دراسات قانونيةسلايد 1
التحكيم الداخلي (دراسة قانونية)
يعتبر التقاضي أمام المحاكم التي تنشئها الدولة وتختار قضاتها وتضع القوانين التي تطبقها، الطريق العادي لفض المنازعات التي تقع في المعاملات المدنية والتجارية على السواء. غير أن هذا الطريق وإن كان مأمونا بسبب ما يوفره من ضمانات تكفل سلامة العدالة التي يؤديها، فإنه يتسم بطول الإجراءات وبطئ المساطر، وهو عيب وإن كان من الجائز التغاضي عنه في المعاملات المدنية فإنه غير محتمل في المعاملات التجارية، لما ينتج عنه من إرباك لمخطط التجار وإرهاق لقدراتهم التنافسية، ويعطل حركة الأموال ويفسد برامج تنفيذ التعهدات التجارية.
وإذا تعلق الأمر بالتجارة الدولية تظهر عيوب أخرى أبرزها القلق الناجم عن تعيين المحكمة المختصة، والقانون الواجب التطبيق في إطار تنازع القوانين والاختصاص القضائي، والذي قد يكون قانون وطنيا غريبا على أحد أطراف النزاع إن لم يكن غريبا عليهما معا فضلا عن عدم ملائمته للتجارة الدولية.
ومع ما ينتظره المغرب من ضرورة الاندماج في النسيج الاقتصادي العالمي الذي يشهد تحولات اقتصادية واجتماعية متنوعة، وأمام غلبة اقتصاد السوق ونموذج النيوليبرالية لم تعد هناك دولة في منأى عن تحكم السوق في اقتصادها الوطني، وبما بدأ يشهده المغرب من انفتاح على الأسواق الخارجية في طريقه نحو الاندماج في الكونية برفع الحدود الجمركية وإتمام خوصصة المؤسسات العمومية وخفض الضرائب لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار.
أمام هذا أصبحت الحاجة إلى اعتماد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، لما تتصف به من مميزات تمكنها من تجاوز مثالب القضاء العادي، وفي هذا السياق يحضر التحكيم الذي أصبح مظهرا من مظاهر الفكر القانوني الحديث، وأداة لتنشيط التجارة العالمية باعتباره القضاء الأصيل للعولمة.
وبالعودة إلى نظامنا القانوني الوطني يظهر أن التحكيم منظم في الباب الثامن بالقسم الخامس (الفصول من 306 إلى 327 ) من قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 28 سبتمبر 1974 ، ولا يتضمن سوى 22 فصلا فقط، وهذا يبقى غير كاف لاستيفاء تنظيم التحكيم في جميع جوانبه، بالإضافة إلى كون مجال التحكيم يعرف تقييدا واضحا يحد من حرية اللجوء إليه ، ففي زمن العولمة وحرية التبادل لا يمكن أن نقصي من التحكيم النزاعات المتعلقة بالتجارة الخارجية، ولا يفهم كذلك لماذا كانت تستبعد النزاعات المتعلقة بحل الشركات من نظام التحكيم.
هذا وقد كان نظام التحكيم المغربي يمنع أشخاص القانون العام من الاتفاق على التحكيم، رغم كون الاجتهاد القضائي اعترف لهم بهذه الأهلية في مجال المعاملات الدولية، وبالتالي أصبح اللجوء إلى التحكيم أكثر تعقيدا ، على اعتبار انه المادة التجارية يمكن اختيار المحكم أو المحكمين مسبقا وهذا الاختيار يعتبر باطلا إذا كان الشرط التحكيمي غير مكتوب بخط اليد وخاصة إذا لم يكن مصادقا عليه من قبل الأطراف.
مع أن القانون المغربي لا يميز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي والقانون الجديد اهتم فقط بالتحكيم الداخلي ومدد مقتضياته إلى التحكيم الدولي رغم خصوصية المجال الدولي رغم خصوصية المجال الدولي، مما يؤدي إلى عدم مواكبة التشريع للحلول الدولية المستجدة في ميدان التحكيم وضعف في الممارسة القضائية للتحكيم حيث يتم الاقتصار على طلب الصيغة التنفيذية لأحكام المحكمين.
وقد جاء القانون رقم 08.05[1] بهدف وضع إطار قانوني متكامل وفعال لتحكيم الداخلي والدولي و الوساطة الاتفاقية استجابة للتطورات التي يعرفها ميدان المال و الأعمال وانسجاما مع المبادئ الدولية للتحكيم. وكمحاولة لإعادة النظر في المنظومة القانونية للتحكيم ببلادنا وإعطاء التحكيم التجاري مكانة خاصة تراعي هذه المستجدات وتضمن لمختلف الفاعلين الاقتصاديين الحصول على عدالة في ظروف يطمأن إليها الأطراف، عدالة ترتكز على قواعد مرنة وعلى مبادئ الإنصاف مع مراعاة عادات وأعراف الميدان التجاري المحلية والدولية ، ووضع التصورات الكفيلة بتطوير الإطار القانوني للتحكيم تنسجم مع المبادئ الدولية الجديدة وتستفيد من الإصلاحات التي همت القوانين الأجنبية و القوانين الدولية النموذجية وتساير تطلعات الفاعلين الاقتصاديين وضرورة تشجيع الاستثمار.
وسنتناول في قراءتنا للقانون رقم 08.05 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية، الوقوف عند ملاحظات من حيث الشكل (أولا)، والتركيز على أهم المستجدات من حيث الموضوع (ثانيا).
