دراسات قانونيةسلايد 1

التعبير عن الإرادة في التعاقد الالكتروني (بحث قانوني)

أثير في ميدان العلاقات القانونية للتجارة الالكترونية، مسألة التعبير عن الإرادة بالطرق الالكترونية أو ما اصطلح عليه بالتعاقد الالكتروني، فالعلاقات التجارية التقليدية قامت منذ فجر النشاط التجاري على أساس الإيجاب والقبول بخصوص أي تعاقد، وكذا التواجد المادي لطرفي العلاقة في مجلس عقد موحد، وإلى هذا الحد فإن قواعد تنظيم النشاط التجاري، بقيت قادرة على الإحاطة بمتطلبات تنظيم التجارة.

إذ بالرغم من تطور نشاط الخدمات التجارية والخدمات التقنية واتصال الأنشطة التجارية بعلاقات العمل والالتزامات المتعلقة بالإمداد والتزويد ونقل المعرفة أو التكنولوجيا، فإن القواعد القانونية الناظمة للأنشطة والعقود التجارية، أمكنها أن تظل حاضرة وقادرة على محاكاة الواقع المتطور والمتغير في عالم التجارة. لكن الأمر يختلف بالنسبة للتجارة الالكترونية،

والتغير ليس بمفهوم النشاط التجاري، وإنما بأدوات ممارسته وطبيعة العلاقات الناشئة في ظله، حيث تهيمن التقنية العالية على آلية انعقاد النشاط التجاري وإنفاذه. ذلك أن المعاملات التي تتم عن بعد، في عالم رقمي، عبر فضاء افتراضي مصطنع لا يعرف غير الأرقام والبيانات[1]، مما خلق تحديا أمام النظم القانونية بخصوص جواز هذا الشكل الجديد من أشكال التعاقد، وهل يمكن اعتباره مجرد نشاط تجاري بين غائبين يمكن أن تنطبق عليه نصوص التعاقد بين غائبين المقررة في التشريعات المدنية؟ أم أن الأمر يستلزم وضع قواعد جديدة ؟

ولأخذ نظرة شمولية عن التعبير عن الإرادة في التعاقد الالكتروني، لابد من أن تشمل الدراسة عنصري الرضا في التعاقد بشكل عام، وهما الإيجاب والقبول، الإيجاب الالكتروني من مقدم الخدمة أو المعلن عن السلعة، والقبول الالكتروني المقدم من الزبون، طبعا مع الشرط الوارد في القواعد العامة بخصوص اقتران الإيجاب بالقبول وتطابقهما مطابقة تامة.

لذلك سوف يتم تقسيم هذه المداخلة إلى مبحثين، كل مبحث منهما سيتناول بقليل من التفصيل أحد العنصرين الواردين في باب التعبير عن الإرادة في العقود التجارية وهما الإيجاب والقبول، وذلك وفق الشكل التالي: تصدير الإيجاب في العقد الالكتروني (المبحث الأول). إعلان القبول في العقد الالكتروني (المبحث الثاني).

المبحث الأول

تصدير الإيجاب الالكتروني

تكمن السمة الخاصة لعقود التجارة الالكترونية في إمكانية ترويج وتبادل السلع والخدمات وإتمام الصفقات باستخدام وسائل الاتصال وتكنولوجيا تبادل المعلومات عن بعد، لاسيما استعمال شبكة المعلومات الدولية للانترنت دون حاجة لانتقال الأطراف أو التقائهم في مكان معين. فالعقود المبرمة عبرها لا تمكن من التعاصر المادي لطرفي العلاقة.

ولقد واكب اللجوء إلى التقنية العالية في إبرام التعاقدات وانجاز مختلف المعاملات، ظهور أنماط وصيغ جديدة للتعبير عن الإرادة، وخاصة في حقل التجارة الالكترونية. حيث تتميز العقود المبرمة باستخدام وسائل أو وسائط الكترونية بخصائص تميزها عن العقود التي تبرم بين متعاقدين يجمعهما ماديا مجلس العقد.

فتختلف طرق التعبير عن الإرادة في العقود الالكترونية عن تلك المتبعة في إبرام العقود التقليدية. كذلك الأمر بالنسبة لعنصري المكان والزمان فلكل منهما خاصيته في كلا العقدين.

ويتقاطع الإيجاب الالكتروني كعنصر للتعبير عن الرضا في العقود الالكترونية، في عديد من الأمور مع الإيجاب المقدم بطرق تقليدية، إن على مستوى المضمون والخصائص (المطلب الأول)، وإن على مستوى عنصري الزمان والمكان ( المطلب الثاني).

المطلب الأول

خاصية الإيجاب الالكتروني

غالبا ما يصادف المرء عند تفحصه علبته الالكترونية وجود كميات كبيرة من الرسائل الالكترونية المتضمنة لعروض فحص عمليات بيع أو شراء أو قرض أو تقديم خدمة. كما قد تفتح أمامه نوافذ إشهارية متضمنة سلعا أو خدمات مقابل أثمان وشروط تنافسية، مما يطرح معه السؤال حول الطبيعة القانونية للإعلانات المقدمة عبر الانترنت أو وسائل الاتصال الأخرى؟ وبمعنى آخر هل تعتبر تلك العروض والإعلانات إيجابا الكترونيا مقدما بغرض التعاقد؟

كما أنه ثمة مشكلة حقيقية تتعلق بتوثق المستخدم من هوية المعلن صاحب الإيجاب وذلك حتى يتأكد من حقيقة وجود عرض جدي مقدم بغرض التعاقد؟

الفقرة الأولى: التفرقة بين الإيجاب والإعلان.

ساهمت التقنية العالية في ظهور سلع غير تقليدية، تتميز عموما بالكثرة والتنوع، مع تميز كل ماركة أو موديل عما يسبقه بإمكانات مميزة ومتعددة. بحيث أن الأمر أصبح بالغ الصعوبة بالنسبة إلى المستهلك العادي، في تمييز أية سلعة من السلع المعروضة عليه، وهو ما يجعل الإيجاب في العقد الإلكتروني يتمتع بخصوصية تميزه عن باقي المفاهيم القريبة، ومنها الإعلان الالكتروني.

ويلاحظ أن ثمة فرق بين الإيجاب الإلكتروني والإعلان الإلكتروني، فالإيجاب بصورة عامة، هو تعبير بات عن الإرادة الأولى التي تظهر في العقد عارضة على شخص آخر إمكان التعاقد معه، ضمن شروط معينة، بحيث إذا اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد.

وعرف بعض الفقه الإيجاب في العقد الالكتروني بأنه تعبير عن إرادة الراغب في التعاقد عن بعد، حيث يتم من خلال شبكة دولية للاتصالات بوسيلة مسموعة مرئية، و يتضمن كل العناصر اللازمة لإبرام العقد، بحيث يستطيع من يوجه إليه أن يقبل التعاقد مباشرة[2].

أما الإعلان الإلكتروني، فهو شكل من أشكال الاتصال في إطار تجاري أو صناعي أو فني، بهدف الدعاية إلى توريد أشياء أو خدمات[3].

وقد اختلف الرأي في الفقه في تعيين الحد الفاصل بين الإيجاب والإعلان. فاعتبر البعض أن الإعلان لا يعتبر إيجابا، و إنما هو مجرد دعوة إلى التعاقد، و ذلك بسبب عدم تعيين الشخص المقصود في الإعلان أو بالإيجاب، فضلا عما قد يتضمنه الإعلان من ضغط معنوي على المستهلك يستحثه على شراء السلع، بينما ينتفي هذا الضغط بالنسبة إلى الموجب حالة حدوث أي طارئ على الخدمة أو السلعة حتى يتمكن من تعديل وتصويب الأوضاع، مثل ارتفاع الأسعار، أو نفاذ الكمية، أو أي طارئ آخر، فكل ذلك لا يرتب أية مسؤولية عليهم لأن الذي تم إرساله ما هو إلا إعلان دعوة للتعاقد وليس إيجابا.

واعتبر بعض الاجتهاد أن طرح مناقصات التوريد وغير ذلك من البيانات الموجهة إلى الجمهور أو الأفراد كالنشرات والإعلانات، لا يعتبر إيجابا وإنما مجرد دعوة إلى التعاقد[4].

أما الرأي الثاني فيعتبر أن الإعلان الموجه للجمهور، عبر تقنيات الاتصال عن بعد، يعتبر إيجابا موجها إلى الجمهور إذا تضمن العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه، كأن يتم تحديد السلعة أو الخدمة تحديدا تاما نافيا للجهالة، وأن يحدد الثمن، أما إذا لم يتضمن الإعلان ذلك، فإنه مجرد دعوة إلى التعاقد[5].

وعلى مستوى التشريع، نص القانون الفرنسي الصادر في 21 يونيو 2004 والمعنون ” من أجل الثقة في الاقتصاد الرقمي ” في مادته 20 على أن ” أي إعلان إشهاري يجب أن يكون مشفوعا بطبيعته وبطبيعة الأشخاص الذاتيين أو المعنويين المعنيين بهذا الإشهار”، كما أوجبت المادة 21 من نفس القانون أن تتضمن إعلانات الألعاب والمباريات الشروط والمقتضيات التي تنظمها، أما « Spamming » فهو ممنوع قانونا[6].

وترجع أسباب هذه الصرامة في القانون الفرنسي، في نظرنا إلى الرغبة القوية في إعطاء حماية أكبر للزبون الذي قد يقع ضحية وقع الوصلات الإشهارية ونوافذ الإعلانات، التي يكون الغرض منها هو استقطاب الزبون.

حيث غالبا ما لا تظهر الالتزامات كاملة على الشاشة، أصلية كانت أم تبعية، فيركز مورد السلعة أو الخدمة فقط على إظهار ما يصب في مصلحة الزبون حالة إبرام العملية، وهو ما يوقع الأخير في حالة أشبه إلى الغبن منها إلى التدليس.

