دراسات قانونية

الأمن القضائي وفض نزاعات الاستهلاك امام القضاء (بحث قانوني)

الامن القضائي وفض نزاعات الاستهلاك امام القضاء

بقلم الباحثتين

مديحة الزهر

فاطمة الزهراء قليول

ماستر منازعات الاعمال الفوج الثاني بفاس

مقـدمــة:

تتنوع معاني الأمن التي يحتاجها المجتمع وإن كان يعني بالأمن من الأساس تحقيق الطمأنينة والثقة وبجانب هذا المعنى الاجتماعي في كافة ربوع الوطن هناك الأمن الاقتصادي لتوفير بيئة مناسبة لنمو الأعمال التجارية وزيادة الاستثمار الوطني والأجنبي الذي يعتبر دعامة أساسية للتنمية , وهناك الأمن الفكري الذي يتمثل في حماية فكر المجتمع وعقائده إلى جانب أنواع أخرى كالأمن البيئي والأمن الصحي والأمن القانوني, ثم أخيرا الأمن القضائي الذي هو مناط هذا الموضوع.
ومفهوم الأمن القضائي هو من المفاهيم الزئبقية التي يصعب تحديدها إذ يعتبر تحديد المفهوم من أصعب العمليات المعرفية الإبستيمولوجية كما أن هذا المصطلح يرتبط بشكل وثيق وجدلي بمفهوم الأمن القانوني الذي يفتقد بدوره كفكرة قانونية لتعريف تشريعي محدد إذ أن أغلب الشراح لم يقدموا تعريفا مباشرا وصريحا له إلا أنهم كثيرا ما يلتجئون كجدع مشترك لمجموع من الحقوق والمبادئ الواجب احترامها للوصول إلى ما يسمى بالأمن القانوني مثل الحرص على مبدأ المساواة ووضوح القاعدة القانونية وتلافي تناقضها وسهولة الولوج إلى القضاء.

وعلى العموم فإن تتبع مختلف الكتابات الفقهية والقضائية ذات الصلة بمفهوم الأمن القضائي يفضي إلى استخلاص ما يلي :
الأمن القضائي هو الأمن الذي يعكس الثقة في المؤسسة القضائية ويحقق جودة أدائها ويسهل الولوج إليها بحيث يصبح هذا الأخير ضرورة حتمية يتعبأ لها القضاء بمختلف فروعه سواء كان عاديا أو متخصصا .
والأمن القضائي يمتد ليشمل مختلف المجالات بما في ذلك مجال الإستهلاك الذي يشكل أرضية خصبة ينمو فيها هذا الأمن نظرا لخصوصية قضايا الاستهلاك وتفاقمها في وقتنا الراهن .
وتعتبر حماية المستهلك فردا كان أم جمهورا استهلاكيا عبئ من الأعباء الملقاة على عاتق الدولة , التي يقع على عاتقها تقديم السلع والخدمات إلى جمهور المستهلكين في منأى عن كل شطط أو تعسف , وتتخذ الحماية القانونية للمستهلك مظاهر متعددة سواء من الناحية الجنائية أو المدنية مما أصبح لزاما على القضاء التدخل من أجل تطوير القواعد التقليدية التي تحكم العقود وذلك لمسايرة تطور المجتمع فالقول بوجود حماية حقيقية للمستهلك تستوجب لزاما الحديث عن وجود أمن قضائي يعزز ثقة هذا الأخير في المؤسسات القضائية , فالمهمة الحمائية للقضاء تشكل جانبا رئيسيا من الأمن القضائي لحماية المستهلك لذلك سيتم التركيز بهذا الخصوص على المتطلبات التي تكفل للقضاء قيامه بتلك المهمة على الوجه المطلوب حتى يكون في مستوى المهام المنوطة به في المجتمع المعاصر,و لا تكتمل هذه المتطلبات إلا بتوفير مقومات تضمن حسن سير القضاء كاستقلاليته وجودة أحكامه وسهولة الولوج إليه وحسن إدارته, مقومات تبعث الثقة في المؤسسة القضائية وتضمن بالتالي وجود الأمن القضائي.
ونظرا للتطورات التي عرفها ميدان الاستهلاك وما أصبح يطرحه من نزاعات فقد أضحى المستهلك عموما والمستهلك المغربي بشكل خاص يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى قانون لحمايته من شتى العواقب التي قد تسفر عنها معاملاته بهذا الخصوص الأمر الذي حدا بالمشرع إلى إصدار القانون 08- 31 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك عبر اللجوء إلى ما يسمى بالوسائل البديلة لفض نزاعات الاستهلاك أو سلوك الطرق القضائية التي لابد أن يكون هدفها تحقيق تصفية منصفة تراعي وضعية المستهلك ومن الملاحظ أنه هناك غياب لمفهوم نزاع الاستهلاك على الساحة التشريعية والفقهية ومع ذلك من الممكن النظر إلى مفهوم هذه الفئة من النزاعات انطلاقا من الخصوصية التي تطرحها والمتمثلة في مراعاة تحديد المفاهيم الكامنة في صفة الأطراف والقانون الواجب التطبيق والقوانين الأخرى ذات الصلة. وبالتالي يقصد بنزاعات الاستهلاك مختلف الإجراءات والمساطر التي يخولها قانون حماية المستهلك والقوانين الأخرى ذات الصلة لحل النزاعات الحاصلة بين المستهلك والمهني.

