دراسات قانونيةسلايد 1

دور الإعلام و الإشهار في نشر الثقافة الاستهلاكية (بحث قانوني)

ملخص

لحماية المستهلك لا يكفي وضع نصوص قانونية من قبل المشرع سواء كانت وقائية أو ردعية ، و تخصيص مؤسسات و هياكل لمراقبة المنتجات و الخدمات المقدم له ، و لا الجمعيات المخصصة لحمايته بل يجب أن يكون المقتني أو المشتري سوءا كان مستهلكا عاديا أو محترفا يتمتع بنوع من النضج الإستهلاكي لتتوفر لديه حماية تلقائية ذاتية ، باستعمال الإعلام الإجباري الذي فرضه القانون على المنتجين و مقدمي الخدمة ، و الإشهار الذي يعتبر هدفه الأساسي هو حث المستهلك على الشراء دون تفكير، لكن يلعب في نفس الوقت دورا إعلاميا شرط أن يكون إشهارا صادقا و شرعيا .

مقدمة:

إن مفهوم “المستهلك” من صنع المشرع الأمريكي الذي اخذ بخطاب الرئيس 5Jhon FisZhald Kennedy حين دعا مجلس الشيوخ بتاريخ 15 مارس 1962إلى ضرورة تحديد الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المستهلك و هي : حقه في الإعلام، حقه في الأمن، حقه في الاختيار، حقه في أن يسمع له و يأخذ برأيه.

الإنسان كائن استهلاكي : سواء كان مستهلكا عاديا أو محترفا ، فهو بحاجة إلى حماية خاصة أي كان النظام الاقتصادي الذي تتبعه الدولة سواء كان اقتصاد موجها قائما على تدخل الدولة أو كان اقتصاد السوق الذي يقوم على حرية التجارة تطبيقا لقاعدة العرض و الطلب ،غير أن حاجة المستهلك للحماية تزداد في ضل الأخذ بنظام الاقتصاد الحر و تحرير التجارة . إن انفتاح السوق الجزائرية على المنتجات الأجنبية قد أدى إلى زيادة الاهتمام بالمشتري على العموم ، و الاتجاه نحو الأخذ بنظام حرية المنافسة و تحرير التجارة مما انعكس على السلوك الاجتماعي ، حيث قدمت الدولة تسهيلات كثيرة لتشجيع الاستثمار و المستثمرين لكن هذه الفئة استغلت ثغرات القوانين المعمول بها حاليا و دخلت في مجالات استثمارية صناعية غايتا في الخطورة لتعلقها بأمن و مصلحة و سلامة المستهلك الجزائري و الاقتصاد الوطني ، دون أن تتوفر لها المؤهلات اللازمة لممارسة تلك الأنشطة ، كذلك مبدأ حرية ممارسة الصناعة و التجارة يدعم نظام الاقتصاد الحر ، الحقيقة أن المنافسة الحرة تدفع بالمنتجين إلى إتقان العمل و زيادة الإنتاج و تخفيض أسعار السلع و الخدمات غير أنه في السوق لا تتعادل قوى العرض و الطلب . هذا ما أدى إلى زيادة في معدلات الاستهلاك دون وعي بمدى ملائمة هذه السلع و الخدمات لاحتياجات المستهلك و كذلك عدم قدرته على اكتشاف عيوبها ، أو مدى مطابقتها للمواصفات ، هذا يدفعنا إلى التفكير في وسائل لتحقيق العدالة و رفع الظلم عن الطرف الضعيف الذي أصبح فاقد السيطرة على الإغراءات المقدمة له و من بين أهم هذه الوسائل الترويج للبضائع و السلع و الخدمات و أهمها الإشهار ،و غيرها من الوسائل المستعملة لتسويق .

و لحماية المستهلك لا يكفي توافر القوانين و أجهزة الدولة و كذلك المجتمع المدني ، بل لا بد من وجود حماية وقائية ذاتية ، هذا ما يدعى بالثقافة الاستهلاكية ، لأنها تلعب دور كبير في حماية المستهلك من الإقدام على إبرام عقود قد تضر به و لا تساوي القيمة المالية التي يقدمها مقابل هذه البضائع و لنشر هذه الثقافة هناك وسائل يعتمد عليها و من أهمها الإعلام و الإشهار لمنتوجات و الخدمات ، الأول مساعد للمستهلك على الاستعمال الحسن للمنتوجات و الخدمات و الثاني الغرض منه الترويج و الحث على اقتناء المنتوجات :

إن الإعلام يختلف عن الإشهار لأن دور الأول يتمثل في تقديم معلومات موضوعية حقيقية لتأثير على سلوك المستهلك و حثه على الشراء و من جهة أخرى تجنيبه الضرر الناتج عن استعمال المنتوج و هو بدون مقابل لأنه حق للمستهلك على المنتج والموزع و البائع بقوة القانون ، بينما يهدف الثاني إلى تقديم معلومات للمستهلك عن البضاعة أو الخدمة و مدحها و التركيز على الجانب الإيجابي هدفه تجاري محض قصد التأثير على المشتري و دفعه إلى اقتناء المنتجات و غيرها دون تفكير .

و قد قسمنا هذا الموضوع إلى مطلبين الأول نتناول فيه دور الإعلام في نشر الثقافة الاستهلاكية و الثاني نتناول فيه الإشهار الكاذب و المضلل كأحد أنواع الإشهار التي تؤدي إلى عدم وجود ثقافة استهلاكية سليمة.

المطلب الأول: إعلام المستهلك

يعتبر الإعلام إحدى الوظائف المهمة و الضرورية ضمن الأنشطة التي تمارسها المؤسسة بشكل عام والأنشطة التجارية بشكل خاص.

إن الأنشطة التجارية و التسويقية تعمل على تحقيق جملة من الأهداف ، تبدأ و تنطلق من المنتج إلى الزبون ( الزبائن ) وتستمر في خدمته و تنتهي به.

إن أغلب المعلومات التجارية تتم بين منتجين محترفين للعمل التجاري و مستهلكين عاديين (مستهلك متوسط )، و أغلب الأحيان لا تكون لديه المعلومات الكافية عن السعلة أو الخدمة التي يرغب في شرائها و حمايتا لهذا الطرف الضعيف نشأ الالتزام بإعلام المستهلك1 .

المقصود بإعلام المستهلك :

هو التزام ، بموجبه يلتزم البائع بإعلام المشتري لكل ما يمكن أن يؤثر في قراره عند التعاقد من عدمه وهذا حتى يصدر رضاء حرا من جانب المستهلك .