وهو ما يجعل إرادة الزبون تكون إلى حد ما معيبة بجشع الربح الكبير والسريع، ليفاجأ عند إبرامه العقد، إما بتواجد شروط أصلية كانت موجودة في صلب العقد الأصلي لكن لم يكن من الممكن التعرف عليها بالنظر إلى طبيعة الوسيلة الالكترونية المستعملة في التعاقد، وإما بظهور التزامات إضافية جديدة، لكنه لم يكن بالإمكان الاطلاع عليها في الواجهة الإعلانية أو الإشهارية الالكترونية.

الأمر الذي يؤثر على التوازن المالي لطرفي العلاقة. مما ألزم معه ضرورة إيجاد آلية قانونية لحماية الأفراد من مستعملي تقنيات التواصل الحديثة، وذلك عبر تضمين الإيجاب المقدم الكترونيا بيانات دقيقة ومحينة عن الشخص المورد للسلعة أو الخدمة. بشكل يسهل معها التعرف إليه وكذا معلومات عن السلعة وكل الشروط المتعلقة بإبرام العقد وتنفيذه والالتزامات والحقوق المترتبة عليه.

وكل تعبير عن الرغبة في التعاقد لا يتضمن تحديدا للعناصر المشار إليها لا يعتبر إيجابا، بل مجرد دعوة إلى التفاوض، ويدخل في مرحلة المساومة الأولية التي تسبق الإيجاب.

فإعلام المتعاقد هو ذاك الالتزام الذي يسبق التعاقد بحيث يلتزم أحد طرفي العقد بإعلام الآخر عن البيانات التي يجب توافرها في التعاقد ليتم إبرام عقد خال من أي عيب، وكامل بكافة مفرداته نتيجة لظروف واعتبارات معينة ترجع لطبيعة الشخص المتعاقد معه أو لطبيعة العقد نفسه، أو لأي اعتبار آخر يجعل من العقد مستحيلا إذا تم كتمان بيانات محددة وضرورية في التعاقد[7].

ويكتسي الحق في الإعلام بالسلعة أو الخدمة في مجال المبادلات الإلكترونية أهمية بالغة، ذلك أن كلا من البائع والمشتري في مكان بعيد عن الآخر، والسلعة المعروضة على شبكة الانترنت أو وسائط الربط الأخرى لا يستطيع الزبون معاينتها مباشرة أو التأكد من سلامتها ومواصفات جودتها، كما أن معلومات أخرى عن هوية المورد ومقره وطريقة الاتصال به هي تدقيقات غالبا ما تهملها العروض الإعلانية.

فنتيجة للتطورات العلمية واستخدام الالكترونيات في معظم جزئيات الحياة، أصبح هناك تفاوت بين طرفي التعاقد له أثر بالغ من حيث مستوى العلم والدراية بشأن محل التعاقد. فالعميل لا يكون على علم كاف في الأغلب عن محل التعاقد، فكل ما يتم إرساله له هو بيانات من خلال شاشة الحاسب الآلي التي تتضمن المواصفات والمقاييس الخاصة بمحل التعاقد، والتي من الممكن أن ترسل عبر شبكة الانترنت، كما يتم إرسال مصغر لمحل التعاقد لبيان ما يمكن أن يحتويه وفي هذه الحالة يكون هناك التزام على المزود بالإعلام أكثر فعالية ووجوبا على المزود لبيان مدى تناسب المحل واحتياجات العميل له، ومن حق العميل الاستعانة بخبير لمواصلة مرحلة المفاوضات معه وإرشاده عن محل التعاقد.

والاختلاف بين الإيجاب والعروض الإعلانية، أساسه ذلك الالتزام بإعلام المتعاقد والذي يتحمله الشخص. وهو نفس الأمر الذي سار عليه توجه بعض التشريعات العربية كالتشريعين التونسي[8] والأردني[9] المتعلقين على التوالي بتنظيم معاملات ومبادلات التجارة الالكترونية.

فاستخدام المواقع والإعلان من خلالها لا يختلف عن الإرسال عبر البريد الالكتروني، لأن هذه التصرفات هي عروض أو دعوة للتعاقد وليست إيجابا بمفهومه القانوني، إلا بعد التأكد من كافة البيانات المعروضة والتأكد من صحتها. ليتم بعد ذلك تلاقيها مع القبول الصادر من مالك السلعة، لأن الإيجاب صدر من المستهلك والذي يعبر عن إرادته في الحصول على هذه السلعة من خلال المراسلات الجارية.

ومن أوجه إلزام الموجب بإعلام المتعاقد، ضرورة إرفاق عرضه بمجموعة من التفصيلات التي تمكن من التمييز بين الإيجاب الملزم ومجرد الإعلان.

فقد نص القانون الفرنسي على ضرورة إلزام البائع بعرض ثمن السلعة أو الخدمة. كذلك يجب على البائع أن يوضح ثمن نفقات التسليم وفي حالة عدم إعلام المستهلك بنفقات التسليم فإنها تعتبر داخلة في ثمن السلعة.

كما أوجبت المادة 2 من قانون 4 غشت 1994 والمسمى بقانون Toubon استعمال اللغة الفرنسية أو على الأقل ترجمة لها في التعبير عن الإيجاب في كل أنواع التجارة والتجارة الالكترونية خاصة، وعلى وجه الخصوص في وصف المنتج أو الخدمة، وتعيين نطاقه، وما له من ضمان، وكذلك طرق التشغيل والاستعمال[10].

أما بالنسبة للتشريع المغربي، فقد أشار هو أيضا إلى التمييز الحاصل بين الإيجاب الملزم ومجرد الإعلان أو الإشهار، وذلك بمقتضى قانون رقم 05-53 لعام 2007 والمتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، حيث نص في الفصل 4-65 من الفرع الثاني المتعلق بالعرض، على وجوب تضمين الإيجاب مجموعة من البيانات لكي يصبح ملزما وإلا فإن” كل اقتراح غير متضمن لكافة البيانات المشار إليها في هذا الفصل لا يجوز اعتباره عرضا بل يبقى مجرد إشهار، ولا يلزم صاحبه “[11].

كذلك نص قانون حماية المستهلك صراحة في مادته الأولى على أن” الهدف من هذا القانون هو إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها”[12]. لذلك وجب تضمين الإيجاب المقدم عن بعد بعض البيانات الإلزامية لكي يعتد به قانونا وهو ما أشارت إليه بالتفصيل المادة 26 من نفس القانون والتي جاء فيها أنه: ” دون الإخلال بالمعلومات المنصوص عليها في المادة 3 أعلاه أو في أي نص تشريعي أو تنظيمي آخر جاري به العمل، يجب أن يتضمن العرض المتعلق بعقد البيع عن بعد المعلومات التالية:

ـ التعريف بالمنتوج أو السلعة أو الخدمة محل العرض.

ـ اسم المورد أو تسميته التجارية.

ـ مصاريف التسليم أن اقتضى الحال.

ـ وجود حق التراجع.

ـ كيفيات الأداء أو التسليم أو التنفيذ.

ـ مدة صلاحية العرض وسعره أو تعريفته.

ـ تكلفة استعمال تقنية الاتصال عن بعد.

ـ المدة الدنيا للعقد المقترح.

تبلغ المعلومات المذكورة، التي يجب أن يتجلى طابعها التجاري دون التباس، إلى المستهلك بصورة واضحة ومفهومة عن طريق استعمال أي وسيلة ملائمة لتقنية الاتصال عن بعد المستخدمة.

يجب على المورد، إذا تعلق الأمر ببيع خارج المحلات التجارية بواسطة الهاتف أو أي تقنية أخرى مماثلة، أن يشير في بداية المحادثة مع المستهلك إلى هويته والغرض التجاري من المكالمة “[13].

وعامة، فالإيجاب المعلن عنه بوسائل إلكترونية لابد ولكي يعتد به، أن يشتمل وجوبا على مجموعة من البيانات الضرورية المتعلقة بأمور التعاقد، كالتعريف بصاحب الإيجاب وبالسلعة أو الخدمة الموردة، وبصفة عامة جميع المعلومات التي تجعل الطرف الآخر يعلم أنه أمام إيجاب موجه إليه قصد التعاقد وليس مجرد عرض إعلاني أو إشهاري.

الفقرة الثانية: التعريف بهوية صاحب الإيجاب

ويكون عادة هو مورد السلعة أو الخدمة، حيث يلزم أن يتضمن الإيجاب الذي يقدمه جميع المعلومات التي تمكن الزبون من معرفة هوية الطرف الآخر، كالاسم والعنوان والمقر وأرقام الهاتف والبريد الالكتروني ورقم التسجيل المهني أو رقم القيد في السجل التجاري، ورقم التعريف الجبائي. وهو ما أشار إليه صراحة الفصل 19 من القانون الفرنسي لعام 2004 من أجل الثقة في الاقتصاد الرقمي LCEN بضرورة توفير البيانات المتعلقة بهوية جميع المتعاطين لأنشطة التجارة الالكترونية.

فالمشرع الفرنسي لم يقصر أمر التعريف بالهوية على أصحاب العروض الحقيقية. بل جعل القاعدة عامة تشمل جميع مستخدمي التكنولوجيا الحديثة لأغراض تجارية.

هذه البيانات تسمح بالتعريف بهوية الإيجاب وتشمل الاسم أو الاسم التجاري، العنوان، البريد والبريد الالكتروني، رقم الهاتف، رقم القيد في السجل التجاري الرأسمال الاجتماعي، المقر الاجتماعي بالنسبة للشركات، وكذا تبيان الترخيص الممنوحة للجهة المانحة إذا كانت مشترطة وفق أنظمة مهنية أو خاصة[14].

هذا الالتزام بالتعريف بهوية صاحب الإيجاب، تضمنتها صراحة كذلك العديد من التشريعات العربية المنظمة لحقل التجارة الالكترونية. فقد نصت المادة الأولى من الباب الخامس المتعلق بالمعاملات التجارية الالكترونية التونسي على أنه “يجب على البائع في المعاملات التجارية الالكترونية أن يوفر للمستهلك بطريقة واضحة ومفهومة قبل إبرام العقد المعلومات التالية:

· ” هوية وعنوان وهاتف البائع ومستوى الخدمات “.

