دراسات قانونية

التحكيم في التشريع الجزائري (بحث قانوني)

التحكيم في التشريع الجزائري
التحكيم هو الحكم في نزاع من طرف خواص يعطى لهم اسم المحكمين ويعينهم الأطراف. اتفاقية التحكيم هي الاتفاقية التي يقرر فيها الأطراف اللجوء إلى التحكيم. تأخذ اتفاقية التحكيم اسم شرط التحكيم عندما تحرر تحسبا لنزاع محتمل مستقبلي (م.1007 ق.إ.م.إ.) واسم اتفاق التحكيم عندما تخص نزاع سبق نشوؤه (م.1011 ق.إ.م.إ.). طلب التحكيم معناه الاتفاق على عرض نزاع على المحكمين. لا يكون ثمة حكم تحكيمي إلا إذا حصل اتفاق على التحكيم. يعتبر باطلا حكم التحكيم الصادر دون اتفاق على التحكيم أو خارج التحكيم (م.1056 ق.إ.م.إ.).

يلاحظ أولا أن المشرع الجزائري تصور التحكيم كامتداد للجهات القضائية الرسمية التي تبقى هي الأصل للفصل في المنازعات، وهذا ما يفسر موقع التحكيم في ختام قانون الإجراءات المدنية والإدارية. هذا وأن المشرع أحاط مؤسسة التحكيم بشبكة من نصوص قانونية مقيدة ومعقدة. والفكرة التي تطغى على هذه المجموعة من القواعد هي أنه بلجوئهم إلى محكمين، فإن المتقاضين يفقدون الضمانات التي تمنحها المحاكم الرسمية. لذا منع المشرع التحكيم في بعض المواد حددتها المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وهي المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص أو أهليتهم. وحتى خارج هذه المواد، فإن التحكيم يخضع في حصوله أو في تنفيذه إلى بعض القواعد تجعل منه مؤسسة ذات طابع استثنائي بالنظر إلى الجهات القضائية التابعة للدولة التي تعتبر محاكم ذات الاختصاص العام (م. 32 ق.إ.م.إ.). يجب أن يسبق التحكيم، اتفاق التحكيم الذي يعين فيه موضوعات النزاع وأسماء المحكمين، وإلا كان باطلا (م. 1012 ق.إ.م.إ.). ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يتبع المحكمين والأطراف المواعيد والأوضاع المقررة أمام المحاكم (م. 1019 ق.إ.م.إ.). مهمة المحكمين تكون مؤقتة أصلا، وألزمهم القانون بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر ما لم يمدد هذا الميعاد باتفاق أطراف العقد (م. 1018 ق.إ.م.إ.). وينتهي التحكيم لعدة أسباب ما لم يشترط الأطراف خلاف ذلك (م. 1024 ق.إ.م.إ.). وأخيرا يكون حكم التحكيم قابلا مبدئيا للاستئناف، ما لم يتنازل عنه الأطراف ( م. 1033 ق.إ.م.إ.).

مبدئيا يكون اللجوء إلى التحكيم اختياريا، ولكن أخضع المشرع بعض النزاعات للتحكيم بصفة إجبارية، ونذكر بالخصوص النزاعات الجماعية في العمل (القانون المؤرخ في 6 فبراير 1990).

بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدد بصفة عامة الأحكام التي وردت في المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25 أبريل 1993 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية القديم الذي أقر مفهوم التحكيم الدولي. سنتطرق بالتوالي إلى التحكيم الداخلي ثم إلى التحكيم الدولي.

التحكيم الداخلي

I- إجراءات التحكيــم الداخلي

نص المشرع الجزائري عن إجراءات التحكيم الداخلي في الفصل الأول من الباب الثاني لقانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبالتحديد في المواد من 1006 إلى 1024. أدرجت في هذا الفصل القواعد المتعلقة باتفاق التحكيم (1)، وشرط التحكيم (2)، وتنظيم هيئة التحكيم (3)، والخصومة أمام المحكمين (4) .

1- اتفاق التحكيم

اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم (م. 1011 ق.إ.م.إ.).لا يجب الخلط بين اتفاق التحكيم والصلح . الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه (م. 459 ق.مدني.). و إما في اتفاق التحكيم، فإن الأطراف يكلفون شخص من الغير الفصل في النزاع القائم بينهم. ومهما كان التكييف الذي أعطاه الأطراف لاتفاقهم، يكون ثمة اتفاق التحكيم إذا كلف محكمين دون غيرهم بالفصل في النزاع.

فباتفاقهم على التحكيم، يكون الأطراف قد فضلوا إسناد مهمة الفصل في نزاعهم إلى أفراد عاديين عوضا من رفع الدعوى أمام الجهات القضائية الرسمية. ونظرا لخطورة اتفاق التحكيم، وضع المشرع شروطا صارمة لصحته.فإلي جانب الشروط الموضوعية، يجب أن تتوفر في اتفاق التحكيم بعض الشروط الشكلية .

1-1- الشروط الموضوعية

لصحة اتفاق التحكيم، يجب أن تكون المادة قابلة لهذه العمليةكما يجب أن تتوفر في الأطراف الأهلية الضرورية للاتفاق على التحكيم .

1-1-1- المواد القابلة للتحكيم

يمكن مبدئيا الاتفاق على التحكيم في كل المواد، ولكن وبصفة استثنائية، لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم (م. 1006 ق.إ.م.إ.). المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أنه: “يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها”. لا يمكن إذا طلب التحكيم في أشياء خارجة عن التجارة. وبصفة عامة لا يجوز الاتفاق على التحكيم في المواد التي لا تكون قابلة للصلح.

في ظل التشريع القديم كان لا يجوز إطلاقا للدولة وللأشخاص الاعتباريينالعموميين طلب التحكيم، ولكن بعد التعديل الذي طرأ على قانون الإجراءات المدنية القديم بموجب المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25 أبريل 1993 أجاز المشرع الأشخاص المعنويين التابعين للقانون العام طلب التحكيم ولكن فقط في علاقتهم التجارية الدولية. قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدد هذا النظام الجديد ووسع مجال تطبيقه على الصفقات العمومية، فعملا بالمادة 1006 الفقرة 3: “لا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم،ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية”.

