دراسات قانونيةسلايد 1

بحث عن المردود السلبي لوجود الجنات الضريبية وطرق الحد منها

تؤدي المزايا الجبائية التفضيلية التي تقدمها الجنات الضريبية، إلى تهديد التوازن المالي بين دول العالم، حيث يفضل أصحاب الثروات تهريب أموالهم و أرباحهم و كذلك الاستثمار في البلدان التي تقدم لهم أفضل المزايا و الاعفاءات الضريبية، مما يترتب عنه مجموعة من الانعكاسات السلبية على اقتصادات الدول ذات الضغط الضريبي المتوسط أو المرتفع، ناهيك عن المخاطر الأمنية، خاصة من المنظمات الاجرامية الدولية و التنظيمات الارهابية التي تستغل الخدمات البنكية التي تلتزم بالحماية المطلقة للمعلومات و المعطيات حول التحويلات البنكية لتمويل عملياتها في باقي بلدان العالم، هذه المعطيات دفعت المنتظم الدولي من خلال منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية لبلورة مجموعة من الاجراءات للحد من ظاهرة الجنات الضريبية.

الفقرة الأولى : الآثار السلبية للجنات الضريبية
دفعت الأزمة المالية التي هزت العالم سنة 2008 الحكومات لتكثيف الجهود و التوحد من أجل محاربة التهرب الضريبي، من خلال الحد من الجاذبية الضريبية التي توفرها الدول التي تعتبر جنات ضريبية.[1]

فقد أصبحت المنافسة الجبائية الضارة التي تقوم بها الجنات الضريبية من خلال الاعفاءات و المزايا الضريبية التي تقدمها من أجل تشجيع تحويل الأموال و المشاريع من بلدان الاقامة الى مراكزها المالية، هاجس البلدان المتقدمة و النامية على حد السواء، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، بحيث لم تعد قادرة على البقاء مكتوفة الأيدي أمام الأضرار و المخاطر التي يمكن أن تترتب على انتشار الجنات الضريبية، و هي مخاطر مختلفة و متعددة الآثار نذكر منها على سبيل المثال :

انخفاض حاد و كبير في الموارد الجبائية، فصغر مساحة البلدان المصنفة كجنات الضريبية و قلة عدد سكانها يمكنها من عدم فرض ضرائب كثيرة و مرتفعة، في حين أن الدول الأخرى ستجد نفسها مرغمة لمنع تهريب الأموال و الأرباح خارج تراب الدولة على سن مجموعة من الإعفاءات الضريبية على الشركات و الأفراد خاصة الأثرياء مما سيضعف موارها الجبائية و يجعلها غير قادرة على انجاز البرامج الحكومية في المجالات الاجتماعية و البنية التحتية، و هو ما يفاقم الأوضاع الاجتماعية خاصة في الدول النامية التي تعاني أصلا من نقص في الموارد المالية.
تشكل الجنات الضريبية علبة سوداء للجريمة المنظمة الدولية، من خلال توفيرها لوسائل وآليات قانونية قادرة على التغاضي عن مصدر هذه الأموال و عن هوية أصحابها، كما أنها ترفض التعاون مع الدول الأخرى للقيام بتحقيقات جبائية أو جنائية تتعلق بهذه الأموال، فهي تقوم بدور الوسيط بين شبكة التحويلات المالية الدولية الشرعية و هذه الأموال المجهولة المصدر أو ذات المصدر المشبوه. فهي تساهم في تفشي الارتشاء على المستوى الدولي و تمويل المنظمات الاجرامية و التنظيمات الارهابية.[2]
فالجنات الضريبية تمنح خاصية السر البنكي، و الحماية المطلقة للعمليات المالية و التجارية التي تمكن من إبقاء هوية المالكين و المستفيدين من التحويلات المالية مجهولة، حيث أن امتناع هذه الدول عن التعاون مع بقية بلدان العالم شكل عائقا يكفل الحماية للمتهربين من الضرائب و أصحاب الثروات ذات المصدر غير المعروف.