ورغم غياب أي مقتضى قانوني مشابه في النصوص القانونية العربية الأخرى، ومنها التشريع المغربي، إلا أنه يمكن القول بوجود تنصيص ضمني على إلزامية التعريف بالهوية من خلال الإيجاب الموجه الكترونيا، وسواء من خلال النصوص اللاحقة ضمن القوانين المنظمة لمبادلات التجارة الالكترونية، كما هو الشأن بالنسبة للتشريع المغربي الذي أورد عبارة ” الصفة المهنية ” حيث جاء في الفصل 4-65 من قانون 05-53 المذكور والمتعلق بالحق في الإعلام بأنه ” يتعين على كل من يقترح بصفة مهنية، وبطريقة الكترونية، توريد سلع أو تقديم خدمات أو تفويت أصول تجارية أو أحد عناصرها أن يضع رهن إشارة العموم الشروط التعاقدية المطبقة…”.

وعبارة ” بصفة مهنية ” تحيل في نظرنا إلى مجموعة من النصوص القانونية المهنية التي تلزم التعريف بالشخص الطبيعي أو المعنوي سواء من خلال الاسم، أو الاسم التجاري، أو رقم القيد في السجل التجاري وفي الضمان الاجتماعي، ورقم التعريف الضريبي، والعنوان الاجتماعي، وكلها بيانات إلزامية.

فالالتزام بالإعلام هنا يكون بمقتضى نصوص عامة غير النص الخاص بالمعاملات التجارية الالكترونية والذي هو قانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.

ويبقى قانون رقم 08 ـ 31 المتعلق بحماية المستهلك نموذجا أصيليا في وجوب إلزام البائع في التعاقد الالكتروني تضمين إيجابه مجموعة من البيانات التي تساعد الزبون أو المستهلك من التعرف على هوية مقدم الإيجاب معرفة كاملة بهويته، كالتعرف على اسمه أو تسميته التجارية، وعنوانه الشخصي أو المهني، ورقم هاتفه. وإن تعلق الأمر بشخص معنوي وجب التعرف على شكله القانوني ومقره الاجتماعي.

وفي هذا الصدد نصت المادة 23 بخصوص استعمال البريد الالكتروني في الإشهار التجاري أنه ” يمنع على كل مورد لإشهار عن طريق البريد الالكتروني تزييف أو إخفاء كل معلومة تمكن من تحديد مصدر الرسالة الموجهة عن طريق البريد الالكتروني أو مسار إرسالها “.

كما أشارت الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون حماية المستهلك على أنه ” إذا تعلق الأمر ببيع عن بعد للمنتوجات والسلع وتقديم الخدمات، فالعرض وجب أن يأتي متضمنا لاسم المورد “.

المطلب الثاني

محتوى الإيجاب الالكتروني

ليكون الإيجاب ملزما أوجب المشرع توافر العديد من البيانات الضرورية، وذلك بغية تمييزه عن باقي العروض الأخرى التي يتلقاها الزبون سواء كانت في صورة إعلانات أو إشهار، أو مجرد دعوات للتعاقد لا ترقى إلى مرتبة الإيجاب.

وبالنظر إجمالا إلى مجموع البيانات الإلزامية الواجب تضمنها في الإيجاب الالكتروني، والمضمنة بالعديد من نصوص الأنظمة القانونية المقارنة، كالقانون الفرنسي وكذا قوانين بعض الدول العربية كالقانونين التونسي والأردني، نجد عموما أن هناك ثلاثة أصناف لهذه البيانات الإلزامية بحيث كلها مجتمعة تمكن من التعريف بطبيعة المنتوج ( الفقرة الأولى )، و مراحل إنجاز المعاملة ( الفقرة الثانية )، وكذا الشروط العامة والخاصة بتنفيذ العقد ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: التعريف بطبيعة المنتوج

يجب أن يتضمن الإيجاب الالكتروني وصفا دقيقا وواضحا للمنتوج أو الخدمة، وذلك بتحديد الاسم والكمية والنوع، وأن يكون ذلك مقرونا بالصور والرسوم الشارحة، التي تعرض صفات وخصائص المنتوج بدقة ووضوح، وبطريقة صادقة وأمينة.

ولابد من أن يتضمن الإيجاب الالكتروني بيان الثمن والعملة التي يدفع بها، وبيان ما إذا كان هذا الثمن يشمل أو لا يشمل نفقات النقل و الرسوم الجمركية والضرائب.

كما يجب أن يتضمن الإيجاب بيانا مفصلا عن العنوان الذي يجب أن يتم الإيفاء فيه، وفي العقود الالكترونية غالبا ما يتم إيفاء الثمن باستخدام وسائل الدفع الالكترونية، كبطاقة الاعتماد مثلا[15].

إلى جانب المعلومات المتعلقة بهوية مقدم الإيجاب لابد وأن يضمن هذا الأخير عرضه المقدم الكترونيا، معلومات تتعلق بالمنتوج المعروض سلعة كان أم خدمة، من ناحية المقدار والصنف والثمن والرسوم المختلفة وتكاليف التسليم.

وهذا الالتزام إذا كان سنده مباشرة في النصوص القانونية العامة التي تمنع الإشهار المضلل أو تلك المتعلقة بتحديد الأسعار والإعلان عنها، فقد تم التنصيص على هذا المقتضى صراحة ووجوبا ضمن النصوص القانونية المنظمة للتجارة الالكترونية، فالقانون الفرنسي أوجب على كل متعامل في حقل التجارة الالكتروني. أن تتضمن عروضه وجوبا. وبشكل واضح لا ليس فيه ثمن السلعة أو الخدمة الموردة. وكذا جل الرسوم المتعلقة بها، إضافة إلى مصاريف التسليم[16].

وهي نفس البيانات التي أوجبها كذلك المشرع التونسي في قانون غشت 2000، حيث ألزمت الموجب أن يضمن إيجابه كافة المعلومات التي تمكن الزبون من الإحاطة بالسلعة أو الخدمة الموردة بما في ذلك طبيعة وخاصيات وسعر المنتوج وكذا كلفة تسليم المنتوج ومبلغ تأمينه والأداءات المستخرجة، والفترة التي يكون خلالها المنتوج معروفا بالأسعار المحددة وكلفة استعمال تقنيات الاتصالات حين يتم احتسابها على أساس مختلف عن التعريفات الجاري بها العمل[17].

ورغم اختلاف التدقيقات الواردة بالقوانين المقارنة فالالتزام الأصلي في الإيجاب الالكتروني يبقى هو التعريف الدقيق بالسلعة أو الخدمة الموردة وبشكل يجعل الالتزامات والحقوق بين الموجب والقابل واضحة ومفصلة بشكل لا يدع مجالا للبس أو الخطأ وهو ما جعل المشرع المغربي يورد صياغة عامة لا تدخل في التدقيقات بقدر ما تؤكد على وجوب تضمين العرض الخصائص الأساسية وشروط البيع الخاصين بالسلعة أو الخدمة الموردتين، وذلك ما جاء في الفصل 4-65 من أنه “…يتضمن العرض علاوة على ذلك، بيان ما يلي:

-1- الخصائص الأساسية للسلعة أو الخدمة المقترحة أو الأصل التجاري المعني أو أحد عناصره.

-2- شروط بيع السلعة أو الخدمة أو شروط تفويت الأصل التجاري أو أحد عناصره…”.

وبهذه الصياغة يكون المشرع المغربي قد جنب نفسه الخوض في التدقيقات والتفصيلات التي تتعدد وتختلف باختلاف السلعة أو الخدمة موضوع الإيجاب المقدم، لأن استعمال عبارات عامة وشاملة يؤدي وظيفة الإقرار القانوني للحق في الاستعلام عن السلعة أو الخدمة إذا ما تعلق الأمر بتعاقد الكتروني. كما يترك لقاضي الموضوع حرية ويعطيه سلطة تقديرية لتقرير ما إذا كان الاستعلام حول السلعة أو الخدمة أو الأصل التجاري قد استوفى الشروط القانونية أم لا.

الفقرة الثانية : معلومات متعلقة بطريقة التعاقد

يبقى هذا الالتزام في نظر بعض الفقه الفرنسي[18]، أصيلا وخاصا بالإيجاب الالكتروني، واعتمادا على البيانات والتفصيلات المتضمنة في العرض المقدم، يمكن التمييز ووضع الحد الفاصل بين العرض الإعلاني وبين الإيجاب الملتزم.

فالعرض المقدم الكترونيا، ولكي يرقى إلى مرتبة الإيجاب الملزم، وجب تضمينه زيادة على البيانات السالفة الذكر، مختلف المراحل الواجب تتبعها لإبرام العقد الكترونيا، وهذه الإشارة إلى وجوب الإعلام بطريقة إبرام العقد تظهر النية الصريحة والجادة في التعاقد، وتنقل العرض المقدم من مجرد الإعلان إلى الإيجاب الملزم[19].

وقد نصت الفقرة 2 من الفصل 1369 من التقنين المدني الفرنسي على ضرورة تبيان المراحل الواجب إتباعها لإبرام العقد الكترونيا، والمتمثلة خاصة في:

· الإطلاع على المنتوج أو الخدمة مع حرية الاختيار.

· قراءة شروط الطلبية.

· إمكانية إعادة القراءة من أجل التثبيت أو تصحيح الأخطاء.

· إمكانية نسخ المعلومات المتعلقة بمزود السلعة أو الخدمة.

· المعلومات المتعلقة بالأداء.

· المعلومات المتعلقة بالتصديق.

زيادة على ذلك أضاف المشرع الفرنسي فقرة فريدة في نفس الفصل، أوجبت على مقدم السلعة أو الخدمة أن يصيغ إيجابه باللغة الفرنسية أو بمجموعة لغات من ضمنها اللغة الفرنسية وجوبا.

كذلك يلزم الموجب بإعلام الزبون باحتفاظه بملف العملية ضمن أرشيف معين مع بيان كيفية الرجوع إليه عند الاقتضاء من طرف الزبون[20].