المبحث الأول: ملاحظات من حيث الشكل :
أولا . على مستوى تقنية التشريع : هناك خيارين، الأول هو سن قانون أو مدونة خاصة بالتحكيم وهو الخيار الذي تم تبنيه في مشروع مدونة التحكيم[2] ، قبل التراجع عنها لصالح الخيار الثاني وهو دمج مقتضيات قانون رقم 08.05 في قانون المسطرة المدنية ، وذلك قصد عدم الإخلال ببنيته، لكن مساحة المواد المخصص لتحكيم في قانون المسطرة المدنية قيد حرية المشرع إلى درجة تكرار الفصل (327)، 70 مرة.
ثانيا. بخصوص الموضوع المطروح : هو إمكانية سن تشريع عام يضم جميع الوسائل البديلة لحل النزاع فيشمل التحكيم والوساطة والصلح والتوفيق، بينما المشرع المغربي ارتأى تنظيم التحكيم في الفرع الأول والثاني من قانون رقم 08.05، وخصص الفرع الثالث منه للوساطة الاتفاقية، ولم ينظم الصلح باعتباره متجدرا في الأعراف والتقاليد المغربية ويتطور في إطار غير منضم ومن شأن تنظيمه أن ينزع عنه طابع التلقائية.
ثالثا. من حيث الموقف الذي يمكن اتخاذه تجاه القانون النموذجي لسنة 1985: فهناك ثلاثة فرضيات من حيث تقنية التشريع، الأولى نقل القانون النموذجي إلى القانون الوطني لتنظيم التحكيم الداخلي والدولي وهنا القانون المصري للتحكيم نموذجا، ثانيا ، تبني القانون النموذجي لكن فقط على مستوى التحكيم الدولي، القانون التونسي للتحكيم نموذجا، ثالثا هناك من يسلك مسلك خاص في تعامله مع القانون النموذجي، مثل القانون رقم 08.05 تبني المشرع نظاما تنائيا يميز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، يستمد روح القانون النموذجي و خصوصا في تعريفه لدولية التحكيم[3].
المبحث الثاني: من حيث الموضوع:
أولا.الأسس العامة للتحكيم من خلال القانون رقم 08.05 :
I. تعريف التحكيم ( الطبيعة الثنائية للتحكيم ):
التحكيم اثر من أثار القضاء الخاص وقد نظم المشرع في المجتمعات الحديثة هيئات عامة تتولى الفصل في الخصومات، حيث هناك قضاء عام تتولاه سلطة من سلطات الدولة هي السلطة القضائية ولكن المشرع أباح مع ذلك لدوي الشأن أن يتفقوا على طرح منازعاتهم على أشخاص من الأفراد ليفصلوا فيها يسمون محكمين ، فالتحكيم في التشريع الحديث أثر من أثار القضاء الخاص الذي كان شائعا في المجتمعات البدائية، و التحكيم حسب القانون رقم 08.05 في فصله 306 منه هو حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم، وبهذا التعريف يكرس المشرع الطبيعة المزدوجة للتحكيم فهو في نفس الوقت وسيلة اتفاقية وقضائية لحل النزاعات[4]، حيث أن تعيين المحكم بمقتضي الاتفاق المبرم بين الأطراف يعطي له سلطة قضائية .
II. احترام إرادة طرفي التحكيم:
هذه الحرية هي عماد نظام التحكيم إذا فقدها فقد هويته وكلما زاد مقدار الحرية التي يمنحها التشريع لطرفي التحكيم كلما زادت ثقتهما فيه، وزاد اطمئنانهما إلى الحكم الذي ينتهي إليه، وينطلق المشرع المغربي من هذا المبدأ العام إذ ترك للطرفين حرية الاتفاق على التحكيم في الفصل307 من القانون رقم 08.05 ، و ترك للطرفين حرية في كيفية تعيين المحكمين وتسميتهم حسب منطوق الفصل 2-327، وحرية في اختيار القواعد التي تسري على الإجراءات وتلك التي تطبق على موضوع النزاع وتعيين مكان التحكيم واللغة التي تستعمل في قرار التحكيم بناء على الفصل 10-327، ووضع المشرع لكل هذه الحريات قواعد احتياطية لتطبيق عند غياب إرادة الأطراف.
III. استقلال هيئة التحكيم :
استقلال محكمة التحكيم هو من المبادئ العامة التي تقوم عليها الأنظمة المتقدمة في التحكيم، ويتمثل هذا الاستقلال في النظر إليها بوصفها قضاءا اتفاقيا يختاره الطرفين خصيصا للفصل في النزاع القائم بينهما فينبغي ألا يكون عليه من سلطان إلا لما اتفق عليه الطرفان، ومن مظاهر هذا الاستقلال في القانون المغربي نصه على اختصاص محكمة التحكيم بنظر الطلبات المتعلقة برد أعضاء هيئة التحكيم خصوص في الفصل 6-327، وكذا من حيث اختصاصه في الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصه أو اختصاص الاختصاص من خلال الفصل 9-327 بيد أن هذا الاستقلال وإن كان مطلوبا في ذاته ينبغي ألا يصل إلى حد القطيعة عن قضاء الدولة، وذلك مع إقرار مبدأ أن لا يتدخل القضاء في قضايا تحكيمية إلا مع وجود نص قانوني، وذلك مثل تدخل رئيس المحكمة بتعيين محكم إضافي في حالة اختيار عدد مزدوج من المحكمين، و عدم اتفاق الطرفين أو المحكمين على تعيينه ولا يقبل الأمر الرئاسي لرئيس المحكمة أي طعن بناء على الفصل 4-327، وكذا يتدخل القضاء لتمديد الأجل الاتفاقي أو القانوني للتحكيم (6 أشهر) بناء على الفصل 20-327، ثم يتدخل القضاء لمنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي حسب الفصل 31-327، وهناك أمور لا مناص فيها من تقرير الرقابة القضائية على قرارات هيئة التحكيم الفصل 36-327.
