دراسات قانونيةسلايد 1
البنود الخاصة في عقود الشغل (بحث قانوني)
يحتل عقد الشغل مكانة متميزة في كل الدراسات والأحكام الواردة في مجال الشغل والتشغيل، فتحديده هو أول مهمة، للقانوني بصفة عامة والقاضي بصفة خاصة لمعرفة العلاقة القانونية التي ترد كأساس لتطبيق قانون الشغل، على مقاولات ومؤسسات اعتبرها القانون أرضية ينفذ فيها عقد الشغل، فعلى هذا الأخير أن يعمل على تنظيم العلاقات بين المشغلين والأجراء ، وهو مفتاح الصرح القانوني المتجسد في قانون الشغل، بل في القانون الاجتماعي برمته.
إن عقد الشغل يمر بثلاثة مراحل، تتجسد في الميلاد والحياة والموت، أي الإبرام والتنفيذ والإنهاء، وهي مراحل تأخذ بعين الاعتبار ما قد يرتبط بها من نظام عام، وشروط خاصة تنبع من الواقع ومن إكراهات اقتصادية واجتماعية. وإذا كانت مدونة الشغل قد سعت إلى تنظيم عقد الشغل من منطلق كلاسيكي لم يبتعد عن قواعد القانون المدني الواردة في قانون الالتزامات والعقود، وفي سياق مستجدات تسعى، أكثر ما يمكن إلى ضبط الواقع من خلال مميزات معينة لهذا العقد، وتصنيفاته . وتنفيذه من طرف الأجير لصالح المشغل ، الذي يكون في العديد من الحالات صعب التحديد، وتوقفه، غير أن مدونة الشغل لم تأت بكل الحلول، وهنا يأتي دور القضاء الذي استطاع خلق اجتهادات تفترض خلق الانسجام وسد الثغرات من منطلق يهدف إليه المشرع في تصدير مدونة الشغل. . و محاولة التوازن بين مصلحتي الأجير كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية و بين مصلحة المشغل الذي يقوم دائما بوضع شروط خاصة تخدم مصلحته و تجعل من عقد الشغل قريبا لعقود الإذعان ذات الشروط التعسفية .
فما هي إذن نوعية هذه الشروط الخاصة ؟
للإجابة عن هذا السؤال سأقسم هذا الموضوع إلى مبحثين :
المبحث الأول : الشروط الخاصة أثناء تنفيذ عقد الشغل :
المبحث الثاني : البنود الخاصة عند انتهاء عقد الشغل
المبحث الاول : الشروط الخاصة اثناء تنفيد عقد الشغل :
تعتبر مرحلة تنفيد عقد الشغل أهم مرحلة يمر بها هذا الأخير على اعتبار أنها هي التي تجسد الوجه العملي لإلتزامات الطرفين تجاه بعضهما البعض غير أن بنود هذا العقد هاته لا تكون متساوية بينهما نظرا لاحتكار الفئة الأقوى شروطا خاصة تنفرد بها و تكون ملزمة للطرف الأخر و نخص هنا شرط فترة الإختبار والتكوين بالإضافة إلى شرط الحركية و شرط التفرد…
المطلب الأول : فترة التجربة و فترة التكوين :
الفقرة الأولى : فترة التجربة :
تعتبر فترة الإختبار أو التجربة الشرط الوحيد الذي عالجه المشرع في مدونة الشغل و نظمه بتفصيل دقيق نظرا لما له من أهمية و تداول على المستوى العملي و لعل من أهم أحكامه ما يلي :
أولا : الطبيعة القانونية للعقد اثناء فترة الاختبار
انطلاقا من الطابع الحمائي لقواعد قانون الشغل , و ما توفره من ضمانات للأجير خاصة فيما يتعلق بإجراءات انها عقد الشغل وما يترتب عن ذلك من تعويضات , فان الملاحظ عمليا ان المشغلين في الغالب لا يلجؤون الى ابرام عقود شغل نهائية مع اجرائهم. بل يفضلون اخضاعهم الى فترة اختبار او تجربة للوقوف على كفاءتهم و خبراتهم و سلوكهم [1] . نفس هذه الامكانية متاحة للأجراء خاصة ذوي الكفاءات العالية الذين يفضلون بداية عقد الشغل تحت الاختبار للتأكد من ظروف الشغل و تناسب الاجر مع طبيعة العمل المطلوب منهم [2].
و المشرع لم يعرف العقد اثناء هذه الفترة الشيء الذي اصبح معه هذا الأخير موضوع جدل من طرف القضاء و ذلك فصد إعطائه التكييف الخاص به . توصل الفقه الى ثلاث تحليلات رئيسية :
التحليل الأول : يعتبر العقد اثناء فترة الاختبار عقد معلقا على شرط واقف , و الفقهاء في ذلك يستشهدون بمضمون القانون المدني , عند معرض كلامه عن بيع الخيار [3]. الا ان الانتقاد الموجه الى هذا التعليل استند في دفاعه على ان هذا الرأي يصدق على عقد البيع باعتباره من العقود الفورية . بحيث يعتبر عقد الشغل من العقود الزمنية و لالتالي فان الالتزامات التعاقدية تعطي اثارها ابتداء من فترة الاختبار و ذلك لاحترام مبدأ التبعية . بالإضافة الى أداء التاجر المقابل لأداء العمل فمن هذا التحليل يتبين ان فترة الاختبار اما ان تؤدي في النهاية الى ابرام عقد نهائي . و بذلك يكون لهذا العقد اثر رجعي و تدخل في اقدمية الأجير .
و اما عدم تحقق الشرط و بالتلي فلا تجد العلاقات الشغلية أي أساس لها في عقد الشغل .[4]
التحليل الثاني : فيذهب الى القول بأن العقد اثناء فترة الاختبار هو عقد تمهيدي او مؤقت . يدخل في اطار العقود غير المسماة , هدفه تقدير شروط العقد خصوصا القدرة المهنية للأجير و ذلك خلال فترة محددة قد ينقلب بعدها الى عقد محدد المدة عندما تنر الفترة بصفة إيجابية للطرفين معا , الا ان هذا التحليل هو الاخر لم يسلم من الانتقاد باعتبار ان العقد واحد تظهر محتوياته منذ ابرامه و تظهر الاثار واضحة عند الوهلة الأولى . كما ان العلاقة الشغلية قائمة سواء اثناء فترة الاختبار و بعدها . كما ان المقتضيات المتعلقة بتنظيم الشغل واحدة .
يأتي التحليل التالث ليعتبر العقد اثناء فترة الاختبار عقدا معلقا على شرط فاسخ[5] . فاذا اصبح العقد نهائيا بعد رغبة الطرفين في الاستمرار , انعدم الشرط الفاسخ و اذا انهي العقد اثناء او بعد انتهاء فترة الاختبار , ففي ذلك عدم الرغبة في الاستمرار و بالتالي فان الانهاء لا يكون له أي اثر رجعي [6].