نفس الشأن بالنسبة للمشرع التونسي الذي ألزم الموجب أن يضمن إيجابه وصفا كاملا لمختلف مراحل إنجاز المعاملة بدءا بالتعريف بالمنتوج أو الخدمة، إلى بيان كيفية إقرار الطلبية وكذا شروط فسخ العقد. مع إلزامه أيضا بتوفير هذه المعلومات إلكترونيا ووضعها على ذمة المستهلك للإطلاع عليها في جميع مراحل المعاملة[21].

وهو التوجه الذي سار عليه كذلك المشرع المغربي، حينما ألزم الموجب في تقديمه الإيجاب الكترونيا، أن يضمنه طريقة ومراحل التعاقد. سواء لأجل حماية الزبون المستهلك، بإعلامه بالمعلومات المتعلقة بطريقة التعاقد حتى يكون على بينة بجميع أمور العقد، أو لأجل تبيان الخطوط الفاصلة للزبون بين الإعلان عن السلعة أو الخدمة والذي يبقى غير ملزم، وبين الإيجاب الملزم والذي يجعل اقتران القبول به منتجا لعقد جديد.

وفي هذا الصدد نص قانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات على وجوب تضمين الإيجاب الالكتروني في مجمل البيانات والمعلومات المتعلقة بطريقة التعاقد كتبيان:

· مختلف المراحل الواجب إتباعها لإبرام العقد بطريقة الكترونية.

· الوسائل التقنية التي تمكن المستعمل المحتمل قبل إبرام العقد من كشف الأخطاء المرتكبة أثناء تحصيل المعطيات وتصحيحها.

· اللغات المقترحة من أجل إبرام العقد.

· طريقة حفظ العقد في الأرشيف من لدن صاحب العرض وشروط الاطلاع على العقد المحفوظ إذا كان من شأن طبيعة العقد أو الغرض منه تبرير ذلك.

· وسائل الإطلاع بطريقة الكترونية على القواعد المهنية والتجارية التي يعتزم صاحب العرض الخضوع لها عند الاقتضاء.

إن الغاية من تعريف الإيجاب الالكتروني هو تمييزه عن ما يشابهه ويقاربه في المعنى، لكن مع الاختلاف في الآثار كالعروض الإعلانية والإشهار، كذلك إبراز بعض البيانات ووجوب تضمينها بهذا الإيجاب هو للرقي به إلى درجة العرض الملزم لصاحبه.

إلا أن الإيجاب الالكتروني لا يجعل صاحبه ملتزما دون ضابط أو معيار بحيث يبقى ملتزما بإيجابه بغض النظر عن التطورات والمتغيرات الحاصلة سواء على أطراف العلاقة أو على أجواء التعاقد بشكل عام.

فالقاعدة العامة أن الإيجاب لا يعتبر قائما، إلا بعد أن يتصل بعلم الموجب له، وهو تعبير عن الإرادة والتعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا بعد أن يتصل بعلم من وجه إليه، وهكذا يستطيع الموجب دائما العدول عن إيجابه قبل أن يتصل هذا الإيجاب بعلم من وجه إليه.

الفقرة الثالثة: معلومات تتعلق بشروط تنفيذ العقد

ويضع هذا الشرط التزاما على البائع أو مورد الخدمة بأن يضمن إيجابه جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بشروط إبرام العقد وتنفيذه. كبيان طريقة تسليم المنتوج وزمان ومكان التسليم أو بيان طريقة الأداء وكذا آجال التنفيذ، وغير ذلك من الأمور والجوانب المتعلقة بتنفيذ العقد الالكتروني الواجب إعلام المستهلك بها قبل التعاقد .

فإضافة إلى المقتضيات المضمنة في الفصل 19 من قانون 2004، قام المشرع الفرنسي أيضا بإجراء تحيين موازي للمقتضيات الواردة في القانون المدني، وهكذا جاء الفصل 1369 في فقرته الأولى، لينص على أن أي تقديم للسلع أو الخدمات بالوسائل الالكترونية وجب أن يكون مشفوعا بكافة الشروط التعاقدية المطبقة على المنتوج وتنصيص المشرع الفرنسي للشروط التعاقدية يدخل في مفهومها الشروط القانونية وكذا الاتفاقية، وبشكل يمكن من مواكبة وإضافة جميع العناصر المستجدة التي تحدثها الممارسة التجارية[22].

هذه الشروط التعاقدية، إن كان المشرع الفرنسي قد أوردها في صياغة عامة. فالمشرع التونسي أفرد تفصيلا لهذا النوع من البيانات الواجب تضمينها بالإيجاب الالكترونية والمتعلقة أساسا بالشروط المختلفة التي تروم إبرام وتنفيذ التعاقد الالكتروني، فقد نصت المادة 1 من الباب الخامس في فقراتها المتتالية على أنه ” يجب على البائع في المعاملات التجارية الالكترونية أن يوفر للمستهلك بطريقة واضحة ومفهومة قبل إبرام العقد المعلومات التالية:

· طرق وإجراءات الدفع وعند الاقتضاء شروط القروض المقترحة.

· طرق وآجال التسليم وتنفيذ العقد ونتائج عدم إنجاز الالتزامات.

· إمكانية العدول عن الشراء وأجله.

· كيفية إقرار الطلبية.

· طرق إرجاع المنتوج أو الإبدال وإرجاع المبلغ.

· شروط فسخ العقد إذا كان لمدة غير محددة أو تفوق السنة.

· المدة الدنيا للعقد فيما يخص العقود المتعلقة بتزويد المستهلك بمنتوج أو خدمة خلال مدة طويلة أو بصفة دورية[23].

وهو نفس توجه المشرع المغربي من خلال قانون 05-53 و الذي عمد إلى بعض التفصيل في التزام الموجب بإعلام المستهلك قبل التعاقد معه الكترونيا، و ذلك بضرورة توفير عدة بيانات تساعده في أخذ فكرة واضحة عن شروط وطريقة تنفيذ الالتزامات التي تنشأ عن العقد الالكتروني. و في هذا الصدد ألزم الفصل 4-65 البائع أن يضع رهن إشارة العموم الشروط التعاقدية المطبقة، كما استطرد و في نفس الفصل ليقول أن مقدم العرض ملزم ببيان ما يلي:

· مختلف المراحل الواجب إتباعها لإبرام العقد بطريقة الكترونية “ولاسيما الكيفية التي طبقها الأطراف بالتزاماتهم المتبادلة”.

· اللغات المقترحة من أجل إبرام العقد.

· ومسائل الإطلاع بطريقة الكترونية على القواعد المهنية والتجارية التي يعتزم صاحب العرض الخضوع لها، عن الاقتضاء.

كما اشترط الفصل 5-65 من نفس القانون لصحة إبرام العقد بشكل الكتروني أن يكون من أرسل العرض إليه قد تمكن من التحقيق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة وذلك قبل تأكيد الإذن.

المبحث الثاني
إعلان القبول الالكتروني
طالما أن التعاقد الالكتروني تبقى له خصائصه المميزة عن باقي طرق التعاقد التقليدية، فهذه الخاصيات تجد المجال الأنسب لها في شقي هذا التعاقد الرئيسيين وهما: الإيجاب والقبول.

وإذا كان التعبير عن الإرادة في العقود الالكترونية، يثير جدلا ونقاشا من حيث حجم وكم الإشكالات القانونية المطروحة عند مرحلة صدور الإيجاب، فكذلك الأمر نفسه عند الحديث عن مرحلة إعلان القبول.

والقبول الالكتروني كشكل جديد من أشكال التعبير عن الإرادة، هو نتيجة حتمية لعوامل اقتصادية واجتماعية، كانتا قادرتين على تغيير سلوك الزبون، ودفعه إلى اللجوء إلى طرق جديدة وأكثر ابتكارا عند رغبته بالتعاقد. عن طريق استعمال تقنيات حديثة تعتمد المزاوجة بين تكنولوجيا المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة وذلك بمناسبة إعلان القبول لإبرام عقود التجارة الالكترونية.

وسنعمد عند التطرق للجانب الثاني المكون للرضا في عقود التجارة الالكترونية، ألا وهو ركن الرضا، سنتطرق إلى خاصية القبول الالكتروني ( المطلب الأول) ، مع تبيان محتواه في العقود الالكترونية ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول

خاصية القبول الالكترونية

الأصل في العقود هو الرضائية، بمعنى أن العقد يبرم بمجرد أن يتبادل المتعاقدان التعبير عن إرادتيهما دون الحاجة إلى إجراء آخر. وإذا كانت القاعدة العامة تنطبق كذلك على العقد الالكتروني، فهناك العديد من الاستثناءات التي ينفرد بها هذا العقد في مرحلة التعبير عن الإرادة، كما في مراحل أخرى كالتنفيذ أو المنازعة على الحقوق.

ونخص بالذكر هنا مرحلة إعلان القبول في التعاقد الالكتروني، حيث تستلزم الوسائل الالكترونية المستعملة في التعاقد، صيغا خاصة لتعبير الطرف الآخر عن إرادته في التعاقد وهو ما يجعل القبول الالكتروني يتميز بخصائص ينفرد بها عن القبول في صيغه التقليدية.

الفقرة الأولى: تعريف القبول الالكتروني

لإبرام العقد الالكتروني كان لابد أن ينعقد الشق الثاني من التعبير عن الإرادة ألا وهو القبول، وأن يتطابق هذا الأخير في مضمونه مع ما اتجهت إليه إرادة الموجب.

والقبول في صيغته الالكترونية يخضع للقواعد العامة المطبقة على العقود، فهو التعبير الصريح أو الضمني عن الإرادة الحرة والواعية في التعاقد.

ويشترط فيه لكي يأتي صحيحا أن يكون صادرا ممن له الأهلية الكاملة للتعاقد، وأن يأتي خاليا من أية شائبة من شوائب الرضا من غلط وإكراه وغبن وتدليس.

والاختلاف الكامن بين القبول التقليدي والقبول الالكتروني، يتمثل في أن النوع الثاني المشمول بالدراسة يعتمد الدعامة أو التقنية الالكترونية في إعلانه حيث يتم التعبير عن الإرادة في التعاقد باستعمال التكنولوجيا العالية والتي أضحى خلالها مجلس العقد عالما افتراضيا يتحقق فيه الاتصال السمعي والبصري معا، لكن دون الوجود المادي لطرفي العلاقة.

