دراسات قانونيةسلايد 1

أبعاد وحدود مدلول نظام التحكيم الرقمي بالمغرب

لقد كتب الكثير عن التحكيم الرقمي، ولا يزال يكتب عنه، وستستمر هاته الكتابة لا محالة، حيث ألفت كتب وكتبت مقالات انصب محتواها حول التحكيم الرقمي في شقيه النظري والتطبيقي. وعلى الرغم من كثرة التأليف هذا، فإن الجانب الواقعي لهذا النظام يحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء وتبيان المعالم ورسم الخطى لقضاء رسمي خاص كهذا. فلابد من استيعاب البعد التقني لرقمنة التحكيم إلى جانب ما هو قانوني، وإلا فإن الثوب الرقمي سيتحول إلى هاجس يشقى التحكيم في ظله.

يبدو الحديث عن التحكيم الرقمي وكأنه مجرد اعتماد لوسيلة تقنية فقط حيث يتم التركيز على النظرية العامة للتحكيم وإجراءاته، في حين تعطى مساحة هامشية لبعده التقني من خصوصيات البيئة الرقمية وما تمنحه هذه الأخيرة من ضمانات تقنية فعالة ومزايا كبرى جديرة بالبحث العلمي. المطلوب إذن إقامة توازن يكون من شأنه عرض التحكيم الرقمي كنموذج يحتدى، وكتجسيد لاستعداد نظام التحكيم عموما لمواكبة صحوة التطورات وجعله يحتل مكانة رسمية في عهد رقمنة المعاملات.

فالتحكيم الرقمي قضاء اتفاقي خاص قائم على إرادة الأطراف لتسوية المنازعات التي نشأت أو تنشأ مستقبلا عن علاقات عقدية، تجارية كانت أم عادية للفصل فيها بوسائل إلكترونية.

ظهر التحكيم الرقمي إذن في ثوب متطور عن التحكيم في حلته التقليدية ومنسجم مع خصوصية البيئة الرقمية وما تفرضه التجارة الإلكترونية من متطلبات، ذلك أن النزاع الناشئ في بيئة رقمية تقتضي تسويته أن تتم بذات الوسط والوسيلة. لذلك زادت حاجة التحكيم لمسايرة ما يستند إليه هذا التحديث من متطلبات.

تنبع أهمية موضوع “معالم استشراف نظام التحكيم الرقمي بالمغرب” من المكانة التي يحتلها هذا النظام ضمن الوسائل البديلة لحل المنازعات، لما يوفره من امتيازات تجد أساسها في إعمال إرادة الأطراف المحتكمة إليه. فضلا عن القصور المفاهمي الذي يعتري مجال التحكيم الرقمي، وارتباط هذا القصور بالجانب التقني أكثر مما يرتبط بالجانب القانوني حيث يتعلق الأمر بسوء استيعاب العملية الإلكترونية والنسق المعلوماتي من قبل المهتم بمجال التحكيم محكما كان أم محتكما أم غيرهما. كما يمكن استجلاء أهمية ما ستعالجه حلقات هذه السلسلة العلمية من خلال ارتباط مواضيعها بمجالين يشكلان متلازمتين: مجال التحكيم عموما والذي يعد أحد مظاهر حداثة تسوية المنازعات المرتبطة بالمعاملات الإلكترونية، ومجال المعلوميات الذي صار التعامل فيه يزداد يوما بعد يوم مما استدعى البحث في مدى سلامة البيئة الرقمية للتحكيم العصري.

شكلت قلة التركيز على الدور المحوري للجانب التقني العملي في بناء عملية التحكيم الرقمي دافعا وراء اهتمام الباحث بكتابته هاته. فعلى الرغم من كثرة التأليف في موضوع التحكيم الرقمي، إلا أن الجانب الذي لم ينل حظا كافيا من البحث هو أهمية الآليات الرقمية في البيئة التحكيمية. ناهيك عن كون القانوني اليوم يعيش أزمة سوء استيعاب للمفاهيم التقنية، أزمة أخذت بتلابيب التحكيم العصري وأثرت على ثوبه الرقمي بأدواء لا حصر لها، ولم يسلم هذا النظام الرقمي من موجة إشكالات مست كثير جوانب، مما استدعى الرجوع إلى المدلول الصحيح للمادة التقنية واستحضار الأدوار والضمانات التي صاغتها البنية المعلوماتية التي تم توظيفها خدمة لنظام التحكيم الرقمي.

قلما التفت الباحثون إلى دراسة موضوع التحكيم الرقمي في حلة مزيج يتزاوج فيه القانوني بالتقني فظل الشق العملي الواقعي محجوبا عن الدراسات القانونية المعاصرة، وهو اعتبار يجعل الدارس لهذه الوسيلة يواجه أسئلة عديدة تكشف عن إشكاليات جديرة بالفحص والمدارسة بدءا بإشكالية خصصت الحلقة الأولى من سلسلة التحكيم الرقمي لمحاولة الإجابة عليها ألا وهي:

أي أبعاد وحدود لمدلول التحكيم الرقمي؟

لقد شكل هذا التساؤل منطلقا لبحث الخصوصية التقنية للتحكيم الرقمي والتي تمثل جزئية لا تنفصل عن النسق القانوني الذي صيغت في ضوئه ومن أجله. وهو ما حاولنا من خلال أولى حلقات هذه السلسلة العلمية استجلاء تلك الخصوصيات متوسلين في ذلك بفحص الإشكالات الموضوعية في بحر التحكيم الرقمي من جهة ثم التعريج على نتائج تشخيص هذه الإشكالات مع الإحاطة بهذه الأخيرة من زاويتها التقنية، اعتقادا منا أن تشخيص العلاقة والترابط بين ما هو نظري- قانوني وما هو عملي- تقني سيؤدي لا محالة إلى تعبيد الطريق لتجاوز هذه الإشكالات عامة، وبالتالي تعزيز الثقة في مؤسسة التحكيم الرقمي كنتيجة.

وقد اقتضى توضيح هذه الفكرة والاستدلال عليها من صلب النصوص القانونية والتنظيمات التقنية استدلالا كاشفا، أن تتوزع الدراسة إلى محورين اثنين يلتئمان بكيفية تتيح تمحيص الفرضيات التي انطلق منها البحث بوضوح علمي وضبط منهجي:

المحور الأول: أبعاد وحدود مدلول التحكيم الرقمي.
أولا: مفهوم التحكيم الرقمي ونطاقه:
1– تعريف التحكيم الرقمي والمفاهيم المرتبطة به:

2- نطاق التحكيم الرقمي:

ثانيا: دور الوسيلة الإلكترونية في تمييز التحكيم الرقمي عن التحكيم التقليدي.
نطاق الوسيلة الإلكترونية في التحكيم الرقمي:
طبيعة نظام التحكيم الرقمي:

المحور الثاني: مدى استيعاب مدلول التحكيم الرقمي للمفاهيم التقنية
أولا- مدى سلامة تسميات التحكيم الرقمي:

تسميات التحكيم الرقمي المتماشية مع المفهوم التقني:
تسميات التحكيم الرقمي المتعارضة مع المدلول التقني:
ثانيا- مدى سلامة وصف بيئة التحكيم الرقمي:

ربط مفهوم التحكيم الرقمي بالمعاملات الإلكترونية.
اقتصار الوسيلة في التحكيم الرقمي على شبكة الإنترنت

المحور الأول: أبعاد وحدود مدلول التحكيم الرقمي.
لما تحولت المعاملات القانونية في مختلف المجالات من صورتها التقليدية إلى معاملات رقمية فرضتها التنمية المعلوماتية، كان لزاما على التحكيم كآلية أصيلة في حسم المنازعات في هذه المجالات مواكبة هذا التطور دون أي تردد أو تبرير، وذلك من خلال تبنيه ذات الوسيلة التي تتم بها تلك المعاملات الرقمية. مما أمكن معه القول بأن التحكيم الرقمي ما هو إلا صورة للتحكيم التقليدي الذي يعد وسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات. لكن، أيعني ذلك أن التحكيم الرقمي لا يختلف عن التحكيم التقليدي إلا من خلال الطريقة التي تتم فيها إجراءات التحكيم في الفضاء الرقمي؟

للإجابة على هذا التساؤل ينبغي بادئا تبيان أبعاد وحدود مدلول التحكيم الرقمي من خلال التحري في مفهومه ونطاقه من جهة، ثم إبراز دور الوسيلة الإلكترونية في تمييز التحكيم الرقمي عن التحكيم التقليدي من جهة ثانية.

أولا: مفهوم التحكيم الرقمي ونطاقه:
يقتضي بيان مفهوم التحكيم الرقمي تناول تعريف التحكيم بشكل عام ثم التعريج على تعريفه الخاص.

فالتحكيم لغة من مادة “حكم” بتشديد الكاف تعني طلب الحكم ممن يتم الاحتكام إليه، ويسمى الحكم بفتح الحاء والكاف، أو المحكم بضم الميم وفتح الحاء والكاف المتشددة. ويقال: حكم له وحكم عليه وحكم بينهم، وحاكمه إلى الله تعالى وإلى الكتاب وإلى الحاكم خاصة ودعاه إلى حكمه[1]. كما جاء في كتاب الله تعالى: ” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”[2]، وفي شرح قوله تعالى أن يجعلوك حكما لما فيما وقع بينهم من خلاف.

أما التحكيم في الاصطلاح فيراد به تولية الخصمين حاكما بينهما، والمراد بالخصمين: الفريقان المتخاصمان، ما لو تعدد الفريقان، والمراد بالحاكم هو ما يعم الواحد أو المتعدد[3]، وغير بعيد عن هذا المعنى وجدت كتابات بعض الفقهاء أعطت تعريفًا للتحكيم لا يخرج عن هذه المعاني، من ذلك قول صاحب الدر: “وعرفًا: تولية الخصمين حاكمًا يحكم بينهما”[4].

بالنظر للمعنى الاصطلاحي الفقهي للتحكيم، يلاحظ اختلاف التعريفات باختلاف المعايير المستند عليها، فمن الفقه من عرفه استنادا إلى عناصر التحكيم من أطراف النزاع أو المحكم أو وظيفة هذا الأخير، ومنهم من اعتمد على نظام التحكيم وآلياته من قبيل الاتفاق.

أما التشريع، فقد حدا حذو مضمون القفه رغم اختلاف السياق. فبالرجوع لقانون التحكيم الفرنسي فقد عرفه في قانون المرافعات في نص المادة 1442[5] بأنه: “اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد معين من العقود بإخضاع المنازعات التي يمكن أن تنشأ بينهم في المستقبل للتحكيم”، وجاء في المادة 1447[6] على أنه: “اتفاق الأطراف على إخضاع منازعة نشأت بينهم بالفعل لتحكيم شخص أو أكثر”. أما القانون الهولندي فقد نص في المادة 1020 من قانون التحكيم على أنه: “اتفاق الأطراف على إحالة المنازعات التي تنشأ أو قد تنشأ مستقبلا نتيجة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية إلى التحكيم”. بينما عرفه المشرع المغربي من خلال قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، إذ جاء في الفصل 306 منه على أنه: “يراد بالحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”.

إذا كان مفهوم التحكيم في ثوبه التقليدي[7] لقي نسبيا نوعا من الثبات في المضمون ووحدة في المدلول رغم اختلاف التعريفات، فإنه يطرح التساؤل هل جميع المصطلحات التي اعتمدها الفقه في التحكيم في حلته العصرية تحمل مدلولا واحدا؟

1- تعريف التحكيم الرقمي والمفاهيم المرتبطة به:

كثيرا ما تداول الفقه والتشريع مصطلح الإلكتروني إلى جانب التحكيم (ELECTRONIC ARBITRATION[8])، كتسمية رسمية في بحر التحكيم هذا. مما يقتضي البحث في أساس اعتماد هذا المفهوم وتبيان مدلوله ثم مقارنته بباقي المفاهيم المتداولة في بيئة التحكيم عامة ومفهوم التحكيم الرقمي الذي تبنته دراستنا البحثية.

