دراسات قانونية
تعريف حوالة العقد وتمييزها عن المؤسسات المشابهة (بحث قانوني)
حوالة العقد
CESSION DE CONTRAT
علي العيساوي
طالب باحث بماستر العلوم القانونية تخصص القانون المدني
كلية العلوم القانونية , الاقتصادية والاجتماعية –أكدال-
الرباط
حوالة العقد
مـقـدمـة:
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تواتر الفقه الحديث على تعريف الالتزام أو الحق الشخصي بأنه رابطة قانونية بين دائن ومدين يترتب بمقتضاها على هذا الأخير القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل أو نقل ملكية شيء لصالح الدائن.
وقد اعتبر العقد منذ زمن بعيد أهم مصدر للالتزام لذلك نلاحظ أنه يحتل مساحة شاسعة في إطار المدونات المدنية قديمها وحديثها.
والحوالة عقد حديث نسبيا بمقتضاه يقع في إطار التزام قائم استبدال دائن بدائن آخر (حوالة الحق) أو مدين بمدين جديد (حوالة الدين).
أما حوالة العقد تعد ذات منشأ فقهي تأخر دخولها لغة القانون ولم تستأنس بها الساحة القانونية إلا حديثا، حيث تطرقت لها معظم التشريعات المقارنة كالتشريع المدني الإيطالي والفرنسي والهولاندي، أما بالنسبة لتشريعنا الوطني فلم يتطرق لهذا المصطلح وإنما يمكننا أن نستشفه من بعض الفصول كالفصل 694 من ق.ل.ع المتعلق بعقد الكراء ثم الفصل 754/7 من نفس القانون وكذلك الفصل 19 من مدونة الشغل.
من هنا تكتسي حوالة العقد أهمية كبيرة على المستوى النظري والتقني والعملي فعلى المستوى النظري فأهميتها تكمن في كونها تطرح النقاش لمفهوم العقد أو المركز العقدي وأيضا لقصور المشرع على تقنين محكم ومنظم لهذه المؤسسة. أما على المستوى التقني فأهميتها تتمثل في كونها تحتفظ للعقد بهويته، وأخيرا أهميتها على المستوى العملي تتجلى في اكتساب العقد استقرارا ما فتئ يشكل مطلبا لكثيرا من الفئات.
انطلاقا مما سبق فإن الموضوع يطرح مجموعة من الإشكالات أهمها: ماذا نقصد بحوالة العقد؟ وكيف نميزها عن بعض المصطلحات المشابهة لها؟ ثم ما هي طبيعتها القانونية؟ وما هي أحكام تكوين وتنفيذ حوالة العقد؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال التقسيم الميتودولوجي الآتي:
المبحث الأول: ماهية حوالة العقد
المبحث الثاني: أحكام تكوين حوالة العقد وتنفيذها
المبحث الأول: ماهية حوالة العقد
في هذا الصدد يقتضي منا الأمر أن نتناول تعريف حوالة العقد وتمييزها عن بعض المفاهيم المشابهة لها (المطلب الأول) ثم الطبيعة القانونية لحوالة العقد (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعريف حوالة العقد وتمييزها عن بعض المؤسسات المشابهة لها
سنخصص الفقرة الأولى لتعريف حوالة العقد والفقرة الثانية لتمييز حوالة العقد عن بعض المفاهيم المشابهة لها.
الفقرة الأولى: تعريف حوالة العقد
تعتبر مؤسسة حوالة العقد حديثة النشأة، حيث لم تدخل الحقل القانوني إلا مؤخرا على خلاف مؤسستا حوالة الحق وحوالة الدين، وتبعا لذلك فإن المشرع المغربي لم يتعرض لمسألة تعريفها، مما أدى ببعض الفقه المقارن الذي انكب على دراسة موضوع حوالة العقد، حيث عرفها الفقيه الفرنسي Charless Lapp على أنها “اتفاق ينقل بمقتضاه إلى الغير وعلى عهدته مجموع الروابط القانونية الناشئة من عقد معين”[1].