وهذا الالتزام له أهمية ، حيث أن المستهلك يولى ثقة لكل من المنتج و الموزع و المحترف الذي يقع عليهما بحث الالتزام بالإعلام ، و كذلك وفائهما بهذا الالتزام يعيد التوازن إلى العلاقة التعاقدية 2 .

الفرع الأول:الالتزام بالإعلام

– وهنا نطرح التساؤل التالي ، هل الإخلال بالإعلام يرتب مسؤولية تقصيرية أم عقدية ، و ما هو الجزاء الذي يترتب على الإخلال به :

إن الالتزام بالإعلام فرضه القانون هو التزام ينشأ قبل إبرام العقد ، بينما الثاني هو التزام بموجب عقد محله تقديم استشارة أو نصيحة فنية من أهل الخبرة .

– الالتزام بإعلام المستهلك :

هو التزام بإعطاء البيانات الضرورية ، لتعاقد يهدف إلى إحاطة المستهلك علما بالشروط و الأوصاف المتعلقة بالسلعة أو الخدمة محل العقد .

و في إطار العلاقة بين المهنيين اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن مخالفة الالتزام بالإعلام يرتب المسؤولية العقدية في مواجهة الطرف المهني الآخر أيضا ، أما بالنسبة للجزاء المترتب على الإخلال بالالتزام بالإعلام فإن المشرع المصري و غيره من المشرعين العرب ، فقد اعتبره هو إخلال بالتزام البائع بإعلام المشتري أي العلم الكافي بالشيء المبيع ، و يمكننا أن نقول نفس الشيء بالنسبة للمشرع الجزائري أي يطبق القواعد العامة .

إن القواعد العامة تقتضي فقط أن يكون الشيء المبيع معينا تعيينا نافيا للجهالة الفاحشة المادة 352 ق.م.ج.” يجب أن يكون المشتري عالما بالمبيع علما كافيا ” و يعتبر العلم كافيا إذا اشتمل العقد على بيان المبيع و أوصاف الأساسية بحيث يمكن التعرف عليه 3.

لكن هل شرط المشتري للعلم الكافي بالمبيع يعتبر مجرد تطبيق لقواعد الغلط في الشيء المبيع.

لقد اتجه رأي في الفقه إلى اشتراط علم المشتري تطبيقا لقواعد الغلط ، واشترط المشرع في المادة 352 ق.م.ج علم المشتري بالمبيع علما كافيا و بإعطائه الحق في طلب إبطال البيع في حالة عدم العلم، إن المشرع أقام قرينة قانونية على وقوع المشتري في غلط ، هذه القرينة تقوم إذا لم يكن المشتري عالما بالبيع وقت العقد ، فإنه يفترض وقوعه في غلط ، و هنا يمكنه طلب إبطال البيع دون أن يلتزم

بإثبات عكسها ، بمعنى أنه يجوز للبائع أن يثبت أن المشتري رغم عدم علمه بالمبيع إلا أنه لم يقع في أي غلط بشأنه و أنه وجده بعد البيع كما تصوره تماما عند إبرام العقد ، و في هذه الحال لا يثبت للمشتري الحق في إبطال البيع بدعوى عدم علمه به ، لأنه لم يقع في غلط.

و ذهب رأي آخر إلى الجمع بين قواعد الغلط و قواعد تعيين المبيع إلا أن أحكام العلم بالمبيع المستمدة من الشريعة الإسلامية لا تضيف شيئا إلى ما تقتضي به قواعد القانون المدني أي أن المشتري إذا لم يتوفر لديه العلم الكافي بالمبيع فعقده غير صحيح ، إما لغلط فيه و إما لأن المبيع لا يكون معينا مع أن القانون يوجب تعيينه.

– وهناك رأي ثالث يرى اختلاف أحكام العلم الكافي بالمبيع عن أحكام الغلط و أن استعمال المشتري حقه في الإبطال – لعدم العلم ، لا يرد عليه قيد و يكون له ذالك الحق دون حاجة إلى تبريره.

كأن يثبت تخلف صفة جوهرية مثلا ويوضح ذلك الرأي أنه يجب أن نذكر أننا لسنا بصدد إبطال العقد على أساس الغلط لكننا أمام خيار الرؤية إن البطلان في شروط العلم الكافي بالمبيع نسبي .

نطرح التساؤل التالي ، إذا كان شرط العلم تطبيقا لقواعد الغلط ، فهل يمكن إثبات اتصال الغلط بالمتعاقد الآخر بسهولة ، فالإقرار في العقد بالعلم وسيلة من وسائل العلم الكافي خصوصا ، لكن مع وجود العقود المطبوعة و المحررة من جانب البائع التي يحاول فيها إدراج هذا الإقرار دون أن يبدو سهلا للمستهلك عند نظره للعقد نظرة عامة دون تفحص و تدبير و هنا يصعب إثبات عدم العلم الكافي للمشتري.

– الفرق بين الإعلام و بين غيره من المصطلحات المشابهة :

يوجد نوعان من الإعلام :

الإعلام الإجباري فرضه المشرع على المنتج و مقدم الخدمة و يشترط فيه تقديم البيانات الأساسية أي مكونات المنتوج كيفية استعماله و التأثيرات السلبية و كيفية المحافظة عليه .

الإعلام الاختياري هو غير إجباري و يمكن للمنتج أن يذكر كل ما يراه ضروري للاستخدام مثلا تقديم وصفات و غيرها ، إن الالتزام بالنصيحة يختلف عن الالتزام بالإعلام إن الثاني يقتصر على بيان وقائع ، بينما الالتزام بالنصيحة بتجاوز بيان وقائع إلى حد بيان النتائج و مدى الملائمة في إبرام العقد من عدمه ، و يتفق لفت النظر مع الانتباه في أنهما وجهان لعملة واحدة.

– و هذه المصطلحات وردت في حكم لمحكمة النقض الفرنسية حيث قالت ، ( أنه يرجع على البائع لمادة مشتراة بواسطة مشتري أجنبي ، بأن ينصحه ) و أن يعلمه و بصفة خاصة بأن يلفت انتباهه إلى المادة التي اختارها العميل ، و كذلك الاحتياطات التي يجب اتخاذها6.