وبناء على ما سبق يمكن تعريف القبول الالكتروني بأنه” التعبير أو التصرف الصادر باستعمال وسائل الكترونية، ممن وجه إليه الإيجاب والذي يفيد تطابق إرادته مع إرادة الموجب”. و بهذا المعنى يمزج القبول الالكتروني في خاصيته شروطا عامة تنطبق على جميع العقود، وشروطا خاصة ينفرد بها كلما تعلق الأمر بعقد الكتروني[1].

وعلى ضوء ما جاء في التقنين المدني المغربي في باب الالتزامات، تتمثل الشروط العامة للقبول في أهلية الكاملة الشخص لإبرام العقد وذلك حسب ما يصرح به قانون أحواله الشخصية، كما وجب أن يأتي خاليا من أي عيب من عيوب الرضا، وليعتد بالقبول تقضي القواعد العامة كذلك أن يصدر مطابقا الإيجاب، وفي وقت لا يزال فيه عرض الموجب قائما[2].

أما الشرط الخاص لتحقق القبول الالكتروني، فهو استعمال الوسائل الالكترونية كيفما كان شكلها، وذلك للتعبير عن هذه الإرادة، وفي غياب هذه الصفة يبقى القبول عاديا أو تقليديا.

واستعمال تكنولوجيا المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة في إبرام العقود جعل مسألة مجلس العقد نسبية إلى أبعد الحدود، مما أصبح يطرح معه العديد من الإشكالات خاصة تلك المتعلقة بعنصري الزمان والمكان وأثرهما على تنفيذ العقد الالكتروني.

ولعل أن تحديد نوع الدعامة الالكترونية المستعملة في التعبير عن الإرادة بالقبول يحسم إلى حد كبير في الإشكاليتين السابقتين، وذلك بحسب ما إذا كانت تلك الدعامة توفر اتصالا مباشرا أم غير مباشر بين القابل والموجب، وكذا بحسب ما إذا كان الاتصال المجرى مرئيا أم مسموعا أم هما معا.

وللدلالة على الفكرة السابقة، نقول أن القبول الالكتروني يتخذ صورا وأنماطا عديدة من حيث طريق التعبير عن هذه الإرادة، وباختلاف تلك الصور تتحدد الإجابات الشافية عن زمان أو مكان القبول. فالتعاقد مثلا عن طريق الهاتف العادي أو الهاتف النقال أو الهاتف الفضائي، يعتبر تعاقدا بين حاضرين بالنظر إلى إمكانية الاتصال السمعي أو السمعي البصري اللتين تتيحهما التقنيات السابقة.

كذلك الانترنت أو الشبكة الدولية، فاستعمالها لأغراض التعاقد يجعلنا نميز بين ما إذا كانت هذه التقنية توفر الربط المباشر، المرئي والمسموع لطرفي العلاقة حيث نكون تماما أمام مجلس العقد كما هو وارد في التقنينات المدنية .

أما استعمال الانترنت بإرسال الرسائل الالكترونية أو البريد الالكتروني فهو كالتعاقد عن طريق المراسلة، تجري عليه القواعد العامة المطبقة على هذا النوع من العقود[3].

الفقرة الثانية: عنصر الزمان في القبول الالكتروني

لابد لانعقاد العقد من توافق الإرادتين معا، فإصدار الإيجاب أو إعلان القبول لا يكفيان لوحدهما لانعقاد العقد، بل لابد من اقتران الإرادتين معا، حيث يتطابق الإيجاب بالقبول تطابقا تاما يتجه مباشرة إلى إحداث الأثر القانوني. وبما أن العقد الالكتروني يخضع في العديد من مقتضياته للقواعد العامة، فانعقاده أيضا مقترن بتلاقي إرادة المعلن الموجب بإرادة الزبون القابل، وتطابق الإرادتين حول جميع الأمور المشمولة بالعقد.

إلا أن التعاقد الالكتروني، أو استعمال التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في التعبير عن الإرادة، يحمل معه الإشكالية القديمة حول طبيعة التعاقد عبر وسائل الاتصال الفوري؟ وهل هي مسألة تعاقد بين حاضرين أو غائبين؟

أولا: الفائدة من التحديد

العقد الالكتروني يتميز عن باقي العقود بأنه عقد مبرم عن بعد أي أن هناك مسافة تفصل بين المتعاقدين، وبمعنى آخر هناك بعد مكاني بينهما. فيتصور أن يكون المستهلك في المغرب مثلا، والمعلن عن السلعة أو الخدمة في فرنسا أو أمريكا مثلا، مما تثور معه مسألة تحديد زمان العقد الذي يبرم عن طريق الوسائل الالكترونية؟

وتحديد الوقت الذي يتم فيه اقتران الإيجاب بالقبول وانعقاد العقد، تبقى مسألة من الأهمية القانونية بما كان، حيث تساعد القاضي في بحثه عن الحلول القانونية، حينما يكون النزاع متمحورا على تحديد العديد من النقط والمواضيع المهمة في العقد.

فتحديد زمان انعقاد العقد الالكتروني يساعد في معرفة تاريخ اكتساب الحقوق، واحتساب مدة تقادم الالتزامات المنجزة التي تترتب عن العقد، وتحديد وقت إبرام العقد يحدد مركز المتعاقدين بالنسبة لما يسبقه أو يتلوه من تصرفات كتلك التي يبرمها التاجر قبل تاريخ التوقف عن الدفع والتصرفات التي يبرمها بعد هذا التاريخ، كذلك إذا صدر قانون جديد يغير من القواعد القانونية المفسرة التي تحكم عقدا من العقود فإن هذا القانون لا يسري إلا على العقود التي تبرم بعد نفاذه، فهو لا يسري على تلك التي تم إبرامها قبل ذلك، ومن هنا تهم معرفة زمان العقد، لتحديد ما إذا قد جاء بعد نفاد القانون الجديد فيخضع له أم جاء قبل ذلك فيخضع للقانون القديم، كذلك يساعد تحديد زمان انعقاد العقد في مباشرة الدعوى البوليانية من عدمه، حيث لا يحق المدني رفع الدعوى إلا إذا كان الدين ناشئا في وقت سابق عن الالتزام المراد الطعن فيه بتلك الدعوى[4].

ثانيا: طريقة التحديد

يتقاسم الفقه والقضاء أربعة نظريات لتحديد زمان انعقاد العقد، وهي نظريات تتدرج بهذا التحديد من تاريخ إعلان القبول، إلى تاريخ العلم به، مرورا بتصدير هذا القبول، ثم استلامه.

· نظرية الإعلان القبول

وفق أنصار هذه النظرية ينعقد العقد مباشرة بصدور تعبير من الشخص الموجه إليه الإيجاب، ودون الحاجة إلى وصول هذا أو استلامه أو العلم به من قبل الموجب.

وأهم انتقاد لهذه النظرية تمثل في أن الاكتفاء بإعلان القبول للقول بانعقاد العقد، يجعل الموجب تحت رحمة القابل خلال الفترة الفاصلة بين الإعلان عن القبول ووصول هذا القبول إلى علم الموجب، بحيث تؤثر على المراكز القانونية لطرفي العلاقة لصالح الطرف القابل الذي يبقى حائزا لأحد وسائل الإثبات، كما يستطيع الرجوع في القبول طالما أن الموجب لم يتوصل بشيء يفيد هذا القبول.

· نظرية تصدير القبول

لا تكتفي هذه النظرية بإعلان القبول مثل النظرية السابقة لانعقاد العقد، بل تشترط لذلك شرطا إضافيا، وهو إخراج هذا القبول من يد من صدر منه، بحيث لا يمكنه العدول عنه أو تغييره أو استرداده. وتطبيق هذه النظرية على العقد الالكتروني، يفضي إلى اعتباره منعقدا بمجرد خروج القبول من الدعامة الالكترونية للمستهلك ودخولها في أنظمة اتصال مستقلة عن أنظمة مصدر القبول. فإذا اتخذ القبول شكل رسالة الكترونية محملة في جهاز كمبيوتر.

فالنقر الثنائي على كلمة “أوافق” أو كلمة “أرسل” هو إعلان عن القبول. لكن بمجرد ظهور رسالة تفيد إرسال البيانات أو المعلومات المشكلة للقبولEléments envoyés avec succès ; processus terminé avec succès نكون أما تصدير للقبول.

كذلك القبول الصادر عبر الهاتف النقال، خاصة منها تلك المزودة بخاصية WAP، حيث ينعقد العقد وفق هذه النظرية بمجرد تمام الإرسال بنجاح Envoyés. وليس إلى حين التوصل بإشعار الاستلام Accuse de réception .

نفس الأمر يقال بالنسبة لجهاز الميناتل فهو وسيلة اتصال كما أشرنا إلى ذلك سابقا، لكن العقد المبرم بهذا الجهاز، تطبيقا لنظرية تصدير القبول، لا ينعقد بمجرد الكتابة على الشاشة والتي لا تعدو وأن تكون إعلانا للإيجاب، بل وجب إرسال تلك المعلومات إلى جهاز الموجب المرتبط سلكيا مع القابل بواسطة خط التلفون.

· نظرية وصول القبول

تبقى هذه النظرية مثل نظرية تقدير القبول، باعتبارهما معا امتدادا لنظرية إعلان القبول، وإن كانا يختلفان في الاعتداد بمسألة تصدير القبول فقط وخروجه من سلطة القابل في الرجوع أو التعديل أو بضرورة وصول هذا القبول إلى الطرف الموجب.

ووفق هذا الرأي ينعقد العقد بمجرد وصول القبول واستلامه من طرف الموجب، دون حاجة إلى العلم به، وتطبيقا لذلك ينعقد العقد الالكتروني في اللحظة التي تظهر فيها المعلومات المتعلقة بالقبول على شاشة الموجب أو على دعامته الالكترونية.

