دراسات قانونيةسلايد 1
(بحث قانوني) أحكام ضمّ الصغير في قانون الأحداث العراقي والأردني
الملخص:
يتناول هذا البحث أحكام ضمّ الصغير في قانون الأحداث العراقي والأردني. والغرض منه هو بيان أوجه التشابه والاختلاف بين قانون الأحداث لكلا البلدين فيما يتعلق بموضوع الدراسة، بهدف الاستفادة من نقاط القوة في كل قانون. وفي سبيل تحقيق ذلك، استخدم الباحث المنهج الاستقرائي التحليلي، المقارن، والنقدي. واختتم البحث بنتائج وهي: التشابه بين القانونين في بعض المسائل، مثل شمول الطفل مجهول النسب بالضم، المتابعة الأسرية لطالبي الضم من قبل الباحث الاجتماعي بعد صدور قرار الضم، والاختلاف في مسائل أخرى.وبخصوص مسائل الخلاف، فإن كفة الرجحان كانت لصالح القانون الأردني في بعض المسائل، مثل عدم نسبة الطفل مجهول النسب إلى طالبي الاحتضان، وتحقيق الحرمة الشرعية للطفل داخل الأسرة. وفي مسائل أخرى، كفة الرجحان كانت لصالح القانون العراقي، مثل شمول الصغير يتيم الأبوين بالضم، وصدور قرار الضم بمرحلتين. وعليه، بإمكان المشرع الأردني الاستفادة من المشرع العراقي، والعكس صحيح حيث يمكن للمشرع العراقي الاستفادة من المشرع الأردني.
مقدمة:
تشير التقارير الدولية لعام 2011 أن عدد أيتام العراق بلغت نحو خمسة ملايين طفل، وقد سجّلت نسبته 16% من السكان، كما أعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية في العام نفسه أن العراق لديها أكبر نسبة من الأيتام عند مقارنتها بشقيقاتها من الدول العربية. وأن هذا العدد المخيف جاء نتيجة لفقدان الآباء والأمهات في الحروب وأعمال العنف التي تمرّ بها العراق، كما أن عدد مجهولي النسب هو الآخر في ازدياد بسبب المتغيرات الاجتماعية.لكن مقابل ارتفاع عدد الأيتام ومجهولي النسب، فإن طلبات الضمّ هي الأخرى ارتفعت لأسباب عدة منها: عقم الزوجين أو أحدهما، وروح التكافل الاجتماعي لدى المجتمع العراقي وغيرها.
لكن ما يخيف الجهات المعنية هو استغلال الضم كطريقة للمتاجرة بالأطفال،إذ دعت رئيسة إحدى الجمعيات العراقية الخاصة بالأطفال، الحكومة إلى توفير ضمانات أكيدة لرعاية الأطفال الذين يتم ضمّهم إلى أسر بديلة، بغية إعدادهم إعداداً سليماً بعيداً عن مخاطر الإتجار بهم[1].
وعليه، فإن مشاكل ومعاناة أطفال العراقيين كثيرة، وكل واحدة منها تقتضي دراستها بشكل منفصل عن غيرها، ومن جميع الزوايا، ومنها الزاوية القانونية. ومن خلال هذه الدراسة سنقتصر على حل مشكلة الأطفال اليتامى ومجهولي النسب، من خلال ضمّ الأطفال لأسرة بديلة المنصوص عليه في قانون الأحداث العراقي كوسيلة لوقاية الأطفال من الجنوح.
ولكون دولة الأردن جارة للعراق، ولديها قانون أحداث صدر حديثاً في عام 2014م، وتعليمات خاصة باحتضان الأطفال لعام 2013م تحتوي على نصوص جيدة لا يمكن الاستغناء عنها فيما يخص موضوع الدراسة، يرى الباحث بأن إجراء مقارنة بين قانون البلدين في هذا الخصوص، فيها فائدة لا يستهان بها.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في كونه جديداً من نوعه في هذا المجال، إذ لم يجد الباحث أي بحوث أو دراسات معمّقة في هذا الخصوص وبهذا العنوان بالتحديد، وإن وجدت فإنها إما دراسات منفصلة أي تم دراسة الضم في قانون كل دولة بوحده، أو تم تناوله ضمن مواضيع أخرى وتم الإشارة إليه بصورة سطحية أو مستعجلة.كما أنه ومن خلال هذا البحث يمكن التعرّف على أحكام الضم في قانون الأحداث العراقي والأردني، والتطلع على مكامن القوة فيهما بغية الاستفادة منها، وكذلك الكشف عن مكامن الخلل فيهما بغية إصلاحها وتحسينها.
