دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة قانونية فقهية توضح الفرق بين القتل العمد والقتل شبه العمد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن الفقيه يعتمد وهو يستنبط الأحكام على النصوص المنقوله تارة، وعلى المصادر العقلية تارة، وقد يخرج على الأقوال في مذهبه، وبهذا يتنوع النشاط الفكري للفقيه ومن أنواع نشاطه، التوجيه والتعليل وبيان الحكمة الشرعية والتعريف بين ما ظاهره متشابه، وقد اهتم الفقهاء بالفروق بين مسائل، حيث كانت الفروق متداولة على ألسنة الفقهاء، تنبني عليها أحكام، وينجم عنها الاستثناء من القواعد، يدل اهتمام الفقهاء بالفروق بين المسائل على أن هذه الشريعة لا تناقض فيها، فهي عدل كلها، ورحمة كلها، لم تأت بالجمع بين المختلفات، أو التفريق بين المتماثلات.([1])
إن فن الفروق من الفنون التي أرى أنه لا يسع طالب العلم الجهل فيه، بل إن الجهل فيه يورث الخلط والخطأ في الأحكام الشرعية.
ومن هذا المنطلق أحببت أن أتناول الفرق بين القتل العمد وشبه العمد من خلال هذه المجلة المباركة النافعة.
فأقول مستعيناً بالله العلي العظيم:
عرف بعض الفقهاء القتل العمد بـــــــ:
” أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به” أما القتل شبه فهو:
” أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما لا يقتل غالباً”([2])
والفرق بينهما يتخلص في أمور:
الفرق الأول: القصد:
أن القصد في القتل العمد هو إزهاق روح المجني عليه، أما في شبه العمد فالقصد هو الضرب دون القتل فيقصد الجاني ضرب المجني عليه بما لا يقتل غالباً، إما لقصد العدوان، أو لقصد التأديب فيسرف فيه كالضرب بالسوط وسائر ما لا يقتل غالباً إذا قتل فهو شبه عمد، لأنه قصد الضرب دون القتل. ([3])
الفرق الثاني: الآلة:
إن الآلة المستخدمة في القتل العمد يغلب على الظن موت المجني عليه بها، وهي تقتل غالباً كأن يضربه بمحدد كالسيف والسكين أو يضربه بخشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط ([4]) أو بحجر كبير الغالب أن يقتل مثله، أو بطلق ناري من بندقية أو مسدس أو رشاش وغيرها .
ـــــ أما شبه العمد فإن الآلة فيه لا تقتل غالباً كأن يضربه بخشبة صغيرة كعمود الفسطاط أو دونه، أو يضربه بحجر صغير الغالب لا يقتل مثله.
يدل لذلك ما رواه المغيرة بن شعبة ([5]) رضي الله عنه:” أ، امرأة ضربتها بعمود فسطاط، فقتلتها وهي حبلى قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها قال: فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اسجع كسجع الأعراب” قال: وجعل عليهم الدية ([6]) ولو كان القتل بذلك عمداً لأوجب فيه القود ، ولم يجعل الدية على العاقلة، لأنهم لا يحملون عمداً اتفاقاً .([7]) وما روى أنس بن مالك ([8]) رضي الله عنه أ، يهودياً رض رأس جارية بين حجرين، فأخذ اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة.([9])
ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهود لنقضه العهد بقتل الجارية،لأنه لو كان كذلك لقتله بالسيف، لكنه لما قتله بالرض بالحجارة دل على إرادة المماثلة المدلول عليها بقوله عز وجل : ( فمن اعتدى عليْكُم فاعتْدُوا عليْه بمثْل ما اعْتدى عليكم) ([10])
فالفقهاء ــــ رحمهم الله ــــ جعلوا الحد بين العمد وشبه العمد في ذلك هو عمود الفسطاط فما كان فوقه فهو العمد، وما كان مثله أو دونه فهو شبه العمد ، أما الحجر فمعرفة كونه كبيراً أو صغيراً يقتل غالباً أو لا يقتل راجع إلى عرف الناس لا إلى ظن الجاني لاتهامه في ذلك ـــــ والله أعلم ــــ.