1.1 تعريف التحكيم الرقمي:

تقتضي دراسة مفهوم التحكيم الرقمي الانطلاق من التسمية المتداولة أي “التحكيم الإلكتروني” من خلال البحث في شقها الثاني أي “الإلكتروني” الذي هو جمع إلكترونيَّات الْمَنْسُوبُ إِلَى الإلِكْتُرُونِ، وعِلْمُ الإلكترونيات هو عِلْمٌ يَهْتَمُّ بِتَرْكِيبِ الإلكترونياتِ وَاستخدامها وَتنَاوُلِهَا، وَهُوَ فَرْعٌ مِنَ فُروعِ الفِيزِيَاءِ. فآلَةُ الحَاسُوبِ تَعْتمِدُ عَلَى مَادَّةِ الإلِكْترُونِ لإِجْرَاءِ أدَقِّ الَعَمَلِيّاتِ الحِسَابِيَّةِ وَبِأَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ وَتسَمَّى أيْضاً كمبيوتر[9].

فالتحكيم إلكتروني لأنه عبارة عن إجراء ينطوي على إحالة النزاع وفقاً لاتفاق الأطراف إلى محكم أو هيئة محكمين مرضية لأطراف النزاع وفقاً للقانون، والإجراءات التي تم تبنيهـا من قبل تلك الأطراف وينتج عن ذلك قراراً ملزماً لها، بحيث يتم بوسائل إلكترونية[10]. وقد عرف المشرع الكندي في قانون التجارة الإلكترونية الموحدة عام 1999 مصطلح “إلكتروني” بأنه عملية إنشاء أو تسجيل أو نقل أو تخزين في صيغة رقمية أو أي صيغة أخرى غير ملموسة بواسطة وسائل إلكترونية أو أي وسائل أخرى مشابهة، لديها القدرة على الإنشاء والتسجيل أو النقل والتخزين الإلكتروني[11].

لكن قبل معالجة تعريف التحكيم الرقمي ينبغي الإشارة إلى أنه تعددت تسمياته بين الفقه والتشريع وتعددت معها الدلالات حيث نجد:

التحكيم الافتراضي: فالقول بكونه VIRTUAL ARBITRATION[12] مرده أنه تحكيم تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية دون الحاجة إلى الحضور المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين[13].
التحكيم السيبراني: استعمل هو الآخر كتسمية للتحكيم من قبيل: CYBITRATION[14]، أو CYBER-ARBITRATION[15]، أو CYBER-SPACE-ARBITRATION[16]، وذلك استنادا إلى الوسيلة التكنولوجية المعتمدة في التحكيم من حواسيب وشبكات معلوماتية والتي تشكل فضاء معلوماتيا سمي لدى المتخصصين في هندسة المعلوميات بالفضاء السيبراني CYBER-SPACE[17]،
التحكيم عبر الخط : ONLINE ARBITRATION[18]، أساس تسميته هاته كونه يتم فعلا عبر الخط، بطريق مباشر عبر الإنترنت دون الحاجة لالتقاء الأطراف والمحكمين في ذات المكان، لذلك عرف الباحث الإنجليزي التحكيم الرقمي بكونه: “طريقة لحل النزاعات عن طريق المنصات عبر الخط التي توفر خدمات التحكيم”.[19]
التحكيم عن بعد: غير بعيد عن ذات السياق سمي ARBITRGE A DISTANCE[20]، ذلك أن إدارة إجراءات التحكيم فيه تتم عن بعد. لذلك اكتفى الباحثون الكنديون بتعريفه: “تحكيما تتم إدارته عن بعد”.[21]
التحكيم الشبكي: اعتبارا لكون الشبكات المعلوماتية تظل الدعامة الرئيسية المعتمدة في الربط البيني وتدبير الاتصال عن بعد، سمي ARBITRATION USING ONLINE TECHNIQUES[22]. فقد كان المقصود به ذلك التحكيم الذي يتم إجراءه عبر شبكة الإنترنت، ويكتسب صلة الإلكترونية من الطريقة التي يتم بها، حيث يتم بطريقة سمعية وبصرية عبر شبكة دوليه مفتوحة للاتصال عن بعد دون إلى التقاء أطراف النزاع والمحكمين في مكان معين[23].
التحكيم عبر شبكة الإنترنت: عبر البعض الآخر عن مفهوم التحكيم الرقمي بأنه: “التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة الإنترنت وفق قواعد خاصة دون الحاجة إلى التقاء أطراف النزاع والمحكمين في مكان معين”.[24]
التحكيم الرقمي: من جانب آخر استعمل مصطلح التحكيم الرقمي ARBITRAGE NUMERIQUE[25]، أو ARBITRAGE DIGITAL[26]، والذي يوحي بنوع من المسايرة والمواكبة للتنمية المعلوماتية والتطور التكنولوجي، لأن جميع المعاملات الإلكترونية المنجزة عبر الوسائط الإلكترونية أصبحت تترجم للغة رقمية[27]، سواء تعلق الأمر بالمحررات أو بالصوت والصورة.
تبعا لتنوع تسميات التحكيم الرقمي تعددت تعريفات الفقه له، إذ يعكس كل تعريف التوجه والزاوية التي يرى بها كل فقيه هذا النظام. فهو حسب بعضهم: “اتفاق أطراف العلاقة القانونية إخضاع المنازعات التي نشأت أو سوف تنشأ مستقبلا من المعاملات الإلكترونية للفصل في النزاع بإجراءات الكترونية وإصدار حكم ملزم فيها”.[28] وفي تعريف آخر يعد التحكيم الرقمي: “قضاء اتفاقي خاص قائم على إرادة الأطراف لتسوية المنازعات التي نشأت أو تنشأ مستقبلا عن علاقات عقدية، تجارية كانت أو عادية للفصل فيها بوسائل إلكترونية”[29].

من خلال ما تقدم يتضح أن التحكيم الرقمي يتميز عن غيره باستخدام وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد عمى تقنية المعلومات والاتصالات المتمثلة في شبكة الإنترنت وهو تحكيم بذات الوسيلة التي يتم بها التعامل الإلكتروني ألا وهي الوسيلة الإلكترونية. لذلك نجد أن البعض عرف التحكيم الرقمي بربطه بالمعاملات الإلكترونية.

2.1 المفاهيم المرتبطة بالتحكيم الرقمي:

يعد موضوع التحكيم الرقمي من المواضيع الحديثة النشأة، حيث امتزج فيه القانون بالوسائل والمفاهيم التقنية وذلك من خلال قيام إجراءات التحكيم بالوسائل المعلوماتية بداية من اتفاق بين الأطراف على إحالة النزاع على التحكيم وحتى صدور قرار التحكيم، بل إلى غاية مرحلة تنفيذه.

المفاهيم المرتبطة بمجال المعلوميات:
لا يختلف اثنان في كون التحكيم الرقمي يعد وسيلة حديثة لتسوية المنازعة باستخدام وسائل الاتصال الحديثة، فالتعامل بالاتصال الرقمي والوسائط المعلوماتية يقتضي اعتماد آليات ولغة المعلوميات، الأمر الذي فرض اعتماد مفاهيم تقنية في بيئة التحكيم الرقمي، ولعل أبرز هذه المفاهيم:

الشبكة: NETWORK وهي نظام اتصالات يربط عادة بين اثنين أو أكثر من الحواسيب، يمكن للمستخدمين من خلاله المشاركة في التطبيقات، وتراسل البيانات، واستخدام البريد الإلكتروني عبره. ويعد الإنترنت أكبر شبكة للمعلوميات في العالم.
عالم الفضاء أو العالم السيبراني: CYBER SPACE مصطلح يستخدم للإشارة إلى نشاط الخط المباشر، وخاصة الإنترنت والعالم المرتبط بنظام الاتصالات المعاصر.[30]
مؤتمرات الويب: WEB CONFERENCING عبارة عن لقاءات، ومؤتمرات، وعروض على الخط المباشر PRESENTATION ONLINE. ومؤتمرات الويب هذه والبرمجيات التعاونية التي تقدمها تجهز بطاولة افتراضية للمؤتمر، حيث يتمكن المشاركون من عرض ومراجعة وتعديل الوثائق والسلايدات، والمشاركة بأفكارهم وملاحظاتهم باستخدام وسيلة الدردشة، أو الهاتف، أو الفيديو.[31]
مؤتمرات الفيديو: VIDEO CONFERENCING أو المؤتمرات عن بعد TELECONFERENCING، وهو استخدام تكنولوجيا التلفزيون والفيديو والصوت، وكذلك الحاسوب لتمكين الأفراد في مواقع جغرافية مختلفة ومتباعدة، من سماع ومشاهدة الآخرين، والتحدث والنقاش معهم.[32]
الموقع الإلكتروني أو موقع الويب WEB SITE: هو المكان المتوافر على عنوان الكتروني على الشبكة العنكبوتية على حاسوب، في مكان ما على الإنترنت. ويشمل موقع الويب عادة على صفحة رئيسية تسمى صفحة الويب WEB PAGE .[33]
فتراضي: VIRTUAL في مجال الإنترنت، هي عبارة عن وسيلة غير متوافرة بالفعل، ولكنها يمكن أن تحفز المستخدم وتثير فضوله، وتؤمن له احتياجاته بواسطة الحاسوب، كما وكأنها متوافرة بالفعل.[34]
أتمتة: Automation أو التشغيل الآلي، مصطلح مستحدث يطلق على كل شيء يعمل ذاتيا بدون تدخل بشري فيمكن تسمية الصناعة الآلية بالأتمتة الصناعية مثلا.
المكننة: MECANISATION لغوياً مشتقة من كلمة “ماكنة/ ماكينة” اللاتينية وتعني بالعربية: الآلة. أما دلالياً فمعناها: إدخال الآلة في العمل وتحويله من عمل يدوي إلى آلي. ويقابل مكننة بالعربية: تأليل.[35]
الخوارزمية: Algorithmique هي مجموعة من القواعد التي تعبر عن سلسلة محددة من العمليات التي من شأنها أن تشمل جميع برامج الكمبيوتر، بما في ذلك البرامج التي لا تُجرى بها عمليات حسابية رقمية.

مفاهيم مرتبطة بالمعاملات الإلكترونية:
البين من الكتابات التي اهتمت بالتحكيم الرقمي كآلية حديثة لتسوية المنازعات، أنها اعتبرت هذه المنازعات متصلة لا محالة بالمعاملات الإلكترونية عموما وعقود التجارة الإلكترونية على الخصوص من قبيل:

عقد التجارة الإلكترونية: هو اتفاق يتقابل فيه الإيجاب والقبول على شبكة دولية للاتصالات عن بعد، كما عرفت منظمة التجارة العالمية (OMC) التجارة الإلكترونية تعريفا دقيقا بأنها: “عملية عقد الصفقات وتأسيس الروابط التجارية وإنتاج وتوزيع وتسويق وبيع المنتجات عبر شبكات الاتصال”.[36]
عقد من تاجر إلى تاجر B2B: أي العمليات التجارية المنجزة بين المؤسسات بوسائل إلكترونية، وتمثل عمليات الشركاء في الأعمال التجارية، ويعد هذا النوع من العمليات التجارية الأولى التي استعملت أنظمة الكترونية[37].
عقد من تاجر إلى مستهلكين B2C: يعني عملية تحدث بين المؤسسة والزبون المستهلك باستعمال وسائط إلكترونية.[38]
عقد بين مؤسسة تجارية وإدارة محلية حكومية A2B: مثل ما تقوم به مصلحة الضرائب، وهي إدارة حكومية بتسويق خدمة دفع الضرائب عبر الإنترنت و جعلها بمقابل[39].
عقد بين مستهلك وإدارة محلية حكومية A2C: وهو ما تقوم به الكثير من البنوك الحكومية بتسويق خدمة صرف المرتبات للموظفين إلكترونيا بنظير مادي مستقطع مسبقا[40].
عقد خدمة المعلومات: من العقود الإلكترونية، فهو ذلك العقد الذي محله المعلومات المعالجة آليا، والمبرم بين مورد ومستخدم مهني أو مستهلك، والمعد مسبقا من الأول الذي استخدم لإبرامه تقنيات الاتصال عن بعد، ويتعهد بموجبه بتوريد معلومات إلى الثاني، نظير مقابل مالي.[41]
عقد الدخول إلى الشبكة: هو عقد يلتزم بمقتضاه مقدم الخدمة بتمكين العميل من الدخول إلى الإنترنت من الناحية الفنية، وذلك بإتاحة الوسائل التي تمكنه من ذلك، وأهمها برنامج الاتصال الذي يحقق الربط بين جهاز الحاسوب والشبكة، والقيام ببعض الخطوات الفنية الضرورية لتسجيل العميل الجديد، وذلك مقابل التزام العميل بسداد رسوم الاشتراك المقررة[42]. يختلف عقد الدخول للشبكة وتتعدد صوره بحسب تعدد وتمايز متعهدي الدخول للشبكة، بالتالي لا يوجد نموذج وحيد لهذا العقد.
عقد الإيواء: يسمى كذلك بعقد الإيجار المعلوماتي، وهو عقد من عقود تقديم الخدمات يرتبط ارتباطا وثيقا بالإنترنت، ويعرف بأنه: “عقد من عقود تقديم الخدمات بمقتضاه يضع مقدم الخدمة تحت تصرف المشترك بعض إمكانات أجهزته أو أدواته المعلوماتية، ويتمثل ذلك غالبا في إتاحة انتفاعه بمساحة على القرص الصلب بأجهزة الكمبيوتر الخاصة به على نحو معين“[43]، هذا النوع من العقود يبرمه كل من يرغب أن يكون له موقع عنوان على شبكة الإنترنت.
عقد إنشاء متجر افتراضي: يطلق عليه كذلك عقد المشاركة، وهو من عقود الخدمات الإلكترونية التي تبرم بين الشركات التي تستخدم خدمة الإنترنت في عرض بضائعها وخدماتها. حيث تقوم هذه المراكز التجارية الافتراضية بإتاحة للمستهلك إمكانية التسويق الافتراضي الذي يوفر مزايا سواء للمستهلك كقلة ثمن السلع المعروضة أو للبائع كتوفير أجرة الكهرباء، الإيجار والحراسة.[44] فمن خلال هذا العقد يصبح صاحب المتجر أو البوتيك الافتراضي مشاركا في المركز التجاري الافتراضي الذي يضم جملة من التجار.[45]
عقد خدمة الخط الساخن: هو من عقود الخدمات الإلكترونية التي تبرم عبر شبكة الإنترنت، ويسمى كذلك هذا العقد بخدمة المساعدة الفنية بالنظر لما يقدم للمستخدم عبر الإنترنت من حل لمشكلاته الفنية التي تعترضه وبموجب هذا العقد يتعهد مقدم الخدمة بتقديم مساعدة تلفونية من أجل حل المشكلات التي قد يواجهها مشروع ما أثناء تواجده على الشبكة[46]. فهو يساهم في إتمام العمليات التي تتعلق بالتجارة الإلكترونية، ويكون إما مرتبطا بعقد الدخول إلى الشبكة أو مستقلا عنه. غالبا ما يتم التعاقد على هذه الخدمة بين المورد والعميل بمناسبة الاشتراك في شبكة الإنترنت.[47]

2- نطاق التحكيم الرقمي:

على الرغم من اعتقاد أغلب الدارسين أنه ما دام أن التحكيم قد اكتسى ثوبا رقميا، فإنه لا يتجاوز نطاقه المنازعات الناشئة عن المعاملات المبرمة بذات الوسيلة، والحال أن هذا النظام الحديث للتسوية البديلة للمنازعات يمتد اختصاصه لتسوية المنازعات في مختلف المجالات وكيفما كانت طبيعتها، تقليدية أم رقمية. فهو ليس تحكيما متخصصا وإنما يعد تحكيما أكثر تطورا لما يوفره من امتيازات لا تتوفر في التحكيم التقليدي.

أما القول بحصرية التحكيم الرقمي في نطاق محدد فذاك يعد ضربا في مبادئ التحكيم ومساسا بمركزه كوسيلة بديلة عن قضاء الدولة في تسوية مختلف المنازعات. إلا أن ما لا يختلف حوله اثنان، هو كون نظام التحكيم الرقمي ولد في كنف التجارة الإلكترونية ووجد معها، لأن العديد من المنازعات واكبت ظهور التجارة الإلكترونية وسميت بمنازعات التجارة الإلكترونية، لهذه الغاية سنعالج مهد التحكيم الرقمي في نطاق المنازعات التي كانت سبب وجوده حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم. وتظهر نزاعات التجارة الإلكترونية من خلال المنازعات التي تثور حول إبرام العقد وتنفيذه وتفسيره، هذه النزاعات التي غالبا ما تتضمن طرفا أجنبيا، لأن أغلب العمليات والعقود التي تتم عبر شبكة الإنترنت ذات طابع دولي[48]. فهذه العقود يكون أطرافها مستخدم مقيم في دولة، ومورد أو مقدم خدمات الاشتراك في الشبكة من دولة ثانية، والشركة مقدمة التكنولوجيا والخدمات التي تعالج البيانات وتدخلها وتحملها بالشبكة من دولة ثالثة[49].

فمنازعات التجارة الإلكترونية لا تثور فقط فيما يخص عقود التجارة الإلكترونية، وإنما كذلك في العقود المرتبطة بها أي ما يسمى بعقود خدمات الإنترنت. كما قد تثور منازعات التجارة الإلكترونية خارج العقد الإلكتروني، كمسائل الملكية الفكرية، والمنازعات المتعلقة بالعناوين الإلكترونية والنزاعات المتعلقة باستخدام علامات الغير ضمن مواقع الإنترنت، ومنازعات المنافسة الغير مشروعة وحماية الأسرار التجارية.

اتفق أغلب الفقه على تقسيم المنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية إلى منازعات تعاقدية الطبيعة (النزاعات المتعلقة بعقود التجارة الإلكترونية والعقود المرتبطة بها)، ومنازعات ذات أساس غير تعاقدي (النزاعات المتعلقة بأسماء النطاق والملكية الفكرية).

1.2 النزاعات المتعلقة بعقود التجارة الإلكترونية والعقود المرتبطة بها:

لقد وجد أطراف المعاملات التجارية في شبكة الإنترنت وسيلة مميزة وميسرة تحقق مزايا لا حصر لها، وإن كان أهمها توفير الوقت والجهد والمال في إبرام الصفقات والعقود التجارية عبر شبكة الإنترنت. وأدى التعدد والتنوع في المعاملات المبرمة عبر شبكات الاتصال الإلكترونية،[50] إلى بروز المنازعات بين الأطراف المتعاقدة، وبالرجوع لطابعها الدولي فهي تقتضي البحث عن قواعد التنازع الواجبة التطبيق نظرا لارتباط العلاقة القانونية بأكثر من نظام قانوني واحد. وهذا ما يحيل إلى قواعد القانون الدولي الخاص في مسألة تنازع القوانين وتحديد القانون الواجب التطبيق من بين القوانين التي لها علاقة بالعقد، كما تثير عقود التجارة الإلكترونية مسألة تحديد المحكمة المختصة للنظر في النزاعات الناشئة عنها، نظرا لاختلاف قوانين الدول في تنظيم اختصاص محاكمها على الصعيد الدولي.[51] لأن التجارة الإلكترونية تعد تجارة بلا حدود.

ولابد من الإشارة إلى أن هذه الإشكالات لا تثور فقط في عقود التجارة الإلكترونية وإنما تطرح أيضا في عقود خدمات الإنترنت[52] أي تلك العقود المرتبطة بعقد التجارة الإلكترونية والتي تنشأ لأجل تحقيقه.

منازعات عقود التجارة الإلكترونية:
تواجه التجارة الإلكترونية صعوبات من حيث اعتراف القوانين بقانونية إبرام العقود بالطرق الإلكترونية، ومسائل الإيجاب والقبول الإلكتروني، ومعيار انعقاد العقد وطريقة التعبير عن الإرادة وما يتصل بذلك من تحديد زمان ومكان إبرام العقد، وكذا التوقيع الإلكتروني وما يرتبط به كتشفير الرسائل الإلكترونية. كما تثير التجارة الإلكترونية مشكلات من حيث أنظمة الدفع الإلكتروني والبنوك الإلكترونية، عند الوفاء بالثمن ومقابل الخدمة والنقود الإلكترونية والحوالات الإلكترونية، وآليات الدفع الإلكتروني.[53] إلا المنازعات التي تأخذ حصة الأسد في هذا الإطار تأتي كالتالي:

المنازعات المتعلقة بالبطلان وعدم قانونية العقود: يتعلق الأمر هنا بمدى جواز إبرام العقود بالوسائط الإلكترونية، حيث تنحصر خصوصيات إبرام العقد الإلكتروني في الأحكام الخاصة بركن الرضا وما قد يتبعها من شكليات لا يمكن تحقيقها إلكترونيا، فالأجهزة الإلكترونية التي يتم بواسطتها التعاقد إلكترونيا لا تخرج عن كونها وسيلة في يد المتعاقد للتعبير عن إرادته، فالجهاز الإلكتروني هو مجرد وسيلة للتعبير عن الإرادة ونقلها للطرف الآخر، بالتالي فهذا الجهاز ليس نائب عن المتعاقد، وإن اعتباره بهذه الصفة يؤدي إلى بطلان العقد.[54] كما يثير زمان ومكان إبرام العقد العديد من المسائل القانونية التي تثير نزاعات، التي يأتي في مقدمتها وقت بدء تنفيذ الالتزامات التي يفرضها العقد، وتحديد المحكمة المختصة بنظر المنازعات التي تثور بشأن إبرام العقد وتنفيذه وتحديد القانون الواجب التطبيق.
المنازعات المتعلقة بالضريبة على دخل التجارة الإلكترونية: اعتبارا للطابع الدولي للتجارة الإلكترونية، وإمكانية مزاولة التجارة عبر الإنترنت، تفقد الدول النامية إمكانية تحصيل إيرادات الضريبة على الدخل التي تحصلها من المؤسسات الأجنبية التي تعمل على أراضيها في ضل التجارة التقليدية[55]. فمن أبرز المشكلات التي تواجه فرض الضريبة على التجارة الإلكترونية كذلك نجد صعوبة تحديد الدولة والجهة المختصة بتحديد الضريبة وتحصيلها، فهل دولة البائع، أم المشتري، أم شبكة الإنترنت، أم الحاسب الآلي.[56]
المنازعات المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق: نظرا للطابع الدولي المتشعب لعقد التجارة الإلكترونية، أدى إلى نشأة هذه النزاعات بين الأطراف المتعاقدة، الأمر الذي يدفع للبحث عن قواعد التنازع الواجبة التطبيق نظرا لارتباط العلاقة القانونية بأكثر من نظام قانوني واحد، تحيلنا إلى قواعد القانون الدولي الخاص ومبدأ تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق من بين القوانين المتصلة بالعقد، خاصة في الحالات التي لا يقوم الأطراف بتحديد القانون الواجب التطبيق مسبقا.
المنازعات المتعلقة بالجهة القضائية المختصة: فالتجارة الإلكترونية باعتبارها تجارة بلا حدود، إذ يرتبط النزاع في المعاملات الإلكترونية من خلال عناصره المختلفة باختصاص أكثر من محكمة، نظرا لاختلاف قوانين الدول في تنظيم اختصاص محاكمها على الصعيد الدولي مما يعرقل تحديد المحكمة المختصة وبالتالي.[57] وبالتالي تثار مشكلة الاختصاص القضائي، ويتصل بالاختصاص مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد ومشكلات تنازع القوانين.