من هنا يتضح لنا ان هذا التكييف يعطي للالتزامات الطرفين اثناء هذه الفترة أساسا نابعا عن عقد الشغل مع إمكانية الأنهار بالارادة المنفردة , الا انه في هذه الحالة يجب احترام اجل الاخطار اثناء هذه الفترة بالإضافة الى احترام مبدأ التعسف في استعمال الحق.
اما بالنسبة للمشرع المغربي فقد ذهب خلاف نظرية الشرط الفاسخ لان العقد المحدد المدة حسب الشرط الفاسخ قد يحتفظ بطبيعته من اوله الى اخره , مع ان هذا مخالف للحقيقة , و يمكن القول انه قد اخذ بان فترة الاختبار سوا العقد المحدد او غير المحدد المدة تجعلنا أمام عقد واحد و ان كان الأمر يتعلق بعقدين متواليين , يدعم الثاني الأول , و هو ما تؤكده الفقرة الأولى من المادة 13 من مدونة الشغل عندما نصت فترة الاختبار هي الفترة التي يمكن خلالها لاحد الطرفين انها عقد الشغل بارادته دون اجل الاخطار و لا أي تعويض , فان الامر يتعلق بعقد الشغل بشقيه حسب المادة , الأول يتضمن فترة الاختبار سواء تعلق الامر بعقد محدد او غير محدد المدة و الثاني بالفترة الموالية لفترة الاختبار , و نحن في ذلك امام فترة الاختبار التي تعتبر جزءا لصيقا بعقد الشغل
ثانيا :احكام عقد الشغل تحت الاختبار
مدة العقد اثناء فترة الاختبار :
نصت المادة 14 من مدونة الشغل بأنه تحدد فترة الاختبار
بالنسبة للعقود غير محددة المدة
تلاثة اشهر بالنسبة للاطرو اشباههم
شهر و نصف بالنسبة للمستخدمين
كل يوم بالنسبة للعمال
بالنسبة للعقود محددة المدة
-يوم واحد عن كل أسبوع شغل على الا تتعدى اسبوعيين بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تقل عن ستة اشهر.
-شهر واحد بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تفوق ستة اشهر
-ويمكن النص في عقد الشغل او اتفاقية الشغل الجماعية او النظام الداخلي على مدد اقل من المدد المذكورة أعلاه.
حرية تحديد الأجر :
لم يتطرق المشرع المغربي سواء عن فترة الاختبار او الحد الأدنى القانوني للأجر اثنا فترة الاختبار . و لهذا نعتبر ان القاعدة العامة هي احترام الحد الأدنى للاجر ,و بالتالي فان المشغل حر في تحديد الاجر ما دام احترم الحد الأدنى و ان كان الواقع هو ان الاجر المحدد هو نتيجة اتفاقي ارادي من طرفي العقد .
لكن قد يبرم الطرفان عقد شغل يتضمن فترة الاختبار بالإضافة الى الاجر ففي هذه الحالة نرى ان ذلك الاجر هو المحدد للعقد النهائي ما دام الطرفين لم ينصا على اجر بعد انتهاء هذه الفترة او لم يقترحا رفعه بعدها, و الملاحظ عمليا ان العقود عادة ما تحدد الاجر اثنا فترة الاختبار ,واخر اعلى عند ابرام العقد بصفة نهائية.[7]
وضعية طرفي عقد الشغل خلال فترة الاختبار :
اثناء سريان مدة الاختبار سواء اكانت هذه المادة قانونية او مصدرها عقد الشغل , او الاتفاقية الجماعية , او النظام الداخلي فان عقد الشغل للأجير الموضوع تحت الاختبار يعد عقد شغل عادي يرتب ما يرتبه عقد الشغل من حقوق و التزامات لفائدة طرفيه[8].
كل ما في الامر انه خلال هذه المدة يجوز لطرفيه انهاء العقد بارادته المنفردة دون اجل اخطار او تعويض [9].
لكن اذا قضى الاجير أسبوعا على الأقل في الشغل ,و لم يرتكب أي خطأ جسيم فلا يمكن انهاء فترة الاختبار الا بعد منحه اجلي الاخطار التاليين :
يومين قبل الانهاء و اذا كان من فئة الاجراء الذين يتقاضون اجروهم باليوم او الأسبوع او كل 15 يوم
ثمانية أيام قبل الانهاء اذا كان ممن يتقاضون اجورهم شهريا
و اذا فصل الاجير بعد انصرام فترة اختباره دون ان يصدر منه أي خطأ جسيم وجبت له الاستفادة من اجل اخطار لا يمكن ان تقل مدته عن ثمانية أيام [10]
انتهاء فترة الاختبار :
اذا انقضت مدة الاختبار دون ان يستعمل أي من الطرفين رخصة العدول عن العقد , فان هذه الرخصة تنقضي , ويصبح عقد الشغل باتا و نهائيا و ذلك مبدئيا لمدة غير محددة , ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك و هكدا فلا يجوو انهاؤه الا وفق القواعد و الإجراءات التي تنتهي بها عقود الشغل كما يجب الإشارة ان على المشغل ان يرتب الاجير في الرتبة التي تناسب مؤهلاته و ان يمنحه الاجر الذي يستحقه و كذلك التعويضات و غيرها من الاداءات بمناسبة شغله [11]
الفقرة الثانية : شرط التكوين و شرط التفرد :
أولا : شرط التكوين
يمكن لطرفي عقد الشغل ان يشترطان فيما بينهم بان يقدم المشغل للاجير تكوينا مهنيا محددا و هو امر في نعانيه عادة فيما يخص المقاولات الكبرى ذات التطور السريع في المجال التقني على الخصوص و يتجلى ذلك في مجالات المعلوميات و التكنولوجيا الحديثة فهذا الشرط ينشئ التزامات على عاتق الطرفين اذ يكون على المشغل ان يهيء التكوين و على الاجير ان يتابع التكوين و قد يقتضي الأمر ان للامتحان كامتحان السياقة مثلا [12] بالطبع ان المشغل يلتزم بالتكوين قصد الاستفادة من يد عاملة جيدة و متطورة و هو يرمي في ذلك الحصول على تعويض من هذا التكوين و هو الاشتغال لمدة محددة قانونا طبقا للفصل 9 من ظهير 16 ابريل 1940 [13], على ان شرط التكوين عادة ما ينص على مجال معين و هذا ما يبعد المشغل عن تعدد التكوينات كما انه يتم داخل ساعات العمل .