وقد عرفها الفقيه الفرنسي Larroumet بأنها “تخول المتعاقد أن ينقل إلى الغير ليس فقط اقتصاديا ولكن أيضا قانونيا مجموع مركزه الناتج عن العقد وذلك بمشاركة متعاقد آخر”.
انطلاقا من هذين التعريفين يمكن أن نعرف حوالة العقد على أنها عمل قانوني بمقتضاه يحيل أحد المتعاقدين مركزه في هذا العقد إلى شخص من الأغيار في مواجهة المتعاقد الآخر.
وليست حوالة العقد بوصفها انتقالا لمركز المتعاقدين عمل الإرادة وحدها، بل انها تشكل في بعض الأحيان عمل من أعمال القضاء، حيث يكون القضاء سببا قانوني لها، ثم إن حوالة العقد بالنظر إلى نطاقها تقنية قانونية تصلح لانتقال العقود الانفرادية والتبادلية سواء كانت عقودا منعقدة أو تمهيدية.
وإذا كانت غاية حوالة العقد مهما كان العقد المحال به هي تحقيق خلافة خاصة في المركز العقدي المحيل على النحو الذي يخرج معه هذا الأخير بريء الذمة من الرابطة العقدية التي يدخلها بدلا منه المحال له، فإن هذه الغاية لا تمثل سوى أقصى ومنتهى درجات حوالة العقد التي قد تنعقد غير مدركة لهذه الغاية إما دون أثر لها في مواجهة المحال عليه أو بإضافتها إلى مركز المحيل مركزا جديدا يشغله من تعاقد على الحوالة مع المحيل، وبالتالي فإن تغيير أحد أطراف العقد ليس سببا في إلغاء العقد وإنما يكون هدفا لاستمرارية العقد ومن أجل ذلك جاءت هذه المؤسسة القانونية المتمثلة في حوالة العقد[2].
هذا وقد تختلط مؤسسة حوالة العقد ببعض المؤسسات الأخرى الشبيهة لها، هذا ما سنحاول معالجته في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: تمييز حوالة العقد عن بعض المفاهيم المشابهة لها
نظرا لأن حوالة العقد تفضي إلى تغيير يحصل في شخص أحد المتعاقدين فإن إلتباسها ببعض التصرفات مثل التجديد La novation والعقود لمصلحة الغير les contrats pour auttrri، والعقود الفرعية les sous-contrats يبقى لهذه العلة أمرا واردا لا يتم رفعه إلا بمعالجة دقيقة لطبيعة هذه الأنظمة.
أ- تمييز حوالة العقد عن العقد الفرعي:
توصل بعض الفقه[3] إلى وجود التفرقة بين نظام العقد الفرعي ونظام حوالة العقد، حيث أوجدوا نظام مستقل للنظام الأخير ذلك لأنه إذا كانت الأداءات الناشئة من العقد الأساس (العقد الأصلي) تشكل في كلا النظامين محلا للعقد الوسيلة فإن بينهما فرقا رئيسيا لا يمكن إنكاره يكمن في الأثر المروم من طرفي هذا الأخير.
فالأثر الذي يسعى إليه المتعاقدين المحيل والمحال له في عقد الحوالة هو أن ينقل الأول(المحيل) مركزه العقدي إلى الثاني(المحال له) الذي يدخل مكان المحيل بديلا مباشرا في مواجهة المحال عليه، أما الأثر الذي يقصد إليه المتعاقدان الأصلي والفرعي في العقد الباطن هو إلحاق عقد ثان بالعقد الأصلي دون المساس بالمركز العقدي للمتعاقد الأصلي في علاقته بمتعاقده، فالمحيل في حوالة العقد يتصرف في صفته إلى المحال له الذي تنشأ بينه وبين المحال عليه علاقة تبادلية مباشرة منشؤها الحوالة ذاتها، بيد أن المتعاقد الأصلى في العقد من الباطن يستثمر صفته مع المتعاقد الفرعي، الذي يظل أجنبيا، من تعاقد مع المتعاقد الأصلي[4].