قانون الإجراءات المدنية القديم كان يمنع التحكيم في مسائل الالتزام بالنفقة، وفي حقوق الإرث، والحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس (م.442 ف.1 ق.إ.م.). قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يستثني هذه المسائل من التحكيم. المشرع أخذ إذا بالنسبة لمادة شؤون الأسرة بالنظرية التي تميز بين المواد المتعلقة بالأحوال الشخصية المحضة (مسائل الزواج والطلاق والنسب …) التي لا تقبل التحكيم، والمواد المتعلقة بالمصالح المالية (النفقة، التعويض عن فسخ الخطبة، قسمة التركة أو إدارتها…). هذا الموقف هو في الواقع مطابق لأحكام المادة 461 من القانون المدني التي تجيز الصلح على المصالح المالية الناجمة عن الحالة الشخصية وتمنعه في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والنظام العام.

2-1-1- الأهلية الضرورية للاتفاق على التحكيم

نظرا للخطورة الخاصة لاتفاق التحكيم، يجب أن تتوفر في من يقوم بهذا العمل لا فقط أهلية الالتزام أو أهلية التقاضي، بل كذلك أهلية التصرف المطلق في الحق المتنازع عليه. تطبيقا لنص المادة 1006 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا يجوز لبعض فاقدي الأهلية أن يطلبوا التحكيم. لا يجوز للقاصر الذي لم يبلغ سن التمييز، ولا للراشد الذي فقد أهليته أن يطلبا التحكيم، كما يكون طلب التحكيم مستحيلا في النزاعات المتعلقة بالمحجور عليهم.ولا يجوز للوكيل أن يطلب التحكيم إلا بموجب وكالة خاصة (م.574 ق.م.).

2-1- الشروط الشكلية

حسب المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية، يحصل الاتفاق على التحكيم كتابيا. العقد الكتابي قد يكون عقدا رسميا أو عقدا عرفيا أو محضرا يحرره المحكمون يوقعون عليه كما يوقع عليه الأطراف. وعندما يحصل الاتفاق بعقد عرفي، يجب أن يصدر طبقا لقواعد القانون العام، أي يجب أن يكون عدد أصول العقد المحرر مثل عدد الأطراف ذوي المصالح المتباينة، مع الإشارة في كل واحد منهم إلى عدد الأصول.

المادة 1012 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا تمنع حصول اتفاق التحكيم بموجب محضر يحرره المحكمون أنفسهم. يجب بدون شك أن يوقع المحكمون والأطراف على هذا المحضر، ولكنه لا يخضع للأشكال الأخرى التي تخضع لها العقود العرفية. وهكذا، فليس من الضروري تحرير المحضر بعدد مثل عدد المحكمين والأطراف، فيكفي تحرير أصل واحد، على أن يبقى هذا الأصل بين أيدي أحد المحكمين حتى يمكنهم إثبات سلطاتهم عند الحاجة.

وجوب الكتابة في الاتفاق على التحكيم يعد قاعدة شكلية كما هو الحال بالنسبة لأشكال أعمال الإجراءات. يكون المحرر ضروري لرفع النزاع أمام المحكمين كما يكون التكليف بالحضور ضروريا لرفع الدعوى أمام المحكمة. غياب المحرر أو التوقيع يترتب عليه البطلان ولكن يعتبر هذا البطلان بطلانا إجرائيا قد يغطي لو لم يتمسك به، أو إذا تخلى عنه الأطراف.

سواء أكان رسميا أم عرفيا أم على شكل محضر، فإن العقد الذي يثبت الاتفاق على التحكيم يجب، حسب المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، أن يعين موضوع النزاع وإلا كان باطلا. وطبعا، يمكن أن يحتوي العقد على بنود أخرى، وبالخصوص على الأشكال التي يجب إتباعها، على الميعاد الذي يلزم خلاله المحكمين بإصدار قرارهم، على تعيين محكم مرجح أو على سلطة المحكمين بالفصل دون قابلية حكمهم للاستئناف. ولكن تعيين موضوع النزاع هو وحده مقرر تحت طائلة البطلان.

يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين محكم وحيد أو عدة محكمين . كما هو الحال لتعيين موضوع النزاع، فإن المادة 1012 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية استلزمت تعيين أسماء المحكم أو المحكمين تحت طائلة البطلان. ولكن يجب فهم هذا النص حرفيا. فالإشارة إلى اسم ولقب المحكمين ليس ضروريا، وما يطلبه القانون هو أن يعين هؤلاء المحكمين بطريقة لا تترك مجالا للشك في هويتهم. فقد يعين مثلا محكم بواسطة وظيفته أو صفته، كأن يعين الأطراف نقيب المحامين كمحكم. ويمكن للأطراف عوضا من تحديد أسماء المحكمين الاكتفاء بتحديد كيفية تعيينهم (م. 1016 ق.إ.م.إ.). ونفس القاعدة مقررة بالنسبة لشرط التحكيم (م. 1008 ق.إ.م.إ.).

رغم أن القانون لم ينص عن ذلك صراحة، يجب أن يكون اتفاق التحكيم مؤرخا. هذا الحل تفرضه المادة 1018من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي ألزمت المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم بمعرفة أطراف العقد. فلو لم يؤرخ اتفاق التحكيم، استحال تحديد مدته لأن بدأ سريانه يبقى مبهما. لذا فإن اتفاق التحكيم الغير المؤرخ يكون باطلا، على الأقل في الرأي الذي يعتبر أن الكتابة تعد إجراء ضروري لصحة العقد.

3-1- بطلان اتفاق التحكيم

اتفاق التحكيم قد يشوبه إذا البطلان. وهذا ما يقع أولا، إذا كان أحد المتعاقدين فاقدا لأهليته. مبدئيا وطبقا للقانون العام، لا يمكن التمسك بالبطلان إلا من طرف فاقد الأهلية أو ممثله، إما قبل التحكيم، وإما بعد انتهاء التحكيم. ويجوز للطرف الٱخر أن يتمسك بالبطلان بعد التوقيع على اتفاق التحكيم وقبل فصل المحكمين في النزاع.