VI. السرعة في إنهاء الإجراءات لإصدار حكم التحكيم:
تظل السرعة من سمات نظام التحكيم، والتي تجعله مفضلا عند التجار ورجال الأعمال ومن واجب الشارع المحافظة عليها بإزالة العقبات الشكلية، واقتضاب مواعد الإجراءات، و الاقتصاد في إجازة الطعن في قرارات محكمة التحكيم، وفي المشروع مواضيع عديدة يتجلى فيها هذا الاعتبار حيث يختار الإجراءات في مواعيد معقولة، وذلك بداية بقبول الهيئة التحكيمية المهمة المعهود إليهم بها حسب الفصل 6-327، مرورا بإجراء التحقيق وبالاستماع إلى الشهود أو تعيين خبراء الفصل 11-327، انتهاءا بصدور الحكم التحكيمي وانتهاء مهمة المحكمين بعد مضي ستة أشهر بصريح منطوق الفصل 20-327، ولعل الموضوع الفذ الذي يبدو في حرص المشرع على الالتزام بالسرعة هو عندما وضع لإصدار حكم التحكيم حدا زمنيا أعلى حيث يكون لأي من الطرفين بعد ذلك رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا للنظر في النزاع.
V.احترام حقوق الدفاع:
يعتبر مبدأ احترام حقوق الدفاع من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العدالة الرسمية، ويأتي التحكيم لكي يقرها ويؤسس لها ، حيث تضمن القانون المغربي للتحكيم عدة مقتضيات، عبر النص الصريح على ضرورة احترام القواعد المتعلقة بحقوق الدفاع في الفصل 319، كما أكد على ضرورة أن يعمل الطرفين على قدم المساواة وتهيئ لكل منهم الفرصة كاملة لعرض دعواه ودفوعاته وممارسة حقه في الدفاع بناء على الفصل 10-327، وينص المشرع في الفصل 49-327 على كون عدم احترام حقوق الدفاع يعتبر من الأسباب المبررة للطعن بالاستئناف في الأمر القضائي بتخويل الاعتراف أو الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي في مادة التحكيم الدولي، بالإضافة إلي إمكانية أن يعين الأطراف أي شخص يمثلهم أو يؤازرهم حسب الفصل 12-327، وهذا من ابرز مميزات قاعدة احترام حقوق الدفاع، والتي تأسس كذلك للإلزام المحكمين بكتمان السر المهني طبقا لماهو منصوص عليه في القانون الجنائي المغربي الفصل 326، وبهذه الفصول يكون المشرع قد أسس للقاعدة العامة بمراعاة مبدأ احترام حقوق الدفاع[5]، وحدد القواعد والإجراءات اللازمة لحماية وتطبيق المبدأ.
ثانيا. المبادئ العامة للتحكيم من خلال القانون رقم 08.05:
I.القابلية للتحكيم[6] :
القانون السابق للتحكيم وخصوصا (المادة 306 ق م م) كان يمنع الاتفاق على التحكيم في عدة مسائل يحكمها القانون العام ( عقود وأموال يخضع نظامها القانون العام، الأثمان و التداول الجبري و الصرف و التجارة الخارجية )، وهذا التضييق من نطاق المواضيع القابلة للتحكيم كان محل نقد من لدن الفقه، وقد جاء قانون رقم 08.05 ليتجاوز هذا التضييق و ليوسع من نطاق التحكيم لتشمل القابلية عدة مواضيع هي:
1.جواز التحكيم في النزاعات المالية الناتجة عن التصرفات الأحادية للشخص العام و العقود التي تبرمها الدولة : فالقانون رقم 08.05 وإن لم يجز الاتفاق على التحكيم في النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاص السلطة العمومية، فإنه نص في المادة 310 على ان النزاعات المالية الناتجة عنها التصرفات الأحادية يمكن أن تكون محل عقد تحكيم، وأجازت الفصل 310 أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التقييد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليها في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية، وكذا ألزم المشرع في الحكم التحكيمي الذي يهم نزاع يتعلق بالشخص العام أن يكون دائما معللا وفقا للفصل 327.23.
2. جواز التحكيم في النزاعات التي تهم المقاولات العامة والمؤسسات العامة: وهنا حقق القانون انجاز بنصه في الفصل 311 على جواز التحكيم للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية وذلك من خلال مجالس إدارتها أو رقابتها ومع أن القانون لا يجيز شرط التحكيم إلا فيما بين التجار[7] ، فإنه أجازة للمؤسسات العامة إبرام المشروع لا يجيز شرط التحكيم إذا لا فيما بين التجار فإنه أجاز للمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الإجراءات المحددة من قبل مجلس إدارتها وأجهزة وصايتها.