هناك عدة تطبيقات للعقود الفرعية وحوالة العقد في قانون الالتزامات والعقود المغربي منها الكراء الفرعي وحوالة عقد الكراء (الفصلين 668 و679 من ق.ل.ع) ثم الوكالة الفرعية وحوالة عقد الحوالة.
ب- تمييز حوالة العقد عن العقود لمصلحة الغير:
رغم وجود قاسم مشترك بين نظامي حوالة العقود والعقود لمصلحة الغير من حيث التصرف الوسيط الذي تتطابق خصائص هذا التصرف في النظامين من حيث مصدره الذي قد يكون قانونيا وقد يكون اتفاقيا ومن حيث استقلاليته عن العقد الأساس ومن حيث طابعه العوضي أو المجاني، إلا أن هناك فوارق جوهرية التي تميز كل نظام عن الآخر، ولعل معيار السبب ومعيار الأثر المنشئ هما اللذان يميز كل نظام عن الآخر.
معيار السبب: يرى اتجاه على أن هذا المعيار هو أساس التفرقة بين النظامين لأن العقد لمصلحة الغير وجه بداءة لاشباع مصلحة هذا الأخير، بينما يعد العقد المحال أداة لاشباع مصلحة المحيل قبل اشباع مصلحة المحال له.
وهذا الرأي يرتب فروقا تتجسد في تباين النطاق الزمني إذ أن ما يميز العقد لمصلحة الغير هو حلول هذا الاخير محل الوسيط بأثر رجعي بيد أن ما تتفرد به حوالة العقد هو استخلاف الغير للوسيط دون أثر رجعي. وسواء تعلق الأمر بالحلول او الاستخلاف فإن المحل فيهما واحد هو العقد بما ينشأ عنه من حقوق وديون وحقوق إرادية.
معيار الأثر المنشئ: يرى الأستاذ Lourroumet أن حقوق وديون الغير حقوقا وديونا مستقلة تقضي ذاتيها ألا تكون مستمدة من ذمة أخرى كما في حوالة العقد بل مباشرة لسببين لاشتغال ذمة الغير بها أول مرة، ولاعتبار شخص الغير من محددات طبيعة العقد، وهما سببان جعلا الأستاذ Larroumet يستبعد ان يكون مركز الغير في العقود لمصلحة الغير مركز المحال له بالعقد.
ج- تمييز حوالة العقد عن التجديد:
التجديد انقضاء التزام في مقابل إنشاء التزام جديد يحل محله (الفصل347 من ق.ل.ع) وهو إما أن يكون تجديد موضوعي وإما تجديد شخصي ولتمييز بين النظامين سنتحدث عن فرضية العقود الانفرادية ثم فرضية العقود التبادلية.
فرضية العقود الانفرادية:
فبالرغم من وجود فوارق شكلية وموضوعية بين النظامين إلا أن الالتباس بينهما لازال قائما من حيث اشتراكهما في عنصر الاستبدال الذاتي الحاصل في رابطة الالتزام القائمة أي احلال الغير الأجنبي عن الرابطة محل الدائن أو المدين فيها.
ومن أجل التفرقة بينهما ظهر اتجاه تبنى معيار السبب لتأجيل التفرقة بين نظامي التجديد والحوالة، حيث أن سبب الالتزام المتعاقد الجديد هو المحدد الرئيسي للتفرقة بينهما فإذا كان المتعاقد الجديد يروم بواسطة تعهده الجديد السعي إلى ذات الغرض من العقد الأصلي كيفت العملية مجرد تغيير لا ينال من العقد، وهذه هي الحوالة، وإذا كان يهدف تعهده الجديد إلى غرض آخر يختلف عن غرض العقد الأصلي كيفت العملية تجديدا.