وإذا أبرم وكيل اتفاق التحكيم دون حصوله على وكالة خاصة، يجوز لكلا الطرفين التمسك ببطلانه ما لم يوافق عليه الموكل. وإذا لم يصادق الموكل على اتفاق التحكيم الذي أبرمه وكيله دون إذن منه وصدر حكم التحكيم، فعلى الموكل أن يتخذ طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (م. 1032 ق.إ.م.إ.).

وأخيرا، عندما يتعلق البطلان بالعقد المثبت لاتفاق التحكيم فقط، كالإغفال عن ذكر أسماء المحكمين أو عن تعيين موضوع النزاع، يكون ثمة كذلك بطلان، ولكن هذا البطلان ليس من النظام العام.

قبل الفصل في النزاع من طرف المحكمين، قد تطرأ بعض الأسباب الطارئة تنهي اتفاق التحكيم ومن ثمة مهمة المحكمين. ويكون كذلك في حالة وفاة أحد المحكمين أو رفضه القيام بمهمته أو تنحيته أو حصول مانع له، ما لم يشترط خلاف ذلك، أو إذا اتفق أطراف العقد على استبداله أو استبداله من قبل المحكم أو المحكمين الباقين (م. 1024 ف.1 ق.إ.م.إ.).

ينتهي اتفاق التحكيم كذلك بانتهاء المدة المشروطة للتحكيم. فإذا لم تشترط مدة فبانتهاء مدة أربعة أشهر(م. 1024 ف.2 ق.إ.م.إ.). ينتهي أيضا اتفاق التحكيم بفقد الشيء موضوع النزاع، أو بانقضاء الدين المتنازع فيه، أو كذلك بوفاة أحد أطراف العقد (م. 1024 ف.3 و4 ق.إ.م.إ.).

قانون الإجراءات المدنية القديم كان يتضمن سببا خامسا ينهى بموجبه التحكيموهي حالة تساوي أصوات المحكمين، ما لم تكن لهم سلطة ضم محكم مرجح لهم. هذا السبب زال من قانون الإجراءات المدنية والإدارية كون المادة 1017 أوجبت تشكيل محكمة التحكيم من محكم واحد أو عدة محكمين بعدد فردي الشيء الذي يحول دون وقوع تصويت متساوي.

2- شــرط التحكيــم

شرط التحكيم هو الشرط الذي يتفق بموجبه المتعاقدون مسبقا على عرض النزاعات التي قد تنشأ بينهم على التحكيم. وخلافا لاتفاق التحكيم الذي يفترض نزاع قائم، فإن شرط التحكيم يتعلق بنزاع محتمل وذو موضوع غير محدد. عرفت المادة 1007 من قانون الإجراءات المدنيـة والإدارية شرط التحكيـم كما يلي: “شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم”.

1-2- نطاق صحة شرط التحكيم

خلافا للقانون الفرنسي الذي يمنع شرط التحكيم في المواد المدنية، فإن المشرع الجزائري يجيز شرط التحكيم في كل المواد مدنية كانت أم تجارية. المادة 444 من قانون الإجراءات المدنية القديم وإن ميزت بين العقود المتصلة بالأعمال المدنية والعقود المتصلة بالأعمال التجارية، فإنها أجازت شرط التحكيم في كل هذه العقود. ولكن إذا تعلق الأمر بالعقود المتصلة بالأعمال التجارية، فإنه كان يجوز للمتعاقدين أن يعينوا مقدما محكمين مع ذكر أسمائهم في العقد فيما أنه لا يجوز في باقي العقود تعيين المحكمين مسبقا.

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يمدد التمييز الذي ورد في قانون الإجراءات المدنية القديم فأجاز شرط التحكيم في كل المواد دون تمييز، على شرط فقط أن يتعلق الأمر بحقوق متاحة أي الحقوق التي يجوز التصرف فيها وأن لا يتعلق الأمر بمسائل تخص النظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم (م. 1007 ق.إ.م.إ.).

2-2- الشروط الموضوعية والشكلية لشرط التحكيم

شرط التحكيم يتضمن أساسا وعد بطلب التحكيم في المنازعات التي قد تنشأ عند تنفيذ العقد. ولكن خلافا لاتفاق التحكيم، فإن التحكيم المسبق لا يتضمن بالضرورة تعيين موضوع النزاع ولا أسماء المحكمين.المادة 1008 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية توقف صحة شرط التحكيم على توفر شرطين:

1) يجب أن يثبت شرط التحكيم بالكتابة إما في الاتفاقية الأصلية وإما في الوثيقة التي تستند إليها.هذا الشرط يكون من شأنه نزع كل غموض في وجود شرط التحكيم.

2) يجب أن يتضمن شرط التحكيم تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم، ومثال ذلك إشارة العقد إلى أن شرط التحكيم سيتم طبقا لاتفاقية التحكيم للمؤسسة التي أسندت لها تنظيم التحكيم.

قانون الإجراءات المدنية القديم كان ينص على أن وفاة أحد أطراف العقد لا ينهي التحكيم إذا كان ورثته راشدين وإنما يوقف فقط ميعاد التحكيم والحكم فيهللمدة اللازمة لجرد التركة واتخاذ قرار بشأنها عند الاقتضاء (م. 447 ف.2 ق.إ.م.). قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا مماثلا لا في باب اتفاق التحكيم ولا في باب شرط التحكيم، فهل يعني ذلك أن وفاة أحد موقعي شرط التحكيم الذي خلف ورثة ينهي شرط التحكيم؟ نعتقد ذلك باعتبار أن المادة 1024 الفقرة 4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص صراحة أن وفاة أحد أطراف العقد ينهي التحكيم.

إذا لم تتوفر هذه الشروط يصبح شرط التحكيم باطلا، ولكن هذا البطلان لا يمتد مبدئيا إلىالعقد الذي تضمن شرط التحكيم المشوب بالبطلان.