II. معيار اعتبار التحكيم وطني أو تحكيما تجاريا دوليا:
ينتمي التحكيم الموصوف بالوطني في كل عناصره إلي دولة معينة، وعلى عكسه فان التحكيم يكون غير وطني بالنسبة لهذه الدولة إذا ارتبط في أحد عناصره بعوامل خارجية أو أجنبية وهو في هذه الحالة يوصف بالأجنبي أو الدولي، وقد قدم الفقه والقضاء الدوليين مؤشرات كثيرة على دولية التحكيم، غير أنه يمكن إبراز أهم معايير التفرقة بين التحكيم الداخلي و الدولي إلى ثلاثة معايير، الأول معيار جغرافي يتمثل في مكان التحكيم، والثاني معيار قانوني عند ارتباط عناصر النزاع بأكثر من نظام قانوني، والثالث معيار اقتصادي يتمثل في موضع العقد الذي تجري تسوية منازعاته عن طريق التحكيم بالتجارة الدولية أو بمعاملة دولية[8].
وقد تبنى القانون رقم 08.05 في الفصل 327.40 المعيار الاقتصادي بنصه على اعتبار التحكيم دوليا كلما مس مصالح التجارة الدولية، وكذا المعيار الجغرافي إذا كان لأحد أطراف عقد التحكيم مقر أو موطن بالخارج أو كان موضوع اتفاق التحكيم يهم أكثر من بلد واحد.
وعندما نص القانون رقم 08.05 في الفصل 327.44، على أن الهيئة التحكيمية تأخذ بعين الاعتبار مقتضيات العقد الذي يربط بين الأطراف و الأعراف و العادات السائدة في ميدان التجارة نكون أمام إعمال المعيار القانوني، ويتنوع معايير اعتبار التحكيم دوليا نقول بحق أن القانون توفق في تبنيه لهذه المعايير.
III. المحكمة المختصة بالنظر في النزاع:
يلعب القضاء دورا هاما في دعم التحكيم، وهذا ما دهب إليه القانون رقم 08.05، حيث وزع الاختصاص القضائي بين القضاء الإداري وبين القضاء التجاري، حيث يرجع الاختصاص إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني وذلك حسب منطوق الفصل 310، وكذا يختص رئيس المحكمة التجارية بكل الإجراءات المرتبطة بالخصومة التحكيمية طبقا للفصل 313، فيما يخص تخويل الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي إذا كان التحكيم داخليا إما إذا كان التحكيم دوليا فإن رئيس المحكمة التجارية بالرباط هو صاحب الاختصاص بناء على الفصل 327.41.
وبذلك ستتعدد جهات القضاء الذي يمنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي، قضاء القانون العام والقضاء التجاري و القضاء الإداري، وذلك حسب نوعية النزاع و أطرافه.
ثالثا: اتفاق التحكيم:
التحكيم حق قرره القانون للأفراد يخول لهم الاتفاق على إحالة ما ينشأ بينهم من نزاع بخصوص تنفيذ عقد معين أو على إحالة أي نزاع نشأ بينهم بالفعل، على واحد أو أكثر من الأفراد يسمون محكمين ليفصلوا في النزاع المذكور بدلا من أن يفصل فيه القضاء المختص ويسمي الاتفاق المذكور عقد التحكيم ( مشارطة التحكيم )وإذا حصل ذلك الاتفاق تبعا لعقد معين سمي شرط التحكيم[9] ، وقد القانون رقم 08.05 بعدة مستجدات في مجال اتفاق التحكيم هي :
I.صور اتفاق التحكيم:
حيث عرف القانون رقم 08.05 عقد التحكيم بكونه ذلك الاتفاق الذي يلتزم به أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض خذا النزاع على هيئة تحكيمية، والجديد أن هذا العقد يمكن إبرامه ولو خلال دعوة جارية أمام المحكمة وهنا يكون عقد التحكيم سالبا لإختصاص المحاكم من النظر في النزاع وهذا ما ورد في الفصل 314.
وكذا جاء الفصل 316 من القانون رقم 08.05 في تعريف شرط التحكيم كصورة ثانية من صور اتفاق التحكيم، فهو ذلك الاتفاق الذي يلتزم بمقتضاه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المكتوب، ويعتبر هذا الشرط اتفاقا مستقلا عن العقد الأصلي ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كلن هذا الشرط صحيحا في ذاته وهذا تأسيسا على القاعدة الفقهية نسبية العقد، والفصل 318 من القانون.
وقد تضمن القانون رقم 08.05 صورة جديدة لاتفاق التحكيم حيث نصت الفقرة الاخيرة من الفصل 313 على شرط التحكيم بالإحالة، وهو كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزء من العقد.
II.التخفيف من شرط الكتابة:
كان القانون القديم للتحكيم في (الفصل 307 ق م م ) ينص على أنه ” يتعين إبرام عقد التحكيم كتابة “، وكما أن الفصل 309 من ق م م ينص على أنه ” يتعين … أن يكون شرط التحكيم مكتوبا باليد و موافقا عليه بصفة خاصة من لدن الأطراف تحت طائلة البطلان”، وبالتالي يكاد المشرع المغربي ينفرد في اعتبار الكتابة شرط انعقاد لعقد التحكيم[10] ، رغم أن الغالب هو اعتبارها شرط إثبات فقط، هذا بالإضافة إلى المبالغة في شرط التحكيم بضرورة كتابته باليد، مما يجعله أكثر اتصالا بالنظام العام مع أنه قيد غير ملائم للمناخ التجاري.
وقد جاء القانون رقم 08.05 ليخرج عن الكثير من الأحكام المتشددة،وأوجب تحرير اتفاق التحكيم كتابة سواء بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر ينجز أمام الهيئة التحكيمية بناء على الفصل 313، وقد أخل المشرع بالمفهوم الموسع للكتابة ولم يتقيد بالشكلية حيث اعتبر اتفاق التحكيم مكتوبا إذا ورد في اتصال بالتلكس أو برقيات أو أي وسيلة من وسائل الاتصال.