وتبرز أهمية الطرق القضائية لتسوية نزاعات الاستهلاك والتي يجب أن تحاط بجملة من الضمانات التي تجعلها سهلة ومبسطة بالإضافة إلى سن جملة من التدابير لعل أهمها وضع نظام جديد للمساعدة القضائية والتأمين من المخاطر القانونية. من خلال ما سبق يمكن طرح الإشكال التالي :
إلى أي حد تساهم المساطر القضائية في تسهيل الولوج المجالي والمادي للمستهلك إلى القضاء ? وكيف يمكن قياس درجة فاعلية هذه المساطر في حماية حقوقه وصيانتها
لمقاربة هذا الموضوع سيتم اعتماد التصميم التالي:
المبحث الأول: غياب مقومات الولوج إلى تسوية متوازنة تحقق الأمن القضائي
المبحث الثاني: عدم كفاية القواعد الخاصة في المسطرة للوصول إلى تسوية فعالة تحقق الأمن القضائي في نزاعات الإستهلاك

المبحث الأول: غياب مقومات الولوج إلى تسوية متوازنة تحقق الأمن القضائي في نزاع الاستهلاك

إن الحديث عن التسوية المتوازنة لتحقيق الأمن القضائي في نزاعات الاستهلاك تتطلب بالضرورة وجود مقومات في شكل مبادئ عامة مستمدة من القواعد العامة للتقاضي وقواعد خاصة مستمدة من خصوصيات نزاع الاستهلاك.
ويقتضي تحقيق التوازن في تسوية النزاعات ضمان المساواة أولا بين أطراف المنازعة ووضوح القواعد القانونية وعدم تناقضها بالإضافة إلى ترسيخ الثقة في العدالة وضمان الأمن القضائي، بما يحقق الجودة في الأحكام وسرعة الفصل في النزاعات.
غير أن المتأمل في واقع المنازعات بين المستهلكين والمهنيين يلاحظ عدم تكافئ واضح بين الطرفين ينعكس على مستوى إجراءات التقاضي.ومما زاد في تكريس انعدام التكافؤ هذا ضعف القانون رقم 08-31 من الناحية الإجرائية. مما دفع الكثيرين إلى انتقاد الطرق التي تتم من خلالها تسوية نزاعات الاستهلاك أمام القضاء.
ولإبراز مظاهر هذا الضعف، ارتأينا معالجة هذا المبحث من خلال مطلبين اثنين، خصصنا الأول للحديث عن المقومات الغائبة بخصوص ولوج المستهلك إلى القضاء وتحقيق تسوية متوازنة لنزاعاته الاستهلاكية، بينما قصرنا الحديث في الثاني عن محدودية قواعد الاختصاص في تسهيل ولوج المستهلك إلى القضاء.

المطلب الأول: عدم تكافؤ الأطراف المتدخلة في نزاع الاستهلاك وغياب إجراءات مبسطة تسهل الولوج إلى القضاء

إذا كان الأًصل في النزاعات العادية المساواة بين أطراف الدعوى سواء أكانوا مدعين أو مدعى عليهم، فإن هذا الأصل سيجد استثناءه في النزاعات الاستهلاكية، التي غالبا ما تتباين مراكز أطرافها اقتصاديا واجتماعيا، فهم من جهة الموردين ومن جهة أخرى بالمستهلكين وفي بعض الأحيان جمعيات حماية المستهلك. كما قد تكون طرفا في هذه النزاعات بعض المصالح الإدارية أو النيابة العامة حينما يتخذ النزاع بعدا إداريا أو زجريا (الفقرة الأولى). أمام هذه الأوضاع تبقى إجراءات الدعاوى الاستهلاكية إجراءات غير مبسطة يغلب عليها طابع التعقيد (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: عدم تكافؤ الأطراف المتداخلة في النزاع الاستهلاكي

لا يمكن تصور دعوى دون مدعي ومدعى عليه، حيث لا يمكن الحديث عن دعوى قائمة دون أطراف، كذلك الأمر بالنسبة لدعاوى الاستهلاك، غير أن أطراف هذه الأخيرة تتميز بالتعدد وعدم التكافؤ(المستهلك، المهني، جمعيات المستهلكين، الإدارة، والنيابة العامة..). ونزاعات الاستهلاك بصفة عامة هي إما نزاعات فردية (أولا) أو جماعية (ثانيا) أو زجرية (ثالثا).

أولا: النزاع الفردي وضعف المركز القانوني للمستهلك في الدعوى

قبل الحديث عن النزاع الفردي لابد من تحديد أطراف هذا النزاع، فأطراف النزاع الاستهلاكي فقد أوردتهم المادة 2 من القانون 08-31 القاضي بتدابير حماية المستهلك في فقرتيها 1 و2، كما يلي:
يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي.
يقصد بالمورد كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري.
وبالتالي فالنزاع الفردي هو ذلك النزاع الذي يمس المصلحة الفردية للمستهلكين فيكون بذلك المستهلك الفرد خصما مقابلا للمهني فيه.ويرجع ضعف المركز القانوني للمستهلك الفردي في الدعاوى الاستهلاكية إلى عدة عوائق منها ما هو نفسي يتمثل في شعوره بالوحدة والضعف أمام مؤسسات كبيرة ذات إمكانيات ضخمة يصعب عليه مواجهتها بإمكانياته البسيطة ناهيك عن الخوف الذي تثيره المحاكم عادة في نفوس المستهلكين، مما يجعلهم يفضلون العزوف عن اللجوء إلى القضاء.
إلى جانب العائق النفسي هناك العائق المادي الذي يضطر معه المستهلك إلى قبول التزامات مجحفة إما لكونه ذو إمكانيات ضعيفة وبالتالي يعجز عن التكلف بالمصاريف القضائية وأتعاب المحامي، أو أن مصاريف المتابعة القضائية قد تفوق بكثير التعويضات المراد الحصول عليها.
هناك أيضا عائق زمني فالمساطر القضائية تتسم بالبطء الشديد، وعليه إذا فكر المستهلك اللجوء إلى القضاء، قد يضطر إلى الانتظار لشهور طويلة من أجل الحصول على حقوقه في حين قد يكون في أمس الحاجة إلى تلك الخدمة أو السلعة، وأخيرا العائق الثقافي، فأغلب المستهلكين مفتقدين لعنصر العلم بأبسط حقوقهم المكفولة لهم قانونا في مواجهة المهنيين[1].
لكل تلك الأسباب ولمحاولة تدارك المعيقات التي يطرحها النزاع الفردي وما قد يفرزه من انعكاسات سلبية على حقوق المستهلك من جهة، ونظرا للتطور الذي أصبحت تعرفه هذه النزاعات من جهة أخرى، تم الانتقال من المفهوم الفردي إلى المفهوم الجماعي في منازعة الاستهلاك، حيث ثم منح الجمعيات الحق في تمثيل المستهلكين أمام القضاء، وهو ما سيتم التطرق إليه في النقطة الثانية.

