دراسات قانونيةسلايد 1

دراسة حول قانون الكسب غير المشروع بالعراق

يُعد العراق من أوائل الدول على مستوى العالم في سن التشريعات في ميدان مكافحة الفساد , ففي عام 1958 صدر قانون ” الكسب غير المشروع على حساب الشعب ” رقم ( 15 ) لسنة 1958 , وهو القانون المعروف لدى العامة ” بقانون من أين لك هذا ” ومنذ تلك السنة ولغاية الآن لم ينفذ هذا القانون ولم يرى النور . ووصفنا إياه بـ ” ولد ميتاً ” له من الأسباب ما يدعونا لإطلاق هذا الوصف , ففي هذه المقالة سنحاول تسليط الضوء على أهم تلك الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة وتعطيل أحكام القانون , ولكن قبل التطرق إلى تلك الأسباب سنتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية وهو مدى سريان قانون الكسب غير المشروع ؟

أولا : سريان قانون الكسب غير المشروع :
حدد المشرع في قانون الكسب غير المشروع تاريخ سريانه بتاريخ نشره في الجريدة الرسمية ( المادة 23 منه ) وبما ان القانون نشر في جريدة الوقائع العراقية بتاريخ 21/8/1958 بعددها الـ ( 17 ) عليه يكون تاريخ سريان القانون هو تاريخ 21/8/1958 . والى يومنا هذا لم يصدر أي قانون يلغي قانون الكسب غير المشروع , إلا انه وبالاطلاع على قانون هيأة النزاهة رقم ( 30 ) لسنة 2011 النافذ حاليا , وهو القانون الذي نظم أحكام الكسب غير المشروع وافرد لها فصلا مستقلا وهو الفصل الرابع بواقع خمسة مواد قانونية ( 16 – 20 ) قد تثار الأسئلة حول مدى سريان قانون الكسب غير المشروع مع نفاذ قانون الهيأة ؟ نجيب عن هذا بان المادة الـ ( 30 ) من قانون الهيأة التي نصت على ( لا يعمل بأي نص تتعارض أحكامه وأحكام هذا القانون ) وبما ان قانون الهيأة لم ينظم كافة الأحكام المتعلقة بالكسب غير المشروع , وإنما اقتصر على أهمها , وبما ان الكثير من أحكام الكسب غير المشروع التي نظمها قانون الكسب غير المشروع لا تتعارض مع قانون الهيأة عليه يمكن القول بان قانون الكسب غير المشروع لا يزال ساري المفعول , ولكن بالقدر الذي لا يتعارض مع قانون الهيأة .

ثانيا : أسباب عدم تطبيق قانون الكسب غير المشروع :
بالاطلاع على قانون الكسب غير المشروع وأحكامه التفصيلية , وبالنظر لعدم تطبيقه لغاية الآن منذ تشريعه في عام 1958 , نحاول هنا التطرق إلى أهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة , وكالاتي :
1. ان من أهم عوامل نجاح تنفيذ القوانين وتفعيلها هي قابلية وإمكانية نصوصها للتطبيق أي ان لا تكون مستحيلة التطبيق , وبالنسبة لقانون الكسب غير المشروع ولكونه توسع توسعا كبيرا جدا في تحديد الفئات الوظيفية الخاضعة لأحكامه والمكلفة بتقديم إقرار الذمة المالية والذي شمل جميع موظفي ومستخدمي الدولة سواء كانوا دائميين أم مؤقتين , مدنيين أم عسكريين أم قوى امن داخلي ( المادة 1 من القانون ) أي ان القانون لم يستثني فئة من الفئات الوظيفية من الخضوع لأحكامه , وبما ان هؤلاء يتوجب عليهم تقديم إقرار بالذمة المالية عنهم , ومع هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين غير المحدودة فهذا يعني إعداد غير محدودة من إقرارات الذمة المالية , وهنا كان الأجدر بالمشرع الأخذ بالحسبان كيفية تدقيق ومراجعة ومراقبة هذه الأعداد الكبيرة من إقرارات الذمة المالية ؟ وما هو الوقت المتوقع لإجراء ذلك ؟ ومن هي الجهة القادرة على أداء هذه المهمة؟
2. ان نجاح وفاعلية قوانين الكسب غير المشروع تعتمد بشكل أساسي وكبير على الآليات والطرق المعتمدة في تدقيق ومراجعة ومراقبة إقرارات الذمم المالية للمكلفين . والمشرع العراقي في قانون الكسب غير المشروع قد وضع الآلية لذلك , إذ تقوم هذه الآلية على إناطة مهام التدقيق والمراجعة والمراقبة لذات الجهات التي ينتسب إليها المكلفين , وتشكيل لجان من ثلاثة أعضاء يرأسها موظف بدرجة مدير عام في الوزارة التي ينتسب إليها المكلف وعضوية موظف من كبار تلك الوزارة وعضو ثالث نائبا عن المدعي العام يعينه وزير العدل .

ويلاحظ على هذه الآلية إنها أولا : لم تنشأ جهة مستقلة تتولى مهام المراجعة والتدقيق والمراقبة , بل أناطة هذه المهمة بالوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة , وهذا ما يفقد تلك اللجان استقلاليتها وحياديتها بالنظر لارتباطها المباشر بالسلطة التنفيذية ووزرائها , ثانيا : ان تشكيل اللجان برئاسة موظف بدرجة مدير عام من الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة وعضو آخر من ذات الوزارة يثير الكثير من التساؤلات عن مدى إمكانية وقدرة تلك اللجان على تفعيل قانون الكسب غير المشروع داخل وزاراتهم والجهات التي ينتسبون إليها ؟ إذ انه ليس من السهول بمكان قيام لجنة في وزارة ما بتفعيل قانون خطير كقانون الكسب غير المشروع على موظفي تلك الوزارة خصوصا على كبار موظفيها كالوزراء والوكلاء ورؤساء العمل .

إغلاق