من جهة ثانية، تشكل الجنات الضريبية ملاذا آمنا لإخفاء الأموال المتحصلة من عمليات الارتشاء الضخمة، من خلال الخدمات التي تقدمها البنوك عن طريق تغيير مسار الأموال عدة مرات و تغيير مصدرها و إنشاء شركات وهمية و صفقات غير حقيقية بهدف تبييض مصدر تلك الأموال.[3]

ج- يؤدي وجود الجنات الضريبية الى تزايد مخاطر الأزمات الاقتصادية العالمية، فهي تغير مسار المدخرات العالمية و تعمل على تركيزها في مناطق معينة، كما تسهل تداول الأموال بدون مراقبة، كما تجعل من البيانات المحاسبية و النتائج المالية للشركات، خاصة المتعددة الجنسية غير دقيقة و التي تشكل في أغلب الأحيان الاساس الذي تعتمد عليه بعض الشركات لإعلان إفلاسها المتعمد للتهرب من أداء المستحقات الضريبية و الديون و غيرها من الالتزامات، كما تؤدي بسبب التداول السريع لرؤوس الأموال بدون مراقبة إلى تنامي هروب الأموال من الدول النامية مما يؤثر على النمو الاقتصادي لهذه البلدان.

نتيجة لهذه المخاطر، أصبحت الجنات الضريبية موضع اهتمام الدول و المنظمات الدولية المختصة في المجال الجبائي و الموكل لها مهمة مكافحة المنافسة الجبائية غير المشروعة، حيث باتت هذه البلدان تعتبر مصدر تهديد للنظام المالي العالمي، مما دفع منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية إلى إصدار تقارير سنوية منذ سنة 1998، صنفت فيه الجنات الضريبية إلى ثلاث مجموعات :

المجموعة الأولى : تضم البلدان التي تعتبر جنات ضريبية و التي تعهدت بتطبيق المعايير الدولية المتعلقة بتبادل المعلومات الجبائية، و هي بلدان أبرمت أقل من اثنى عشرة اتفاقية و وضعت في القائمة الرمادية الداكنة ) أندورا، البهاماس، البحرين…(؛
المجموعة الثانية : فتعتبر مراكز مالية عالمية أكثر منها جنات ضريبية، غير أنها تعهدت بتطبيق المعايير الدولية في مجال تبادل المعلومات ) النمسا، الشيلي، غواتيمالا…(؛
المجموعة الثالثة : و هي تضم دول لم تنخرط في التعاون الجبائي الدولي من خلال تبادل المعلومات و صنفت في اللائحة السوداء للمنتدى الدولي للشفافية و تبادل المعلومات الجبائية )كوستاريكا، ماليزيا، الفلبين و الارغواي(….[4]
إلى جانب إصدار هذه القوائم، عملت منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية على اصدار مجموعة من التوصيات تهدف للحد من تأثير الجنات الضريبية و دفعها للتعاون الجبائي الدولي وفق المعايير التي تم وضعها من طرف هذه لمنظمة، و هي إجراءات تهدف بالأساس إلى عزل هذه الدول التي تم تصنيفها كجنات ضريبية عن بقية دول العالم.[5]

الفقرة الثانية : وسائل الحد من تنامي ظاهرة الجنات الضريبية
بعد تحديد المعايير التي من خلالها يمكن تصنيف الدول التي تعتبر جنات الضريبية و تمييزها عن غيرها من الدول التي تطبق سياسات جبائية غير ضارة، عملت منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية على اتخاذ مجموعة من الاجراءات بهدف دفع هذه الدول للتعاون الجبائي و الانخراط في آليات التعاون الجبائي الدولي، حيث يمكن للبلدان التي تم تصنيفها كجنات ضريبية أن تندمج في المنظومة الدولية من جديد و تخرج من لائحة الجنات الضريبية و تصنف ضمن لائحة الدول المتعاونة جبائيا.

و في هذا الاطار أصدرت منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية سنة 1998مجموعة من التوصيات، تهدف من خلالها إلى عزل هذه الدول و دفعها تحت تأثير الضغط لتغيير سياساتها الجبائية التفضيلية و الانخراط في التعاون الجبائي الدولي لمحاربة التهرب الضريبي الدولي و تبييض الأموال.[6]

عملية إقصاء هذه الدول تتم على مرحلتين، ففي المرحلة الأولى يتم اتخاذ تدابير ردعية في مواجهة الجنات الضريبية، و في مرحلة ثانية يتم إصدار لائحة للدول التي تصنف كجنات ضريبية.

أولا: التــدابير الــردعيــة
من أجل عزل و إقصاء الدول التي يتم تصنيفها كجنات ضريبية، عمل تقرير منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية على اتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل محاربتها و تقليص آثارها على الاقتصاد العالمي.

