً أم آجلاً الى زعزعة أركان المُجتمع وتقويض أُسـسـه. فإذا اسـتثنينا الجرائم الارهابية من عداد الجرائم المُخيفة والتي تقوض تلك الاُسـس بإعتبار إنها ظاهرة وقتية سـتزول بزوال أسـبابها، وهي عديدة ومُتنوعة لايسـع المجال لذكرها، فإننـا بتنـا نفاجىء بوقوع جرائم غاية في الفضاعة، فمن قتلَ مجموعة من الصاغة هنـا الى خطف طفل في منطقة أُخرى وخطف شـاب في منطقة ثالثة وقتلهِ، الى قتل عائلة بجميع أفرادها في منطقة رابعة، الى قيام صاحبة صالون حلاقة بتصوير فتيات بأوضاع مُعينة وابتزازهن بفضح هذهِ الصور بغرض تحريضهن على الفسـق والفجور، مروراً بموظفين يختلسـون اموالاً عامة وليس انتهاءً بوزير فاسـد([37])!! ولابسـرقة أطفال حديثيّ الولادة وبيعهم بسـعر سـبعة ملايين دينـار للطفل الواحد([38]). والسـؤال الذي يُطرح بهذا الصدد: مـا الذي قدمه القائمون على الدولة العراقية منذُ مـابعدَ تأسـيس الجمهورية ولحد وقتنـا الحاضر، ومـا الذي قدمه القائمون على مرافق الأمن والعدالة منذُ ذلك التأريخ ولحد وقتنـا هذا في سـبيل الحد من ظاهرة الجريمة، فالأخيرة في ازدياد مُسـتمر وفي تطور نوعيّ وكميّ لامثيلَ لهُ في تأريخ بلادنـا([39])، وينبغيّ علينـا أن لانخدع أنفسـنا بوجود الأمن والأمان للمواطنين فهذا كلام في السـياسـة وحديث للإعلام لم يمنع من ارتكاب الجرائم ولا حدَ من ارتكابها، إذاً مـا العمل؟ ذلك مـاسـنُحاول طرحه من خلال الفرعين التاليين.

الفرع الأول
الحلول على الصعيد التشـريعيّ
نعتقد إنهُ لابُدَ من ان يغير المُشـرع نظرته الى الحالة الخطرة المنصوص عليها في المادة (103) من قانون العقوبات وان يقتصر شـرط ارتكاب جريمة سـابقة على بعض الحالات التي أوردها الفصل الخاص بالتدابير الاحترازية، وذلك بإعتبار حالة الشـخص خطرة مـا يوجب على المحكمة فرض تدبير احترازي عليهِ كالذي نقترحهُ في النصوص الآتية: (( المادة ……… تُعتبر حالة الشـخص خطرة إذا:
1.وجد مُتسـولاً وكان قد أتمَ الثامنة عشـرة من عمرهِ وله وسـيلة يتعيش منها أو كان قادراً على العمل، أو كان مُشـرداً، أو وجد مع مَنْ اشـتهر عنهم سـوء السـلوك([40]).
2.وجد يلعب القمار ولو في غير المحلات المعدة لذلك.
3.وجد في الأماكن العامة وهو في حالة سـُكُر بيَّن.
4.يوضع من وجد في أية حالة من الحالات المذكورة في الفقرات (1، 2، 3) من هذهِ المادة في احدى المُنشـآت المُخصصة قانونـاً للحجز لمُدة لاتزيد على ثلاثة أشـهُر.
5.إذا عادَ مُرتكب أيّ فعل من الأفعال المُتقدمة الى ارتكاب الفعل الذي حجز من اجلهِ خلال سـنة من تأريخ إخلاء سـبيلهِ من الحجز يوضع في احدى المُنشـآت الواردة في الفقرة (4) من هذهَ المادة لمُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر. )) (( المادة ……… تُعتبر حالة الحدث تُنبىء بالخطر إذا:
1.كان مُشـاكسـاً أو معرضاً للجنوح.
2.لم يكُن لهُ محل اقامة مُعين او اتخذ من الأماكن العامة مأوى لهُ.
3.لم تكُن لهُ وسـيلة مشـروعة للعيش وليس لهُ وليّ أو مُربِ.
4.تركَ منـزل وليهِ او المكان الذي وضع فيهِ بدون عذر مشـروع.