تساؤلات البحث:
يسعى الباحث إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:
ما هي أوجه الاختلاف والاتفاق بين أحكام الضم في قانون الأحداث العراقي والأردني.
ما هو فيصل التفاضل بين أحكام الضم في قانون البلدين.
منهجية البحث:
ارتأى الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي لتشرد وانحراف الأحداث في قانون البلدين. والمقارنة بينهما وتحليلها تحليلاً قانونياً بطريقة نقدية بغية الوقوف على نقاط القوة والضعف في كل قانون.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى التعرّف على أوجه التشابه والاختلاف بين أحكام الضم في قانون الأحداث العراقي والأردني، وكذلك البحث والتحري عن نقاط القوة والتفاضل بينهما بغية إفادة المشرعين من الجانبين.
خطة البحث:
لغرض الإجابة عن تساؤلات البحث، سيتم عرض ومناقشة موضوع البحث من خلال سبعة مطالب. في الأول سنتناول: تعريف المصطلحات. وفي الثاني والثالث سنتطرق إلى: الشروط الواجب توافرها في الطفل الذي يجوز ضمّه وفي طالبي الضم. وفي المطلب الرابع سنتناول: الإجراءات المتّبعة والمستمسكات المطلوبة لإصدار قرار الضم.أما في الخامس والسادس فسنتطرق إلى: قرار الضم، والتزامات طالبي الضم بعد صدوره. وفي المطلب الأخير، فسنبيّن: حالات إلغاء قرار الضم.
المطلب الأول: تعريف المصطلحات.
قبل الدخول في حيثيات البحث، من الضروري التعرّف على بعض المفردات التي لها صلة وثيقة بموضوع الدراسة، ومعرفة المقصود بها من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، وهذه المفردات هي ما يلي:
الضمّ لغةً: ضَمُّكَ الشيء إلى الشيء، وضامَمْتُ فلاناً أي قُمتُ معه في أمر واحد[2].أما اصطلاحاً: فإن المشرع العراقي لم يعرّفه في قانون الأحداث، لكن عند قراءة نص المادة (39) يفهم بأن الضم هو: أن يعهد صغير يتيم الأبوين أو مجهول النسب إلى زوجين قدّما طلباً مشتركاً لمحكمة الأحداث تتوفر فيهما الشروط المنصوص عليها في القانون.
أما قانون الأحداث الأردني، فلم يتطرق إلى الضمّ موضوع هذا البحث بتاتاً، وبعد البحث والاستقصاء عن التشريعات والأنظمة والتعليمات المتعلقة بهذا الموضوع، تبيّن بأنه قد صدر نظام رعاية الطفولة رقم 34 لسنة 1972م، وتعليمات الاحتضان لسنة 2013م بهذا الخصوص. وقد خلا النظام والتعليمات من أي تعريف للاحتضان الذي يقابل الضمّ في القانون العراقي، لكن عند قراءة التعليمات المذكورة بتمعّن يفهم بأن الاحتضان هو: أن يعهد وزير التنمية الاجتماعية احتضان طفل مجهول النسب لأسرة تتوفر فيها الشروط المطلوبة.
عند إجراء مقارنة بين تعريفي الضمّ والاحتضان، يستنتج بأنه في الوقت الذي يصدر قرار ضمّ الصغير من محكمة الأحداث في العراق، يصدر قرار الاحتضان من وزير التنمية الاجتماعية في الأردن. وفيما يتعلق بالطفل مجهول النسب فإنه مشمول بالضمّ في البلدين، أما يتيم الأبوين فغير مشمول في الأردن. كما أن طالبي الضم أو الاحتضان يجب أن يكون أسرة قائمة حال تقديم الطلب في كلا البلدين.