– أهمية تقدير الالتزام قبل التعاقدي في مجال عقود الاستهلاك:

فإن الالتزام قبل التعاقدي له أهميته الخاصة لأن هذا الالتزام ينشأ على عاتق منتج محترف في مواجهة مستهلك عادي ، يوجد بينهما تفاوت شاسع في مستوى العلم و الخبرة – و عليه فإن العلاقة تكون غير متكافئة في غياب هذا الالتزام – و عليه يمكننا القول أن الالتزام بالإعلام يحقق التكافؤ في العلم بين المتعاقدين ، و إعادة التوازن إلى العقد .

الفرع الثاني :تحقيق التكافؤ بين المتعاقدين

التكافؤ بين المتعاقدين أن يكون كل منهم على درجة متساوية في العلم بمحل العقد ، حيث أن المساواة بين المتعاقدين في العلم هو من الأسس الجوهرية التي يقوم عليها للالتزام قبل التعاقدي بالإعلام.

– إن عدم التساوي في المعرفة بالمعلومات بين المتعاقدين بشأن محل التعاقد و الشروط المتعلقة به يحتل نفس المرتبة التي يحتلها عدم توازن العقد بسبب اختلاف المراكز القانونية ، لأن الطرف الضعيف في العلاقة يتعرض لاستغلال الطرف الأقوى صاحبا الخبرة و هذا، ما أشار إليه الأستاذ “جاك جستان “21

إعادة التوازن إلى العقد :

– إن تقديم المعلومات و البيانات التي يمد بها المنتج المستهلك تمثل ضمانات هامة لحرية التعبير عن القرار و الرضا في العقد ، و في هذا حماية للمستهلك من الإذعان ، فلا يوجد نص قانوني يحمي الطرف المذعن في المرحلة السابقة على التعاقد ، بل نجد الحماية المقررة للطرف المذعن بعد التعاقد، بإعطاء سلطة تعديل الشروط التعسفية و إعفاء الطرف المذعن منها ، و كذلك حمايته بتفسير النصوص في العقد أو تفسير النصوص في العقد لمصلحة المذعن .

محل الالتزام قبل التعاقد بالإعلام :

هذا الالتزام مبني على حسن النية يتضمن جانبين أولهما سلبي و الثاني إيجابي .

– الجانب السلبي – الالتزام بالإعلام فهو عدم كتمان الحقيقة عن المستهلك أما الجانب الإيجابي فهو يتعلق بالإدلاء بالبيانات و المعلومات المتعلقة بوضع الشيء أو الخدمة من الناحية القانونية أو المادية ، وكذلك المتعلقة باستخدام الشيء أو الخدمة محل العقد الاستهلاكي. مما أصاب مبدأ الرضائية بصورة غير مباشرة بشيء من الخلل أعلن عن ظهور صور جديدة من العقود تنتزع رضا الطرف الآخر دون منحه فرصة للتفكير و التدبير .

– إن القواعد العامة لا توفر الحماية الكافية ، حيث أن القواعد العامة في إبرام العقود تفترض المساواة بين المتعاقدين ، كذلك لم يشترط لصحة العقد تحقيق هذه المساواة أو ذلك التوازن.

– اشتراط الشكلية في عقود الاستهلاك:

– القاعدة أن الرضا كافي لإبرام العقود ، و إعمالا لمبدأ الرضائية فإن العقد لا يتطلب شكلا معينا يفرغ فيه ، رضا أطرافه ، إلا أنه و بالنظر للطرف الضعيف فإن المشرع فرض الشكلية في بعض العقود استثناءا ، من الأصل فإذا لم يتم التعبير عن الإدارة في شكل معين وقع العقد باطلا.

– عن اشتراط القانون لشكل معين للعقد يعد قيدا ، على حرية الإرادة لدى المتعاقد و لذلك فاللجوء له يكون بصفة استثنائية ، و في حالات محددة و على سبيل الحصر ، و هي الحالات التي رأى المشرع تنوير إرادة المستهلك لدى المتعاقد ، مثالا : اشتراط الكتابة الرسمية في عقود الهبة ، الشركة ، و الرهن الرسمي، و الرهن الحيازي العقاري .

العلاقة بين الشكل و الإرادة :

يرى بعض من الفقه أن الشكل ذو طبيعة خارجة عن التصرف – أي المظهر الذي تظهر به الإرادة و بالتالي ليس هو العنصر الجوهري للتعرف لأن الجوهرية من خصائص الإرادة ذاتها.

و يتأثر وجود الإرادة باشتراط الشكل كعنصر من عناصر التصرف القانوني ، حيث تكون كل إرادة لم تفرغ في هذا الشكل غير قائمة قانونا أي غير موجودة في نظر القانون.

– يمكننا القول سوءا قديما أو في إطار قانون الاستهلاك أن المشرع جعل جزاء تخلف الشكل في بعض العقود البطلان، اشتراط تحرير العقود بلغة المستهلك أي اللغة التي يفهمها المستهلك.

الفرع الثالث :الحماية العقدية للمستهلك

بعد دراسة المرحلة التي تسبق التعاقد و التي فرض فيها المشرع الجزائري في المادة 17-18 من قانون 03/09 إعلام المستهلك على غرار المشرع الفرنسي حيث انه من خلال فرض التزام قبل التعاقدي على المنتج أو من يمثله بإعلام المستهلك بخواص و طرق استخدام السلعة أو الاستفادة من الخدمة محل المعاملة و بهذا نكون قد اقتربنا من مرحلة إبرام العقد التي سيجمع فيها كل من الطرفين رغبته في التعاقد مع الطرف الآخر بالذات ، و في مرحلة إبرام العقد غالبا ما يكون المستهلك هو ضحية هذه العلاقة ، لأن رضاه في كثير من الحالات لا يكون معبرا عن حقيقة مصالحه ، في الوقت نفسه الذي يحقق فيه الطرف الآخر كل أهدافه بسبب تفوقه العلمي و الاقتصادي ، و كذلك خبرته في مجال المعاملة

– و عليه كان يجب أن تمتد حماية المستهلك لتشمل فعاليات هذه المرحلة بما يتلاءم معها من أنظمة تهدف إجمالا إلى إعادة تنظيم أركان هذا التعاقد في ظل الحماية الواجب توافرها للمستهلك ، إضافة الى العمل على تحقيق التوازن بين التزامات المتعاقدين.

ستتعرض لدراسة العقد الاستهلاكي أو بصفة أدق الحماية العقدية للمستهلك.

