دراسات قانونيةسلايد 1
الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية (بحث قانوني)
خلاصة البحث:
يعد موضوع الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة اجنبية من الموضوعات التي حظيت باهتمام العديد من الاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة وفقه القانون الدولي الخاص فضلا عن أروقة المحاكم الأجنبية، لما له من منفعة عملية تختصر الإجراءات وتوفر الوقت والجهد وتتجنب الاحكام المتعارضة الصادرة من محكمة دولتين مختصتين أصلا بنظر النزاع، كذلك يؤدي الاخذ بالإحالة الى صدور احكام مضمونة التنفيذ على المستوى الدولي، أي ان الحكم الذي يصدر يكون متمتعا بقوة النفاذ ما دامت المحكمة التي أصدرته هي الاقدر على حسم النزاع. متمثل الإحالة قيدا إجرائيا موجها الى صحة إجراءات الدعوى الأصولية دون التعرض الى أساس الحق او الى شروط الدعوى، بخلاف بعض التشريعات -ومنها التشريع العراقي- التي لم يتسنَ لها تنظيم هذا الموضوع في نطاق العلاقات الدولية، واقتصاره على مستوى العلاقات الداخلية، إذ تحال احدى الدعويين المنتمية لذات الموضوع على المحكمة الأسبق في نظر الدعوى الأولى بناءً على طلب الخصم المستفيد من هذا الدفع، كما ان تنظيم الإحالة لقيام ذات النزاع على المستوى الإقليمي لا يفي بمتطلبات العلاقات القانونية الدولية ومقتضيات التجارة العالمية، ولعدم وجود دراسة عملية شاملة ومستفيضة لموقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات التي اهتمت بأحكامه، دفعتنا الى وضع هذه الدراسة المتسمة باستعراض الحلول التفصيلية لأحكام موضوعية وإجرائية يستفيد منها الخصم في طلب إحالة الدعوى الى المحكمة المختصة المرفوع امامها النزاع أولا، متى توفرت شروط هذه الإحالة، من خلال التطرق الى الاطار القانوني لإشكالية البحث مع محاولة الخوض في التنظيم القانوني لموضوع الدراسة، من اجل خلق حالة التوازن القانوني في الاحكام الصادرة من المحاكم المختصة بنظر منازعات الافراد المشوبة بعنصر أجنبي.
البحث:
المقدمة:
ان المعطيات التي يستند اليها قاضي الموضوع في حل اية منازع موضوعية او إجرائية تكون من خلق المشرع الوطني، اذ لا يمكن للقاضي ان يخرج عن توجيه المشرع والا تعرض حكمه للنقض وانتفى اثره العملي، فعلاقات الافراد المشوبة بعنصر اجنبي لا تثير تنازع القوانين فقط، وانما تثير التنازع في دائرة الاختصاص القضائي الدولي ومنها فكرة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية أخرى، اذ يعد هذا الموضوع من الموضوعات التي حظيت باهتمام الاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة في النزاع، والتي قد تكون متعارضة إن لم يتم الأخذ بالدفع بالإحالة، ولضمان عدم حدوث تنازع إجراءات محاكم الدول المتعاقدة الذي قد يحدث في حال رفض الأخذ بفكرة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أخرى. إذ يعد الدفع بالإحالة من أهم الدفوع الإجرائية التي تثير الجدل في القانون الدولي الخاص، ولا يثير تحديد مركز الدفع بالإحالة في إطار القانون القضائي الدولي أية صعوبة، إذا كانت مثلا الدولة الاجنبية التي رفع النزاع أمام محاكمها أولا،والدولة الوطنية التي رفع النزاع أمام محاكمها أخيرا والتي يراد إبداء الدفع أمام محاكم كل منها مرتبط باتفاق دولي ثنائي أو جماعي ينظم تلك المسالة، فبالرجوع الى تلك النصوص الاتفاقية بشأن هذا الأمر سوف يزول كل لبس محتمل.كذلك لا تثور صعوبة تذكر اذا كان التشريع الوطني للدولة التي رفع النزاع أمام محاكمها أخيرا له موقف محدد وواضح من الدفع، كما إن موقف النظم القانونية والاتفاقية الدولية من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع يختلف من دوله الى أخرى، فمنها من نص بشكل صريح على تنظيمها دوليا، وأخرى لم تنظمها، وإنما اكتفت بالتنظيم على مستوى التشريع الداخلي.
ان قيام ذات النزاع انما هو فكرة قانونية تستقي وجودها الاجرائي من اتحاد عنصرين الشخصي والموضوعي معا لنزاع تكررت المطالبة به قضائيا عن ذات الشيء محل الحق المطلوب حمايته، لتحدث بإثارة سبب هذه الفكرة اثارا معينة اهمها نقل الدعوة من محكمة الى اخرى،هذا النقل تحكمه شروط موضوعية،كما انه يثير بعض المسائل الاجرائية، والتي يمكن تعريفها بانها قيد يوجه الى صحة اجراءات الدعوى الاصولية دون ان يتعرض الى اساس الحق او الى شروط الدعوة،من هنا نجد ان الدفع الاجرائي يشكل وسيلة منازعة في مجرى المحاكمة ولا يطال اصل الحق المدعى به بل ينصب على الاجراء الذي بني عليه استحضار الدعوى بهدف ارجاء المناقشة في موضوع هذه الدعوى، اما لان المحاكمة غير قانونية او لوجود سبب يستوجب وقف سيرها.
ولندرة المحاولات الشاملة والمستفيضة للجوانب القانونية التي يحتويها هذا الموضوع في القانون الدولي الخاص، وما ينتجه من أثار في العلاقات القانونية الدولية الخاصة، ويحققه من توازن في الاحكام وتسهيل تنفيذها ارتأينا التصدي لمعالجته وفق مبحثين نتناول في المبحث الاول الإطار القانوني لقيام ذات النزاع وسنخصص المبحث الثاني لدراسة التنظيم القانوني للموضوع محل البحث.
المبحث الأول: الإطار القانوني لقيام ذات النزاع
لقد تبنت الكثير من الاتفاقيات الدولية فكرة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أخرى، وذلك لكي تضمن تنفيذ الأحكام الصادرة في النزاع والتي قد تكون متعارضة إذا لم يتم الأخذ بالدفع بالإحالة. وكذلك لضمان عدم حدوث تنازع إجراءات محاكم الدول المتعاقدة. والذي قد يحدث في حال رفض الأخذ بفكرة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أخرى ([1]). لما كان هذا المبحث متعرضاً للإطار القانوني لذات النزاع فسوف نقوم بتقسيمه إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول التعريف بالإحالة لقيام ذات النزاع، وفي المطلب الثاني الطبيعة القانونية للإحالة.
المطلب الأول: التعريف بالإحالة لقيام ذات النزاع
قد تختص أكثر من محكمة بدعوى واحدة، كما إذا تعدد المدعي عليهم وكانت مواطنهم متعددة، أو إذا اتفق على موطن مختار لتنفيذ عقد فيرفع المدعي دعوى أمام محكمة مختصة ثم يرفعها أمام محكمة أخرى مختصة قبل الفصل في الدعوى الأولى لعدم رضائه عن اتجاه المحكمة في تحقيق القضية المرفوعة أمامها، أو يتوفى المدعي أثناء سيرها فيرفعها ورثته أمام محكمة أخرى لجهلهم بقيام النزاع أمام المحكمة الأولى. كما قد يقيم شخص دعوى أمام محكمة غير مختصة ثم يثبت لها اختصاصها بعد الاعتراض عليها في الوقت المناسب، فترفع الدعوى مرة أخرى لسبب من الأسباب المتقدمة او لغيره أمام محكمة أخرى مختصة وقد تكون أجنبية ([2]) وهذا هو موضوع بحثنا وسوف نتناول التعريف بالإحالة من خلال ثلاثة فروع.
الفــرع الأول: معنــــى الإحالـــة
الإحالة هي دفع من الدفوع الإجرائية المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي، تظهر حينما ترفع الدعوى أولاً أمام محكمة مختصة ثم ترفع كذلك أمام محكمة أخرى أيضاً مختصة بالنزاع و لكن إحدى هاتين المحكمتين تكون أكثر عدالة و ملائمة للأطراف من المحكمة الأخرى فيتم الدفع بالإحالة إلى المحكمة الأفضل في النزاع و التي تحقق العدالة، و على المحكمة المثار أمامها الدفع بالإحالة أن تتوقف عن النظر في الدعوى و الفصل فيها، و تقوم بإحالتها إلى المحكمة الأخرى التي رفع إليها ذات النزاع دون التعرض لأصل الحق المدعى به و لذلك يعد هذا الدفع كما قلنا من الدفوع الإجرائية ([3]).إن الأخذ بالإحالة يؤدي إلى توفير الوقت و النفقات بالنسبة للمتقاضين و القائمين على أداء مرفق العدالة. كذلك أن الأخذ بالإحالة يؤدي إلى صدور أحكام مضمونة التنفيذ على المستوى الدولي أي الحكم الذي يصدر يكون متمتعاً بقوة النفاذ ما دام أن المحكمة التي أصدرته هي الأقدر على حسم النزاع ([4]). فعلى سبيل المثال ان سائحاً بلجيكياً جاء إلى شمال العراق لغرض السياحة و النزهة و أثناء رجوعه إلى الفندق الذي يسكن فيه في أربيل تعرض لحادث دعس، ففي هذه الحالة أي المحكمة التي أقدر على حسم النزاع المحكمة العراقية أم المحاكم البلجيكية أي محكمة المدعي. في الحقيقة ان المحكمة العراقية هي المحكمة الأفضل لأنها الأقرب إلى محل الحادث وتستطيع أن تكشف عليه بسهولة وتحصل على أدلة الحادث.
ومن الجدير بالذكر انه لا توجد صعوبة في تحديد مركز الدفع بالإحالة في إطار القانون القضائي الخاص إذا كانت الدولة الأجنبية التي أثير أمام محاكمها النزاع أولاً والدولة التي رفع النزاع أمام محاكمها أخيراً والتي يريد إبداء الرفع أمام محاكمها كل منهما مرتبط باتفاق دولي ثنائي أو جماعي ينظم تلك المسألة، كذلك لا تثور صعوبة إذا كان التشريع الوطني للدولة التي رفع النزاع أمامها اخيراً لها موقف محدد وواضح من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة دولة أجنبية أخرى. مثال ذلك ما قرره القانون الايطالي الذي سيرد ذكره لاحقاً. ولكن الصعوبة الحقيقة تبدو في الأنظمة القانونية التي لم تضع تنظيماً قانونياً للمشكلة كالقانون الفرنسي والمصري حيث لم يتخذ موقف واضح ومحدد من حيث رفض او قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية أخرى ([5]).
وبمناسبة الحديث عن الإحالة لقيام ذات النزاع إمام محكمة أخرى يجب أن نميز بين الإحالة لقيام ذات النزاع وبين الإحالة للارتباط بين الدعوتين ([6]). فعلى سبيل المثال لو ان أحد طرفي العقد رفع دعوى على الأخر يطلب تنفيذه ورفع الأخر دعوى على خصمه يطلب بطلانه فلا يجوز في هذه الحالة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام المحكمة الأولى، وإنما يجوز الدفع بالإحالة للارتباط. وكذلك الحال إذا رفعت دعوى يطلب فيها تعويض الضرر الذي لحق المدعي عليه في حالات معينة، وأقام الأخر دعوى مطالباً بالتعويض لخطأ الأول في ذات الحادثة. فلا يجوز في الدعوى الأخيرة التمسك بالإحالة لقيام ذات النزاع. وإنما يجوز التمسك بالإحالة للارتباط.
