دراسات قانونيةسلايد 1
عمل الهيئات التمييزية في محاكم الاستئناف (دراسة قانونية)
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي رئيس السلطة القضائية المحترم
تحية وتقدير
بناءً على توجيهات معاليكم تجاه عمل الهيئات التمييزية في محاكم الاستئناف بوصفها احدى جهات الطعن تدقيقاً في الاحكام وضرورة مواكبة التطور الحاصل في فقه المرافعات وضمان توفير افضل خدمة قضائية ممكنة تضمن الحريات وتصون الحقوق الدستورية والقانونية للانسان وبعد مراجعة لقانون التنظيم القضائي رقم 136 لسنة 1979 المعدل وقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل والقوانين ذات الصلة والاطلاع على آراء فقهاء وشراح قانون المرافعات ومنها كتاب معاليكم الموسوم (شرح قانون المرافعات) وكتاب المرحوم عبدالرحمن العلام والمرحوم صادق حيدر والدكتور عبدالعزيز روبي والدكتور عبده جميل مغصوب (الوجيز في قانون الإجراءات المدنية دراسة مقارنة) والدكتور محمد نصر الرواشدة ( إدارة الدعوى المدنية في النظام القضائي الأردني ) وملاحظة القوانين المقارنة ومنها ما اشار اليه معاليكم القانون المغربي رقم 447 لسنة 1974 المعدل أتقدم لمعاليكم بالورقة الآتية.
الاختصاص المدني
إن غاية الطعن في الأحكام كان أصلها توفر اكبر قدر ممكن من الضمانات لإطراف الدعوى في حماية الحقوق المقررة للشخص، وتعد وسيلة لإصلاح العيب أو الخطأ في الحكم الابتدائي أو تفادي الضرر الناتج عنه، كما يرى بعض شراح القانون إن الحكمة من طرق الطعن تقوم على التوافق بين فكرتين الأولى الاعتراف بحجية الأحكام التي تفترض إن الحكم عادل وصحيح، وبين فكرة إن القاضي الذي يصدر الحكم فرد من البشر ولا يوجد بشر معصوم من الخطأ والحكم القضائي هو عنوان الحقيقة وليس الحقيقة أحياناً، وهذا يؤدي إلى تنامي الشعور لدى المتقاضين بعدم الثقة، الذي يعد شعورا طبيعيا لدى المحكوم عليه، فكان لابد من فتح الباب ومنح ذلك المحكوم عليه حق الطعن في الحكم وتقديم مالديه من أسباب يعتقد بأنها تحمي حقه سواء بالإيجاب لدعواه أو بالرد او بالحكم له او عليه ويرفع ذلك الطعن الى محكمة اعلى درجة، ومن هذه الرؤيا ظهرت طرق الطعن العادية وغير العادية ومنها الاعتراض والاستئناف والتمييز وسواها مما ذكر في القانون، ثم راعى المشرع نقطة أخرى تتعلق بأهمية الدعوى ومقدار قيمتها وهل تستحق العناء والكلف الإضافية لعرضها على كافة طرق الطعن مثل سواها من الدعاوى التي قيمتها وأهميتها اكبر، وفرق بين الدعاوى حيث جعل بعضها تصدر فيها الأحكام بدرجة أولى قابلة للاستئناف وأخرى بدرجة أخيرة غير قابلة للاستئناف وعلى وفق حكم المادتين (31 ,32) مرافعات وهذا أدى إلى ان التي تصدر بدرجة أخيرة لا تخضع لطرق الاستئناف وإنما للتمييز وبعضها يكون الطعن فيها تمييزا أمام محكمة الاستئناف بصفتها التميزية وعلى وفق حكم المادة (34/2 ، 3) مرافعات ومن العرض المذكور نجد إن المشرع اوجد فرقاً في ضمانات الخصوم في بعض الدعاوى منعن غيرها وهذا يؤدي إلى نتائج عدة منها ما هو لصالح المحكوم وأخرى تنتقص من ضماناته وسأعرض لها على وفق الآتي :-
أ- المزايا : إن أهم المزايا وتكاد تكون المزية واحدة تتعلق بسرعة حسم الدعوى لان من حق صاحب الحق أن ينال حقه بأسرع وقت ممكن وعلى وفق ما جاء في الأسباب الموجبة لإصدار قانون المرافعات (( لا يكفي أن تكون الأحكام عادلة بل يلزم إلى جانب ذلك أن تكون سريعة ، ناجزة، قليلة الكلفة، مستوفية للضمانات، محكمة الإجراءات)) إلا أن هذا الأمر نسبي لأننا نجد ان المحكمة تنظر الطعن بمدة تتجاوز الأشهر والتطبيقات عدة وكثيرة، كذلك نجد ان الدعوى تعرض للتدقيق ويصدر قرار النقض وتعود إلى محكمتها وتبدأ سلسلة الإجراءات في نظر الدعوى من جديد ومنها التبليغات التي تستهلك معظم وقت الدعوى ثم يصدر الحكم وتراعى فيه ذات الإجراءات تجاه الأحكام الغيابية وتعرض على محكمة الطعن مرة أخرى وقد ينقض القرار وتبدأ سلسلة من الاجراءات وهكذا قد يكون النقض لأكثر من مرة او مرتين او حتى ثلاث مرات أحيانا وهذه تفقد مزية الاستعجال في نظر الدعوى أو التقليل من كلفتها.