3-2- آثار شرط التحكيم

1-3-2- عدم اختصاص المحاكم العادية

المنازعات التي تنشأ عن الاتفاق المتضمن شرط التحكيم تنزع من اختصاص المحاكم العادية. فإذا كلف أحد الأطراف الطرف الٱخر بالحضور أمام المحكمة العادية، يجوز للمدعى عليه الدفع بعدم الاختصاص وتلزم المحكمة بقبوله. وعدم الاختصاص هذا يعد نسبيا فقط. لا يمكن التمسك به إلا من طرف المدعى عليه كما يجب إبداؤه قبل أي دفع أو دفاع ٱخر. ومن جهتها لا يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها. هذه الحلول تستنتج من الطابع الاتفاقي لشرط التحكيم. هذه القواعد التقليدية نص عليها قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الماد 1045 المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي: “يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، وإذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم، على أن تثار من أحد الأطراف”. يجيز الفقه اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة رغم وجود شرط التحكيم، وذلك في حالة الاستعجال.

يمكن للأطراف التنازل صراحة على اتفاق التحكيم والرجوع إلى اختصاص محاكم الدولة. يمكنهم كذلك التنازل على اتفاق التحكيم ضمنيا، كأن يقبل المدعى عليه الخصومة أمام المحكمة العادية عندما لا يتمسك بعدم الاختصاص قبل أي دفع أو دفاع أخر .

2-3-2- وجوب طلب التحكيم

شرط التحكيم ينتج أثر ثان: يلزم المتعاقدين بطلب التحكيم. ما هو مدى هذا الالتزام؟ ما هو جزاؤه؟ بالنسبة لمدى الالتزام، فإن المبدأ هو أن الأطراف يكونوا ملزمين، في حالة النزاع، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل هيئة التحكيم وضمان سيرها. يجب عليهم إبرام اتفاق التحكيم حسب الشروط الموضوعية والشكلية المنصوص عليها في قانون الإجراءات، أي متضمنا تعيين موضوعات النزاع وأسماء المحكمين. إذا عين المتعاقدين المحكمين مسبقا، يكفي نقل هذا التعيين في اتفاق التحكيم مع تعيين موضوع النزاع.

إذا افترضنا أن أحد المتعاقدين رفض تنفيذ الالتزام بطلب التحكيم، فما هو جزاء خرق العقد؟ بعد التردد الذي كان سائدا في التشريع القديم الذي لم يتطرق صراحة لهذه الإشكالية، فإن المشرع الجزائري حسم الوضع وأسند للقاضي سلطة تعيين المحكمين مقام الأطراف. فطبقا للمادة 1009 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: “إذا اعترضت صعوبة تشكيل محكمة التحكيم،بفعل أحد الأطراف أو بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين، يعين المحكم أو المحكمين من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه “. وإذا اعتبر رئيس المحكمة أن شرط التحكيم باطل أو غير كاف لتشكيل محكمة التحكيم، فإنه يعاين ذلك ويصرح بألاوجه للتعيين (م. 1009 ف.2 ق.إ.م.إ.).

3-3-2- آثار شرط التحكيم على الغير

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يمدد قاعدة المادة 447 من قانون الإجراءات المدنية القديم التي كانت تجيز الورثة اتخاذ موقفا من شرط التحكيم. القاعدة الجديدة تنص على أن وفاة أحد أطراف العقد ينهي التحكيم (م. 1024-4 ق.إ.م.إ.)

لا يمكن الاحتجاج بشرط التحكيم على الغير. لا يمكن للأطراف تكليف الغير، الذي لم يشار إليه لا في شرط التحكيم ولا في اتفاق التحكيم، أمام هيئة التحكيم. وحتى في حالة عدم القابلية للتجزئة، أو تعدد المدعى عليهم، وكان واحد منهم على الأقل غير مرتبط بشرط التحكيم، لا يجوز للمدعي تكليفهم كلهم أمام المحكمة الرسمية.

3- تنظيـم هيئـة التحكيـم

1-3-إجراءات تعيين المحكمين

1-1-3- الشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم

هناك من يرى أن المحكم شخص يربطه بالأطراف عقد وكالة. ويستنتج من هذا أن كل شخص مؤهل ليكون وكيلا، يمكنه كذلك أن يكون محكما. وفي هذا الرأي، يجوز للقصر وللأجانب أن يكونوا محكمين لأنه يمكن تعيينهم كوكلاء.

ولكن أغلبية الشراح لم يأخذوا بهذا الرأي، ويرون أنه يوجد فرق كبير بين المحكم والوكيل. فالوكيل يتصرف في مصلحة موكله دون سواه، وأما المحكم، فإنه قاضي يلزم الأطراف بالقرار الذي يصدره. المحكم يتمتع بسلطة شخصية ومستقلة. هل يعني هذا أن المحكم قاضي حقيقي يتمتع بكل السلطات المتصلة بهذه الوظيفة؟ كونه ليس موظفا عموميا دائما، فإن قراره ينفذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة. لا يعني هذا أن المحكم لا يباشر وظيفة شبه عمومية. هناك موظفون عموميون لا توجد تحت تصرفهم الصيغة التنفيذية، ورغم ذلك فإنهم يحررون عقود لها قوة ثبوتية ألى حين معاينة تزويرها. وهذه هي بالضبط حالة المحكم: لا يمكنه وضع الصيغة التنفيذية على قراراته، ومع ذلك تعتبر هذه القرارات حجة حتى يثبت تزويرها. فحكمه يعد عقدا رسميا، بغض النظر عن تدخل رئيس المحكمة. من جهة أخرى يمكن للمحكم، كما هو الشأن بالنسبة للقاضي، أن يأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق تكون نافذة بأمر يصدره رئيس الجهة القضائية (م.1020 ف.4 و 1035 ق.إ.م.إ.). وأخيرا، فإن أحكام المحكم تحوز سلطة الشيء المقضي فيه. يستخلص مما سبق أن المحكم يمارس وظيفة شبه عمومية.

