دراسات قانونيةسلايد 1

تعليق على قرار المحكمة الاستئنافية

بتاريخ 15 مارس 2016 أصدرت المحكمة الابتدائية بتطوان وهي تبث في القضايا المدنية الإستئنافية القرار رقم 08/2016 في الملف 04/… /2016 القاضي بقبول مقال الطاعن

الأستاذ (….) شكلا وفي الموضوع “بإلغاء الأمر المستأنف في ما قضى به من طرد المستأنف من الجلسة وتصديا بإرجاع الملف إلى الهيئة المختصة لمواصلة إجراءات البحث بحضور الدفاع مع حفظ البث في الصائر”

وتتلخص وقائع النازلة المدرجة بالقرار أن المستأنف تقدم بمقال استئنافي بتاريخ 15 مارس 2016 ضد النيابة العامة يطعن في “الأمر الولائي” الصادر عن المحكمة الابتدائية بتاريخ 03/03/2016 القاضي بطرد المستأنف من القاعة ومواصلة إجراءات البحث ذلك أنه حضر جلسة البحث إلى جانب موكله وفي خضم إجراءات تدخله في إطار مهامه لم يتسع صدر المحكمة لملاحظاته ولم تتقبل ما أثاره من دفوع واعتبرت أن الدفاع قد رفع صوته عليها وأصدرت الحكم الذي هو موضوع الاستئناف في حين أنه – يقول المقال- طبقا للمادة ” 58 من قانون المسطرة المدنية ” (هكذا ورد في القرار) فان للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله ولا يسأل عما ورد في مرافعاته الشفوية مما يستلزم حق الدفاع، ملتمسا من منطوق طلبه في الشكل قبول الاستئناف وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من طرد من الجلسة وإرجاع الملف إلى الهيئة المختصة لمواصلة إجراءات البحث بحضور الدفاع معززا مقاله بصورة من محضر

وبناء على إدراج ملف القضية بجلسة 15 مارس 2016 وهو نفس التاريخ الذي سجل به المقال موضوع النازلة أصدرت المحكمة الحكم المشار إلى منطوقه أعلاه معللة ذلك بكون المستأنف كان يمارس حقه كدفاع وأنه طبقا للمادة 58 من قانون المحاماة فان للمحامي الحق في أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله وأن المحكمة وبعد اطلاعها على محضر جلسة البحث الذي يتضمن الأمر الولائي الصادر عن رئيس الجلسة أتضح لها بأنه أمر بطرد المحامي المستأنف من قاعة الجلسةدون الإشارة إلى الإختلالات التي صدرت عنه عدا رفع الصوت والاحتجاج على الأسئلة التي تطرح على الشاهد كما انه لم يبين نوع الاحتجاج الذي صدر عن المستأنف كدفاع لذا يكون معه الأمر المستأنف غير معلل تعليلا كافيا وسليما مما يعرضه للإلغاء

:التعليق
قبل الشروع في دراسة القرار فانه يجب التركيز على أن الهدف من التعليق ليس هو العمل على إيجاد حل للمشكل القانوني باعتبار أن القضاء قد بث فيه. كما يجب التذكير بان الباحث حينما يعلق على قرار قضائي فانه لا يقصد المس بالأشخاص الذين كانوا فاعلين في المحاكمة ولا الإساءة لمصدر القرار ولا لأسرة القضاء بقدر ما يحاول الوقوف على الجوانب الايجابية وإبرازها إن وجدت ومحاولة فهم الجوانب الغامضة والتساؤل بخصوصها. وبلغة أخرى فإن التعليق على أي قرار يعتبر مناسبة للتأمل ومحاولة لفهم الاتجاه القانوني الذي ذهب إليه القضاء بغض النظر عن الأشخاص الذين كانوا فاعلين في المحاكمة.