5.يودع مَنْ وجد في أية حالة من الحالات الواردة في الفقرات (1، 2، 3، 4) من هذهِ المادة في أحد دور الدولة المُعدة لهذا الغرض لمُدة لاتزيد على ثلاثة أشـهُر مالم يكُن لهُ محل إقامة مُعين أو وليّ أو مُربِ فتُقرر المحكمة ايداعهِ في أحد دور الدولة المُخصصة لرعاية الأحداث.
6.إذا عادَ الحدث الى ذات الحالة التي اودع من أجلها في أحد الدور المُشـار إليها في الفقرة (5) من هذهِ المادة، خلال سـنة من تأريخ إخراجهِ من الدار يودع فيها لمُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر. )). (( المادة ……… تُعتبر حالة الحدث خطرة إذا:
1.قامَ بأعمال في أماكن الدعارة او القمار أو شـرب الخمور.
2.خالطَ المُشـردين أو الذين اشـتهر عنهم سـوء السـلوك.
3.كانَ مارقاً على سـلطة وليهِ.
4.يودع مَنْ وجد في أية حالة من الحالات الواردة في الفقرات (1، 2، 3) من هذهِ المادة في أحد دور الدولة المُعدة لهذا الغرض لمُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر.
5.إذا عادَ الحدث الى ذات الحالة التي أُودع من أجلهافي أحد الدور المُشـار إليها في الفقرة (4) من هذهِ المادة خلال سـنة من تأريخ إخراجهِ من الدار يودع فيها لمُدة لاتزيد على سـنة.)). (( المادة ……… يُعدَل نص المادة 387 من قانون العقوبات ويكون على النحو الآتي:

مَنْ حرضَ حدثاً لم يتم الثامنة عشـرة من عمرهِ على تعاطيّ السـكر او قدمَ لهُ شـراباً مُسـكراً لغير غرض المُداواة يُعاقب بالحبس مُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر. فإذا كان قد خدعَ المجنى عليهِ في نوع الشـراب فتعاطاهُ على غير علم منهُ عوقبَ بالحبس مُدة لاتزيد على سـنة )). (( المادة ……… يُعدَل نص المادة 388 من قانون العقوبات ويكون على النحو الآتي:
1.كُل صاحب حانة أو محل عام وكُل مُسـتخدم قدمَ مُسـكراً لحدث لم يتم الثامنة عشـرة من عمرهَ يُعاقب بالحبس مُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر.
2.كُل صاحب حانة أو محل عام وكُل مُسـتخدم فيهِ قدمَ مُسـكراً لسـكران فاقد صوابه أو اخرجه الى الطريق العام يُعاقب بالحبس مُدة لاتزيد على ثلاثة أشـهُر.
3.إذا عادَ مُرتكب فعل من الأفعال المُتقدمة الى ارتكاب أيّ منها خلال سـنة من تأريخ إخلاء سـبيلهِ من الحبس جازَ للمحكمة فضلاً عن الحُكُم عليهِ بالعقوبة المُقررة للجريمة أن تأمر بإغلاق المحل مُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر. )). (( المادة ……… يُعدَل نص المادة 389 من قانون العقوبات ويكون على النحو الآتي:
1.يُعاقب بالحبس مُدة لاتزيد على سـنة كُل مَنْ فتحَ أو دارَ محلاً لألعاب القِمار وأَعدّهُ لدخول الناس. وكذلك كُل مَنْ نظمَ ألعابـاً من هذا القبيل في محل عام أو محل مفتوح للجمهور أو في محل أو منـزل أُعِدَّ لهذا الغرض.
2.ويُعاقب بالعقوبة ذاتها صيارفة المحل.
3.ويُعاقب بالحبس مُدة لاتزيد على سـتة أشـهُر مَنْ وجّد يلعب القِمار في المحلات المذكورة في الفقرة (1) من هذهِ المادة.
4.تُضبط النقود والأدوات التي أُسـتُعمِلت في اللعب ويُحكم بمصادرتها.
5.وعلى المحكمة ان تحكُم بإغلاق المحل مُدة لاتزيد على سـنة. )).
