دراسات قانونية

المستشارون القانونيون لدى القوات المسلحة ودورهم في احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني (بحث قانوني)

المستشارون القانونيون لـدى القـوات المسلحـة كضمانة لاحترام القانون الدولي الإنساني

د. لعروسي أحمد، أستاذ محاضر، المركز الجامعي تيسمسيلت / الجزائر

Abstract

Under article 82 of the Additional Protocol I to the Geneva Conventions of 12 August 1949 relating to the protection of victims of international armed conflicts([1])، legal advisers shall “advise the military commanders to the appropriate degree on the application of the provisions of the Conventions and the Protocol and on appropriate instructions to the armed forces on this matter.”

In order to maximize the potential for the application of international humanitarian law، the appointment of legal advisers to the armed forces has now been provided for in a treaty text، thus ensuring that States do so.

Naturally، the ramifications of the law of armed conflict and its connection to other fields of knowledge and science require the use of the views of the people of the narrator when needed. This is a trend taken by several countries before the text of the protocol، because this facilitates the work of the military leadership، which is also required to know these provisions. Of their subordinates’ knowledge of the obligations contained in international humanitarian law instruments، as well as of their responsibility in prosecuting perpetrators of violations as set out in article 87 of Protocol I.

الملخص:
يتولـى المستشارون القانونيون بمقتضى المادة 82 من البروتوكـول الأول ” مهمة تقديم المشورة للقادة العسكريين حسب الدرجة الملائمـة بشأن تطبيق أحكام الاتفاقيات والبروتوكول وبشأن التعليمات المناسبة التي تصدر إلى القوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع ” .60

وسعيـا إلى توفير أقصى الإمكانيات الممكنة لتطبيق القانون الدولي الإنساني أصبح وجوب تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة منصوصا عليه الآن في نص اتفاقـي مما يضمن تحقيق ذلك من جانب الـدول.

وطبيعي أن تشعب قانون النزاعات المسلحة واتصاله بحقول أخرى من المعرفة والعلوم يحتمان الاستعانة بآراء أهل الذكر عند الحاجة وهو اتجاه سلكته عدة دول قبل النص عليه في البروتوكول لأن في ذلك تسهيلا لعمل القيادة العسكرية التي من واجبها أيضا معرفة تلك الأحكام ، كما أن القادة أنفسهم مطالبون بالتأكد من معرفة مرؤوسيهم للالتزامات الواردة في مواثيق القانون الدولي الإنساني، فضلا عن مسئوليتهم في ملاحقة مرتكبـي الانتهاكات كما تحدد ذلك المادة 87 من البروتوكـول الأول .

مقدمة:

يستمد القانون الدولي الإنساني قواعده من مجموعة من المصادر الاتفاقية والعرفية ويسعى لتنظيم سير العمليات العدائية، وتوفير أكبر قدر من الحماية لضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وقد حددت النظم القانونية المنبثقة عن هذه المصادر، الأفعال التي بارتكابها يكون قد وقع انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني، يستوجب ردع مرتكبه بتوقيع العقاب اللازم عليه في حالة ثبوت مسؤوليته. فالقانون الدولي الإنساني يفترض لتطبيقه نشوب نزاع مسلح سواء طالت مدته أو قصرت، يلجأ كل طرف خلاله إلى كل الطرق والوسائل لإضعاف قوة العدو وتحقيق النصر، لكن كثيرا ما يتخلل هذا النزاع انتهاكات وخروقات لقواعد القانون الدولي الإنساني .

وإذا كان الواقع يكشف عن كثرة النزاعات والصراعات المسلحة التي تختلف في أسباب قيامها وفي نطاقها وبالنسبة للقوة المشاركة فيها، فإن التعرف على أحكام القانون الدولي الإنساني التي تطبق على كل منها يكون أمرا يقتضيه الواقع القائم. ومن الطبيعي أن تشعب القانون الدولي الانساني واتصاله بحقول أخرى من المعرفة والعلوم، أدى الاستعانة بآراء اهل العلم، وهو اتجاه سلكته عدة دول قبل النص عليه في البروتوكول الاضافي الأول، وذلك تسهيلا على القادة في اداء واجباتهم المنوطة بهم([2]).

وعلى ذلك تقوم الدول باستمرار بتعيين واعداد وتدريب المستشارون القانونيون للاستعانة بهم في أوقات النزاع المسلح وذلك لكي يقدموا المشورة للمقاتلين وللقادة العسكريين في زمن النزاع المسلح، وهذا لمنع اي انتهاكات بحق حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني.

وطبقا لما جاء في المادة 82 من البروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أوت 1949، تعمل أطراف النزاع المسلح دوما على تامين توفير المستشارين القانونيين عند الاقتضاء، لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب، بشأن تطبيق القانون الدولي الانساني، و مهمة المستشارون القانونيون تقديم الاستشارات للقادة العسكريون والمقاتلين ذوي الرتب حسب درجة الملائمة فيما يتعلق بتطبيق اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 م واللحقين البروتوكولين الاضافيين لها لعام 1977م([3]).