1- أركان التعاقد في ظل الحماية الواجب توافرها للمستهلك:

لقد كانت حماية المستهلك قديما تأتي لاحقة لنشوء العقد أما الآن فقد تبني كل من الفقه و القضاء و عدد من التشريعات المعاصرة حماية تكون في المرحلة التي تنتهي بإبرام العقد ، و هذا ما نعيبه على النصوص القانونية التي خصصت لحماية المستهلك الجزائري ، حيث نجدها ركزت على حماية المستهلك قبل التعاقد و إن كانت حمايته غير كافية ، و عليه من الطبيعي أن نتعرض لأركان التعاقد، خاصة ركني الرضا ، و محل العقد المراد إبرامه ، و ذلك في ضوء التفاوت المتزايد في المعرفة بين طرفيه ، رغم أنه في بعض الأحيان قد يصعب على المستهلك العادي أن يتعرف على التفصيلات الفنية و الدقيقة لما سوف يتعاقد بشأنه .

الشروط المتعلقة بإرادة المستهلك :

يشترط أن تكون الإرادة خالية من العيوب ، و كذلك تحررها من الضغوط الواقعة عليها و التي تربط بشكل مباشر بوجود اختلال في التوازن المفترض تحققه في العلم و المعرفة و كذلك في المركز الاقتصادي . بين أطراف العلاقة العقدية المزمع إقامتها ، على نحو قد لا يسمح لهذا المستهلك بمناقشة شروط المتعاقد بكفاءة و فعالية .

السؤال المطروح : ما مدى توافر مبدأ سلطان الإرادة في هذا النوع من المعاملات.

حماية المستهلك في ظل تعارض مبدأ سلطان الإرادة مع مقتضيات التعامل الحديثة :

الأصل في إبرام العقود هو مبدأ سلطان الإرادة ، و الذي مفاده أن ” كل الالتزامات : بل كل النظم القانونية ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة أولا ، و لا تقتصر الإرادة على أن تكون مصدر الالتزامات ، بل هي المرجع الأعلى فيما يترتب على هذه الالتزامات من آثار ثانيا ، إذن فالإرادة الحرة هي التي تهيمن على جميع مصادر الالتزام “21

– و من نتائج مبدأ سلطان الإرادة كل من مبدأ الحرية التعاقدية و الذي يعد مبدأ الرضائية من أهم مظاهره ، و مبدأ العقد شريعة المتعاقدين الذي يعني أن الإرادة هي أساس القوة الملزمة للعقد .

أ- الحرية التعاقدية :

و هذا المبدأ يحكم فترة انعقاد العقد ، و يقصد به حرية إقامة علاقة عقدية ، و حرية اختيار الطرف الآخر في هذه العلاقة ثم حرية تحديد مضمون العقد و شروط التعاقد .

و يفترض كذلك في هذا وجود حرية كاملة لاختيار بين بدائل كثيرة و متاحة فضلا عن القدرة عن المفاوضة و المساومة .

و عليه فإن الإرادة الحرة للمتعاقدين هي التي تخلق العقد و تحدد محتواه ، و ما يترتب على ذلك من آثار: و بمعنى آخر ، فإن الالتزامات العقدية لا تنشأ إلا إذا توجهت الإرادة إلى إنشائها ، و في الحدود و بالقدر الذي تتجه إليه ، فإرادة الإنسان حرة بطبيعتها و لا يمكن أن يتقيد الإنسان إلا بإرادته ذاتها ، أي أن كل من الطرفين له كامل الحرية في إبرام العقد .

لكن هناك ما يقيد مبدأ الحرية التعاقدية و هو ما يدعى بعقود الإذعان و كيفية حماية المستهلك إزاء ذلك.

– كذلك أهمية الوقوف على ما مدى الحاجة إلى امتداد الحماية القانونية للعقود التي تتم بطريق الإذعان إلى عقود الاستهلاك.

أوجه تقييد مبدأ حرية التعاقد في عقود الإذعان :

إن الأسباب التي تمثل تقييدا على مبدأ الحرية التعاقدية تلك الأسباب التي تنال من حرية المستهلك لدى تكوين قراره بالتعاقد و كذلك الأسباب التي تسلبه حريته في تحديد مضمون العقد و شروطه ، و خير تطبيق لهذه الأسباب مجتمعة ، هي العقود التي تتم بطريق الإذعان ، فهي تتعلق بسلع أو خدمات تعتبر من الضروريات بالنسبة الى المستهلكين أو المنتفعين ، مثل : التعاقد مع شركات الكهرباء ، الماء ، الغاز – و كذلك عقود النقل بالوسائل المختلفة ، حيث أن الطرف المذعن المستهلك لا يملك سوى التسليم بهذه الشروط.

– إن غياب القدرة على مناقشة شروط العقد هنا لا يرجع إلى التفاوت في الخبرة و المعرفة بين الطرفين، و الذي سبق دراسته ، في الإعلام و كذلك في بتوفره في الإشهار .

– حتى نكون أمام عقد إذعان يجب أن يكون الموجب في وضع اقتصادي احتكاري سواء كان هذا الاحتكار قانونيا أو فعليا ، و عليه برز في هذا النوع من العقود طرف يعجز عن مناقشة شروط عقد يتعلق بسلعة أو خدمة ضرورية ، حيث اشترك المستهلك في علاقة اتسمت بعدم التوازن منذ بديتها في الوقت الذي يتمتع فيه طرفها الآخر بمستوى عالي من العلم و المعرفة و يحتل مركزا اقتصاديا متفوقا – على نحو يسمح له بالانفراد بتحرير العقد و بنوده وفق مصالحه و أهدافه –

إن مصدر الخطورة في عقود الإذعان يرجع إلى أن الإيجاب فيها يغلب أن يكون في صيغة مطبوعة، تحتوي على شروط مفسرة لا تجوز فيها المناقشة ، و تكون في مصلحة الموجب

فهي تخفيف عن مسؤوليته التعاقدية ، و تارة أخرى تشدد في مسؤولية الطرف الأخر ، و في أغلبها عقود معقدة يصعب فهمها من عامة الناس .

القاعدة أن العقد يقوم على المساواة و القدرة على التفاوض ، عن الرضا في هذه العقود موجود لكنه مفروض و ليس اختياره .