وقد يبدو ان المُقترحات المُتقدمة ذات تأثير ضئيل في الحد من ظاهرة الجريمة أو ليس لها أيّ تأثير فيهِ، لكنَ هذا النظر ظاهريّ لأنها (( المُقترحات )) تناولت الظروف والعوامل البيئية المُسـببة أو المُهيئة لإرتكاب الجريمة لاحقاً، ذلك لأنَ اختيار البالغ سـن الرشـد للبطالة أو لعب القِمار أو السـُكُر البين أو مُخالطة المُنحرفين، واختيار الحدث التسـكُع في الأماكن العامة أو الهروب من منـزل وليهِ أو تعريض نفسـهِ للجنوح أو العمل في أماكن الدعارة أو القِمار أو شـرب الخمور أو مُخالطة المُشـردين أو الذين اشـتهر عنهم سـوء السـلوك أو المروق على سـُلطة الوليّ، كلها ظروف تهياً بإتجاه دفع الشـخص الى سـلوك طريق الجريمة لاسـيما إذا تُركَ مثل هذا الشـخص دونما تدبير يفرض عليهِ. ومتى مـاعرفنـا الأسـباب المؤدية للانحراف عن الطريق السـويّ سـهل الحل وهو اتخاذ التدبير المُلائم لحالة الشـخص، وبالتالي نقي المجتمع من الجريمة قبلَ وقوعها خصوصاً إذا واكب ذلك الحلول الاخرى الواردة في نهاية الفرع الثاني من هذا المطلب.
وعلى الصعيد التشـريعيّ أيضاً نعتقد لو أنَ المُشـرع عدل نص المادة (340) من قانون العقوبات الخاصة بجريمة الاضرار بأموال الدولة او أموال الأشـخاص المعهود بها الى الموظف أو المُكلف بخدمة عامة عمداً، وذلك بجعل العقوبة مُرتبطة بجسـامة الضرر الذي يلحق بالأموال المذكورة. فكُلما كان الضرر جسـيماً عُوقب الجاني بعقوبة الجناية المُقررة في النص وجوباً، فإذا كان الضرر مُتوسـطاً أو يسـيراً يجوز مُعاقبة الجاني بالحبس المنصوص عليهِ في ذات المادة، كي لايكون نص الأخيرة بصيغتهِ الحالية سـبباً من الأسـباب المانعة للوقاية من الجريمة قبلَ ارتكابها، كيف؟. فقد لاحظنـا من قراءة عدداً من الأحكام الصادرة من بعض محاكم الجنايات ان العقوبات التي تفرضها على المُدانين ملحوظ فيها تسـاهُلاً كبيراً معهم، فعلى سـبيل المثال انها تفرض عقوبة الحبس لمُدة سـنة واحدة في جناية عقوبتها تصل الى السـجن لمُدة سـبع سـنوات، وذلك يعطي اشـارة خاطئة الى الآخرين ببسـاطة العقاب. فإذا علم الشـخص لايحصل على قوت يومهِ، أو هو بالكاد يحصل عليهِ، ان محكمة …….. قد حكَمَت على المسـؤول الفُلانيّ (الهارب من وجه العدالة) بالحبس لمُدة سـنة واحدة، وان المحكمة الأُخرى حكَمَت على مسـؤول آخر (هارب أيضاً) بالحبس لمُدة سـنتين، عن تُهم تتعلق بالمال العام تقدر أضرارها بملايين الدولارات، فلانسـتغرب إذا مـاتطاول المعدوم المذكور على مال غيرهِ، أو اعتدى موظف من الفئات الصغيرة أو المُتوسـطة على المال العام([41]).

الفرع الثاني
الحلول على الصعيد الاداريّ والأمنيّ والتعليميّ
وقد لايكفي للحد من ظاهرة الجريمة تشـريع النصوص التي تُعالج الحالات الخطرة إنما لابُدَ من وجود هيئات على مُسـتوى عالٍ، وكما يأتي: 1.هيئة مُختصة بدراسـة أسـباب الظاهرة الاجرامية وتتفرع عنها معاهد مُتخصصة بتدريس علم الاجرام، أو أن تكون هذهِ المعاهد مُرتبطة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي سـواء إتبعت كُليات الحقوق أو كانت مُسـتقلة بذاتها، مع اختيار كبار أسـاتذة القانون والخبراء ممّن لهم خبرة في علم الاجرام للتدريس في تلك المعاهد، على أن تتجاوز الطريقة النمطية في التدريس، بمعنى أن تجمع بين الدروس النظرية والتطبيقية والبحث العلمي وتشـجيع كل من كان قادراً على إجراء البحوث والمسـح الميداني لمُختلف مناطق العراق وبالأخص المناطق التي يلاحظ فيها زيادة في مُعدل ارتكاب الجريمة او انتشـار الجريمة فيها من النوع الواحد وهكذا، وسـواء كان القائم بها من أسـاتذة المعاهد المذكورة او الخبراء الرسـميين أو الأهليين او شـركات خاصة تتولى ذلك. 2.هيئة عُليـا ترتبط بوزارة الداخلية أو العدل تتفرع عنها مكاتب، في كُل محافظة مكتب تكون مهمته تسـجيل الوقائع الجنائية (( أيّ الجرائم )) التي تقع في المحافظة يوميـاً أو اسـبوعياً –حسـب تأريخ وقوعها- على أن تتضمن المعلومات الكاملة عن الواقعة مثل نوع الجريمة، طريقة ارتكابها، حالة المجنى عليهِ، حالة الجاني إذا كان مقبوضاً عليهِ أو معروفاً لدى سـُلطات التحقيق …… إلخ.