فرضية العقود التبادلية:
في هذه الحالة يتولد عنها التزام لا ينفصل فيه الحق عن الدين وملتزم تتحد فيه صفتا الدائن والمدين.هنا اذا أريد تغيير أحد طرفي العقد التبادلي بنية الحوالة أو بنية التجديد فإنه يتعين على الشخص الجديد أن يخلف الطرف المستبدل ليس في الصفة الإيجابية أو الصفة السلبية,ولكن في صفته كمتعاقد تبادلي أو في مركزه العقدي وهو ما يثير صورتين جديدتين للتجديد والحوالة تنضافان إلى الصور المألوفة التي تنص عليها معظم التشريعات المدنية وهما: التجديد بتغيير المركز العقدي وحوالة المركز العقدي الناشئ عن عقد تبادلي.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لحوالة العقد
اذا باتت حوالة العقد تفرض نفسها اليوم بوصفها مفهوما قانونيا فإن الجدال لا زال قائما كما سبق القول في شأن تحديد تعريف دقيق لحوالة العقد مما ينعكس ذلك على تحديد الطبيعة القانونية لحوالة العقد وهو ما أوجد على الساحة القانونية اتجاهين في شأن تحديد الطبيعة القانونية : اتجاه ينظر إلى العقد نظرته إلى الالتزام فيحدد مفهومه في كونه مجرد تركبة من الحقوق والديون ولا تعدوا أن تكون حوالة العقد سوى حوالة حق تنضاف اليها حوالة دين (الفقرة الأولى) واتجاه ثاني ينظر إلى العقد نظرة منظوماتية واحدية لا يفصل في حوالته بين المكونات التي تنتظم داخله (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى : الاتجاه التفكيكي لحوالة العقد (الاتجاه التقليدي)
قاموا انصار هذا الاتجاه على تفكيك العقد إلى حقوق وديون حتى يتأتى لهم البناء القانوني لحوالة العقد، وهنا ظهرت نظريتان :النظرية المادية ثم النظرية الشخصية.
النظرية المادية:
مهدت الساحة القانونية الأوربية لظهور فكرة حوالة العقد على عكس الساحة القانونية العربية التي لم تتعرض لهذه الفكرة إلا عرضا:
في الساحة القانونية الأوربية : يعتبر الفقيه الفرنسي Lapp أول من اجتهد لعرض نظرية تفكيك حوالة العقد إلى حوالة حق وحوالة دين حيث حاول لرفع الصعوبة التي تحول دون قابلية الدين للحوالة في القانون الفرنسي أن يوفق بين الأثر المباشر لعقد الحوالة بمجرد الاتفاق بين المحيل والمحال له وضرورة مراعاة مصالح المحال عليه بحفظ ضمانه الذي تشكله ذمة المحيل ويمكن الوصول إلى هذه الغاية بموجب تصرف قانوني يتضمن انتقالا مباشرا للدين من المحيل إلى المحال له لكن لا يحتج به في جميع مكوناته في مواجهة المحال عليه.
في الساحة القانونية العربية : كما سبق القول أن الساحة القانونية العربية لم تتناول حوالة العقد إلا عرضا وذلك من خلال بعض الأعمال الفقهية العامة، ونجذ هنا الفقيه السنهوري تبنى نظرية تفكيك الحوالة إلى حوالة الدين وحوالة الحق وذلك بتأكيده على أن حوالة العقد ليست إلا حوالة مجموعة الحقوق والالتزامات الناشئة عن هذا العقد[5].
النظريات الشخصية:
على عكس ما جاءت به النظرية المادية وجدت نظريات تمسكت بالطابع الشخصي للالتزام حيث لم تقبل أن يقع الدين محلا للحوالة بل انها تشبثت بضرورة اللجوء لنقل الدين إلى تقنية بديلة تراعي الطابع الشخصي المذكور وهذه التقنية تختلف في نطاقها حيث هناك من جعلوها اشتراط لمصلحة الغير ومن جعلوها انابة في الوفاء.
