دراسات قانونيةسلايد 1
بحث ودراسة حول جريمة الصرف بين تنوع العقوبات واجراءات الصلح في التشريع والقانون الجزائري
ملخص:
تعتبر مخالفات تشريع الصرف من أهم الجرائم الاقتصادية نظرا لما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني وبالأخص انخفاض قيمة العملة الوطنية ، لذلك نجد أن المشرع الجزائري تصدى لهذا النوع من الإجرام بسنه عقوبات تتراوح بين عقوبات أصلية و تكميلية ، مع تمييزه بين العقوبات المطبقة على المخالف فيما إذا كان شخصا طبيعيا أو معنويا ، و بالمقابل، منح له فرصة للتصالح مع الإدارة ،لما لها من آثار إيجابية تعود على الخزينة العمومية Trésor public جراء الأضرار التي مست المصالح الاقتصادية العامة للبلاد.
الكلمات المفتاحية : جريمة الصرف ، الجزاءات الجنائية ، المصالحة .
تمهيد :
تعتبر جرائم الصرف من الجرائم الاقتصادية التي هدف المشرع من تجريمها إلى حماية المصلحة الاقتصادية العامة وبالتالي ضمان إنجاح سياسة اقتصاد السوق، ولو انها تؤدي ثمارها بعد وقت محدد ،سواء كان هذا الوقت طويلا او قصيرا Court terme ،مثل تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تجنب الخضوع لسيطرة دولة أجنبية([1]) ،فإذا بحثنا عن معنى جريمة الصرف؛ فإننا لن نخرج عن التعريف التالي: “أنها كل مخالفة للتشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج” ،على اعتبار أن قواعد الصرف والنقد وحركة رؤوس الأموال من وإلى داخل الوطن هي مصالح اقتصادية يحميها القانون،[2] وإذا بحثنا أيضا عن هذه المخالفات؛ سوف لن نخرج أيضا عن تلك الواردة في المرسوم رقم 96- 22 (المر سوم رقم 96-22 المؤرخ في 09 يوليو 1996 المتعلق بقمع مخالفة تشريع و قانون الصرف و حركة الأموال من و إلى خارج الوطن) ).
من الاعتبارات السابقة ، نجد أن المشرع الجزائري رصد لها مجموعة من الجزاءات المتنوعة و أقر صراحة بمسؤولية الشخص المعنوي Personne morale، و أمام ذلك الوضع، ميز بين العقوبات المطبقة على المخالف فيما إذا كان شخصا طبيعيا أو معنويا و بالمقابل منح للمخالف إمكانية التصالح مع الإدارة؛ الأمر الذي يؤدي إلى إنهاء المتابعة ، و في هذا الصدد حددت شروط إجراء المصالحة عن طريق التنظيم و حددت اللجان المختصة.
بناء على ما سبق ذكره؛ يمكن طرح الإشكال التالي : ماهي الجزاءات المقررة لجرائم الصرف، و هل إجراء المصالحة من شأنه إعادة التوازن الاقتصادي للسياسة الاقتصادية للدولة ؟.
للإجابة عن الاشكال المطروح؛ ارتأينا تقسيم بحثنا إلى مبحثين: الأول: خصصناه للجزاءات المقررة لجريمة الصرف، أما المبحث الثاني، فخصصناه إلى إجراء المصالحة في جرائم الصرف ، متبعين المنهج التحليلي .
المبحث الأول : الجزاءات المقررة لجرائم الصرف .
ما يمكن ملاحظته ، أن المشرع الجزائري قد أقرّ صراحة بمسؤولية الشخص المعنوي في جرائم الصرف و أمام ذلك الوضع ، ميز بين العقوبات المطبقة على المخالف فيما إذا كان شخصا طبيعيا أو معنويا من جهة- كما أسلفنا الذكر – و وضع مبدأ عدم جمع العقوبات من جهة أخرى ، بحيث لا يطبق على جرائم الصرف إلا العقوبات المنصوص عليها في الأمر رقم 96-22 المشار إليه سابقا.[3] و عليه سنتطرق إلى العقوبات المقررة للشخص الطبيعي (المطلب الأول) و إلى العقوبات المقررة للشخص المعنوي ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : العقوبات المقررة للشخص الطبيعي :
يتضح من النصوص القانونية – لاسيما المادتين الأولى مكرر [4] و المادة الثالثة من الأمر رقم 10-03 المتعلق بقمع جرائم الصرف و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، بأنه تطبق على جريمة الصرف ثلاثة أنواع من الجزاءات الجنائية، و هي على الترتيب :عقوبة الحبس (الفرع الأول ) ، العقوبات الماسة بالذمة المالية للجاني ( الفرع الثاني )، العقوبات التكميلية (الفرع الثالث ).
الفرع الأول – عقوبة الحبس :
تعاقب المادة الأولى مكرر من الأمر رقم 10-03 كل من ارتكب جريمة الصرف أو حاول [5] ارتكابها بالحبس من سنتين إلى سبع سنوات . و بالمقابل هناك من نادى إلى ضرورة إلغاء عقوبة الحبس في هذه الجرائم أو ما يعرف باللاتجريم la dépénalisations ، و استبدالها بالعقوبات المالية، كالغرامة و المصادرة ، كون العقاب المالي يوفر لميزانية الدولة إيرادات إضافية تساهم في دفع عجلة التنمية .