ثانيا : شرط التفرد
و يقصد به ذلك الشرط الذي يحضر على الاجير ممارسة أي نشاط منافس و لقد قبلت محكمة النقض الفرنسية في قراراها الصادر بتاريخ 10 نونبر 1988 ضمنيا بان خرق شرط التفرد يمكن ان يكون نشاطا منافسا للمشغل أي خطأ جسيم و يبقى بالطبع التدقيق في شروط شرعية هذا الشرط مع الاخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الحقوق الجوهرية للأجير و مراقبة شرعية سبب هذه المقتضيات التعاقدية التي تقلص من هذه الأخيرة . ان مبدأ ان الاشتغال عند عدة مشغلين امر جائز شريطة عدم تجاوز الحد الأقصى للعمل بل انه قد يكون مرغوبا فيه بالنسبة للاجراء الذين يشتغلون لوقت جزئي ففي هذه الحالة فان شرط التفرد يمس بحرية الشغل لذا ينبغي ان يكون مبررا بفائدة مشروعة مثل ان العمل يتطلب ان يكون الاجير رهن إشارة المشغل للاشغال التي لا تقبل بطبيعتها الانتظار.[14]
المطلب الثاني : شرط الحركية
لم تتطرق مدونة الشغل لشرط الحركية إلا بشكل ضمني في إطار الحركة الداخلية داخل المقاولة و كعقوبة تأديبية و اللذان يدخلان في ظل السلطة التنظيمية للمشغل ، غير أن هناك بعض المقاولات تلجأ اليه كشرط في عقد الشغل غير أن تفعيله بهذا الشكل يحتاج للموافقة الصريحة للأجير . و للتعمق أكثر في هذا الشرط نرد الأحكام التالية :
الفقرة الأولى : مضمون شرط الحركية :
تتخد حركية الأجراء أشكالا مختلفة ترتبط بالتحولات التي تعرفها المقاولة و تطور حاجياتها الاقتصادية و التقنية ، لذلك أصبح شرط الحركية بندا نمودجيا في أغلب عقود الشغل[15] ، و بالتالي فإن أغلب المقاولات تقوم بإدراجه ليس فقط في عقد الشغل الفردي، بل قد يبرز في الإتفاقية الجماعية عند وجودها أو النظام الداخلي[16] . و ذلك حتى لا تصطدم مستقبلا عند إقدامها على نقل أجرائها من ورش إلى آخر أو مؤسسة إلى أخرى بمبدأ القوة الملزمة للعقد ، لكون هذا الشرط من العناصر الجوهرية في عقد الشغل . و يعرف شرط الحركية أنه ذلك الشرط الذى بمقتضاه يمكن للمشغل أن يقوم بتغيير الرقعة الجغرافية التي اعتاد فيها الأجير ممارسة شغله ، إلى أخرى مغايرة[17] . و عليه فإن أراد المشغل تغيير مكان شغل أجير ما ، فلا بد من تضمين عقد شغله شرطا يسمح بانتقاله من مكان عمله الأصلي المنصوص عليه في العقد ى مكان آخر ، و في حالة غياب هذا الشرط فإن أي تعديل لمكان الشغل يعتبر تعديلا جوهريا يستلزم بالضرورة موافقة الأجير .
و أمام الفراغ التشريعي الذي يعتري شرط الحركية في علاقات الشغل ، حاول الاجتهاد الفقهي و القضائي تحديد إطاره المفاهيمي و القاواعد و الضوابط التي تحكمه ، و التي تضمن الطرفين في العقد
العقد شريعة المتعاقدين :
إن تغيير مكان الشغل كبند جوهري من بنود عقد الشغل لا ينبغي أن يطال عقد الشغل المحدد المدة ، إذ أن التعديل في هذه الحالة يتم من حيث المبدأ عند نهاية المدة المقررة في العقد ، و كل تعديل أتناء تنفيده و دون موافقة الأجير يعتبر خرقا للالتزامات التعاقدية[18] . و الملاحظ أن المجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا ) قد سار في هذا التوجه بالنسبة للعقد غير محدد المدة إذ ذهب إلى إلزام المشغل بضرورة احترام الإرادة الأولى للأجير تنفيد عقد الشغل ، و هذا ما أبرزه القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية عدد 4 بتاريخ 7 يناير 1997 عندما أبان أن الأجير المرتبط بعقد شغل مع مقاولة للاشتغال لديها بمدينة الرباط ، و هي مكان إبرام العقد ، و أنها لما أقدمت على نقله للاشتغال بمدينة القلعة دون موافقته ، تكون قد أخلت من جانبها بلا سبب مشروع بعقد الشغل ، مما ترتب عنه أن الإجراء المتخد بطابع التعسف[19] ، و قد أكد هذا القرار بدوره عن انتفاء ما يدل على أن الأجير قد التزم بالعمل مع مشغله في أي جهة في المغرب[20] . و قد كان التأكيد جليا في قرار آخر صادر عن نفس الغرفة عدد 403 و بتاريخ 15 أبريل 1997 ، عندما أبان أن رفض الإجير الالتحاق بمقر عمله الجديد بمدينة الدار البيضاء بعد أن كان يشتغل بمدينة الجديدة ليس بخطأ ، بل الإجراء المتخد من طرف المقاولة مشوب بطابع من التعسف[21] ، و لعل المثير للانتباه أن أغلب هذه القرارات تستدل في مضمونها على مقتضيات الفصل 230 من ق.إ.ع الذي ينص ” أن الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها ، و لا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا ، أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ” و معنى ذلك اذا اتفق الطرفان على تنفيد العقد أو جزء منه فإن المشغل لا يمكنه أن يعدل هذا التنظيم دون موافقة الأجير .
الاتفاقية الجماعية كمصدر لتنظيم شرط الحركية :
نظمت بعض الاتفاقيات الجماعية بند تغيير مكان الشغل ، و وصل النزاع إلى المجلس الأعلى ( سابقا) , الذي أبان من خلال القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية عدد 421 و بتاريخ 28 يوليوز 1981 أن نقل الأجير من وكالة بنك بالرباط إلى فرع البنك المذكور باليوسفية بدون موافقته يخالف مقتضيات الفصل 57 من الاتفاقية الجماعية للشغل ، الخاصة بمستخدمي الأبناك ، و أن فصله بسبب امتناعه عن تنفيد قراو الانتقال يعتبر فصلا تعسفيا أي أن الأجير لم يرتكب أي خطأ جسيم بسبب ذلك الامتناع[22] .