بعد معالجتنا للاتجاه الأول سنعالج الاتجاه الثاني في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية :الاتجاه الاحادي لحوالة العقد (الاتجاه الحديث)
انطلق الاتجاه الاحادي من اعتبار حوالة العقد تصرف يختلف عن مجرد التركبة المكونة من حوالة الحق وحوالة الدين من حيث وحدة البنية والمحل والسبب والأثر:
فمن ناحية موحدة البنية لأن اطرافها وهم يريدون تحقيق انتقال للعقد يصدرون تعبيرا اراديا موحدا ينصرف محله إلى العقد بوصفه كلا موحدا. وهي من ناحية ثانية موحدة المحل لكون هذا الأخير لا يتجسد من منظور تفكيكي في الحقوق والديون بل يمكن من منظور احادي في مجموع الروابط الاصلية أو في تمام الرابطة العقدية بوصفها نتاجا موحدا للعناصر الايجابية والسلبية أو في صفة المتعاقد أو في اعتبار العقد مالا في ذاته ، يتم تداوله كباقي الأشياء، وهي من ناحية ثالثة موحدة السبب لأن الحوالة بصفتها ذات وظيفة نوعية واقتصادية و اجتماعية سببا واحدا وخاصا يكمن في الانتقال الموحد لمركز عقدي قائم أو الاستخلاف الخاص فيه رضاء، وهي من ناحية اخيرة موحدة الاثر لأنها تتضمن ليس فقط انتقالا للحقوق والديون بل ايضا انتقالا للحقوق الإرادية وهو اثر تعجز عن تحقيقه رابطة الالتزام[6].
هذا ويعد الفقيه الفرنسي Aynes أول من تزعم هذه النظرية حيث اعتبر حوالة العقد انها ليست بالجانب الايجابي أو الجانب السلبي ولكنها حوالة القوة الملزمة للعقد، رغم تغيير أحد أطرافه بخلاف ما تنص عليه نظرية التجزئة[7]، واعتبر أن غاية حوالة العقد تكمن في ضمان استمرارية العقد ذاته عن طريق الاحتفاظ بقوته الملزمة بالرغم من التغيير الحاصل في شخص أحد الأطراف ولا يسوغ إدراك هذه الغاية إلا بموجب تصرف قانوني موحد.
هكذا فبعد تسليط الضوء عن ماهية حوالة العقد نتساءل عن أحكام تكوين وتنفيذ حوالة العقد ؟ هذا ما سنتناوله في المبحث الثاني.
المبحث الثاني :أحكام تكوين حوالة العقد وتنفيذها
تكتسي عبارة حوالة العقد معنى مزدوجا، فهي تعني من جهة الظاهرة القانونية التصرفية أي التصرف القانوني الذي تمت الحوالة بمقتضاه وهي تعني من جهة أخرى الأثر الذي يرتبه هذا التصرف على البنية الشخصية للعقد المحال به أي إحلال الغير في المركز العقدي للمحيل.
وتماثل ازدواجية المعنى في حوالة العقد ازدواجية المرحلة التي يمر عبرها العقد ذاته أي مرحلة تكوينه (المطلب الأول) ثم اخيرا مرحلة تنفيذه (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : أحكام تكوين حوالة العقد
عندما نتحدث عن تكوين أي عقد لابد من الوقوف على شروط تكوينه (الفقرة الأولى) ثم على الشكلية التي يتطلبها ذلك العقد (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: شروط تكوين حوالة العقد
المجمع عليه أن لتكوين العقد لابد من توافره على الأركان العامة المنصوص عليها في المادة 2 من ق.ل.ع. وعليه فإن تكوين حوالة العقد يكون كفيلا بوجود الأركان العامة ثم شروط خاصة بها, ونحن من جانبنا سنقتصر على دراستنا للشروط الخاصة لتكوين حوالة العقد.