في ما يتعلق بالاختصاص،
بالرجوع إلى القرار موضوع التعليق، الصادر عن المحكمة الابتدائية بتطوان وهي تبث في القضايا المدنية الاستئنافية، فإنه يتعين معرفة مدى اختصاص هذه الأخيرة للبث في الطعن وذلك بالرجوع إلى الفصلين 19 و24 من قانون المسطرة المدنية
وينص الفصل 24 ق.م.م على أنه “تختص محاكم الاستيناف عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة بالنظر في استيناف أحكام المحاكم الابتدائية، وكذا في استيناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها
واستثناء من أحكام الفقرة السابقة تختص غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الاستينافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في إطار البند الأول من الفصل 19″
وينص الفصل 19 من نفس القانون في بنده الأول على أن المحاكم الابتدائية تختص بالنظر ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف أمام غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية إلى غاية عشرين ألف درهم
كما تختص هذه الغرف بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في قضايا المخالفات المشار إليها في المادة 396 من قانون المسطرة الجنائية وفي القضايا الجنحية التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين حبسا وغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط

وتختص غرفة الاستئنافات للأحداث لدى المحكمة الابتدائية بالنظر أيضا في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية في قضايا الأحداث إذا كانت العقوبة المقرر لها تعادل أو تقل عن سنتين حبسا وغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط

ومن خلال هذه النصوص، يمكن التأكيد على أن غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية لم تكن مختصة للبث استئنافيا في قرار طرد المحامي من الجلسة باعتبار أن المشرع حصر اختصاص هذه الغرفة في ما سبق شرحه وكان عليها التصريح بعدم اختصاصها
وبغض النظر عن عدم الاختصاص هذا سنعمل على مناقشة القرار في جوانبه الأخرى لنحاول فهم الاتجاه التي ذهبت إليه المحكمة

في ما يتعلق بتشكيلة المحكمة
خلافا للفصل 345 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أن الجلسات تنعقد وتصدر قرارات غرف الاسئنافات بالمحاكم الابتدائية من ثلاث قضاة بما فيهم الرئيس، وينص عل أسماء القضاة الذين شاركوا في القرار، فانه يجهل حتى اسم القضاة الذي أصدروا القرار باعتبار أنه جاء خاليا من أسماء كل من الرئيس والمستشارين والمقرر

كما أن القرار خال من أية إشارة إلى حضور كاتب للضبط فبالأحرى وجود اسمه وهو ما يخالف قانون المسطرة المدنية

في ما يتعلق بصفة المدعى عليه
يلاحظ الباحث دائما بأن الاستئناف وجه ضد النيابة العامة التي لم تكن طرفا رئيسيا في المرحلة الابتدائية ولم تتدخل كطرف منضم ولا هي مثلت الأغيار في الحالة التي ينص عليها القانون طبقا للفصل 6 من قانون المسطرة المدنية

فالنيابة العامة لم تكن حاضرة وقت إجراء البحث ولا هي طالبت بطرد المحامي من القاعة. فكيف تم إقحامها في النازلة ؟. ومتى تم استدعاؤها ؟ ومتى تم تبليغ الملف إليها ؟ وكيف لها أن تتقدم بملتمس كتابي بتطبيق القانون في حين كان عليها أن تتقدم بطلب إخراجها من الدعوى بدون قيد أو شرط ؟. سؤال لم أجد له جواب لحد الساعة

في ما يتعلق بتاريخ وبشكليات القرار الأخرى
يلاحظ الباحث بأن المقال الاستئنافي سجل بتاريخ 15 مارس 2016 وبأن الحكم القاضي بالإلغاء صدر وطبع وسلم في نفس اليوم. ويمكن للمرء أن يتمعن في الأمر وأن يتساءل ربما عن سبب هذه السرعة القياسية التي لا تتوفر حتى في القضايا التلبسية وعن مدى استقلال مصدر القرار الاستئنافي

ومن جهة أخرى وبقراءة متأنية للقرار موضوع التعليق أيضا نجد بأن المحكمة نسيت إعطاء الملف الذي فتح للطعن رقما يميزه عن باقي الملفات حيث أتى الترقيم على الشكل التالي: 04 /… /2016 الأمر الذي يعني بأن المحكمة التي أصدرت القرار أصدرته ربما تحت الضغط ودون حتى أن يفتح له ملف مرقم إداريا

ومن جهة أخرى وبقراءة للوقائع يجد الباحث بأن المحكمة مصدرة القرار (أو ربما من قام بطبع القرار) أختلط عليها الأمر وأشارت إلى المادة 58 من قانون المسطرة المدنية التي تتحدث على أجور ومصاريف التراجمة بدل المادة 58 من القانون المنظم للمهنة الذي ينص على حصانة الدفاع. ولا نعتقد بأن الخطأ ورد في مقال الطاعن المقدم بواسطة نقيب الهيئة بل هو ناتج عن أسباب أخرى ترجع إلى السرعة والتسرع والضغط دائما