الفرع الثاني: شروط الدفع بالإحالة
يعد الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية من أهم الدفوع الإجرائية التي تثير الجدل في القانون الدولي الخاص، ولا يثير تحديد مركز الدفع بالإحالة في إطار القانون القضائي الدولي أية صعوبة، أذا كانت مثلا الدولة الاجنبية التي رفع النزاع أمام محاكمها أولا، والدولة الوطنية التي رفع النزاع أمام محاكمها أخيرا والتي يراد أبداء الدفع أمام محاكم كل منها مرتبطاً باتفاق دولي ثنائي أو جماعي ينظم تلك المسالة، فبالرجوع الى تلك النصوص الاتفاقية بشأن هذا الأمر سوف يزول كل لبس محتمل. كذلك لا تثور صعوبة تذكر أذا كان التشريع الوطني للدولة التي رفع ألنزاع أمام محاكمها أخيرا له موقف محدد وواضح من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية ([7]).
أنما تبدو الصعوبة الحقيقية في الأنظمة القانونية الوضعية التي لم تضع تنظيماً قانونياً للمشكلة. ومن أمثلة تلك الأنظمة النظام ألقانوني المصري والنظام القانوني الفرنسي. ومن خلال ما تقدم يشترط لقبول الدفع بالإحالة توافر عدة شروط هي: ــ
الشرط الأول: ان تكون هناك دعوتان مرفوعتان بالتعاقب أمام محكمتين لدوليتين مختلفتين:
ان هذا الشرط يمثل أصل المشكلة ولا تتوافر بدونه المصلحة في الدفع، ويعني انه يشترط لقبول الدفع بالإحالة لقيام ذات ألنزاع أمام محكمة أجنبية أن تكون هناك دعوى قد رفعت أمام محكمة دولة قبل رفعها أمام محاكم دولة اخرى.
بمعنى أنه لا يمكن أبداء الدفع بالإحالة أذا كانت الدعوى وقت نظرها امام المحاكم الوطنية مثلا لم تكن قد رفعت بعد امام المحاكم الاجنبية، او إذا كانت الدعوى عند بدء تحريكها امام المحاكم الوطنية، كانت قد انقضت الوطنية، كانت قد انقضت امام القضاء الاجنبي لاحد الاسباب الاتية:
اولا: انقضاء الدعوى بصدور حكم نهائي في الموضوع.
يعني انه إذا صدر حكم نهائي في الدعوى المرفوعة امام المحكمة الاجنبية فانه يجب عدم قبول الدفع بالإحالة، وذلك لان صدور حكم نهائي في الدعوى المقامة في الخارج ينفي شرط قيام ذات النزاع امام المحكمتين، اذ يكون القضاء الاجنبي في هذه الحالة قد انقطعت صلته بالدعوى واستنفذ ولايته بصددها، وبالتالي فانه لا يتصور الاحالة اليه.
ثانيا: انقضاء الدعوى قبل الفصل في الموضوع
يعني انه قد تنتهي الخصومة دون إدراك الغاية منها بصدور حكم في الدعوى وذلك لأسباب عديدة، كحالة انقضاء الخصومة بمضي المدة، او تركها، او سقوطها، ففي هذه الحالات تزول الخصومة دون الوصول الى هدفها بصدور حكم في الموضوع.
الشرط الثاني: وحدة الأطراف والمحل والسبب في الدعويين:
يقصد بهذا الشرط هو ان تكون المنازعة او القضية المرفوعة امام احدى المحكمتين هي ذاتها القائمة امام المحكمة الاخرى، فلا بد ان تكون القضيتان لهما ذات الموضوع والسبب وقائمتين بين الاطراف أنفسهم، وذلك على التفصيل التالي:-
اولا: وحدة الموضوع، يقصد بموضوع الدعوى ما هو مطلوب فيها بواسطة الاطراف سواء كان من قبل المدعي او من قبل المدعى عليه ردا على ادعاءات خصمه، ويتحدد هذا الموضوع بما هو وارد في صحيفة الدعوى الاصلية، وما هو مطلوب في الدعوى الفرعية، ان وجدت، وكذلك بواسطة طلبات الخصوم واوجه الدفاع، فموضوع الدعوى هو الذي يرسم حدود النزاع.
ثانيا: وحدة السبب، ان سبب الدعوى هو الواقعة او الوقائع القانونية التي تلجئ الشخص الى رفع الامر الى القضاء طلبا لحمايته، فاذا كان موضوع الدعوى يحدد إطار النزاع من الناحية الموضوعية، فان سببها يحدد إطار النزاع من الناحية القانونية، يعني تحديد السند القانوني الذي يبرر المطالبة القضائية ([8]).
ثالثا: وحدة الاطراف، يقصد بالأطراف الخصوم الذين تنشأ بينهم الدعوى، أي من تكون لهم الدعوى ومن توجد الدعوى في مواجهتهم.
ونظرا لتخلف هذا الشرط رفضت محكمة السين الجزائية في حكمها الصادر في 5مايو سنة 1959م قبول الدفع بالإحالة، وتتلخص وقائع تلك القضية في دعوى المطالبة بالتعويض التي رفعها أحد الاجانب لتعويضه عن الضرر الذي لحقه نتيجة لعرض أحد الافلام، فدفعت احدى الشركات المدعى عليها والمنتجة للفلم بالإحالة لقيام نفس النزاع امام محكمة اجنبية، ولكن المحكمة الفرنسية رفضت هذا الدفع تأسيسا على انه لا يمكن قبوله طالما كان المدعي الاجنبي الذي قام برفع الدعوى امام القضاء الاجنبي قد رفعها على أطراف اخرين.
الشرط الثالث: توافر الاختصاص لكل من المحكمتين
يعني ان تكون كل من المحكمتين مختصتين بنظر الدعوى ويثار هنا سؤال، ما هو المرجع في تحديد ما أذا كانت المحكمة الاجنبية مختصة أم غير مختصة؟ هل يرجع في ذلك الى قواعد الاختصاص المعمول بها في الدولة الاجنبية ام يرجع في ذلك الى قواعد الاختصاص الدولي في دولة القاضي الذي أبدى الدفع أمامه، أن الفقه في هذا الشأن انقسم الى فريقين:
يرى الفريق الأول ضرورة الرجوع الى قواعد الاختصاص في قانون القاضي وحجته ان هذا الحل يضمن عدم الانتقاص من ولاية قضاء المحكمة التي يدفع امامها بالإحالة، لأنها ستتخلى عن نظر الدعوى لأن قواعد الاختصاص من النظام العام، كما توصف أنها من المسائل الإجرائية التي تخضع حتما لقانون القاضي اضافة الى أنها قواعد أمرة (قواعد بوليسية) وهي قواعد ذات تطبيق فوري ومباشر يستوي عندها أطراف الدعوى سواء كانوا وطنيين أو أجانب ام خليط من وطنيين وأجانب.
أما بالنسبة للفريق الثاني، فيرى ضرورة تطبيق قواعد الاختصاص التي تعمل في ظلها المحكمة الاجنبية التي رفعت اليها الدعوى اولا لتحديد ما إذا كانت مختصة ام غير مختصة، وهذا الحل يتفق مع نص الفقرة اولا من المادة 298 من قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنة 1968 والذي جاء فيها (… وان المحاكم الاجنبية التي اصدرته مختصة بالمنازعة طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها). ونرجح الراي الاول للأسباب الاتية:
اولا: للتأكد من ان الدعوى غير داخلة في اختصاص محاكمه الوطنية تطبيقا لقاعدة من قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، كأن تكون الدعوى متعلقة بعقار واقع في مصر، او كما يرى جانب من الفقه الفرنسي يجب ان تكون الدعوى التي يدفع بالإحالة بشأنها تدخل في الاختصاص المشترك للمحاكم الوطنية وغير داخلة في نطاق الاختصاص المانع لها.
ثانيا: لكي يتأكد القاضي المثار امامه الدفع بالإحالة من ان الاختصاص المنعقدة للمحكمة التي رفعت اليها الدعوى اولا تسوغه رابطة جدية بين النزاع والمحكمة من شانها تفضي الى اصدار حكم يكون قابلا لان يعترف به او ينفذ في دولة القاضي المثار امامه الدفع وليس مبنيا على الغش والتحايل وذلك لعلم المدعي بان تلك المحكمة سوف تجيبه الى كافة طلباته او معظمها قاصدا بذلك الاضرار بخصمه.
الشرط الرابع: قابلية الحكم الصادر من المحكمة المحال اليها الدعوى للتنفيذ
يقصد به ان يكون الحكم الذي تصدره المحكمة الاجنبية قابلا لان يعترف به وان ينفذ في دولة التنفيذ، ويتعين على المحكمة الوطنية ان تتابع الاجراءات الاصولية التي تم تطبيقها عند اصدار الحكم من المحكمة الاجنبية لمعرفة ما إذا كان الحكم الاجنبي الذي سيصدر عن المحكمة الاجنبية سيكون قابلا للتنفيذ ام لا، وان لا يكون الحكم مخالفا للنظام العام في دولة التنفيذ، لأنه سيكون مصيره الرفض.
وقد تقرر هذا الشرط لأول مرة في احكام القضاء الفرنسي بموجب حكم محكمة استئناف باريس الصادر عام 1966، والذي جاء فيه (ان الدفع بالإحالة تجوز اثارته امام محكمة فرنسية لصالح محكمة اجنبية مختصة ومرفوع اليها ذات الدعوى في تاريخ سابق، غير انه لأجل ان يمكن قبول هذا الدفع من قبل محكمة فرنسية فانه يجب ان يرجح ان تفضي الدعوى المرفوعة في الخارج اولا الى حكم يكون قابلا لان يعترف به وينفذ في فرنسا) ([9]).
الشرط الخامس: ان يتم الدفع قبل الخوض في الموضوع وقبل اي دفع شكلي أخر
وتكون اجراءات الدفع بالإحالة والحكم فيه بان لا يقدم هذا الدفع الى المحكمة المختصة التي رفعت امامها الدعوى متأخرا، وعليه يسقط حق الخصم في التمسك بالدفع إذا لم يبده في عريضة الدعوى او تقدم بدفع عدم القبول او خاض في موضوع الدعوى، واعتبر انه تنازل عن هذا الدفع تنازلا ضمنيا.
الفرع الثالث: مبررات الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة اجنبية
حيث إن مبدأ الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية يقوم على جملة مبررات يمكن إجمالها بما يلي:-
أولا:-إن من مبررات الأخذ بالإحالة منع التضارب الحاصل في الأحكام على الصعيد الدولي وتأكيد روح التعاون التي يجب أن تسود بين الدول حيث إن قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية يجب أن يستجيب إلى مبدأ عام أساسه تحقيق حسن أداء العدالة وتجنب تعارض الأحكام حيث إن الأخذ به يؤدي إلى صدور أحكام مضمونة التنفيذ على المستوى الدولي أي إن الحكم الذي يصدر يكون متمتعا بقوة النفاذ مادام إن المحكمة التي أصدرته هي الأقدر على حسم النزاع.