حماية المستهلك في مواجهة عقود الإذعان :

إذا تم العقد بطريق الإذعان و تضمن شروط تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، و ذلك وفقا لما تقضي به العدالة و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ، لكن هذا لا يعني ارتباط الشروط التعسفية بعقود الإذعان فرغم التشابه بينهما إلا أنه يظل لكل منهما ذاتيته المستقلة و مجاله و أثاره ، فعقود الإذعان تتطلب احتكار و تفوق اقتصاديا ، بينما العقود الأخرى تتضمن شروط مجحفة أو تعسفية و حماية المستهلك منها في ضوء عدم التوازن ، الذي أصاب العلاقات العقدية ليست محصورة في نطاق هذا الإطار الضيق ، إن إنفراد الطرف القوي بصيغة العقد و وضع شروطه حتى لو كانت تعسفية أمر لا يكفي في حد ذاته للقول إننا بصدد عقد من عقود الإذعان بالمعنى الحقيقي ، غير انه يمكن أن يكون العقد من عقود الإذعان و يأبى الطرف القوي – مثالا – الحكومة أن يضمنه شروط تعسفية بل يحرص على توفير السلعة أو الخدمة بأقل تكلفة و أقل مجهود .

لا يوجد هناك ما يحول دون قيام هذا النوع من العقود و لا يوجد ما يمنع من تفوق احد الأطراف عن الأخر و عليه يمكن الحماية من الآثار الضارة التي قد تترتب على العمل في هذه العقود و للقضاء السلطة الواسعة.

ضرورة امتداد الحماية القانونية المقررة للعقود التي تتم بطريقة الإيذعان إلى عقود الاستهلاك :

إن عقد الإذعان يمثل أوضح حالات ضعف أحد طرفي التعاقد في مواجهة الطرف الأخر ، فعن التفاوت في الخبرة و العلم في مجال المعاملة بين الطرفين المقبلين على التعاقد ، يعد حاليا من أهم ظواهر الضعف التعاقدي الذي يجب إن يتصدى لها المشرع و القضاء.

وهذا يعني أنه لا بد من استعمال كل الوسائل لنشر ثقافة استهلاكية تتماشى مع متطلبات العصر.

المطلب الثاني: الإشهار

هو فن مباشرة تأثير نفسي على المستهلك يحمله على التعاقد تحقيقا لغايات تجارية، أي يقصد من ورائه تحقيق الربح، وهو كل ما يقوم التاجر وغيره بنشره في الصحف والسيارات في نشرات خاصة، تعلق على الجدران أو توزع على الناس وكل ما يريد إعلانه ترويجا له3، وهو كذلك مجموعة من الوسائل المستخدمة بقصد التعريف بمشروع صناعي أو تجاري أو امتداح منتوج ما.

للإشهار دورا هام في تنمية المشروعات الاقتصادية وتسويق منتجات معينة، ويشترط فيه أن يكون إشهارا صادقا صريحا. “l’exigence d’une publicité qui doit être loyale et véridique” وهو أحد أوجه الاتصال التجاري أي أنه يعد من العناصر الأربعة لتدخل في السوق أو بعبارة أخرى تسويق البضائع “marketing mix” المنتوج، السعر، التوزيع، الاتصال. وعليه يجب الإعلام عن وجود منتوج بثمن محدد، و مقداره ووفرته في السوق، والحث على شرائه، وهذا من مهام الإشهار الأولى.

لكن لبلوغ هذا الهدف، والوصول للمشتري العادي وإغرائه، وتعديل سلوكه، باستعمال طرق غير مباشرة ومعلومات مبالغ فيها لتأثير النفسي، أو باقتناء المعلومات المقدمة لتعديل أحكام المتلقين4، هذا العصر هو عصر الإنتاج الكبير، و الاستهلاك الواسع الذي لا توجد له حدود، إن بعض المجتمعات دخلت عصر الاستهلاك الكبير حتى قبل دخول مرحلة الإنتاج الكبير، مما أدى إلى عدم وجود توازن بين الإنتاج والاستهلاك، وهذا كان نتيجة نقل عادات وأنماط معيشة كثيرة، تفوق العادات البسيطة للاستهلاك، لأن نقل الأنماط الاستهلاكية أو الثقافة الاستهلاكية من الناحية العملية، أيسر بكثير من نقل التكنولوجيات الحديثة، وإعداد اليد العاملة الكفء لذلك. هذا يتطلب إمكانيات جمة، وتوفير نظام خاص، أي اجتماع ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية معينة.

الإشهار هو من سمات العصر وله دورا هاما في دفع عجلة الإنتاج، فالنمط الحالي للمجتمع الصناعي والاقتصادي يستلزم وفرة المعلومات وتدفقها وانسيابها.

المشروعات أصبحت تعتمد الإشهار كأحد ركائز هذه المنافسة، لأنه يعد أحد الأدوات المشروعة لإثبات وجودها وتدعيم قدرتها على المنافسة، يستمد أهميته من كونه مصدرا للمعلومات المقدمة للمستهلكين، فالحق في التعريف بالمنتجات، حق مكتسب، فالمعرفة والعلم بالمنتجات والخدمات أصبح من الحقوق الأساسية، وهذا ما أكده قانون الاستهلاك 09-03،5 فإن المعرفة الناقصة أو المزيفة أو الكاذبة تحول دون حرية التمسك بالحق المكتسب للمستهلك.

وعليه سنركز في هذه الدراسة على الإشهار الكاذب والإشهار المضلل وكيفية حماية المستهلكين والتجار منه. وهذا من خلال التقسيم التالي:

الفرع الأول: تعريف الإشهار الكاذب والمضلل والتفرقة بينهما

إن الإشهار يهدف إلى ترويج المبيعات أو الخدمات بقصد تحقيق الكسب المادي. ويعرف الإشهار بأنه مجموعة من الوسائل المستخدمة بقصد التعريف بمشروع صناعي أو تجاري أو امتداح منتوج ما، وقد عرفه المشرع الجزائري في المادة 3 من قانون 04.02 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية:

المادة 3 /ف 3: “الإشهار هو كل إعلان يهدف بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى ترويج وبيع السلع أو الخدمات مهما كان المكان أو وسائل الاتصال المستعملة7”

ويشترط فيه أن يكون صادقا صريحا غير مخالف للقانون، والإشهار الكاذب يعرفه أغلب المشرعين بأنه نشر معلومات خاطئة، أما الإشهار المضلل هو الذي يؤدي إلى تغليط المستهلك سوءا باستعمال الكذب أو دون استعماله، وعرفه المشرع الجزائري في المادة 28 من قانون 02-04 – “دون الإخلال بالأحكام التشريعية والتنظيمية الأخرى المطبقة في هذا الميدان، يعتبر إشهارا غير شرعي وممنوعا، كل إشهار تضليلي، لاسيما إذا كان:

1- يتضمن تصريحات أو بيانات أو تشكيلات يمكن أن تؤدي إلى التضليل بتعريف منتوج أو خدمة أو بكميته أو وفرته أو مميزاته.