III.توسيع صلاحيات الهيئة التحكيمية:
1.الاختصاص بالاختصاص: تأكيد مبدأ ” الاختصاص بالاختصاص” يزيد بأن يكون للمحكم القدرة و الصلاحية من أجل البث في الاختصاص أو الصلاحيات الخاصة به[11] ، ويشكل ذلك معطى ايجابي لهذا القانون، ويعتبر هذا المبدأ ضمانة إضافية لاستقلالية التحكيم وذلك وفقا للفصل 327.9، فعلى هيئة التحكيم قبل النظر في الموضوع أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن.
وهذا المبدأ هو الوارد في المادة 16 من القانون النموذجي للأونسترال المتعلق بالتحكيم التجاري الدولي، لكن ما يعاب على الفصل 327.9، انه يربط ممارسة الهيئة التحكيمية لحقها في النظر في اختصاصها بتنسيق بينها وبين النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف صاحبة الاختصاص المكاني، لكن استشارة النيابة العامة يكون فقط لموافاة الهيئة التحكيمية بالمعلومات المفيدة مع أن عدم جواب النيابة العامة داخل أجل خمسة عشر (15) يوما لرفع الطلب ، يعطي للهيئة التحكيمية صلاحية النظر في اختصاصها.
2.صلاحية الهيئة التحكيمية للقيام بكل الإجراءات التحقيق وكذا الأمر بالإجراءات التحفظية[12]: خول القانون رقم 08.05 للهيئة التحكيمية القيام بكل إجراءات التحقيق من استماع للشهود أو تعيين خبراء بناء على الفصل 327.11، كما أن الاستماع أمام الهيئة يكون بدون أداء اليمين القانوني الفصل 327.12، لكن المشرع لم ينص صراحة إلى صلاحية الهيئة التحكيمية للبث في المنازعات المتعلقة بتحقيق الخطوط وفي الزور الفرعي وحسب منطوق الفصل 327.17 فإذا ثم الطعن بالزور في ورقة أو سند قدم إلى هيئة التحكيم ، واتخذ إجراءات جنائية بشأن تزويره يوقف إجراء التحكيم حتى يصدر حكم نهائي في الموضوع.
كما أن القانون رقم 08.05 خول للهيئة التحكيمية صلاحية الأمر بالإجراءات التحفظية، وذلك من خلال الفصل 327.15 ولتدعيم فعالية هذا الإجراء يجوز للطرف الذي صدر الأمر لصالحه الالتجاء إلى رئيس المحكمة المختصة بقصد استصدار أمر بالتنفيذ.
رابعا: هيئة التحكيم و الإجراءات:
تعرض القانون رقم 08.05 في جزئه الفرعي الثاني لهيئة التحكيم لتشكيلها وكيفية اختيار المحكمين و الشروط التي يجب توافرها في المحكم وإجراءات تجريح أو عزل أحد المحكمين وكذا إجراءات التحكيم، حيث ترك المشروع لإرادة الطرفين في كل هذه الأمور مجالا رحبا للاتفاق، مع وضعه لقواعد قانونية لملأ الفراغات التي تنشأ عن عدم وجود الاتفاق حيث تعتبر هذه كقواعد اجتماعية في حالة غياب إرادة الأطراف، ولكن ابرز مستجدات هذا القانون تتمثل في :
I.ممارسة مهنة المحكمين وشروطها:
لم ينظم القانون رقم 08.05 هيأة المحكمين لكنه من خلال الفصل 321، أوجب على الأشخاص الطبيعيون الذين يقومون اعتياديا أو في إطار المهنة بمهام المحكم حيث من خلال هذه المقتضيات يظهر أن المشرع يحاول تنظيم مهنة المحكمين حيث ألزم المحكمين أن يصرحوا بذلك إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف الواقعة في دائرة نفوذها محل إقامة الأشخاص الطبيعيين أو المقر الاجتماعي للشخص المعنوي إذا كون المحكمين شركة أو جمعية ويسلم الوكيل العام وصلا بالتصريح بعد دراسة وضعيتهم.
لكن ما يظهر من هذه المقتضيات أنها لا تبين متى الاعتياد على ممارسة التحكيم و أن تنظم هذه المؤسسة متروك لمحض إدارة الشخص المعتوه على التحكيم، بالإضافة إلى أنه كان يلزم مركزة التصريحات بمزاولة مهنة المحكمين على صعيد وحدة مركزية بوزارة العدل، مع أن غياب الجزاء على مخالفة هذه المقتضيات يفرغها من محتواها، بالاضلفة إلى أن وضع قواعد غير دقيقة لضبط مسائل التحكيم من شأنه أن ينفر المحكمين مع عزوف الفاعلين عن اللجوء إلى هذه الوسيلة وبالتالي ينبغي تنظيم مهنة المحكمين بكيفية دقيقة.
وينظم الفصل 320 من القانون رقم 08.05، شروط مزاولة مهنة التحكيم حيث يلزم لإسناد مهمة المحكم أن يكون الشخص الذاتي كامل الأهلية وذي خبرة ولم يسبق أن صدر عليه حكم نهائي للإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من الأهلية لممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية، وكل هذه الشروط ضرورية لكي يقوم المحكم بمهامه على أحسن وجه.