إشكالية المداخلة:

إلى أي مدى يمكن للمستشارين القانونيين لدى القوات المسلحة المساهمة في احترام وتعزيز مبادئ القانون الدولي الإنساني ؟

للإجابة على الإشكالية، ارتأينا التطرق أولا إلى دواعي ضرورة وجود المستشارون العسكريون (المطلب الأول)، ثم إلى المستشارون العسكريون ودورهم في كفالة احترام القانون الدولي الإنساني (المطلب الثاني) .

المطلب الأول :

دواعي وجود المستشارون القانونيون

يهدف القانون الدولي الإنساني أساسا إلى التخفيف من الآلام ومعاناة الضحايا في النزاعات المسلحة وإضفاء المبادئ الإنسانية عليها، وإذا غابت المساعدات والقواعد الإنسانية التي من شأنها أن تحقق ذلك، تتحول إلى وضع لا يطاق يمكن أن تقع فيه جميع أشكال الخروقات التي تمس حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، إلى درجة تهديد السلم والامن الدوليين([4])، وقد عرفت فترة ما بعد الحرب الباردة تطورا هائلا في الأزمات الإنسانية، خاصة ما يعرف بالحروب الأهلية، وما زاد من حدة الوضع أن هذه الحروب تستعمل فيها كل الأساليب اللاإنسانية المنافية لكل المبادئ القانونية الدولية والداخلية التي أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بشكل أدى إلى إثارة الرأي العام العالمي([5]) .

أولا/ انتشار النزاعات المسلحة غير الدولية:

فرض واقع القانون الدولي والعلاقات الدولية بعد زوال القطبية الثنائية بسبب تفكك الاتحاد السيوفيتي، انتشارا واسعا وازديادا كبيرا في ظاهرة النزاعات المسلحة غير الدولية([6])، ابتداء بأوروبا الشرقية، ثم انتشارها بصفة سريعة عبر كل أنحاء المعمورة وراءها دوافع إيديولوجية، عرقية، دينية…، وإذا كانت هذه النزاعات غالبا ما تكون داخلية، لكن أثارها تتجاوز الإقليم كونها تمس بجميع فئات المجتمع، بمن فيهم ضعيفي الحماية من مدنيين والأشخاص التابعين للمنظمات الإنسانية([7]).

إن ما شهده النصف الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحالي([8])، من تزايد في عدد النزاعات المسلحة غير الدولية على حساب النزاعات المسلحة الدولية، وتزايد ضحاياها في صفوف المدنيين، دفع بالمجتمع الدولي إلى إعادة التفكير في مفهوم النزاعات المسلحة التي تقوم على النظرية التقليدية للحرب، والتي كانت تقصي النزاعات المسلحة غير الدولية من أي تنظيم يمكن أن يمس بالمجال المحفوظ للدولة([9])، وهو ما جعل الاتفاقيات الدولية التي أبرمت في إطار القانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، تتجاوز المفهوم الكلاسيكي للقانون الدولي، الذي يقضي بأن الدول ذات السيادة وحدها هي المخاطبة بأحكامه. وتتجاوز أيضا النظرة التقليدية للحرب التي تقضي بأن الحرب “نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر” وذلك حين امتدت أحكامها لتعالج حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي يقع داخل دولة معينة .

وتعد صورة النزاعات المسلحة غير الدولية، من أعقد مواضيع القانون الدولي العام لتعلقها بمبدأ سيادة الدول ومبدأ عدم التدخل، وتنوع صورها وأشكالها وصعوبة التمييز بينها وبين النزاعات المسلحة الدولية.

وتمتد صور النزاع المسلح غير الدولي لتشمل العديد من طوائف التمرد المسلح داخل الدولة، مثل التظاهرات وأعمال العصيان المسلحة، وإلى القلاقل والاضطرابات الداخلية وإلى أعمال الشغب والعنف، وأخيرا إلى الحروب الأهلية، وهي أخطر هذه الصور من حيث النتائج الوخيمة التي تترتب عليها، والتي تؤدي إلى تمزيق الوحدة الوطنية .

ولكن على الرغم من ذلك، فإن الاهتمام الدولي قد انصب على طائفة معينة بذاتها وهي الحروب الأهلية التي يبلغ التمرد فيها أقصى مداه، بينما ظلت باقي الصور والمتمثلة أساسا في التوترات والاضطرابات الداخلية، مدرجة ضمن السلطان الداخلي للدولة وأقصيت من التنظيم الدولي بمناسبة إقرار المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وأيضا بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 .

1- الحروب الأهلية:

لطالما كانت الحرب الأهلية إحدى صور النزاعات المسلحة غير الدولية الشائعة في ظل القانـون الدولي التقليدي وأكثرها شيوعا في القانون الدولي المعاصر، وسنحاول أن نتناول مفهوم وخصائص الحرب الأهلية على النحو الآتي:

أ- مفهوم الحرب الأهلية :

إن تغليب النظرة الضيقة في مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية جعلها تنصب نحو مفهوم الحرب الأهلية بالمعنى الفني الدقيق، التي يبلغ النزاع بمناسبتها أعلى درجات التمزق داخل إقليم الدولة، فهي تتعلق ببساطة بالاشتباكات الناجمة عن اختلافات إيديولوجية أو عرقية أو سياسية أو دينية و بين طرفين وطنيين، مما يجعل الوصف يرجع إلى كل الاشتباكات المسلحة التي تدور بين الحكومة القائمة وجماعة المتمردين أو فيما بين الأطراف المتعادية([10]).