ب- الآثار السلبية
1. إن من أهم الاثار السلبية هو حرمان الطرف الخاسر للدعوى من ضمانة عرض الدعوى على مرحلة أخرى من مرحلة التقاضي أمام محكمة أعلى درجة وهي محكمة الاستئناف لتدارك الخطأ الوارد في الحكم او لتدارك إجراء فات على المحكمة أن تجريه، حيث ان محكمة الاستئناف بصفتها التميزية مقيدة في نظر الطعن بوصفها محكمة تمييز لان المشرع منحها ذلك الاختصاص بعد اجتزائه من محكمة التمييز لغرض التخفيف عن كاهلها ولتتفرع للعناية في القرارات المتعلقة بالدعوى المهمة وعلى وفق الأسباب التي أدت إلى صدور قانون التعديل الخامس لقانون المرافعات المدنية رقم 3 لسنة 1977 ، وهذا يرتب اثر تجاه أطراف الدعوى حيث لا يجوز للمميز أن يقدم أسباب لم تقدم أثناء المرحلة الابتدائية على وفق حكم المادة (209) مرافعات، بينما في مرحلة الاستئناف تنقل الدعوى الى الحالة التي كانت عليها قبل إصدار الحكم ( الابتدائي) وتجري الطعن بمرافعة ودعوة الطرفين وليس عن طريق التدقيق، بمعنى تكون بمرافعة وللخصوم أن يقدموا الدفوع ويتبادلوا اللوائح وهذه توفر فرصة تدارك النقص الذي حصل في مرحلة المحاكمة الابتدائية ويعطي ضماناً اكبر للخصم المحكوم عليه في عرض كل أسبابه لمناقشة الحكم الذي صدر بحقه وعند ذاك سيكون أكثر قناعة بان كل دفوعه كانت محلا للتدقيق والمناقشة من المحكمة والمحكوم، حيث يحقق ذلك فائدتين الأولى وقائية تكفل الإشراف على قضاة محاكم البداءة ويجعلهم يتوخون العناية في التزام العدالة في الأحكام التي يصدروها ، والفائدة الثانية علاجية تمكن المتخاصمين من فرصة ثانية يعيدون فيها بحث منازعاتهم واستدراك ما فاتهم من أوجه الدفاع وإكمال النقص في وسائل التحقيق والإثبات لان النقص لا يظهر إلا بعد صدور الحكم في اغلب الأحيان، وفي نظره سريعة إلى إحصائيات محاكم الاستئناف سنرى عدد الأحكام التي فسخت كليا او تعديلا كذلك نجد نسبة كبيرة من الأحكام التي نقضت من محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية.