وبالرجوع إلى الفصل 345 من قانون المسطرة المدنية دائما فإننا نجد بأن القرار موضوع هذا البحث خال من قراءة التقرير كما أنه جاء خاليا من الإعفاء من تلاوته من قبل الرئيس وبدون معارضة من الأطراف كما ينص على ذلك القانون

في ما يتعلق بحقوق الدفاع
لم يقم القرار الصادر استئنافيا بالتركيز على حقوق الدفاع أثناء المرحلة الابتدائية والتي تم الدوس عليها من قبل المحكمة التي لم تعطي الإمكانية القانونية للمحامي المطرود للدفاع عن نفسه طبقا للمادة 120 من الدستور التي تنص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة. ويمكن للباحث أن يتساءل هل احترمت معايير المحاكمة العادلة في محاكمة المحامي وهل احترم حق المحامي في اختيار من يدافع عنه للمجادلة ودفع التهمة عنه مثلا. وهل منحت له فرصة التجريح في القاضي طبقا للفصل 295 ق.م.م باعتبار أن القاضي أصبح طرفا في الدعوى بل إنه جمع بين صفته كمتضرر من “رفع الصوت” وصفته كسلطة الاتهام وصفته كسلطة حكم وهو ما أبعده عن المنطق باعتباره كان فاقدا للتجرد والحياد

وإذ نطرح هذه الأسئلة من باب الجدل القانوني لا غير لأننا سنبرز في ما بعد عدم اختصاص القضاء في تأديب المحامي الذي يرتكب جريمة من جرائم الجلسات

في ما يتعلق بتصنيف الحكم ب”الأمر الولائي”
وصف القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية وهي تبث استئنافيا بأن الحكم الذي نطق به رئيس الجلسة على المقعد بطرد المحامي من القاعة “أمر ولائي”. إلا أنه بالرجوع إلى محضر الجلسة المضمن للحكم بالطرد نجد بأنه صدر “باسم جلالة الملك وطبقا للقانون” من جهة وأورد بأن المحكمة “تقرر” طرد الأستاذ (…) من القاعة. فالقاضي مترئس الجلسة يتحدث عن “قرار” أصدره باسم جلالة الملك بالطرد بينما المقال الاستئنافي ومحكمة الاستئناف تصف ما صدر بالأمر ألولائي

فهل يتعلق الأمر بحكم أم بقرار أو بأمر ولائي ؟
وللوقوف على طبيعة ما قضىت به المحكمة فإنه يتعين تعريف معنى الحكم بصفة عامة وطبيعته التي من الممكن أن تبين إمكانية أوسيلة الطعن فيه

من المعلوم أن المتقاضي حينما يلجأ إلى المحكمة للحسم في نزاع قائم فإنه ينتظر أن يتم إصدار حكم قضائي مكتوب، عن هيئة قضائية مختصة ومشكلة تشكيلا صحيحا و أن يصدر وفقا للقواعد الشكلية والموضوعية وأن يكون ملزما للجميع. وتكون هذه الأحكام قابلة عادة للطعن بإحدى الطرق المقررة قانونا

وتصدر الأحكام في جلسة علنية باسم جلالة الملك وتشتمل على اسم القاضي الذي أصدر الحكم واسم ممثل النيابة العامة عند حضوره واسم كاتب الضبط طبقا للفصل 50 من قانون المسطرة المدنية. كما يجب أن تتضمن الأحكام أسماء الأطراف وصفتهم أو مهنتهم وموطنهم (…) وتوضح حضور الأطراف أو تخلفهم وتضمن الاستماع إليهم ويشار في الأحكام إلى مستنتجاتهم مع تحليل موجز لوسائل دفاعهم والتنصيص على المستندات المدلى بها والمقتضيات القانونية المطبقة