منازعات العقود المرتبطة بعقد التجارة الإلكترونية:
تتنوع المنازعات الإلكترونية بتنوع عقود التجارة الإلكترونية المشار إليها مقدما، إلا أن هذه المنازعات لا تثور فقط في هذه العقود فحسب، بل تطرح أيضا في عقود خدمات الإنترنت[58]، أي تلك العقود المرتبطة بعقد التجارة الإلكترونية والتي تنشأ لأجل تحقيقه، ومن أهم هذه المنازعات:

منازعات عقد الدخول إلى الشبكة: ينشأ عن هذا العقد الكثير من الإشكالات، وتعتبر المنازعات الناجمة عن هذا النوع من العقود من أكثر المنازعات تعقيدا، لكونها تثير العديد من المسائل القانونية التي تتعلق بتفسير العقد و تعديله بسبب ما يحتاج إليه العقد من تغيير لمواجهة تطورات التقنية. بالإضافة إلى ذلك تزايد عدد الدول التي تخصص جهات رقابية خاصة بتقنيات المعلومات والاتصالات العالمية في مجالات القوانين المتعلقة بمنع الاحتكارات والمنافسات الغير مشروعة، ومنح التراخيص الخاصة بتقديم خدمة الاتصال[59].
منازعات عقد الإيواء: على غرار عقد الدخول إلى الإنترنت الذي لا يشترط فيه سوى دفع أقساط الاشتراكات، يلتزم المشترك في عقد الإيواء الذي إلى جانب التزام دفع أقساط الاشتراك، اقتناء كل الأجهزة اللازمة لإدارة موقعه، وكذا التعهد بالخضوع إلى ميثاق حسن التصرف (Comportement Bon de Charte) المحرر من طرف مقدم خدمة الإيواء، إذ يتضمن عدة التزامات كعدم إدارة مواقع عرقية أو عنصرية، أو بيع عبر الإنترنت للممنوعات…، تحت طائلة إمكانية تعرضه للمسؤولية المدنية أو الجنائية في حالة إخلاله بالتزاماته تلك.
منازعات عقد المشاركة: تبعا لكون عقود المشاركة من أكثر المعاملات الإلكترونية شيوعا، فهي تعد من أكثر المنازعات ذات الطبيعة التعاقدية شيوعا، خاصة مع المستهلك، هذا ما دفع العديد من الدول اللجوء إلى إصدار عدة قوانين لحماية المستهلك المتعاقد عبر شبكة الإنترنت من الشروط التعسفية، وتجاهله لهوية المهني وعدم تمكنه من تفحص البضاعة والعديد من المسائل التي تثار في إطار حماية المستهلك الإلكتروني.[60]
منازعات عقد خدمة المساعدة الفنية: إذا كانت عقود خدمة الخط الساخن قد حققت الكثير من المزايا للمتعاملين بها، إلا أن هناك الكثير من المخاطر التي تقابل المتعاملين في العالم اليبراني لغياب الكتابة التي تعد الوسيلة التقليدية للتعبير عن الإرادة، وإحلال الكتابة الرقمية محلهتا، مما أدى إلى ظهور العديد من المنازعات في هذا المجال تنتج عن الاختلاف حول ساعة وتاريخ إبرام العقد، وشخصية المتراسلين ومضمون الرسائل، وهي العناصر التي يسهل التلاعب فيها وتزويرها.

2.2 المنازعات الإلكترونية ذات الأساس غير العقدي:

تتمحور معظم المنازعات الإلكترونية ذات الأساس غير التعاقدي حول منازعات الملكية الفكرية، المنافسة غير المشروعة وحماية الأسرار التجارية،[61] إلا أن أكثر المنازعات التي يلجأ أطرافها إلى التحكيم الرقمي تلك الخاصة بأسماء النطاق. كما تتسع نزاعات التجارة الإلكترونية لتشمل النزاعات المتعلقة بالشروط التعسفية والغير القانونية الواردة ضمن النماذج العقدية الإلكترونية، وكذا النزاعات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية وعقودها ورخصها.

المنازعات الإلكترونية المتعمقة بأسماء النطاق:
لم يتوقع واضعو اسم النطاق أن يكون هذا الأخير سوى وسيلة تجعل عناوين الإنترنت أكثر سهولة على الحفظ والاستذكار، وإرشاد جمهور الإنترنت إلى موقع معين، ولم يضعوا في حسبانهم التساؤلات القانونية التي يمكن أن تثيرها هذه المادة الرقمية، خاصة وأنها أضحت اليوم أداة لتحديد مصدر بضاعة وخدمة ومحلا لحق الملكية الفكرية وجبت حمايته، ومن صور هذه المنازعات:

تسجيل اسم الموقع متطابق مع علامة تجارية: هذا النوع من أكثر الاعتداءات شيوعا، خصوصا في فترة بداية انتشار الإنترنت. في هذا الصدد يجب على مالك العلامة التجارية أن يثبت عدم وجود حق أو مصلحة مشروعة لمسجل العنوان الإلكتروني المطابق لعلامته، إلا أن الظاهرة قد تراجعت منذ ظهور السياسة الموحدة لحل منازعات أسماء المواقع.
تسجيل عنوان الكتروني مشابه لعلامة تجارية: تتجسد هذه الحالة بتسجيل شخص لاسم موقع شبيه إلى حد كبير بعلامة تجارية، عن طريق تعديل طفيف لإحدى الحروف، أو إضافة كلمة مثل موقع yafoo.com وهذا ما يؤدي إلى الخلط في أذهان الجمهور وتضليلهم، مما يلحق أذى بالمستهلك ومالك العلامة التجارية. تكون حالة تسجيل عنوان الكتروني مشابه لعلامة تجارية خاصة في العناوين الشهيرة كتلك المواقع التي تنتهي ب COM، فهي معروفة لدى المستهلك الإلكتروني وهي تلاقي ترحيب أكتر من غيرها لدى الجمهور[62].
تسجيل عنوان إلكتروني يحتوي على علامة تجارية مصحوبة بعبارات مشينة أو تحقيرية لهذه العلامة: تتمثل هذه الحالة متى تم تسجيل عنوان إلكتروني يحمل اسم علامة تجارية مضاف إليه عبارة مشينة تحقيرية،[63] سواء بهدف الإساءة لهذه العلامة التجارية أو بهدف التعبير عن عدم الرضا عن هذه العلامة التجارية عن خدماتها أو منتجاتها. ومثال ذلك: com، كما أن تسجيل مواقع تشين لعلامة تجارية ما من هذا النوع قد تقوم به منظمات أو جمعيات كجمعيات مناهضة الإجهاض، أو تسعى للدفاع عن حقوق الحيوانات أو منتقدة لشركة معينة[64].
تسجيل علامة تجارية لاحقة على تسجيل العنوان الإلكتروني: في هذه الحالة يقوم صاحب علامة تجارية مسجلة بتقديم شكوى لدى إحدى الجهات المختصة بالفصل في منازعات أسماء المواقع والأرقام على الإنترنت ICANN مطالبا بحرمان صاحب العنوان الإلكتروني من اسم موقعه، ولا يستند هذا الشاكي لمبرر مقبول يجيز له قبول طلبه، ويعلم هذا الشخص أن الشخص مسجل العنوان الإلكتروني أو اسم الموقع يملك كل الحق في تسجيله وأنه لم يتعد على سالمة العلامة التجارية.[65]
تسجيل عنوان إلكتروني يحوي علامة تجارية لشركة منافسة: تتجسد هذه الحالة متى وجدت شركتين متنافستين تعملان في نفس المجال سواء بالنسبة للبضائع أو الخدمات، فتعمد إحداهما إلى تسجيل العلامة التجارية المملوكة للشركة الأخرى كعنوان إلكتروني لها مستهدفة من وراء ذلك حرمان الشركة الأخرى من تسجيل عالمتها التجارية كعنوان إلكتروني لها.[66]

المنازعات الإلكترونية المتعلقة بالملكية الفكرية الرقمية:
هناك نوع من الملكية الفكرية أفرزته شبكة الإنترنت ألا وهو الملكية الرقمية التي تشمل حقوق الملكية الفكرية على الإنترنت، ومن هنا يثار التساؤل حول حماية المصنف الرقمي كحق من هذه الحقوق، على أساس أن الإنترنت وسيلة يسهل من خلالها النسخ والنشر غير إذن صاحبه. ولما كان القانون يكفل للمؤلف الحق الأدبي في المقام الأول، ثم الحق المالي للمؤلف، ولما كانت شبكة الإنترنت لها بعض الآثار السلبية التي تلحق بهذين الحقين، فإن المنازعات الناشئة في هذا المجال يكون محلها المخاطر والأضرار التي يمكن أن تسببها هذه الشبكة بشأن حقوق المؤلف في جانبيها المعنوي والمالي:

الإضرار بالحق الأدبي للمؤلف: يتحقق الإضرار بالحق الأدبي للمؤلف ابتداء عندما يتم نشر مصنف على شبكة الإنترنت بالرغم من أنه لم يسبق نشره من قبل المؤلف، كما يتحقق الإضرار بالنسخ الإلكتروني للمصنف والذي يمكن أن يتضمن إعادة معالجة المصنف أو إدخال تعديلات أو تلاعبات[67]. كما يتحقق هذا الإضرار إذا ما تم جعل المصنف قابلا للتداول خارج شبكة الإنترنت، مما يحتمل معه حدوث تغيير في طبيعته.
الإضرار بالحق المالي للمؤلف: لا ريب أن تحويل المصنف إلى مصنف رقمي أو الكتروني يمكن أن يشكل إضرارا بامتياز النسخ الخاص بالمؤلفين، وتأسيسا على ذلك فتلك العملية يجب أن يكون مسموحا بها من جانب صاحب المؤلف، على اعتبار أن التنازل عن حق النسخ على الدعامة الورقية لا ينقل حق رقمنة المصنف أي تحويله إلى مصنف إلكتروني.[68] ولقد نصت معاهدة الويبو المعتمدة سنة 1996 على أن حق النسخ ينطبق انطباقا كاملا على المحيط الرقمي ولاسيما على الانتفاع بالمصنفات في شكل رقمي، ومن المفهوم أن خزن مصنف رقمي الشكل في وسيط إلكتروني يعتبر نسخا بمعنى المادة 09من اتفاقية برن[69].

ثانيا: دور الوسيلة الإلكترونية في تمييز التحكيم الرقمي عن التحكيم التقليدي.
لا يختلف التحكيم الرقمي في جوهره عن التحكيم التقليدي، فكلاهما يندرجان ضمن زمرة الوسائل البديلة لحل المنازعات بعيدا عن قضاء الدولة، وكلاهما يقومان على إرادة أطراف معاملات معينة بطرح نزاع ناشئ أو محتمل النشوء على شخص أو أشخاص معينين للقيام بمهمة الفصل في هذا النزاع بعيدا عن تدخل محاكم الدولة. فإذا كان هذا المفهوم العام يمثل جوهر التحكيم أيا كانت صورته، تقليديا أم رقميا، فإن ما يميز التحكيم الرقمي ويعطيه وصفه، أنه تحكيم يتم باستخدام وسائل الاتصالات الحديثة المعتمدة على تقنية المعلوميات، ذلك أن قوامه تسوية المنازعات عبر شبكات الاتصال كالإنترنت دون تواجد أطراف عملية التحكيم في مكان واحد[70]. مما يثير التساؤل حول نطاق الوسيلة الرقمية لاعتبار التحكيم الكترونيا، ألا يوجد ما يمنع من تمام مجمل إجراءاته بصورة رقمية محضة أو بعض مراحله بالطريق التقليدي؟ وهل للمحكم أو الهيئة التحكيمية صلاحية تحديد ما إذا كان التحكيم رقميا أو تقليديا استنادا لطبيعة لإجراءاته؟ وهل يمكن القول إن التحكيم رقمي فقط إذا ما تمت إجراءاته عن بعد؟ وأي مجالات ينفرد بها تطبيق التحكيم الرقمي؟

1- نطاق الوسيلة الإلكترونية في التحكيم الرقمي:

سبق وأن مر في معرض الحديث عن أبعاد وحدود مدلول التحكيم الرقمي أن تم تبيان دور الوسيلة الإلكترونية التي يتم بها التحكيم باتفاقه وإجراءاته كمميز أساسي بين التحكيم التقليدي والتحكيم الرقمي إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار هو أن مدلول التحكيم الرقمي المبني على الوسيلة لم يكن محل اختلاف بين التحكيمين التقليدي والرقمي فحسب، بل شكل أيضا محل خلاف فقهي جعل من هذه الوسيلة متغيرا في معادلة التحكيم الرقمي يشغل قيمة مختلفة من فقه لآخر بحسب رؤيتهم للنطاق الذي تشغله هذه الوسيلة في بيئة التحكيم، مما تولد عنه اتجـاهين في هذا الشأن:

1.1 الاتجاه الموسع لنطاق الوسيلة الإلكترونية:

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الصبغة الإلكترونية للوسيلة المستخدمة في التحكيم باتفاقه وإجراءاته هي التي تجعل منه تحكيما رقميا، وبالتالي فغياب الأطراف عن مجلس تحكيم واحد وتواصلهم وتداولهم عن بعد باستخدام الوسائط الإلكترونية دون الحاجة للمستندات التقليدية، هو ما يميز التحكيم الرقمي عن التحكيم العادي. لذا عرفه أهل هذا الاتجاه على أنه: “التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية ودون الحاجـة إلى التواجد المادي لإطراف النزاع والمحكمين في مكان معين” [71].