ثانيا: النزاع الجماعي وإشكالية الصفة في التقاضي لدى جمعيات حماية المستهلك

يلاحظ في الآونة الأخيرة أننا لم نعد بصدد استهلاك فردي يمس مصلحة خاصة بل أضحى جل الأفراد ونظرا لتطور العلاقات الاقتصادية وتشعبها بصدد استهلاك جماهيري من شأنه شل المصالح الجماعية لهم كما هو الشأن في اقتناء منتوج معيب أو غوايتهم بإشهار كاذب، فتضرر المصلحة الجماعية ما هو إلا نتاج لتضرر مجموعة من المصالح الفردية وبالتالي أدى اجتماعها إلى توليد الحاجة الملحة في الدفاع عنها بمجملها، من خلال ما سبق يتبين بشكل جلي أن حاجة المستهلكين الماسة إلى المجتمع المدني ممثلا في شخص جمعيات الدفاع عن حقوق المستهلك، فأين تبرز مظاهر الحماية التي يمكن للجمعيات توفيرها للجمهور المستهلك؟ وما مدى فعاليتها في هذا المجال؟
بالرجوع إلى القواعد العامة وبالضبط ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات، يمكن القول أن المشرع المغربي لا يتطلب معايير تعجيزية في تأسيس الجمعيات وتمتعها بالحق في التقاضي كما فعل القانون 08-31 المتعلق بتدابير حماية المستهلك.وعليه، فإنه لا تخول الجمعية حق الدفاع عن مصالح المستهلكين–حسب هذا الأخير- إلا إذا كان هدفها حصريا يتمثل في حماية مصالح هذه الفئة، كما لا يكون لها الحق في التقاضي إلا إذا حصلت على شرط المنفعة العامة.

وفي هذا الصدد نصت المادة 154 من ق.ح.م. على ما يلي: “يمكن لجمعيات حماية المستهلك أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة، إذا استوفت الشروط الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل والمتعلقة بحق تأسيس الجمعيات، ويجب أن يكون غرضها المنصوص عليه في نظامها الأساسي هو حماية مصالح المستهلك حصريا، وأن تكون خاضعة
والحقيقة أن هناك عدة معيقات تحول دون قيامها بالدور المنوط بها في مجال حماية المستهلك، لعل أبرزها شرط الاعتراف بالمصلحة العامة الذي تعتبر مسطرة الحصول عليه صعبة ومعقدة.كما أنه من المعيقات أيضا عدم توفر هذه الجمعيات على الموارد المالية الكافية التي تمكنها من إنجاز مهامها المحددة في نظامها الأساسي. ومما قد يساعد الجمعية على القيام بمهامها أن يكون لها نظام أساسي ونظام داخلي يضمن لكل أعضائها المشاركة الفعلية في تدبير الجمعية وإدارتها وممارسة المراقبة بصفة دورية وأن تمسك محاسبة تسمح بإعداد قوائم تركيبية تعكس صورة حقيقية عن ذمتها المالية، وأخيرا يجب عليها أن تحترم الالتزام بتقديم المعلومات المطلوبة والخضوع للمراقبة الإدارية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها[2].
فاشتراط صفة المنفعة العامة للجمعية في حد ذاته قيد على حقها في الولوج إلى القضاء.فبالرغم في اعتباره معيارا لاختبار جدية الجمعيات الموجودة إلا أنه ومع ذلك حد وتقليص من عملها بشكل يمكن اعتباره مساس بالحريات العامة.
إلى جانب ما تقدم توجد معيقات واقعية وذاتية تكمن بالأساس في ضعف الموارد المالية للجمعية وتشكل أهم الصعوبات التي تعيق نشاطها.وهي تعود بالأساس إلى قلة المنخرطين وهزالة الاشتراكات وقلة التمويل لتغطية كافة الحاجيات ومنها المصاريف القضائية. مما يؤثر سلبا على حق الولوج إلى القضاء خاصة أمام غياب نظام فعال للمساعدة القضائية.
إلى جانب الصعوبات التي تعرفها تسوية النزاع الاستهلاكي المدني (الفردي والجماعي) هناك صعوبات أخرى تهم تسوية النزاع الاستهلاكي الزجري.

ثالثا: النزاع الزجري وتدخل جهات إدارية في تحريك المتابعات

تتعدد الأطراف المتدخلة في النزاع الزجري الاستهلاكي فقد أوكلها المشرع إلى جانب ضباط الشرطة القضائية إلى جهات إدارية تابعة لوزار ات مختلفة ومتعددة الأمر الذي يمنح للمستهلك اختيار أي جهة يراها كفيلة بقبول شكواه.
وقد تميز قانون حماية المستهلك بكثرة العقوبات التي نص عليها في مجال الاستهلاك لأنه وسع من نطاق التجريم وهذا التجريم وإن كان يشكل أمنا للمستهلك فإنه ومع ذلك يشكل ثقلا على عاتق المهنين الذين قد تفرض عليهم عقوبات ومخالفات مجزية في حالة اخلالهم بالتزاماتهم وخير مثال على ذلك المادة 176 من ق ح م التي تفرض على المورد غرامة تتراوح من 10 آلاف إلى 50 آلف درهم

الفقرة الثانية: غياب إجراءات مبسطة لتقييد الدعوى وغياب نظام فعال للمساعدة القضائية

تعتبر الطرق القضائية الأصل في تسوية كل النزاعات ومن بينها نزاعات الاستهلاك.لذلك يجب أن تحاط بالضمانات الكافية لجعلها سهلة وبسيطة (أولا) كما يجب أن تعزز بنظام فعال للمساعدة القضائية (ثانيا).

أولا: غياب إجراءات مبسطة لتقييد دعوى الاستهلاك لفائدة المستهلك

تفتتح الدعوى عموما بموجب طرق قانونية للتقييد تمكن المحكمة من وضع يدها على القضية.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 31 من ق.م.م. على ما يلي: “ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا يحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع”.
فالأصل في مسطرة تقييد الدعاوى أن تكون كتابية كما يمكن أن تكون شفوية في حالة استثنائية[3]، وكما هو معلوم أن المسطرة الكتابية تسجل ضرورة تواجد المحامي إذ يحتكر وحده حق تمثيله للأطراف ومؤازرتهم لتقديم مقالاتهم ومستنتجاتهم، وبالتالي على المستهلك الذي يرغب في اللجوء إلى القضاء أن يسلك بالضرورة مسلك المسطرة الكتابية بكل أعبائها، وهو ما لا يتماشى مع طبيعة نزاعات الاستهلاك، وبالتالي عدم توفير الأمن القضائي للمستهلك، ومن الملاحظ غياب أي مقتضى في قانون 08-31 بهذا الخصوص في حين أنه كان من الضروري جعل المسطرة الشفوية أصلا في نزاعات الاستهلاك مراعاة لخصوصية هذه النزاعات.