و تبعا لهذا القرار نكون أمام شرط مضمن بالاتفاقية الجماعية ، فهذه الأخيرة تسعى إلى تحديد بعض الشروط المنظمة للعقود الفردية للشغل ، و بالرجوع إلى الفصل 57 من الاتفاقية الجماعية يتضح أن الأطراف اعتبروا تعديل مكان الشغل بندا جوهريا يخول للأجير حق القبول أو الامتناع عن تغيير مكان شغله ، و بما المشغل قام بفصله نتيجة رفضه هذا ، فقد اعتبر المجلس الأعلى هذا الاجراء تعسفيا في حقه ، و ذلك لأن المشغل لم يلتزم بالشرط الوارد بالاتفاقية الجماعية للشغل
ضرورة استفادة الأجير من النقل :
إن حرص المشغل على حسن سير العمل داخل و خارج مؤسسته قد يدفعه إلى نقل بعض الأجراء من مكان عملهم الأصلي إلى مكان آخر ، إلا أنه لكي لا يتصف قراره هذا بالتعسف ، فقد وضع القضاء معيارا و هو ضرورة استفاذة الأجير من النل ، غير أن هذا المعيار أو الاستفادة تطرح العديد من التساؤلات حول تقديرها و العناصر التي يجب أخدها بعين الاعتبار ، و هل يقصد بالاستفادة حصول الأجير على امتيازات جديدة إضافية ، أم يكفي ذلك عدم حصول الضرر له و ذلك عبر تلقيه لتعويض عن التنقل فقط[23] ؟ .
و الملاحظ أن المجلس الأعلى سابقا ذهب في إحدى قراراته[24] إلى أن مجرد حصول الأجراء على تعويض عن التنقل يعد كافيا لاعتبار القرار الذي اتخده المشغل بنقل أجرائه إلى مكان آخر قرارا صحيحا و يدخل في إطاو سلطته التسييرية .
تغيير مكان الشغل عند غياب الاتفاق المسبق على ذلك
إذا كان تعديل مكان الشغل مستندا إلى مقتضى تعاقدي أو اتفاقي أو نضامي أو عرفي فالنزاع هنا لا يثار على أساس أن هناك اعترافا صريحا يحق للمشغل بموجبه تغيير مكان الشغل ، و يصبح قراره هذا نابعا من سلطته التنظيمية و ما على الأجير سوى تنفيد قرار النقل و آلا اعتبر مرتكبا خطأ جسيم . في حين أن تغيير مكان الشغل في غياب الاتفاق المسبق على ذلك يثيز العديد من التساؤلات تتعلق بمدى مشروعية قرار النقل المتخد ؟ و هل للأجير الحق في رفضه[25] ؟
باستقراء نصوص مدونة الشغل يتبين أن المشرع المغربي قد أشار إلى كوضوع نقل الأجير من خلال الفقرة الثانية من المادة 19 من م.ش التي تتحدث عن نقل الأجير في إطار الحركة الداخلية المرتبطة بالسلطة التنظيمية للمشغل[26] . فضلا عن المادة 37 من م.ش التي نصت على نقل الأجير كعقوبة تأديبية[27] . و يبقى النصان أعلاه غير كافيان لتبيان موقف المشرع من تغيير مكان الشغل في غياب شرط الحركية ، لذلك لا مناص من الرجوع للعمل القضائي ، هذا الأخير الذي يجد نفسه في أغلب الحالات أمام علاقة شغل غير تابتة ، لا بعقد فردي و لا باتفاقية جماعية مما يضظر معه اللجوء إلى القواعد العامة لاستجلاء مدى شرعية قرار النقل المتخد من طرف المشغل من عدمه .
و قد أبانت القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا ) عن النهج الواجب اتباعه من طرف قضاة الموضوع و هو خلق نوع من التوازن بين مصلحة المقاولة في نقل الأجير من جهة ، و مصلحة هذا الأجير من حيث الاستقرار المهني و العائلي من جهة أخرى . و في هذا الصدد نرد القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية عدد 500 و بتاريخ 16 ماي 1995 الذي أكد أن للمشغل السلطة الكاملة في التسيير مما يسمح له بتغيير توقيت الشغل دون موافقة أجرائه ، و له الحق كذلك في إدخال ما يمكن من تغييرات لرفع مستوى الإنتاج، و نقل معمله من حي إلى آخر بنفس المدينة ، و لا يحتاج في ذلك إلى إذن مسبق من أجرائه ، إذ يدخل ذلك في إطار تعديل ظروف العمل دون تعديل العقد ، و هو ماينعكس فيه أمر تغيير مكان الشغل على كل الأجراء أو فئة منهم ، و لا يعتبر ذلك خرقا لعقد الشغل ، و لا إضرارا بالأجراء الذين يتلقون تعويضا عن التنقل[28] . مما يخلق وفقا لهدا القرار توافقا بين مصلحتي الأجير و المشغل .
الفقرة الثانية :الضمانات الممنوحة للأجراء في حالة تغيير مكان الشغل :
إن الأجير قد يتعاقد للعمل في منصب أو شغل معين لكن المشغل قد يبادر آلى تغيير هذا الوضع في إطار التدابير التنظيمية التي يرتئيها لمقاولته ، لكن هذه التدابير قد تمس بحقوق هذا الأجير و من ثم كان من الضروري إقرار ضمانات تشريعية لحماية هذه الحقوق تطبيقا لمبدأ الاستقرار في الشغل
و ضمن هذا التوجه نصت مدونة الشغل في الفقرة الثانية من المادة 19 ، على أن ” يحتفظ الأجير المرتبط بعقد الشغل غير محدد المدة و الذي يتم نقله في إطار الحركة الداخلية داخل المؤسسة أو المقاولة أو مجموعة المقاولات كالشركات القابضة بنفس الحقوق و المكاسب الناشئة عن عقد شغله ، و ذلك بغض النظر عن المصلحة أو الفرع أو المؤسسة التي يتم تعيينه بها و عن المهام المسندة آليه ما لم يتفق الأطراف على مزايا أكثر فائدة للأجير ”
و قد كان هذا الموضوع محط تردد من طرف الاجتهاد القضائي . فأحيانا كان يعتبر كل تغيير في وضعية الأجير بمثابة تعديل انفرادي لعقد الشغل ، و بالتالي فإن رفض الأجير الانصياع لهذه الحركية يشكل موقفا مشروعا، و كل فص نتيجة ذلك يعتبر فصلا غير مشروعا ، آذ أن المشغل ملزم بأن يبقي الأجير بالمكان المتفق عليه و كل مخالفة تعتبر إخلالا بعقد الشغل و بالتالي إضرارا بالأجير[29] .
و هكذا صدر قرار عن المجلس الأعلى عدد 511 و بتاريخ 5 مارس 1990 صرح أنه ” حيث لا يوجد ضمن العقد بند يسمح للمشغلة بنقل الطاعن لمدينة أخرى فإن قيام المشغلة بطرد الطاعن لعدم استجابته لقرارها بنقله إلى زاكوراة في حد داته عقوبة تأديبية[30] . غير أنه في قرار آخر اعتبر المجلس الأعلى أن ” هيكلة المشغل لمؤسسته بتغيير المنشئات و إدخال المعلومات يعد من صميم اختصاصاته و لا يغير شيئا في عقود الشغل المبرمة مع الأجراء[31] .