ثانيا:-ضرورة قبول الدفع بالإحالة لمقاومة الغش نحو الاختصاص حيث إن الأخذ بالإحالة يكون وسيلة فعالة لمنع التلاعب بقواعد الاختصاص القضائي في المجال الدولي ([10]). مثال على ذلك إن المدعي الذي يرفع دعواه أمام القضاء الأجنبي سرعان ما يتضح له أحيانا إن الحكم الصادر من هذا القضاء لن يكون في صالحه فيسارع في رفع دعواه أمام القضاء الوطني نظرا لما سوف يصدره هذا الأخير من حكم في صالحه.
ثالثا:-يعد قبول الدفع بالإحالة هو التعويض الحقيقي للصياغة مفردة الجانب لقواعد الاختصاص القضائي الدولي حيث أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي هي قواعد وطنية حيث تستقل كل دولة برسم حدود اختصاص محاكمها بالفصل في المنازعات ذات العنصر الأجنبي دون تنسيق مع غيرها من الدول وقد ترتب على ذلك أنها من الخصائص الأساسية لهذه القواعد أنها قواعد أحادية الجانب.
رابعا:-إن التطورات التي حدثت في القانون الدولي الخاص توجب القول بقبول الدفع بالإحالة حيث لم تعد فكرة سيادة الدولة هي الأساس في رسم حدود الاختصاص القضائي لمحاكم الدول بل أصبح الأساس هو ارتباط النزاع بالدولة وقدرة هذه الدولة على كفالة اثأر الحكم الصادر فيها ([11]).
خامسا:-من مبررات الإحالة أيضا الاقتصاد في الإجراءات وكذلك توفير الوقت والنفقات سواء بالنسبة للخصوم أو بالنسبة لمحاكم الدولة التي رفع إليها النزاع لاحقا حيث يسهل على المحكمة إقامة الكشف على محل حدوث الفعل الضار لتكون أقرب للوصول إلى الحقيقة.
سادسا:-إن الأخذ بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية أصبح من علامات التطور الحديث للاختصاص القضائي الدولي ومن مقتضيات السياسة التشريعية لتشجيع التعاون القضائي الدولي حيث إن عدم الأخذ به يضر بمصالح المتقاضين في ميدان التجارة الدولية ([12]).
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإحالة
ذكرنا انه من شروط الاحالة توافر الاختصاص لكل من المحكمتين بنظر الدعوى وهذا يؤدي بنا الى نتيجة منطقية ان تكون المحكمة التي تنظر في الدعوى والتي تم الدفع امامها بالإحالة مختصة في نظر الدعوى من الجانب الموضوعي، ويقوم القاضي كذلك بتطبيق المسائل الاجرائية المتبعة في قانونه، فما هو الدفع؟ وهل تعتبر الاحالة من الدفوع الموضوعية ام من الدفوع الاجرائية؟
يقصد بالدفوع بصفة عامة كافة الوسائل التي يلجا اليها الخصم ليرد بها على ادعاءات خصمه، لتفادي الحكم لهذا الخصم بما يدعيه او تأخير الفصل في الدعوى، والدفوع على ثلاثة انواع هي:
1. الدفوع الشكلية او المتعلقة بالإجراءات: يقصد بالدفع الشكلي او المتعلق بالإجراءات ذلك الدفع الذي يوجه الى اجراءات الخصومة بغرض اصدار حكم ينهي الخصومة دون الفصل في موضوعها او يؤدي الى تأخير الفصل فيه، مثل الدفع بعدم الاختصاص او بطلان اوراق التكليف بالحضور.
2. الدفوع الموضوعية: الدفع الموضوعي هو ذلك الدفع الذي يوجه الى ذات الحق المدعى به، كأن ينكر نشوء هذا الحق او يدعي سقوطه او انقضائه ويشمل كل دفع يترتب عليه رفض طلبات المدعي كلها او بعضها، ومن ثم فلا يقع تحت حصر، ومثاله الدفع بالوفاء بالدين او انقضائه والدفع باكتساب الملكية بالتقادم والدفع ببطلان العقد والدفع بالصورية.
3.الدفع بعدم القبول: الدفع بعدم القبول هو ذلك الدفع الذي يوجه الى حق المدعي في رفع الدعوى بهدف انكار هذا الحق استنادا لعدم توافر شروطه ومن ثم منع المحكمة من نظر الدعوى المرفوعة اليها ومثاله الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير صفة او لسابقة الفصل فيها او لانتفاء المصلحة ([13]). وللإحاطة بالموضوع سنبحثه من خلال فرعين نخص في اوله الاحالة من الدفوع الموضوعية بينما سنعقد الثاني للإحالة من الدفوع الاجرائية.
الفرع الاول: الاحالة من الدفوع الموضوعية
الاحالة بوصفها دفعا موضوعيا تشير اشكالا على مستوى الفقه وسوف نتطرق الى اراء الفقهاء بهذا الشأن وهناك رايان بشأن الطبيعة القانونية للإحالة الاول ذهب الى ان الاحالة هي قيد على حرية الدولة في تحديد الاختصاص الدولي لمحاكمها يقتضيه التعايش المشترك بين الدول حيث ان الاصل هو حرية المشرع الداخلي في رسم حدود ولاية القضاء الوطني بالمنازعات الخاصة الدولية من خلال تحديد الضوابط التي ينعقد بمقتضاها الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية بنظر هذه المنازعات، وبهذه الطريقة يحدد المشرع نصيب المحاكم الوطنية من ولاية القضاء ازاء محاكم الدول الاجنبية مادام انه لا توجد سلطة او هيئة دولية تختص بهذا بالمنازعات الخاصة الدولية من خلال تحديد الضوابط التي ينعقد بمقتضاها الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية بنظر هذه المنازعات، وبهذه الطريقة يحدد المشرع نصيب المحاكم الوطنية من ولاية القضاء ازاء محاكم الدول الاجنبية مادام انه لا توجد سلطة او هيئة دولية تختص بهذا التحديد في القانون الدولي المعاصر على انه وجود الدولة في الجماعة الدولية يلزمها مع ذلك ببعض القيود التي يفرضها العرف الدولي في هذا المجال، او التي تمليها ضرورات التعايش المشترك بين الدول على خلاف القيود الملزمة التي تفرضها الاعراف الدولية على حرية الدولة في تحديد الاختصاص الدولي لمحاكمها، مثل التزام الدولة بتخويل الاجنبي حق الالتجاء لمحاكمها والتزامها باحترام الحصانات القضائية للدول الاجنبية ورؤسائها وممثليها الدبلوماسيين، فان هناك قيودا اخرى على حرية الدولة في هذا المجال وان لم تكن ملزمة بمقتضى احكام القانون الدولي، الا انها قيودٌ تفرضها مقتضيات التعايش المشترك بين الدول ([14]). فهذه القيود الاخيرة اذن تمليها اعتبارات التعاون الدولي التي تتطلبها فلسفة القانون الدولي في تطوره المعاصر، ومن هنا كان استلزام وجود رابطة بين النزاع المطروح والدولة حتى ينعقد الاختصاص الدولي لمحاكمها بالدعوى، وحتى لا يترتب على وجود هذه الرابطة اعتداء على ولاية المحاكم الاخرى التي يرتبط نفس النزاع بمحاكمها بينما ذهب الراي الثاني الى ان الاحالة هي عبارة عن تنازع اختصاص ايجابي للمحاكم باعتبار ان قبول الاحالة في الاطار الدولي يبدو امراً منطقياً في ظل الصياغة القانونية الاحادية لقواعد الاختصاص القضائي الدولي والتي تتجلى في استقلال مشرع كل دولة برسم حدود اختصاص محاكمه بالفصل في المنازعـــات ذات العنصر الأجنبي، دونما تنسيق مع غيره من الدول وفي مثل هكذا وضع فانه يمكن تصور حدوث تنازع ايجابي بين محاكم دولتين بشان الفصل في منازعة واحدة كان تختص محاكم دولة معينة بالفصل في المنازعات الناشئة عن عقد ابرم في هذه الدولة في حين تختص محاكم دولة اخرى بالفصل في ذات المنازعة لكون العقد قد نفذ أو كان واجب تنفيذه في هذه الدولة([15]).
ونحن نرجح الراي الاول لأنه يشير الى ذات الاحالة بوصفها قيدا لان الاصل هو حرية الدولة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمها الوطنية فتأتي الاحالة وتضيق من نطاق هذه الحرية اما الراي الثاني فهو يعني الإطار الذي انبثقت عنه الاحالة كحل، حيث عد قبول الدولة بالإحالة هو تركيزٌ لاختصاص المحكمة الاجنبية المرفوع امامها النزاع. ولابد لنا ان نعرف ان ابداء الدفع الموضوعي هو تعرض لموضوع الدعوى والحكم بقبوله هو حكم في الموضوع، ويترتب عليه انهاء النزاع على أصل الحق المدعى به ويحوز حجية الشيء المحكوم به فلا يجوز تجديد النزاع امام المحكمة التي اصدرته او امام أي محكمة اخرى ([16]).
وذكرنا في تعريف الاحالة انه على المحكمة المثار امامها الدفع بالإحالة ان تتوقف عن النظر في الدعوى والفصل فيها وتقوم بإحالتها الى المحكمة الاخرى التي رفع اليها ذات النزاع دون التعرض لأصل الحق المدعى به، وعلى وفق ما تقدم يتبين لنا انه لا يمكن بسهولة تحديد طبيعتها باعتبارها دفعا موضوعيا.
والمشرع العربي عموما لم ينظم بشكل صريح الاحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وانما تابع ذلك الموضوع في التشريع الداخلي نذكر على سبيل المثال قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968 حيث جاء في المادة 110 منه (على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها ان تامر بإحالة الدعوى بحالتها الى المحكمة المختصة).
الفرع الثاني: الاحالة من الدفوع الاجرائية
ان قيام ذات النزاع انما هو فكرة قانونية تستقي وجودها الاجرائي من اتحاد عنصرين الشخصي والموضوعي معا لنزاع تكررت المطالبة به قضائيا عن ذات الشيء محل الحق المطلوب حمايته، لتحدث بإثارة سبب هذه الفكرة اثارا معينة اهمها نقل الدعوة من محكمة الى اخرى،هذا النقل تحكمه شروط موضوعية،كما انه يثير بعض المسائل الاجرائية،وقد سبق ان تحدثنا عن الدفوع الموضوعية وسوف نتحدث في هذا الفرع عن الدفوع الاجرائية والتي يمكن تعريفها بانها قيد يوجه الى صحة اجراءات الدعوى الاصولية دون ان يتعرض الى اساس الحق او الى شروط الدعوة،من هنا نجد ان الدفع الاجرائي يشكل وسيلة منازعة في مجرى المحاكمة ولا يطال اصل الحق المدعى به بل ينصب على الاجراء الذي بني عليه استحضار الدعوى بهدف ارجاء المناقشة في موضوع هذه الدعوى، اما لان المحاكمة غير قانونية او لوجود سبب يستوجب وقف سيرها وذلك بقصد تفادي الحكم في الموضوع ([17]).
ولكن يجب مراعاة قواعد الدفوع الاجرائية بصورة عامة عند تقديمها وهذه القواعد هي:
1.ان كافة هذه الدفوع توجه الى اجراءات الخصومة وليست الى الموضوع.