ثانيا: عدم التنصيص على استفادة المستهلك من المساعدة القضائية بقوة القانون

لتأمين ولوج المستهلك للقضاء ينبغي سن مجموعة من التدابير يتأتى على رأسها ضرورة وضع نظام جديد للمساعدة القضائية. وباستقرائنا لقانون 08-31 يمكن القول بغياب نظام حقيقي للمساعدة القضائية في قضايا الاستهلاك، فإذا كانت المصاريف التي ستؤدى تفوق بكثير الفائدة المرجوة كيف يمكن الحديث عن ولوج حقيقي للعدالة، إذ لابد للحديث عن الاستفادة الحقيقية للمستهلك من المساعدة القضائية أن يتم توسيع نطاق الاستفادة بقوة القانون، مع إعطاء الحق للمستفيدين في اختيار المحامي بدل تعيينه علاوة على تحمل الدولة مصاريف دعاوى هذه النزاعات وعدم مطالبة المستفيد بها إذا حكمت الدعوى لصالحه[4].

ثالثا: غياب نظام المساعدة القانونية لفائدة المستهلك

إذا كانت المساعدة القضائية تقتضي استفادة المستهلك من حق اختيار المحامي والإعفاء من الرسوم القضائية بما في ذلك مصاريف الخبرة وتنقل المحكمة وتعويضات الشهود وما إلى ذلك، فإن نظام المساعدة القانونية يقتضي حق المستهلك في معرفة حقوقه والتزاماته، أو بعبارة أخرى حقه في الإعلام والتبصير. مما يدفعنا إلى القول بإحداث هيئة مختصة من شأنها توجيه المستهلك وإفادته بكل ما يتعلق بحقوقه القضائية.

المطلب الثاني: محدودية قواعد الاختصاص في تسهيل ولوج المستهلك للقضاء

لا تمنع الصياغة القانونية لقواعد الاختصاص في قانون المسطرة المدنية الأطراف من الاتفاق على خلافها[5]، ولا تجبر القاضي على الإثارة التلقائية لخرق قواعد الاختصاص النوعي كما هو الحال في قانون المحاكم الإدارية[6]. بل إن قانون المحاكم التجارية يأذن صراحة للتاجر وغير التاجر بما في ذلك المستهلك، الاتفاق على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر[7]، وكل هذا من شأنه أن يبعد المستهلك، بموجب شروط تعاقدية مفروضة لا يملك الحق في مناقشتها، عن محكمته الطبيعية. لذا سنعالج في هذا المطلب مدى مساهمة قانون تدابير حماية المستهلك في حل إشكالية الاختصاص بما يخدم مصالح المستهلك ويسهل ولوجه للقضاء، وذلك في فقرتين تتعلق الأولى بمحدودية قواعد الاختصاص في القانون 08-31 وتخص الثانية آليات مواجهة الشروط التعسفية المتعلق بالاختصاص والولوج إلى القضاء.

الفقرة الأولى: معالجة جزئية لإشكالية الاختصاص في القانون رقم 08-31

يقوم قانون حماية الاستهلاك على هدف أساسي يركز على إقامة التوازن بين المستهلك والمهني من خلال تعزيز الحماية المخولة للمستهلك عن طرف التنصيص على قواعد خاصة بالاختصاص المحلي لفائدة المستهلك (أولا) مع الإحالة على القواعد العامة بخصوص الاختصاص (ثانيا).

أولا: التنصيص على قواعد خاصة بالاختصاص المحلي لفائدة المستهلك

من بين الاختيارات المسطرية التي تخدم مصلحة المستهلك تلك التي لها علاقة بتحديد المحكمة المختصة للنظر في المنازعات القائمة بين أطراف هذه العلاقة الاستهلاكية. إذ مكن القانون (08-31)[8] المستهلك الخروج عن المبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 27 من ق.م.م. القاضي برفع الدعاوى كأصل عام أمام محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه.وخوفا من عرقلة مصالح المستهلكين بضرورة احترامهم للمبدأ المنصوص عليه في الفصل أعلاه فإنه مكن المستهلك من عدة خيارات على مستوى الاختصاص القضائي المحلي لتسهيل مأمورية التقاضي بالنسبة لهذه الشريحة وتقريب القضاء منها وذلك على الشكل التالي:

أ- عندما يتعلق الأمر بالمنازعات القائمة بين المهنيين والمستهلكين فإنه يحق لهؤلاء الأخيرين رفع دعواهم المدنية أمام:
1- محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك.
2- أو أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المنتسب في وقوع الضرر وللمستهلك أن يختار المحكمة التي يراها مناسبة لمصلحته، وكل اتفاق يحرم المستهلك من هذا الخيار إلا ويكون عديم الأثر لارتباط ذلك بالنظام العام.
ب- عندما يتعلق الأمر بالدعاوى المدنية الأصلية التي تعرفها جمعيات حماية المستهلكين نيابة عنهم فإنه يحق لها أن تختار بين رفعها أمام:
1- المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الموجب لرفع الدعوى.
2- أو قيام محكمة موطن المدعى عليه، وذلك باختيار الجمعية.
أما بالنسبة للدعاوى المدنية التابعة للدعوى العمومية فإنه يتعين احترام المقتضيات المنصوص عليها في ق.م.ج الذي يربط قواعد الاختصاص المحلي للدعوى المدنية التابعة بالقواعد العامة المنظمة لهذا الاختصاص في المجال الزجري[9].