كما تأثر مفهوم الحرب الأهلية بالمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي حددتها بأنها تلك النزاعات التي تثور في أحد أراضي الأطراف السامية بين جماعة منشقة أو أكثر في مواجهة السلطة القائمة أو بين الجماعات المتمردة فيما بينها، دون أن تكون قوات الحكومة القائمة طرفا فيها شريطة استيفاء هذه الجماعات المنشقة لعنصرين اثنين هما: عمومية حجم التمرد، من جانب، وتمتعها بجانب من التنظيم، أي خضوع الجماعة المتمردة لهيئة قيادة منظمة واحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة على النزاعات المسلحة غير الدولية، من جانب آخر. ثم أضاف البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 عنصرا آخر إلى جانب هذين العنصرين، هو عنصر الرقابة الإقليمية([11]) .

ب- التمييز بين الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة غير الدولية :

إن تعدد صور النزاعات المسلحة غير الدولية المتمثلة في التظاهرات وأعمال العصيان المسلح والاضطرابات والتوترات الداخلية وأعمال الشغب والحروب الأهلية([12]) يجعل من التمييز بين الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة غير الدولية لا تعدوا أن تكون الحرب الأهلية نفسها إحدى صور هذه النزاعات. أما كون النزاعات المسلحة غير الدولية هي ذاتها الحرب الأهلية فذلك راجع للإيديولوجيتين المتناقضتين اللتين سادتا العمل الدولي، والمتمثلتين في الاتجاه التوسعي والاتجاه الضيق([13]). وبهذا فإن الحرب الأهلية بكونها هي ذاتها النزاعات المسلحة غير الدولية لا يستند لأية أسس نظرية أو قانونية، وإنما لإرادة الدول التي حالت دون إسباغ أوجه الحماية لكافة صور النزاعات المسلحة غير الدولية.

ولا تستخدم المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع مصطلح الحرب الأهلية، بل تشير بدلا من ذلك إلى (نزاع مسلح ليس له طابع دولي)، وهو نفس ما تعمل به مثلا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتجنب بصفة عامة استخدام مصطلح “الحرب الأهلية” عندما تتواصل مع أطراف نزاع مسلح في السر أو في العلن، وتستخدم بدلا من ذلك النزاعات المسلحة “غير الدولية” أو “الداخلية”، حيث يعكس هذان المصطلحان الصيغة المستخدمة في المادة الثالثة المشتركة .

2- الاضطرابات والتوترات الداخلية :

إلى جانب الحرب الأهلية، تعتبر الاضطرابات والتوترات الداخلية أيضا إحدى صور النزاعات المسلحة غير الدولية، التي ينظر إليها القانون الدولي العام بصورة نسبية وليست مطلقة، إذ لم تبين الحدود الفاصلة التي تبين أوجه الاختلاف والاتفاق فيما بينها، كما لا تزال هذه الصور من المسائل المدرجة في السلطان الداخلي للدولة .

ورغم ذكرها للاضطرابات والتوترات الداخلية، إلا أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من البروتوكول الثاني، لم تتضمن تعريفا لها واقتصرت فقط على إعطاء مفهوم عام، من خلال طرحها لأمثلة توضح المؤشرات التي لا تتشابه والعمليات العسكرية المنظمة التي يسبقها تخطيط و تنسيق تقوم به جماعات تخضع لقيادة مسؤولة([14])، ولذلك ينبغي الرجوع إلى الفقه وكذا أعمال اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي قدمتها لمؤتمر الخبراء الحكوميين للوقوف على تحديد مفهوم كل من الاضطرابات والتوترات الداخلية .

أ- الاضطرابات الداخلية :

يرى جانب من الفقه أنه من الصعب وضع تعريف للاضطرابات الداخلية لأن الظروف الحقيقة متنوعة جدا، والعنف يتخذ عدة أشكال إلى درجة أنه لا يمكن أن يشملها تعريف واضح. وقدم هذا الاتجاه وضعا بسيطا يتسم بدرجة من العنف يتجاوز العنف الموجود في الأوقات العادية، إذ أن السلطة قد تلجأ إلى الحبس التعسفي وحالات الاختفاء القسري والمعاملة السيئة التي تصل إلى حد التعذيب وأخذ الرهائن([15]) .

كما يرى الأستاذ ماريون تافل في محاولته لتحديد فكرة الاضطرابات الداخلية بأنها: “اختلال جزئي في النظام الداخلي، نتيجة لأعمال العنف التي تقوم بها مجموعة من الأفراد أو الجماعات لمعارضتهم أو استيائهم لوضع معين”([16]).