2.يجب تقديم هذه الدفوع قبل الخوض في الموضوع وان يقدم قبل أي دفع بعدم القبول.
3.يجب ابداء الدفع الاجرائي في عريضة الدعوى.
4.يجب تقديم جميع انواع الدفوع الاجرائية في وقت واحد. وعليه يسقط حق الخصم في التمسك بالدفع اذا لم يبده في عريضة الدعوى او تقدم بدفع عدم القبول او خاض في موضوع الدعوى، واعتبر انه تنازله عن هذا الدفع تنازلا ضمنيا.ويلاحظ في هذا الصدد ان الدفوع الاجرائية في الاحالة لقيام ذات النزاع في الاطار الدولي قد اختلف بشأنها اراء الفقه ومرجع هذا الخلاف هو قناعة جانب من الفقه بوجوب التقيد بما عليه العمل في نطاق قانون الاجراءات،أي الالتزام بقاعدة ان المحكمة التي رفعت اليها الدعوى اولا هي الاولى بالفصل في النزاع في حين يرى غالبية الفقه الحديث وجوب عدم التقييد بهذا الشرط اسوة بالوضع الماثل في المرافعات الداخلية ([18]). وعليه فان دراسة الدفوع الاجرائية للإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية تتطلب ان نستعرض بإيجاز الدفوع الاجرائية في القانون الداخلي ثم نبحث بعد ذلك في راي غالبية الفقه الحديث:
اولا: الدفوع الاجرائية للإحالة في المنازعات الداخلية: يهدف الدفع بالإحالة في الاطار الداخلي الى منع قيام ذات النزاع امام محكمتين في وقت واحد، فالمحكمتان المرفوع اليهما النزاع هما محكمتان وطنيتان مختصتان وان الحكم في القانون الداخلي ان الدفع بإحالة الدعوى لقيام ذات النزاع امام محكمتين مختصتين يجب ابداؤه امام المحكمة التي رفع النزاع اليها أخيرا، حيث نصت المادة 100 من قانون المرافعات الفرنسي رقم500 لسنة 1981 (اذا كان النزاع ذاته قائما امام محكمتين من نفس الدرجة ومختصتين بالفصل فيه، وجب على المحكمة المرفوع اليها النزاع ثانية ان تتخلى للمحكمة الاولى اذا طلب ذلك احد الاطراف وفي حالة عدم تمسك احد الاطراف بهذا الدفع يجوز ان تتخلى من تلقاء نفسه)، ان هذا النص قد منح طرفي النزاع الحق في اثارة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمتين، ومن ثم يجوز للطرفين التمسك بهذا الدفع، ولا يقتصر النص على اعطاء طرفي النزاع حق التمسك بالدفع بالإحالة بل يخول القاضي ايضا رخصة اثارة هذا الدفع من تلقاء نفسه في حالة عدم تمسك احد الاطراف به وذلك متى علم بقيام ذات النزاع امام محكمة أخرى.
وقد تناول المشرع المصري هذا الموضوع في نص المادة 112 من قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنة 1968 حيث جاء فيها (إذا رفع النزاع ذاته امام محكمتين وجب ابداء الدفع بالإحالة امام المحكمة التي رفع اليها النزاع اخيرا للحكم فيه…) ولمعرفة أي المحكمتين هي التي رفعت اليها الدعوى متأخرا يجب الرجوع الى تاريخ رفع الدعوى المقدم في عريضة الدعوى لدى كلتي المحكمتين.
وان المشرع العراقي هو ايضا قد تناول ذلك الموضوع في المادة 76 من قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 حيث جاء فيها (لا يجوز اقامة الدعوى الواحدة في اكثر من محكمة واحدة فاذا اقيمت في اكثر من محكمة اعتبرت عريضة الدعوى المقامة اولا وابطلت العريضة الاخرى) وهذا الحال المعمول به في نطاق الاختصاص الداخلي يلقى قبولا وتأييدا من فريق من الفقه اذ يناصر جانب من الفقه امكانية تطبيق الحل المتبع في مجال الاختصاص الداخلي ويستلزم ضرورة ابداء الدفع بالإحالة امام المحكمة التي رفعت اليها الدعوى مؤخرا.
ثانيا: الدفوع الاجرائية للإحالة في المنازعات الدولية: يذهب جانب من الفقه الى امكان استعارة الفكرة الانكلوامريكية والخاصة بالتفرقة بين المحكمة المناسبة والمحكمة غير المناسبة للفصل في الدعوى، وفقا لهذه الفكرة فانه من الجائز ابداء هذا الدفع امام المحكمة التي تعتبر غير مناسبة للفصل في الدعوى حتى ولو كانت هي التي رفعت اليها الدعوى اولا، ويقاس مدى ملائمة المحكمة للفصل في الدعوى بالقدر الذي قطعته في تحقيق الدعوى وبالضمانات التي توفرها للخصوم، وكذلك بقدرتها على اصدار حكم ميسور النفاذ، وبناء على ما تقدم فقد يقبل القاضي الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية اذا كانت هذه الاخيرة في وضع تستطيع فيه تقدير الادلة على نحو افضل او اذا كانت اموال المدعى عليه التي يمكن التنفيذ عليها كائنة في دولة هذه المحكمة، بل وقد تتوفر لكل من المحكمتين المختصتين بالدعوى القدرة على كفالة اثار الحكم الصادر في شانها، حيث يفضل في هذه الحالة ابداء الدفع امام المحكمة التي لم تقطع شوطا كبيرا في تحقيق الدعوى على خلاف المحكمة الاخرى المطلوب احالة الدعوى اليها والتي شارفت على الانتهاء منها وذلك كله بصرف النظر عن الاسبقية في رفع الدعوى اذ المعمول عليه قدرة المحكمة المطلوب احالة النزاع اليها على الفصل في الدعوى وكفالة اثار الحكم الصادر بشأنها بغض النظر عن كون النزاع قد رفع امامها اولا ام رفع امام المحاكم الوطنية ([19]).
ويرى جانب من الفقه تبني الراي القائل بوجوب تخلي القاضي عن اختصاصه واحالة الخصوم الى المحكمة المختصة من تلقاء نفسه وذلك حال توافر الشروط المتطلبة لإعماله على الصعيد الدولي، وسندهم في ذلك كون الدفع يتصل بتنظيم وتنسيق العمل بين مختلف النظم القضائية وصولا الى تلافي تضارب الاحكام فهو ليس مجرد ميزة ممنوحة للخصوم لهم ان يستعملونها او يهملونها وفق ارادتهم، ومن هنا التزام القاضي بالتخلي عن نظر الدعوى واحالتها الى القضاء الاجنبي ولو من تلقاء نفسه، في حين يرى فريق اخر عدم ملاءمة تخويل القاضي سلطة الامر بالإحالة الى المحكمة الاجنبية من تلقاء نفسه اذا لم يتمسك احد الطرفين بهذا الدفع ولعل السبب يكمن وراء ذلك فضلا عن الصعوبات العملية التي تحول دون علم القاضي بقيام النزاع امام محكمة اجنبية في حالة صمت الاطراف هو عدم توافر مساواة قانونية بين المحكمتين المرفوع اليهما النزاع الامر الذي يوجب عدم جواز اثارة القاضي لهذا الدفع من تلقاء نفسه لذلك فان انصار الراي الاخير يرون ان الامر لا يتعلق بالتزام بالنسبة للقاضي الذي يدفع امامه بالإحالة وانما يقتصر الامر على مجرد رخصة فيجوز له ان يقضي بتخليه عن نظر الدعوى واحالتها الى المحكمة التي تنظر ذات الدعوى،يبدو ان الاعتبارات التي يسعى الى تحقيقها اصحاب هذا الراي الاخير اكثر وجاهة خاصة ([20]). إذا علمنا ان بعض القوانين تتفق على اعتبار الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمتين دفعا شكليا لا يتعلق بالنظام العام، وعليه فليس للقاضي اثارة الدفع بالإحالة من تلقاء نفسه لصالح قاضي اخر على صعيد الاختصاص الداخلي في حالة سكوت الاطراف مما يجعل القول بذلك على الصعيد الدولي يأتي من باب اولى.
المبحث الثاني: التنظيم القانوني للإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية
إن موقف النظم القانونية والاتفاقية الدولية من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع يختلف من دوله الى أخرى، فمنها من نص بشكل صريح على تنظيمها دوليا. وأخرى لم تنظمها دوليا، وإنما اكتفت على المستوى التشريع الداخلي، فهل يمكن ان نطبق التشريع الداخلي على الحالات التي تنشأ في القضاء الدولي؟ وما هو موقف الفقه والقضاء في هذه الأنظمة، هل موقفه ثابت؟ ام يتراوح بين الموقف المدافع عن قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع إمام محكمه أجنبيه وبين الموقف الرافض لها؟
فمن اجل معالجة هذه النقاط أكثر سوف نقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب، نتناول في المطلب الأول الموقف الفقهي من الإحالة، وفي المطلب الثاني الموقف التشريعي، بينما نخصص المطلب الثالث لبيان الموقف القضائي من الإحالة.
المطلب الأول: الموقف الفقهي من الإحالة
انقسم الفقه من حيث موقفه من الإحالة الى اتجاهين، فأحدهما يناهض او يرفض الإحالة لقيام ذات النزاع إمام محكمه أجنبيه، والأخر يؤيدها، ولكل اتجاه أسانيد وحجج يستند إليها. لذا سوف نقسم المطلب إلى فرعين الأول الاتجاه المعارض للإحالة وهو الاتجاه التقليدي، والفرع الثاني الاتجاه المؤيد للإحالة وهو الاتجاه المعاصر.
الفرع الأول: الاتجاه المعارض
يذهب الفقه التقليدي في فرنسا ومصر، وتبعه جانب من الفقه المعاصر في مصر، وكلٌ مؤيد ببعض إحكام القضاء ([21]). الى الرفض القاطع للإحالة، معللا رفضه بالحجج الآتية:-
اولا: ان قبول العمل بهذا الدفع يستلزم وجود سلطة عليا فوق سلطة الدول تتولى توزيع ولاية القضاء بين محاكم الدول المختلفة وهو مالا يتحقق في نطاق العلاقات الدوليـة الخاصة. لان في هذا الدفع لا نصادف نزاعاً مرفوعاً أمام محكمتين تتبعان سيادة دولة واحدة وانما امام قضاءين ينتميان لدولتين مستقلتين مختلفتين كل يود ان يصدر الحكم باسمه وفق ما رسمه مشرعه من اجراءات، ويبدو ان هذه الطبيعة الخاصة للمنازعات الدولية وعدم تماثلها مع المنازعات الداخلية هي التي دفعت القضاء الفرنسي ولقرابة قرن ونصف من الزمان – امتدت من بداية القرن التاسع عشر الى عام 1962-الى الإعراب عن رفضه القاطع عن قبول الدفع بالإحالة بسبب سبق رفع الدعوى امام محكمة اجنبية ([22]).
ثانيا: انتفاء الحكمة من وراء اعمال هذا الدفع في نطاق الاختصاص القضائي الدولي على خلاف الحال في نطاق الاختصاص القضائي الداخلي، اذ لا مجال من القول بوجوب تجنب صدور حكمين متناقضين مستقلين بعضهما عن البعض الاخر، لان من شروط تنفيذ الحكم الاجنبي في فرنسا او مصر الا يكون يتعارض مع حكم وطني صادر فيه، وبالتالي فلا يصح اذن استعارة الحجة المقول بها في نطاق الاختصاص الداخلي وهي ان قبول الاحالة يمنع تعارض الاحكام ([23]).