إلا أن هذا الاتجاه انقسم هو الآخر لتيارين متباينين، وسبب تباينهم هو اختلافهم بشأن نطاق الوسيلة الإلكترونية في إجراءات التحكيم الرقمي الذي يثير التساؤل عما إذا كان الأمر يتطلب قيام جميع مراحل وإجراءات التحكيم بصورة الكترونية وعبر دعامة الكترونية لا غير، أم أنه لا مانع من تبني الوسائل التقليدية في بعض مراحله؟

يرى التيار الأول أنه يعد الكترونيا التحكيم الذي يتم سواء بأكمله عبـر وسائل الكترونية أو اقتصر على بعض مراحله فقط، وأيا كانت المرحلة التي تستخدم فيها الوسيلة الإلكترونيـة إذ يمكن أن يقتصر استخدام الوسيلة الإلكترونية على مرحلة إبرام اتفاق التحكيم أو على مرحلة خصومة التحكيم، في حين تتم المراحل الأخرى بالطرق التقليدية كأن تعقد بعـض جلسات التحكيم بحضور الطرفين وتواجدهما تواجدا ماديا[72] في مكان معين. ولعل ما يؤخذ على هذا التيار بكونه لم يجب على التساؤل المثار بشكل دقيق، إذ يمكن القول من خلال رؤيتهم هاته، أنه “يعد إلكترونيا التحكيم الذي يتم فيه إجراء واحد أو مرحلة واحدة من مراحله على الأقل باستخدام وسيلة الكترونية”. لكن على الرغم من ذلك فإن هذا التوجه يستجيب للمرحلة الراهنة التي تمر بها المعاملات في مختلف المجالات، لأنه رغم اعتماد بعض الدول المتقدمة للوسائل الرقمية بشكل تام في مختلف المجالات ومواكبتها لمتطلبات التجارة الدولية وانخراطها السريع في الالتزام بتوجيهات المنظمات الدولية، فإن غالبية الدول لازالت عاجزة عن توفير أرضية قانونية مؤسساتية قادرة على احتضان المعاملات الرقمية، وعلى الرغم من مبادرة بعض الدول في السير نحو رقمنه بيئتها على صعيد مختلف المجالات إلا أن الإكراهات الاقتصادية والتشريعية ظلت عقبة أمام سرعة عجلة هذه التنمية المعلوماتية بشكل سريع.

الأمر الذي لم يراعي له التيار الثاني المنتمي هو الآخر لهذا الاتجاه الموسع، لأنه يرى أن التحكيم لا يكون الكترونيا إلا إذا تمت جل مراحله وإجراءاته عبر الوسـيلة الإلكترونية، إذ ينبغي أن يبدأ التحكيم باتفاق تحكيم الكتروني، ويمر بإجراءات تحكـيم تتم باستعمال وسائل الاتصال الحديثة، فلا يلتقي الأطراف مع المحكم والمحكمين ماديا في نفس المجلس ولا يصار إلي انعقاد جلسات تحكيم مادية، وبالمثل ينبغي أن ينتهي التحكيم بإصدار حكم الكتروني فيه.[73] على الرغم من ما أوخذ على هذا التيار من حسم في نطاق الوسيلة الرقمية في التحكيم الرقمي واستبعاده للطرق التقليدية، إلا أنه شأنه شأن التيار الأول قد أحسن بعدم جزمه في طبيعة المعاملات محل الخصومة التحكيمية وسكوته عن ذلك يعني أنه إلى جانب المعاملات الإلكترونية، يمتد نطاق التحكيم الرقمي كذلك إلى المعاملات التقليدية.

2.1 الاتجاه المضيق لنطاق الوسيلة الإلكترونية:

يرى هذا الاتجاه أنه يشترط في التحكيم الرقمي أن تكون المعاملات إلكترونية محله، بمعنى آخر، أن تكون الخصومة التحكيمية قد نشأت بسـبب نشـاط أو صـفقة أبرمت عبر الإنترنت. ويبرر أصحاب هذا الاتجاه رأيهم باعتبارهم أن التحكيم لا يعد الكترونيا لمجرد اسـتخدام الإنترنت في إجراءاته فحسب، فتبادل الرسائل عبر البريـد الإلكتروني فـي إجراءات التحكيم لا تعد سببا وحيدا كافيا لاعتباره تحكيما الكترونيا.

ويتساءل أصحاب الاتجاه المضيق، كم مـن الاتصالات يجب أن تتم بواسطة شبكة الإنترنت لحل النزاع حتـى يصـنف التحكـيم بأنـه الكتروني؟ فإذا كانت بعض تلك الإجراءات تتم بواسطة الإنترنت فكم نسبتها مقارنة مع الإجراءات المنجزة بطريقة تقليدية؟ ومـا الـذي يميزها عن تلك الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني في التحكيم التقليدي؟ ومن ثم يعتقـد بصعوبة هذا المعيار لتمييز التحكيم الرقمي عن التقليدي، ويرى هذا الاتجاه كذلك انه بالإضافة إلى ما سبق يجب أن تتم الصفقات أو المعاملات محل التحكيم بطريقة الكترونية حتى نكون بصدد تحكيم الكتروني.[74]

لم يسلم هذا التوجه بدوره من النقد، إذ يرى البعض انه لا يوجد سبب يدعو لحصر نطاق خدمة التحكيم الرقمي واقتصارها فقط على المعـاملات التجارية التي تنشأ عبر الإنترنت؛ نظرا لما توفره من مزايا وخاصة للمستهلكين[75]. كما أن هذا الاتجاه يتعارض مع أسس وأهداف التحكيم كوسيلة بديلة لحل المنازعات، لأنه بتبنيه لمفهوم التحكيم هذا يضيق من نطاق التحكيم الرقمي ويقف عقبة أمام انفتاحه على معاملات التقليدية، وما يترتب عن ذلك من توطئة لتحفيز المتعاملين التقليدين وإقناعهم بتغيير الوجهة نحو الرقمنة والمواكبة وما تنتجه هذه الوجهة من حسنات وامتيازات.

كما أن الخلاف الفقهي في مدلول التحكيم الرقمي امتد إلـى تحديـد طبيعته القانونية فيما إذا كان مجرد تحكيم تقليدي بوسيلة تكنولوجية حديثة، أم أنه تحكيم رقمي مستقل بذاته ومحدداته.

2- طبيعة نظام التحكيم الرقمي:

لم يختلف الفقه على تعريف التحكيم الرقمي بالنظر للوسيلة والطبيعة العملية فحسب، بل امتد الخـلاف إلى تحديد طبيعته القانونية، حيث أثير الخلاف حول ما إذا كان مجرد تحكيم تقليدي بوسيلة تكنولوجية حديثة، أم أنه تحكيم رقمي مستقل بذاته ومحدداته. ولتحديد الطبيعة القانونية للتحكيم الرقمي أهمية بالغة تبرز من خلال اعتباره محددا في اختيار الوسـيلة الملائمـة لتطويره والنهوض به، فهل يعد التحكيم الرقمي تحيينا وتطورا للتحكيم التقليـدي؟ وبالتالي يتطلب الأمر فقط تعديل القوانين والمعاهدات الخاصة بالتحكيم بشكل يلائـم التطور الحاصل؟ أم أنه تحكيم رقمي بديل عن التحكيم التقليدي مما يقتضي بالضرورة صياغة قواعد جديدة خاصة به؟

انقسم الفقه في هذا الصدد إلى اتجاهين: اتجاه الأول يرى أن التحكيم الرقمي لا يعـدو كونـه تطورا للتحكيم التقليدي والثاني يرى أنه بديلا عنه وله محدداته الخاصة:

يعتقد أصحاب الاتجاه الأول أن التحكيم الرقمي جاء نتيجة تطور التكنولوجيـا الذي أفرز التنمية المعلوماتية والتـي بدورها استهدفت كل المجالات، فالتحكيم الرقمي أصوله تقليدية وقواعده تاريخية ووسيلته رمز معاصرة مؤسسته وقدرتها على مواجهة تحديات العولمة ومواكبة تطورات الرقمنة.

في حين يرى أصحاب الاتجاه الثـاني أنـه لا يجـدر بالبيئـة الإلكترونية استخدام التحكيم التقليدي لفض منازعاتها، ويفضلون فكرة استقلال نظام التحكيم الرقمي بذاته، وبين هذا الرأي وذاك يرى البعض أن التحكيم الرقمي خليط مـن القواعـد والشـروط الخاصة بحلول المنازعات، التي وإن كانت مبنية على البيئة التحكيمية التقليدية إلا أنها بلا شك قد ولدت قواعد وأعراف جديدة شكلت نوعا من الاستقلالية لنوع جديد من التحكيم.[76] حيث إن معالجة رأي أصحاب هذا الاتجاه بالتفصيل يجعل الباحث يخلص إلى تضارب تبريراتهم المدافعة عن توجههم هذا، فكيف لتحكيم الكتروني نابع من بيئة تقليدية، آخذ بجميع قواعد التحكيم في ثوبه التقليدي أن يتطلب استحداث قوانين خاصة به لعلة اختلاف الوسيلة. فهل يمكن أن يشكل تبني هذه النظرية ضربا آخر من ضروب أصالة مؤسسة التحكيم؟

لا شك أن تطور النظام القانوني الداخلي والدولي للتحكيم التقليدي، وعلى الرغم من فعاليته، لا يعد وحده كافيا لمواجهة التحديات الناشئة عن رقمنة التحكيم، فلا بد من تنظيم ذاتي للتحكيم الرقمي يضفي على مقتضياته وآلياته الشرعية والمشروعية وقوة التنفيذ؛ حتى لا يصير التحكيم وسيلة رقمية لنظام تقليدي بل وسيلة بديلة أصيلة لفض النزاع، تفتح المجال مستقبلا أمام البحث في الدراسة والمقارنة بين نظام التحكيم الرقمي وباقي الأنظمة. كما يتوقع أن تصير مؤسسة التحكيم التقليدي مؤسسة الأمس.

المحور الثاني: مدى استيعاب مدلول التحكيم الرقمي للمفاهيم التقنية:
البين من معالجة أحد أهم أجزاء النظرية العامة للتحكيم الرقمي من خلال المحور الأول من هذه الدراسة والذي انصب حول أبعاد وحدود مدلول التحكيم الرقمي، أن استشراف نظام التحكيم المفاهيم التقنية خلف العديد من الإشكالات أثرت بشكل واضح على الصورة الصحيحة لهذا النظام العصري البديل لتسوية المنازعات خاصة على مستوى مدلول التحكيم الرقمي غير السليم. إشكالات فرضتها خصوصيات تكنولوجيا المعلوميات والاتصال. مما يتطلب البحث في مدى استيعاب مدلول التحكيم الرقمي للمفاهيم التقنية.