وقد ضمنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تقريرها التمهيدي المقدم إلى مؤتمر الخبراء الحكوميين في جويلية 1970 حول “النزاعات المسلحة غير الدولية وحرب العصابات” بعض العناصر المميزة للاضطرابات الداخلية، وعنها قالت: ( هي الحالات التي دون أن تسمى نزاعا مسلحا غير دولي بأتم معنى الكلمة، توجد فيها على المستوى الداخلي مواجهات على درجة من الخطورة أو الاستمرار وتنطوي على أعمال عنف قد تكتسي أشكالا مختلفة، بدءا بانطلاق أعمال ثورة تلقائية حتى الصراع بين مجموعات منظمة شيئا ما والسلطات الحاكمة)([17]). ولا تؤول بالضرورة هذه الحالات إلى صراع مفتوح وقد تستدعى فيها السلطات الحاكمة عددا كبيرا من قوات الأمن وحتى القوات المسلحة كي ترجع النظام إلى ما كان عليه .

غير أن الخبراء الذين تم التشاور معهم وجدوا أن هذه العناصر غير كافية، إذ بالنسبة لهم توجد اضطرابات داخلية إذا لجأت الدولة إلى استعمال الجيش لإعادة النظام. ولذلك حاولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر توضيح هذا الاصطلاح في الأعمال التحضيرية لمؤتمر الخبراء الحكوميين لعام 1971، حيث رأت بأنها تتعلق بأوضاع لا تتسم بالدقة وتعبر عن وجود مواجهات تتسم إلى حد ما بطابع الخطورة واستمرارية معينة، وبأعمال عنف.. في هذه الأوضاع، والتي لا تتدهور حتما إلى صراع مفتوح تحتم على السلطات استدعاء قوات واسعة من الشرطة، وكذا القوات العسكرية لإعادة النظام الداخلي إلى نصابه([18])

ب- التوترات الداخلية :

تناولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في ذات التقرير السالف الذكر، فكرة التوترات الداخلية واعتبرتها بأنها الدرجة السفلى من درجات المواجهات غير الدولية، وتتضمن بعض الخصائص كالإيقافات الجماعية، وارتفاع عدد المعتقلين السياسيين بسبب آرائهم ومعتقداتهم، المعاملة السيئة وتعطيل الضمانات القضائية، وظهور حالات الاختفاء، وقد تكون هذه الظواهر تعكس رغبة السلطة في إجلاء آثار التوتر للسيطرة على الأوضاع([19]).

وبذلك ترى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في التوترات الداخلية، بأنها “اعتقالات متكررة للأفراد الخطيرين على أمن الدولة دون حدوث أعمال عنف”([20]) .

وإذا كان هناك تلازما بين الاضطرابات والتوترات الداخلية، فإن هناك اختلافا لا يمكن تجاوزه يكمن في كون التوترات الداخلية تعبر عن حالة قلق سياسي أو اجتماعي، ويتم التعبير عنه بصورة سلمية. بينما الاضطرابات الداخلية قد تتواجد مع عدم وجود نزاع مسلح، كما تتواجد إذا حدثت مصادمات وأعمال تمرد مفاجئة وقتال بين مجموعات منظمة أو بين هذه المجموعـات والسلطات القائمة وإمكانية تدخل الشرطة أو حتى الجيش لتدارك الأوضاع الراهنة([21]) .

ثانيا/ تطور استعمال أساليب و وسائل القتال المحظورة:

يقوم القانون الدولي الإنساني على مبدأين أساسيين، ويسعى لتجسيد التوافق بينهما، وهما مبدأ الضرورة العسكرية التي يتطلبها النزاع، ومبدأ المعاملة الإنسانية الذي يجب أن يراع ويصان([22])، وللتوفيق بين هذين المبدأين أجاز القانون الدولي الإنساني للمقاتلين استخدام الوسائل والأساليب التي تحقق الغاية من المبدأ الأول وهو الانتصار على الخصم([23]) . لكن ما ليس فيه شك ان التقدم الحاصل في أساليب وفنون القتال وتطور نظام التسلح بظهور أسلحة متطورة ومتنوعة أدى إلى الإطاحة بالمبدأين، وقد كانت هذه الظروف من أهم دواعي الاستعانة بنظام المستشارين القانونيين لاحترام القانون الدولي الإنساني([24]).

1- استعمال أساليب القتال المحرمة:

من واجبات المقاتلين الامتناع والعزوف عن استعمال واستخدام بعض الأسلحة، حيث يتم حظرها عن طريق عقد اجتماع خبراء من مختلف التخصصات، لتدقيق النظر في الأسلحة التي يمكن حظرها أو تقييد استعمالها، وذلك بتحديد الخصائص التقنية لكل سلاح تحديدا دقيقا، ودراسة جدواه من الناحية العسكرية و وسائل إبداله المحتملة، بالإضافة إلى التكلفة الإنسانية من حيث الآلام البدنية أو النفسانية التي تتسبب عند استعماله، وكذلك دراسة دقة السلاح وإمكانية إزالة مفعوله عقب استعماله ودرجة انعكاساته، لكن واقع النزاعات المسلحة الحديثة يؤكد استعمال كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا([25])، ومن بين هذه الأسلحة ما يلي:

أ- استخدام الأسلحة والقذائف والمواد التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها، وكذلك القذائف المتفجرة والمحشوة بمواد ملتهبة والتي يقل وزنها عن 400 غرام([26]) .