ثالثا: ان قبول الدفع بالإحالة الى القضاء الاجنبي يؤدي الى عدم الاعتراف في اثار الاحكام الأجنبية قبل صدور الامر بتنفيذها كما هو الحال عليه في فرنسا، فإذا كان الحكم الاجنبي يعد عديم القيمة في فرنسا قبل صدور الامر بتنفيذه، فأنه من باب اولى عدم الاعتداد بالخصومة الماثلة امام القضاء الاجنبي ولا يجوز اعطاؤها افضلية على تلك القائمة امام القضاء الوطني بخصوص ذات الدعوى.
رابعا: ان قبول هذا الدفع يحمل في طياته اعتداءً على سيادة الدولة المطلوب فيها احالة النزاع الى محكمة دولة اخرى، والواقع ان مبدأ عدم قبول الاحالة لقيام نفس النزاع امام محكمة اجنبية كان يعبر عن نظرة الفقه القديم للقانون الدولي الخاص الذي اتخذ من مبدأ السيادة اساساً له فوفقاً لهذا المبدأ فأن القانون الدولي الخاص يسعى الى فض التنازع المحتمل بين سيادات الدول المختلفة وبما ان الامر كذلك فأنه من غير المتصور ان تتنازل دولة عن جزء من سيادتها المتمثل في ممارستها لولاية القضاء لصالح دولة اخرى عن نظر دعوى هي اصلاً داخلة في اختصاصها لصالح محكمة دولة اجنبية دون ان يكون في ذلك اعتداء على سيادة الدولة.
خامسا: التوجس والريبة في العدالة التي تسهر على ادائها محاكم الدول الاخرى -اي ان المحاكم الوطنية اكثر قدره على تحقيق العدالة من المحاكم الاجنبية- وذلك بسبب النظرة التقليدية للعدالة الوطنية على انها العدالة المثلى التي تملك مالا يملكه قضاء دولة اخرى من حياد ونزاهة وكافة مقومات تحقيق العدالة وبالتالي فأن نظرة عدم الثقة والشك قد انسحبت الى كافة الصور التي يمكن ان تترجم فيها هذه العدالة سواء في صورة احكام ام في صورة اجراءات منظورة امام القضاء الوطني ولم تتم بعد الا انه مما تجدر الاشارة اليه ان قلة من الفقه المصري المعاصر قد عارض الاخذ بالإحالة لقيام ذات النزاع بين محكمتين تتبعان دولتين مختلفتين اذ استند هذا الفريق الى ذات متكأ الفقه التقليدي في رفضه لهذا الدفع مستندا الى بعض تلك الاسانيد اضافه الى ذلك ان المشرع المصري قد نص على قواعد الاحالة لتطبق فقط بين محكمتين مصريتين وليس بين المحاكم المصرية ولمحاكم الدول الاخرى اذ ان الاحالة بسبب قيام ذات النزاع لا تكون الا بين محكمتين وطنيتين تتبعان جهـة قضاء واحدة… ومن ثم يستمر انصار هذا الرأي الى القول بأنـه لا تجوز احالة الدعوى المنظورة امام القاضي الوطني لصالح دولة اجنبية.كذلك يرتكز انصار هذا الفريق الى حجة اخرى مفادها تعارض الاخذ بالإحالة مع احكام القانون المصري وبالذات المادة 298 من قانون المرافعات والتي تنص على انه”لا يجوز الامر بالتنفيذ الا بعد التحقق من ان محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم”عليه فكيف تحيل المحاكم المصرية نزاعاً تختص به الى محاكم دولة اجنبية، في حين ان المشرع لا يجيز تنفيذ هذا الحكم الذي يتصور ان تصدره هذه المحاكم الاجنبية؟،لاشك ان هذا الامر غير جائز ولو طبقنا هذا الشرط على أي نزاع يطلب احالة الاختصاص به فأنه سيترتب على ذلك تخلف شروط الاحالة ويذكرون حجج اخر هي ان غالبية الدول لا تقر اعمال الدفع بالإحالة في الاطار الدولي، وكذلك لا يجوز القياس على الوضع الفرنسي لان عدم معالجة كل من المشرعين للإحالة في المجال الدولي ليس بالضرورة انسياق القضاء المصري وراء القضاء الفرنسي بسبب الاختلاف بين القانونين، وكذلك عدم الاقتناع بحجج الاتجاه المؤيد للإحالة حيث يستند الى الاعتبارات المثالية ويبتعد عن الاعتبارات الواقعية التي تقتضى الى ضرورة احترام إرادة المشرع وحرية كل دوله في تحديد الاختصاص القضائي الدولي لها بغض النظر عن القواعد السارية في الدول الاخر، لذا ان هذه الاعتبارات الواقعية تقتضي عدم قبول الدفع بالإحالة.
الفرع الثاني: الاتجاه المؤيد للإحالة
تعد المبادئ والمفاهيم التي ارتكز عليها الفقه التقليدي في رفضه للإحالة غير منسجمه مع التطورات الحديثة للمجتمع الدولي لذلك اتجه الفقه في فرنسا ومصر الى قبول الدفع بالإحالة محللا ومنتقدا لحجج الاتجاه الرافض لها ومستنداَ على مجموعه من الحجج تدعم موقفه كما سنتناولها على النحو الآتي:-
اولاً: إن حجه الفقه الرافض لقبول الدفع بالإحالة بعدم وجود سلطه عليا تتولى توزيع الاختصاص بين سائر الدول غير مقبولة، وذلك لما درج عليه الفقه السائد فيما يتعلق بتنظيم قواعد الاختصاص وفقاً لاعتبارات ملائمة لاعتبارات السيادة فالمشرع الوطني عندما يستند الى اعتبار السيادة ويعقد الاختصاص لمحكمته الوطنية فقد يكون الحكم الذي تصدره غير مضمون التنفيذ فقبول الدفع بالإحالة سوف يكفل قابليه الحكم للنفاذ ومن ثم تحقيق مصالح الخصوم التي هي هدف اساس للتنظيم القضائي بشكل عام.
ثانيا: وان حجتهم في انتفاء الحكمة من اعمال هذا الدفع على الصعيد الدولي امراً غير مقبول ايضاً، لان قبول الدفع بالإحالة في القانون الداخلي هدفه تجنب التعارض بين الاحكام الصادرة من محكمتين وطنيتين تابعتين لدوله واحده، فأن صدور حكمين الاول من محكمه وطنيه والثاني من محكمه اجنبيه تكون فرصه التعارض بين الحكمين اكبر في هذه الحالة مما يكون من باب اولى قبول الدفع بالإحالة على الصعيد الدولي، وعلى الاخص بعد تعدد وتشابك العلاقات الدولية وكيفما تكون الطريقة التي تتخذها الدول في انهاء النزاعات الناتجة عن هذا التشابك الا ان وجود احكام متناقضة بشأن نزاعات مرتبطة ذات طبيعة دوليه امر يتنافى مع التطور الدولي واستقرار العلاقات الدولية.
ثالثا: وحجتهم بأن قبول الدفع بالا حاله يؤدي الى عدم الاعتراف في اثار الحكم الاجنبي في بعض الدول قبل صدور الامر بتنفيذه فيها كفرنسا مثلا قول مردود أيضا، وذلك لان الحكم الصادر من محكمه اجنبيه في دعوى موضوعها حاله الاشخاص او أهليتهم (اي الاحكام في مجال الاحوال الشخصية) يكون قابلا للتنفيذ في فرنسا وبقوة القانون ودون حاجه الى الامر بتنفيذه فاذا كان الامر كذلك بالنسبة للحكم الصادر في هذه الدعوى فأن التشدد الذي يكون في الاجراءات التي لم تتبلور في صدور حكم امر غير منطقي.
رابعا: واما حجتهم بان قبول الدفع بالإحالة لصالح محكمه اجنبيه اعتداء على سياده الدولة حجه غير مقبولة ايضاً،فقد ذهب الفقه الحديث الى ان هدف القانون الدولي الخاص لم يعد حمايه سياده الدولة بين سيادات الدول الاخرى، بل اصبح هدفه تنظيم العلاقات الدولية الخاصة وحل المشكلات التي تنشأ بسببها والعمل على تحقيق اهداف اخرى كالتعاون القضائي بين الدول تحقيقا للتعايش المشترك وحمايهً لمصالح الافراد المشروعة وهو ما استوجب تغليب مصالح الافراد على حمايه السيادة، وبما ان القانون الدولي الخاص قد تقررت مسائله من اجل تنظيم العلاقات الدولية الخاصة فمن باب اولى ان تكون حمايه المصالح الخاصة عبر الحدود هي هدفاً لهذا القانون.
خامسا: واخيراً لا يمكن الاخذ بالحجة التي نادى بها انصار الفقه التقليدي من ان المحاكم الوطنية اكثر قدره على تحقيق العدالة من المحاكم الأجنبية،وذلك بسبب تبدل النظرة التي كانت سائدة قديماً من شك وعدم ثقه في الاجراءات التي تتم امام المحاكم الأجنبية، فأن فكره ان المحكمة الوطنية هي الاقدر على تحقيق العدالة تدل على انعزاليه قانونيه لا تتلاءم مع تطور الافكار التي شهدتها العلاقات الدولية الخاصة بالإضافة الى ان هذه الفكرة تتناقض مع مصالح الافراد الأساسية عبر الحدود لأنها تؤدي الى ركود في العلاقات الدولية الخاصة فضلاً عن التناقض في الاحكام.
المطلب الثاني: التنظيم التشريعي
يلزم لقبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وحدة السبب والموضوع والخصوم في الدعوتين وان تكون الخصومة فيها قائمة بالفعل امام محكمتين مختصتين وإذا كانت القوانين الوطنية قد عالجت ذلك الوضع بنطاق المرافعات الداخلية فإنها قد اهملته في مجال المرافعات المدنية الدولية، اي بخصوص الدعاوي ذات العنصر الاجنبي، على الرغم من ان تدخلها في هذا المجال وضرورة تنظيمها كانت اوجب ([24]). وبناء على ما تقدم يقتضي البحث في موقف التشريعي ان نستعرض التنظيم التشريعي على المستوى الداخلي كفرع اول وفي الثاني سنتناول التنظيم التشريعي على المستوى الدولي.