بعد تعريف كل ممن المصطلحين “التحكيم” و”الرقمي” المركبين لمعادلة دراستنا، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو كيف استطاع الفقه والتشريع الجمع بين المفهومين؟ وهل تم مزجهما بشكل يوحي بمدلول سليم لنظام التحكيم الرقمي وبيئته؟

مدلول هذه المفاهيم كما هو متداول في أنظمة التحكيم الرقمي غالبا ما يتعارض مع حقيقتها، إذ يصعب الحسم في سلامة مدلول هذه المفاهيم من عدم سلامته كما تناوله التحكيم الرقمي. يثير ربط التحكيم بمفاهيم تقنية تعبر عن الوسيلة التي استعملت في إجراءاته إشكالات جمة، لأن الأمر يقتضي مزجا علميا بين نظامين أولهما وجد لتحقيق الغاية (حل مختلف المنازعات) ألا وهو نظام التحكيم وثانيهما اعتمد لتطوير الوسيلة (حل تلك المنازعات بآليات تكنولوجية حديثة) إلى جانب تجويد الغاية المرجوة من النظام الأول (حل مختلف المنازعات بسرعة أكبر وبتكلفة أقل وبسرية تامة). ليضحى التحكيم الرقمي نظاما يجمع بين متلازمتين اثنتين يصعب من خلالهما الحسم في طبيعته ومفهومه.

مما لا شك فيه أن لكل اختصاصه، للقانوني اختصاصه وللتقني اختصاصه[77]. فلما استعمل القانوني مصطلحا تقنيا بمدلوله العام دون مراعاة خصوصياته وأبعاده التقنية، ودن عناء الرجوع إلى استشارة الفاعل التقني والمتخصص في مجال المعلوميات من جهة، وما تتطلبه التنمية المعلوماتية من ضرورة اعتماد القراءة بعيدة المدى للمفاهيم التقنية نظرا لقابليتها للتغير وفقا للتغيرات التي تخضع لها الآليات والمواد التكنولوجية من جهة ثانية. برزت مشكلات عديدة تجسدت في صعوبة استيعاب مدلول التحكيم الرقمي للمفاهيم التقنية بشكل يثير اللبس حول مدى سلامة تسميات التحكيم الرقمي من جانب أول، ثم مدى صحة وصف بيئة التحكيم الرقمي.

أولا- مدى سلامة تسميات التحكيم الرقمي:

تتعدد التعريفات الخاصة بالتحكيم الرقمي حسب الزاوية التي يرى بها كل فقيه لهذا التعريف، كما تعددت تسميات الفقه والتشريع التحكيم الرقمي وتعددت معها الدلالات وتعددت معها تبعا الإشكالات المرتبطة بالتحكيم الرقمي. فبعد تشخيص مختلف التسميات المخصصة للتحكيم الإلكتروني خلصت الدراسة إلى تمييز تسميات التحكيم الرقمي بين تسميات تتماشى والمفهوم التقني وأخرى تتضارب مع هذا الأخير.

1- تسميات التحكيم الرقمي المتماشية مع المفهوم التقني:

استرسالا لما تناوله المحور الأول من هذه الحلقة العلمية، تعددت تسميات الفقه والتشريع التحكيم الرقمي وتعددت معها الدلالات حيث سمي بالتحكيم الإلكتروني لأنه يتم بوسائل إلكترونية، كما عرفه البعض الآخر تعريفا تقنيا على أنه: “نظام التحكيم المعتمد على تقنيات سواء كهربائية، رقمية، مغناطيسية، لاسلكية، بصرية، كهرومغناطيسية أو غيرها من الوسائل المشابهة“.[78]

فلما استعمل مصطلح “الكتروني” إلى جانب التحكيم فإن مدى سلامة مفهومه تجد سندها في كون المادة الخام التي تستعمل في العمليات التكنولوجية هي في الأصل شحنات الكترونية مترجمة للعديد من الظواهر الفيزيائية، مثل الكهرباء والمغناطيسية والتوصيل الحراري. وبالتالي فإن القول بكون التحكيم الكترونيا تظهر سلامته في حجة اعتماد أطراف المنازعة أثناء إبرام الاتفاق وخلال سير الخصومة التحكيمية وسائل الكترونية. قد يعترض البعض بالقول أن ثمة مجموعة من الوسائط والآليات المعتمدة في الربط البيني لشبكات الاتصال لا تتخذ دائما الإلكترونات كوحدات لتبادل الإشارات والمعلومات كما هو الحال بالنسبة للألياف البصرية التي تعتمد على نقل الإشارات الضوئية[79] يقوم مبدأها على ظاهرة الانعكاس الكلي[80]، فالقول بذلك وإن كان سليما من الناحية العملية إلا أن مسار تلك الإشارات الضوئية ينتهي به الأمر ليترجم إلى إلكترونات كهربائية حتى يتسنى للجهاز المستقبل لهذه الإشارات ترجمتها إلى رسالة رقمية.

أما تسمية التحكيم السيبراني CYBER-ARBITRATION فمردها استعمال هذا النظام الحواسيب وشبكات الاتصال، وسمي كذلك تحكيما شبكيا ARBITRATION USING ONLINE TECHNIQUES نظرا لكون شبكات الاتصال تشكل الدعامة المعلوماتية التي يتم عبرها مباشرة التحكيم عن بعد، وهو ما يبرر تسميته كذلك بالتحكيم عن بعد ARBITRGE A DISTANCE.

وفي نظرنا تظل تسمية التحكيم الرقمي ARBITRAGE NUMERIQUE أو ARBITRAGE DIGITAL، الأكثر دلالة والأقرب للوسيلة التقنية المعتمدة. فبعد تطور وسائل الاتصال وما أنتجته التنمية المعلوماتية، زاح المفهوم الرقمي نسبيا المفهوم الإلكتروني لتترجم الأرقام لواجهات ملموسة تقتصر فقط على النقر أو اللمس دون الحاجة لتحمل عبء حساب المعادلات الرقمية “الخوارزمية”. وانتقل توجيه الأوامر للحاسوب من واجهة الكترونية تقليدية إلى واجهة رسومية لا تتطلب سوى النقر على الإيقونة المعبرة عن الأمر المراد توجيهه للنظام المعلوماتي. من جانب آخر استعملنا مصطلح التحكيم الرقمي، والذي يوحي بنوع من المسايرة والمواكبة التطور التكنولوجي، لأن جميع المعاملات الإلكترونية المنجزة عبر الوسائط الإلكترونية أصبحت تترجم للغة رقمية[81]، سواء تعلق الأمر بالمحررات أو بالصوت والصورة. وبالنظر إلى مختلف المجالات المواكبة للتطور المعلوماتي والتحديث، نجدها تستعمل مصطلح الرقمنة للتعبير عن تبنيها للآليات المعلوماتية، كما هو الحال بالنسبة ل”المغرب الرقمي”[82] و”المحكمة الرقمية”[83]. لكل هذا زكت هذه الدراسة التوجه الآخذ بتسمية التحكيم الرقمي معتبرة إياها التسمية السليمة والأصيلة لنظام التحكيم العصري. إلا أنه ثمة مفاهيم أخرى في بحر هذا النظام العصري، أثبت البحث في مدلولها ونسقها أنها محل تساؤل فيما إذا كانت سليمة أم لا.

2- تسميات التحكيم الرقمي المتعارضة مع المدلول التقني:

إذا كانت بعض الأنظمة القانونية قد أفلحت في منح التحكيم الرقمي موقعا سليما من خلال الموازنة بين بيئة التحكيم والبيئة الرقمية، فإن أنظمة أخرى تبنت مفاهيم لا تتماشى ونظام التحكيم سواء فيما يتعلق بأهدافه أو ما يتعلق بآلياته الحديثة. لعل أبرز ما يثير التساؤل في ذات السياق هو مدى اعتبار التحكيم الرقمي بآلياته المادية وبالتواجد المادي لأطراف الخصومة التحكيمية عن بعد، تحكيما افتراضيا VIRTUAL ARBITRATION[84]، خصوصا وأن البعض أشار بأنه تحكيم تتم إجراءاته عبر شبكة الاتصالات الدولية دون الحاجة إلى التواجد المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان واحد، والمراد بذلك أن التواجد يعد لاماديا لأحد الأطرف، لا يقصد به قطعا أن الطرف الآخر يعد افتراضيا، فتواجده يعد ماديا في موطنه. فهذا الأمر لا يجب أن يفهمه البعض الآخر فهما باتا بمدلول التواجد للامادي لدرجة الجزم في اعتبار افتراضية التحكيم الرقمي، بل إن آليات التحكيم من أطراف ووسائط الكترونية هي الأخرى آليات لها تجسيد مادي، والمعلومات المتبادلة عبر هذه الآليات لها تجسيد مادي على شكل إلكترونات تترجم إلى وحدات ضوئية أو رقمية حسب الأحوال. وهو الأمر الذي يمكن معه القول بأن اعتبار التحكيم الرقمي افتراضيا يعد لا محالة ضربا في مشروعية التحكيم وضربا من ضروب فقدان الثقة في نظام التحكيم في ثوبه الرقمي.

أما القول بالتحكيم تحكيما عبر الخط ONLINE ARBITRATION[85] يثير إشكالات عديدة سواء من الجانب القانوني المتعلق بالتحكيم أو ما ارتبط بالجانب التقني العملي. فهل كلمة “عبر الخط” التي اعتمدت كترجمة لكلمة “ONLINE” يقصد بها القيام بجميع مراحل التحكيم من إبرام اتفاقه وسير إجراءاته وتنفيذه عبر الاتصال الآني المباشر بين الأطراف عن بعد؟ وهو التوجه القريب من المعنى المخصص لهذا المصطلح في مجال المعلوميات، أم أن المراد بهذا المصطلح هو قيام التحكيم بمختلف مراحله باستعمال خط من خطوط الاتصال بشبكة المعلوميات “LINE“[86]؟

استمر تعدد تعريفات الفقه للتحكيم الإلكتروني تزامنا مع تنوع تسمياته، حيث نجد كذلك تسمية التحكيم عبر الإنترنت، صحيح أن التحكيم الرقمي يتم عبر الإنترنت، لأنه رغم تعدد الشبكات المعلوماتية ظلت خدمة الإنترنت هي المحتكر الحصري لخدمات الاتصال الرقمي وبالتالي يمكن قبول مفهوم التحكيم عبر الإنترنت في الوقت والوضعية الراهنتين في ظل عدم تعدد أنظمة شبكات معلوميات ، وهو ما سنعالجه بالتفصيل فيما يلي.

ثانيا- مدى سلامة وصف بيئة التحكيم الرقمي:

من خلال تعريف مفهوم التحكيم الرقمي يتضح أنه يتميز عن غيره باستخدام وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد عمى تقنية المعلومات والاتصالات والتي تمثلت في شبكة الإنترنت وهو تحكيم بذات الوسيلة التي يتم بها التعامل الإلكتروني ألا وهي الوسيلة الإلكترونية. لذلك عرف البعض، كما تقدم، التحكيم الرقمي بربطه بالمعاملات الإلكترونية، من خلال اتفاق أطراف العلاقة القانونية لإخضاع المنازعات التي نشأت أو تنشأ مستقبلا من المعاملات الإلكترونية للفصل في النزاع بإجراءات إلكترونية وإصدار حكم ملزم فيها[87].

1- ربط مفهوم التحكيم الرقمي بالمعاملات الإلكترونية.