الفرع الثاني –العقوبات الماسة بالذمة المالية للجاني:
إن الدافع لارتكاب الجرائم الاقتصادية و منها جرائم الصرف ، في الغالب دوافع مالية تغذيها غريزة تتميز بالطمع و الجشع و تكوين الثروة ، و لهذا فإن التشريعات الاقتصادية تتجه إلى الأخذ بالعقوبات المالية تطبيقا لقاعدة: ” الجزاء من جنس العمل “.[6]
أولاـ الغرامة :
الملاحظ على الغرامة المقررة كجزاء لجريمة الصرف هو أن المشرع لم يحدد قيمتها بمقدار معين و اكتفى بذكر حدها الأدنى و هو ضعف قيمة البضاعة محل المخالفة أو محاولة المخالفة حسب نص المادة الأولى مكرر من الأمر رقم 10-03 المتعلق بقمع جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، و عليه يفهم من هذا النص أنه بإمكان القاضي الحكم بما يفوق هذه القيمة بكثير ، و هو أمر غير سائغ لمخالفته مبدأ الشرعية الذي يفرض أن يكون الحد الأقصى للعقوبة محددا بنص القانون. وكانت المادة الأولى من الأمر رقم 96- 22 قبل تعديلها بموجب الأمر رقم 03-01 تحدد الحد الأقصى للعقوبة بضعف قيمة محل المخالفة أو المحاولة [7] دون تحديد حدها الأدنى ، و هذا المسلك أسلم من المسلك الجديد الذي اتبعه المشرع الجزائري عندما حدد الحد الأدنى دون تحديد الحد الأقصى.[8]
يبدو من صياغة النص أن نية المشرع هي استبعاد تطبيق الظروف المخففة على الغرامة و هو الأمر الذي جعله يشدد على أن لا تقل الغرامة عن ضعف قيمة محل المخالفة.[9]
و لهذا الاستنتاج ما يدعمه في عرض أسباب تعديل الأمر رقم 03-01 و الأمر رقم 10-03 ، اللذان تبنيا نظام عقابي رادع يحول دون تطبيق الظروف المخففة على الجزاءات المالية.
ثانياـ المصادرة :
لا يقضي بعقوبة المصادرة إلا في الحالات التي ينص عليها القانون ، و هذا تطبيقا لمبدأ شرعية العقوبة ، فهي عقوبة شخصية لا تلحق إلا بالجاني و لا تصيب إلا الأشياء المملوكة له شخصيا [10] ، فلا تنصرف إلى ورثته أو المسؤولين المدنيين أو الغير حسن النية ،و من ثمّ يقصد بها نقل ملكية المال قهرا و بدون مقابل من ملكية صاحبه إلى ملكية الدولة ،فالمصادرة عقوبة مالية لورودها على مال محدد مملوك للجاني لتضيفه لملكية الدولة بلا مقابل .[11] و قد بينت المادة 15 من قانون العقوبات الجزائري مفهوم المصادرة بنصها: ” المصادرة هي الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال أو مجموع أموال…”، و بالرجوع إلى المادة الأولى مكرر، الفقرة الأخيرة من الأمر رقم 10-03 ، المتعلق بقمع جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بمصادرة محل الجنحة و مصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش أمر إلزامي ، أما حينما يتعذر حجز الأشياء المراد مصادرتها أو لم يقدمها المخالف لأي سبب كان ، بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة و تساوي قيمة هذه الأشياء . إذ أن اختيار العقوبة المالية كبديل عن المصادرة العينية يدل على أن المشرع لجأ إلى استعارة تقنيات قانون الجمارك .[12]
الفرع الثالث العقوبات التكميلية :
زيادة عن العقوبات التكميلية الوجوبية ، أضاف المشرع الجزائري بموجب الأمر رقم 03-01 المتعلق بقمع جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بنص المادة الثالثة على العقوبات التكميلية الجوازية التي تفيد المنع من ممارسة العديد من الحقوق ، و تتمثل في منع الشخص المحكوم عليه مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج لمدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ صيرورة الحكم القضائي نهائيا من :
-مزاولة عمليات التجارة الخارجية.
– ممارسة وظائف الوساطة في عمليات البورصة أو عون صرف.
-أن يكون منتخبا أو ناخبا في الغرف التجارية أو مساعدا لدى الجهات القضائية .
كما يمكن الجهة القضائية المختصة أن تأمر بنشر الحكم القاضي بالإدانة كاملا أو بنشر مستخرج منه، على نفقة الشخص المحكوم عليه في جريدة أو أكثر- تعينها.
يستخلص من نص المادة 04 أن العقوبات المذكورة ، أصلية كانت أو تكميلية تطبق أيضا على مرتكب جريمة الصرف إذا كان محلها نقودا أو قيما مزيفة ، ما لم يشكل الفعل المنسوب إليه جناية تزوير نقود معدنية أو أوراق نقدية ذات سعر قانوني في أراضي الجمهورية أو في الخارج المنصوص و المعاقب عليها في المادتين 197 و 198 من ق.ع.ج بالسجن المؤبد.
إذا تمت متابعة الجاني من أجل جريمة الصرف ؛ تتخذ إجراءات المتابعة ضد كل من شارك في العملية ، حتى و إن كان يجهل أن النقود أو القيم مزيفة [13].بالإضافة إلى الجزاءات السابقة الذكر، أضاف المشرع الجزائري نوعا آخر من الجزاءات[14] و هو الجزاء الإداري ،يطبق بالذات من طرف محافظ بنك الجزائر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الوزير المكلف بالمالية أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض ، الذي خوله القانون كامل السلطة التقديرية في هذا المجال ، و يتمثل في منع من ارتكب جريمة الصرف من القيام بكل عملية صرف أو حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ترتبط بنشاطاته المهنية .و بالمقابل و ما يمكن استنباطه من ذات المادة المشار إليها أعلاه في فقرتها الثانية ” يمكن رفع هذا المنع بنفس الطريقة ، في كل وقت و في جميع الحالات ، بمجرد إجراء مصالحة أو حكم قضائي ” بأنه إجراء مؤقت ، أي بمجرد إجراء الصلح أو صدور حكم قضائي يقضي بالبراءة ، يستعيد الشخص حق ممارسة العمليات التي منع القيام بها .” . إلا أنه في اعتقادنا أن هذا الإجراء ينطوي على مساوئ عدة أمام عدم تصور إمكانية النجاح في ممارسة أي طريق طعن ضد القرار المتضمن هذا الإجراء.
المطلب الثاني : العقوبات المقررة للشخص المعنوي .
أصبحت زيادة الأشخاص المعنوية في السنوات الأخيرة تشكل ظاهرة محققة لا يتنازع فيها أحد و خاصة في الميدان الاقتصادي ، فالشخص المعنوي أصبح يمثل عصب الحياة الاقتصادية على الصعيدين الوطني و الدولي ، و ذلك لما تؤديه هذه الذوات المعنوية من خدمات ضرورية تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي ، لكن بالمقابل يمكن أن ترتكب مجموعة من الجرائم الاقتصادية التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني ، أقرت غالبية التشريعات المقارنة [15]المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، و هو ماذهب إليه المشرع الجزائري من خلال تبنيه للمسؤولية الجزائية من الإقرار الضمني و الجزئي إلى التكريس الفعلي و تأكيده بأنه فكرة حقيقية قانونية له إرادة مستقلة عن إرادة الأعضاء المكونين .