2- يتضمن عناصر يمكن أن تؤدي إلى الالتباس مع بائع آخر أو مع منتجاته أو خدماته أو نشاطه.

3- يتعلق بعرض معين لسلع أو الخدمات في حين أن العون الاقتصادي لا يتوفر على مخزون كاف من تلك السلع أو لا يمكنه ضمان الخدمات التي يجب تقديمها عادة، بالمقارنة مع ضخامة الإشهار”.

– الإشهار الكاذب:

القاعدة أنه لا توجد حقيقة مطلقة في الإشهار فالكذب منتظر فيه، ما دام لا يلحق ضرر بالمستهلك، أي لا يؤدي إلى التغليط وهذا يعني أنه لا يمكن تصور إشهار خالي من الكذب، لكن السؤال المطروح إلى أي درجة يجب أن يصل إليها الكذب حتى تتم المعاقبة عليه.

– علاقة الإشهار بالحقيقة:

وهذا متعلق بالعلاقة بين شهوات المستهلكين وملكية الأشياء المعروضة التي تتفق مع رغباتهم.

مثال: إذا كان الإشهار يريد إبداء صلابة الشيء المعروض للبيع فإنه يستعمل جميع الوسائل والإغراءات لإقناع المستهلكين وحثهم على شراء هذا المنتوج لصلابته.[*]

– المعاقبة على الكذب المبالغ فيه: “l’impunité du mensonge hyperbolique”9 [*]

إن المحاكم تأخذ بعين الاعتبار الجمهور الموجه إليه هذا النوع من الإشهار، إن القانون لا يمنع الإشهار الكاذب المبالغ فيه، “Hyperbolique” الذي يقدم بصورة ساخرة، هزلية “parodie ou l’emphase” وهذا شرط أن لا تؤدي المبالغة في البقعة الضوئية الإشهارية “Spot publicitaire “إلى تغليط المستهلكين، وهذا ما اعتمده الفقه الفرنسي. يعتبر غير مشروع استعمال عبارات مبالغ فيها، كاستعمال عبارة ( ” الأحسن في العالم”، “meilleur au monde”)، وعبارة (“الشراء بدون مقابل”، “Achat gratuit”)، وهذا النوع من الإشهار غير مشروع ومعاقب عليه قانونا القانون يعاقب على الكذب الذي يمكن تقديره موضوعيا.10

إن الدين والأخلاق يدينان الكذب المطلق، لكن القانون لا يرتب آثارا مدنية أو جنائية على الكذب إلا بشكل جزئي، وهذا عندما يبلغ حدا يمس بالعلاقات الاجتماعية أما بالنسبة للإشهار الكاذب، يشترط أن تكون الواقعة المزعومة كاذبة من الناحية الموضوعية، حتى نتمك من إثباتها بالاستعانة بخبير لإثبات الكذب ويجب كذلك أن يتعلق الكذب بمسائل حددها المشرع.

إذا تعلق الأمر بالكم أو الوزن مثال: إذا كان الإشهار الخاص بأحد المنتجات يحدد فيه الوزن 500غ في حين أنه لا يزن سوى 450غ فهذا كذب يتعلق بحقيقة موضوعية “réalité objective” ويمكن التأكد منها، أما الصعوبة فهي تتعلق بالحقيقة النوعية أو الذاتية “réalité subjective” حيث يصعب التأكد منها، أي من صحة الإشهار وصدقه، مثال: كأن يذكر بالبقعة الإشهارية (الومضة الإشهارية) أن هذا المنتوج هو الأفضل على الإطلاق.

نسبية الحقيقة في الإشهار:

يجب أن نسلم بصفتنا قانونيين أنه في مجال الإشهار يصعب أن يكون الصدق بالمعنى الاصطلاحي المفهوم من كلمة الصدق، لأنه حتى وإن كانت الأوصاف التي يقدمها على المنتوج صحيحة فهي لا تقدم إلا جانب من الجوانب وهو الأفضل والأحسن مع المبالغة في ذكر هذه المحاسن باستعمال التقنيات الحديثة للاتصال، لأنه يستحيل من الناحية الواقعية

والعملية أن يذكر المعلن مزايا وعيوب المنتوج في نفس الوقت. وهذا مخالف لقواعد الإشهار لأن هدفه الأول هو إغراء المستهلكين.

وعليه اتفق جميع المشرعين الذين سبقونا في تنظيم هذا الميدان باعتباره من سيمات العصر أنهم لا يطلبون من المعلن تقديم الحقيقة الموضوعية الكاملة، لكن يشترطون فقط أن لا يقدم المعلن إشهارا كاذبا أو مضللا.

فالإشهار يجب أن يكون صادقا في الحد الممكن انتظاره إنسانيا من المعلن ما دام لم يلحق ضرر بالمستهلك، لأنه لا توجد حقيقة مطلقة في الإشهار.

الفرع الثاني : الإشهار المضلل

الإشهار المضلل يؤدي إلى تغليط المستهلك أو من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، سواء باستعمال الكذب أو بدونه، عن قصد أو دون قصد حتى وإن كان بإهمال، لكن العكس ليس صحيح، الإشهار الكاذب la publicité mensongère يشترط فيه وجود كذب الذي يؤدي إلى غش المستهلك،الإشهار المضلل يوجد في نقطة تقع بين الإشهار الصادق والإشهار الكاذب.

الفرق بين الإشهار الصادق والكاذب جائز، أما الفرق بين الإشهار الكاذب والمضلل غير جائز، لأنه فارق في الدرجة وليس في الطبيعة.

– تعريف الإشهار المضلل:

يكون الإشهار مضللا عندما يكون له طابع تضليلي وهذا يعني أن محتواه بطبيعته يؤدي إلى التغليط.

الإشهار المتنازع فيه قد ينزلق إلى الغش “tromperie”.

– تعريف الغش “définition de la tromperie”:[*] 11

ويقصد بالغش لغويا “غششه تغشيشا بمعنى غشه عن حاجته، غشا لم يمحصه النصح وأظهر له خلافا لما عليه الحقيقة وزين له غير المصلح”، لكن المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي لم يذكر تعريفا محددا للغش وترك ذلك للفقه، لكن ما يستخلص من نص المادة 429 قانون العقوبات الجزائري، الغش هو كل تغيير في الطبيعة أو الصفات الجوهرية أو التركيب أو في النوع أو في المصدر.12

تزين الغش غير المصلحة مصلحة وإظهار الشيء على خلاف حقيقته، أي إبداء الشيء للمشتري على غير طبيعته.