المسألة التي سبق عرضها لها فائدة بالنسبة لتحديد الأهلية الواجبة لأداء وظائف المحكم. فلو كان هذا الأخير وكيلا فقط، يجوز إسناد التحكيم لأجنبي مثلا. ولكن هل يصح ذلك إذا اعترفنا للمحكم الطابع العمومي؟ ألا يجب أن يتمتع المحكم بالحقوق السياسية؟ المسألة قسمت الفقهاء، ولكن الرأي الغالب يجيب على السؤال بالسلب. فيما أنه يجوز تكليف أجنبي أو قاصر بمصلحة عمومية، ليس ثمة ما يحول دون تكليفهما بمهمة محكم. ولكن قانون الإجراءات المدنية والإدارية فصل المسألة حينما نص بأنه لا تسند مهمة التحكيم إلا للشخص الطبيعي الذي يتمتع بحقوقه المدنية وهذا ما يستثني القصر والأجانب

تتطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية بإسهاب للشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم. تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي، ولكن يجوز تكليف شخص معنوي بمهمة التحكيم ولكن في هذه الحالة يتولى هذا الأخير تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم (م.1014 ق.إ.م.إ.). إذا كلف شخص طبيعي بمهمة التحكيم يجب أن يكون هذا الأخير متمتعا بحقوقه المدنية (م.1014ف.1 ق.إ.م.إ.). هذا النص يمنع إذا تكليف القاصر أو الأجنبي بمهمة التحكيم كون التمتع بالحقوق المدنية يفترض بلوغ سن الرشد وكذا حق التصويت أو الترشح. إذا علم المحكم أنه قابل للرد فإنه يجب عليه إخبار الأطراف بذلك، ولا يجوز له القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم (م.1015 ف. 2 ق.إ.م.إ.)، كما لا يجوز له التخلي عن المهمة إذا شرع فيها (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.).

خلافا لقضاة المحاكم الرسمية، فإن المحكم يحوز وظائفه من الأطراف. العلاقة بين المحكم وأطراف النزاع ترتكز على أساس تعاقدي: عقد التحكيم. ففي حالة إخلال المحكم بالتزاماته التعاقدية، فإنه يمكن للأطراف مساءلته عن طريق دعوى المسؤولية. وكما هو الشأن في مجال مسؤولية القانون العام، يجب على الطرف الذي يريد مقاضاة المحكم للحكم عليه بالتعويض أن يثبت قيام الضرر والخطأ الشخصي. قضت محكمة النقض الفرنسية أن ترك المحكمين فوات أجل التحكيم دون تقديم طلب تمديده إلى القاضي، الشيء الذي نتج عنه إبطال حكم التحكيم، يعتبر خطأ منشئا لمسؤولية المحكم.

2-1-3-عدد المحكمين

يجوز للأطراف، في العقد المثبت لاتفاق التحكيم، تعيين عدد المحكمين الذين يروناه مناسبا. القانون يترك للمتعاقدين الحرية الكاملة لتعيين محكم أو عدة محكمين ولكن على شرط أن يكون العدد فرديا (م.1017 ق.إ.م.إ.). وعمليا، يعين عدد من المحكمين بمثل عدد الأطراف ذوي المصالح المتباينة. غالبا ما يقوم كل طرف على حدا بتعيين محكم، ولكن المحكم المعين بهذه الطريقة يخضع لاعتماد الطرف الٱخر، لأنه من الضروري أن يحوز المحكمين سلطاتهم من كل الأطراف.

3-1-3- قبول المحكم

يجب على الشخص الذي عينه المتعاقدين أن يقبل المهمة المكلف بها، إذ أنه غير ملزم بذلك. و حتى بعد قبوله للمهمة، يمكن للمحكم أن يتنحى (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.).، أي أن يرفض بأن يكون محكما، على شرط أن لا يكون قد بدأ مهمته. فلو بدأ مهمته، لا يمكن طبعا إلزامه بمواصلتها، ولكن يكون من حق الأطراف أن يطلبوا منه التعويضات الناتجة عن الأضرار التي سببها لهم.

2-3- إنهاء مهام المحكمين بإرادة المتعاقدين

1-2-3- عزل المحكمين

يجوز للأطراف، باتفاق مشترك، عزل المحكمين الذين عينوهم، ولا يخضع هذا العزل لأي شكل. وقد يكون العزل صريحا أو ضمنيا، ولكن يجب أن ينتج عن اتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). ويكون ثمة عزل ضمني إذا رفع الأطراف النزاع أمام محكمة عادية، أو عينوا محكمين آخرين.

2-2-3- رد المحكمين

يجوز رد المحكمين، ولكن فقط إذا طرأ سبب من أسباب الرد بعد تعيينهم (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا طرأ هذا السبب قبل اتفاق التحكيم، يعتبر أن الطرف قد تنازل عن التمسك به باشتراكه في تعيين المحكمين. خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص عن أسباب الرد. فحسب المادة 1016 يجوز رد المحكم في الحالات الآتية:

1)عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف،

2)عندما يوجد سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف،

3) عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته،لا سيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.

ولا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه، أو شارك في تعيينه، إلا لسبب علم به بعد التعيين (م.1016 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإذا تم الرد فإنه يجب تبليغ محكمة التحكيم والطرف الٱخر بسبب الرد (م.1016 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يقع أن ينشأ نزاع حول رد المحكم، ففي هذه الحالة، إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسوية النزاع أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإنه يرجع للقاضي الفصل في ذلك بأمر غير قابل لأي طعن بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ف.4 و 5 ق.إ.م.إ.). وإذا علم المحكم أنه قابل للرد، يجب عليه إخبار الأطراف بذلك، ويمنع عليه القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم (م.1015 ف.2 ق.إ.م.إ.).