عموما، يمكن القول ، أن مساءلة الشخص المعنوي ضرورية في مجال الجرائم الاقتصادية و منها جرائم الصرف ضمانا لإنجاح السياسة الاقتصادية ، لاسيما أن أغلب هذه الجرائم ترتكب بغرض الكسب غير المشروع و يستعيد كل شخص له حقوق في مال الشخص المعنوي ، مما يجعل العقوبة غير مجدية إذا اقتصر أثرها على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة ، فثروته لا تسمح في كثير من الأحيان بتغطية الضرر ولن يمنع عقابه من تكرار المخالفة .
ولكن قبل التطرق إلى الجزاءات المقررة ، فان ذلك سيقودنا إلى التساؤل عن شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف ؟ .
الفرع الأول شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف :
طبقا لنص المادة 05 من الأمر رقم 03-01 المتعلق بجرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ،فإن شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف تتمثل في :
أولا -أن يكون الشخص المعنوي خاضعا للقانون الخاص :
مثل الشركات التجارية الخاصة و التجمعات ذات المصلحة الاقتصادية و الشركات المدنية و الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي و المؤسسات العمومية الاقتصادية التي يحكمها القانون التجاري . و يبقى التساؤل قائما بالنسبة للهيئات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري ؛إذ تخضع في تسييرها للقانون العام و في معاملاتها مع الغير للقانون الخاص ، فهل تستبعد من الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جزائيا لارتكابها جريمة من جرائم الصرف ؟.أما بالنسبة للدولة و الجماعات المحلية و كذا المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري فقد استبعدت من هذه المساءلة الجزائية بمقتضى الأمر رقم 03-01 تداركا لما كان عليه الأمر رقم 96-22 الذي وسع من نطاق تطبيق هذه المسؤولية إذ لم يحصرها في المؤسسات الادارية و الهيئات العمومية ، كما ذهبت إليه باقي التشريعات المقارنة لاسيما التشريع الفرنسي . و منذ تعديل قانون العقوبات الجزائري بموجب القانون رقم 04-15 استثنى الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام من المسؤولية الجزائية ، جاعلا بذلك تطابق بين أحكام التشريع الخاص بجرائم الصرف و أحكام قانون العقوبات.
ثانيا –ارتكاب جريمة الصرف من طرف الممثل الشرعي للشخص المعنوي أو من طرف أحد أجهزته :
لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي إلا إذا ارتكبت جريمة من طرف أحد أجهزة للشخص المعنوي”organes” أو من طرف ممثليه “représentants” و هذا وفقا للنظام الأساسي لهذا الشخص ، و عليه فإن ارتكاب الجريمة من طرف شخص طبيعي يعد شرطا مسبقا لقيام مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا ، و الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة عبرت عنه المادة 51 مكرر من ق.ع.ج بأنه أحد الأجهزة أو من طرف الممثلين الشرعيين، وعليه فأجهزة الشخص المعنوي هي الهيئات المحددة و فقا للقانون و ذلك من أجل التصرف باسم الشخص المعنوي كمجلس الإدارة أو مجلس المديرين أو المسير، أما بخصوص الممثل الشرعي أو القانوني، فقد عرفه المشرع الجزائري في المادة 65 مكرر من ق. إ ج.ج بأنه :” ذلك الشخص الطبيعي الذي يخوله القانون أو القانون الأساسي للشخص المعنوي تفويضا لتمثيله ” ،إذن فمسؤولية الشخص المعنوي جنائيا تكون عن جرائم الصرف التي ترتكب بواسطة أحد أجهزته أو ممثلين الذين يعبرون عن إرادته[16] ، حيث لا يسأل الشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها الموظف البسيط إلا إذا كان مفوضا من قبل الشخص المعنوي للتصرف باسمه.
ثالثا – أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي :
إن وضع مثل هذا الشرط يعتبر أمرا منطقيا في حصر مسؤولية هذه الأشخاص في النطاق المعقول ، إذ بمقتضى هذا الشرط لا تسأل الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب من طرف ممثليها إذا ارتكبت لحسابهم الشخصي .و بمفهوم آخر أن تكون الجريمة قد تمت تحقيقا لمصلحة و فائدة تعود للشخص المعنوي دون غيره .
في هذا التمييز ،لاشك فيه حماية من طرف المشرع لممثلي الشخص المعنوي الذي لا ينبغي أن يسألوا بصفة آلية، بالفعل هذا ما يستشف من العبارة التي تضمنتها المادة 05 من الأمر رقم 10-03 “دون المساس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين “. تأكيدا للفصل بين المسؤوليتين الجزائيتين لكل من الشخص الطبيعي ( ممثل الشخص المعنوي ) و الشخص المعنوي.
بمجرد توافر هذه الشروط تترتب المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و تعين عقابه طبقا للقانون ، كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي إذا ثبتت التهمة في حقه . و تكون العقوبات المقررة للشخص المعنوي المدان بمخالفة التشريع و النظام الخاصين بالصرف كما يلي بيانه :
الفرع الثاني – الجزاءات المترتبة عن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف :
صدر الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09 جويلية 1996، في وقت لم يقر فيه بعد قانون العقوبات بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، و مع ذلك فقد أخذ بها الأمر رقم 96-22 في المادة 05 منه المشار إليها أعلاه. و تبعا لذلك يتعرض الشخص المعنوي للعقوبات الآتية :
-غرامة لا يمكن أن تقل عن أربع مرات قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة ،
– مصادرة محل الجنحة،
– مصادرة الوسائل المستعملة في الغش.
يمكن أن تصدر الجهة القضائية ، فضلا عن ذلك لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ، إحدى العقوبات الآتية أو جميعها :
الإقصاء من الصفقات العمومية.
المنع من الدعوة العلنية إلى الادخار .
المنع من ممارسة نشاط الوساطة في البورصة.
إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها ، أو لم يقدمها الشخص المعنوي المذكور أعلاه ، لأي سبب كان ، يتعين على الجهة القضائية المختصة أن تحكم بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة و تساوي قيمة هذه الأشياء.