ثانيا: بقاء قواعد الاختصاص النوعي خاضعة للقواعد العامة

يقصد بالاختصاص النوعي توزيع العمل بين المحاكم المختلفة داخل الجهة القضائية الواحدة بحسب نوع القضية أي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية،حيث يتوقف تحديد الاختصاص النوعي على ضرورة توزيع القضايا بين المحاكم العادية والمختصة وذلك على أساس نوع القضايا المرفوعة.
ولم يحدد المشرع في قانون الاستهلاك قواعد خاصة بالاختصاص النوعي في قضايا الاستهلاك، حيث ظل هل الأمر خاضعا للقواعد العامة.الشيء الذي قد ينعكس سلبا على المستهلك، حيث أنه قد يبعد عن التقاضي أمام المحاكم المدنية ويفرض عليه المهني بموجب شرط اتفاقي التقاضي أمام المحاكم التجارية؛ على اعتبار أن نزاعات الاستهلاك هي من قبيل النزاعات المختلطة.
كما أن المستهلك قد يجد نفسه مضطرا للتوجه إلى المحاكم الإدارية إذا تعلق الأمر بمواجهة جهة إدارية أو أحد أشخاص القانون العام إثر تسييره لمرفق عمومي يقدم خدمات عامة[10].
وينبغي التأكيد في هذا الصدد أنه –باستثناء الحالات التي ينعقد فيها الاختصاص للقضاء الإداري- يتعين إعطاء المستهلك الخيار بين اللجوء إلى المحاكم المدنية أو التجارية[11]، أما إذا كان المستهلك مدعى عليه فلا يجوز للمهني مقاضاته إلا أمام المحكمة الابتدائية وله أن يدفع بعدم الاختصاص إذا ما تمت مقاضاته أمام المحكمة التجارية. كما له أن يتمسك بتعسفية الشرط الذي يفرض عليه التقاضي أمام محكمة المهني.

الفقرة الثانية: آليات مواجهة الشروط التعسفية المتعلقة بالاختصاص والولوج إلى القضاء

من إيجابيات قانون تدابير حماية المستهلك في مجال الشروط التعسفية[12]، اعتباره إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعوى قضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن شرطا تعسفيا[13].

أولا: الشروط التعسفية المتعلقة بالاختصاص القضائي

يمكن القول في ظل غياب نص قانوني يعتبر الاختصاص النوعي من النظام العام أن المهني قد يتعسف أحيانا عندما يقوم بإدراج شرط في العقد يسند من خلاله الاختصاص إلى محكمة أخرى غير المحكمة الطبيعية للمستهلك، مما يمكن اعتباره عرقلة لحق المستهلك في إقامة دعوى قضائية ومسا بأمنه القضائي.
غير أنه بالاعتماد على البند 17 من المادة 18 من قانون تدابير حماية المستهلك، أصبح بإمكان المستهلك أن يثير أمام القضاء تعسفية الشرط الذي من شأنه إبعاده عن محكمة العادية.
وبهذا تكون آلية الشروط التعسفية متممة للنقص الحاصل في قواعد الاختصاص في القانون 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.

ثانيا: الشروط التعسفية المتعلقة بفرض اللجوء إلى الطرق البديلة

تعتبر الطرق البديلة من أكثر الطرق ملاءمة لقضايا الاستهلاك لكنها مع ذلك لا ينبغي أن تفرض على المستهلك أو أن يمنع من اللجوء إلى الطرف القضائية فهل يمكن أن تفرض هذه الطرق البديلة بموجب اشتراط في العقد. هنا وجب التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى: عندما تقوم هذه الشروط بإقصاء القضاء نهائيا تكون تعسفية وقد أشار قانون حماية المستهلك إلى ما يقارب هذا المعني في معرض حديثه عن الشروط التعسفية لكنه لم يشر صراحة إلى الطرق البديلة.
الحالة الثانية: عندما تكون هذه الطرق البديلة طريقا أوليا يجبر المستهلك على المرور منه قبل عرض نزاعه على القضاء إذ يعتبر هذا الشرط مانعا من سماع الدعوى[14].لكنه مانع مؤقت، يلزم المستهلك أولا بعرض نزاعه على أحد الطرق البديلة. وفي هذه الحالة ينبغي التأكد من سلامة إرادة المستهلك عند توقيعه على الشرط، كما ينبغي أن يتعلق هذا الشرط بأحد الطرق البديلة الملائمة لقضايا الاستهلاك كالوساطة مثلا وليس التحكيم، على اعتبار أن هذا الأخير خاص بالمنازعات التجارية[15].

المبحث الثاني: عدم كفاية القواعد الخاصة بالمسطرة للوصول إلى تسوية فعالية تحقق الأمن القضائي في النزاعات الاستهلاك

تلعب القواعد المسطرية الخاصة دورا مهما في الوصول إلى تسوية فعالة تحقق الأمن القضائي في النزاعات الاستهلاك. ولعل قانون رقم 31.08 المتعلق بتدابير لحماية المستهلك لم يخصص حيزا هاما من مقتضياته لهذه المساطر، نظرا لطغيان الطابع الموضوعي على قواعد هذا القانون.لذلك أتت القواعد الخاصة المتضمنة فيه غير كافية، وظل بذلك نزاع الاستهلاك مؤطرا في العديد من جوانبه من خلال الإحالة على القواعد المسطرية العامة المنصوص عليها في القانون المسطرة المدنية، وغيرها من القوانين العامة ( الجنائية أو الإدارية). وقد كان حريا بهذا القانون أن يتوخى الفاعلية والإحاطة و لا يكتفي بالإحالة[16].
وهكذا اقتصرت القواعد المسطرية الخاصة بنزاع الاستهلاك على جوانب محددة، تتجلى في ما يلي: قلب عن الإثبات في بعض عقود الاستهلاك، و التنصيص على بعض الآجال الخاصة، إضافة إلى بعض حالات الاختصاص للقضاء الاستعجالي. أما فيما سوى ذلك فينبغي توظيف القواعد العامة للمسطرة من أجل تحقيق الأمن القضائي للمستهلك. كما يعول على الدور الإيجابي للقاضي في نزاع الاستهلاك لتحقيق هذه الغاية.
سنحاول إبراز الجوانب التي خصها القانون رقم 08-31 ببعض القواعد الخاصة، ويتعلق الأمر بالإثبات والتقادم ( المطلب الأول) قبل أن نبرز أن تحقيق الأمن القضائي في نزاعات الاستهلاك رهين بقيام القاضي بدور إيجابي ينتهي بصدور حكم ذي مصداقية لدى أطراف النزاع ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: خضوع معظم المقتضيات المتعلقة بالإثبات والتقادم للقواعد العامة