– تقدير التضليل:

لتقدير الطبيعة المضللة للإشهار يجب الأخذ بمعيارين، معيار ذاتي “Subjectif” ومعيار موضوعي”objectif”

– المعيار الذاتي:

يقاس التضليل الذي يتعرض له المتلقي عند الأخذ بالمعيار الذاتي بطريقة ذاتية، يأخذ فيها بشخصية المتلقي، ويقاس هذا التضليل بطريقة مجردة عند الأخذ بمعيار موضوعي لأنه في المعيار الذاتي ينظر إلى شخصية المتلقي، وليس إلى التضليل في حد ذاته ويتم تحديد التضليل من خلال شخص المتلقي، قد يكون ذكي يتميز بالفطنة، وقد يكون دون ذالك، وبناءا عليه يكون الإشهار مضللا في الأولى إذا خدع الشخص شديد الفطنة، ويعتبر كذلك في الحالة الثانية إذا كانت درجة الذكاء واليقظة قليلة، وقد يكون الملتقى إنسان عاديا(أي مستهلك متوسط “consommateur moyen”)13.

ولا يعد الإشهار مضللا إلا إذا كان يقع فيه عامة الناس. إن هذا المعيار يعاب عليه أنه غير دقيق ويقتضى البحث في شخصية المتلقي، نسبة ذكائه، فطنته، …الخ وهو أمر خفي يصعب على القاضي التأكد منه بدقة، لأنه يختلف من شخص إلى أخر، ورغم هذا نجد بعض المحاكم الفرنسية أخذت بهذا المعيار الذاتي inconcreto “

– المعيار الموضوعي: “in abstracto”

وفي هذا المعيار يجرد المتلقي من ظروفه الشخصية ، حيث يأخذ بالمستهلك المتوسط الذي يمثل جمهور الناس، فلا هو خارق الذكاء ولا شديد اليقظة ولا هو محدود الفطنة “vulnérable” أي المستهلك الضعيف الذي يحتاج إلى حماية خاصة وفي هذا المعيار المجرد يعفى القاضي من البحث عن ما هو كامن في النفس، وهو معيار لا يختلف في تطبيقه من شخص إلى آخر، فالتضليل أو الخداع واحد بالنسبة إلى جميع الناس، يستوي في ذلك أن يكون ضحية الإشهار المضلل شخصا ذكيا أو غبيا، وأغلبية أحكام القضاء تتبنى المعيار المجرد، حيث يضع القاضي نفسه مكان المستهلك المتوسط، عند تحديد الطبيعة المضللة للإشهار14.

الإشهار الذي لا يذكر بيانات كاذبة ولكنه يصاغ في عبارات تؤدي إلى خداع الجمهور يعتبر إشهار مضلل، فالتضليل لا يقوم إلا متى كان من شأن هذا الإعلان تضليل المستهلك العادي (المتوسط). فالإشهار الذي يتضمن مثلا بيانات صحيحة في ذاتها، ولكنه يعطي انطباعا إجماليا زائفا أو مخادعا يعتبر إشهارا مضللا15.

مثال: أن يذكر في الإشهار أن السجاد الشرقي المعروض للبيع في فرنسا قادم من الجمارك، لكن السجاد مستورد من إيران، إلا أنه ذكر عبارة أن هذا السجاد قادم من الجمرك هذا يثير في ذهن المتلقي العادي أن ثمن البيع رخيص نسبيا بحكم خضوعه لنوع من المصادرة أو البيع في المزاد من جانب مصلحة الجمارك، وهذا غير صحيح. دون أن يكون في استطاعة المعلن أن يزعم أنه لم يقصد إثارة هذا الانطباع لدى المتلقي للإشهار، وأن كل بضاعة مستوردة تمر عبر الجمرك حتما16، ويعتبر إشهارا مضللا قيام إحدى الشركات بالإعلان عن إنتاجها من شراب الفاكهة “boissons aux fruits” الذي يحمل علامة تجارية لتمييزه هي (جوكر “joker”) وهذا يوقع في الخلط بينه وبين منتج آخر عبارة عن عصير فاكهة “jus de fruits” يحمل

اسم (جوكر “joker”) وحتى يتم الخلط عمدت الشركة إلى لصق إعلانات على وسائل النقل العام في المدن تحمل حروف اسم إنتاجها من الشراب مكتوبا بنفس الحجم واللون ودرجة ميل الحروف الذي كتب به اسم العصير، مع العلم أن هناك فرق بين الشراب والعصير.17

حيث أن شراب الفاكهة يمثل العصير نسبة 50% منه فقط والباقي ماء على حين أن عصير الفاكهة لا يحتوي على أي نسبة ماء مضافة، واعتبر القضاء كذلك قيام إحدى الشركات بطرح عصير برتقال يحمل تسمية “tang” مع وضع صورة برتقالة على العبوات في الإشهار مما يوحي أن العصير طبيعي، وهذا يعتبر تضليل بما أن مكونات العصير صناعية بالكامل، ولا يغير شيء قيام المعلن بكتابة المكونات التي أعطت انطباعا مغايرا للحقيقة[*].

وكذلك يعتبر إعلانا مضللا قيام شركة “royco” برسم صورة لنوع فاخر من الأسماك “la daurade” عند الإعلان عن شربة سمك، في حين أن هذا النوع الفاخر لا يدخل في مكونات الشربة، ولم يتم ذكر ذلك فوق غلاف الشربة رغم هذا اعتبره القضاء الفرنسي إعلانا مضللا. [*]

وقد يكون الإشهار مضللا بطريق الترك بأن يغفل عمدا أو سهوا الإشارة إلى بينات جوهرية في التعاقد الذي يريد حث الجمهور على إبرامه، بشكل يبرز فيه المزايا ويتجاهل فيه بعض الالتزامات وهذا ما يجعل المتلقين ينتظرون ما لم يقدمه المعلن بالفعل، والتضليل بطريق الترك هو كذب، ولكنه كذب سلبي، على خلاف الكذب الإيجابي الذي يتمثل في ذكر معلومات أو بيانات أو أوصاف أو خصائص أو وقائع غير صحيحة لكن الأثر أو النتيجة واحدة في الحالتين.18

الخاتمة :

إن الإشهار الصادق و الصريح يجب أن يكون خليا من الكذب و التضليل كما تعرضنا لضوابطه و مقوماته على نحو يحقق الحماية للمستهلك في المرحلة التي تسبق إبرام العقد ، لأنه هو نشاط صادرا من المتعاقد الأخر و غايته تتمثل في تحقيق الربح بصفة أساسية ، و لذلك ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى اعتبار الإشهار الذي صيغته أساسا تهدف إلى حث المستهلكين على التعاقد ، هو في نفس الوقت يحتوي على بعض المخاطر التي تضر بالمستهلكين ، ذلك أن أساليب الإغراء في الإشهار من شأنها أن تخلق نمط استهلاكيا لا يتماشى مع الثقافة الوطنية .