مجهول النسب: لم يعرّف القانون العراقي مجهول النسب لكن ورد في مصنّف للقاضي رحيم العكيلي: بأنه شخص غير معروف الأب أو الأم، أو غير معروف الأبوين[3]. أما التعليمات الأردنية، فقد عرّفته بأنه الطفل الذي لا يعرف له أب أو أم. وعليه، فإن هناك توافق بين تعريف العكيلي والتعريف الوارد في التعليمات.
بعد ذكر التعريفات السابقة، من الضروري تعريف مصطلحات أخرى نظراً لصلتها الوثيقة بموضوع البحث وهي:التبنّي، واللّقيط. فاللّقيط لغةً: هو ما يلقط من الأرض، فهو على وزن فعيل بمعنى المفعول، أي الملقوط، ثم غلب إطلاقه على الصبي الملقى باعتبار أنه يلتقط عادة[4]. أما اصطلاحاً: فهو اسم لحي مولود طرحه أهله خوفاً من الفقر أو الفرار من تهمة الزنا، أو هو كل صبي أو مجنون ضائع لا كافل له، ولا يقدر على دفع المهلكات عن نفسه، ولا يختص بمن نبذه أهله خوفاً من العيلة أو فراراً من تهمة الزنا[5]، بمعنى هو أن يجد الشخص طفلاً لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً، ولا يدفع عنه ضراً، فيضمّه إليه، ويكفله مع سائر عياله[6]. أما التبنّي: فيقصد به إلحاق معروف أو مجهول النسب ونسبته إلى ملحقه مع التصريح من هذا الأخير بأنه يتخذه ولداً له حال أنه ليس بولد له حقيقة[7].
المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في الطفل الذي يجوز ضمّه.
نص القانون العراقي في المادة 39 من قانون الأحداث على الشروط المطلوب توافرها في الطفل الذي يجوز ضمّه، وهي:
أن يكون صغيراً: وقد عرّفت المادة 3 الصغير بأنه الطفل الذي لم يتم التاسعة من عمره، وفي إقليم كوردستان العراق، فهو من لم يتم الحادية عشرة من عمره[8]. وعليه، فإن الصبي والفتى غير مشمولين بالضم.
أن يكون يتيم الأبوين أو مجهول النسب: يفهم من ذلك بأنه لا يجوز ضمّ الصغير في الحالات الآتية:
إذا كان أحد الوالدين حي على قيد الحياة، سواء كان الوالد الحي (الأب أو الأم) حاضراً أم غائباً أو مفقوداً وإن كان فقيراً لا يستطيع إعالة نفسه وولده.
إذا كان معلوم النسب وأن والديه أو أحدهما حي، أما إذا كان والديه متوفيان فإنه يعتبر يتيم الأبوين ويجوز ضمّه، طبقاً للحالة الأولى.
وفيما يتعلق بالطفل مجهول النسب، تثار مسألة أخرى وهي: مسألة الديانة والجنسية. المشرع العراقي حسم ذلك في المادة 45 من قانون الأحداث إذ اعتبر الصغير مجهول النسب: مسلم الديانة وعراقي الجنسية ما لم يثبت العكس[9]، ويمكن إثبات العكس بجميع طرق الإثبات.
أما في الأردن، فيشترط في الطفل الذي يجوز ضمه الشروط الآتية:
بخصوص عمر الطفل، فإنه يجوز احتضانه طالما لم يتم الثامنة عشرة من عمره بموجب المادة 2 من النظام، لكن حسب المادة 4 من التعليمات يجب أن لا يقل عمره عن 5 سنوات إذا كانت الزوجة طالبة الاحتضان تجاوز عمرها 45 سنة، والزوج تجاوز عمره 50 سنة.
أن يكون مجهول النسب: وقد عرّفه المادة 2 من التعليمات بأنه:الطفل الذي لا يعرف له أب أو أم. وعليه، فإن الطفل غير معروف الأبوين يعتبر مجهول النسب بالنتيجة.