لقد حظي كل من الإثبات والتقادم في جوانب محدودة منهما باهتمام المشرع في القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
وتتجلى أهمية قواعد الإثبات في نزاع الاستهلاك في كونها إذا كانت تتسم بالمرونة فإنها تسهل ولوج المستهلك للقضاء وإذا بقيت خاضعة للقواعد العامة كضرورة إثبات المضرور للخطأ في جانب المسؤول، وضرورة إثبات المشتري للعيب في المبيع، وضرورة إثبات التنفيذ المعيب للالتزام، فإنها تشكل عرقلة تحول دون مقاضاة المستهلك للمعني بسهولة.
أما أهمية قواعد التقادم فتتجلى في أنها قد تؤدي إلى سقوط الحق،ومن هنا ضرورة ربطها بالنظام العام حتى لا يتمكن الأطراف من مخالفتها بموجب شروط تعاقدية.
من هنا تتجلى أهمية قلب عبء الإثبات لفائدة المستهلك في نزاعات الاستهلاك (الفقرة الأولى) كما تتجلى ضرورة ربط آجال التقادم بالنظام العام في نزاعات الاستهلاك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحاجة إلى قلب عبء الإثبات لفائدة المستهلك في نزاعات الاستهلاك

سوف نتطرق في هذه الفقرة إلى تبيان محدودية الحالات التي تنتقل فيها عبء الإثبات إلى المهني في القانون رقم 31.08 ( أولا) ثم إلى دور القاضي في تحقيق التوازن في الإثبات بين أطراف النزاع الاستهلاكي (ثانيا).

أولا: محدودية الحالات التي ينتقل فيها عبء الإثبات إلى المهني في القانون رقم 31.08

لم يقرر القانون رقم 31.08 قاعدة عامة تقضي بقلب عبء الإثبات وجعله على عاتق المهني في دعاوى الاستهلاك عامة، باعتباره طرفا يمتلك الخبرة و المعطيات التي تسهل عليه توفير الحجج اللازمة على حسن تنفيذه لالتزاماته القانونية أو التعاقدية[17].
بل اقتصر هذا القانون على حالات معينة ينتقل فيها عبء الإثبات من المستهلك (المدعي) إلى المهني ( المدعي عليه) خلاف للقواعد العامة التي تجعل عب الإثبات على المدعي. و تتجلى هذه الحالات فيما يلي:

في مجال الإشهار الإلكتروني:
حيث تنص المادة 23 من قانون 13.08 على أنه: يجب أن يشير كل إشهار كيفما كان شكله شكله، يمكن استقباله عبر خدمة للاتصالات موجهة للعموم إلى طبيعة الإشهارية بطريقة واضحة لا تحتمل أي لبس، لاسيما العروض الدعائية كالبيوع بالتخفيض أو الهدايا أو المكافآت و كذا المسابقات الإشهارية من أجل الربح عند تلفيها من طرف المستهلك، كما يجب أن يحدد بوضوح المورد الذي أنجز لصالحه الإشهار”[18]
كما نصت المادة 24 على ما يلي :”يجب على المورد القيام بكل إشهار عن طريق البريد الإلكتروني:

تقديم معلومات واضحة ومفهومة حول التعرض في المستقبل على تلقي الاشهارات.
تحديد وسيلة ملائمة بممارسة الحق المذكور بفعالية عن طريق البريد الالكتروني ووضعها رهن تصرف المستهلك.

يمنع عند إرسال كل إشهار عن طريق البريد الإلكتروني:
استعمال العنوان الالكتروني للغير أو هويته
تزييف أو إخفاء كل معلومة تمكن من تحديد مصدر الرسالة الموجودة عن طريق البريد الالكتروني أو مسار إرسالها.
تطبق أحكام هذه المادة كيف ما كانت التقنية المستعملة للاتصال عن بعد”.
يستنتج من خلال هذه المقتضيات على أن المورد هو الذي يتحمل مسؤولية القيام بهذه الالتزامات، كما يتحمل عبء إثبات طلب المستهلك للإشهار الموجه عن طريق البريد الإلكتروني.وهذا ما قد يسهل إمكانية مقاضاة المستهلك للمهني في حال وقوع أي تجاوز في مجال الإشهار الموجه بوسائل اتصال إلكترونية.

في البيع و تقديم الخدمات عن بعد:
يعتبر المورد مسؤولا بقوة القانون اتجاه المستهلك على حسن تنفيذ الالتزامات الناتجة عن العقد المبرم عن بعد، سواء كان التنفيذ من التزام المورد الذي أبرم العقد أو من التزام مقدمين آخرين للخدمات. وهذا ما تم التنصيص عليه من خلال المادة 26 من قانون 31.08 .
كما قررت المادة 34 قاعدة هامة في هذا الإطار بنصها: “في حالة حدوث نزاع بين لمورد و المستهلك، يقع عبء الإثبات على المورد خاصة فيما يتعلق بالتقديم المسبق للمعلومات المنصوص عليه في المادة 29 و تأكيدها واحترام الآجال وكذا قبول المستهلك.
ويعتبر كل اتفاق مخالف باطلا وعديم الأثر”.

ج – في حالة النزاع حول الطابع التعسفي للشرط التعسفي:

نصت الفقرة الآخرة من المادة 18 ق 31.08 على أنه “في حالة وقوع عقد يتضمن من شرط تعسفيا، يجب على المورد الإدلاء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع”.
ثانيا: دور القاضي في تحقيق التوازن في الإثبات بين أطراف النزاع الاستهلاكي
أمام محدودية الحالات التي ينتقل فيها عبء الإثبات إلى المهني في قضايا الاستهلاك، يبقى تحقيق الأمن القضائي للمستهلك موكولا إلى الدور الإيجابي للقاضي في توزيع عبء الإثبات بين الأطراف من خلال تكييفه لطبيعة وحجم الالتزامات التي يتحملها كل طرف.
كما يتجلى دوره الايجابي في تأويل المقتضيات القانونية العامة والخاصة تأويلا لفائدة المستهلك كما تنص على ذلك المادة 8 من القانون 31.08 التي تقضي بضرورة ترجيح التأويل الأكثر فائدة للمستهلك.
وبالتالي فإن أي خلاف سواء تعلق بتفسير بنود العقد أو بإحدى النصوص القانونية فإن الدور يرجع للقاضي في اختيار التأويل الأكثر فائدة للمستهلك.