الشرط الأول: نفاذ حوالة العقد في مواجهة المحال له :
يطرح هذا الشرط مجموعة من الإشكالات كلها راجعة إلى عدم تقنين المشرع المغربي هذه المؤسسة القانونية التي اكتسحت الميدان العملي في كل المجالات، ومن هذه الاشكالات ما دام أن المشرع المغربي لم ينظم هذا النوع من الحوالة هل يمكن تطبيق الشروط الخاصة بحوالة الحق الواردة في الفصل 195 على مؤسسة حوالة العقد؟ إن الاجابة عن هذه الاشكالية نجدها في الطبيعة القانونية لهذه المؤسسة ومن هنا وبالرجوع إلى الاتجاه التفكيكي لحوالة العقد الذي يتزعمه الفقيه الفرنسي Lapp الذي اعتبر كما سلف الذكر أن حوالة العقد ما هي إلا حوالة حق وحوالة دين وبالتالي يجب تطبيق الشروط الخاصة بحوالة الحق المنصوص في المادة 1690 من القانون الفرنسي على حوالة العقد.
اما بالنسبة لموقف المشرع المغربي في هذه المسألة نلاحظ أنه أخذ بموقف الفقيه الفرنسي وذلك ما يتضح جليا من الفصل 673 من ق.ل.ع.
الشرط الثاني : بناء العقد على الاعتبار الشخصي يستوجب البطلان
مفاد هذا الشرط هو أن المتفق عليه كقاعدة أن كل العقود كيفما كانت تكون قابلة للحوالة مالم ترد استثناءات بهذا الخصوص، ومن هذه الاستثناءات نجد عدم بناء العقد على الاعتبار الشخصي، بعبارة اخرى يجب أن لا تكون لشخصية احد المتعاقدين أي اعتبار في بناء العقد، واذا كانت لها اعتبار و جرت الحوالة تكون هذه الأخيرة باطلة، وذلك راجع حسب الفقيه Aynes إلى أن قيام العقد على الاعتبار الشخصي يفلت من حوالته لأن شخصية المتعاقد تكون هي سبب ابرام ذلك العقد، وأن أي تغيير في العملية الاقتصادية التي يبرم العقد تحقيقها.
الشرط الثالث : موافقة المدين المحال عليه
يقر هذا الشرط الاتجاه الاحادي الذي اعتبر مؤسسة حوالة العقد على خلاف الاتجاه التفكيكي عبارة عن وحدة قانونية حيث يتم نقل العقد بأكمله، وحتى تتم هذه العملية قانونيا استوجب توافر شرط موافقة المدين المحال عليه إما ضمنيا أو سابقة. حيث يلعب المحال عليه في هذا النوع من المؤسسة، دورا بارزا وبالتالي يعد قبوله مهم، وهذا ما لا نجده في حوالة الحق التي نجدها تشترط إعلان الحوالة للمحال عليه، ولا يتم هذا الشرط أي موافقة المحال عليه إلا في حالة استثنائية وهي حالة اذا كان الدين المراد حوالته متنازعا فيه.
الفقرة الثانية :شكلية إبرام حوالة العقد
يعد شكل عقد الحوالة من المسائل القانونية التي طرحت بشدة على الساحة القانونية التي اهتمت بموضوع حوالة العقد حيث تم ايجاد نظريات عديدة ومختلفة نجملها في ثلاث مبادئ:
مبدأ حرية الشكل :
مفاذه هو أن إعمال هذا المبدأ يكون صحيحا متى غاب نص قانوني يفرض شكلا معينا وإذا لم يوجد فيتعين التساؤل عما اذا لم يكن واجبا أن يأخذ عقد الحوالة بفعل طبيعته الخاصة شكل العقد المحال به[8].
مبدأ تماثل الشكل :
مفاد هذا المبدأ هو أن تصرفات الدرجة الثانية تأخذ حكم تصرفات الدرجة الأولى بمعنى آخر اذا كان العقد المحال به حرر كتابة مثلا فإن شكل حوالة هذا العقد يجب أن يحرر كتابة.
مبدأ التنوع الوظيفي للشكل :
هذا المبدأ تبناه الفقه الحديث وذلك في غياب قاعدة عامة حيث أخذ بتصورات متباعدة متقاربة المعنى تعتمد على قاعدة مفتوحة جماعها عنصر واحد هو النفاذ إلى وظيفة الشكل المبحوث عنها في كل فرضية على حدة.