أما مسألة ديانة وجنسية الطفل مجهول النسب في الأردن، فإنه يعتبر مسلم الديانة حسب نص المادة 5 من النظام ما لم يثبت العكس.أما جنسيته، فلم يتطرق إليها لا قانون الأحداث الأردني ولا النظام ولا التعليمات.
لو أجرينا مقارنة بين شروط الطفل الذي يجوز ضمّه في البلدين، نستنتج ما يلي:
بخصوص عمر الطفل، فإن دائرة المستفيدين في الأردن أوسع نطاقاً من جارتها العراق. ففي الوقت الذي يجوز احتضان أي طفل لم يكمل 18 من عمره في الأردن سوى حالة واحدة وهي حينما يتجاوز عمر الزوجة طالبة الاحتضان 45 سنة وزوجها 50 سنة إذ اشترط أن يكون عمر الطفل في هذه الحالة أن لا يقل عن 5 سنوات. فإن المشرع العراقي، اشترط عدم تجاوز الطفل 9 سنوات. والباحث يرجّح موقف المشرع الأردني نظراً لكثرة عدد الأطفال المستفيدين، ومن جانب آخر يرجّح موقف المشرع العراقي لأن ضمّ طفل يزيد عمره عن عشر سنوات لعائلة غريبة عنه من الصعب الاندماج والعيش معها. لذا يرى الباحث أن موقف المشرع الكوردستاني الذي جعل عمر الصغير إكمال الحادية عشر من العمر، هو الموقف الأرجح، لكونه يشكّل موقفاً وسطاً بين الاثنين.
أما فيما يتعلق بنسب الطفل، فإنه وبعكس الحالة الأولى فإن دائرة المستفيدين في العراق أوسع نطاقاً من جارتها الأردن. ففي الوقت الذي يجوز ضم أي صغير مجهول النسب أو معلوم النسب بشرط أن يكون يتيم الأبوين في العراق، فإنه لا يجوز احتضان الطفل يتيم الأبوين في الأردن. وعليه، نرجّح موقف المشرع العراقي.
اتفق المشرعان العراقي والأردني على اعتبار مجهول النسب مسلم الديانة ما لم يثبت العكس،وهو موقف موافق للشريعة الإسلامية إذا وجد الطفل في بلاد المسلمين[10].
حسم المشرع العراقي مسألة جنسية الصغير مجهول النسب واعتبره عراقي الجنسية ما لم يثبت العكس. أما المشرع الأردني فلم يتطرق إليها، ويعتريه فراغ تشريعي بهذا الخصوص.
المطلب الثالث: الشروط الواجب توافرها في طالبي الضم.
نص القانون العراقي في المادة 39 من قانون الأحداث على الشروط المطلوب توافرها في طالبي الضم، وهي:
تقديم طلب مشترك من الزوجين.
عراقيا الجنسية، لذا فإن عراقية أحد الزوجين غير كافية، وإنما يجب أن يكون كلاهما عراقيان. لكن المشرع لم يشترط أن تكون جنسيتهما أصيلة أم مكتسبة، فكلتاهما مقبولة.
معروفان بحسن السيرة والسلوك. هناك من يرى، بأنه كان على المشرع أن يشترط (عدم المحكومية بجريمة مخلة بالشرف)، بدلاً من شرط (حسن السيرة والسلوك)، لأنه بإستطاعة المحكمة في هذه الحالة، مخاطبة مكتب الأدلة الجنائية وطلب صحيفة سوابق طالبي الضم والتأكد من سيرتهما بوثائق رسمية[11]. ونعتقد،بأن النص الحالي يسمح للمحكمة التأكيد من سيرة وسلوك طالبيّ الضمّ بكافة الطرق ومنها طلب صحيفة السوابق من المكتب. ومن الناحية العملية، تلجأ محكمة الأحداث إلى شهادة الشهود في هذا الخصوص.
أن يكون الزوجان عاقلان، أي غير مصابين بأمراض أو عاهات عقلية.
أن يكون الزوجان سالمان من الأمراض المعدية. يمكن للمحكمة تأكيد هذا الشرط والشرط السابق من خلال عرض الزوجين على اللجان والجهات الطبية المختصة.