الفقرة الثانية : ضرورة ربط آجال ممارسة الحقوق بالنظام العام في قضايا الاستهلاك

سوف نتناول في هذه الفقرة الطبيعة القانونية للآجال المنصوص عليها في القانون رقم 31.08 (أولا) و آثار عدم احترام هذه الآجال على حقوق المستهلك (ثانيا)

أولا: الطبيعة القانونية للآجال المنصوص عليها في القانون رقم 31.08

لم يحدد القانون رقم 31.08 الطبيعة القانونية لمختلف الآجال المنصوص عليها، هل هي آجال تقادم عادية موضوعة لمصلحة الأطراف أو أجال سقوط مرتبط بالنظام العام يمكن للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه.

ولكل تكييف من هذين التكييفين آثارا إيجابية وآثارا سلبية على المستهلك، فتكيف الأجل بأنه أجل تقادم عادي يمكن المستهلك من مدة أطول لممارسة حقوقه والمطالبة بمكافأة. كما أن فيه مرونة في حالة انقضائية وعدم إثارته من طرف المدعى عليه، أم تكييف الأجل بأنه سقوط فيجعل من الأجل صارما في ترتيب آثاره إضافة إلى تميزه بقصر المدة.
لذلك يستحسن عموما إذا تعلق الأمر بمطالبة المستهلك بحقوق قضاء أن تكون آجال ممارسة هذه الحقوق آجال تقادم عادية، وإذا تعلق الأمر بمطالبة بأداء التزامات معينة يستحسن أن تكون آجال هذه المطالبة آجال سقوط.

ثانيا: آثار عدم احترام هذه الآجال على حقوق المستهلك

قد يكون عدم احترام آجال معينة لممارسة بعض الحقوق وخيما على حقوق المستهلك، بحيث يحرمه من بعض المزايا التي يوفرها قانون الاستهلاك وبالتالي يكون ذلك ماسا بأمنه القانوني، كما في العديد من الحالات المنصوص عليها في القانون 08-31، منها على سبيل المثال ما تنص عليه المادة 49 الواردة في إطار عقد البيع خارج المحلات التجارية “… يجوز للمستهلك التراجع داخل أجل أقصاه سبعة أيام ابتداء من تاريخ الطلبية أو التزام بالشراء، عن طريق إرسال الاستمارة القابلة للاقتطاع من العقد بواسطة أية وسيلة تثبت التواصل، ويعتبر كل شرط من شروط العقد يتخلى بموجبه عن حقه في التراجع باطلا وعدم الأثر”.
وبالتالي فإن تعدد الآجال واختلاف مددها وكيفية حسابها من شأنه أن يؤثر على الأمن القانوني للمستهلك ويمس باستقرار مركزه القانوني.

المطلب الثاني: تحقيق الأمن القضائي في نزاعات الاستهلاك رهين بقيام القاضي بدور إيجابي ينتهي بصدور حكم في مصداقية لدى أطراف النزاع

إن الدور الإيجابي للقاضي في نزاع الاستهلاك والتوظيف الجيد للقواعد العامة للتقاضي هو المعول عليه في تجاوز النقص الحاصل في القواعد الخاصة وتحقيق الأمن القضائي للمستهلك.
إذ هناك عدة إمكانيات توفرها القواعد العامة للتقاضي سواء من خلال المساطر العادية (الفقرة الأولى) أو المساطر الاستعجالية (الفقرة الثانية) وأيضا من ناحية صدور الحكم والحاجة إلى الفعالية التنفيذية في (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: التدخل الإيجابي للقاضي من خلال المساطر العادية

سوف نقتصر في هذه الفقرة على مسطرة التحقيق في الدعوى نظرا لأهميتها، بحيث سوف نميز بين إجراءات التحقيق العادية المنظمة ابتداء من الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية (أولا) وبين إجراءات التحقيق المسطرية المنظمة من الفصل 328 من نفس القانون (ثانيا).

أولا: توظيف إجراءات التحقيق العادية في قضايا الاستهلاك

يمكن للقاضي أن يستعمل سلطته التلقائية في الأمر بإجراءات التحقيق التي يراها مناسبة والمستمدة من الفصل 55 من المسطرة المدنية لتجاوز الصعوبة والعجز الذي يلاقيه المستهلك، في الإثبات على سبيل المثال، إجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو إجراء آخر من إجراءات التحقيق.
كما يمكنه أيضا استعمال سلطته في اختيار الإجراء الملائم لخصوصية نزاع الاستهلاك (على سبيل المثال: تفضيل المعاينة على الخبرة مثلا نظرا لارتفاع تكلفة هذه الأخيرة بالنسبة للمستهلك).
ويمكنه أيضا التشديد في قبول بعض الحجج والوثائق المقدمة من طرف المهني في مواجهة المستهلك مثلا: كشف الحساب، الفاتورة، بيانات عداد الماء والكهرباء، وفي هذا الإطار قررت محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرار لها بتاريخ 27/12/2005 أن الفاتورة تعد مجرد جرد للحساب لا تحوز حجيتها، إلا إذا أرفقت بورقة الطلب والتسليم أو تم الاعتراف بها ممن وجه بها. ومما جاء في تعليلها “إنكار المدعى عليه للمديونية على أساس الفاتورة وعدم الأداء بما يثبت الدعوى وتأكيد الخبرة عدم قيام هاته المديونية يستلزم إلغاء الحكم المستأنف والقول برفض الطلب، وحيث إنه أمام منازعة المستأنف في المعاملة، وإنكاره للمديونية وأمام كون الفاتورة المدلى بها من المستأنف عليه غير معززة بورقة الطلب والتسلي موقعين من طرف المستأنف، فلا يمكن الأخذ بها كدليل على المعاملة والمديونية”[19].