المبحث الثاني : البنود الخاصة عند انتهاء عقد الشغل :
تستمر آثار عقد الشغل حتى بعد انتهاءه وذلك عندما يتعلق الأمر ببعض الشروط التي قد يضيفها المشغل مراعيا في ذلك مصلحته الخاصة بالخصوص دون أي مراعاة أو مبالاة للطرف الأول و نخص بالذكر هنا منع الأجير من الاشتغال في العمل و المكان الذي كان بمقتضى عقده الذي انتهى لمدة معينة و هو ما يسمى بشرط عدم المنافسة ، بل و يمكن أن يمتد هذا التعسف إلى إضافة بنود أخرى تجعل عمله دائما متوقفا على تحقيق شرط معين و نقصد هنا شرطي تحقيق نتيجة و عدم القابلية للتجزئة.
المطلب الأول : الالتزام الاتفاقي بعدم المنافسة في علاقات الشغل :
الأصل أن الأجير يسترد بعد انتهاء عقد الشغل حريته الكاملة في ممارسة العمل الذي يناسبه و لو كان فيه منافسة للمشغل السابق ، و لا تتقيد حريته إلا في حدود القواعد للمسؤولية التقصيرية [32] . غير أن هذه الحدود لا توفر الحماية الكافية للمشغل لأنها لا تحميه آلا في حالة وجود خطأ من الأجير في المنافسة ، مما يدفعه إلى الاحتياط و تضمين عقد الشغل شرطا يمنع الأجير من منافسته سواءا أثناء تنفيد عقد الشغل أو حتى بعد انتهائه . إذ يندرج هذا الشرط كبند من بنود العقد [33] .إذن فما مضمون هذا الشرط ؟ و ما الغاية من إدراجه كبند في عقد الشغل ؟
الفقرة الأولى : مضمون شرط عدم المنافسة :
إن الالتزام بعدم المنافسة قد يجد مصدره إما في القانون أو العقد أي اتفاقاتالأطراف، ويسمى في الحالة الأولى بالالتزام القانوني بعدم المنافسة تمييزا له عن الالتزامالاتفاقي بعدم المنافسة.ويعرف الشرط الاتفاقي بعدم المنافسة، الاتفاق الذي يلتزم بمقتضاه الأجير بعدممنافسة رب العمل سواء بإنشاء مشروع منافس، أو بالعمل عند رب عمل منافس بعد انتهاء عقد الشغل [34].
فإذا كان تضمين عقد الشغل شرطا يمنع الأجير من استغلال وقت فراغه أثناء قيام رابطة العقد على وجه يضر بمصالح المقاولة التي ينتمي إليها ، يعد امتدادا مقبولا للالتزام الأجير بتخصيص جهده للعمل المتفق عليه [35] ، لكن الصعوبة تتجلى في وجود هذا الشرط بعد انتهاء العقد على اعتبار أن الأصل هو حرية الأجير في اختيار العمل الجديد المناسب له سواءا اشتغل عند مشغل جديد أو لحسابه الخاص . غير أنه خوفا من إضرار هذه الحرية بمصالح المقاولة بحكم اطلاعه على أسرارها . و لآجل ذلك كان من الضروري الاقرار بمشروعية هذا الشرط في الحدود التي تضمن حماية هذه المقاولة . و هذا ما أقره المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 109 ق.ا.ع على أنه ” و لا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت و في منطقتين محددتين ” .كما أن القضاء كرس نفس التوجه و اعتبر الالتزام بعدم المنافسة بعد انتهاء عقد الشغل التزاما مشروعا يرتب مسؤولية الأجير عند الاخلال به .
و قد ذهب قرار المجلس الأعلى سابقا( محكمة النقض حاليا ) رقم 699 بتاريخ 17 نونبر 1982 في الملف المدني عدد 91439 إلى عدم مناقشة الخمس سنوات المحددة طبقا للاتفاق بين الطرفين ، اذ يلتزم الأجير في أن لا يمارس بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي نشاط مشابه بما هو منصوص عليه في العقد ، و المتعلق بنشر الدروس للتلاميد عن طريق المراسلة خلال سريان العقد ، و خلال مدة خمس سنوات بعد انقضاءه [36]، و قد جاء في قرار آخر صادر أيضا عن المجلس الأعلى رقم 330 بتاريخ 22 شتنبر 1980 في الملف الاجتماعي عدد 83853 أنه ” حيث صح ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه ، ذلك أنه بمقتضى الفصل 12 من العقد المبرم بين الطاعنة و المطلوب في النقض يلتزم هذا الأخير من جملة ما التزم به بإفادة الشركة بجميع نشاطه المهني و يمنع عليه إشاعة أي إيضاح أو بيان عن سير الشركة، أو الوسائل الخاصة المستعملة من طرفيها، أو استخدام هذه المعلومات والأساليب لفائدة مصلحته الشّخصية ولو بعد انتهاء مدة العقد، وكل مخالفة لهذا الالتزام تعتبر خطأ جسيما يبرر فحسب الطرد فورا بل يوجب علاوة على ذلك تعويض الضرر الناتج عنه. وحيث أثبتت الطاعنة أن المطلوب في النقض أسس شركة مماثلة لها تهدف نفس الهدف تحت اسم “سيتكو ” وذلك بواسطة نسخة من القانون الأساسي للشركة المذكورة.
وحيث أن ما قام به المطلوب في النقض يشكل خرقا صريحا بما التزم به في الفصل 12 من عقدة العمل المبرمة بينه وبين مشغله كما يشكل خطأ جسيما يبرر طرده من طرف الشركة المذكورة [37] .
ويعتد بشرط عدم المنافسة سواء ورد في العقد الأصلي أو في عقد ملحق”، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في احد قراراتها حيث جاء فيه:” وحيث ان عقد عدم المنافسة سواء اعتد به كجزء من العقد الأصلي…. سواءا من تاريخ تحريره أو من تاريخ إنهاء العلاقة الشغلية[38] .
ونظرا لحساسية شرط عدم المنافسة لا يلزم به الأجير إلا إذا تم الاتفاق عليه صراحة بين الأطراف ، وإن كان لا يلزم أن يكون هذا الاتفاق في شكل خاص وإنما ينبغي فقط أن يكشف عن قصد الطرفين، إذ أنه يورد قيدا على حرية الشغل . وتبعا لذلك قضى القضاء الفرنسي الحديث أنه لا يمكن للاتفاقية الجماعية أن تضع مباشرة على عاتق الأجراء التزاما بعدم المنافسة في حين أن عقد الشغل لا ينص على شيء من هذا القبيل”. وكذلك لا يمكن للمشغل أن يدرج بطريقة أحادية شرط عدم المنافسة في العقد الذي لا يتضمنه ابتداءا، لأن الأمر يتعلق هنا بتعديل جوهري لعقد الشغل الذي لا يمكن أن يفرض من طرف المشغل بحيث يمنع هذاالأخير تعديل بعض بنود عقد الشغل لإرادته المنفردة[39].