· نظرية العلم بالقبول

تعتبر هذه النظرية المقابلة لنظرية الإعلان عن القبول، فوفق أصحاب هذا الرأي لا يتم انعقاد العقد إلا بوصول القبول إلى الموجب وعلمه به، لأن إعلان القبول وحده لا يكفي لتوافق الإرادتين. سواء كان هذا الإعلان مقترنا بواقعة التصدير أو بواقعة الاستلام، لأنهما مجرد وقائع مادية تعكس الإعلان عن القبول دون أن يكون لها أي قيمة قانونية مادام ليس هناك ما يفيد وصول القبول إلى علم من وجه إليه.

وعليه يعد العقد الالكتروني منعقدا، وفق أنصار هذه النظرية، في اللحظة التي يعلم فيه الموجب المعلن عن الخدمة أو السلعة بقبول القابل المستهلك، ويكون هذا العلم بالإطلاع على المعلومات والبيانات التي أرسها الزبون وذلك باستعمال الوسائل الالكترونية المعدة لغرض القراءة، ففض عبوة البريد الالكتروني يمكن مثلا من الإطلاع على القبول الذي جاء في شكل رسالة الكترونية، كما تس–قمح مناولة الهاتف بفتح والإطلاع على الرسائل الصغيرة التي تحويها[5].

ثالثا: تحديد زمان القبول الالكتروني في القوانين الدولية

أخذت اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع لعام 1980 بمبدأ وصول أو العلم بالقبول أيضا، حيث نصت في المادة 23 منها على أن ” العقد ينعقد من اللحظة التي يحدث فيها قبول الإيجاب أثره وفقا لأحكام هذه الاتفاقية”، وهو ما يتحقق طبقا للمادة 18 في اللحظة التي يصل فيها إلى الموجب إعلان يفيد الموافقة على إيجابه.

ولقد حددت المادة 24 من الاتفاقية المقصود بوصول إعلان القبول إلى الموجب وذلك بقولها “هذا الإعلان يعتبر قد وصل إلى المخاطب إذا بلغ إليه شفويا أو سلم إليه بأي وسيلة للاتصال شخصيا أو في منشأته أو في عنوانه البريدي أو في محل إقامته المعتاد إذا لم يكن منشأة أو عنوان بريدي”، وعلى هذا الأساس ينعقد العقد وفقا لأحكام هذه الاتفاقية عند وصول رسالة القبول إلى الموجب سواء تسلمها شخصية أو سلمت في منشاته أو في عنوانه البريدي، وذلك بغض النظر عن علم الموجب أو عدم علمه بمضمون رسالة القبول[6].

أما القانون النموذجي للتجارة الالكترونية، فلم يشر إلى مسألة زمان ومكان انعقاد العقد الالكتروني وإنما أحال ذلك على التشريعات الداخلية للدول، لكنه بالمقابل تناول بالتفصيل زمان إرسال البيانات على اعتبار أن هذا التحديد قد يساعد في معرفة زمان العقد، وهو ما تضمنته المادة 15 سواء في فقرتها الأولى الخاصة بإرسال البيانات، والذي حدد ” في الوقت الذي تدخل فيه هذه الرسالة نظام معلومات لا تخضع لسيطرة المنشئ أو سيطرة الشخص الذي أرسل رسالة البيانات نيابة عن المنشئ “. أما وقت استلام رسالة البيانات فيحدد في ” اللحظة التي تدخل فيه هذه الرسالة، نظام المعلومات المعين من طرف المرسل إليه، وفي حالة عدم وجود هذا التعيين، تعتبر رسالة البيانات أنها مسلمة في وقت دخولها بنظام معلومات تابع له “[7].

كذلك أشار التوجيه الأوربي إلى مسألة زمان انعقاد العقد الالكتروني، معتمدا في ذلك على زمن دخول رسالة البيانات الموجهة من البائع والتي تفيد استلام الطلبية إلى النظام المعلوماتي للزبون (accusé de réception)، بالشكل الذي يمكنه من الاطلاع عليها، سواء تم هذا الاطلاع أم لم يتم من جانب هذا الأخير[8].

أما فيما يخص القوانين الوطنية الأخرى، فقد اعتمدت هي أيضا تاريخ تأكيد الاستلام (accusé de réception) وذلك لتحديد زمان انعقاد العقد، باعتبار أن على عاتق البائع التأكيد النهائي للطلبية، مما يجعل التعاقد نهائيا بين المورد و الزبون. وهو ما أشارت إليه صراحة العديد من النصوص القانونية، ومنها القانون الفرنسي الذي نص في قانونه المدني على أن البائع ملزم، وبدون تأخير غير مبرر، تأكيد تسلمه طلبية الزبون[9]، كما يلاحظ أن المشرع التونسي وضع ضوابط لتحديد زمان العقد الالكتروني، وذلك في المادة 28 من قانون غشت 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الالكترونية والتي جاء فيها أنه ” ينشأ العقد الالكتروني بعنوان البائع وفي تاريخ موافقة هذا الأخير على الطلبية بواسطة وثيقة الكترونية ممضاة وموجهة للمستهلك، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك “[10].

بينما لا يوجد في القانون المصري، ما يفيد في تحديد زمان انعقاد العقد الالكتروني، وذلك في ظل غياب قانون خاص بالمبادلات التجارية الالكترونية والإجابة الوحيدة الواردة في هذا الباب هو ما تم التنصيص عليه في باب التقنين المدني، حيث يأخذ المشرع المصري بنظرية العلم أو وصول القبول واعتبار العقد لا يتم إلا في الزمان والمكان اللذين وصل فيهما القبول إلى علم الموجب.

أما بالنسبة للمشرع المغربي، فقبل صدور قانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للبيانات القانونية، لم يكن ممكنا تحديد إجابة شافية للإشكالية خارج مقتضيات القانون المدني. لكن بعد صدور القانون المذكور أورد المشرع مقتضى قانونيا يحدد زمن انعقاد العقد الالكتروني بصورة فريدة ومستقلة عن العقود التقليدية الأخرى، وفي هذا الصد نص الفصل 65.5 من قانون 05-53 على أنه ” يجب على صاحب العرض الإشعار بطريقة الكترونية ودون تأخير غير مبرر. بتسلمه قبول العرض الموجه إليه. يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه.

يعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بالتسلم متوصلا بها إذا كان بإمكان الأطراف المراسلة إليهم الولوج إليها “.

ووفق النص الجديد، يمر العقد الالكتروني بعدة مراحل قبل انعقاده واكتسابه الصبغة الإلزامية، فهو يبتدئ بعرض الكتروني يرقى لمستوى الإيجاب القانوني يتلوها بعد ذلك قبول العرض من طرف الزبون القابل، ليتلوها بعد ذلك إشعار آخر من الموجب يؤكد من خلاله تسلمه قبول العرض الموجه، وإذا كانت هاته المراحل الثلاث ضرورية وإلزامية عند إبرام عقد الكتروني، فالمشرع اعتبر أن المرسل إليه ملزم بالقبول فور تسلم العرض من الموجب، وتتحدد هذه الفترة في الوقت الذي بإمكان الأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها.

المطلب الثاني

محتوى القبول الالكتروني

للاعتداد بالقبول الالكتروني، ولكي ينتج أثره القانوني وجب أن يأتي مطابقا للإيجاب فيما تضمنه من عروض، وأي تعديل لهذا الأخير يعتبر رفضا للإيجاب. كما أنه لكي ينتج هذا القبول أثره القانوني كان لابد وأن يصدر في وقت يكون فيه الإيجاب لازال قائما.

ولأهمية هذين الشرطين في تحقق القبول الالكتروني كان لابد من إفرادهما في فقرة خاصة، نحاول من خلالها التطرق لإشكاليتين مركزيتين ملازمتين لشرطي المطابقة في الإيجاب وتوقيت القبول وهما: ما مدى حرية الطرف القابل في مناقشة كل أو بعض الشروط في التعاقد الالكتروني؟ كما يتم التساؤل أيضا عن عنصر الزمن في العقد الالكتروني أي إلى أي مدى يبقى فيه الموجب ملتزما بإيجابه؟

الفقرة الأولى: مطابقة القبول للإيجاب مطابقة تامة

تقضي القواعد العامة للالتزامات، أن يأتي القبول مطابقا للإيجاب مطابقة تامة، ولا يحق للقابل إجراء أي تعديل لعرض الموجب وإلا كان رفضا للإيجاب واعتبر لاحقا بمثابة إيجاب جديد يستلزمه قبول آخر من الموجب الأول[11].

وتحقق هذا الشروط في القبول بصفة عامة، يكون بالتعبير الصريح أو الضمني عن الإرادة، ممن وجه إليه الإيجاب، يفيد هذا التعبير بقبوله وتطابق إرادته تطابقا تاما مع إرادة الموجب[12].

ومدى التطابق بين القبول والإيجاب عند إبرام العقد، يحيل على فكرة ثانية وهي مدى هامش الحرية في المناقشة والاتفاق على شروط العقد، وإذا كانت طرق التعاقد التقليدية تسمح بالالتقاء المباشر بين مقدم السلعة أو الخدمة والزبون، حيث تخضع شروط العقد للمفاوضات المباشرة بين طرفي العلاقة. فإن التعاقد باستعمال الوسائل الالكترونية أصبح يطرح معه أكثر من سؤال حول هامش الحرية تلك التي توفرها السبل التقليدية، وبمعنى آخر هل يمكن للطرف المتعاقد أن يناقش شروط العقد عند التعاقد الكترونيا، أم أن العقود الالكترونية أصبحت وبامتياز عقود إذعان لا يحق للزبون مناقشتها، وليس له إلا الموافقة أو رفض العقد برمته؟

ويعرف البعض عقد الإذعان بأنه “العقد الذي يسلم فيه أحد الطرفين بشروط مقررة يضعها الطرف الآخر ولا يسمح بمناقشتها وذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية يكون محل احتكار قانوني أو فعلي، أو تكون المناقشة محدودة النطاق بشأنها”[13]. ووفق هذا التعريف يمكن حصر خصائص عقود الإذعان فيما يلي:

· تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للزبون.

· احتكار الموجب لهذه السلعة أو المرافق احتكارا قانونيا أو فعليا.

· صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة، وعلى نحو مستمر، أي يكون العرض لمدة غير محددة.

وفي الغالب يكون العرض في صيغة مطبوعة تحتوي على شروط مفصلة لا تجوز فيها المناقشة، وأكثرها لمصلحة الموجب، فهي تارة تخفف من المسؤولية التعاقدية، وأخرى تشدد من مسؤولية الطرف الآخر، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يصعب فهمها على أوساط الناس.

وبهذه الخصائص التي تنفرد بها عقود الإذعان عن العقود العادية. فإنه لا يتم اللجوء إليها إلا بمناسبة بعض العقود الخاصة ذات الطبيعة العامة[14]، بحيث لا يستطاع معه الاستغناء عنها كعقود النقل أو الماء أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي.

إلا أن المزاوجة بين ممارسة النشاط التجاري واستعمال تكنولوجيا المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة، جعل من عقود التجارة الالكترونية مجالا خصبا لانتشار عقود الإذعان، ومع مرور الوقت لم يعد التمثيل لهذه الفئة يجد منبعه في عقود الغاز والماء والكهرباء، بل أصبحت عقود التجارة الالكترونية أكبر مثال على تنامي وانتشار ظاهرة عقود الإذعان، كشكل استثنائي من المبدأ العام والذي هو حرية الإرادة في التعاقد.

وحول ما إذا كانت العقود الالكترونية هي عقود إذعان أم أنها تخرج من نطاقها، يمكننا التمييز فقهيا بين اتجاهين متمايزين في هذه المسألة، فيرى الاتجاه الأول والذي يمثله البعض من الفقه الفرنسي إن العقود المبرمة عن طريق الانترنت من قبل عقود الإذعان إذا كانت الشروط العامة للبيع مذكورة بموقع التاجر بحيث لا يكون أمام زائر الموقع المشتري المحتمل إلا أن يقبلها أو لا يتعاقد مطلقا[15].

وهو نفس اتجاه الفقه المصري الذي يرى أن المستهلك لا يملك فرصة كافية لمعاينة ذلك المنتج أو مواصفات الخدمة المطلوبة، كذلك لا يملك إمكانية التفاوض مع البائع أو المورد بحرية كافية، وإن توافرت له هذه الفرصة فسوف تكون مكلفة بالنسبة له، ولهذا فإن عقود التجارة الالكترونية هي عقود إذعان بالنسبة للمستهلك نظرا لظروفه الاقتصادية بوصفه الطرف الضعيف في هذه العلاقة أمام الطرف الآخر والذي يكون غالبا شركة قوية وعملاقة من الناحية الاقتصادية، ولها قدرة هائلة على ترويج منتجاتها عن طريق الإعلانات.

لذلك فإن اعتبارات العدالة تقتضي النظر إلى ذلك المستهلك بوصفه طرفا مذعنا في عقود التجارة الالكترونية، كذلك فإن هذه الشركات قد تكون في بعض الأحيان محتكرة للسلعة أو الخدمة عن طريق شبكة الانترنت ويكون المستهلك في حاجة إلى اقتضائها بهذا الطريق، ولهذا يعد العقد بالنسبة له من عقود الإذعان إذ لا يملك حرية المفاضلة بين أكثر من شركة، وإنما هي شركة واحدة إن قبل فلا يملك سوى التعاقد معها. ولهذا فإن القول بأنه عقد إذعان فيه تخفيف من الأضرار التي قد تلحق بالمستهلك أو الغبن الذي قد يقع فيه[16].

أما الاتجاه الثاني فهو ما ذهب إليه بعض الفقه المصري، من نفي صفة الإذعان عن العقود الالكترونية، وبالتالي يعتبرها عقودا عادية وإن وردت في صيغة إلكترونية، وأن التغيير فقط في الوسيلة التي تجري عبرها العقود –الكومبيوتر- فإن جوهر الإذعان لن يتغير بالطرق التقليدية منه في الانترنت، وإنما هي الوسيلة التي اختلفت، وعليه فإن الشروط العامة لعقد الإذعان هي نفس الشروط العامة لعقد الإذعان عن طريق الانترنت، والتي تفرض حاجة ضرورية للسلعة أو الخدمة من جانب القابل واحتكار قانوني أو فعلي لها من طرف الموجب[17].

وفي رأينا الخاص، لا تعد العقود المبرمة عبر الانترنت جميعها عقود إذعان، كذلك لا يكفي أن تكون السلعة ضرورية للمستهلك أو محتكرة من جانب المنتج أو البائع ، للقول بأن العقود الالكترونية هي عقود إذعان، ذلك أن الإجابة عن هذا التساؤل يقتضي الرجوع إلى طبيعة القبول في العقد الالكتروني، وما إذا كان المعني بالعرض المقدم من الموجب يتمتع أم لا بهامش من الحرية في مناقشة بنود وشروط العقد.

وهي حالات خاصة تستلزم النظر وهو عنصر نفسي وواقعي وعليه لا تعد العقود الالكترونية عقود إذعان إلا إذا كان الطرف الآخر مجبرا على القبول وأن يكون هذا الإجبار في مسألة جوهرية في العقد كالثمن مثلا أو التسليم، أو رد الاختصاص لمحكمة معينة، أو فرض اللجوء لطرق تسوية حالة وقوع أي نزاع وعليه، ولو كان العقد الالكتروني مبرما بين زبون وشركات احتكارية فعلية على شبكة الانترنت تقوم بتسويق بضائعها وتقوم بعرض شروطها وأسعارها ولا تجد من يجاريها بالمنافسة، فإن العقد المبرم لا يكون عقد إذعان إلا إذا لم يكن من خيار أمام المشتري إلا أن يسلم بشروط هذه الشركات ويذعن لها، وأن ينصب الإذعان على مسألة جوهرية في العقد[18].

ولقد حاولت التشريعات الوطنية المنظمة لحقل التجارة الالكترونية، التنصيص على قواعد خاصة لحماية المستهلك المتعاقد عبر الانترنت أو بأي وسيط الكتروني آخر، هذه القواعد التي يمكن للقضاء تطبيقها بفرض إعادة التوازن للعلاقة التعاقدية، وبإنصاف الطرف المتضرر من وجوده لحظة التعاقد في وضعية إذعان، وفي هذا الصدد أوجب قانون المبادلات والتجارة الالكترونية التونسي، في الفصل 35 “على البائع إثبات حصول الإعلام المسبق وإقرار المعلومات واحترام الآجال وقبول المستهلك وكل اتفاق مخالف يعد باطلا”، كذلك تضمنت المادة 7 من مشروع قانون المعاملات الالكترونية المصري بعض المقتضيات الخاصة لحماية المستهلك من الشروط التعسفية، ومنها:

· جواز إبطال ما يرد من شروط تعسفية في العقود الالكترونية والتي يمكن اعتبارها عقود إذعان في مفهوم القانون المدني وتفسيرها لصالح الطرف المذعن.

· إبطال كل الشروط التعسفية المتعلقة بإعفاء صاحب السلعة أو مقدم الخدمة من المسؤولية .

· جواز إبطال كل شرط من شأنه الإخلال بالتوازن المالي للعقد[19].

الفقرة الثانية: صدور القبول في وقت لا يزال فيه الإيجاب قائما

تقضي قواعد التعامل بأن من يتقدم بالإيجاب يظل ملزما به، إلى حين تلقيه الرد ممن وجه إليه، والقبول وجب أن يصدر حالا إذا كان المتعاقدان يجمعهما مجلس عقد واحد، أما إذا كان المتعاقدان في مجلسين مختلفين طبقت القواعد المتعلقة بالتعاقد عن طريق المراسلة أو عن طريق الوسيط.

ولما كانت التكنولوجيا العالية وتقنية الاتصال توفران الإمكانيتين معا، فصدور القبول الالكتروني يبقى مقترنا بنوعية الوسيلة المستعملة في التواصل، ومدى الإمكانيات التي توفرها للمتعاقدين، وبالتالي إذا كانت التقنية المستعملة توفر الاتصال السمعي والمرئي معا اعتبر التعاقد كأنه تم في مجلس عقد واحد.

وعليه إذا لم يحدد الموجب أجلا للقبول، يعتبر الإيجاب كأن لم يكن إذا لم يصدر فورا قبول الطرف الآخر. وانقطاع الاتصال وانتهاؤه يعني نهاية للإيجاب المقدم، وهذا ما يوفره الربط عبر الانترنت من إمكانية مشاهدة وسماع الطرف الآخر والتكلم والتجاوب معه، كذلك الاتصال عن طريق التلفون الفضائيsky phone، فهاتين الوسيلتين معا تشبهان الحضور المادي لطرفي العلاقة في مجلس واحد، وبالتالي وجب في القبول أن يصدر فورا وإلا تحلل الموجب من إيجابه.

على خلاف ذلك تعتبر التقنيات الحديثة الأخرى المستعملة في التعاقد من باب التعاقد عن طريق الوسيط، حيث توفر التقنية إمكانية الربط فقط دون إمكانية الاتصال أو المشاهدة، ونخص بالذكر خاصة البريد الالكتروني أو علبة الرسائل الالكترونية، فمتى وجب إعلان القبول في حالة صدور الإيجاب عبر البريد الالكتروني أو باستعمال رسالة الكترونية؟ وفي حالة ما إذا كان الإيجاب مقترنا بأجل فما هو تاريخ بداية العد إذا ما تم استعمال البريد الالكتروني في التعاقد؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من التذكير بالقاعدة العامة التي أوردها المشرع المغربي في باب الالتزامات والعقود، والتي تجعل العقد الحاصل بالمراسلة تاما في الوقت والمكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب بقبوله. كذلك العقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت والمكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله[20]، وبالتالي فالعقود المبرمة عن طريق المراسلة أو الوسيط، لابد للموجب وأن يبقى ملتزما بإيجابه إلى حين تلقي الإيجاب ممن وجه إليه. ولإسقاط القاعدة المذكورة على العقود الالكترونية المبرمة عبر البريد الالكترونية وجب القول أن التشريع الوطني، وفي غياب أي تشريع خاص بالمعاملات الالكترونية، لا يتضمن أي جواب عن الإشكالية، لذا وجب الاستعانة بما تضمنه القانون النموذجي للتجارة الالكترونية، وكذا بما جاء في القوانين المقارنة، وإن كانت غالبيتها قد استقت قوانينها من القوانين النموذجية للاونسترال، كالقانون التونسي والقانون البحريني وقانون إمارة دبي، وبالتالي يعتبر الموجب له أو القابل أنه تلقى الإيجاب، ما لم يتفق على خلاف ذلك، منذ تاريخ دخول الرسالة نظام معلومات لا يخضع لسيطرة منشئ الرسالة أو سيطرة الشخص الذي قام بالإرسال نيابة عن المنشئ ( ف 1 م 15 ). أما إذا كان القابل ( أو المرسل إليه) قد حدد مسبقا نظام معلومات لفرض استلام رسائل البيانات، فإن استلام الإيجاب يتحدد في وقت دخول رسالة البيانات نظام المعلومات المعين أو وقت استرجاع المرسل إليه لرسالة البيانات إذا أرسلت هذه الأخيرة إلى نظام معلومات تابع للمرسل إليه (ف 2 م 15)[21].