ثانيا: توظيف إجراءات التحقيق المسطرية في قضايا الاستهلاك

تمكن إجراءات التحقيق المسطرية القاضي من حسن تسيير مسطرة التحقيق وتجهيز القضية للبث في آجال مناسبة، وتتميز إجراءات التحقيق المسطرية هاته في القواعد العامة باعتمادها على القاضي المقرر وبغلبة الطابع الشكلي والكتابي، مما يجعلها طويلة وبطيئة، ومن هنا فهي تحتاج إلى ملاءمة مع خصوصية نزاع الاستهلاك بما يجعلها مسطرة مختصة وسريعة، على غرار المسطرة السريعة المنصوص عليها في قانون المحاكم التجارية.
وقد جرى العمل في الممارسة القضائية على تطبيق إجراءات التحقيق المسطرية بمرونة في العديد من القضايا (خاصة القضايا البسيطة أو التي يكون حلها معروفا منذ البداية)، ولاشك أن تطبيق هذه المرونة في قضايا الاستهلاك سيكون مطلوبا ومفيدا.

الفقرة الثانية: التدخل الإيجابي للقاضي من خلال المساطر الاستعجالية

تتوفر كما هو معلوم المساطر الاستعجالية في القواعد العامة على حماية قضائية وقتية ولكن سريعة وفعالة.
وهذا ما حدا بالمشرع في قانون تدابير حماية المستهلك إلى اللجوء إليها في بعض الحالات (أولا)، إلى جانب إمكانية الاستفادة من القواعد العامة للقضاء الاستعجالي لحماية جانب من حقوق المستهلك في نزاعات الاستهلاك (ثانيا).

أولا: توظيف القضاء الاستعجالي من خلال القوانين الخاصة بالاستهلاك

لقد عمل قانون حماية المستهلك على توظيف إمكانات القضاء الاستعجالي في حالات معينة لتوفير حماية قضائية للمستهلك في أوضاع تتطلب تدخلا قضائيا استعجاليا. من هذه الحالات ومن أهمها:
Ÿ حالة المادة 149 التي تنصب على إمكانية إيقاف التزامات المدين (المقرض) في عقد القرض بأمر من رئيس المحكمة المختصة ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو في حالة اجتماعية غير متوقعة، ويمكن أن يقرر في الأمر على أن المبالغ المستحقة لا تترب عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية.
وقد بدأ القضاء المغربي في تطبيق هذه الصلاحية الهامة[20].

ثانيا: الاستفادة من القواعد العامة للقضاء الاستعجالي لتسوية نزاعات الاستهلاك

إلى جانب الحالات الخاصة التي أسند فيها قانون تدابير حماية المستهلك الاختصاص صراحة للقضاء الاستعجالي، يمكن للمستهلك الاستفادة من القواعد العامة لهذا القضاء والمنصوص عليها في الفصل 149 قانون المسطرة المدنية كلما توفر عنصر الاستعجال من أجل الحصول على إجراءات تحفظية وقائية، أو الحصول على إثبات ومعاينات لوقائع معينة، أو الأمر بالإيقاف الفوري لممارسات يبدو جليا أنها غير مشروعة.

الفقرة الثالثة: صدور الحكم في نزاع الاستهلاك والحاجة إلى الفعالية التنفيذية

لا يكتمل تحقيق الأمن القضائي للمستهلك، إلا بصدور حكم قضائي يوفر له الحماية القضائية المنشودة ويجد طريقة إلى التنفيذ دون تأثر بالإجراءات الطويلة والمعقدة لطرق الطعن.
ومن هنا الحاجة إلى التحكم في طرق الطعن وإجراءاته (أولا)، وتسهيل إجراءات التنفيذ (ثانيا).

أولا: الحكم في نزاع الاستهلاك والحاجة إلى التحكم في طرق الطعن

لم يأت قانون تدابير حماية المستهلك بأية خصوصية على مستوى طرق الطعن، ومن هنا بقاؤها خاضعة للقواعد العامة.
والحال أنه كان عليه أن يتضمن مقتضيات مبسطة ومختصرة بخصوص الطعن في قضايا الاستهلاك كما فعل المشرع في المنازعات التجارية مثلا، وذلك حتى لا يتأثر سلبا المستهلك المستفيد من الحكم من طول إجراءات الطعن.
ولهذا يبقى الرجوع إلى تطبيق طرق الطعن في نزاعات الاستهلاك رهين بالإحالة إلى القواعد العامة سواء فيما يتعلق بالاستئناف أو التعرض إلى غير ذلك من طرق الطعن العادية والغير العادية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.

ثانيا: الحكم في نزاع الاستهلاك والحاجة إلى القوة التنفيذية

لم ينص المشرع في قانون تدابير حماية المستهلك على استفادة الأحكام الصادرة لفائدة المستهلك من التنفيذ المعجل بقوة القانون على غرار ما هو منصوص عليه مثلا في القضايا الاجتماعية بالنسبة للأجير، وكان الأولى أن يتم التنصيص على ذلك ولو في حالات محددة من منازعات الاستهلاك، كما في الحالة التي يقضي فيها الحكم للمستهلك بمبالغ مالية أو أداءات أخرى مستحقة وغير منازع فيها من طرف المهني.

خــاتمـــة

ختاما يمكن وصف مجهودات المشرع المغربي في مجال الاستهلاك بالمتواضعة نظرا للجهود التي بذلها وخبرته البسيطة وحسب مقوماته الاقتصادية ومرجعيته التاريخية فمظاهر حماية المستهلك من الناحية العملية تبقى جد عقيمة ويعزى هذا العقم إلى عدم كفاية النصوص القانونية المؤطرة لنزاعات الإستهلاك وعدم تنفيذ تلك القلة الموجودة على أرض الواقع بالإضافة إلى غلبة منطق الإحالة على القواعد العامة لمحاولة تدارك النقائص المسجلة على هذا القانون مما ينعكس سلبا على مبدأ الأمن القضائي ويهدم ثقة المستهلك في المؤسسات القضائية.
ولمحاولة سد الثغرات التي تشوب هذا القانون يمكن اقتراح ما يلي :
§ النص على إلزامية شفوية المسطرة تلافيا لسلبيات المسطرة الكتابية وما تتطلبه من مصاريف و آجال.
§ النص على المساعدة القانونية والقضائية بمقتضى القانون وتعميم مبدأ المجانية.
§ القيام بحملات توعية لفائدة المستهلكين ووضع نصوص قانونية واضحة تبين حقوقه وتحفظها.
§ إحداث مكاتب خاصة في المحاكم دورها مساعدة المستهلك في كل ما يفيده في دعواه ولما لا خلق غرف خاصة مجندة بقضاء متخصص ومحنكة لحل نزاعات الإستهلاك.

 

(محاماه نت)

إغلاق