ويقوم كُل مكتب من تلك المكاتب بتقسـيم المعلومات الواردة إليهِ من مراكز الشـُرطة وجهات التحقيق والمحاكم وحسـب نوع الجريمة وكما يأتي:
1.قسـم جرائم القتل.
2.قسـم جرائم السـرقة.
3.قسـم جرائم الاغتصاب.
4.قسـم جرائم الأحداث.
5.قسـم جرائم الاحتيال وخيانة الأمانة.
6.قسـم جرائم المُخدرات.
7.قسـم جرائم السـُكُر….. والى آخر التقسـيمات.
وفائدة هذهِ التقسـيمات تتجلى في ناحيتين: الاولى انها تسـهل للمُحقق او قاضي التحقيق الاطلاع على اسـلوب ارتكاب الجريمة المُسـجلة في المكتب أعلاه ومُقارنتهِ مع اسـلوب ارتكاب الجريمة الواقعة حديثاً بغرض معرفة فاعل الأخيرة، فضلاً عن ان الجريمة الاولى سـتعتبر سـابقة في العود إذا تبين ان فاعلها هو ذاته فاعل الجريمة المُرتكبة حديثاً.

والناحية الثانية ان المعلومات المُسـجلة في المكاتب الفرعية (المُحافظات) يتم تزويدها للهيئة العُليـا المُشـار إليها في الفقرة الثانية مارة الذكر، والتي بدورها تدرس تلك المعلومات وتتخذ الإجراءآت المنصوص عليها في قانون (أو نظام) تشـكيلها وبالتأكيد ان أحد الإجراءآت هو عقد اللقاءآت والندوات مع كبار أسـاتذة علم الاجرام وممّن لهم خبرة وإلمام فيهِ، بهدف تحليل الأسـباب والعوامل المؤدية الى ارتكاب الجريمة –أية جريمة- أو ازدياد نسـبة ارتكابها وصولاً الى أنجع السـُبُل والوسـائل للوقاية منها أو الحد من حالات ارتكابها. وبالمُقابل تقوم بفحص وتحليل الأسـباب والعوامل التي أدت الى انخفاض نوع أو عدد من الجرائم في منطقة مـا بهدف تعميم تلك الأسـباب والعوامل على مناطق أُخرى كُلما كان ذلك مُمكناً.

وفي ختام هذا البحث لابُدَ من القول ان اسـتئصال البطالة في بلادنـا، وتحسـين المُسـتوى المعاشـيّ والصحيّ لأفراد المُجتمع، وتوفير السـكن المُلائم للطبقات الفقيرة ومُتوسـطة الدخل، والقضاء على الفسـاد الاداريّ في دوائر الدولة، كُلُ ذلك سـيُسـاهم (مع مـاتقدم عرضه في الفرعين السـابقين) في الحد من ظاهرة الجريمة ولانُغاليّ إذا قلنـا إنها سـتقيّ المُجتمع من الجريمة قبلَ وقوعها وفي ذلك فائدة عظيمة للمُجتمع تفوق أية فائدة أُخرى.

(1)د.علي محمد جعفر، علم الاجرام والعقاب، المؤسـسـة الجامعية للدراسـات والنشـر والتوزيع، الطبعة الاولى، 1992، ص11.
(2)د.رمسـيس بهنام، الوجيز في علم الاجرام، منشـأة المعارف في الاسـكندرية بمصر، بلا سـنة طبع، ص41. (1)د.عبود السـراج، علم الاجرام وعلم العقاب، الطبعة الاولى، 1981، ص180 و 182. (2)د.عبود السـراج، المصدر السـابق، ص97 و 98.