3-3- مجال تدخل قاضي الجهة القضائية الرسمية

1-3-3- الحالات التي يتدخل فيها القاضي

قد تطرأ إشكالات أو صعوبات سواء في مرحلة تشكيل محكمة التحكيم، أو أثناء التحكيم. فإذا لم يتفق الأطراف على حل هذه الإشكالات، فإنه يلجأ إلى القاضي ليتخذ قرارا بشأنها. قلنا أن شرط التحكيم يجب أن يتضمن تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم (م.1008ف.2 ق.إ.م.إ.). ولكن قد يقع أن يرفض أحد الأطراف، بعد نشوء النزاع، تعيين المحكم أو المحكمين، ففي هذه الحالة يرجع لرئيس المحكمة إجراء هذا التعيين. ونفس الإجراء يتبع إذا طرأ الإشكال بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين (م.1009 ف.1 ق.إ.م.إ.). وإذا كان شرط التحكيم باطلا أو غير كاف لتشكيل محكمة التحكيم، فإن رئيس المحكمة يعاين ذلك ويصرح بألاوجه للتعيين (م.1009 ف.2 ق.إ.م.إ.).

هذه القواعد التي أقرتها المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وردت في الباب المتعلق بشرط التحكيم ولكن في نظرنا لا يمنع تمديدها لاتفاق التحكيم. يلجأ كذلك إلى رئيس المحكمة الذي يفصل في الصعوبة في حالة رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه إذ

يمكنه حينئذ استبداله بغيره (م.1012 ف.3 ق.إ.م.إ.). في مجال رد المحكم، فإذا وقع نزاع أي إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسويته، أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإن القاضي هو الذي يفصل في هذا النزاع بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ق.إ.م.إ.). يرجع كذلك لرئيس المحكمة تمديد الأجل المحدد لإنهاء اتفاق التحكيم في حالة عدم موافقة الأطراف على ذلك (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.).

2-3-3- القاضي المختص في تسوية العوارض والإجراءات

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على قاعدة عامة تحدد من هو القاضي المختص نوعيا للفصل في الإشكالات والصعوبات التي قد تطرأ أثناء التحكيم، ولكنه تطرق لهذه المسألة في نصوص مبعثرة، غير أنها كلها تشير إلى اختصاص رئيس المحكمة (م.1009،1012،1017 ق.إ.م.إ.)، مع أنه ورد نصا فريدا يشير إلى اختصاص القاضي (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). النص الذي يتكلم عن القاضي هو نصا منعزلا، ولذلك فإن رئيس المحكمة يكون هو المختص وحده للفصل في إشكالات التحكيم.

المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص عن اختصاصين إقليميين إذا تعلق الأمر بصعوبة تخص تشكيل محكمة التحكيم، أو تخص تنفيذ إجراءات تعيين المحكمين. في هذه الحالات، فإن رئيس المحكمة المختص هو رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه. هذه القاعدة وردت في القسم الأول الخاص بشرط التحكيم،فهل تمدد للصعوبات الناشئة عن اتفاق التحكيم؟ النصوص الأخرى التي تشير إلى تدخل رئيس المحكمة تنص فقط على أن الإشكال أو الصعوبة يرفع إلى رئيس المحكمة المختص، ومع ذلك نعتقد أن قاعدة المادة 1009 تطبق في كل الحالات سواء تعلق الأمر بإشكال ناتج عن شرط التحكيم أو عن اتفاق التحكيم.

القاضي المختص إذا لتسوية أي إشكال قد يطرأ أثناء التحكيم هو رئيس المحكمة. الأصل أن رئيس المحكمة يفصل في الطلبات المرفوعة إليه إما عن طريق أوامر على ذيل العريضة أي أوامر ولائية لا تستوجب حضور الخصم، وإما عن طريق أوامر استعجالية تستلزم تكليف الخصم بالحضور. فهل يرفع طلب تسوية الإشكال المتصل بإجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة ليفصل فيه بأمر ولائي، أم يقدم له الطلب بصفته قاضي الأمور المستعجلة ؟ قانون الإجراءات المدنية القديم كان واضحا إذ أسند الاختصاص إلى رئيس الجهة القضائية الذي “يصدر أمره على عريضة تقدم له” أي بموجب أمر على العريضة وليس بأمر استعجالي (م.444 ف. 4 ق.إ.م.).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يفصل في المسألة بصفة قطعية ومع ذلك فإنه نص على أن القرار يتخذ من طرف رئيس المحكمة بموجب “أمر” (م.1012 ف. 3 ق.إ.م.إ.)، وأن القاضي يفصل “بأمر بناء على طلب من يهمه التعجيل” (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). هذا وأن لمادة 1016 تنص كذلك أنه في حالة نزاع حول رد المحكم فإن الأمر الذي يصدره القاضي يكون غير قابلا لأي طعن.كل هذا يوحي بأن رئيس المحكمة يفصل في الإشكالات التي قد تطرأ أثناء التحكيم بموجب أمر على العريضة وليس عن طريق الاستعجال. يرفع الإشكال في تنفيذ إجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة من قبل الطرف الذي يهمه التعجيل، وهذا ما أكدته المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحدد أسباب وإجراءات رد المحكم تنص صراحة أن الأمر الصادر في النزاع حول إجراءات الرد يكون غير قابلا لأي طعن. هذا النص ورد في القسم الثالث المتعلق بالأحكام المشتركة، فهل يمدد لكل الأوامر التي يتخذها رئيس المحكمة في مجال التحكيم؟ نعتقد أن قاعدة المادة 1016 ليست قاعدة عامة تطبق على كل الأوامر، ولكنها تخص فقط النزاعات المتعلقة برد المحكم. أمام انعدام نص عام وصريح يمنع الطعن في الأوامر التي يصدرها رئيس المحكمة، فإنه يجب تطبيق القواعد المقررة للأوامر على العرائض في مجال الطعن والمنصوص عليها في المادة 312 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

3-3-3- عدم اختصاص المحكمة العادية في حالة وجود اتفاق التحكيم

إذا نشأ نزاع بين أطراف شرط التحكيم فقد تطرأ حالتين: الحالة الأولى هي الحالة التي يطلب فيها أحد طرفي شرط التحكيم من الطرف الٱخر تنفيذ شرط التحكيم، فهذا الأخير يرفض أو يثير إشكالا. في هذه الحالة فقد رأينا أنه يجب اللجوء إلى رئيس المحكمة الذي سيتخذ أمرا في ذلك.