الفرق الثالث: الموجب:
أن موجب القتل العمد هو القود أو الدية ([11]) والقود هو : قتل القاتل بمن قتله يدل لذلك قوله تعالى: ( يا أيُها الذين آمنوا كُتب عليْكُمُ القْصاصُ في القتلى ) ([12]) الآية، قال ابن عباس رضي الله عنه : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله لهذه الأمة: ( كُتب عليكُمُ القصاصُ في القتلى) الآية، فمن عفى له أخيه شيء” قال: أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف يتبع الطالب بالمعروف ، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان ، ( ذلك تخفْيف من ربكُم ورحْمةٌ ) فيما كتب على من كان قبلكم.([13])
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل ، وإما أن يفدي” ([14])إلى غير ذلك.
أما موجب القتل شبه العمد فهو الدية، ففيه دية مغلظة من غير قود ذهب إلى ذلك الجمهور الفقهاء أبي حنيفة والشافعي وأحمد([15]).
وخالف في ذلك الإمام مالك فقال: القتل على ضربين قتل عمد وقتل خطأ وأنكر قتل شبه العمد وقال: هو عمد فيه القود أو خطأ فيه الدية([16]).
وأستدل الجمهور بحديث عمرة بن شعيب ([17]) رضي الله عنه عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” عقل شبه العمد مغلظ مقل عقد العمد، ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فيكون دم في عميا من غير ضغينة ولا حمل سلاح” ([18]) وما وما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ([19]) رضي الله عنهما أن النبي النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا قتيل خطأ شبه العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل “([20]).
واستدلوا أيضاً بحديث المغيرة بن شعبة المتقدم، وما ذهب إليه الجمهور هو الراجح والله أعلم.([21])
الفرق الرابع: الدية:
أن الدية في القتل العمد تجب في مال القاتل فلا تحملها العاقلة قال ابن قدامة([22]) : ” أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة وهذه قضية الأصل وهو أن بدل التلف يجب على المتلف وأرض الجناية على الجاني.
قال: النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا يجني جان إلا على نفسه” ([23]) وقال لبعض أصحابه حين رأي معه ولده : ” ابنك هذا ؟” قال: نعم نعم قال: ” أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه” ([24]) ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني فيجب أن يختص بضررها كما يختص بنفعها فإنه لو كسب كان كسبه له دون غيره، وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والأكساب، وإنما خولف في الأصل في قتل الحر المعذور فيه لكثرة الواجب وعجز الجاني في الغالب عن تحمله مع وجود الكفارة عليه، وقيام عذره تخفيفاً عنه ورفقاً به، والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ.([25])
أما الدية في شبة العمد فلا تجب في مال القاتل، بل تحملها العاقلة لما رواه، أبو هريرة ([26]) رضي الله عنه قال: ” اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها” ([27]) .
وذهب بعض العلماء إلى أنها تجب في مال الجاني، لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولأنها دية مغلظة فأشبهت دية العمد.
والصحيح ــــ والله أعلم ـــــ أنها تجب على عاقلة الجاني قال ابن قدامة: ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصاً فوجب ديته على العاقلة كالخطأ ويخالف العمد المحض، لأنه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وإرادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو قصده الفعل، ويخفف من وجه وهو كونه لم يرد القتل فاقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان، وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.
ا.هـــ . ([28])
الفرق الخامس: تأجيل الدية:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الدية في القتل العمد تجب حالة غير مؤجلة أو مقسطة إلا برضا ولي الدم، يقول ابن قدامة: “إذا ثبت هذا ــــ أي ما ذكر آنفاً من أنها تجب في مال الجاني ــــ فإنها تجب حالة” ([29])
ولأن الجاني في القتل العمد قد ارتكب جريمة القتل باختياره والواجب في القصاص حالاً والدية بدل القصاص فتكون حالة.
وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أنها تجب مؤجلة في ثلاث سنين وقال: إن وجوب الدية لم يعرف إلا بنص الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: ( ومن قتل مؤمناً فتحْريرُ رقبة مُؤمنة وديةٌ مسُلمة إلى أهله ..) ([30])
الآية والنص وإن ورد بلفظ الخطأ لكن غيره ملحق به، وبيان الوصف وهو الأجل ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، حيث جعل عمر رضي الله عنه دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يعرف له مخالفاً فكان إجماعاً فصار الأجل لك دية وجبت بالنص. ([31])
والراجح ــــ والعلم عند الله ـــ ما ذهب إليه جمهور العلماء، لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالاً كالقصاص، ولا يصح إلحاق العمد بالخطأ، لأن القاتل في الخطأ معذور لكونه لم يقصد بخلاف قاتل العمد.
أما دية القتل شبه العمد فإنها مؤجلة قال ابن قدامة: ” .. ولا أعلم في أنها تجب مؤجلة خلافاً بين أهل العلم” .([32])
وذلك تخفيفاً على الجاني، لأنه لم يقصد القتل ، وصفة التأجيل أنها توزع على ثلاث سنين، في كل سنة ثلثها ويبتدئ الوجوب من ابتداء السنة، لأنه مال مؤجل فكان ابتداء أجله من حين وجوبه كالدين المؤجل وابتداء حولها من حين الموت سواءً كان قتلاً موجباً، أو سراية جرح. ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ([33]) ، وذهب أبو حنيفة إلى الوجوب يبتدئ من حين حكم الحاكم وقال: لأنها مدة مختلف فيها فكان ابتداؤها من حين الحكم الحاكم كمدة العنة. ([34])
ويجاب على أبي حنيفة: بأننا لا نسلم الخلاف فيها، إذا لم يخالف في ذلك إلا خوارج الذين قالوا بوجوب الدية حالة، ولم ينقل إلينا ذلك عمن يعد خلافه خلافاً، والخوارج لا يعتد بخلافهم، إذا ثبت هذا الحول يبتدئ من حين الموت. والله أعلم. ([35])
الفرق السادس: في الكفارة
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجب في القتل العمد كفارة، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في أصح الروايتين عنه واستدلوا بما يلي:
أ ـــــ قوله تعالى: ( ومن قتل مؤمناً خطئاً) الآية إلى قوله:( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليهم ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) ([36])
قالوا: أن الله سبحانه وتعالى قسم القتل إلى قسمين، قسم أوجب فيه الدية والكفارة، وقسم جعل الجزاء فيه جهنم وظاهر ذلك أنه لا كفارة فيه.
ب ـــ أن الكفارة وجبت محواً لما حصل من ذهاب نفس وإزهاق روح مستحقة للبقاء، والعمد أعظم من أن يمحي ما حصل فيه من الإثم بذلك.
ج ـــ أن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد من أن يكون سببها أيضاً دائرة بين الخطر والإباحة لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور، وقتل العمد كبيرة محض فلا تناط به كسائر الكبائر مثل الزنا والسرقة والربا.
د ـــ أن الكفارة من المقدورات فلا يجوز إثباتها بالقياس. ([37])
وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الكفارة على قاتل العمد، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية وقالوا: إن القتل العمد أعظم جرماً فالحاجة إلى تفكيره أبلغ. ([38])
والذي يترجح ـــ والله أعلم ــــ ما ذهب إليه الجمهور من الكفارة لا تجب على قاتل العمد، ولا يمكن قياسه على الخطأ، لأنه دونه في الإثم فشرعه لدفع الأدنى لا يدل على دفع الأعلى، ولأن في القتل العمد وعيداً محكماً ولا يمكن أن يقال: يرتفع المأثم فيه بالكفارة مع وجود الشدة في الوعيد بنص قاطع لا شبهة فيه، ومن اجعى ذلك كان محكماً فيه بلا دليل.
أما القتل شبه العمد فقد أكثر الفقهاء إلى وجوب الكفارة على القاتل لما يلي:
1ــــ لأنه خطأ من وجه فيدخل تحت النص على الخطأ ومقتضى الدليل وجوب الكفارة فيه، لأنه أجرى مجرى الخطأ في نفي القصاص، وحمل العاقلة دينه وغير ذلك فكذلك في الكفارة.