وبالتالي فالموجب في العقد المبرم عبر البريد الالكتروني لا يحق له التحلل من إيجابه إلا بمرور مدة معقولة تبتدئ من تاريخ تلقي الإيجاب أو استلامه ممن وجه إليه، وهو الأجل المحدد في المادة السابقة من قانون الاوسنترال، إلا أن بقاء الموجب مرهونا لهذا الأجل في وقت يجهل فيه ما إذا كان الموجب إليه قد تلقى الإيجاب أم لا؟ وهل تعامل مع إيجابه بجدية أم لا؟

لذلك أوجد قانون الاوسنترال ومعه جميع التشريعات التي أخذت عنه تقنية الإقرار بالاستلام، وهو إجراء يمكن الموجب من معرفة تلقي الإيجاب من الموجب إليه، وذلك حينما يطلب المنشئ (الموجب) من المرسل إليه (القابل)، وقت أو قبل توجيه رسالة البيانات، توجيه إقرار باستلام رسالة البيانات، وقد يتم هذا الإقرار بالاستلام وفق شكل معين كما قد يتم وفق أي إبلاغ من جانب المرسل إليه سواء كان بوسيلة آلية أو بأية وسيلة أخرى أو أي سلوك من جانب المرسل إليه[22].

والإقرار بالاستلام كشكل لإعلان القبول الالكتروني، يجد محله أساسا عندما يكون الموجب قد حدد أجلا للوفاء بما ضمنه في إيجابه من عروض. فيعتبر الإيجاب كأن لم يرسل أصلا وإلى حيث ورود الإقرار بالاستلام من المرسل إليه، وفي هذه الحالة وجب على المرسل إليه أن يحدد موقفه من الإيجاب المقدم إليه داخل الأجل المحدد في العرض ، والذي يبتدئ أساسا من تاريخ توجيه الإقرار بالاستلام، حيث تقوم كقرينة قانونية على تلقي الإيجاب من لدن المرسل إليه[23].

[1] – « Au siècle dernier, sans ordinateur, Eugène Gaudmet, définit l’offre et l’acceptation : « Une des parties prend l’initiative, propose à l’autre de contracter. L’autre déclare consentir ». à l’ère d’internet, pour un code européen, les principes du droit européen du contrat (art2 :204) affirment que « Constitue une acceptation toute déclaration ou comportement du destinataire indiquant qu’il acquiesce à l’offre ». NOGUERO(David ). L’acceptation dans le contrat électronique. Collection de la faculté de droit et des sciences sociales. Éditer par : Université de poitiers.France2005. p50.

[2] – نص الفصل 3 من قانون الالتزامات و العقود المغربي على ” أن الأهلية المدنية للفرد تخضعه لقانون أحواله الشخصية ” كما أكد الفصل 23 من نفس القانون على أن ” الإيجاب الموجه لشخص من غير تحديد ميعاد يعتبر كان لم يكن إذا لم يقبل على الفور من الطرف الآخر”.

[3] – اصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس في جدة بالمملكة العربية السعودية سنة 1990. حكما حول إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ، حيث قرر ما يلي :

أولا : إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى احدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة ( الرسول )، وينطبق ذلك على البرق و التلكس و الفاكس وشاشات الحاسب الآلي( الحاسوب )، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه .

ثانيا : إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف و اللاسلكي، فان التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء .

[4] – العلوي العبدلاوي(إدريس) . شرح القانون المدني – النظرية العامة للالتزام – نظرية العقد . مطبعة النجاح الجديدة . ص 221 .

[5] – « L’émission et la réception sont pratiquement instantanées, En effet, le temps que le message électronique d’acceptation parvienne au site ou dans la boite mail de l’autre partie est normalement d’une brièveté électrique. Sauf incident technique sur le réseau, l’acceptation sera donc réputée reçue quelques minutes au plus après qu’elle ait été émise ». NOGUERO(David). L’acceptation dans le contrat électronique. p 67.

[6] – المنزلاوي(صالح). القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الالكترونية. ص 105 و 106 .

[7] – محمد منير الجنبيهي و ممدوح منير الجنبيهي. الطبيعة القانونية للعقد الالكتروني. دار الفكر الجامعي. الإسكندرية. 2006. ص 26.

[8] – La directive du parlement européen, énonce dans l’article11, que »Les états membres veillent, Sauf si les parties qui ne sont pas des consommateurs en ont convenu autrement, à ce que, dans les cas ou un destinataire passe sa commande par des moyens technologique, les principes suivants s’appliquent :

_ Le prestataire doit accuser réception de la commande du destinataire sans délai justifié et par voie électronique.

_ La commande et l’accusé de réception sont considérés comme étant reçus lorsque les parties auxquelles ils sont adressés peuvent y avoir accès. ». Olivier D’Auzon – Le droit du commerce électronique –éditions du puits fleuri – France – 2007. P37.

[9] – « L’auteur de l’offre doit accuser réception sans délai injustifié et par voie électronique de la commande qui lui a été ainsi adressée » (art1369-2, al2). Ce n’est que si la commande parvient par voie électronique à l’auteur de l’offre(« ainsi »), que celui-ci est tenu d’y répondre par le même support. David NOGUERO. L’acceptation dans le contrat électronique. P67.

[10] – بيومي حجازي(عبد الفتاح). مقدمة في التجار الالكترونية العربية. المجلد الأول: قانون التجارة الالكترونية والمبادلات التونسي. ص 131.

[11] – ينص الفصل 27 من قانون الالتزامات و العقود على أن: ” الرد المعلق على شرط أو المتضمن لقيد يعتبر بمثابة رفض للإيجاب يتضمن إيجابا جديدا “

[12] – En droit français, une offre(ou pollicitation),au sens juridique du terme, est l’émission précise, ferme et non équivoque de la volonté de contracter de l’une des parties, de telle sorte que soit formé. L’offre doit porter sur les éléments essentiels du contrat et sur les éléments jugés déterminants par les parties, dans chaque cas d’espèce.

L’application de cette conception à internet ne soulève aucune difficulté. Le droit du commerce électronique. d’Auzon(Olivier). p 36.

[13] – أمين الرومي(محمد). النظام القانوني للتحكيم الالكتروني. دار الكتب القانونية و دار الشتات للنشر و البرمجيات . مصر. المحله الكبرى . 2008 . ص16 .

[14] – أمين الرومي(محمد). النظام القانوني للتحكيم الالكتروني. ص 18 .

[15] – « Si le- sur mesure – est un maitre mot de cette démarche commerciale en ce qui concerne les modalités juridiques de l’opération, les conditions générales de vente sont la loi d’une partie qui prétend l’imposer à l’autre comme loi commune. Le modèle du contrat d’adhésion facilite la rapidité de la transaction » Guide juridique de l’Internet et du commerce électronique. Bresse(Pierre). Op cit. p185.

[16] – بيومي حجازي(عبد الفتاح) . التجارة الالكترونية و حمايتها القانونية. دار الفكر الجامعي . الإسكندرية . 2004 . ص 239 .

[17] – خالد العجلوني (أحمد ). التعاقد عن طريق الانترنت. دار الثقافة و الدار العلمية الدولية. عمان. الأردن. 2002 . ص 117 .

[18] – وهذا الرأي نجد له مقابلا لدى بعض الفقه الفرنسي الذي يرى بان تطور أنظمة البحث في عقود التجارة الالكترونية تسير نحو قلب المعادلة لتصبح عقود التجارة الالكترونية هي عقود إذعان لصالح المستهلك وضدا على مصالح المقاولة:

« En forçant le trait dans certains situation, ce sera le consommateur qui fixera les termes et les conditions du contrat d’adhésion, qu’il proposera aux entreprises, et si l’on suit cette logique, c’est le professionnel qui serait victime de clauses abusives stipulées par un abus de puissance économique du consommateur ». Guide juridique de l’Internet et du commerce électronique. Bresse(Pierre). p186.

[19] – بيومي حجازي(عبد الفتاح). مقدمة في التجار الالكترونية العربية. المجلد الأول: قانون التجارة الالكترونية والمبادلات التونسي. ص 125 .

[20] – نص الفصل من قانون الالتزامات و العقود المغربي على أنه : ” يكون العقد الحاصل بالمراسلة تاما في الوقت و المكان اللذين يرد فيهما من تلقى الإيجاب بقبوله والعقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت و المكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله “

[21] – محمد منير الجنبيهي و ممدوح منير الجنبيهي. الطبيعة القانونية للعقد الالكتروني. ص 34 .

[22]- محمد منير الجنبيهي و ممدوح منير الجنبيهي. الطبيعة القانونية للعقد الالكتروني. ص 34 .

[23] – أحمد خالد العجلوني . التعاقد عن طريق الانترنت. ص 124 .

بقلم د مولاي حفيظ علوي قاديري

دكتور في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال أستاذ بكلية الحقوق مراكش

إغلاق