الآثار الإيجابية للإشهار

و هذه الآثار تتعلق بالمجتمع بصفة عامة ، ومنها ما يتعلق بالمستهلك بصفة خاصة .

-يعد الإشهار أداة من أدوات تعريف مجموع المستهلكين بخصائص و سمات السلع و الخدمات المعروضة في السوق و أساليب استخدامها ، و كيفية الاستفادة منها ، بالإضافة إلى وسائل تجنب الأخطار الكامنة فيها ، خاصة المنتجات الحديثة .

-يمثل الإشهار الصادق نوع من الحماية الوقائية للمستهلك ، حيث يعطي المعلومات الكافية عن المنتوج و هو الأمر الأكثر أهمية في مرحلة تكوين الرضا بالعقد، مدى ملائمة السلعة أو الخدمة المعروضة للغرض الذي سيتم التعاقد من أجله .

-إن توفر معلومات و بيانات صحيحة لدى المستهلك عن السلع و الخدمات يساعده على التقييم الجيد لها ،و يقوم بعقد مقارنة بينها ليختار الأكثر ملائمة ،و هو ما يؤدي بالضرورة إلى إنشاء تعاقد قائم على أساس سليم ناتج عن اختيار واعا مدرك .

إن الثقافة الاستهلاكية تلعب دورا كبيرا في توعية المستهلك و مساعدته في اختيار المنتجات و الخدمات المقدمة له، و كذلك حرية الإرادة و خلق التوازن في الرابطة العقدية .

المراجع:

1 -هبة فؤاد علي، اتجاهات المستهلكين نحو دولة المنشأ و أثرها على تصميم المزيج التسوقي، القاهرة:المنظمة العربية للتنمية الإدارية،2004 ص ص150،181

2-أحمد محمد محمود خلف، الحماية الجنائية للمستهلك في مجال عدم الإخلال بالأسعار و حماية المنافسة و منع الاحتكار، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2008.ص ص4،18.

3- عبد الله حسين على محمود . حماية المستهلك من الغش التجاري و الصناعي، الطبعة الثاني سنة2002.،(دار النهضة العربية).

4- DAYAN, Armand. La publicité, Paris ,éditions PUF,1985, paris p.5,(collection:Que sais- je)

5-GUINECHARD,shge. Publicité commercial et protection des consommateurs,Paris, juris classeurs, éditions chniques,fasc.900,1986.

6- قانون رقم 09-03الصادر في 29صفر عام1430 الموافق 25 فبراير سنة 2009يتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش.

7- قانون رقم 04-02 الصادر في 05 جمادي الأول عام1425الموافق 23 يونيو 2004 يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية .

8- عبد الفضيل مجمد أحمد ، الإعلان عن المنتجات و الخدمات من الوجهة القانونية، سنة 1991، (المطبعة العربية الحديثة مصر).

9- DURANDIN G. Les mensonges en propagande et en publicité, Paris, éd. PUF, 1982, p.2.

10-Le Dictionnaire actuel de la langue française, Paris, Flammarion ; quiet, Paris, 1985.

11-JACQUES-HENRI (R.).Traité de droit pénal des affaires, Paris,PUF, 2004, p359.

12-CORNU, Gérard. Vocabulaire juridique, Paris, éd.PUF.2007.

-13بليمان يمينة، الغش في النوعية في القانون الجزائري المقارن ،رسالة ماجيستير ، جامعة منتوري قسنطينة سنة 2001/2002،ص ص1 2

14- عباس أحمد محمد الباز ، أحكام المال الحرام ، دار النفائس ، الطبعة الأولى ، الأردن سنة1988،ص60

13-CALAIS-AULOY (J.), STEINMETZ (F.). Droit de la consommation, Paris,Dalloz, 7éme éd., 1998,p.111.

15-عبد الفضيل محمد أحمد . المرجع السابق ،ص ص 176،178.

16-القاضي أنطوان الناشف .الإعلانات و العلامات التجارية بين القانون و الإجتهاد دراسة تحليلية شاملة ،سنة1999،(منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت )، ص ص93 94.

17-FOURGOUX, J .C. Droit de la consommation, op.cit.p.c18.

18- PICOD, Y. DAVO, H. droit de la consommation, op.cit.p69.

19- ibid. p. p69 70

20- مرسوم تنفيدي رقم90-39المرجع السابق .

21- عمر محمد عبد الباقي.الحماية العقدية للمستهلك ، سنة2004 ،(منشأة المعارف الإسكندرية ) ص128.

22-عبد الفضيل محمد أحمد . المرجع السابق ،ص236

23- د. شيرزاد عزيز سليمان ، عقد الإعلان في القانون ، الطبعة الأولى ، سنة 2008 (دار الدجلة الأردن) ،ص160.

24-المرجع نفسه ص ص161 ،162 .

25- عبد الله حسين علي محمود . المرجع السابق ، ص ص98 ،99 .

26-عبد الفضيل محمد أحمد .المرجع السابق ،ص254 .

27-عبد الله حسين علي محفوظ .المرجع السابق ،ص ص102 ،103.

28-عبد الرزاق أحمد السنهوري . الوسيط في شرح القانون المدني نظرية الالتزام بوجه عام ،سنة1966 ،(دار النهضة العربية) ص351.

29-عبد الفضيل محمد أحمد . المرجع السابق ، ص ص273 ،274.

30-عبد الرزاق أحمد السنهوري . المرجع السابق ، ص ص342 ،343.

31- القاضي فريد زغبي . الموسوعة الجزائية ، المجلد 11 ،ص152.

32-عبد الفضيل محمد أحمد .المرجع السابق، ص287 .

33-معوض عبد التواب، الوسيط في شرح جرائم الغش والتدليس وتقليد العلامات التجارية ، مصر سنة 1985 .

بقلم ذ بليمان يمينة

أستاذة بكلية الحقوق

إغلاق