ب- استخدام الرصاص المتفجر، المعروف باسم “رصاص دمدم” الذي ينتشر ويمتد بسهولة في جسم الإنسان، كما يؤدي إلى الإحساس بآلام مفرطة في جسم الشخص الذي يصاب به، وزيادة على ذلك يستعصى نزعه من الجسم.

ج- استخدام الغازات السامة القاتلة، وقد جاء النص على تحريمها في تصريح لاهاي لعام 1899، وفي معاهدة واشنطن لعام 1922 وبروتوكول جنيف لعام 1925 … إلى غير ذلك من الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا .

2- أساليب القتال المحرمة:

إن واجبات المقاتل لا تتوقف عند حد الامتناع عن استخدام بعض أنواع الأسلحة، وإنما يتعدى ذلك إلى واجب الامتناع عن استخدام بعض أساليب القتال، والتي تعتبر في نظر القانون غير مشروعة، ومن أبرز الأساليب القتالية التي يتوجب على كل مقاتل الامتناع عن إتيانها ما يلي([27]):

أ- واجب الامتناع عن مهاجمة غير المقاتلين والأهداف غير العسكرية خاصة عن طريق الهجمات العشوائية دون سابق تمييز بينها([28]) .

ب- من واجب كل مقاتل الامتناع عن الهجوم على أي شخص هابط بمظلة من طائرة، كما يجب أن تمنح له فرصة الاستسلام حسب المادة 42 من البروتوكول الإضافي الأول .

ج- الامتناع عن اللجوء إلى أعمال الغدر والخيانة للتمكن من الخصم، ويعتبر من قبيل الغدر والخيانة كل عمل يمكن أن يستدرج به العدو وجعله واثق من بعض الأمور، كالحماية المفروضة له بموجب هذا القانون، وكذلك الوثوق في الضمانات، وكذا العهود لتقابل بعد ذلك بالغدر والخيانة، أي بخلاف ما كان ينتظر هذا الغير .

المطلب الثاني: دور المستشارين القانونيين في كفالة احترام القانون الدولي الإنساني

يعد نظام المستشارين العسكريين في القوات المسلحة نظاما حديثا نسبيا، فقد ورد النص عليه لأول مرة في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، إذ نصت عليه المادة 82 ([29]).

ويعتبر توفير مستشارين قانونيين لدى القوات المسلحة نتيجة منطقية للواجب في احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه، إذ تقع على القادة العسكريين مسؤولية كبيرة في نظام إكفال احترام القانون الدولي الإنساني، فهم مسؤولون عن توفير تعليم القانون المذكور للقوات المسلحة التي بإمرتهم ([30]).

أولا- تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة:

تنص المادة (82) من البروتوكول الإضافي الأول على أن “تعمل الأطراف السامية المتعاقدة دوما، ويعمل أطراف النزاع أثناء النزاع المسلح على تأمين توفر المستشارين القانونيين، عند الاقتضاء، لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب، بشأن تطبيق الاتفاقيات وهذا البروتوكول، وبشأن التعليمات المناسبة التي تعطى للقوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع”.

وتهدف هذه الآلية إلى توفير رأي استشاري للقادة العسكريين حول مدى مطابقة أوامر القتال التي يصدرونها والعمليات العسكرية التي يقومون بها مع أحكام القانون الدولي الإنساني، الأمر الذي قد يساهم على نحو كبير في منع صدور أوامر لعمليات عسكرية تخالف القانون، كما تهدف إلى تزويد أفراد القوات المسلحة بالمعلومات القانونية اللازمة التي قد تمنعهم من ارتكاب انتهاكات لهذا القانون، من خلال تكليف المستشار القانوني بإعداد البرامج التدريبية والكتيبات العسكرية التي تحتوي على تلك المعلومات.

ويعتمد الوفاء بهذا الالتزام، وفقا للظروف الاقتصادية وامكانية كل دولة على طريقتين مختلفتين:

الطريقة الأولى: للدولة التي لا تتوافر لديها الامكانيات لتعيين مستشارين قانونيين متخصصين، فعليها أن تلجا الى تكوين القادة العسكريين لديها تكوينا قانونيا مختصا في مجال القانون الدولي الانساني، بحيث يتيح لهم هذا التكوين تقييم الموقف القانوني عند اصدار أوامر القتال أو العمليات العسكرية.

الطريقة الثانية: والتي تلجا اليها الدولة التي تتوفر لها امكانيات وظروف اقتصادية تتيح لها تعيين المستشارين قانونيين متخصصين للقوات المسلحة، والدول التي تلجا الى هذه الطريقة تفضل تعيين المستشارين بحيث يكونون تابعين للقادة في القوات المسلحة بما لا يخل بوجوب الحفاظ على الأسرار والمعلومات العسكرية.([31])

ويشترط في المستشارين القانونيين ما يلي:

1- أن يتمتعوا بقدر من الاستقلال الضروري لتنفيذ مهماتهم الاستشارية على نحو مناسب .