2ــــ ولأن الكفارة إنما وجبت في الخطأ إما لحق الشكر حيث سلم له أعز الأشياء إليه في الدنيا وهو الحياة مع جواز المؤاخذة بالقصاص أو لحق التوبة عن القتل بطريق الخطأ والداعي إلى الشكر والتوبة ههنا وهو سلامة البدن، وكون الفعل جناية فيها نوع خفه لشبهة عدم القصد فأمكن أن تجعل الكفارة فيه توبة وبه قال الشافعي وأحمد.([39])
وذهب أبو حنيفة إلى أن الكفارة لا تجب في شبه العمد، لأن الإثم كامل وتناهيه يمنع شرع الكفارة.([40])
والراجح ـــ والله أعلم ــــ ما ذهب إليه الجمهور من أن القتل شبه العمد تجب في الكفارة، لأنه يدخل تحت النص على الخطأ لشبهة عدم قصد القتل ولأن موجب الكفارة في القتل الخطأ موجود في شبه العمد فيكون مثله في وجوب الكفارة.
الفرق السابع: في العقاب الأخروي:
أما العقاب الأخروي فإن الله عز وجل توعد قاتل العمد بقوله:
(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليهم ولعنهُ وأعد لهُ عذاباً عظيماً )([41])
قال الشوكاني ([42]) ــــ رحمه الله ــــ : ” وقد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمداً، فجمع الله له فيها بين كون جهنم جزاءً له: أي يستحقها بسبب هذا الذنب، وبين كونه خالداً فيها وبين غضب الله عليه ولعنته له وإعداده له عذاباً عظيماً.
وليس وراء هذا التشديد تشديد ولا مثل هذا الوعيد وعيد. . ” ([43])
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق” . ([44])
وقال: ” لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار” . ([45])
فمما تقدم تقرر أن عقوبة القاتل في الآخرة العذاب الأليم والغضب واللعنة والعذاب العظيم من أبلغ ما يتصور في التشنيع على القتلة، بالإضافة إلى ما سبق أن الإسلام اعتبر القاتل لفرد من الأفراد كقاتل للأفراد جميعاً، وهذا أبلغ ما يتصور من التشنيع على ارتكاب هذه الجريمة النكراء لقول الله عز وجل: ( .. أنهُ من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً .. ) ([46])
إذا ثبت هذا فهل للقاتل من توبة؟
ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنه لا توبة لقاتل مؤمن عمداً روى أحمد أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عمن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى فقال ابن عباس: وأنى له التوبة سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ” يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً فيقول: أي رب سْل هذا فيم قتلني؟ ثم قال: والله لقد أنزلها ثم ما نسخها. ا. هـــــ.
وذهب جمهور العلماء إلى أن توبة القاتل مقبولة لما يلي:
1ــــ قوله تعالى: ( إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دُون ذلك لمن يشاءُ).([47])
2ــــ قوله تعالى: ( إن الله يغفرُ الذُنُوب جميعاً).([48])
3ــــ قصة الرجل الذي قتل مائة رجل ظلماً فغفر الله له وقبل توبته.
4ــــ أن التوبة تصح من الكفر فمن القتل أولى.
وبهذا يترجح قول الجمهور أما قوله تعالى: ( ومن يقْتُل مؤمناً مُتعمداً ..) فهي محمولة على من لم يتب أو على أن هذا جزاؤه إن حازاه وله العفو إذا شاء. أما قول ابن عباس رضي الله عنهما: لا يدخلها النسخ يجاب عنه بأنه بدخلها التخصيص والتأويل. ([49]) والله أعلم.