الفقرة الثانية : شروط صحة الاتفاق على عدم المنافسة
ينص الفصل 109 ق.ل.ع أن ” كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد عن مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان؛ كحقه في أن يباشر حقوقه المدنية يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام المعلق عليه .
ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت ومنطقة محددين .
فالمشرع المغربي وضع شرطين أساسيين لصحة الالتزام الاتفاقي بعدم المنافسة وهما أن يكون هذا الشرط مقيدا بنوع من الحرفة أو العمل وكذا مقيدا في الزمان والمكان ولقد ترك المشرع للقضاء السلطة التقديرية لضبط مدى ونطاق هذه الشروط .
وهكذا في حكم لابتدائية الدار البيضاء صادر بتاريخ 10 أبريل 1933 ” يعد باطلا الشرط الذي يمنع بمقتضاه العامل من العمل لحساب شخص آخر في كل أنحاء المملكة المغربية مبينة أن المنع يجب أن يكون محددا من حيث الزمان والمكان أيضا، لأن في ذلك مساس بحرية العمل المنصوص عليها في الفصل 727 ق.ل.ع .[40]
كما جاء في قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 22 شتنبر 1980 ” ذلك أنه بمقتضى الفصل 12 من العقد المبرم بين الطاعنة والمطلوب في النقض يلتزم هذا الأخير بإفادة الشركة بجميع نشاطه المهني ويمنع عليه إشاعة أي إيضاح أو بيان عن سير الشركة أو الوسائل الخاصة المستعملة من طرفها، أو استخدام هذه المعلومات والأساليب لفائدة مصلحته الشخصية ولو حتى بعد انتهاء مدة العقد، وكل مخالفة لهذا الالتزام تعتبر خطأ جسيما لا يبرر فحسب الطرد فورا بل يوجب علاوة على ذلك التعويض الناتج عنه .
وحيث أثبتت الطاعنة أن المطلوب في النقض أسس شركة مماثلة لها تهدف نفس الهدف تحت اسم ” أ ” وذلك بواسطة نسخة من القانون الأساسي للشركة المذكورة وحيث أنه ما قام به المطلوب في النقض يشكل خرقا صريحا لما التزم به في الفصل 12 من عقد العمل المبرم بينه وبين مشغلته شركة ” ب “، كما يشكل خطأ جسيما يبرر طرده من طرف الشركة المذكورة طبق نفس الالتزام[41] .
وإذا كان شرط عدم المنافسة يهدف إلى حماية مصلحة مشروعة للمقاولة أو المؤسسة فإنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل الأجير وذلك لمنع الاشتراطات التعسفية الدارجة والعامة في عقود العمل والتي لا تضع في الحسبان نوع العمل المكلف به الأجير، الذي يقتضي أن يكون على قدر من الكفاءة والتخصص والتجربة والذي يبرز وحده حقيقة وأهمية الأخطار الاقتصادية والتجارية لمزاولة أي عمل منافس، وهكذا اعتبرت محكمة النقض الفرنسية[42]أن شرط عدم المنافسة بالنسبة للأجير المكلف بالتنظيف المبرم لمدة 4 سنوات لا يعتبر شرطا ضروريا لا غنى عنه لحماية المصالح المشروعة للمقاولة وفي نفس الوقت وحماية للحق في العمل بالنسبة للأجير وضع الاجتهاد القضائي الفرنسي عدة شروط لصحة شرط عدم المنافسة
وهي ثلاثة شروط
1- أن يكون الشرط مقيدا في الزمان
2- أن يكون الشرط مقيدا في المكان
3 – أن يحصل الأجير على تعويض عن هذا الشرط
وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسي مبدئي وتاريخي حول مسار الاجتهاد القضائي صادر بتاريخ 10/7/2002 جاء فيه ” إن شرط عدم المنافسة لا يمكن أن يكون مشروعا إلا إذا كان ضروريا لحماية مصلحة مشروعة للمقاولة، محددا في الزمان والمكان يأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل الأجير ويتضمن تعويضا ماليا، هذه الشروط كلها مجتمعة وإلزامية .
الفقرة الثالثة : آثار شرط عدم المنافسة :
أولا: آثار تطبيق شرط عدم المنافسة على الأجير
إذا تحققت شروط صحة شرط عدم المنافسة يتعين على الأجير احترامها والالتزام بمقتضياتها تحت طائلة تحقق مسؤوليته العقدية مهما كانت أسباب انتهاء عقد العمل سواء الفسخ أو الاستقالة .
لكن جزاء المسؤولية العقدية قد لا يكون فعالا لضمان احترام الأجير للشرط الشيء الذي استدعى التفكير في تطبيق جزاءات أكثر صرامة ومن بينها فرض غرامة تهديدية على الأجير أو طلب إغلاق المؤسسة المنافسة أو فسخ عقد العمل بالنسبة للأجير المرتبط بمشغل آخر، ويمكن للمشغل أن يجمع بين طلب تنفيذ الشرط وطلب التعويض .
ثانيا: أثار تطبيق شرط عدم المنافسة على المشغل
إذا لم يمكن المشغل الأجير من تعويض عن شرط عدم المنافسة، فإن الشرط يصبح كأن لم يكن ويكون بمقدوره التحلل منه بحيث يسترد حريته في ممارسة نفس العمل ومنافسة مشغله
ثالثا: أثار تطبيق شرط عدم المنافسة على المشغل الجديد
قد تتحقق مسؤولية المشغل الجديد بمناسبة تطبيق شرط عدم المنافسة في الحالة التي يقوم فيها بتشغيل أجير مرتبط بهذا الشرط مع مشغل آخر:
1- إذا ثبت أنه تدخل من أجل إخراج الأجير من شغله
2- إذا شغل أجير مع علمه بأنه مرتبط بعقد شغل
3- إذا استمر في تشغيل أجير بعد أن علم أنه ما زال مرتبطا بمشغل آخر بموجب عقد الشغل ويكون معه المشغل الجديد متضامن مع الأجير عن تحمل المسؤولية عن الضرر اللاحق بالمشغل السابق[43]– المادة 42 من مدونة الشغل
الفقرة الرابعة : شرط عدم المنافسة بين مصلحة المشغل وتقييد حرية الشغل
تظهر حساسية شرط عدم المنافسة ودقته في عقود الشغل خاصةنظرا لارتباطه بمجموعة من المصالح والاعتبارات المتداخلة والمتعارضة ، منها ما يتعلق بمصلحة المشغل، ومنها ما يتعلق بمصلحة الأجراء. ذلك أنه إذا كانت الحاجة إليه تجد مبرراتها في حماية المصلحة المشروعة للمقاولة فإنه في المقابل يشكل قيدا خطيرا على حرية الشغل وحرية المنافسة باعتبارهما مبدآن أصليان .