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل كان المحامي المطرود من القاعة طرفا في الدعوى حتى يصدر حكم ضده من جهة ؟. ومن تقدم بدعوى الطرد ضد المحامي حتى يصدر هذا الحكم في مواجهته من جهة أخرى ؟. فالدعوى ترفع عادة بمقال مكتوب موقع عليه من قبل المدعي أو وكيله وبمجرد تقييد المقال يعين رئيس المحكمة حسب الأحوال قاضيا مقرر أو قاضيا مكلف بالقضية طبقا للفصل 31 ق.م.م ويجب أن يتضمن المقال الشكليات المنصوص عليها بالفصل 32. وتتبع الإجراءات المنصوص عليها في الفصول 36 وما يليها من ق.م.م

وباعتبار أن الحكم الصادر بالطرد لا يتوفر على المواصفات المشار إليها أعلاه ولم تتبع بشأنه المسطرة القانونية فانه لا يمكن تصنيفه ضمن الأحكام القضائية التمهيدية أو القطعية أو النهائية. ويمكن للمهتم الرجوع الى كتب الفقه حول المسطرة المدنية لتعميق الدراسة
وأمام استحالة وصف ما صدر بحكم فإن على الباحث أن يبحث في اتجاه الأوامر الولائية لمعرفة هل يمكن تصنيف القرار الصادر على المحكمة الابتدائية بالأمر الولائي كما ضمن ذلك دفاع الطاعن في المقال الاستئنافي وكما وصفته الغرفة الاستئنافية بالمحكمة الابتدائية في القرار موضوع هذا التعليق ؟

ويمكن التعريف بالأمر الولائي بأنه الأمر الصادر عن القاضي دون أن يتبع الإجراءات العادية للتقاضي من استدعاء الأطراف وتبليغ المذكرات وترجيح الحجج بل يقتصر القاضي على النظر في اتجاه ما قدمه له الطالب من وثائق ومن عدم مساس الأمر المطلوب بمراكز الأطراف. ولا يقبل الأمر الولائي أي طعن إلا في حالة رفض الطلب

وبمقارنة ما صدر عن المحكمة الابتدائية من طرد للمحامي فإنه لا يمكن تصنيفه بالأمر الولائي لأن لا أحد تقدم بطلب طرد المحامي ولأن الأمر الولائي غير قابل للطعن

ومن تم فالحكم الصادر بطرد المحامي من الجلسة وباعتباره لا يدخل ضمن الأحكام المتعارف عليها ولا يدخل ضمن الأوامر الولائية وباعتباره غير قابل للتصنيف فإن بالإمكان تعريفه “بالحكم المعدوم” قياسا بالقرار الإداري المعدوم الذي يفتقد للمشروعية ولا يمكن أن يكتسب الحصانة لأنه لم يصدر بناء على القانون

ودون الدخول في تفاصيل إمكانية سحب الحكم المعدوم أو الطعن فيه لفائدة القانون من قبل النيابة العمة أو البحث عن حلول أخرى للمشكلة التي أحدثها قرار الطرد من الناحية القانونية – وهو أمر يخرج عن نطاق هذا التعليق – فإننا سنمر إلى دراسة التعليل الذي اعتمده القرار لما لذلك من أهمية في هذا الموضوع

في ما يتعلق بتعليل القرار
نعلم جميعا بأن المشرع يفرض بأن تعلل الأحكام القضائية فضلا على البيانات الإلزامية الأخرى التي يجب أن تتضمنها والمتحدث عنها سابقا. وبالرجوع إلى القرار الصادر عن الغرفة الاستئنافية بالمحكمة الابتدائية فإنه أورد بأنه “طبقا للمادة 58 من قانون المحاماة فان للمحامي الحق في أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله وأن المحكمة وبعد اطلاعها على محضر جلسة البحث الذي يتضمن الأمر الولائي الصادر عن رئيس الجلسة أتضح لها بأنه أمر بطرد المحامي المستأنف من قاعة الجلسة دون الإشارة إلى الإختلالات التي صدرت عنه عدا رفع الصوت والاحتجاج على الأسئلة التي تطرح على الشاهد كما انه لم يبين نوع الاحتجاج الذي صدر عن المستأنف كدفاع لذا يكون معه الأمر المستأنف غير معلل تعليلا كافيا وسليما مما يعرضه للإلغاء”

فالمحكمة أثارت حصانة الدفاع، الواردة بالمادة 58 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، من كون المحامي له الحق في أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله. إلا أنها زكت الاتجاه الذي يضنه البعض بأن الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية يبيح طرد المحامي من الجلسة معتبرا المحامي مجرد وكيل للأطراف