فقد تكون وظيفة الشكل هي توفير الضمان لفائدة أحد المتعاقدين أو لفائدتهما معا أو وضوح السلوك لديهما أو متطلبات حمائية مختلفة كما قد تكون وظيفة الشكل هي طبيعة الأموال محل العقد، أو تنفيذ اعباء اشهارية.
اذن ما موقف المشرع المغربي من هذه المبادئ؟
بالرجوع إلى الفصل 401 من ق.ل.ع التي تنص “اذا قرر القانون أن يكون العقد مكتوبا اعتبر نفس الشكل مطلوبا في كل التعديلات التي يراد ادخالها على هذا العقد” لكن مصطلح التعديلات الوارد في الفصل 401 هل يقصد به التعديلات الموضوعية فقط أم حتى التعديلات الشخصية ؟هنا بالرجوع إلى المادة 351/1 التي تقضي على أن “إحلال شيء محل الشيء المبين في الالتزام القديم يمكن أن يعد تجديدا إذا كان من شأنه أن يلحق بالالتزام تعديلا جوهريا…” هكذا يمكن القول أن مصطلح التعديلات يشمل فضلا عن التعديلات الموضوعية التعديلات الشخصية على نحو يجد مبدأ تماثل الشكل بين عقد الحوالة والعقد المحال به سندا له في الفصل السابق.
ومن أهم تطبيقات الفصل 401 نجد الفصل 629 من ق.ل.ع الذي قضى بأن “كراء العقارات لمدة تزيد على سنة لا يكون له أثر في مواجهة الغير ما لم يكن مسجلا وفقا لما يقضي به القانون” ثم الفصل 3/618 من ق.ل.ع المنظم لبيع العقار في طور الانجاز.الذي اشترط لقيام المشتري بالتخلي عن حقوقه المستمدة من بيع العقار في طور الإنجاز أن يتم التخلي وفق الكيفية التي تم بها العقد الابتدائي[9].
بعد محاولة منا لمعالجة أحكام تكوين حوالة العقد بقي لنا معالجة أحكام تنفيذ حوالة العقد وذلك في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: أحكام تنفيذ حوالة العقد
بعد أن ينشأ عقد الحوالة صحيحا فإنه يكتسب قوة ملزمة تحتم على الأطراف تنفيذ أثره، وهذا يوجب علينا معالجة حوالة العقد قبل وبعد نفاذها في الفقرة الأولى ثم معالجة حوالة العقد وقاعدة التمسك بالدفوع في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: حوالة العقد قبل وبعد نفاذها
أ- قبل نفاذ حوالة العقد:
عند إبرام حوالة العقد بين المحيل والمحال عليه تصبح العلاقة الرابطة بينهم هي علاقة دائن بمدين حيث أن الغاية من إبرام حوالة العقد هي نقل المركز العقدي برمته سواء من حيث المحل والسبب والقوة الملزمة إلى غير ذلك.
وهذا يجرنا إلى عدم قبول الحوالة الجزئية للعقد على عكس حوالة الحق وحوالة الدين.
وعليه فإنه قبل نفاذ حوالة العقد فإن العقد المحال به يبقى ساري المفعول فقط بين الدائن والمدين إلى حين تغيير المحيل بالمحال له، وبالتالي فلا يمكن لهذا الأخير مطالبة المحال عليه بأي شيء حتى بعد نفاذ الحوالة وذلك بموافقة المحال عليه.
ب- بعد نفاذ حوالة العقد:
بمجرد نفاذ حوالة العقد من قبل المحيل إلى المحال له فإن المركز العقدي الذي كان بين الدائن والمدين قبل نفاذ الحوالة ينتقل مباشرة إلى المحال له والمحال عليه مما يترتب عنه خروج المحيل من الرابطة القانونية إلا أن هذا لا يمنع من بقائه داخل هذه الرابطة وذلك إما بمقتضى نص قانوني أو باتفاق الأطراف.
الفقرة الثانية: حوالة العقد وقاعدة التمسك بالدفوع
إن قاعدة التمسك بالدفوع المعمول بها في هذا الإطار إما أن تكون مستمدة من عقد الحوالة بذاته وإما أن تكون مستمدة من العقد المحال به.