يلاحظ من نص المادة 05 السابقة الذكر ، أن الشخص المعنوي يخضع لنفس الجزاءات المطبقة على الشخص الطبيعي ، و يتعلق الأمر بالمصادرة و الغرامة ، غير أن قيمة هذه الأخيرة تختلف عن ما هو مقرر للشخص الطبيعي ، فالغرامة المقررة للشخص المعنوي تقدر بأربع مرات قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة ، أما فيما يخص العقوبات التكميلية ، فهي متعددة و تختلف بطبيعة الحال عن تلك المقررة للشخص الطبيعي [17] .
تجدر الإشارة إلى أنه و في إطار وضع سياسة الوقاية و المكافحة في مجال الصرف عمدت وزارة المالية بموجب المرسوم التنفيذي رقم 12-279 المؤرخ في 09 جويلية 2012[18] يحدد كيفيات تنظيم و سير البطاقة الوطنية للمخالفين في مجال الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بإنشاء و تنظيم ما يسمى بالبطاقيةFichier الوطنية للمخالفين في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج و يهدف هذا المرسوم حسب نص المادة 03 إلى مايلي :
-وضع سياسة الوقاية و المكافحة في مجال الصرف .
-الوقاية و المكافحة في مجال تبيض الأموال و تمويل الإرهاب.
– مراقبة سوابق المخالفين في مجال المصالحة .
– اتخاذ الإجراءات التحفظية تجاه المخالفين .
-إعداد تقرير سنوي الموجه لرئيس الجمهورية.
المبحث الثاني : المصالحة في جرائم الصرف .
يبدو الحديث عن الصلح[19] في المادة الجزائية غريبا باعتبار أن قواعد القانون الجنائي وضعت حتى تطبق في مفهومها الردعي وباعتبارها من النظام العام فلا مكان للإرادة الفردية مبدئيا ولا تأثير لها على تطبيقها.
إلا هذا النموذج بدأ بالتراجع وهذا عملا بقاعدة ملاءمة التتبع[20] .ونظرا إلى كون المصالحة في المسائل الجزائية إجراء استثنائيا فقد حرصت مختلف القوانين التي أجازتها على الطابع الرضائي للمصالحة فهي ليس حقا مطلقا للمتهم يفرضه على جهة الإدارة ولا هو إجراء إلزامي بالنسبة للإدارة بل هي امتياز تمنحه له الإدارة.[21] و عليه إن إقرار الصلح في القوانين الجزائية الاقتصادية هدفه إعادة التوازن الاقتصادي وحماية أهداف السياسة الاقتصادية للدولة وتعويض الخزينة العمومية جرّاء الأضرار التي مست بالمصالح الاقتصادية العامة.[22]
ومن أمثلة المصالحة التي تتم بين الإدارة والمخالف ما نصت عليه المادة 09 مكرر من الأمر رقم 96-22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج المعدل و المتمم ، ومن ثم سيكون لنا الحديث عن شروط إجراء الصلح في مادة جرائم الصرف ( المطلب الأول) و عن آثارها في ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : شروط إجراء الصلح في مادة جرائم الصرف .
لصحة المصالحة لابد من توافر شروط موضوعية وأخرى إجرائية ، الأولى تخص تحديد الجريمة التي يجوز فيها إجراء المصالحة و الثانية تخص كل المراحل الإجرائية التي ينبغي أن تمر منها المصالحة ، لاسيما تقديم طلب و دراسته من طرف الأشخاص المؤهلة لذلك.
الفرع الأول – الشروط الموضوعية :
تخص صور جرائم التي يجوز إجراء المصالحة فيها ، مع العلم أن المشرع لم يجعل خلافا بين صورة أو أخرى من جرائم الصرف في مجال المصالحة ، و بالتالي فهو جائز إجراؤها سواء كان محل الجريمة نقودا أم أحجارا أو معادن ثمينة. وعليه و على ضوء التعديل الذي أجري على الأمر رقم 96-22 بموجب الأمر رقم 10-03 المؤرخ في 26 أوت 2010 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج على أن المصالحة تضع حدا للمتابعة بالتنفيذ الكامل للالتزامات المترتبة على المخالف ، و ذلك كون قيمة محل الجنحة يساوي أو يقل عن 20 مليون دج.
فيما لم تعد المصالحة جائزة [23] بموجب المادة 09 مكرر1، في حالة ما إذا كانت قيمة محل الجنحة تفوق 20 مليون دج أو كان عائدا أو كانت جريمة الصرف مقترنة بجريمة تبيض الأموال أو المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .
الفرع الثاني – الشروط الإجرائية :
يشترط القانون في مجال جنح الصرف أن يقدم مرتكب المخالفة طلبا للإدارة و أن توافق هذه الأخيرة من خلال لجانها على طلبه ، و ذلك في الحالات التي يجيزها القانون و عليه تتمثل تلك الشروط وفقا للإجراءات التي تمر بها المصالحة فيما يلي :
أولا –تقديم الطلب من المخالف :
نصت المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم11-35 [24] يحدد شروط و كيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بأنه ” يقدم طلب المصالحة مرفقا بوصل إيداع الكفالة المذكور بالمادة 03 أدناه ، و بنسخة من صحيفة السوابق القضائية للمخالف ، حسب الحالة إلى رئيس اللجنة الوطنية أو المحلية للمصالحة ،و عندما يكون الفاعل قاصرا أو شخصا معنويا ، يقدم المسؤول المدني أو الممثل الشرعي طلب إجراء المصالحة.”
يفهم من نص هذه المادة أن المصالحة تتم بناء على طلب من المخالف نفسه ، و من المسؤول المدني إذا كان المخالف قاصرا و من ممثله الشرعي إذا كان المخالف شخصا معنويا .
و عليه سيتم توضيح شكل الطلب ، ميعاد تقديم الطلب و الجهة الموجه إليها الطلب تباعا :
شكل الطلب : يجب أن يكون الطلب كتابيا ، غير أنه لا يشترط فيه صيغة أو عبارة معينة بل يكفي أن يتضمن تعبيرا عن إرادة صريحة لمقدم الطلب في المصالحة .[25]
ميعاد تقديم الطلب : حددت المادة 09 مكرر2 المستحدثة في فقرتها الأولى و المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 أجلا لمرتكب المخالفة لتقديم طلب المصالحة أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ معاينة المخالفة. و يكون أمام لجان المصالحة ستون يوما من تاريخ إخطارها للفصل في طلب المصالحة حسب نص المادة 09 مكرر 2 .