انصبت أغلب الدراسات على التحكيم الرقمي في علاقته بالتجارة الإلكترونية وكأن الأمر يتعلق بمتلازمتين. فلما عرف البعض التحكيم الرقمي بأنه: “نظام قضائي إلكتروني خاص يهدف إلى إجراء تسوية المنازعات الناشئة أو المحتمل حدوثها إلكترونيا بين الأطراف المتعاملة في التجارة الإلكترونية من خلال اتفاق سابق للنزاع أو مزامن له يقضي بذلك“،[88] مما أثار تساؤلات أخرى في ذات السياق، هل التحكيم الرقمي وجد فعلا لحل المنازعات التي نشأت أو تنشأ مستقبلا من المعاملات الإلكترونية دون غيرها؟ أم أن القول بذلك مرده أن غالبية المنازعات التي يتم من خلالها اللجوء إلى التحكيم الرقمي مصدرها معاملات الكترونية وقلما يلجأ إليه بالنسبة لغير تلك للمنازعات؟ أم أن هذا التوجه يعد استباقا لرؤية مستقبلية، لأن جل المعاملات في مختلف المجالات ستصبح لا محالة مسقبلا معاملات إلكترونية؟

من خلال ما تقدم يتضح أن الدراسة حرصت على اعتماد التعريفات التي أسندت للتحكيم الإلكتروني اختصاص النظر في مختلف المنازعات، لكن بالرجوع للعديد من الدراسات اتضح جليا أن أغلبها ربط البحث في التحكيم الرقمي باعتباره آلية لحل المنازعات المترتبة عن المعاملات الإلكترونية، لدرجة أن البعض أشار إلى أنه لا وجود للورقة أو الكتابة في هذا التحكيم[89]، فهل يراد بقولهم هذا أن المنازعات المعروضة على التحكيم الرقمي يفترض أن تكون ناجمة عن معاملات منجزة بذات الوسيلة الرقمية المعتمدة في التحكيم الرقمي؟

مما لا شك فيه أن هذا التوجه مرده هو إيمان المهتمين بمجال المعاملات في مختلف الميادين بأن الصحوة المعلوماتية والتطور المتلاحق في مجال الاتصالات والتوجه العصري الذي يسير عليه المجتمع الدولي والتنظيمات الوطنية، حيث أصبح الحديث عن التجارة الرقمية والإدارة الرقمية وغيرها من مشاريع الرقمنة والتحديث، ستدحض لا محالة العقود التقليدية. لكن هذا التبني يعد سابقا لأوانه لأنه لا زالت هناك أنظمة وطنية في طور استشراف مؤسسة التحكيم الرقمي، ولا زالت مجتمعات تتمسك بالتعاقد التقليدي لتضافر عوامل وتحديات اقتصادية واجتماعية ستكون موضوع حلقات لاحقة من هذه السلسلة العلمية.

كما يلاحظ في نفس السياق أن العديد من دراسات ربطت مفهوم التحكيم الرقمي من جهة أخرى بالتجارة الإلكترونية، فهل يعني ذلك تعلق التحكيم الرقمي بمنازعات التجارة الإلكترونية دون غيرها من المعاملات الإلكترونية؟

لعل ما يبرر هذا الربط هو أنه بديهي كون أغلب المعاملات التي يحتكم أطرافها إلى نظام التحكيم الرقمي هي معاملات تجارية ليكشف النقاب عن نظام التحكيم على اعتباره كفيلا بفض النزاعات الناجمة عن هذه العقود دون معوقات وسلبيات جلية مثل تلك التي واجهت النظام القضائي من جهة، كما أن ازدهار التجارة عبر القنوات الإلكترونية أبرز بدوره نوع جديد من المنازعات سواء تلك المتعلقة بالعقد الإلكتروني أو المنازعات غير التعاقدية المرتبطة بالتجارة الإلكترونية كمنازعات الملكية الفكرية من جهة أخرى، الأمر الذي تطلب البحث عن آلية موائمة كفيلة بحل هذه المنازعات. وهكذا ساد مفهوم التحكيم الرقمي بشكل ارتبط بقوة بمنازعات التجارة الإلكترونية. لكن رغم ذلك ينبغي أن تحض دراسة التحكيم الرقمي بخاصية الشمولية، ولو اقتضى الأمر دراسته في بحر التجارة الإلكترونية فإنه لا ينبغي حصر دوره في هذا المجال فحسب حتى لا يفسح المجال أمام القول بعدم قابلية التحكيم الرقمي لحل منازعات التجارة التقليدية.

2- اقتصار الوسيلة في التحكيم الرقمي على شبكة الإنترنت

بالرجوع للعديد من الدراسات نجدها جزمت في اعتبار الإنترنت الوسيلة الحصرية المعتمدة كوسيط في التحكيم الرقمي والحال أن الإنترنت[90] تعد شبكة من شبكات الاتصال، بل إنها تقوم بعمل وحيد أولي وبسيط، وهو إيصال رسالة رقمية بين عقدتين لكل منهما عنوان مميز بطريق “التخزين والتمرير” بين عقد عديدة ما بين العقدة المرسلة والعقدة المستقبلة باعتماد بروتوكول IP [91]. لأجل ذلك يمكن القول بأن التحكيم الرقمي هو كل تحكيم يتم عبر الإنترنت أو أي وسيلة أخرى لفض مختلف المنازعات بحيث يتم عرض النزاع والسير في إجراءاته وإصدار المقرر وتبليغه بطريقة الكترونية.

خاتمة:

فرضت طبيعة هذه الدراسة المعقدة للتحكيم الإلكتروني، الذي يتداخل فيه القانوني مع التقني، أن يتوجه التحليل نحو إقناع القانوني بسلامة الآليات المعتمدة في التحكيم الرقمي، وذلك من خلال محاولة استبعاد المفاهيم السلبية الماسة بمشروعية ومادية هذا النظام العصري، وكذا تتبع واستقصاء هذه الآليات والاستراتيجيات التي سخرتها التنمية المعلوماتية والتي شكلت ضمانات للاقتناع بنجاعة التحكيم الرقمي كوسيلة بديلة لحل المنازعات والتيقن بأن إشكالية الثقة إشكالية متجاوزة.

وبكل هذا وذاك خلصت هذه الدراسة إلى النتيجة الأولى من هذه السلسلة ألا وهي:

تتعدد تسميات التحكيم بثوبه التكنولوجي إلا أن تسمية “التحكيم الرقمي” تظل أكثر دلالة لتماشيها مع التوجه الحديث للتنمية المعلوماتية. ولا وجود لمفهوم الطبيعة الافتراضية للتحكيم الإلكتروني لأن كل ما يدور في فلك التحكيم يعد بالفعل عنصرا ماديا ملموسا وجزءا من الطبيعة، ويظل مفهوم التواجد اللامادي لأطراف التحكيم معيبا، بل إن وجودهم وجود مادي، حيث كل في موطنه، وذلك حتى لا يترتب عن ذلك المساس بمشروعية العملية التحكيمية الرقمية.
وبناء على ذلك تم إدراج التوصية التالية:

اعتماد “التحكيم الرقمي” تسمية نظام التحكيم في ثوبه التكنولوجي الحديث، لما لها من دلالة على مواكبة التنمية المعلوماتية، علاوة على “عدم تواجد الأطرف في مجلس موحد” بدل مفهوم التواجد الافتراضي واللامادي.

المراجع

[1] المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، 1996، ص 165.

[2] سورة النساء – الآية 65.

[3] أحمد بن محمد بن إسماعيل الحنفي، “حاشية الطحاوي على الدار المختار”، ج 3، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1957، ص 27.

[4] الحصكفي، الدر المختار شرح تنوير الأبصار، مع حاشية ابن عابدين، ط2، القاهرة: 1966، ص 428.

[5] Article 1442 Modifié par Décret n°2011-48 du 13 janvier 2011 – art. 2 : ” La convention d’arbitrage prend la forme d’une clause compromissoire ou d’un compromis./La clause compromissoire est la convention par laquelle les parties à un ou plusieurs contrats s’engagent à soumettre à l’arbitrage les litiges qui pourraient naître relativement à ce ou à ces contrats. /Le compromis est la convention par laquelle les parties à un litige né soumettent celui-ci à l’arbitrage “.

[6] Article 1447 Modifié par Décret n° 2011-48 du 13 janvier 2011 – art. 2 : “La convention d’arbitrage est indépendante du contrat auquel elle se rapporte. Elle n’est pas affectée par l’inefficacité de celui-ci.”/Lorsqu’elle est nulle, la clause compromissoire est réputée non écrite “.

[7] Ch.JARROSSON, La notion d’arbitrage, « L’arbitrage et la Convention européenne des droits de l’homme », Rev.arb, 1989, p 77.

[8] O.Cachard, International Commercial Arbitration: Electronic Arbitration (New York: United Nations Conference on Trade and Development, 2003), online: www.unctad.org, 15/05/2019.

[9] تعريف و معنى إلكتروني في معجم المعاني الجامع الموقع:www.almaany.com ، 15/05/2019.
[10] دليل منظمة الويبو للملكة الفكرية، السياسة والقانون والاستخدام، منشورات طلال أبو غزالة، عمان، الأردن، 2007، ص284.

[11] القانون الكندي الموحد للتجارة الإلكترونية 1999، في المادة 1، فقرة ‘أ’ من الجزء الأول، متاح: www.laws-lois.justice.gc.ca، 15/05/2019.

[12] Carrington, “Virtual Arbitration”, 2000, Ohio St. J. on Disp. Resol. 669 at 669.

[13] عماد الدين المحمد، طبيعة وأنماط التحكيم مع التركيز على التحكيم عبر الإنترنت، بحث منشور بالموقع: www.alittihad.ae، 16/05/2019.

[14] G. Herrmann, “Some Legal E-flections on Online Arbitration (“cybitration”)” in: R. Briner, L. Y. Fortier, K. P. Berger, J. Bredow, eds., Law of International Business and Dispute Settlement in the 21st Century (Köln: Liber Amicorum Karl-Heinz Böckstiegel, 2001) at 267. Herrmann claims copyright for the word “cybitration”.

[15] T. J. Lanier, “Where on Earth does Cyber-arbitrationOccur?”, International Review of Arbitral Awards Rendered Online”, 2000, ILSA J. Int’l & Comp. L. 1 at 1.

[16] Julian Kritzinger, COMMERCIAL ARBITRATION IN CYBERSPACE: THE LEGAL AND TECHNICAL REQUIREMENTS TOWARDS A MORE EFFECTIVE LEX ELECTRONICA ARBITRALIS, SUBMITTED TO THE UNIVERSITY OF CAPE TOWN in fulfillment of the requirements for the degree PhD FACULTY OF LAW: UNIVERSITY OF CAPE TOWN, February 2016.

[17] استخدم مصطلح الفضاء الإلكتروني للمرة الأولى (William Gibson) وهو كاتب في الخيال العلمي وبالأخص في نوع الأدب الذي يعرف باسم الشر الإلكتروني، إلا أن المفهوم كان قد تم شرحه سابقا، مثلا في رواية (John M. Ford’s) بيت الملائكة العنكبوتي (Web of Angels).

[18] In this article we decided to use the term ‘online arbitration’. It seems to be the most popular as well as possessing a number of international connotations, see: Internationales Online-Schiedsgericht, online: www.secumedia.de, 15/05/2019

[19] Electronic Arbitration as a Solution for Electronic Commerce Dispute Resolution in the UAE, Obstacles and Enforceability Challenges By MOHAMMED AL HAMED Thesis submitted to the University of Gloucestershire For the degree of DOCTOR OF PHILOSOPHY In Commercial Law : ” Thus E-Arb was defined to be a method of resolving disputes via online platforms that provide arbitration services “.

[20] Université de Montréal 11 Arbitrage en ligne et les litiges du commerce électronique par Penda Ndiaye Université de Montréal Faculté de droit Mémoire présenté à la Faculté des études supérieures en vue de l’obtention du grade de Maîtrise en droit (LLM) Décembre 2006.

[21] Penda Ndiaye, Arbitrage en ligne et les litiges du commerce électronique, Université de Montréal Faculté de droit Mémoire présenté à la Faculté des études supérieures en vue de l’obtention du grade de Maîtrise en droit (LLM), Décembre 2006. “la gestion de la procédure arbitrale se fera à distance”.

[22] J. Hörnle, “Online Dispute Resolution: More than the Emperor’s New Clothes” in E. Katsh & D. Choi, eds., Online Dispute Resolution (ODR): Technology as the “Fourth Party”. Papers and Proceedings of the 2003 United Nations Forum on ODR (2003), online: www.odr.info, 17/05/2019.