الحالة الثانية وهي الحالة التي تهمنا تتمثل في لجوء أحد طرفي شرط الحكيم إلى طرح النزاع أمام المحكمة العادية خرقا للاتفاقية.فهل تكون المحكمة العادية مختصة للفصل في النزاع رغم شرط التحكيم؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا صريحا حول المسألة ولكن لا شك أنه يجب على الجهة القضائية العادية التصريح بعدم اختصاصها إذا رفع إليها نزاع كان محل شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم. عدم الاختصاص هذا هو عدم اختصاص نسبي فقط لا يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، بل يجب أن يثار من قبل أحد أطراف عقد التحكيم.

4- الخصومـة أمـام المحكميـن

1-4- سلطات المحكمين

مبدئيا، يتمتع المحكمين بنفس السلطات التي يتمتع بها قضاة المحاكم الرسمية، ولكن فقط في الحدود التي سطرها اتفاق التحكيم. فمثلا، لا يمكن للمحكمين وضع الصيغة التنفيذية على أحكامهم، كما لا يمكنهم تطبيق المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلق بضبط الجلسة.

يجب على المحكمين احترام حدود سلطاتهم كما تضمنها اتفاق التحكيم. لا يمكنهم الفصل في المسائل التي لم تعرض عليهم. فلو تجاوزوا سلطاتهم، يكون حكم التحكيم باطلا.

2-4- الإجراءات المتبعة أمام المحكمين

2-2-4- إجراءات الخصومة أمام المحكمين

قانون الإجراءات المدنية القديم كان ينص على أنه يفصل في التحكيم وفقا للقواعد القانونية، إلا إذا كان اتفاق التحكيم خول لهم سلطة حسم النزاع كمحكمين مفوضين في الصلح. من الآثار الهامة لهذه القاعدة أنه في حالة ما خول الأطراف المحكمين سلطة حسم النزاع كمحكمين مفوضين في الصلح، فإن المحكمين يكونون معفيين من اتباع القواعد الموضوعية والشكلية المقررة للخصومة القضائية ولهم حرية تنظيم الإجراءات التي يرونها مناسبة؛ يلزمون فقط باحترام القواعد الضرورية الجوهرية التي يخضع لها القضاة الرسميين كاحترام حق الدفاع. يمكنهم حينئذ الفصل في النزاع المعروض عليهم حسبما يرتضيه ضميرهم واقتناعهم الشخصي وحسب قواعد العدالة ودون التقيد بأحكام القانون. يمكنهم مثلا استبعاد الدفع بالتقادم المكسب المثار من أحد الأطراف، أو توزيع حصص عقار مشاع بين الورثة دون اللجوء إلى الاقتراع وحتى وإن كان يوجد قصر بين هؤلاء الورثة، كما يمكنهم سماع أشخاص على سبيل الاستدلال دون حضور الأطراف، أو كذلك سماع شهود تلقائيا.

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يمدد هذه القاعدة فاكتفت المادة 1023 بالنص على أنه يفصل المحكمين وفقا لقواعد القانون مما يفهم منه أنه يجب على المحكمين تطبيق هذه القواعد في كل الأحوال. وعملا بالمادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه تطبق على الخصومة التحكيمية الأوضاع والآجال المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

ولكن قاعدة المادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرأ عليها استثناءات يستنتج بعضها من القانون نفسه، والبعض الٱخر من الطابع الخاص للتحكيم. فالتكليف بالحضور غير ضروري إذا اتفق الأطراف على شكل ٱخر. يحضر الأطراف أمام المحكمين بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم. ولا مجال هنا لقيد القضية، أو التحقيق والفصل فيها في جلسة علنية. بالنسبة لتقديم وسائل الدفاع والمستندات، قرر القانون نظاما خاصا (م.1022 ق.إ.م.إ.): يلزم كل طرف بأن يقدم دفاعه ومستنداته قبل انقضاء أجل التحكيم بخمسة عشرة يوما على الأقل، وإذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم وسائل دفاعه ومستنداته، يجوز للمحكمين، حسب نفس المادة، إصدار حكمهم بناء على ما قدم إليهم خلال هذا الأجل. كما هو مقرر أمام الجهات القضائية الرسمية، يجوز للأطراف أن يمثلوا أمام هيئة التحكيم من طرف وكيل أو محام. في هذه الحالة يجب أن يتضمن حكم التحكيم الإشارة إلى اسم ولقب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف (م.1028-5 ق.إ.م.إ.).

يمكن للمحكمين مبدئيا الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولكن، إذا ادعي بالتزوير مدنيا في ورقة، أو إذا حصل عارض جنائي، يحيل المحكمين الأطراف إلى الجهة القضائية المختصة، ويستأنف سريان أجل التحكيم من تاريخ الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف. 2 ق.إ.م.إ.).أقر القانون هذه القاعدة نظرا لخطورة هذا الإجراء ولضرورة اطلاع النائب العام على القضية (م.260 ق.إ.م.إ.).

المادة 1021 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تمنع المحكمين النظر في الادعاء بالتزوير لا تشير إلى مضاهاة الخطوط. فهل يجوز إذا للمحكمين مضاهاة خطوط ورقة متنازع فيها؟ في اعتقادنا، لا يوجد أي مانع يحول دون ذلك. إن المحكمين حازوا سلطاتهم من إرادة الأطراف، ولهم مبدئيا كل السلطات لحل كل العوارض التي قد تطرأ أثناء نظرهم في النزاع، ولا يكون خلاف ذلك إلا في الحالات التي تستلزم فيها المصلحة العامة تدخل المحاكم الرسمية. فمضاهاة الخطوط لا تكتسي في تشريعنا خطورة خاصة كما هو الشأن بالنسبة للادعاء بالتزوير، فلا تستلزم تدخل النيابة العامة بقوة القانون.