الأصل أن إجراءات المصالحة تحول دون تحريك الدعوى العمومية و من ثم لا تباشر النيابة العامة المتابعة الجزائية خلال الفترة المحددة لتقديم طلب المصالحة و الفصل فيه ما بين 60 يوما و 90 يوما من تاريخ معاينة الجريمة . غير أن المادة 9 مكرر 3 من الأمر رقم 10-03 نصت على حالات لا تحول فيها إجراءات المصالحة دون تحريك الدعوى العمومية عندما تكون قيمة محل الجريمة :
-1.000.000دج أو تفوقها ، في الحالات التي تكون فيها الجريمة ذات علاقة بعمليات التجارة الخارجية
-500.000 دينار أو تفوقها في الحالات الأخرى.
3- الجهة الموجه إليها الطلب : يوجه الطلب حسب الحالة ، إما إلى اللجان المحلية للمصالحة أو إلى اللجنة الوطنية للمصالحة بحسب قيمة محل الجنحة على النحو الآتي :
إذا كانت قيمة محل الجنحة لا تتجاوز 500.000 دج يوجه الطلب إلى اللجنة المحلية للمصالحة [26]المتواجدة على مستوى كل ولاية .
أما إذا كانت قيمة محل الجنحة تتجاوز 500.000دج و تقل عن 2.000.000دج أو تساويها ويوجه الطلب إلى اللجنة الوطنية للمصالحة .[27]
ثانيا-إرفاق الطلب بكفالة :
توجب المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 السالف الذكر إيداع كفالة من مقدم الطلب تمثل 200%[28] من قيمة محل الجنحة ، لدى المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل. و في حالة رفض طلب المصالحة ، تبقى الكفالة في حالة إيداع إلى حين صدور الحكم النهائي.
الفصل في طلب المصالحة : حدد المشرع الجزائري بموجب المرسوم التنفيذي رقم 11-35 يحدد شروط و كيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، إجراءات عمل اللجنتين الوطنية و المحلية للمصالحة حيث تجتمع اللجنتان بناء على طلب رئيسيهما، و لابد أن يتم إعلام أعضائهما بالملفات المجدولة قبل 10 أيام على الأقل من تاريخ الاجتماع و لا تصح اجتماعاتهما إلا بحضور جميع الأعضاء.[29]
و تتخذ قرارات اللجنتين بأغلبية الأصوات و في حالة تساوي الأصوات ،يكون صوت رئيس كل منها مرجحا.[30] و تكون مداولات كل لجنة في محاضر يوقعها الرئيس و جميع الأعضاء بدون استثناء ،و يكون قبول المصالحة أو رفضها بموجب مقررات فردية بالنسبة لكل مخالف ، و يوقعها الرئيس و يشمل مقرر قبول المصالحة على :
المبلغ الواجب دفعه ، محل الجنحة ، الوسائل المستعملة في الغش ، آجال الدفع ، تعيين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل .[31] و ترسل نسخة من محضر المداولات و مقرر قبول أو رفض المصالحة في غضون 15 يوما ابتداء من تاريخ توقيعه إلى المخالف و ذلك بموجب محضر تبليغ أو رسالة موصى عليها مع وصل استلام أو أي وسيلة قانونية أخرى ، و للمخالف أجل 20 يوما ابتداء من تاريخ استلام مقرر المصالحة لتنفيذ جميع الالتزامات المترتبة عليها .[32]
و في كل الحالات أوجب المرسوم المذكور ، إرسال محضر المداولات و مقرر قبول أو رفض المصالحة إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا ووزير المالية و محافظ بنك الجزائر في غضون 10 أيام.
تختلف قيمة مبلغ المصالحة باختلاف المبلغ محل المخالفة من جهة ، و كذلك باختلاف طبيعة المخالفة إن كان شخصا طبيعيا أو معنويا من جهة أخرى.
المطلب الثاني : آثار المصالحة.
إن الهدف من إجراء المصالحة في جرائم الصرف هو هدف واحد و يتمثل في تفادي عرض النزاع على القضاء ، فبمجرد ما تتم المصالحة بين الطرفين تنقضي الدعوى العمومية طبقا لنص المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية و المادة 09 مكرر من الأمر رقم 10-03 المتعلق بقمع جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج إذا نفذّ المخالف جميع الالتزامات المترتبة عن المصالحة .[33]
و نتيجة لذلك ، للمصالحة آثار بالنسبة للمتهم (الفرع الأول) و بالنسبة للغير (الفرع الثاني) و سيتم تناوله تباعا.
الفرع الأول : بالنسبة للمتهم تتجسد في انقضاء الدعوى العمومية و تثبيت مقرر المصالحة.
أولا-انقضاء الدعوى العمومية :
يترتب على الصلح انقضاء الدعوى العمومية متى كان الصلح قبل صدور حكم بات في الدعوى وهذا ما نصت عليه المادة السادسة فقرة الرابعة من ق.إ.ج.ج :” يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة” . كما تنص صراحة المادة 09 مكرر من الأمر رقم 10-03 المتعلق بقمع جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج أن المصالحة تضع حدا للمتابعة .[34]
فالصلح يحدث أثره في انقضاء الدعوى العمومية التي لم يصرفها حكم بات سواء قبل رفع الدعوى أو بعد رفعها ويترتب على ذلك أنه إذا وقع الصلح قبل تحريك الدعوى العمومية فإنه لا يجوز تحريكها أي حفظ الملف على مستوى الإدارة المعنية فإذا أبلغت النيابة العامة بها فيتعين عليها أن تصدر قرارا بحفظ الدعوى ، أما إذا كانت النيابة قد تصرفت في الملف وحركت الدعوى العمومية إما برفع القضية إلى التحقيق وإما بإحالتها إلى المحكمة ومن ثم : إذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام تصدر الجهة المختصة أمرا أو قرارا بأن لا وجه للمتابعة بسبب انعقاد المصالحة .