أ- الدفوع المستمدة من عقد الحوالة:
هنا الفقه القانوني[10] يميز بين فرضيتين في هذا الشأن: فرضية يكون فيها عقد الحوالة عملية قانونية ثلاثية الأشخاص وفرضية يكون فيها عقد الحوالة ثنائيا.
بالنسبة للفرضية الأولى: هنا يسوغ للمحال له والمحال عليه بوصفهما طرفين أن يتمسكا تبادليا بالدفوع اللاحقة بعقد الحوالة ما لم يرفع بالإجازة أثر فاعليتها من هذا الطرف أو ذاك.
أما بالنسبة للفرضية الثانية: هنا تنعقد حوالة العقد بمقتضى اتفاق بين المحيل والمحال له حيث لا يكون فيها المحال عليه طرف مما يفضي إلى أن ضرورة رضاء هذا الأخير لا يحتمها تكوين الحوالة ولكن تتطلبها فاعليتها في مواجهة المحال عليه، ولهذا يحق لهذا الأخير أن يتمسك في مواجهة المحال له بتخلف رضائه سواء نتج تخلفه عن عدم التعبير مطلقا أو جاء التعبير مشوبا بعيب من عيوب الرضا أو نقص الأهلية ويترتب عن ذلك حسب بعض الفقه زوال الحوالة[11].
ب- الدفوع المستمدة من العقد المحال به:
في هذا الصدد إما أن تكون دفوع المحال عليه اتجاه المحال له وإما أن تكون دفوع المحال له اتجاه المحال عليه:
دفوع المحال عليه اتجاه المحال له:
عندما تبرم حوالة العقد فإن المحال عليه لا يلتزم حيال المحال له إلا بالقدر والحدود التي كان ملتزما بها اتجاه المحيل وبالتالي فإن بوسعه التمسك بنفس الدفوع، ويترتب على ذلك أنه بمقدور المحال عليه أن يدفع ببطلان الحق ضد المحال له وقد يكون السبب راجعا إلى عدم اكتمال أهلية المدين أو إلى أحد عيوب الرضى أو انعدام السبب… [12].
هذا ويجوز للمحال عليه الدفع بفسخ الحوالة والرجوع على المحال له بالدعوى المباشرة.
دفوع المحال له اتجاه المحال عليه:
الثابت عليه أن المحال له يدخل مكان المحيل بديلا في مركزه العقدي، ومن هنا فإن كافة وسائل الدفاع التي كانت فاعلة قبل إجراء الحوالة في العلاقة بين المحيل والمحال عليه يتم الاحتجاج بها بعد الحوالة في العلاقة بين المحال له والمحال عليه. كالشرط الذي تم التنصيص عليه في العقد المحال به يتم الدفع به من قبل المحال له اتجاه المحال عليه.
ومن هنا يمكن للمحال له أن يتمسك بكافة الدفوعات الشخصية (كنقصان الأهلية وعيوب الرضى) والدفع بالفسخ الحوالة الذي يكون راجعا إلى عدم تنفيذ المحال عليه لذلك العقد.
خاتمة
وفي مسك الختام نقول أن مؤسسة حوالة العقد تكتسي أهمية كبيرة على المستوى العملي خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي, لأنها توفر ضمانات لأطرافها ,ونظرا لذلك نرى أنه من الأفيد على المشرع المغربي أن يتدخل لتقنين هذه المؤسسة حتى لا يقع خلط بين مؤسستا حوالة الحق وحوالة الدين وحتى تكتسب هذه المؤسسة أيضا الثقة أكثر من طرف المتعاملين بها…
مادام أن محل حوالة العقد لا يرد إلا على الحقوق المادية نطرح التساؤل التالي:
ألا يمكن أن يرد محل حوالة العقد على حقوق معنوية مستقبلا خصوصا في ظل التطور الذي يشهده العالم في شتى المجالات؟
(محاماه نت)