أن يكون الزوجان قادران على إعالة الصغير. هذا الشرط متعلق بالإمكانية المالية للزوجين، ويمكن إثبات ذلك بكل سهولة من خلال المستمسكات الرسمية.
أن يكون الزوجان قادران على تربية الصغير. مسألة القدرة على تربية الصغير، فيها تفاصيل وخلاف بين الآراء، ويمكن التعرّف عليها من خلال الرجوع إلى الفقه الإسلامي، وبالتحديد عند تناول الفقهاء شروط الحاضن[12].
توفر حسن النية لدى الزوجين. و هذا الشرط صعب الإثبات، كما لا تستطيع المحكمة أن تقضي بتوفره حال تقديم الطلب.ورغم ذلك سنبيّن في المطالب القادمة الطريقة التي تمّكن المحكمة من معرفة توفر هذا الشرط من عدمه.
أما شروط طالبي الاحتضان بموجب المادة الرابعة من التعليمات سنة 2013م فهي ما يلي:
أن يكون طالبي الاحتضان أسرة قائمة مكونة من زوجين،وأن يقيمان في مكان إقامة مشترك.
أن تكون ديانة طالبيّ الاحتضان الإسلام أو أن يكون قد مضى على إسلامهما 3 سنوات كحد أدنى معزّزة بحجة إشهار الإسلام.
عدم قدرة الزوج أو كلاهما على الإنجاب.
أن يكون عمر الزوج ما بين (35-55) سنة،وعمر الزوجة ما بين (30-50) سنة.
مضي مدة لا تقل عن 5 سنوات على زواج طالبي الاحتضان.
أن يكون الدخل الشهري للأسرة لا تقل عن 500 دينار أردني كحد أدنى.
على طالبي الاحتضان أن توفّر للمحضون كافة أشكال الرعاية (التربوية، الصحية، النفسية، المادية، والاجتماعية).
أن يتمتع الزوجان بأوضاع صحية وجسدية ونفسية تمكنها من القدرة على تنشئة الطفل تنشئة سليمة.
أن يكون الزوجين غير محكومين بجناية أو جنحة مخلة بالآداب والأخلاق العامة من ذوي الأسبقيات.
أن تكون العلاقة الزوجية بين طالبي الاحتضان تتسم بالمودة والترابط والانسجام.
طالبي الاحتضان ملزمان بتحقيق الحرمة الشرعية للطفل بحيث إن كان الطفل ذكراً يتم إرضاعه من قبل إمرأة من طرف الزوجة، أما إذا كان الطفل أنثى فيجب إرضاعها من قبل إمرأة من طرف الزوج.
بعد بيان شروط طالبي الضم والاحتضان في البلدين العراق والأردن، تبين لنا أنه توجد أوجه خلاف وتشابه بينهما، وهي كما يلي:
مشرعي البلدين اشترطا إستمرارية العلاقة الزوجية بين طالبي الضم أو الاحتضان وهذا موقف حسن، لكن المشرع الأردني كان أدق،إذ أوجب أن يكون محل إقامتهما واحدة، وهذا ما تغافل عنه المشرع العراقي، إذ من الممكن أن يعيش كل زوج في محل إقامة خاص به، رغم استمرار العلاقة الزوجية بينهما. لذا نرّجح موقف المشرع الأردني.
المشرع العراقي لا يجيز تقديم الطلب من قبل غير العراقيين بنص صريح، بينما خلت التعليمات الأردنية من أيّ نص يشير إلى ذلك.ورغم الفراغ التشريعي، لا يعتقد قبول التقديم من قبل الأجانب من الناحية العملية.
فيما تتعلق بديانة طالبي الاحتضان، فإن التعليمات الأردنية جاءت مشدّدة بهذا الخصوص، إذ لا تقبل تقديم الطلب إلاّ من زوجين مسلمين، أو من زوجين اعتنقا الإسلام ومرّت على إسلامهما مدة لا تقل عن 3 سنوات، على أن يكون إشهار إسلامهما موثق بحجة صادرة من الجهة المختصة، والسر وراء ذلك يعود إلى أن ديانة الطفل (مجهول النسب)هي الإسلام ما لم يثبت العكس، لذا لا تقبل تعهّد طفل مسلم إلى غير مسلم. لكن من جانب آخر، فإن التعليمات ونظام الطفولة، لا تقبلان تقديم الطلب من زوجين غير مسلمين وإن ثبت أن الطفل غير مسلم؟.