أما إذا كانت القضية على مستوى جهات الحكم يتعين عليها انقضاء الدعوى العمومية ونشير إلى هنا أن القضاة غير متفقين في القضاء الجزائي الجزائري، على الصيغة التي يجب أن يكون عليها منطوق الحكم أو القرار، فمنهم من يفضل الحكم بانقضاء الدعوى العمومية بسبب المصالحة.[35]ولقد تدخلت المحكمة العليا لحسم الموقف فقضت بأن المصالحة تؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية وليس إلى البراءة.[36]
ثانيا -تثبيت مقرر المصالحة :
لم يحدد المشرع كيفية تحديد مبلغ المصالحة في نص القانون، و إنما أحال بهذا الخصوص إلى التنظيم الذي ترك للإدارة قسطا من الحرية في تحديده لأنه اكتفى بوضع الحدين الأدنى و الأقصى حسب ما أشارت إليه المادتين 04 و 06 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35[37]
ويقع على عاتق المخالف لتثبيت مقرر المصالحة التزام تسديد مبلغ المصالحة في الآجال القانونية، و كذا التزام بالتخلي عن محل الجنحة و وسيلة النقل المستعملة في الغش لصالح الخزينة العمومية ، و بمجرد تنفيذ المخالف لكل هذه الالتزامات يوضع حد للمتابعة الجزائية .[38]
الفرع الثاني : بالنسبة للغير:
يقصد بالغير هنا الفاعلون الآخرون والشركاء فهل تطبق هنا قاعدة لا ينتفع الغير بالمصالحة على الغير؟
أولا – لا ينتفع الغير بالمصالحة :
تتفق التشريعات الجمركية والجزائية الأخرى التي تجيز الصلح على حصر آثاره في من يتصالح مع الإدارة وحده ولا تمتد للفاعلين الآخرين الذين ارتكبوا معه نفس المخالفة ولا إلى شركائه.
ولا يشكل الصلح الذي تم مع أحد المتهمين حاجزا أمام متابعة الأشخاص الآخرين الذين ساهموا معه في ارتكاب المخالفة، أو شاركوا في ارتكابها وهذا ما قضت به المحكمة العليا في أحد قراراتها الصادرة بتاريخ 22-12-1997 بشأن مخالفة جمركية.[39]
يمكن القول أن المصالحة في جريمة الصرف هي الأخرى لا يستفيد منها إلا من كان طرفا فيها ، و لا يمكن أن تشكل عائقا أمام متابعة الأشخاص الأخرين فاعلين كانوا أم شركاء .
ولكن يبقى التساؤل قائما بالنسبة لجريمة الصرف حول ما إذا كان القضاء ملزما بالحكم على المتهمين غير المتصالحين بكامل الجزاءات المالية المقررة قانونا للمخالفة المرتكبة ، أم أنه عليه خصم المبلغ الذي دفعه المتهم ؟.
يميل البعض إلى القول بأنه لا يسوغ لجهات الحكم إلا الحكم على الغير بالحبس و الغرامة الجزائية دون مصادرة محل الجنحة و وسيلة النقل المستعملة في الغش و ذلك على أساس أنه لا يجوز مصادرة الشيء مرتين ، و هو المبدأ المستقر عليه قضاء في مواد جرائم الصرف قبل صدور الأمر رقم 96-22 .[40]
ثانيا – لا يضار الغير من المصالحة :
و يقصد بهذه القاعدة أنه لا يمكن أن ترتب المصالحة ضررا لغير أطرافها ، و أساس هذه القاعدة المادة 113 من القانون المدني الجزائري التي تقضي أنه لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير و لكن يجوز أن يكسبه حقا .[41] و كذا من مبدأ شخصية العقوبة المطبقة في المواد الجزائية و على ذلك :
-فإن الشركاء في الجريمة الغير أطراف في المصالحة غير ملزمون بما يترتب من آثار على المصالحة التي قام بها المتهم المتصالح .
– و بالنسبة إلى المسؤولين المدنيين لا يلزمون أيضا بما يترتب على تلك المصالحة من آثار في ذمة المتهم الذي عقدها .
– بالنسبة إلى المضرور فإن المصالحة لا تلزمه بأي شيئ، و لا يمكنها أن تسقط حقه في طلب التعويض عن الضرر اللاحق به جراء المخالفة و اللجوء إلى القضاء من أجل ذلك. أما الإدارة فلا يجوز لها الرجوع على الشركاء أو المسؤولين المدنيين عند إخلال المتهم بالتزاماته ، ما لم يكن من يرجع إليه ضامنا له أو متضامنا معه أو أن المتهم كان قد باشر المصالحة بصفته وكيلا عنه.
الخاتمة :
من خلال ما تقدم نخلص للقول ، أن جرائم الصرف من الجرائم الاقتصادية التي لها تأثير على الساحة الوطنية و ذلك لمساسها بالاقتصاد الوطني وعرقلة حسن سير المعاملات الاقتصادية سواء بين الأفراد و المؤسسات المالية أو عن طريق التجارة الخارجية، كما تؤثر على العملة الوطنية و تضعف قيمتها الاقتصادية و بالتالي تأثير على المصالح الاقتصادية للدولة .فأفرط المشرع في تنوع الجزاءات من عقوبات جزائية و تكميلية و التركيز على العقوبات المالية ( الغرامة ، المصادرة ) و هذا يعود أساسا من قبل الدولة التي تعمل على رفع الطابع الزجري في المادة الاقتصادية la dépénalisationبهدف تشجيع و تكريس حرية المبادرة لدى المتعاملين الاقتصاديين و تشجيع المنافسة . كما أن إقرار نظام المصالحة في جرائم الصرف و جعلها إحدى طرق انقضاء الدعوى العمومية أو إحدى البدائل لمواجهة أزمة العدالة الجنائية بغية اختصار الزمن لحل الكثير لهذه المنازعات العالقة و الشائكة في دهاليز القضاء من جهة، و تعويض الخزينة العمومية جراء الأضرار التي مست بالمصالح الاقتصادية العامة من جهة أخرى.
قائمة المراجع :
الكتب
أحسن بوسقيعة، المنازعات الجمركية ، تصنيف الجرائم و معاينتها ، المتابعة و الجزاء، ط. 02 دار النخلة للنشر، الجزائر 2001.