II.أشكال التحكيم[13]:
لم يكن القانون السابق لتحكيم ينص على التحكيم المؤسساتي وكأن التحكيم لا يمارس إلا في إطار تحكيم خاص، ورغم هذا القيد القانوني فقد أحدثت بالمغرب عدة مراكز للتحكيم لتباشر مهامها ، لكن القانون رقم 08.05 و في فصله 319 أكد على ان التحكيم يكون إما خاصا أو مؤسساتي، أي بواسطة مؤسسة تحكيمية تنظم التحكيم من حيث المسطرة الواجب إتباعها عند غياب إرادة صريحة للأطراف بخلاف ذلك، وتشرف المؤسسة على حسن سيره، وإما تحكيما خاصا تبقى لإرادة الأطراف سلطة تنظيمه وتحديد حدود سلطات المحكمين فيه، وبهذا يكون القانون عند تنظيمه للتحكيم المؤسساتي قد جاء استجابة للواقع المغربي.
III.إجراءات التحكيم:
تقوم إجراءات التحكيم في القانون رقم 08.05 على قاعدة أساسية هي حرية الطرفين في اختيار قواعد الإجراءات حيث جاء الفصل 327.10، يضع القاعدة العامة بنصه على أن هيئة التحكيم تضبط إجراءات مسطرة التحكيم التى تراها مناسبة مع مراعاة أحكام هذا القانون دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لذا المحاكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم، كما أن الأطراف هم الذين يحددون مكان التحكيم وفي غياب إرادة الأطراف يبقى لهيأة التحكيم أن تحدد المكان و الإجراءات اللازمة لتطبيق مسطرة التحكيم[14].
وبالتالي فإن القانون عمل على تأسيس المساواة بين الطرفين وتهيئة فرصة كاملة و متكافئة لكل منهما لعرض قضيته وفقا للتصور الإجرائي الذي يناسبه، مع أن ما أورده القانون من قواعد للإجراءات ترد كاحتياط لمواجهة الفرض الذي لا يتفق فيه الطرفان على قواعد الإجراءات حيث تم ترك قدر كبير من الحرية لمحكمة التحكيم لاختيار أنسب قواعد الإجراءات للدعوى وبهذا التوجه يكون القانون رقم 08.05 قد حاول تجسيد الحكمة من نظام التحكيم وهي مرونة وسرعة حسم المنازعات.
IV.القانون المطبق على موضوع النزاع:
ينص القانون السابق للتحكيم في (الفصل 317 ق م م ) على أنه يلزم على المحكمين ومن يحكم من الغير أن يرجعوا إلى القواعد القانونية المحددة المطبقة على النزاع إلا اذا قرر الأطراف في عقد التحكيم أو في شرطه الفصل بإنصاف كوسطاء بالتراضي دون التقيد بالقواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفين ويساير روح فلسفة التحكيم، وعند غياب الإرادة فإن القانون رقم 08.05 وفي فصله 327.18 يعطي السلطة للهيئة التحكيمية بأن تطبق على موضوع النزاع القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع مع مراعاة الهيئة لشروط العقد وكذا الأعراف التجارية والعادات وما جرى عليه التعامل بين الطرفين، أما إذا اتفق طرفي التحكيم على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي فإن الهيئة تفصل بناء على قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بالقانون.
وانسجاما مع التوجهات المعاصرة التي تتبع إمكانية المرور بمرحلة الصلح قبل التحكيم فإن الفصل 327.19، يقرر إنهاء الهيئة التحكيمية مسطرة التحكيم إذا اتفق الأطراف على حل النزاع وديا إذا تبين أن متابعة مسطرة التحكيم أصبحت غير مجدية أو غير ممكنة.
خامسا: الحكم التحكيمي و الطعون المرتبطة به:
I.الحكم التحكيمي:
فيما يخص عبارة ( الحكم) يلاحظ أن إطلاقها على الحكم القضائي و قرار المحكمين مقصورة على التشريعات العربية، ففي فرنسا يطلق على أحكام القضاء مصطلح حكم jugements ، بينما يطلق على قرار المحكمين sentence arbitrale droit La، وقد نظم القانون رقم 08.05 في الجزء الفرعي الثالث منه الحكم التحكيمي، ويتضمن هذا الجزء الفرعي بيان كيفية إصداره وإعلانه وتفسيره وتكملته وتصحيحه ما قد يقع فيه من أخطاء مادية، وحدد بذلك عدد من القواعد الأساسية وهي :
1.إجازة الاتفاق على إعفاء محكمة التحكيم من تسبيب الحكم وكذا إعفائها من تعليل حكمها وهذا ما أسس له الفصل 327.23، ولكن إذا تعلق الحكم بأحد الأشخاص الخاضعين للقانون العام فإنه يلزم تعليل الحكم.
2.التركيز على قاعدة اكتساب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه بناء على الفصل 327.26، وباكتسابه الحجة يمنع عرض موضوع الحكم على أي محكمة أو هيئة تحكيمية لإعادة النظر فيه، لكن لهذه القاعدة استثناء وذلك عندما يتعلق الأمر بنزاع يكون أحد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا فيه، حيث لا يكتسي الحكم الحجية إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ.
3.تحريم نشر حكم التحكيم إلا بموافقة الطرفين طبقا للفصل 327.27، وهو تأكيد لمبدأ سرية التحكيم التي كثيرا ما يعلق عليها الطرفان أهمية خاصة حفاظا على العلاقات التجارية بينهم.