أما المشرع العراقي، فإنه لم يتطرق إلى ديانة طالبي الضم،لكن طالما الصغير مجهول النسب يعتبر مسلم الديانة قانوناً وشرعاً، فلا يجوز للمحكمة ضمّه إلى طالبي الضم من غير المسلمين، قياساً على نص الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون الأحداث[13]، أما إذا كان معلوم الديانة وكان غير مسلم فإنه والحالة هذه يجوز ضمّه إلى زوجين مسلمين وكذلك إلى زوجين من أهل ديانته أيضاً، فمثلاً إذا كان الصغير من ديانة أهل الكتاب، كالمسيحية أو اليهودية فيجوز ضمّه إلى زوجين مسلمين أو مسيحيين أو يهوديين ولا يجوز ضمه إلى زوجين من ديانة غير سماوية، ولهذا لا يجوز ضم صغير مسيحي أو يهودي الديانة إلى زوجين من ديانة الصابئة أو اليزيدية والعكس جائز.علماً، هناك اختلاف فقهي بخصوص شرط الديانة بين الحاضن والمحضون في كتب الفقه الإسلامي، وبالإمكان الرجوع إليها لمعرفة المزيد[14].
بناء على ما تقدّم يرى الباحث، أن موقف المشرع الأردني مشدّد في هذا الخصوص، ومن الأفضل إعطاء المجال للزوجين من غير المسلمين طلب احتضان طفل ثبت أنه من ديانتهما على الأقل. أما المشرع العراقي، فإنه مطالب بتناول ديانة الزوجين طالبي الضم بصورة صريحة وعدم فسح المجال للاجتهادات.
عدم قدرة الزوج أو كلاهما على الإنجاب، شرط آخر يجب توافره في طالبي الاحتضان حسب التعليمات. وعليه، فإذا كانا قادرين على الإنجاب فلا يحق لهما تقديم الطلب. أما المشرع العراقي، فلم يشترط هذا الشرط في طالبي الضم، فحتى إن كان لهما أطفال ولا زالا قادرين على الإنجاب فلهما الحق في تقديم الطلب. وعليه، نرجّح موقف المشرع العراقي، لكن من الأفضل إعطاء الأولوية لطالبي الضم غير القادرين على الإنجاب في حالة تزاحم الطلبات.
بموجب قانون الأحداث العراقي الملغي رقم (64) لسنة 1972 فإن المشرع العراقي اشترط في طالبي الضم أن يكون قد مضى على زواجهما أكثر من 7 سنوات ولم ينجبا طفلاً،وأجازت للمحكمة أن لا تتقيد بهذه المدة إذا ثبت لها بدليل طبي عقم الزوجين أو أحدهما[15]، لكن في ظل القانون النافذ فإنه لم يشترط مرور أي مدة زمنية على زواجهما.
أما التعليمات الأردنية، فسارت على نهج قانون العراقي الملغى، إذ اشترطت مرور مدة لا تقل عن 5 سنوات على زواجهما. عليه، نرجّح القانون العراقي، لأنه ودون شكّ لم يتراجع عن موقفه إلاّ بعد تعرضه للنقد، واتضاح عدم جدوى هذا الشرط، لكن ومثل الشرط السابق، من الأفضل إعطاء الأولوية لطالبي الضم اللّذين مضى على زواجهما مدة أطول عند تعدد الطلبات، وهذا ما يتم مراعاته فعلاً من الناحية العملية اجتهاداً من المحاكم وتحقيقاً للعدالة.