أحسن بوسقيعة، المصالحة في المادة الجزائية بوجه عام والمادة الجمركية بوجه خاص، دار هومة، الجزائر ،2005 .
أحسن بوسقيعة ، جريمة الصرف على ضوء القانون و الممارسة القضائية ، ط.02 ، الجزائر، 2014.
حسني عبد السميع، الجرائم الاقتصادية، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية،ط.1،دارالفكر الجامعي ، مصر ، 2015.
عبد الرحمان خلفي، محاضرات في قانون الإجراءات الجزائية ، دار الهدى، الجزائر، 2012.
طارق كور ،آليات مكافحة جريمة الصرف ، دار هومة ، الجزائر ، 2013.
محمد سليمان حسن المحاسنة ،الصلح و أثره في الجريمة الاقتصادية ، ط.1 ، دار وائل للنشر و التوزيع ، عمان ،2013.
المقالات
الطاهر محادي، إجراءات المتابعة و المصالحة في جرائم الصرف في التشريع الجزائري ، مجلة المفكر ، جامعة محمد خيضر، بسكرة العدد 12. 2018.
سميرة ابن خيفة، مخالفات تشريع الصرف و حركة رؤوس الأموال ، مجلة دفاتر السياسة والقانون ، جامعة قاصدي مرباح ، ورقلة ، الجزائر ، . العدد15 ، جوان 2016.
عبد العزيز خنفوسي، اجراء المتابعة القضائية و الجزاء المقرر لجريمة الصرف في التشريع الجزائري ، مجلة منازعات الأعمال.
محمد مزوالي، اتجاهات السياسة الجزائية نحو حماية النظام العام الاقتصادي ، مجلة مخبر القانون الخاص الأساسي ، جامعة أبو بكر بلقايد ، تلمسان ، العدد 10.
الرسائل الجامعية
أحمد محمد براك، العقوبة الرضائية في الشريعة الإسلامية والأنظمة الجنائية المعاصرة ( دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق، جامعة القاهرة ، 2009.
محمد خميخم، الطبيعة الخاصة للجريمة الاقتصادية ، مذكرة ماجستير ، كلية الحقوق ، جامعة الجزائر ، 2011.
النصوص القانونية
الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09 جويلية 1996، المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال منو إلى الخارج ، ج.ر الصادرة في 10 جويلية 1996 ، العدد 43 ، المعدل و المتمم بالأمر رقم 03-01 ، المؤرخ في 19 فبراير 2003 ، ج. ر العدد12 الصادرة في 23 فبراير 2003. و بالأمر رقم 10-03 ، المؤرخ في 26 أوت 2010 ، ، ج.رالعدد50 الصادرة في 01 سبتمبر 2010.
المرسوم التنفيذي رقم 11-35 المؤرخ في 29 جانفي 2011 يحدد شروط و كيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج و كذا تنظيم اللجنة الوطنية و اللجنة المحلية للمصالحة و سيرها ، ج.ر العدد 08 الصادرة في 06 فبراير 2011.
المرسوم التنفيذي رقم 12-279 المؤرخ في 09 جويلية 2012 ، يحدد كيفيات تنظيم و سير البطاقية الوطنية للمخالفين في مجال الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، ج.ر العدد.41 ، الصادرة في 15 جويلية2012.
[1]- حسني، عبد السميع: الجرائم الاقتصادية، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية،ط.1،دارالفكر الجامعي ، مصر ، 2015 ، ص.23.
– سميرة، ابن خيفة : مخالفات تشريع الصرف و حركة رؤوس الأموال ، مجلة دفاتر السياسة و القانون ، جامعة قاصدي مرباح ، ورقلة ، العدد. 15، جوان 2016 ، ص.463.[2]
-عبد العزيز، خنفوسي : إجراءات المتابعة القضائية و الجزاء المقرر لجريمة الصرف في التشريع الجزائري ، مقالة منشورة بمجلة منازعات الأعمال.[3]
– ” كل من ارتكب جريمة الصرف أو حاول ارتكابها بالحبس من سنتين (2) إلى سبع (7) سنوات و بمصادرة محل الجنحة و مصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش و بغرامة لا يمكن أن تقل عن ضعف قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة “.[4]
– سوى المشرع الجزائري في العقوبة بين من ارتكبها كاملة و بين من شرع فيها .[5]
– محمد سليمان، حسن: المحاسنة الصلح و أثره في الجريمة الاقتصادية ، ط.1 ، دار وائل للنشر و التوزيع ، عمان ،2013، ص.90.[6]
– إذ جاء في نص المادة …” و بغرامة تساوي على الأكثر ضعف قيمة محل المخالفة أو المحاولة “.[7]
-أحسن، بوسقيعة: جريمة الصرف على ضوء القانون و الممارسة القضائية ، المرجع السابق ، ص.86[8]
– طارق، كور: آليات مكافحة جريمة الصرف ، دار هومة ، الجزائر ، 2013. ، ص.65.12[9]
– يرى الأستاذ عبد الله سليمان : أن المصادرة لا تهدف إلى عقاب الشخص نفسه حتى يمكن الاحتجاج بشخصية العقوبة ، بل هي موجهة ضد شيء ممنوع حيازته .[10]
-محمد، مزوالي ، اتجاهات السياسة الجزائية نحو حماية النظام العام الاقتصادي ، مقالة منشورة بمجلة مخبر القانون الخاص الأساسي ، جامعة أبي بكر بلقايد ، تلمسان ، العدد 10 ، 2013.[11]
– طارق، كور ،المرجع السابق ،ص.66.[12]
– أحسن، بوسقيعة ، المرجع السابق ، ص.94.[13]
– تراجع: المادة 08 من الأمر رقم 03-01 المتعلق بجرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج.[14]
[15]-كالتشريع الإنجليزي ، الأمريكي ، الكندي ، و القانون الهولندي و الإيطالي ، و الفرنسي . و من التشريعات العربية نجد القانون اللبناني ، و الإماراتي.