ففي مرحلة أولى ينبغي على الدول غير المصنفة كجنات ضريبية الامتناع عن إقامة علاقات جبائية مع الجنات الضريبية، حيث تقترح منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية، فسخ الاتفاقيات التي تربط بين الدول و الجنات الضريبية و عدم إبرام أية اتفاقيات جبائية جديدة معها.[7]

و يهدف هذا الإجراء إلى ابعاد الجنات الضريبية بشكل كامل من العلاقات الضريبية الدولية، و هو إجراء لاقى انتقادات عديدة، بالنظر للانعكاسات الدبلوماسية و السياسية له على العلاقات الدولية،[8]كما أن قطع الحوار مع هذه الدول لا يساعد على إيجاد حلول مناسبة لإشكالية الجنات الضريبية، بل يتعدى الأمر ذلك ليصبح لهذا الإجراء مفعول عكسي، حيث سيزيد من إقبال الشركات و الأفراد على الجنات الضريبية، رغبة في الاستفادة من انقطاع التعاون الذي كان يتم من خلال الاتفاقيات المبرمة ولو بشكل رمزي بين بلدان الإقامة و بلدان الاستقبال.

ومن جهة ثانية، فإن التقرير يدعو الدول التي ترتبط بعلاقات خاصة سياسية أو اقتصادية أو غيرها مع دول مصنفة كجنات ضريبية، أن تعمل على أن لا تساهم هذه العلاقات في تشجيع المنافسة الضريبية الضارة،[9] و يقصد بهذا الإجراء الدول التي لديها حدود ترابية مع دولة أو دول مصنفة كجنات الضريبية.

كما همت التوصيات التي تم إصدارها لمحاربة الجنات الضريبية إجراءات أخرى، أبرزها :

التقليص من الإعفاءات الضريبية للدخول الأجنبية؛
تبادل المعلومات المتعلقة بالعمليات المالية الدولية التي تتم فوق ترابها؛ ملائمة التشريعات الوطنية لهذه البلدان في ما يتعلق بالولوج للمعلومات البنكية مع المعايير الدولية في هذا المجال.[10]

ثانيا : نشر لائحة الجنات الضريبية
شكل تأسيس المنتدى الدولي للشفافية و تبادل المعلومات لأهداف جبائية، نقلة نوعية لمنظمة التعاون و التنمية الاقتصادية، حيث عهد لهذا المنتدى القيام بتقييم دائم للأنظمة الضريبية من أجل الكشف عن الدول التي تطبق سياسات ضريبية ضارة و من ثم تحديد الدول التي ينبغي تصنيفها كجنات ضريبية من خلال المعايير المستخلصة من عملية التقييم لنظامها الجبائي، و القيام بعد ذلك بإعداد لائحة بالجنات الضريبية الموجودة.

و تساعد هذه اللائحة الدول الأخرى على تطبيق التدابير الردعية ضد الجنات الضريبية من أجل عزلها و الحد من أضرارها، و هي لائحة ليست دائمة، حيث يعمل المنتدى على تحيينها كل ما دعت إلى ذلك الضرورة.[11]

و في هذا الإطار تم إصدار أول لائحة تضم الدول التي تتوفر فيها المعايير لتصنيفها كجنات الضريبية في تقرير صدر سنة 2000،[12] تضم (35) خمسة و ثلاثون دولة.

غير أن هذا التقرير يوضح أن الهدف من هذه اللائحة ليس اتخاذ تدبير زجرية ضد هذه الدول و إنما فقط دفعها لإزالة الممارسات الجبائية الضارة من تشريعاتها و التعاون مع بقية الدول في المجال الجبائي.[13]

و العنصر الآخر المهم في هذا التقرير، يكمن في اقتراح إجراءات يمكن من خلالها للدول المصنفة كجنات ضريبية أن تلتزم بالقضاء على جميع المزايا الجبائية التفضيلية الضارة التي تقدمها للمستثمرين أفراد و شركات، وهي إجراءات في حال الالتزام بالعمل بها، يتم إزالة الدولة من لائحة الجنات الضريبية عن طريق عملية التحيين الدورية التي يقوم بها المنتدى.