[23] محمد عرفة، التحكيم الالكتروني وضرورته للتجارة الالكترونية في صحيفة الاقتصاد الالكترونية، العدد، 4668، www.alegtisadah.com، 17/05/2019

[24] بودٌسة كرٌم ” التحكٌم الإلكترونًي كوسٌيلة لتسوٌية منازعات عقود التجارة الإلكترونٌية “، رسالة لنٌل دبلوم الماستر فًي قانون التعاون الدولً جامعة مولود المعمري، تٌزي وزو كلٌة الحقوق والعلوم السٌاسٌة الجزائر السنة الجامعٌة 2016، ص 9 و 01.

[25] MyCercle, Arbitrage et numérique, Juin 2017, étude peut être obtenue sur : www.avocat.mycercle.net.

[26] Ejust, L’arbitrage digital, une solution innovante au service des entreprises, 2016, en ligne:
www.business.lesechos.fr, 17/05/2019.
[27] Language Binaire: c’est-à-dire 0 ou 1 en numérotation binaire. Il s’agit de la plus petite unité d’information manipulable par une machine numérique.

[28] رضوان هاشم حمدون الشريفي، نحو نظام قانوني للتحكيم الالكتروني ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية، مصر، 2013، ص16.

[29] جعفر ذيب المعاني، م س، ص3.

[30] عامر إبراهيم قنديلجي، م س، ص 174.

[31] عامر إبراهيم قنديلجي، م س، ص 561.

[32] عامر إبراهيم قنديلجي، م س، ص 199.

[33] عامر إبراهيم قنديلجي، م س، ص 563.

[34] عامر إبراهيم قنديلجي، م س، ص 553.

[35] موسوعة المعرفة، 2017، موقع: www.marefa.org، 18/05/2019.

[36] محمد سعيد أحمد إسماعيل، م س، ص 38.
[37] مثال هذه العمليات شبكةTPN-GEIS التابع لمؤسسة الأنظمة الالكترونية العامة للمعلوماتية ، هذا النظام يمكن المشتري من طرح إعلانات الشراء على شبكة الويب وتقريبه من المنتج، كما يوفر خدمات البيع الالكتروني بالمناقصة.

[38] مثال ذلك دكان البقال على الإنترنت في فنلندا RUOKA.NET ، يستطيع هذا البقال بيع سلعته بواسطة الإنترنت منذ 1998، هذه المؤسسة الخاصة تقوم بجميع عملياتها التجارية على الإنترنت، وهي تحرص على تطوير خدماتها حتى توفر أحسن الطرق لتوزيع وإيصال السلع إلى الزبون أينما كان.

[39] إن محل العقد التجاري ممكن أن يرد على تسويق الخدمات، مثل خدمة دفع الضرائب عبر الإنترنت، والمثال على ذلك موقع eservices.com التابع لمصلحة الضرائب الأمريكية، حيث أن التجار يبرموا عقد لأداء خدمة دفع الضريبة عبر الإنترنت نظير مقابل مادي. صفاء فتوح جمعة فتوح، م س، ص .26

[40]عصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، ماهيته، إجراءاته، آلياته في تسوية منازعات التجارة الإلكترونية والعلامة التجارية وحقوق الملكية الفكرية، دار الجامعة الجديدة، مصر،2009 ، ص29.

[41] عصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، م س، ص 185

[42] سمير حامد عبد العزيز جمال، التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، مصر، 2005، ص79.

[43] أسامة أبو الحسن مجاهد، “خصوصية التعاقد عبـر الإنترنت”، دار الكتب القانونية، مصر، سنة 2002، ص57.

[44] محمد أمين الرومي، النظام القانوني للتحكيم الالكتروني، دار الفكر الجامعي، مصر، 2006، ص34.

[45] أسامة أبو الحسن مجاهد ، التعاقد عبر الإنترنت، م س، ص 140.

[46] لزهر بن سعيد، م س، ص 53، 54.

[47] مراد محمود يوسف مطلق، التعاقد عن طريق وسائل الاتصال الإلكتروني، جامعة الإسكندرية-كلية الحقوق، مصر، 2007، ص 89.

[48] عمر سعد اهلل، حل النزاعات الدولية، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص 204.

[49] محمد بواط، التحكيم في حل النزاعات الدولية، مذكرة ماجستير، في القانون العام، جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف، الجزائر، 2008، ص 169.

[50] محمد أمين الرومي، م س، 2006، ص45.

[51] خليفي سمير، حل النزاعات في عقود التجارة الالكترونية، مذكرة ماجستير في القانون الدولي، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر، 2010، ص10 ص11.

[52] محمد بواط، م س، ص164.

[53] يونس عرب، منازعات التجارة الدولية، مؤتمر التجارة الالكترونية، بيروت، لبنان، 2000، ص 07.

[54] عصام عبد الفتاح مطر، المرجع نفسه، ص ص 297 ،298.

[55] عصام عبد الفتاح مطر، م س، ص 288، ص289.

[56] عصام عبد الفتاح مطر، التجارة الالكترونية في التشريعات العربية و الأجنبية، م س، ص249.

[57] خليفي سمير، المرجع و الموضع نفسه.

[58] تسمى كذلك: عقود خدمات المعلوميات، وهو العقد الذي محله المعلومات المعالجة آليا، والمبرم بين مورد ومستخدم مهني أو مستهلك، والمعد مسبقا من الأول الذي استخدم لإبرامه تقنيات الاتصال عن بعد، ويتعهد بموجبه بتوريد معلومات إلى الثاني، نظير مقابل مالي.

[59] نور حمد الحجايا، مصلح أحمد الطراونة، التحكيم الالكتروني، مجلة الحقوق ، المجلد الثاني، العدد01 ، سوريا،2003 ،ص 210.

[60] خلوي عنان نصيرة، الحماية القانونية للمستهلك عبر الإنترنت، مذكرة ماجستير، جامعة مولود معمري تيزي وزو، الجزائر، 2013 ،ص 04، ص 05.

[61] مصلح أحمد الطراونة، م س، ص212.

[62] رامي محمد علوان، التعبير عن الإرادة عن طريق الإنترنت و إثبات التعاقد الالكتروني، مجلة الحقوق لجامعة الكويت، العدد 02، الكويت، 2002، ص 267، 268.

[63] FAUCHOUX Vincent –DEPREZ Pierre, « Le droit de l’Internet », LexisNexis, france, 2017, p 31.

[64] من تطبيقات هذه الحالة قضية عرضت على مركز الويبو للتحكيم والوساطة والتي قام فيها المسجل بتسجيل عنوان إلكتروني www.philipssucks.com الذي يتكون من علامة تجارية Philips مع إضافة كلمة ثانية suck، وقد قرر الفريق المكلف بالنظر في القضية إعادة العنوان الإلكتروني للشركة. – رامي محمد علوان، م س، ص 284. – عصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، م س، ص 262 .

[65] ففي قضية جمعت شركتين أمريكيتين تدعيان حقوقا على التسمية Moviebuff قامت أحدهما بتسجيل هذه التسمية في صورة عنوان الكتروني خاص بهاwww.moviebuff.com في سنة 1996 أي قبل تسجيل الأخرى لها كعلامة تجارية في سنة 1998، وقد صدر الحكم في هذه القضية لصالح مسجل العنوان الإلكتروني استنادا إلى أسبقية تاريخ تسجيله عن تاريخ تسجيل العلامة التجارية، وهذه الأسبقية جعلتهم يرفضون دعوى التقليد التي حركتها الشركة مالكة العلامة لاحقة في التسجيلعصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، م س، ص ص 260 ،261.

[66] عصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، نفس المرجع و الموضع.

[67] حسام الدين فتحي ناصيف، المسؤولية عن الإضرار بحقوق المؤلف عبر الإنترنت، دار النهضة العربية، مصر، 2002 ،ص ص12، 11.

[68] عصام عبد الفتاح مطر، التحكيم الالكتروني، المرجع نفسه، ص 414.

[69] حسام الدين كامل الأهواني، حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الإنترنت، ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، 2009، ص10.

[70] جعفر ذيب المعاني، م س، ص33.

[71] إبراهيم خالد ممدوح، م س، ص .248

[72] النعيمي آلاء يعقوب، الإطار القانوني لاتفاق التحكيم الالكتروني، موقع المؤتمر التجاري الدولي، ص976، متاح فـي: www.slconf.uaeu.ac.ae، 03/05/2019.

[73] الطروانة مصلح أحمد والحجايا نور حمد، التحكيم الالكتروني، مجلـة الحقـوق، عـدد 1 ،مجلـد 2 ، سوريا، 2003، ص207 .

[74] Gabrielle Kaufmann-Kohler, Thomas Schultz: Online Dispute Resolution: Challenges for Contemporary Justice, Published by Kluwer Law International, Hollande, 2004, P.26.

[75] -Graham Ross, Challenges and Opportunities in Implementing ODR, Proceedings of the UNECE Forum on ODR, 2003, P.2, www.odr.info, 03/05/2019.

-Joseph W. Goodman: THE PROS AND CONS OF ONLINE DISPUTE RESOLUTION: AN ASSESSMENT OF CYBER-MEDIATION WEBSITES, P.1, www.law.duke.edu, 03/05/2019.

-Thomas Schultz: RESOLVING OFFLINE DISPUTES IN AN ONLINE SOCIETY, P. 30, www.odrworkshop.info, 03/05/2019.

[76] نصير معتصم سويلم، مدى تحقق الشروط المطلوبة في التحكيم التقليدي في ظل التحكيم الالكترونـي، ص10، متـاح: www.arablawinfo.com، 03/05/2019.

[77] الدكتور فريد السموني، المحاضرة التوجيهية للسنة الأولى ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات، الفوج الرابع، مادة المسطرة الجنائية المعمقة، 2017.

[78] رضوان هاشم حمدون الشريفي، نحو نظام قانوني للتحكيم الالكتروني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية ، 2013، ص21.

[79] لحسن أدراص، باحث في دكتوراه علوم الفيزياء، حوار مباشر حول الدعامة الالكترونية المعتمدة في شبكات الاتصال، تيفلت، 27/04/2019.

[80] Total reflection

[81] Language Binaire: c’est-à-dire 0 ou 1 en numérotation binaire. Il s’agit de la plus petite unité d’information manipulable par une machine numérique.

[82] إستراتيجية المغرب الرقمي “MAROC NUMERIQUE”، 2013، متاح على البوابة الوطنية: www.maroc.ma

[83] منشور بموقع الوزارة: تقرير عن أهم منجزات وزارة العدل والحريات برسم سنة 2012.

[84] Carrington, “Virtual Arbitration” (2000) 15 Ohio St. J. on Disp. Resol. 669 at 669.

[85] In this article we decided to use the term ‘online arbitration’. It seems to be the most popular as well as possessing a number of international connotations, for example: its German counterpart is ‘Online-Schiedsgericht’; see: Internationales Online-Schiedsgericht, online: http://www.secumedia.de.

[86] أو ما يعبر عنه كذلك في مجال الأنظمة والشبكات المعلوماتية ب “MEDIA-ACCESS”.

[87] رضوان هاشم حمدون الشريفي، م س، ص21.

[88] إيناس الخالدي، التحكيم الإلكتروني، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر، 2009، ص32.

[89] نبيل زيد مقابلة. التحكيم الإلكتروني، مقال منشور بموقع الدكتور عايض المري للدراسات الاستشارية والقانونية. على الموقع: www.dralmarri.com، 13/05/2019.

[90] هي شبكة اتصالات عالمية تسمح بتبادل المعلومات بين شبكات أصغر تتصل من خلالها الحواسيب حول العالم. تعمل وفق أنظمة محددة ويعرف بالبروتوكول الموحد وهو بروتوكول إنترنت. وتشير كلمة «إنترنت» إلى جملة المعلومات المتداولة عبر الشبكة وأيضاً إلى البنية التحتية التي تنقل تلك المعلومات عبر القارات.

إغلاق