التعليمات الأردنية وضعت حد أدنى وأقصى لعمر طالبي الاحتضان، بحيث لو أن عمر أحدهما أو كلاهما أقل من الحد الأدنى أو تجاوز الحد الأقصى فلا يسمح لهما بتقديم الطلب. أما المشرع العراقي فلم يشترط فترة عمرية معينة لطالبي الضم، فبمجرد أن يكونا متزوجين، يجوز لهما تقديم الطلب، وهذا ما نرجّحه، لأن هذا الشرط لا يعتبر الشرط الوحيد، إذ لا بدّ أن تتوفر فيهما شروط أخرى. ونتسأل: ألا يعتبر إجحافاً بحق الزوجين إذا كانا في العشرينيات من العمر، وألزمناهما بالانتظار لحين أن تبلغ الزوجة 30 سنة والزوج 35 سنة رغم ثبوت عقم أحدهما أو كلاهما ؟.
في العراق، طالبي الضم يجب أن يكونا معروفان بحسن السيرة والسلوك، دون أن يبيّن المشرع الطريقة التي تثبت من خلالها هذا الشرط، لكن المحاكم تلجأ إلى الشهود لهذا الغرض. أما في الأردن، فيشترط فيهما:أن يسود المودة والترابط والانسجام في علاقاتهما الزوجية، وكذلك عدم المحكومية بجريمة مخلة بالآداب والأخلاق العامة. والباحث يرى أنه من الأفضل دمج هذه الشروط الثلاثة في شرط واحد، لأن عدم المحكومية غير كافية لإثبات حسن سيرة وسلوك الشخص، فالعديد من الأشخاص ليست لديهم محكومية، ورغم ذلك يصعب التعامل والعيش معهم.
التمتّع بصحة جسدية وعقلية ونفسية جيدة، والسلامة من الأمراض المعدية شرط آخر من ضمن الشروط الواجب توافرها في طالبي الضم أو الاحتضان في كلا البلدين. وهذا شرط في محله، لأن المصاب بعاهة عقلية، أو اعتلال جسدي، أو مرض نفسي، غير قادر على تربية الطفل المحضون بالشكل الصحيح، كما أن إصابته بمرض معدي يعتبر خطراً على حياة الطفل.
قانون الأحداث العراقي اشترط في طالبي الضم القدرة على إعالة الصغير، دون تحديد حد أدنى لدخلهما الشهري. أما التعليمات الأردنية، فحدّده بمبلغ لا تقل عن 500 دينار أردني. والسؤال المطروح هنا: ماذا لو نزل هذا الحد فيما بعد، هل سيأخذ الطفل منهما؟ وكما هو معلوم دوام الحال من المحال، فغنيّ اليوم قد يصبح فقير الغد، والعكس صحيح. لذا، نرجّح القانون العراقي.
توفّر كافة أشكال الرعاية التربوية، الصحية، النفسية، المادية، والاجتماعية، من قبل طالبي الاحتضان للطفل المحضون شرط آخر في دولة الأردن. أما في العراق، فاختصر المشرع هذا الشرط في عبارة (القدرة على تربية الصغير)، وكلمة الـ (تربية) تشمل جميع أشكال الرعاية المذكورة. لكن ما يجب الانتباه هنا هو: أن تربية الطفل المحضون في العراق من وظيفة طالبي الضم، أما في الأردن فيمكن القيام بها من قبل آخرين مثل الخدم، لأن النص على (توفّر كافة أشكال الرعاية)، لا يعني بالضرورة تقديمها من قبل طالبي الاحتضان أنفسهما. وهناك خلاف فقهي في هذه المسألة، عند تناول الفقهاء شرط (القدرة على تربية المحضون) لدى الحاضن، إذ هناك آراء فقهية تجيز تربية المحضون من غير الحاضن[16].
في الوقت الذي نصّ المشرع العراقي على شرط غير منطقي وغير قابل للإثبات عند تقديم الطلب والذي هو: (توفّر حسن النية لدى الزوجين). نصّت التعليمات الأردنية على شرط لا يمكن الاستغناء عنه، ويعبّر بكل وضوح عن هوية الدولة (الإسلامية)، وعن تجذّر ورسوخ الدين الإسلامي في الشعب الأردني وسلطته التشريعية
أكرم زاده الكوردي ماجستير في القوانين المقارنة، محقق قضائي في مجال التحقيق مع الأحداث،
عضو محكمة أحداث دهوك سابقاً