(3) د.رمسـيس بهنام، المصدر السـابق، ص22.
(4) د.رؤوف عبيد، مبادىء علم الاجرام، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي في القاهرة، 1972، ص7.
(1)د.علي جعفر محمد، المصدر السـابق، ص14.
(1)د.رمسـيس بهنام، المصدر السـابق، ص21.
(1)د.عوض محمد و د.محمد زكي ابو عامر، مبادىء علم الاجرام والعقاب، الدار الجامعية للنشـر في الاسـكندرية، 1989، ص17.
(2)إلا ان البعض يرى وجود صّلة لعلم الاجرام بقانون أُصول المُحاكمات الجزائية إذ أثرَ الأول في الثاني وبنتيجة ذلك أخذَ الثاني بنظام الفحص السـابق على الحكم وتخصص القاضي الجنائي ونظام قاضي التنفيذ. يُنظر د.محمد شـلال حبيب، أُصول علم الاجرام، المكتبة القانونية في بغـداد، 2007، ص25 ومـابعدها.
(1)ومن هذهِ العلامات: عدم انتظام شـكل الجمجمة، وضيق الجبهة، وضخامة الفكين، وبروز عظام الخد، وشـذوذ تركيب الأسـنان، والزيادة الملحوظة أو النقص الملحوظ في حجم الاذن، وفرطحة أو اعوجاج الانف، والزيادة المُفرطة في مقاييس بعض الأعضاء كطول الأذرع والأرجل والأصابع، وعيوب في التجويف الصدري، وغزارة في شـعر الرأس أو الجسـم. يُنظر د.سـليمان عبد المنعم سـليمان، أُصول علم الاجرام القانوني، الطبعة الثانية، الدار الجامعية الجديدة للنشـر في الاسـكندرية، 1995، ص225، والمصادر التي أشـارَ اليها في الهامش (3) من ذات الصفحة. (2)و (3) د.محمد شـلال حبيب، المصدر السـابق، ص81، 82.
(4) د.عبود السـراج، المصدر السـابق، ص101.
(1)د.فتوح عبد الله الشـاذليّ، دراسـات في علم الاجرام، 1993، ص114.
(2)د.علي محمد جعفر، المصدر السـابق، ص25.
(1)د.محمد شـلال حبيب، المصدر السـابق، ص96.
(2)د.عبود السـراج، المصدر السـابق، ص268.
(1)د.فتوح الشـاذليّ، المصدر السـابق، ص115.
(2)د.عوض محمد و د.محمد زكي أبو عامر، المصدر السـابق، ص97.
(1) د.محمد أحمد المشـهداني، أُصول علميّ الاجرام والعقاب في الفقهين الوضعي والاسـلاميّ، المكتبة القانونية، الطبعة الاولى، 2002، ص90.
(2) د.عوض محمد و د.محمد زكي أبو عامر، المصدر السـابق، ص102.
(3)د.عبد الرحمن محمد أبو توته، علم الاجرام، المكتب الجامعي الحديث، 2001، ص129.
(4)د.عبد الرحمن محمد أبو توته، المصدر السـابق، ص124.
(1)د.محمد المشـهدانيّ، المصدر السـابق، ص62.
(2)د.عبد الرحمن أو توته، المصدر السـابق، ص110.
(3)د.رؤوف عبيد، المصدر السـابق، ص162.
(1)د.علي محمد جعفر، المصدر السـابق، ص35.
وينظر أيضـاً د.عبد الرحمن أبو توته، المصـدر السـابق، ص91. د.عوض محمد و د.محمد زكي أبو عامر، المصدر السـابق، ص88. د.سـليمان عبد المنعم سـليمان، المصدر السـابق، ص237، د.محمد شـلال حبيب، المصدر السـابق، ص151.
(1)ومن هذهِ الحلول مثلاً نظام التدابير الاحترازية، والأخذ بنظام فحص الجاني السـابق على الحُكُم، وتخصص القاضي الجنائيّ.
(1)صنفَ لمبروزو المُجرمين الى خمسـة أصناف هُم: 1-المُجرم بالفطرة أو الميلاد. 2-المُجرم المجنون. 3-المُجرم بالعاطفة. 4-المُجرم بالعادة. 5-المُجرم بالصدفة. نقلاً عن د.محمد شـلال حبيب، المصدر السـابق، ص75-78.
(1)سـورة الشـمس، الآية (7-10).