2. إن نظر الدعوى طعنا تمييزيا في الحكم الصادر فيها يمنع على محكمة الطعن التمييزي التدخل في بعض إجراءات الإثبات لأنها تدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع مثل البيانات الشخصية وقبول تعليق الحكم الغيابي على اليمين وغيرها لان محكمة التمييز هي محكمة قانون وليس محكمة موضوع ومهمتها النظر في مدى توفر الشروط الشكلية او الإجرائية لإصدار الحكم وادراة الدعوى، بينما في مرحلة الاستئناف يجوز للمحكمة أن تفحص الأدلة وتعيد الاستماع للبينات والاطلاع عليها لأنها محكمة موضوع ولها سلطة تقدير الأدلة وفحصها وفق موازينها الصحيحة
لذلك أرى أن ينقل اختصاص محكمة الاستئناف بصفتها التميزية إلى محكمة الاستئناف بصفتها الأصلية وتنظر فيه بمرافعة ودعوة الطرفين ويكون قرارها في هذا النوع من الدعاوى باتا ونهائيا لضمان غاية المشرع في سرعة حسم الدعوى وفي القانون المغربي ما يماثل هذا النظام وحقق نتائج مهمة وعلى وفق ما ورد في المسطرة المدنية المغربية رقم 447 لسنة 1974 المعدلة ، مع ملاحظة ان ذلك الاختصاص يكون في الاحكام والقرارات التي تصدر عن محاكم البداءة بعد دعوة الطرفين وسواء كانت التي تمارسها محكمة الاستئناف بوصفها جهة طعن في الأحكام التي تصدر تجاه موضوع الدعوى او في القرارات التي تصدر في القضاء المستعجل او الاختصاصات الواردة في المادة (216) مرافعات ، اما القرارات التي تنظرها الاستئناف بصفتها التميزية الصادر في غير إجراءات الدعوى مثل قرارات قاضي البداءة بوصفه منفذ عدل او التي تصدر عن المنفذ العدل بموجب قانون التنفيذ وقانون رعاية القاصرين وقانون التسجيل العقاري او غيرها التي تصدر من غير القضاة أو في غير دعوى يمنح ويفوض حق النظر فيها تدقيقا إلى محكمة الاستئناف بصفتها الأصلية تنظرها تبعا لاختصاصها الأصلي وبذلك نضمن عدم التقاطع مع النصوص القانونية النافذة، ولهذا تطبيق في المنظومة القانونية العراقية مثل الطعن في قرارات قاضي التحقيق أمام محكمة الجنايات فينظر في الطعن من هيئة محكمة الجنايات ذاتها التي تنظر في المحاكمة على وفق اختصاصها الأصلي وعلى وفق الاضاءة الكريمة من جنابكم تجاه القانون المغربي حيث ان ما ذكر له تطبيق فيها وحقق نتائج ايجابية.
الاختصاص الجزائي
أ- أما عن الاختصاص الجزائي لمحكمة الاستئناف بصفتها التميزية والوارد بموجب أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 104 لسنة 1988 والقرار 57 لسنة 1992 وغير ذلك من القوانين النافذة، أرى ان يستحدث طريق الطعن استئنافاً بقرار محكمة الجنح وتشكل هيأة استئئناف جزائية تنظر الطعن بوصفها درجة ثانية من درجات التقاضي ولها سلطة محكمة الموضوع وسيوفر ذلك لأطراف الدعوى فرصة وضمانة إضافية وعلى وفق ما ورد ذكره آنفا عند التعرض إلى الاستئناف في الدعوى المدنية، فضلا عن ذلك فان محكمة الجنح تتعامل مع حرية الإنسان لأنها تفرض الجزاء والعقوبة السالبة للحرية مما يؤثر على مستقبل وحاضر المهتم أو المشتكي أو أي طرف من أطراف الدعوى ولا يوجد ما يمنع من اعادة المحاكمة من هيئة الاستئناف بوصفها محكمة موضوع وليس جهة طعن تدقيقاً في الأحكام الصادرة عن محاكم الجنح ولتامين سرعة حسم الدعوى يكون قرارها نهائي وبات.
ب- أما عن الاختصاصات الأخرى المتعلقة بالجزاء مثل قانون العفو رقم 19 لسنة 2008 أرى أن يمنيفوض الاختصاص الى هذه الهياة تبعاً للنظر في الطعن تدقيقا ويكون قراراها نهائي كذلك بالنسبة للقرارات التي تيصدرها قاض الجنح والتي يقررها بعد صدور الحكم الحاسم في الدعوى ايضا ينظر الطعن تدقيقاً والقرار الذي يصدر نهائي.