وحيث إن الوقوف على ويل للمصلين ربما هو الذي يخلق بعض الخلط لدى بعض القانونيين باعتبار أن قانون المسطرة المدنية لا يقصد المحامي حينما يتكلم عن الوكيل في جميع مقتضياته بل يقصد الأشخاص الذين يمكن لهم تمثيل الأطراف بشروط دون أن يكون لهم حق التمثيل بمقتضى القانون. وهكذا وبالرجوع إلى الفصل 33 الذي يتحدث عن الوكيل فإننا نجده ينص على أنه :
“يجب أن يكون للوكيل موطن بدائرة نفوذ المحكمة
يعتبر تعيين الوكيل اختيارا لمحل المخابرة معه بموطنه
لا يمكن لمن لا يتمتع بحق تمثيل الأطراف أمام القضاء أن يرافع نيابة عن الغير إلا إذا كان زوجا أو قريبا أو صهرا من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية.”

وسيلاحظ الباحث بأن المشرع لا يقصد هنا المحامي باعتبار أن هذا الأخير غير ملزم بأن يتوفر على موطن بدائرة نفوذ المحكمة بل يكفيه أن يجعل محل المخابرة معه بمكتب زميل أو حتى بكتابة ضبط المحكمة. ويطبق نفس المعنى على الفقرة الثانية والثالثة من هذا الفصل لان بإمكان المحامي أن يرافع عن الأطراف ولو لم يكن زوجا أو قريبا (…)

كما أنه بالرجوع إلى الفصل 34 فان المشرع يلزم “الوكيل الذي لا يتمتع بحق التمثيل أمام القضاء أن يثبت نيابته بسند رسمي، أو عرفي مصادق على صحة توقيعه بصفة قانونية، أو بتصريح شفوي يدلي به الطرف شخصيا أمام القاضي بمحضر وكيله.” أما المحامي فانه يتوفر على وكالة عامة وهو غير ملزم بإثبات تكليفه بسند رسمي أو بغيره. فالمادة 30 من القانون المنظم للمهنة ينص على أن المحامي يمارس مهامه بمجموع تراب المملكة من غير الادلاء بوكالة”.
ويمكن الاستشهاد أيضا بالفصل 35 ق.م.م للقول دائما بأن المشرع لا يقصد المحامي حينما يتكلم عن الوكيل العادي. وهكذا :يقرر هذا الفصل بأنه

:”لا يصح أن يكون وكيلا للأطراف
1 – الشخص المحروم من حق أداء الشهادة أمام القضاء؛
2 – المحكوم عليه حكما غير قابل لأي طعن بسبب جناية أو جنحة الزور، أو السرقة أو خيانة الأمانة أو النصب، أو التفالس
البسيط أو بالتدليس أو انتزاع الأموال أو محاولة انتزاعها؛
3 – الوكيل الذي وقع حرمانه من تمثيل الأطراف بمقتضى إجراء تأديبي؛
4 – العدول والموثقون المعزولون.”

وباعتبار أن القواعد القانونية تكمل بعضها البعض فإن المادة 43 لا تخص أيضا المحامين بل وضعت للوكلاء الذين لا يتوفرون على حق تمثيل الأطراف من غير المحامين الذين من حق رئيس الجلسة في حالة اضطراب أو ضوضاء أن يأمر بطرد وموكلهم بل بطردهم وبطرد أي شخص آخر من الجلسة
فالمادة 43 من ق.م.م لا تهم المحامي الذي أفرد له المشرع فصلا خاصا وهو الفصل 44 الذي ينص على أنه : ” إذا صدرت خطب تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا من أحد الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق التمثيل أمام القضاء حرر رئيس الجلسة محضرا وبعثه إلى النيابة. فإذا تعلق الأمر بمحام بعثه إلى نقيب الهيئة”. ويطبق هذا الفصل بخصوص جرائم الجلسات المرتكبة من قبل المحامي أمام المحاكم الابتدائية

وما يزكي هذا الطرح أيضا حصانة الدفاع التي أتت بها المادة 58 من القانون المنظم للمهنة المؤرخ في 20 أكتوبر 2008 التي تقرر أن “للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله
لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته مما يستلزم حق الدفاع
لا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة، من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها

تحرر المحكمة محضرا بما قد يحدث من إخلال، وتحيله على النقيب، وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما. “
فهل لازالت هنالك إمكانية بأن يخامر الشك البعض بعد قراءة هذه المادة. فكل ما يمكن لرئيس الجلسة القيام به هو مطالبة كاتب الضبط بتحرير محضر بالوقائع لإحالته على النقيب وعلى النيابة العامة
بل أكثر من ذلك فإن المشرع قام بتعديل للفصل 341 ق.م.م من نفس القانون الذي كان ينص على أنه “إذا صدرت من محامين أقوال تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا أمكن لمحكمة الاستئناف أن تطبق عليهم بقرار مستقل العقوبات التأديبية إما بالإنذار أو التوبيخ وحتى الحرمان من مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز شهرين أو ستة أشهر في حالة العود في نفس السنة” حيث أصبح ينص على أنه ” إذا صدرت من محامين أقوال تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا تحرر المحكمة محضرا بذلك وتحيله على النقيب وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما”. وهو الأمر الذي أصبح ينسجم مع المادة 58 من القانون المنظم للمهنة ومع الفصل 44 من ق.م.م. ويمكن للباحث الرجوع أيضا إلى الفصل 340 ق.م.م الذي يطبق على المتقاضين ووكلائهم من غير المحامين والذي يحيل على الفصل 43 من نفس القانون باعتبار أن ما يمكن تطبيقه على المحامين هو الفصل 341.

أما في ما يخص المسطرة أمام محكمة النقض فان الفصل 354 ق.م.م يتحدث عن المدافعين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض أو عن المحامي ولا يتحدث عن الوكلاء

الخاتمة
لا يمكن أن نختم هذا التعليق دون أن نخلص إلى أن المادة 58 من القانون المنظم للمهنة والمادة 44 و 341 من قانون المسطرة المدنية هي النصوص التي تطبق في حالة ارتكاب المحامي لجريمة من جرائم الجلسات كما عرفها الفصل 357 من قانون المسطرة المدنية. كما يمكن الجزم بأن الجهة المؤهلة لتأديب المحامي هو مجلس الهيئة التي ينتمي إليها دون غيره والكل تحت رقابة القضاء طبقا للمساطر المنصوص عليها بالمادة 67 وما يليها من القانون المنظم للمهنة. ويجب هنا إثارة الانتباه إلى أنه حتى لو تم حفظ الشكاية ضمنيا أو صراحة من قبل النقيب وحتى لو طعنت النيابة العامة في قرار الحفظ وحتى لو ألغت محكمة الاستئناف قرار النقيب فإنها تحيل الملف وجوبا من جديد لعرضه على مجلس الهيئة لمواصلة إجراءات المتابعة
ويعتبر التأديب من قبل مجلس الهيئة من مظاهر الاستقلال الجماعي للمحامين حيث يدبر المحامون أمورهم بأنفسهم سواء تعلق الأمر بالقبول في التسجيل وبترتيب الجدول أو لائحة المتمرنين أو في ما يتعلق بالأتعاب أو بالتأديب أو بالتدبير المالي أو غيره تحت رقابة القضاء
ويمكن الختم بأن القرار الاستئنافي وبغض النظر عن عدم اختصاص المحكمة وعن العيوب الأخرى فانه لم يصادف الصواب حينما أراد تزكية مشروعية الطرد بالقول بأن الأمر بالطرد من القاعة جاء دون الإشارة إلى الاختلالات التي صدرت عن المحامي كما أنه لم يبرر نوع الاحتجاج الذي صدر عنه ويكون معه الأمر غير معلل تعليلا كافيا وسليما مما يعرضه للإلغاء”

:ملتمس خارج نطاق التعليق
سبق لي في دراسة حول حصانة الدفاع وجرائم الجلسات ومسؤولية القاضي، نشرت على الشبكة العنكبوثية في عدة مواقع، أن نعتت الحكم الابتدائي ب”الحكم المهزلة”، وهي زلة قلم، ناتجة عن لحظة حماسية، اعتذر عليها – حتى أبقى وفيا لقناعاتي وأسلوبي – وأطلب من القارئ ومن الباحث قراءتها ب”الحكم الذي لم يصادف الصواب”

بقلم د خالد خالص

أستاذ باحث
إغلاق