أما شبه العمد فهو وإن كان القاتل آثماً فإنه لا يدخل في هذا الوعيد، لأن العمدية المحضة منصوص عليها في الآية، وشبه العمد فيه خطأ من وجه فلا يكون عمداً محضاً، وإنما كان إثماً في شبه العمد، لأنه ارتكب محرماً في دينه قاصداً له، ولذلك سمي خطأ لأنه جمع عمداً لقصده الجناية وخطأ لعدم صلاحية الآلة لذلك. ([50])
ملخص المادة
الفرق بين قتل العمد وشبه العمد
يتلخص الفرق بينهما بالآتي:
1ــــ أن القصد في القتل العمد هو إزهاق روح المجنى عليه، أما شبه العمد فالقصد هو الضرب دون القتل.
2ـــ أن الآلة المستخدمة في القتل العمد يغلب على الظن موت المجني عليه بها، وهي تقتل غالباً، أما الآلة في شبه العمد فلا تقتل غالباً.
3ــــ أن موجب القتل العمد هو القود أو الدية أما شبه العمد فلا يجب فيه إلا الدية مغلظة من غير قود.
4ــــ أن الدية في القتل العمد تجب من مال الجاني، أما شبه العمد فتحلها العاقلة.
5ــــ أن الدية في القتل العمد تجب في حالة غير مؤجلة بخلاف الدية في شبه العد فإنها تجب مؤجلة.
6ــــ لا يجب في قتل العمد بخلاف شبه العمد فيجب فيه كفارة قتل الخطأ.
7ـــ أن الله عز وجل توعد قاتل العمد بقوله تعالى: ( ومن يقْتُل مُؤمناً مُتعمداً ..) الآية، فعقوبته في الآخرة العذاب الأليم واللعنة والعذاب العظيم، أما القاتل في شبه العمد فهو وإن كان آثماً فإنه لا يدخل في هذا الوعيد والله أعلم.
المراجع
([1]) انظر : الأشباه والنظائر للسيوطي ص 7 وأعلام الموقعين لابن القيم 2/71.
([2]) الروض المربع بشرح زاد المستنقع 2/367.
([3]) انظر : المهذب 2/ 174، المغني لابن قدامة 11/462.
([4]) الفسطاط : الخيمة الصغيرة.
([5]) هو أبو عيسى المغيرة بن شعبة الثقفي صحابي جليل، شهد الحديبية وما بعدها من المشاهد، وشهد موقعة اليمامة، وفتح الشام والقادسية ولد سنة 20 قبل الهجرة وكان من دهاة العرب وذوب الرأي، سريع البديهة، توفي سنة 49 هــــ (انظر: تاريخ بغداد 1/191 ـــ (2) سير أعلام النبلاء 3/21، الاصابة 9/ 269 )
([6]) صحيح مسلم كتاب القسامة برقم (1682)، سنن أبي داود ( 4568) كتاب الديات من سنن ـــــــــــــ
ــــــــــــــــــ النسائي 04821) سنن أبي ماجة ( 2633).
([7]) انظر : المغني 11/462 شرح الزركشي 6/51.
([8]) هو أنس بن مالك بن النظر الخزرجي الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمة إلى أن قبض عليه الصلاة والسلام، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات بها سنة 93 هــ وهو آخر من مات بها من الصحابة رضوان الله عليهم، له في الصحيحين (2286) حديثاً انظر: الأعلام ( 3/89)
([9]) أخرجه البخاري كتاب الخصومات برقم 24130 برقم ( 1682)
([10]) سورة البقرة آية: 194.
([11]) ويرى الحنفية والمالكية أن موجب القتل العمد هو القود عيناً، وليس للولي أن يأخذ الدية من القاتل من غير رضاه.
([12]) سورة البقرة الآية رقم ( 178).
([13]) أخرجه البخاري برقم ( 6881).
([14]) أخرجه البخاري برقم ( 6880).
([15]) انظر: بدائع الصنائع 7/233، تبين الحقائق ( 6/96) زاد المحتاج ( 4/5) المغني ( 11/444).
([16])انظر: تبصرة الحكام ( 2/157) الكافي للقرطبي ( 1096).
([17]) هو أبو إبراهيم عمرو ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي القرشي أحد علماء زمانه قال الأوزاعي: ما رأيت قرشياً أكمل من عمرو بن شعيب، كان يسكن مكة، وتوفي بالطائف سنة 118هـــــ ” انظر: تهذيب التهذيب(8/84) ميزان الاعتدال ( 3/263) الأعلام ( 5/247).