2- إدماج المستشارين القانونيين داخل الهيئة العسكرية .

3- أن يكونوا من المتخصصين في القانون الدولي الإنساني .

4- أن يمنح هؤلاء المستشارين رتبا عالية بما فيه الكفاية لضمان احترامهم ضمن تسلسل الرتب العسكرية.

5- يجب أن يحتفظ المستشارون القانونيون بنزاهتهم كرجال قانون وأن يظهروا تفهما واضحا للمتطلبات العسكرية .

غير أن ما تجدر الإشارة إليه بصدد تعيين المستشارين القانونيين، هو أن اعتماد هذه الآلية غير ملزم بالنسبة للدول، ولا يوجد ما يجبرها على اتخاذها كتدبير لتطبيق واحترام القانون الدولي الإنساني([32])٬ بل اكتفي إلى الإشارة على مجرد تأمين المستشارين القانونيون عند الاقتضاء، ولما كان قانون النزاعات المسلحة قد نشأ وسط النيران، وأن عبء تطوير هذا القانون و العمل على استمرار تطوره، إنما يقع على عاتق أولئك الذين يتولون القيادة العسكرية في الميدان، فإنه كان يتوجب النص على واجب تبني نظام المستشارين القانونيون في كل دولة، وهذا لما لهذا للنظام من أهمية باعتبارهم أكثر خبرة و معرفة في تنفيذ القانون الدولي الإنساني. وبذلك فإن عدم النص على إلزامية توفير المستشارين القانونيين لدى القوات المسلحة، بالسلب على فعالية قواعد الحماية المقررة بموجب هذه الآلية .

ثانيا/ دور المستشارين القانونيين لدى القوات المسلحة:

تقدم المادة 82 تعريفا مرنا لدور المستشار القانوني وقتما كانت القواعد في طور الإرساء. وللمستشارين القانونييندور مزدوج، فهم يقدمون المشورة للقادة العسكريين بشأن التطبيق الصحيح للقانون الدولي الإنساني، ويوجهون القادةحول كيفية تدريس هذا القانون للقوات المسلحة التي هم مسؤولون عنها. حتى وإن كانت تلك المهام منفصلة، فإنهامكملة لبعضها البعض، لأن تدريب أفراد القوات المسلحة على نحو ملائم في وقت السلم يجعل مشورة المستشار أكثرفاعلية في وقت الحرب. ومن ثم، فإن المادة 82 تضع الخطوط العريضة لعمل المستشارين القانونيين، بينما تترك لكل دولة مسؤولية تحديد دورهم والشروط التي يؤدون دورهم بموجبها.

وبينما يترك البروتوكول الإضافي الأول للدول الأطراف قدرا معينا من الحرية في اختيار وظائف مستشاريها القانونيين،

فإنه يحتم عليهم أن يكونوا على مستوى جيد من الخبرة في القانون الدولي الإنساني حتى يتسنى لهم إسداء المشورة إلى

القادة العسكريين على نحو فعال، وللدول الحرية في اختيار المستشارين القانونيين المدنيين أو العسكريين. ومع ذلك، يختلف دور المستشار القانوني، الذي هو وقائي وتنفيذي في المقام الأول، عن دور ممثل النيابة العامة للقضاء العسكري.

ويجب على الدول الأطراف أن تحدد دور وموقع مستشاريها القانونيين بالمعنى الدقيق، حتى يتسنى لهم أداء المهام الموكلة إليهم طبقا للمادة 82 على نحو فعال وناجع.

وعن طبيعة الدور المناط للمستشارين القانونيين، يمكننا القول أن دورهم استشاري، وبالتالي لا يخول لهم اتخاذ القرارات سواء تعلق الأمر بالمسائل العسكرية أو تلك المرتبطة بالقانون الدولي الإنساني، فرأيه استشاري قد يؤخذ به وقد لا يؤخذ به([33])، ولا يعفى القادة العسكريين من المسؤولية الجنائية إذا كانت أوامرهم العسكرية، بتنفيذ عمليات معينة، ينطوي عليها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني([34])، وعلى ذلك لا يجوز للقائد العسكري أن يتذرع بأن أفعاله المخالفة للقانون كانت مستندة لرأي المستشار القانوني([35])، وكذلك عدم توفر مستشار قانوني في الجيش من غير الممكن أن يكون عذرا لارتكاب أي انتهاك لأحكام القانون الدولي الإنساني([36]) .

ثالثا/ مهام المستشارين القانونيين لدى القوات المسلحة:

1- وقت السلم:

تكمن المهمة الرئيسية للمستشار القانوني وقت السلم في تطوير الإطار القانوني للقوات المسلحة من حيث السياسة

والقانون، باستخدام وسائل وأدوات مثل إعداد البرامج التدريبية والكتيبات العسكرية التي تحتوي على المعلومات القانونية الهامة التي يجب أن يلم بها كل فرد من أفراد القوات المسلحة حسب درجته في الهرم الرئاسي العسكري.