4. إجازة طلب استصدار حكم تحكيم تكميلي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم وإصلاح كل خطأ في الحساب أو الكتابة ورد في الحكم طبقا للفصل 327.28، وتسري على حكم التحكيم التكميلي ذات الأحكام التي تسري على الحكم التحكيمي الأصلي.
II.الطعون المتعلقة بمنح الصيغة التنفيذية والطعون الأخرى[15]:
1.الطعون المتعلقة بمنح الصيغة التنفيذية: ينص القانون رقم 08.05 في الفصل 327.32 على أن الصيغة التنفيذية توضع على أصل الحكم التحكيمي ويصدر الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ويكون هذا الأمر غير قابل للطعن ، ويكون محل طعن وبقوة القانون بمناسبة الطعن بالبطلان في الحكم التحكيم وهذا ما نص عليه الفصل 327.32 بالإحالة إلى مقتضيات الفصل 327.36 من القانون.
أما الأمر برفض منح الصيغة التنفيذية فيكون قابلا للاستئناف خلال أجل 15 يوم من يوم التبليغ، مع إلزامية أن يكون هذا الأمر معللا حتى يمكن لمحكمة الاستئناف أن تبت فيه طبقا لمسطرة الاستعجال حسب مقتضيات الفصل 327.33.
2.إعادة النظر: يمكن أن يكون الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية، وذلك أمام المحكمة التي تكون مختصة في غياب وجود اتفاق التحكيم بناء على منطوق الفصل 327.34 من القانون رقم 08.05 .
3.تعرض الغير الخارج على الخصومة: نظم المشرع هذا التعرض في الفصل 327.35، حيث يمكن للأغيار أن يتعرضوا عن الأحكام التحكيمية ولو كانت مديلة بالصيغة التنفيذية وذلك طبقا للشروط العامة المقررة في الفصول من 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية، وأسند الاختصاص للبث في هذا الطعن للمحكمة التى كانت مختصة في النزاع لو لم يبرم اتفاق التحكيم.
III.الطعن بالبطلان و الطعن بالنقض:
1.الطعن بالبطلان في الأحكام التحكيمية وحالاته:نظم المشرع في الفصل 327.35، الطعن بالبطلان وذلك وفقا للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدر الحكم في دائرتها وذلك إذا تم تقديمه داخل أجل 15 يوم من تاريخ تبليغ الحكم التنفيذي، وقد حدد هذا الفصل حالات الطعن بالبطلان:
§ إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو إذا كان اتفاق التحكيم باطلا، أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم؛
§ إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين؛
§ إذا بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها، أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق؛
§ إذا لم تحترم مقتضيات الخاصة بأسماء المحكمين وتاريخ الحكم التحكيمي وشكليات إصداره؛
§ إذا لم تحترم حقوق الدفاع؛
§ إذا صدر الحكم التحكيمي خلافا لقاعدة من قواعد النظام العام؛
§ في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية وكذا القانون الواجب تطبيقه على موضوع النزاع.
كما تحكم محكمة الاستئناف بالبطلان تلقائيا على الحكم المخالف للنظام العام في المملكة المغربية، إذا كان موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها و الطعن بالبطلان يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي.
2.الطعن بالنقض في قرارات محكمة الاستئناف: بالرجوع لمقتضيات الفصل 327.38 من القانون رقم 08.05، فإنه ينص على أن أوامر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الصادرة في مادة التحكيم الداخلي تكون قابلة للطعن بالنقض طبقا للقواعد العامة .
خاتمة :
من خلال محاولة القراءة في قانون رقم 08.05 المتعلق بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية بخصوص التحكيم والوساطة الاتفاقية، وخصوصا الفرع الأول المرتبط بالتحكيم الداخلي من الفصل 306 إلى الفصل 327.38، يظهر أنه جاء بعدة مستجدات، محاولة منه إصلاح التشريع القديم المتعلق بالتحكيم الداخلي وإضفاء المزيد من المصداقية على نظام التحكيم والتعريف به و محاولة التنظيم الدقيق لقواعده، وتوسيع مجال اختصاصه ليشمل النزاعات المالية الناتجة عن التصرفات الأحادية للشخص العام، و السماح بالتحكيم في النزاعات المتعلقة بالعقود التي يبرمها، مع إحاطة اختيار الحكام بالضمانات اللازمة لتطوير هذا النظام، وتوسيع صلاحيات الهيئة التحكيمية لنظر في صحة وحدود اختصاصها وفي الطعن ببطلان اتفاق التحكيم، كما ألزم هذا القانون على ضرورة احترام حقوق الدفاع واعتماد البساطة والمرونة في اللجوء إلى التحكيم، مع تنظيم كل من التحكيم الخاص والتحكيم المؤسساتي وفتح الباب لإبرام عقد التحكيم ولو خلال دعوى جارية أمام المحكمة.
وقد عالج القانون رقم 08.05 مشكل اللجوء إلى القضاء مع وجود اتفاق التحكيم، وكذا مفهوم الكتابة المتطلبة في هذا الاتفاق، ونظم التحكيم الدولي بشكل يراعي الالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب، تبنى خيار مرونة مسطرة التحكيم وحرية الأطراف في اختيار المحكمين، مع تحديد المسطرة الواجب إتباعها خلال سير التحكيم، وحدد القواعد التي يتعين على هيئة التحكيم تطبيقها على جوهر النزاع، ونظم الآجال الخاصة بالتحكيم سواء منها ما تعلق بمدته أو إيداع أصل الحكم، ونظم الطعون ضد أحكام المحكمين وقرارات إعطاء الصيغة التنفيذية.