الفرع الاول: التنظيم التشريعي الداخلي
لم تفصح أكثر دول العالم في قوانينها عن موقفها من هذا الدفع الاجرائي او الشكلي ([25]). فبالنسبة للقانون العراقي نرى انه لم ينظم الاحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية على صعيد الاختصاص القضائي الدولي، الا انه يمكن القول بانه قد نظمه على الصعيد الداخلي، المشرع العراقي قد نظم حيث نظم الإحالة على الصعيد الداخلي المسائل المتعلقة بالإجراءات القضائية بشكل عام من خلال قانونين الاول قانون المرافعات تتكلم هذه المادة عن اقامة الدعوى الواحدة في اكثر من محكمة، فقد يحدث ان يقيم المدعي دعواه بالمطالبة بالدين من محكمة بداءة الكرادة باعتبار ان المدعي عليه يسكن ضمن منطقة اختصاصها، وعندما يجد ان اتجاه المحكمة في الدعوى يسير في غير صالحه او ان مواعيد تأجيل المرافعة في هذه الدعوى طويلة فيلجأ الى اقامتها على ذات المدعى عليه في محكمة بداءة الرصافة، باعتبار ان سبب الدين قد نشأ في محله الذي يقع ضمن اختصاص محكمة بداءة الرصافة في الوقت الذي لاتزال دعواه قائمة امام محكمة بداءة الكرادة. وبذلك نرى بأن المشرع العراقي قد منع اقامة الدعوى الواحدة امام محكمتين ولو كانت كل منهما مختصة بنظرها ([26]). ويمكن رد هذا الرأي من خلال القول بأنه لا يمكن في هذا المجال اعمال المادة (76/1) لأنها قاصرة على الدعاوي المقامة في المحاكم العراقية. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة تمييز العراق بأن (الاحالة بسبب الاختصاص تجري بين المحاكم العراقية فقط ويجب رد الدعوى إذا كانت من اختصاص محكمة اجنبية) ([27]).
بينما يرى الرأي الثاني ان قانون المرافعات العراقي لم يتضمن نصوصاً تتعلق بتنظيم الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية ([28]). ويظهر من ذلك انه اكتفى بما ورد في المادتين (14 – 15) من القانون المدني العراقي والمادة السابعة من قانون تنفيذ الاحكام الاجنبية رقم 28 لسنة 1930 وبعض النصوص من قانون الاحوال الشخصية ويشمل هذا الاختصاص الحالات الأتية:
اولاً – المدعى عليه عراقياً: تنص المادة 14 من القانون المدني العراقي على ما يلي ((يقاضى العراقي امام محاكم العراق عما ترتب في ذمته من حقوق حتى ما نشأ منها في الخارج)) ان هذا النص يتسق والقاعدة المقررة في الاختصاص المكاني من ان دعوى الدين او المنقول تقام في محكمة موطن المدعى عليه ولا يهم في هذا المجال ان يكون المدعي اجنبياً ام عراقياً وسواء نشأ سبب الدعوى في العراق او خارجه وسواء كان محل الدعوى دين ام منقول بشرط ان يكون المنقول موجوداً في العراق.
ثانياً -المدعى عليه اجنبياً ((يقاضى الاجنبي امام محاكم العراق في الاحوال التالية:
أ – إذا وجد في العراق. ب – إذا كانت المقاضاة في حق متعلق بعقار موجود في العراق او بمنقول موجود فيه وقت رفع الدعوى. جـ – إذا كان موضوع التقاضي عقداً تم ابرامه في العراق او كان واجب التنفيذ فيه او كان التقاضي عن حادثة وقعت في العراق) وتطبيقاً على ذلك قضت محكمة تمييز العراق على انه (يقاضى الاجنبي امام محاكم العراق إذا وجد في العراق وقت رفع الدعوى إذا كان موضوع التقاضي عقدا واجب التنفيذ فيه) اساس هذا الاختصاص هو سيادة الدولة على اقليمها، ويسري هذا الاختصاص حتى على الاجنبي الموجود وقت اقامة الدعوى خارج العراق إذا كانت الدعوى يحكمها هذا النص. كأن يتعاقد عراقي مع صناعي أجنبي موجود في العراق على توريد معمل له فهنا العقد انعقد في العراق.
ان المشرع العراقي ذكر في المادة (15) من القانون المدني الحالات التي يقاضى فيها الاجنبي امام المحاكم العراقية ولم يذكر الاحالة من ضمن الحالات لا صراحة ولا دلالة، ومع ذلك فان المشرع العراقي لم يترك الاحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية دون النص عليها وانما نص بمفهوم المخالفة على حظرها على المحاكم العراقية وذلك بموجب نص المادة (76) من قانون المرافعات. الا انه على الرغم من ذلك يمكن القول بأن النظام القانوني العراقي نظام متجاوب مع مقتضيات التعاون القضائي الدولي وهنالك بعض الامثلة تدل على ذلك:
1 – نظام الاعتراف بالأحكام الاجنبية في العراق: يعترف القانون العراقي بالأحكام والاوامر والسندات الصادرة عن محاكم الدول الاخرى وفقاً لشروط تنسجم في جملتها مع مقتضيات المعاملات الدولية اذ يؤمن مبدأ تنفيذ الاحكام الاجنبية استقرار المعاملات في النظام الدولي والتعاون بين الدول وضرورة احترام النظم القانونية والقضائية السائدة تنسجم في جملتها مع مقتضيات المعاملات الدولية اذ يؤمن مبدأ تنفيذ الاحكام الاجنبية استقرار المعاملات في النظام الدولي والتعاون بين الدول وضرورة احترام النظم القانونية والقضائية السائدة.
وبناءً على ما تقدم فأنه من المنطق ان الاعتراف بالأحكام الاجنبية يستتبع الاعتراف بالإجراءات القائمة امام محاكم الدول الاخرى ومن ثم قبول الدفع بالإحالة باعتبار ان ذلك يدعم الاهداف المتقدمة.
2 – التزام العراق بعدة اتفاقيات للتعاون القضائي: اذ ابرم العراق العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتعاون القضائي منها الاتفاقية المبرمة بين العراق ومصر لسنة 1964وهنالك صورة اخرى يتبين فيها تجاوب النظام القانوني العراقي مع مقتضيات التعاون القضائي الدولي وهي انضمام العراق لاتفاقية الرياض للتعاون القضائي لعام 1983حيث ورد في نصوص هذه الاتفاقية انه لا يجوز شمول الحكم الصادر من محاكم احدى الدول المنضمة لهذه الاتفاقية بالأمر بالتنفيذ على اقليم الدولة اذا كان يتعلق بذات الحق محلا وسبباً وكانت الدعوة قد رفعت الى محاكم هذه الدولة الاخيرة في تاريخ سابق على عرض النزاع على محكمة الدولة التي صدر فيها هذا الحكم، حيث ورد في نصوص هذه الاتفاقية انه لا يجوز شمول الحكم الصادر من محاكم احدى الدول المنضمة لهذه الاتفاقية بالأمر بالتنفيذ على اقليم الدولة اذا كان يتعلق بذات الحق محلا وسبباً وكانت الدعوة قد رفعت الى محاكم هذه الدولة الاخيرة في تاريخ سابق على عرض النزاع على محكمة الدولة التي صدر فيها هذا الحكم.
3 -حق التقاضي: اذ ذكر الدستور العراقي على ان (التقاضي حق مصون ومكفول للجميع) وبذلك فأن الدستور العراقي قد جعل اللجوء الى القضاء العراقي حقاً مصوناً للناس كافة لا فرق في ذلك بين الوطني والاجنبي وهذه الامور مما لا شك فيها انها تنسجم مع مقتضيات التعاون الدولي في مجال اداء العدالة وتسيير وصول الحقوق الى اصحابها.
الفرع الثاني: التنظيم التشريعي الدولي
على الرغم مما اصبح عليه المجتمع الدولي من تطور وما سعت اليه العديد من الدول بعقد اتفاقياتها وقيام البعض منها لتعديل تشريعاتها لتواكب هذا التطور بشكل بات معه جعل جواز الإحالة الدولية لقيام ذات النزاع من المسلمات ولو لم يوجد نص يقررها، فهناك دول تنص بشكل صريح من خلال تشريعاتها على قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وأخرى تتحفظ تجاه ذلك، وبناء على ذلك سنقسم هذا الفرع الى الدول التي تقرر قبول الدفع بالإحالة امام محكمة اجنبية اولا، والدول التي تتحفظ تجاهها ثانيا وذلك على النحو الاتي:
اولا: الدول التي تقرر قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية:
ان الغالبية العظمى من الانظمة القانونية المعاصرة تقرر قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية، فعلى سبيل المثال القانون الدولي الخاص المجري لعام 1979 في المادة (65)منه التي تنص على انه”عند وجود دعوى قائمة بين الاطراف تستند على حق مماثل، وتنتج من وقائع متماثلة امام محكمة اجنبية وسلطة اجنبية اخرى،ويكون من المحتمل ان تستقر عن حكم يمكن الاعتراف به وتنفيذه في المجر بمقتضى هذا المرسوم بقانون،وان المحاكم والسلطات المجرية الاخرى المرفوع اليها النزاع لاحقا توقف الفصل في الدعوى،او ترفض صحيفة اقتراحها بدون اعلان الاطراف”.
ويتبين من هذا النص ان المشرع المجري قد اقر فيه قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وذلك حرصا منه على عدم حدوث تنازع في الاجراءات، او تناقض في الاحكام ونزولا منه على مقتضيات التعاون القضائي الدولي.
وفي اليونان نرى ان القضاء والفقه الغالب منذ زمن بعيد نص على قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام المحكمة الاجنبية، اما بالنسبة لسويسرا فقد تطرق القانون الدولي الخاص السويسري الجديد لعام 1989للاحاله في المادة (9) التي تنص (عندما تكون هناك دعوى لها ذات الموضوع قائمة قبل ذلك بين الاطراف أنفسهم في الخارج فان المحكمة السويسرية توقف الفصل في القضية إذا توقعت ان المحكمة الاجنبية ستصدر خلال مدة معقولة حكما يمكن ان يعترف به في سويسرا).
اما في ايطاليا فبعد ان كان القانون الايطالي الملغى لا يجيز ذلك نرى ان القانون الايطالي الجديد قد بين جواز احاله القضاء الايطالي دعوى مرفوعة امامه الى محكمة اجنبية مرفوع اليها ذات النزاع اولا اذ تنص المادة(7)من هذا القانون على انه(1-اذا دفع اثناء نظر الدعوى بان دعوى مرفوعة في تاريخ سابق بين الاطراف انفسهم بها نفس الموضوع وذات السبب امام قاضي اجنبي،فان القاضي يوقف الفصل في القضية اذا بدا له ان الحكم الاجنبي يمكن ان ينتج اثره في النظام القانوني الايطالي واذا اقر القاضي الاجنبي عدم اختصاصه او كان الحكم الاجنبي غير قابل لان يعترف به فان القضية تتابع سيرها في ايطاليا بناء على طلب الطرف ذي الشأن، 2- قيام الدعوى امام القاضي الاجنبي يتحدد وفقا لقانون الدولة التي تنظر القضية.) وبذلك نرى ان المشرع الايطالي قد استجاب لدواعي التطور ومقتضيات التعاون القضائي الدولي والعمل على حماية مصالح الافراد من خلال اقراره الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية، واكد بذلك هجره لنظرة الشك التي كانت تتبعها النظم القضائية الاجنبية ([29]).