ويقدم المستشارون القانونيون أيضا دعما في مجال تدريس القانون الدولي الإنساني، وتتألف الفئة التي تتلقى التدريس في المقام الأول من طلاب المدارس الحربية والأركان في الوحدة الملحقين بها وصغار القادة والجنود، لاسيما المنخرطون في التمرين.

ويشارك المستشارون في التخطيط للتمارين الرئيسية والعمليات وفي تقييم النتائج القانونية المترتبة على تنفيذ تلك الخطط، لاسيما بالنسبة للوسائل والأساليب المزمع استخدامها([37]).

ويمكن أيضا للمستشارين أن يشاركوا في عملية فحص الأسلحة الجديدة ووسائل وأساليب القتال، كما هو منصوص عليه في المادة 36 من البروتوكول الإضافي الأول .

وأخيرا لهم أيضا المشاركة في تدريب الأشخاص الذين من المرتقب أن يؤدوا مهمة المستشارين القانونيين في زمن الحرب([38]) .

2- أثناء النزاع المسلح:

أما في وقت الحرب، فتكون المهمة الرئيسية للمستشار القانوني هي إسداء المشورة بشأن تطبيق القانون الدولي الإنساني والامتثال لأحكامه. ويبدي المستشارون القانونيون رأيهم على وجه الخصوص في العمليات العسكرية الحالية والعمليات المخطط لها، كما يطبقون خبراتهم على قضايا محددة تواجه القادة، ويدققون في مدى الاستعانة بعملية المشورة القانونية لأنها تشمل وحدات تحت القيادة وتذكر القادة بالتزاماتهم في إطار المعنى الوارد في المادة 87 من البروتوكول الإضافي الأول. وهذا الرأي هو مجرد رأي استشاري كما قلنا سابقا، للتأكد من مدى مطابقة الأمر للقانون، ثم يصدر القائد العسكري تعليماته بالتنفيذ.

وفي حالة العمليات المشتركة أو متعددة الأطراف، ينبغي للمستشارين القانونيين في مختلف القوات المسلحة التعاون لضمان قدر من الاتساق، لاسيما في تفسير القانون.

ومع ذلك، لا يحل المستشار القانوني محل القائد. فالقادة يحتفظون دائما بدورهم الريادي وبمسؤوليتهم في عملية صنع القرار. ويقتصر دور المستشار على إحاطة كبار الضباط العاملين في بيئة قانونية متزايدة التعقيد.

كما لهم الاشتراك في المسائل المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب([39])، وفي إدارة الأراضي الخاضعة للاحتلال ومعاملة السكان المدنيين وقواعد تحديد الاهداف والاشتباك([40]) .

ونخلص من استعراض هذا الدور للمستشار القانوني لدى القوات المسلحة في شقيه إلى أنه دور رقابي وقائي يهدف إلى منع صدور أوامر عمليات عسكرية تهدف القانون ويهدف أيضا إلى تزويد أفراد القوات المسلحة بالمعلومات القانونية اللازمة التي قد تمنعه من ارتكاب انتهاكات لأحكام القانون الدولي الإنساني([41]) .

وبعد توضيح دور المستشارين القانونيين، يجب على الدول أن تحدد أيضا المستوى الذي يقدمون فيه خبراتهم في هيكل القيادة. وتشير المادة 82 ضمنا إلى مستويين:

1- باضطلاعهم بدورهم كمستشارين بشأن تطبيق الاتفاقيات والبروتوكول الإضافي الأول، يمكن إلحاق المستشارين القانونيين بوحدات القيادة الأكبر والأعلى مستوى،

2- حيثما يدعم المستشارون القانونيون تعليم القانون الدولي الإنساني، من المفيد وضعهم في سياق ميداني، ربما على مستوى اللواء أو الفوج.

وينبغي للدول أن تحدد العلاقة في التسلسل القيادي بين المستشارين القانونيين والقادة الذين يدعمونهم.

خاتمة:

إن الناس الأكثر تضررا من النزاعات المسلحة بشكل متزايد هم أولئك الذين لا يشاركون في القتال أو الذين كفوا عن المشاركة فيه. وقد تطور القانون الدولي الإنساني كمجموعة من القواعد التي تهدف إلى التقليل من آثار النزاع المسلح على هذه الفئات. كما يشمل نطاق اتفاقياته وبروتوكولاته مواضيع عديدة مثل حماية الجرحى والمرضى والمدنيين وأسرى الحرب وبعض الممتلكات، فضلاً عن تقييد أو حظر بعض وسائل وأساليب القتال.