التصميم
تقديم
المبحث الأول: ملاحظات من حيث الشكل
أولا . على مستوى تقنية التشريع
ثانيا. بخصوص الموضوع المطروح
ثالثا. من حيث الموقف الذي يمكن اتخاذه تجاه القانون النموذجي لسنة 1985
المبحث الثاني: من حيث الموضوع
أولا.الأسس العامة للتحكيم من خلال القانون رقم 08.05
I. تعريف التحكيم ( الطبيعة الثنائية للتحكيم )
II. احترام إرادة طرفي التحكيم
III. استقلال هيئة التحكيم
VI. السرعة في إنهاء الإجراءات لإصدار حكم التحكيم
V.احترام حقوق الدفاع
ثانيا. المبادئ العامة للتحكيم من خلال القانون رقم 08.05
I.القابلية للتحكيم
II. معيار اعتبار التحكيم وطني أو تحكيما تجاريا دوليا
III. المحكمة المختصة بالنظر في النزاع
ثالثا: اتفاق التحكيم
I.صور اتفاق التحكيم
II.التخفيف من شرط الكتابة
III.توسيع صلاحيات الهيئة التحكيمية
رابعا: هيئة التحكيم و الإجراءات
I.ممارسة مهنة المحكمين وشروطها
II.أشكال التحكيم
III.إجراءات التحكيم
IV.القانون المطبق على موضوع النزاع
خامسا: الحكم التحكيمي و الطعون المرتبطة به
I.الحكم التحكيمي:
II.الطعون المتعلقة بمنح الصيغة التنفيذية والطعون الأخرى:
III.الطعن بالبطلان و الطعن بالنقض:
خاتمة :
[1]- القانون رقم 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 5584-25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر 2007).
[2]- عبد المجيد غميجة، قراءة في مشروع مدونة التحكيم، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد 2/2004، ص :119.
[3]- محمد المرنيسي، أهم الاتجاهات الواردة في مشروع مدونة التحكيم، مداخلة في ندوة نظمت من طرف وزارة العدل و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إشراف و إعداد من المجلس الأعلى أيام 3 و4 مارس 2004، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 6/2005، ص:59.
[4]- رياض فخري، قواعد التحكيم قراءة في القانون رقم 08.05، سلسلة الندوات الجهوية المنظمة بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، الندوة 11، ص:430.
[5]- عبد الاه البرجاوي، محكمة التحكيم، مجلة المنتدى، العدد الثاني، دجنبر 2000، ص:67.
[6]- محمد أبو العينين، قابلية المنازعات للتحكيم، مداخلة في ندوة التحكيم التجاري الداخلي والدولي، المنظمة من طرف وزارة العدل و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بإشراف و إعداد من المجلس الأعلى أيام 3 و4 مارس 2004، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 6/2005، ص:87 وما يليها.
[7]- حسن الحيحي، التحكيم في المنازعات الإدارية من التأصيل إلى التقنين في القانون المغربي و المقارن، مقال ضمن أعمال المؤتمر العام 27 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنعقد بأكادير من 26 إلى 28 ماي 2011، الطبعة الأولى 2011، مطبعة النجاح الجديدة، ص:345 وما يليها.
[8]- بوبكر بودة، معايير التفرقة بين التحكيم التجاري الدولي و التحكيم التجاري الوطني، مداخلة في ندوة العمل القضائي و التحكيم، المنظمة بين المجلس الأعلىو محكمة النقض المصرية، في 5 مارس 2004، منشورات سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 7/2005، ص:11 وما يليها.
[9]- DELVOLVE jean-lonis, la convention d’arbitrage, colloque organisé par le ministère de la justice et la CGEM en collaboration avec la cour suprême , le 3-4 Mars 2004, p :149.
[10]- طارق مصدق، دراسة في أهم المبادئ العامة على ضوء اجتهاد المجلس الأعلى، منشورا بسلسلة الندوات الجهوية المنظمة بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، الندوة 18، ص:216.
[11]- محمد طارق، “منهج القواعد الموضوعية في العلاقات الخاصة الدولية”، أطروحة الدولة لنيل دكتوراه في الحقوق القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2011-2012، ص: 356.
[12]- عبد اللطيف مشبال، الإجراءات الوقتية والتحفظية في التحكيم التجاري الدولي، مداخلة في ندوة التحكيم التجاري الداخلي والدولي، المنظمة من طرف وزارة العدل و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بإشراف و إعداد من المجلس الأعلى أيام 3 و4 مارس 2004، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 6/2005، ص:143.
[13]- EL MERNISSI Mohamed, principales tendances du projet de code de l’arbitrage, colloque organisé par le ministère de la justice et la CGEM en collaboration avec la cour suprême , le 3-4 Mars 2004, p :81 .
[14]- KOUFMANN-KOHLER Gabrielle, les voies de recours contre les sentences arbitrales , colloque organisé par le ministère de la justice et la CGEM en collaboration avec la cour suprême , le 3-4 Mars 2004, p :167.
[15]- كابرييل كرفمان_كوهلر، طرق الطعن في القرارات التحكيمية، مداخلة في ندوة التحكيم التجاري الداخلي والدولي، المنظمة من طرف وزارة العدل و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بإشراف و إعداد من المجلس الأعلى أيام 3 و4 مارس 2004، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 6/2005، ص:132.
بقلم د محمد طارق
أستاذ بكلية الحقوق المحمدية