ثانيا: الدول التي تتحفظ تجاه الاخذ بالإحالة لقيام ذات النزاع امام المحكمة الاجنبية:
هناك بعض الدول ما زالت متحفظة او مترددة تجاه الدفع بالإحالة في الاطار الدولي،ولعل فرنسا ومصر ولبنان من اوضح الامثلة على ذلك، فبالنسبة للمشرع الفرنسي ونظيره المشرع المصري فقد تصدى لتنظيم الاحالة لقيام ذات النزاع في نطاق العلاقات الوطنية،الا انهما لم يوردا نصاً صريحا بصدد حل هذه المشكلة في نطاق العلاقات ذات العنصر الاجنبي اي على مستوى الاختصاص القضائي الدولي رغم ان تنظيم هذه المسألة على نطاق الاختصاص القضائي الدولي كان اولى واظهر والسبب في ذلك هو ان رفع الدعوى امام محكمتين هو امر استثنائي الحدوث من الناحية العملية في المجال الداخلي وذلك لكون المحكمتين تتبعان نظاما قضائيا واحدا وتطبقان ذات القواعد القانونية وبالتالي لا تتوافر مصلحة حقيقية لاحد اطراف النزاع في استمرار نظره امام المحكمتين في الوقت نفسه، الا ان الوضع قد لا يسير على هذا النحو في حاله قيام ذات النزاع امام قضاء دولتين مختلفتين اذ ليس من الغرابة في شيء ان ينعقد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية وينعقد في الوقت نفسه لإحدى المحاكم الاجنبية،حيث كل دوله تتمتع بحرية مطلقة في صياغة القواعد المنظمة للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الاجنبية.اما بالنسبة للبنان فالدفع بالإحالة وفقا للتشريع اللبناني لا يكون مقبولا لصالح محكمة اجنبية مرفوع اليها ذات النزاع مالم توجد اتفاقية دولية تجيزه وينتقد هذا الموقف اذ يرونه لا يتماشى مع التطورات الحديثة التي تشهدها العلاقات الدولية الخاصة ويطالبون بناء على ذلك بان يعدل القضاء اللبناني من موقفه تجاه هذا الدفع وذلك بقبوله بمقتضى القواعد العامة للاختصاص وليس فقط في حالة وجود معاهدة دولية.
المطلب الثالث: الموقف القضائي
مر الموقف من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبية بتطورات ملموسه في كثير من النظم القانونية والقضائية، كما اهتمت بتنظيمه العديد من الاتفاقيات الدولية منذ زمن بعيد. ويبدو ان اعتبارات السيادة الإقليمية وغياب سلطه قضائية عليا تملك توزيع الاختصاص بالمنازعات الدولية على محاكم الدول المختلفة هي التي املت على الفقه والقضاء التقليدي موقفه الواضح والصريح في شان رفض قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبية، على ان التطور المعاصر في فلسفه القانون الدولي الخاص والذي لم تعد احكامه تقوم على محض فكره السيادة الإقليمية وانما باتت تهدف اساسا الى تكريس التعاون الدولي قد دفعت القضاء الحديث الى الاستجابة لهذه المتغيرات الجديدة، اذ انقسم موقف القضاء من الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع في الدول العربية منها والأوربية الى اتجاهين كما هو الحال في الفقه فنجد احكام القضاء في تلك الدول تنقسم الى من ترفض الدفع بالإحالة واخرى تؤيد الدفع بالإحالة. وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب الذي سنوضح في الفرع الاول منه الموقف من الإحالة في الدول الأوربية ونبين الموقف من الدفع بالإحالة في الدول العربية في الفرع الثاني.
الفرع الاول: الموقف من الاحالة في الدول الاوربية
شهد الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبية تطورات عديده في فرنسا فخلال فتره تربو على قرن ونص من الزمان تواترت احكام القضاء الفرنسي مؤيده في ذلك من قبل الفقه الغالب على انكار الدفع بالإحالة في الإطار الدولي. وتعتبر الفترة ما بين مطلع القرن التاسع عشر حتى عام 1962مرحله الرفض المطلق لمبدأ الدفع بالإحالة حيث كان يعتبر ضربا”من الشطط الفكري بل ان القول به كان يتعارض مع سيادة الدولة وربما كان يتعارض مع معاني الوطنية، وقد قرر القضاء الفرنسي ذلك صراحه في العديد من الاحكام من ذلك ما قررته محكمه Golmar عام1815 من انه”لما كان حق اللجوء إلى القضاء هو من مستلزمات السيادة فان المطالبة به والحصول عليه يعد ميزه ممنوحه للوطني من الحاكم ممثلا للسيادة وبالنظر الى هذه العلاقة المزدوجة فانه يجب على كل حاكم الا يتيح هذا الحق الا للوطنيين”غير ان القضاء الفرنسي قد عرف فتره تردد منذ عام 1962وحتى اواخر 1974 بين الاستجابة لمقتضيات العلاقات الدولية وبين الحنين الى المبدأ التقليدي، ففي حكم محكمه النقض الصادر في 5/5/1962 الذي يعتبر بداية التحول الحقيقي للقضاء الفرنسي نحو قبول الدفع بالإحالة وتتلخص وقائع الدعوى التي صدر فيها الحكم في ان زواج السيد Verdier الفرنسي الجنسية والسيدة Zins أمريكية الجنسية قد ابرم في باريس عام 1918، ثم انفصل الزوجان جسمانيا بعد فتره من هذا الزواج، ثم غادرت الزوجة باريس الى الولايات المتحدة واقامت هناك في ولاية كاليفورنيا.
وفي عام1952 رفع الزوج دعوى تطليق امام محكمه السين الابتدائية، فدفعت الزوجة بعدم اختصاص المحكمة بالفصل في الدعوى لكونها تقيم منذ سنوات عديده بالولايات المتحدة. لكن المحكمة لم تقبل هذا الدفع وقررت انها مختصة استنادا الى ان الزواج قد ابرم في باريس، التي يتوطن بها الزوج ويوجد بها الموطن القانوني للزوجة، مما يعقد الاختصاص للقضاء الفرنسي وفقا للمادة 59 مرافعات. طعنت الزوجة على الحكم بالاستئناف فأيدته محكمه استئناف باريس لأسبابه المذكورة. ونظرا”لعدم الطعن على هذا الحكم خلال المدة المحددة قانونا”فقد غدا باتا، ومن ثم اضحى اختصاص القضاء الفرنسي ثابتا”بصفه نهائية واعيدت الدعوى بعد ذلك لمحكمه السين للفصل في الموضوع وفي اغسطس 1956 قام الزوج برفع نفس الدعوى امام محاكم ولاية كاليفورنيا حيث تقيم الزوجة. وامام محكمه السين اثارت المدعى عليها الدفع بالإحالة وطالبت بتخلي هذه المحكمة لصالح محاكم ولاية كاليفورنيا المرفوع اليها ذات الدعوى، فقررت محكمه السين عدم قبول هذا الدفع، وحكمت بالتطليق لخطا الزوجة.
ثم تايد هذا الحكم من قبل محكمه استئناف باريس. طعنت الزوجة على هذا الحكم بالنقض ونعت عليه مخالفته لصحيح القانون عند قضائه بالتطليق وتجاهله للدفع بالإحالة فقضت محكمه النقض بانه”لا يجوز قبول الدفع بالإحالة لصالح محكمه اجنبية متى ثبت ان المحكمة الفرنسية قد رفع اليها النزاع اولا وان هذه المحكمة قد قررت انها مختصة بالفصل بالدعوى بمقتضى اختصاصها المانع لكل اختصاص أجنبي مشترك وفقا للقواعد الفرنسية لتنازع الاختصاص، كما في هذا الحكم لم تذكر محكمه النقض لأول مره مبدا عدم جواز الدفع بالإحالة بل بررت عدم قبولها للدفع بعدم توافر شرطين هما:
1-رفع النزاع اولا امام القضاء الفرنسي.
2-هو ان اختصاص المحاكم الفرنسية في هذه الدعوى كان من قبيل الاختصاص المانع الذي يفضي الى عدم اختصاص ايه محكمه اجنبيه بالفصل في النزاع. وبذلك فان هذا الحكم يعد بمثابة نقله نوعيه هامه في قضاء محكمه النقض حيث عبرت به من مرحله عدم جواز اعمال الدفع في المجال الدولي الى مرحله قبوله او عدم قبوله عند توافر شروطه او عدمها. وقد استقر القضاء الفرنسي نهائيا في 26 نوفمبر 1974 على قبول الدفع بالإحالة حيث ازالت محكمه النقض كل شك حول موقفها في هذا الشأن حيث قررت فيحكمها الصادر في هذا التاريخ ان”الدفع بالإحالة يمكن قبوله امام القضاء الفرنسي نظرا لقيام الدعوى امام محكمه اجنبيه مختصة هي الاخرى”ومنذ هذا التاريخ استقر القضاء الفرنسي نهائيا على مبدا جواز الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبيه وهو ما أكدته محكمه باريس في حكميها الصادرين في 7يوليو 1976و12فبراير 1980.
اما في سويسرا فقد استقر القضاء السويسري منذ اوائل القرن العشرين سواء في اقضيه المقاطعات او القضاء الفيدرالي على قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبيه ([30]). وكذلك في اليونان فان الفقه والقضاء مستقران منذ زمن بعيد على قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبيه ([31]).
الفرع الثاني: الموقف من الدفع بالإحالة في الدول العربية
ان القضاء المصري وعلى راسه قضاء محكمه النقض لم يقل كلمته الفاصلة بعد على ان الاجماع الفقهي الذي يكاد ان ينعقد في مصر هو اجازه الدفع بالإحالة اما في الجزائر فقد جاء موقف القضاء هناك متعارضا مع مقتضيات التعاون الدولي، حيث رفض القضاء الجزائري اعمال الدفع بالإحالة ومن شان هذا الرفض الحاق الضرر بالمتقاضيين الجزائريين انفسهم وذلك لان الاحكام التي سيحصلون عليها من المحاكم الجزائرية سيرفض شمولها بالأمر بالتنفيذ من قبل المحاكم الاجنبية التي رفض القضاء الجزائري الإحالة اليها مما يضطرهم الى اعاده بدء الاجراءات من جديد في الخارج.اما في تونس فاتخذ القضاء التونسي تجاه الدفع بالإحالة موقفا مماثلا لموقف القضاء الجزائري ففي دعوى رفعت الى محكمه تونس المدنية عام 1959 اثارت المدعى عليها الدفع بالإحالة في تاريخ سابق امام القضاء الفرنسي لم تقبل المحكمة هذا الدفع استنادا الى استقلال النظم القانونية يجعل اعماله يقتصر على حاله قيام ذات النزاع امام محكمتين وطنيتين مالم توجد اتفاقيه دولية تقضي بخلاف ذلك. وفي لبنان اعتمد القضاء اللبناني نفس الموقف المتخذ من قبل القضاء في تونس والجزائر فالدفع بالإحالة،وفقا”لهذا القضاء،لا يكون مقبولا لصالح محكمه اجنبية مرفوع اليها ذات النزاع مالم توجد اتفاقيه دوليه تجيزه وقد نصت بعض الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين بعض الدول العربية على قبول الدفع بالإحالة المثار أمام محاكم احدى الدولتين المتعاقدتين بسبب قيام ذات الدعوى امام محاكم الاخرى، من ذلك الماده20من الاتفاقية المبرمة بين سوريا ولبنان عام 1951، والمادة 19 من الاتفاقية المبرمة بين لبنان والاردن عام1953 فهاتان المادتان تجيزان الدفع امام محاكم الدولة المرفوع اليها النزاع ثانية بالإحالة الى محاكم الدولة الاخرى المرفوع اليها ذات النزاع في تاريخ سابق.
اما في العراق فيمكن القول ان المشرع العراقي لم يتطرق للإحالة على صعيد الاختصاص القضائي الدولي وانما نظمه على المستوى الداخلي في قانون المرافعات المدنية ونعتقد بانه لا مانع من اعمال احكام الاحالة الموجهة في الاصل للنطاق الداخلي في مجال الاختصاص القضائي الدولي.