– و يقصد به ” الممثلين الشرعيين” الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسم الشخص المعنوي ، سواء كانت هذه السلطة قانونية أو بحكم قانون المؤسسة ، فقد يكون الرئيس المدير العام أو القائم بالإدارة أو رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام و قد يكون أيضا المصفى في حالة حل الشركة.[16]
– طارق، كور : المرجع السابق ،ص.77.[17]
– ينظر: المرسوم التنفيذي رقم 12-279 المؤرخ في 09 جويلية 2012 ، يحدد كيفيات تنظيم و سير البطاقية الوطنية للمخالفين في مجال الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، ج.ر ع.41 ، الصادرة في 15 جويلية2012 .[18]
[19]- يعرف الفقه الصلح أو المصالحة ” بأنها إجراء يتم بمقتضاه انقضاء الدعوى العمومية من غير أن ترفع على المتهم إذا ما دفع مبلغا معينا للطرف عارض المصالحة في مدة محدّدة ” وتعرف محكمة النقض المصرية بأنها ” نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون ” أكثر تفصيلا يراجع:، عبد الرحمان خلفي، محاضرات في قانون الإجراءات الجزائية ، دار الهدى، الجزائر، 2012، ص.144.
[20]- محمد، خميخم: الطبيعة الخاصة للجريمة الاقتصادية ، مذكرة ماجستير ، كلية الحقوق ، جامعة الجزائر ، 2011 ،ص.99.
[21]- أحسن، بوسقيعة: المصالحة في المادة الجزائية بوجه عام والمادة الجمركية بوجه خاص، دار هومة، الجزائر ،2005،ص.09.
[22]- أحمد محمد ،براك: العقوبة الرضائية في الشريعة الإسلامية والأنظمة الجنائية المعاصرة ( دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق، جامعة القاهرة ، 2009 .ص 66.
-أحسن، بوسقيعة : جريمة الصرف على ضوء القانون و الممارسة القضائية ، المرجع السابق ، ص.119.[23]
-يراجع: المرسوم التنفيذي رقم 11-35 المؤرخ في 29 جانفي 2011 يحدد شروط و كيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج و كذا تنظيم اللجنة الوطنية و اللجنة المحلية للمصالحة و سيرها ، ج.رع 08 الصادرة في 06 فبراير 2011.[24]
-أحسن، بوسقيعة : جريمة الصرف على ضوء القانون و الممارسة القضائية ، المرجع السابق ، ص.120.[25]
– تتكون اللجنة طبقا للمادة 09 مكرر من مسؤول الخزينة في الولاية رئيسا ، ممثل إدارة الضرائب لمقر الولاية عضوا ، ممثل الجمارك بالولاية ، ممثل المديرية الولائية للتجارة عضوا ، ممثل بنك الجزائر لمقر الولاية عضوا.[26]
– تتكون اللجنة من الوزير المكلف بالمالية أو ممثليه رئيسا ممثل المديرية العامة للمحاسبة و ممثل المفتشية العانة للمالية و ممثل المديرية للرقابة الاقتصادية و قمع الغش و ممثل بنك الجزائر ، الكل برتبة مدير على الأقل . و يتولى أمانتها مديرية الوكالة القضائبة للخزينة.[27]
– مع الإشارة إلى أن الكفالة في ظل النظام السابق كانت لا تساوي إلا 30 بالمائة من قيمة محل الجنحة .[28]
[29]- المادة 08 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35.
– المادة 09 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35.[30]
[31]- المادتان 10 و 12 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35.
[32]- المادتان 14 و 15 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35.
[33]- الطاهر، محادي : إجراءات المتابعة و المصالحة في جرائم الصرف في التشريع الجزائري ، مجلة المفكر ، جامعة محمد خيضر ، بسكرة ، العدد 12 ، ص.518.
– ما ينبغي الإشارة إليه ، أن تعديل قانون الجمارك بموجب القانون رقم 17 -04 المؤرخ في 16 فبراير 2017 ، لم يجز إجراء المصالحة بعد صدور جكم نهائي بنص المادة 265 فقرة 06 ” لا تجوز المصالحة بعد صدور حكم قضائي نهائي “[34]
[35]- أحسن، بوسقيعة : الوجيز في القانون الجنائي الخاص ، المرجع السابق ، ص 333.
[36]-قرار الغرفة الجنائية الصادرة في09 جوان 1991 ، ملف رقم 71509 غير منشور.
[37]- عندما يكون المخالف شخصا طبيعيا :
إذا كانت قيمة محل الجنحة من 500.001 دج إلى1.000.000دج فنسبة مبلغ المصالحة من 200% إلى 250%..
إذا كانت قيمة محل الجنحة من 1.000.001.إلى 5.000.000 فنسبة مبلغ المصالحة من 251% إلى 300%..
إذا كانت قيمة محل الجنحة من5.000.001. دج إلى10.000.000. فنسبة مبلغ المصالحة من 301% إلى 350%..
إذا كانت قيمة محل الجنحة من10.000.001. دج إلى15.000.000. فنسبة مبلغ المصالحة من 351% إلى 400%..
إذا كانت قيمة محل الجنحة من 15.000.001دج إلى20.000.000دج فنسبة مبلغ المصالحة من 401% إلى 450%..
عندما يكون المخالف شخصا معنويا :
إذا كانت قيمة محل المخالفة من 500.001دج إلى 1.000.000دج فنسبة مبلغ المصالحة من 450 % إلى 500%.
إذا كانت قيمة محل المخالفة من 1.000.001دج إلى 5.000.000ج فنسبة مبلغ المصالحة من 501 إ%إلى 550%.
إذا كانت قيمة محل المخالفة من5.000.001. دج إلى 10.000.000دج فنسبة مبلغ المصالحة من 551 % إلى600 %.
إذا كانت قيمة محل المخالفة من10.000.001. إلى 15.000.000دج فنسبة مبلغ المصالحة من 601 % إلى 650%.
إذا كانت قيمة محل المخالفة من 15.000.001دج إلى 20.000.000دج. فنسبة مبلغ المصالحة من 651% إلى 700%..
[38]- طارق، كور : المرجع السابق ، ص.92
[39]- ملف :154107 قرار 22 ديسمبر1997 غير منشور.
[40]-أحسن ، بوسقيعة : المنازعات الجمركية ، تصنيف الجرائم و معاينتها ، المتابعة و الجزاء ، ط. 02 دار النخلة للنشر ، الجزائر 2001.
[41]- الطاهر، محادي : المرجع السابق ، ص. 521.