الطعن في القرارات الواردة في المادة (216) مرافعات
كما أرى ان يلغى حق الطعن تمييزا في كل القرارات غير الحاسمة وإنما يكون فقط الطعن في القرارات الحاسمة والنهائية باستثناء رفض الإحالة او الاستئخار، اما غير ذلك فيكون في الحكم النهائي لأنه سيكون محل تدقيق أمام محكمة الاستئناف ولا يوجد ضرر في تأخر الاجراء لأنه سوف ينظر من ذات الجهة التي تنظر الطعن وليس من غيرها
دعاوى الأثاث البيتية والنفقة
كما اقترح ان يكون الطعن على وفق ما تقدم في قرارات دعاوى النفقة والأثاث البينة أمام محاكم الاستئناف لأنها لا تتعلق بقضايا الحل او الحرمة وإنما بإجراءات مالية تعد من آثار عقد الزواج ، لأننا سوف نوفر الوقت والجهد للمتخاصمين إذا ما علمنا إن كل القرارات تكون خاضعة للطعن تميزا أمام محكمة التمييز الاتحادية في بغداد ومن جميع محاكم العراق
إدارة الدعوى المدنية (البداءة)
أ- كما اغتنم الفرصة لاقتراح تعديل قانون المرافعات المدنية وقانون التنظيم القضائي لاستحداث إدارة قضائية تسمى ( إدارة الدعوى المدنية ) وتكون في محكمة البداءة وتكون هذه الإدارة من قاضي يسميه رئيس الاستئناف مع عدد من الموظفين ويفضل أن يكون ( القاضي الأول ) ويتولى الإشراف على الدعوى من تاثشير تحويلها للرسم والتسجيل ويتولى إجراء التبليغات ويحدد مدة لا تتجاوز سبعة أيام لعقد جلسة مرافعة ويقوم بإكمال ربط سندات الدعوى وحفظ المستندات واستيفاء الرسم والتحقق من الوكلاء والخصوم وتوفر شروط الخصومة وإكمال كافة المستندات بكافة الدوائر ذوات العلاقة وتحديد الطلبات في الدعوى وماهي الأمور التي يتفق عليها الخصوم مثل المدد وصحة التبلغ بالانذارات والتبليغات الاخرى وصحة التواقيع وسواها وحث الأطراف على الصلح، فاذا حصل الصلح يصدر إعلاما بذلك على وفق احكام القانون، اما اذا لم يتم الصلح يقرر إحالة الدعوى الى القاضي المختص ويحدد موعد لا يتجاوز سبعة أيام أما إذا لم يحضر أطراف الدعوى تلاحظ احكام ترك الدعوى للمراجعة وابطال عريضة الدعوى، اما اذا حضر طرف ولم يحظر الطرف الاخر يقرر احالتها الى القاضي المختص وله صلاحيات القاضي المختص المتعلقة بإجراءات القضاء المستعجل على ان يكون التظلم عن القرار امام قاضي الموضوع وهذا المقترح أرى فيه فرصة حسم الدعوى باسرع وقت وتفرغ القاضي المختص للبحث في الدعوى بعد أن أحيلت إليه واكتملت الأسانيد والأسباب ويكون ذلك معيارا لمعرفة جدية القاضي في سرعة الحسم عند التقسييم وان لا تبقى الدعوى مفتوحة الزمان لفترات طويلة وهذا له تطبيق في القضاء الامريكي والبريطاني كذلك له تطبيق في القانون اصول المحاكمات اللبناني رقم 90 لسنة 1980 المعدل وفي القانون الأردني وعلى وفق حكم المادة (59/ مكررة) من قانون اصول المحاكمات الاردنية رقم 24 لسنة 1988 المعدل وادرج في ادناه نص هذه المادة للاطلاع مع التنويه الى ان ليس بالضرورة ان تكون كل ماورد فيها يؤخذ به[1]
ب- كما أرى تعديل أحكام قانون المرافعات المتعلقة بتقديم الدفوع واللوائح ويكون التعديل بان يقدم اطراف الدعوى اجابتهم او دفوعهم مكتوبة وقبل موعد المرافعة وان يمنح الاطراف موعد محدد لمرة واحدة بانتهائه لاتقبل اللوائح الا اذا توفر العذر القانوني ولهذا فائدة كبيرة تقلل من هدر الوقت في التاجيل غير المبرر وله تطبيق في المادة (453) من قانون أصول المحاكمات اللبناني رقم 90 لسنة 1980 المعدل[2]
للتفضل بالاطلاع والتنسيب
مع وافر الاحترام والتقدير