الخاتمة:
تعرضنا في هذه الدراسة إلى بحث فكرة الاحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وبيّنا الحاجة الأكيدة على مستوى الاختصاص القضائي الدولي لهذه الفكرة، ويتضح ذلك من تبني التشريعات المقارنة والاتفاقيات الدولية للإحالة حرصا منها على النتائج الموضوعية التي توصل اليها، وخلال البحث توصلنا الى جملة من النتائج يتبعها بعض التوصيات نتمنى على المشرع العراقي اخذها بالاعتبار دعما لموقف المشرع العراقي من تنظيم احكام الموضوع محل الدراسة. ونتائج البحث تتمثل بالأمور الاتية:
ان فكرة الاحالة لقيام ذات النزاع تؤدي إلى توفير الوقت والنفقات بالنسبة للمتقاضين والقائمين على أداء مرفق العدالة كما يؤدي إلى صدور أحكام مضمونة التنفيذ على المستوى الدولي أي الحكم الذي يصدر يكون متمتعاً بقوة النفاذ ما دام أن المحكمة التي أصدرته هي الأقدر على حسم النزاع.
يعد الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية من أهم الدفوع الإجرائية التي تثير الجدل في القانون الدولي ألخاص، ولا يثير تحديد مركز الدفع بالإحالة في إطار القانون القضائي الدولي أية صعوبة، أذا كانت مثلا الدولة الاجنبية التي رفع النزاع أمام محاكمها أولا، والدولة الوطنية التي رفع ألنزاع أمام محاكمها أخيرا والتي يراد أبداء الدفع أمام محاكم كل منها مرتبط باتفاق دولي ثنائي أو جماعي ينظم تلك المسالة، فبالرجوع الى تلك النصوص الاتفاقية بشأن هذا الأمر سوف يزول كل لبس محتمل.
كذلك لا تثور صعوبة تذكر أذا كان التشريع الوطني للدولة التي رفع ألنزاع أمام محاكمها أخيرا له موقف محدد وواضح من الدفع بالإحالة لقيام ذات ألنزاع أمام محكمة أجنبية إنما تبدو الصعوبة الحقيقية في الأنظمة القانونية الوضعية التي لم تضع تنظيماً قانونياً للمشكلة، ومن أمثلة تلك الأنظمة النظام القانوني المصري والنظام القانوني الفرنسي.
ان الاعتراف بالأحكام الاجنبية يستتبع الاعتراف بالإجراءات القائمة امام محاكم الدول الاخرى ومن ثم قبول الدفع بالإحالة. وذلك حرصا من التشريعات الوطنية على عدم حدوث تنازع في الاجراءات، او تناقض في الاحكام ونزولا منها على مقتضيات التعاون القضائي الدولي.
ان الانظمة القانونية الحديثة كالمشرع السويسري والمجري والايطالي من التشريعات التي استجابت لدواعي التطور ومقتضيات التعاون القضائي الدولي والعمل على حماية مصالح الافراد من خلال اقرارها الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية، واكد بذلك هجره لنظرة الشك التي كانت تتبعها النظم القضائية الاجنبية.
على الرغم من عدم تنظيم المشرع العراقي لفكرة الاحالة في نطاق الاختصاص القضائي الدولي لا صراحة ولا دلالة الا ان النظام القانوني العراقي نظام متجاوب مع مقتضيات التعاون القضائي الدولي من خلال التزام العراق بعدة اتفاقيات للتعاون القضائي واعترافه بتنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق وكذا اقراره لحق التقاضي في دستوره النافذ لعام 2005.
التوصيات:
في ضوء ما تم التوصل اليه من نتائج خلال البحث نجمل التوصيات في الامور الاتية:
نتمنى على المشرع العراقي ان يتولى تنظيم فكرة الاحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية وفقا لما ورد من تنظيم للموضوع في الانظمة القانونية الحديثة كالتشريع السويسري والمجري والايطالي والابتعاد عن اقتفاء أثر التشريع الفرنسي والمصري بالنسبة للتردد في معالجة هذا الموضوع.
اعمام احكام المادة (30) من القانون المدني العراقي من اجل ان تشمل جميع الحالات التي يظهر فيها أثر للتنازع سواء في إطار تنازع القوانين ام تنازع المحاكم اضافة الى ان ذلك يمنح القاضي فرص اوسع لتقدير ظروف كل قضية واختيار أفضل القوانين ملاءمة لحكمها.
نقترح على السلطة التشريعية في العراق الاسراع بتصديق الاتفاقيات ذات الصلة بالقانون الدولي الخاص من اجل ايجاد معين يستقي منه المشرع العراقي رؤيته في تنظيم الاحالة لقيام ذات النزاع من خلال الاطلاع على اخر التطورات والانظمة الحديثة في العالم.
نقترح الاستعانة بالخبرات المحلية والدولية في تنظيم احكام القانون الدولي الخاص العراقي في نصوص وتشريع مستقل عن احكام القانون المدني ليتسنى مواكبة ركب الحضارة في وضع الاحكام التفصيلية لميدان علاقات القانون الدولي الخاص اسوة بقانون الاثبات والقانون التجاري وقانون الشركات التي سبق وان كانت ضمن نصوص القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
المصادر:
1- د. أبو العلى علي ابو العلا النمر، مقدمة في قانون الاجراءات المدنية الدولية، دار الكتب القانونية ف مصر، المحكمة الكبرى،2003.
2-د.احمد ابو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، بدون مكان طبع، ط6،1980.
3-د.احمد عبد الكريم سلامة، المختصر في قانون العلاقات الدولية الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة،1985.
4-د.احمد محمد مليحي، الاختصاص الفني والنوعي والمحلي للمحاكم والاحالة الى المحاكم المختصة، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة.
5-د.ادم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، مكتبة السنهوري، بغداد،2013.
6-د.أشرف عبد العليم الرفاعي، الاختصاص القضائي الدولي، بدون رقم طبعة، دار الكتب القانونية، مصر، المجلة الكبرى،2006.
7-د.حفيظة السيد الحداد، الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الاحكام الاجنبية واحكام التحكيم، الكتاب الثاني ط1، منشورات الحلبي،2004.
8-د.جنان جاسم مشتت، الاحالة في الاختصاص القضائي الدولي (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، الجامعة المستنصرية، كلية القانون 2006.
9-د.علي ابو عطية هيكل، الدفع بإحالة الدعوى في قانون المرافعات، دار الجامعة الجديد للنشر، مصر،2005.
10-د.غالب الداوي، نظرية الاحالة في القانون الدولي الخاص، ط1، القاهرة،1988.
11-القاضي مدحت المحمود، شرح قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 وتطبيقاته العلمية، ط4، المكتبة القانونية بغداد،2011.
12-د.محمد الروبي، الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية، ط2، دار النهضة العربية للطباعة والنشر،2013.
13-د. ناصر عثمان ناصر، نحو توحيد قواعد الاجراءات المدنية الدولية في مجال علاقات الاسرة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، ط2012،1.
14-د.هشام علي صادق، القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية،2004.
[1] – د. ناصر عثمان ناصر، نحو توحيد قواعد الإجراءات المدنية الدولية في مجال علاقات الأسرة، دار النهضة العربية – القاهرة، ط1، 2012، ص 108.
[2] – د. احمد ابو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، بدون مكان طبع و نشر، ط 6، 1980، ص221.
[3] – د. احمد محمد مليجي، الاختصاص الفني والنوعي والمحلي للمحاكم والاحالة الى المحاكم المختصة، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص264.
[4] – د. أشرف عبد العليم الرفاعي، الاختصاص القضائي الدولي، بدون رقم طبعة، دار الكتب القانونية، مصر، المجلة الكبرى، 2006، ص 399 – 400.
[5] – د. أشرف عبد العليم الرفاعي، المصدر السابق، ص 378.
[6] – د. أشرف عبد العليم الرفاعي، المصدر السابق، ص 373.
[7] – د. حفيظة الحداد، الاختصاص القضائي الدولي الكتاب الثاني، ط1، منشورات الحلبي،2004، ص1.
[8] – د. محمد الروبي، الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمة اجنبية، ط 2، دار النهضة العربية،2013، ص370.
[9]- د. محمد الروبي، مصدر نفسه، ص 410.
[10] – د. هشام علي صادق، القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2004، ص 67 -68.
[11] – د. ابو العلا على ابو العلا النمر، مقدمة في قانون الإجراءات المدنية الدولية، 2003، دار الكتب القانونية، مصر، المحلة الكبرى، ص 120.
[12] – د. ابو العلا على ابو العلا النمر، المصدر السابق، ص 122.
[13] – د. محمد الروبي، مصدر سابق، ص13ـ15.
[14] – د. هشام صادق، مصدر سابق، ص23.
[15] – جنان جاسم مشتت، الاحالة في الاختصاص القضائي الدولي (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، الجامعة المستنصرية ـ كلية القانون، 2006، ص97.
[16] – د. احمد ابو الوفا، مصد سابق، ص16.
[17] – د. محمد الروبي، مصدر سابق، ص14.
[18] – د. احمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص216.
[19] – د. هشام صادق، مصدر سابق، ص78.
[20] – د. هشام علي صادق، مصدر سابق، ص79.
[21] – سنتناول هذه الأحكام القضائية في مطلب مستقل لاحقا.
[22] – د. علي ابو عطية هيكل، الدفع بإحالة الدعوى في قانون المرافعات، دار الجامعة الجديد للنشر، مصر، 2005، ص 539 -540. و د. حفيظة السيد الحداد، النظرية العامة في القانون القضائي الخاص الدولي، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، دون سنة طبع، ص 183 -184. ود. هشام علي صادق، القانون الدولي الخاص، القسم الثالث، دار المطبوعات الجامعية، مصر، 2004، ص54. و د. محمد الروبي، الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع امام محكمه اجنبيه، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2013، ص 55 و155.
[23] – د. محمد الروبي، مصدر سابق، ص54 و155. و د. علي ابو عطية هيكل، مصدر سابق، ص 539 -540. و د. هشام علي صادق، مصدر سابق، ص55.ود.حفيظة الحداد، مصدر سابق، ص 183 -184.
[24] – د. احمد عبد الكريم سلامة، المختصر في قانون العلاقات الدولية الخاصة، دار النهضة، القاهرة، 1985، ص199.
[25] – حددت بعض التشريعات موقفها صراحة من هذا الدفع، فهنالك من التشريعات ما نص صراحة على عدم قبول الدفع بالإحالة، وبالمقابل نصت تشريعات دول اخرى على قبول الدفع بالإحالة.
[26] – القاضي مدحت المحمود، شرح قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 وتطبيقاته العملية، ط4، المكتبة القانونية، بغداد، 2011، ص127.
[27] – انظر قرار محكمة تمييز العراق المرقم 260 / مدنية اولى / 77 في 1 / 12 / 1977 نقلا عن ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، قسم المرافعات المدنية، 1990، ص48.
[28] – ينظر: المصدر نفسه. ص48.
[29] – د. محمد الروبي، مصدر سابق، ص206.
[30] – د. محمد الروبي، مصدر سابق، ص78.
[31] – د. هشام علي صادق، مصدر سابق، ص72.