وسعيـا إلى توفير أقصى الإمكانيات الممكنة لتطبيق القانون الدولي الإنساني أصبح وجوب تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة منصوصا عليه الآن في نص اتفاقـي مما يضمن تحقيق ذلك من جانب الـدول، وفي هذا الصدد يمكن أن نتوصل إلى النتائج التالية:

1- إن تشعب قانون النزاعات المسلحة واتصاله بحقول أخرى من المعرفة والعلوم يحتمان الاستعانة بآراء أهل الذكر عند الحاجة وهو اتجاه سلكته عدة دول قبل النص عليه في البروتوكول، لأن في ذلك تسهيلا لعمل القيادة العسكرية التي من واجبها أيضا معرفة تلك الأحكام ، كما أن القادة أنفسهم مطالبون بالتأكد من معرفة مرؤوسيهم للالتزامات الواردة في مواثيق القانون الدولي الإنساني، فضلا عن مسئوليتهم في ملاحقة مرتكبـي الانتهاكات كما تحدد ذلك المادة 87 من البروتوكـول الأول .

2- يتمثل الهدف، من اشتراط وجود مستشارين قانونيين داخل الجيش، في منع صدور أوامر لعمليات عسكرية تخالف القانون، كذلك تزويد أفراد القوات المسلحة بالمعلومات القانونية اللازمة التي قد تمنعهم من ارتكاب انتهاكات لأحكام القانون الدولي الإنساني، وذلك من خلال تكليف المستشار القانوني بإعداد البرامج التدريبية والكتيبات العسكرية التي تحتوي على تلك المعلومات .

3- إن الاستعانة بالمستشارين القانونيين من شأنها أن تقلل من انتهاكات القوات المسلحة في الأقاليم المحتلة لما يقدمه هؤلاء من آراء في التدابير المتخذة أو التي يتعين اتخاذها في إعداد العمليات العسكرية ٬ حيث تحت القوات المسلحة على وجوب أن لا تتجاوز عملياتها العسكرية الأهداف العسكرية ولا ينبغي أن يطال أثرها المدنيين.

4- إن المادة ( 82 ) من البرتوكول الإضافي الأول، والتي نصت على آلية المستشارين القانونيين، غير كافية لفرض الالتزام على الدول أو الأطراف المتنازعة بتأمين مستشارين قانونيين لأنه جاء بنصها أن الدول عليها تأمين المستشارين “عند الاقتضاء”، وبناء عليه تستطيع الدول التذرع، في كل وقت، بأنها في صدد العمل على تنفيذ ما ورد في المادة، أو أنها غير قادرة على توفير هؤلاء المستشارين؛ لأنها لا تملك الإمكانيات المادية لذلك، وغيرها من الحج .

5- ينبغي أن تسعى جميع الدول، كل حسب إمكانياتها، إلى توفير المستشارين القانونيين في جميع المستويات بدءا من وزارة الدفاع مرورا بالقائد الأعلى، مع ضرورة منح هؤلاء المستشارين رتبا عسكرية قيمة تضمن احترام توجيهاتهم وتعليماتهم، المتعلقة باحترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، وحتى لا تكون هذه التوجيهات والتعليمات مجرد آراء استشارية فقط .

6- إن آلية المستشارين القانونيين، بلا أدنى شك، آلية مهمة جدا بالنسبة للجيوش خاصة أثناء المعارك، إلا أنه – بالرغم من أهميتها- فإن ما يحدث على أرض الواقع من قيام القادة العسكريين بارتكاب أفظع الجرائم أثناء وبعد القتال، إنما يؤكد عدم تحقيق هذه الآلية لأي نتائج عملية على أرض الواقع، وخير ما نستدل به في هذا المقام ما يحدث في سوريا، وفلسطين، وبورما وغيرهم.

7- بناء على ذلك، ولما كانت مهام المستشارين القانونيين تقوم على أساس وضع قيود وحدود لمدى السلطة الفعلية التي يحوزها القادة العسكريين للقوات المسلحة، فإنه من المنطقي أن تجاوز هذه القيود والحدود ناهيك عن انتهاكها ينجم عنه إثارة المسؤولية الدولية للدولة المنتهكة ، وتتمثل المسؤولية هنا في المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية، حيث نصت المادة الثالثـة من اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 مثلا على أن المحـارب العضو في الاتفاقية الذي يقوم بانتهاك القواعد المذكورة يقدم عند الاقتضـاء التعويض، ويكون مسؤولا عن جميـع التصرفات التي يرتكبها الأشخاص الذين يشكلون جزءا من قواته المسلحة، إضافة إلى المواد 29، 146، 148 من اتفاقية جنيف الرابعـة .

8- وفضلا عن ذلك، فإن أهم ضمانة يمكن أن تساهم في الدور الذي يمكن أن يلعبه المستشارون القانونيون في تعزيز واحترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، ولا سيما ما تعلق منها بحقوق المدنيين وأسرى الحرب، هي القضاء الدولي ممثلا في المحكمة الجنائية الدولية، بإحالة جميع من يرتكب جريمة دولية للمحاكمة، وعلى رأسهم الرؤساء والقادة، باعتبار أنهم الذين يصدرون الأوامر للجنود، دون اعتداد بما إذا كانت هذه الأوامر مشروعة أم لا، إذ في حال الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، يفرض القانون الدولي الإنساني عقوبات جزائية على أساس مبدأ الاختصاص العالمي، بعد أن بدأ العمل به من خلال المحكمة الجنائية الدولية.

 

(محاماه نت)

إغلاق