(2)المادة (33) الفقرة (1) من قانون العقوبات العراقيّ.
(3)المادة (35) ع.ع. (4)المادة (60) ع.ع. (1)المادة (103) ع.ع.
(1)ومن النصوص الاُخرى: الامتناع عن القيام بواجب رعاية صغير مُكلف بهِ قانونـاً (( المادة 371 ع.ع. )) ولعب القمار (( المادة 389 ع.ع. )) والتسـول (( المادتان 390 و 392 ع.ع. )).
(2)وفي بيـان لوزارة الداخلية العراقية عن عدد الجرائم المُرتكبة في العراق خلال عام 2009 أشـارت الوزارة الى ارتفاع مُعدلات العنف بنسـبة 36% عن عام 2008، اذ ارتكبت في عام 2009 ثمانية آلاف وثلاثمائة وثمانين جريمة توزعت بين الارهاب والاغتيال والاختطاف والسـطو المُسـلح والابتزاز كان نصيب الارهاب منها فقط ألفان وتسـعمائة وثمانون جريمة، بمعنى ان عدد الجرائم غير الارهابية يزيد عن الخمسـة آلاف جريمة وهو رقم مُخيف هذا بإفتراض ان الوزارة المذكورة كانت صادقة في بيانها. وبعملية حسـابية بسـيطة وتقسـيم الجرائم غير الارهابية المُرتبكة خلال عام 2009 (وعددها 5403 جريمة) على أيـام السـنة المذكورة يتضح ان كُل يوم كانت تُرتكب فيهِ خمس عشـرة جريمة!.
(3)فقد ألقت السـُلطات الأمنية في بغـداد (نهاية شـهر شـباط 2010) القبض على عصابة مؤلفة من أربعة أشـخاص (ثلاثة نسـاء ورجل واحد) ارتكبت العديد من جرائم خطف الأطفال حديثيّ الولادة والمُتاجرة بهم.
(1)ففي حادثة هي الأول من نوعها في العراق اشـتركت فتاة (قيل انها مُحامية) مع عشـيقها وهو ابن خالتها في قتل شـقيقتيها وأُمها، هي قتلت الاخت الصغرى والأم والعشـيق قتل الاخت الكبرى بغرض سـرقة ذهب المغدورين (بغـداد في 26/آذار/2010). وفي الجنوب من بغـداد تمَ قتل امرأة كبيرة في السـن بعدَ سـرقة أموالها ومُجوهراتها (البصرة في 23/آذار/2010). وفي الشـمال من بغـداد ألقت السـُلطات المُختصة القبض على عصابة بينها ثلاثة أطباء تتاجر بالأعضاء البشـرية (الموصل في 4/نيسـان/2010).
(2)في يوم 22/شـباط/2010 ارتكبت جريمة في ناحية الوحدة/قضاء المدائن غاية في البشـاعة والقسـوة إذ أُبيدت عائلة كاملة مُكونة من ثمانية أفراد جلهم من الأطفال ثمَ ذبح قسـم منهم وشـُنق القسـم الآخر، وأول إجراء اتخذتهُ السـُلطات الأمنية في المنطقة المذكورة هو منع تجمع الأشـخاص في سـاعة مُتاخرة من الليل. وقد يبدو ان هذا الاجراء تقييد لحرية الأشـخاص إلا أن المُتتبع لحالة تلك التجمعات سـيُلاحظ ان أغلبها بغرض التخطيط لإرتكاب الجرائم او مُمارسـة الأفعال غير السـوية في المُجتمع مثل تناول المُسـكرات أو المخدرات، والفعلين الاخيرين من العوامل المؤدية لإرتكاب الجريمة حتماً، فضلاً عن ان احدهما (المُخدرات) يُشـكل جريمة بذاتهِ، والفعل الآخر (المسـكرات) يُعتبر عملاً منبوذاً اجتماعياً إذا تمَ تناولها في الشـوارع العامة أو الأزقة.

(1)ومن غريب مـايحصل لدى المحاكم المُشـار إليها في المتن إنها تحكم على الجُناة (قسـماً منهم وزراء سـابقين) بعقوبات بسـيطة بدون أن يلتمس المُتهم مُعاملتهِ بالرأفة أو يعلن عن ندمه عمّا فعل أو يتعهدَ بإصلاح الضرر، لأنَ المُتهم لم يحضر الى المحكمة بسـبب هروبهِ الى خارج العراق مُتنعماً بالملايين هنـاك!!

إغلاق