وكما سبقت الإشارة سابقا، إن تضمين عقد الشغل شرطا مفاده امتناع الأجير عن ممارسة نشاط مماثل لنشاط مشغله يشكل إهدارا خطيرا لحرية الأجير في القيام بالعمل الذي يناسبه وفي المكان الذي يريده ، مما يقتضي ضرورة وجود مصلحة مشروعة يهدف المشغل حمايتها من وراء شرط من هذا القبيل.
ولأن من الصعب إيجاد المبرر الرامي إلى الحد من حرية الشغل في الكثير من الحالات[44]، فإن هناك حالات تكون فيها للمشغل مصلحة جدية في حماية مشروعه من احتمالات منافسة ضارة لعدة اعتبارات.
أولى هذه الاعتبارات أن الأجير يتمكن أثناء عمله من الإطلاع على أسرار العمل المختلفة ومن توطيد علاقاته بالزبناء، الأمر الذي يدفعه إلى ترك الشغل واستغلال ذلك لحسابه الخاص على حساب المصالح الاقتصادية للمشغل. فبالرغم من وجود نصوص قانونية تلزم الأجير بعدم إفشاء سر المهنة وتعاقبه على مخالفة هذا الحظر[45] ، فإن ذلك ليس كافيا لتحقيق الحماية المطلوبة للمشغل، لأن التزام الأجير بعد انقضاء العقد، يقتصر على عدم إفشائها للغير ،
ولا يمنعه من استخدامها لحسابه الخاص بعض هذا الانقضاء ،
و ثاني هذه الاعتبارات أن الأجير بعد انتهاء عقد الشغل يسترد كامل حريته في ممارسة نشاطه المهني سواءا بالتعاقد للعمل مع مشغل آخر أو اشتغل لحسابه الخاص . إذ أنه أمام غياب كل اتفاق صريح يقيد الحرية التنافسية للأجير ، يكون لهذا الأخير حق ممارسة أي نشاط و لو كان مشابها لذلك الذي يمارسه مشغله شريطة فقط احترام العادات المشروعة للتجارة[46] .
و من أجل هذه الاعتبارات يلجأ المشغل إلى فرض شرط على عاتق الأجير بعدم المنافسة بعد انقضاء الرابطة العقدية ، و عادة ما يلجأ إلى ذلك بالنسبة للأجراء الذين يشتغلون بالمناصب عليا و دو خبرة كبيرة .
المطلب الثاني : شرط عدم القابلية للتجزئة و شرط تحقيق نتيجة
الفقرة الأولى : شرط عدم القابلية للتجزئة :
غالبا ما يستخدم هذا الشرط في العقود التي تكون في حالة وجود اثنين من مقدمي الرعاية الذين يعملون في نفس المسكن. ويكون عقد العمل موقع من قبل كلا الزوجين و تعرف هذه العقود أيضا بالعقود الزوجية ، سواء كانت في عقود محددة المدة أو في عقود غير محددة المدة .
إن هذا الشرط بصفة عامة يعني أن كلا من عقود العمل من الناحية القانونية
غير قابل للتجزئة ، وبالتالي ، في حالة خرق أحد هذين العقدين ، يتم إنهاء العقد الآخر بحكم الواقع. غير أن هذا الشرط لا يكون قانونيا طوال الوقت في نظر المحاكم الفرنسية. بحيث جاء في إحدى قرارتها [47] أنه من أجل أن تكون صالحة:
– يجب تبرير شرط التجزئة بحيث تكون طبيعة العمل المطلوب تنفيذه متناسبة مع الهدف المنشود
– من المستحيل استمرار العقد الثاني بسبب تمزق العقد الأول.
في حالة النزاع حول بند عدم التجزؤ هذا ، يجب على القضاة التحقق من واقع وضرورة عدم التجزؤ. يعتبر عدم قابلية العقد للتجزئة أمرًا ضروريًا فقط إذا كانت الوظيفتان التي يشغلها كل من شخصي الزوجين مترابطة ، أي أن تمرينهم ينطوي على وجود الموظف الآخر. وعلاوة على ذلك ، فإن الأمر متروك الآن لصاحب العمل ليبرهن للقاضي على أن استمرار العقد الثاني أثبت أنه مستحيل بعد تفكك العقد الأول ، إذا أراد تبرير مزدوجة[48].
و في هذا الصدد تجدر الاشارة إنه في العقود غير محددة المدة ، بند عدم القابلية للتجزئة ممكن و لكن بتحفضات كما سبقت الاشارة سابقا .غير أنه بالنسبة للعقود محددة المدة لا يمكن إدراجه لأنه يخالف النظام العام طبقا للمادة1234-1 من مدونة الشغل الفرنسية .
الفقرة الثانية : شرط تحقيق نتيجة :
غالباً ما تستخدم هذه الشروط في عقود التوظيف لوكلاء المبيعات التجاريين أو الفنيين ، والتي تسمى أحيانًا “بنود الحصص” ، وتهدف إلى تحديد الأهداف المسبقة التي يجب على الموظف تحقيقها مسبقًا.
يتم قبول هذه البنود في القانون الفرنسي. حيث يمكن للمشغل تبرير الطرد إذا لم يتم تحقيق الأهداف. ومع ذلك ، حدد القضاة الفرنسيون حداً: يجب ألا يكون هذا الشرط هو الأساس الوحيد لإقالة الموظف . وينبع هذا القرار من حقيقة أن صاحب العمل لا يستطيع خلق أسباب أخرى للفصل من تلك التي توفرها النصوص.
وبالمثل ، فإن مجرد ذكر عدم كفاية النتائج لا يكفي لتبرير الفصل[49].
و في هذا الصدد فقد جاء في قرار لمحكمة الاستناف الفرنسية عدد 90-42556 بتاريخ 16 يناير 1992 ” ولكن في حين أن محكمة الاستئناف، بعد مقارنة كل شهر للنتيجة لتلك التي أراد تحقيقها رب العمل لم تتحقق ، و نظرا لأن الأجير طوال التسع أشهر المتفق عليها كان يقدم تقارير كاذبة ، قررت محكمة الاستئناف، في ممارسة السلطة فإنه يأخذ المادة L. 122-14 -3 من قانون العمل ، بقرار منطقي ، أن الفصل كان مستندًا إلى سبب حقيقي .