كما صدر تقرير آخر سنة 2004، عمل على تقييم التقدم الحاصل في محاربة المنافسة الجبائية الضارة التي تقوم بها الجنات الضريبية، بالإضافة لذلك عمل هذا التقرير على وضع أسس التعاون الجبائي الدولي بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية و الدول غير الأعضاء في هذه المنظمة.[14]

وعقب قمة مجموعة العشرين G20 لسنة 2008، عملت منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية و المنتدى الدولي للشفافية و تبادل المعلومات لأهداف جبائية على تمييز الدول المتعاونة جبائيا و الدول غير المتعاونة من خلال الاتفاقات التي تبرمها مع غيرها من دول العالم بشأن تبادل المعلومات الجبائية، و هي نفس المقاربة التي أعتمدها القانون الضريبي الفرنسي في تحديد الدول غير المتعاونة جبائيا و بالتالي فرض معاملة جبائية خاصة مع الأفراد و المؤسسات حسب مصدر أو وجهة تحويلاتهم و عملياتهم المالية.[15]

خــلاصــة

وبصفة عامة، فقد شكلت التقارير السنوية و التوصيات الصادرة عن هذه المنظمة عاملا مهما دفع العديد من البلدان المصنفة كجنات ضريبية لإعادة ملائمة قوانينها الوطنية التي تتضمن مزايا ضريبية و خدمات قانونية تسهل إخفاء الثروات و الأموال المتأتية من مصادر مشبوهة أو غير معروفة، و هوما شكل نقلة نوعية بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث شرعت العديد من الدول التي كانت تعتبر إلى وقت قريب جنات ضريبية في توقيع اتفاقيات لتبادل المعلومات الجبائية، كما عملت على التخفيف من صرامة تطبيق مبدأ كتمان السر البنكي في إطار التعاون الجبائي الدولي .

لائحة المراجع

BESSARD (P.):″Les droits individuels et le combat contre l’évasion fiscale″, Etude publié par l’Institut Libéral, Février 2013, P.5, disponible sur : http://www.libinst.ch/publications/IL-Bessard-Droits-Fiscalite.pdf.
Paradis fiscaux et judicaire, cessons le scandaleײ, plate-forme paradis fiscaux et judicaires, publication de Attac France, Avril 2007
Coopération fiscale, vers l’établissement des règles du jeu équitables, Evaluation par le Forum mondial de la transparence et l’échange de renseignement -2009.p.19
DUMONTET (A-F.): « La concurrence fiscale dommageable », mémoire de DEA en droit des affaires, université Robert Schuman – Strasbourg- année universitaire 2002-2003.
“Concurrence fiscal dommageable, un problème mondialײ, publication de l’OCDE, 1998, P.77
– Vers une coopération fiscale globale : progrès dans l’identification et l’élimination des pratiques fiscales dommageables, Publication de l’OCDE 2000, p.18

– (B). CASTAGNEDE: “ Précis de la fiscalité internationale”, 3eme édition, Edition Presses Universitaires de France 1994.P :56.

[1] BESSARD (P.):″Les droits individuels et le combat contre l’évasion fiscale″, Etude publié par l’Institut Libéral, Février 2013, P.5, disponible sur : http://www.libinst.ch/publications/IL-Bessard-Droits-Fiscalite.pdf.

[2]“Paradis fiscaux et judicaire, cessons le scandaleײ, plate-forme paradis fiscaux et judicaires, publication de Attac France, Avril 2007, P 4

[3] Ibid. P. 13

[4]“Coopération fiscale, vers l’établissement des règles du jeu équitables, Evaluation par le Forum mondial de la transparence et l’échange de renseignement -2009.p.19

[5]DUMONTET (A-F.): « La concurrence fiscale dommageable », mémoire de DEA en droit des affaires, université Robert Schuman – Strasbourg- année universitaire 2002-2003.P : 62

[6]Ibid. P.62

[7]“Concurrence fiscal dommageable, un problème mondialײ, publication de l’OCDE, 1998, P.77

[8]DUMONTET (A-F.): ײ La concurrence fiscale dommageableײ, Op.cit., P.62

[9]“Concurrence fiscal dommageable, un problème mondialײ, OCDE, Op.cit. P. 79

[10]Ibid. P.77

[11]DUMONTET (A-F.): ײ La concurrence fiscale dommageableײ, Op.cit., P.­63

[12]Vers une coopération fiscale globale : progrès dans l’identification et l’élimination des pratiques fiscales dommageables, Publication de l’OCDE 2000, p.18

[13]Ibid. P.19

[14](B). CASTAGNEDE: “ Précis de la fiscalité internationale”, 3eme édition, Edition Presses Universitaires de France 1994.P :56.

[15]Ibid. P:57

إغلاق