([18]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الديات برقم ( 4565) وابن ماجة برقم ( 2627).
([19]) هو أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية، ولد سنة 7 قبل الهجرة، وروي له الستة 2700 حديث، توفي سنة65 وقيل 77 بمصر ( انظر: طبقات ابن سعد ( 2373)، الحلية ( 1/28) سير أعلام النبلاء ( 2/79).
([20]) أخرجه النسائي في سننه كتاب القسامة برقم (4794).
([21]) انظر: تبيين الحقائق 6/97، وبدائع الصنائع 7/233، زاد المحتاج 4/ 5ــــــ6 المغني 11/444.
([22]) هو عبد الله بن أحمد بن قدامة الدمشقي، فقيه من أكابر فقهاء الحنابلة، وصاحب مؤلفات كثيرة منها المغني في الفقه، وروضة الناظر في الأصول، ولمعة الاعتقاد في العقيدة، ” انظر ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة ( 2/133) الأعلام ( 4/67).
([23]) انظر: تبيين الحقائق 6/97، وبدائع الصنائع 7/233، زاد المحتاج 4/ 5ــــ6 المغتي 11/444.
([24]) هو عبد الله بن أحمد بن قدامة الدمشقي، فقيه من أكابر فقهاء الحنابلة، وصاحب مؤلفات كثيرة منها المغني في الفقه، وروضة الناظر في الأصول، ولمعة الاعتقاد في العقيدة، ” انظر ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة ( 2/133) الأعلام ( 4/67).
([25]) أخرجه البخاري البيهقي في السنن الكبرى ــــــ كتاب الجنايات 8/27.
([26]) هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صحابي جليل من أكثر الصحابة رواية عن النبي الله، وكان فقهياً رضي الله عنه، توفي بالمدينة سنة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة( انظر: الطبقات 2/367، الحلية 1/376، سير أعلام النبلاء 2/78، البداية 8/103 ن الاصابة 4/202.
([27]) أخرجه البيهقي في سننه من كتاب الديات برقم (45769)
([28]) الممغني 8/359.
([29]) المغني 8/357.
([30]) سورة النساء الآية رقم 92.
([31]) انظر: بدائع الصنائع 7/ 256.
([32]) المغني 8/357.
([33]) انظر مغني المحتاج 4/98 والغني 8/359.
([34]) انظر: بدائع الصنائع 7/256 وما بعدها.
([35]) انظر : المغني 8/359.
([36]) سورة النساء آية 92ــــــ 93.
([37])انظر: البحر الرائق 8/332 بدائع الصنائع 7/ 251 التفريع لابن الجلاب 2/218 المغني 8/514، شرح الزركشي 6/210.
([38]) انظر: مغنى المحتاج 4/107، والمغني 8/515.
([39]) انظر: مغني المحتاج 4/107، المغني 8/515.
([40]) انظر: البحر الرائق 8/333، بدائع الصنائع 7/251.
([41]) سورة النساء الآية رقم ( 93).
([42]) هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، فقيه مجتهد من كبار العلماء اليمن من أهل صنعاء، ولد بهجرة شوكان عام 1173 هــ، ونشأ بصنعاء وولي قضائها عام 1229 هـــ ومات بها عام 1250 هــــ ، له عدة مصنفات منها فتح القدير في التفسير، ونيل الأوطار في الحديث( انظر الأعلام 6/ 198)
([43]) فتح القدير 1/753.
([44]) أخرجه الترمذي في كتاب الديات برقم 1359، وابن ماجة برقم ( 2619).
([45]) أخرجه الترمذي بسند عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كتاب الديات رقم ( 1389)
([46]) سورة المائدة الآية رقم(32).
([47]) سورة النساء الآية رقم ( 48).
([48]) سورة الزمر الآية رقم ( 53).
([49]) انظر: بدائع الصنائع 7/252، المغني 8/235.
([50]) انظر: البحر الرائق 8/333، شرح الزركشي 6/57.