خاتمة :
تفرض استمرارية عقود الشغل في الزمن ضرورة ملائمتها مع التطورات التي تستهدفها المؤسسة , غير أن تحقيق هذه الملائمة يقتضي بالضرورة التوفيق بين مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يمنع الإرادة المنفردة من تعديل الروابط العقدية , و مبادئ قانون الشغل التي تعطي للمشغل سلطات واسعة من حيث الإدارة و التسيير ، و كذا تحقيق نوع من التوازن العقدي بين التزامات الأطراف و ليس انفراد أحد أطرافها ببنود تخدم مصلحته مما يجعل العقد مجحفا للطرف الآخر الضعيف في العقد ، و وجب على المشرع أيضا سد التغراث الحاصلة على مستوى مدونة الشغل ، و التي يتم استغلالها استغلالا بشعا من طرف المشغلين خصوصا فيما يتعلق بالبنود الخاصة التي سبق ذكرها ، و محاولة التخفيف من حدتها ، لأن عدم القيام بذلك سيجعل العلاقة الشغلية في المستقبل كالعبودية إن صح القول.
[1]عبد اللطيف الخالفي . الوسيط في قانون الشغل . طبعة 2014 . المطبعة و الوراقة الوطنية –مراكش . ص 370
[2]محمد بنحساين . شرح قانون الشغل المغربي . طبعة 2012 . مطبعة امسين – الرباط ص 193
ا[3]لفصل 602 من قانون الالتزامات و العقود
[4]محمد سعيد بناني .قانون الشغل في ضوء مدونة الشغل .علاقات الشغل الفردية . الجزءالثاني .مطبعةالنجاح – الدارالبيضاء ص 352
[5]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . ص 353
[6]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . ص 354
[7]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . ص 340
[8]عبد اللطيف خالفي . مرجع سابق . ص 375
[9]المادة 13 من مدونة الشغل المغربية
[10]اشركي افقير عبد الله . محاضرات في القانون الاجتماعي . علاقات الشغل الفردية و الجماعية .طبعة 2011 –طنجة ص 22
[11]عبد اللطيف خالفي . مرجع سابق . ص 376
[12]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . ص405
[13]وحسب هذا الفصل فان هذه المدة لا يمكن ان تتجاوز 4 مرات مدة التمرين . وفي جميع الاحوال يجب الا تتجاوز سنتين
[14]محمد سعيد بناني . مرجع سابق ص 373
[15]عبد الحق الادريسي . تقرير حول رسالة ماستر في القانون الخاص تحت عنوان ” شرط الحركية في علاقات الشغل “
[16]محمد سعيد بناني . قانون الشغل في ضوء مدونة الشغل .علاقات الشغل الفردية . الجزء الثاني .ص 166 مطبعة النجاح – الدار البيضاء
[17]فدوى اليعكوبي . رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص بعنوان ” سلطة المشغل في تعديل عقد الشغل ” . ص 73
[18]بناني مرجع سابق . ص168
[19]قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الاغلى عدد 4 بتاريخ 7 يناير 1997
[20]وهناك ايضا قرار الغرفة الاجتماعية الصادر بتاريخ 7 يونيو 2006 و مدكور عند محمد سعيد بناني
[21]لكن حيث ان المطلوب في النقض قد تعاقد مع الطاعنة للعمل بمدينة الجديدة .و ان اتخاد قرار بنقله للعمل بمدينة الدار البيضاء دون موافقته فيه مساس بعقد العمل.
[22]وحيث ينتج مما سبق ان نقل السيد .. من وكالة البنك التجاري المغربي بشارع تمارة بالرباط الى فرع البنك المذكور بمدينة اليوسوفية بدون موافقته يخالف مقتضيات الفصل 57 من الاتفاقية الجماعية للشغل الخاصة بمستخدمي الابناك كما ينتج ان طرده من عمله بسبب امتناعه عن تنفيد قرار انتقال مخالفلمقتضيات الاتفاقية المذكورة يعتبر طردا تعسفيا .
[23]فدوى اليعكوبي . مرجع سابق .ص 75
[24]امينة ناعمي . مقالة بعنوان حدود شرط عدم المنافسة في ضوء مدونة الشغل – الرباط
[25]امينة انوار . رسالة لنيل شهادة الماستر تحث عنوان شرط عدم المنافسة في علاقات الشغل على ضوء العمل القضائي . ص 75
[26]المادة 19 من مدونة الشغل
[27]المادة 37 من مدونة الشغل
[28]قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الاعلى عدد 500 بتاريخ 10 ماي 1995
[29]عمر تيزاوي . مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة و حقوق الاجراء . طبعة 2011 ص 420 – طنجة
[30]قرار صادر بتاريخ 06/12/1994 ملف عدد 91/9119 مذكور عند د. عمر تيزاوي ص 420
[31]قرار عدد 806 ملف 00/322 منشور بالنشرة الاخبارية للمجلس الاعلى عدد 11/2003 ص 19
[32]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . ص 927
[33]امينة انوار .مرجع سابق . ص 23
[34]محمد مومن . الشرط الاتفاقي بعدم المنافسة في عقد الشغل . مجلة القانون و القتصاد عدد 18 . 200-2001 ص 12
[35]امينة انوار . مرجع سابق ص 24
[36]محمد سعيد بناني . مرجع سابق . المجلد الثاني . ص 930
[37]قضاء المجلس الاعلى . عدد 27 . السنة السادسة . غشت 1981 . ص 135 و بعدها
[38]قرار محكمةالاستئناف بالدار البيضاء . رقم 1514 بتاريخ 18 ماي 1992 في الملف عدد 92108 . مجلة المحاكم المغربية العدد 66 ص 95
[39]امينة انوار . مرجع سابق . ص 27
.[40]مذكور عند أحمد شكري السباعي، الأسس القانونية للمناقشة غير المشروط على ضوء الفصل 84 من ق.ل.ع، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية العدد 7، 1984، ص 106
.[41] قرار رقم 3330 منشور بمجلس قضاء المجلس الأعلى، عدد 27، 1982، ص 193
Cass – soc, 14 mai 1992, n° 89 – 45. 300 : dans même sens cass. Soc. 13 Janv 1997, n° 97 – 40 – 023. soc. 11 Juill 2001. n° 99 – 42 – 915.
[42]
[43]امينة ناعمي . مقالة بعنوان ” حدود شرط عدم المنافسة على ضوء قانون الشغل “
[44]محمد بناني .المرجع السابق . المجلد الثاني. ص 928
[45]الفصل 447 من القانون الجنائي المغربي
Stephane vacca .article avocat . CDD et clause d’indivisibilite[46]
Cass . Soc 12/07/2005 no 03 – 45394[47]
Laurencee Lautvette et Mauguy . les clauses d’objectif[48]
Cass . Soc .16 janvier 1992 no 90-42556 [49]