بالنسبة لإجراءات التحقيق الأخرى، فإنه يقوم بها المحكمين جميعا إلا إذا كان اتفاق التحكيم قد خول لهم سلطة ندب أحدهم للقيام بها (م.1020 ق.إ.م.إ.) وكون القانون لم يخول المحكمين سلطة إلزام الأطراف بتنفيذ أحكامهم، لا يجوز تنفيذ الأحكام التحضيرية الصادرة منهم إلا بأمر يصدره رئيس الجهة القضائية (م.1035 ق.إ.م.إ.). يمكن إذا للمحكمين الأمر بسماع الشهود، أو الأمر بإجراء خبرة، أو الانتقال للمعاينة، أو توجيه اليمين.

قد تطرأ أمام المحكمين نفس العوارض التي تنشأ أمام المحاكم. يجوز مثلا للأطراف التمسك أمام المحكمين بالبطلان لعيب في الشكل، كما يمكن للمحكمين الفصل في اختصاصهم إذا أثيرت هذه المسألة أمامهم.و إما الدفع بتدخل الضامن، فإنه يكون مبدئيا غير مقبول، لأنه لا يمكن إلزام الضامن بقبول محكمين لم يشارك في تعيينهم.

بالنسبة للعوارض الموضوعية، يجوز بدون شك للمحكمين النظر في الطلبات الإضافية التي تكون بمثابة توابع طبيعية للطلب الأصلي، كالطلبات التي ترمي إلى الحصول على تعويضات أو طلب التنفيذ المعجل (م.1037 ق.إ.م.إ.). ولكن الطلبات الإضافية الأخرى تكون غير مقبولة لأنها أجنبية عن اتفاق التحكيم. ولنفس السبب، لا يجوز للمحكمين النظر في الطلبات المقابلة إلا إذا كانت بمثابة دفاعا في الدعوى الأصلية. أما التدخل، فلا يكون مقبولا إلا برضا كل الأطراف والمتدخل وكذا المحكمين، لأن من أثر التدخل تغيير شروط اتفاق التحكيم.

3-2-4- أجل اتفاق التحكيم

يلزم القانون المحكمين بإصدار حكمهم في أجل معين. يجب أن يحدد في اتفاق التحكيم الأجل الذي يلزم فيه المحكمين بالفصل في النزاع. فلو لم يشر إلى ذلك، يبقى اتفاق التحكيم صحيحا، ولكن القانون ألزم المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر من تاريخ تعيينهم، أو من تاريخإخطار محكمة التحكيم (م.1018 ف.1 ق.إ.م.إ.). و بعد انقضاء أجل الأربعة أشهر، ينتهي التحكيم وتنتهي مهمة المحكمين بقوة القانون؛ يرجع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها سابقا ويخضعون للمحاكم الرسمية دون سواها.

امتداد الأجل المذكور جائز باتفاق أطراف العقد (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). يكون تمديد الأجل بمثابة اتفاق على تحكيم جديد، ويجب إثباته مبدئيا ضمن نفس الأشكال التي تسري على الاتفاق الأول، أي كتابيا. ولكن قد يمدد الأجل ضمنيا ومثال ذلك حضور الأطراف أمام المحكمين أو تقديمهم مستندات. في حالة عدم موافقة الأطراف على تمديد أجل إنهاء اتفاق التحكيم، فإنه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك، يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). ولا يجوز عزل المحكمين خلال هذا الأجل إلا باتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يتوقف أجل اتفاق التحكيم لأسباب عديدة تشكل حواجز قانونية. هذا ما يقع بالخصوص إذا قرر المحكمين إحالة بعض العوارض كالادعاء بالتزوير أمام القاضي العادي. ففي هذه الحالة يتوقف سريان أجل التحكيم ولا يستأنف إلا بعد صدور الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف.2 ق.إ.م.إ.).

II – حكـــم التحكيـــم

1- كيف يصدر حكم التحكيم

إذا عين محكم واحد لإفراغ اتفاق التحكيم، فلا داعي للمداولة ولا للتصويت. ولكن، إذا عين المتعاقدين عدة محكمين، فعلى هؤلاء المحكمين كلهم المشاركة في حكم التحكيم، وذلك تحت طائلة البطلان. ويتخذ حكم التحكيم بأغلبية الأصوات (م.1026 ق.إ.م.إ.). وتكون مداولة المحكمين سرية على غرار ما يجري أمام الجهات القضائية الرسمية (م.1025 ق.إ.م.إ.).

ويتضمن حكم التحكيم حسب المادة 1028 البيانات الآتية:

– اسم و لقب المحكم أو المحكمين،

– تاريخ صدور الحكم،

– مكان إصداره،

– أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي،

– أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف، عند الاقتضاء.

يجب كذلك حسب المادة 1027 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن يتضمن حكم التحكيم عرضا موجزا لادعاءات الأطراف أوجه دفاعهم،كما يجب أن يكون الحكم مسببا. استعمال المادة 1027 لمصطلح “يجب” يوحي بأن هذه البيانات جوهرية يترتب على مخالفتها البطلان على غرار ما هو مقرر لبيانات أحكام المحاكم الرسمية.

ويجوز للمحكم الأمر بالنفاذ المعجل، فطبقا للمادة 1037 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: “تطبق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل”.

2- تحرير حكم التحكيم

يجب على المحكمين لا فقط التحقيق في الدعوى حسب الأوضاع المقررة في الإجراءات، بل يكونوا ملزمين كذلك باتباع هذه الأوضاع أثناء الفصل في النزاع ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

يجب تحرير حكم التحكيم مبدئيا في الشكل الذي تحرر فيه أحكام المحاكم الرسمية، مع أنه يوقع حكم التحكيم من طرف كل المحكمين. وإذا وجد عدة محكمين، ورفضت الأقلية التوقيع، أشار أغلبية المحكمين إلى هذا الرفض في حكمهم، ويترتب على ذلك أن ينتج الحكم أثره وكأنه وقع من جميع المحكمين (م.1029 ق.إ.م.إ.). ويفهم من نص المادة 1029 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه في حالة عدم توقيع أحد المحكمين على حكم التحكيم، ولم يشر باقي المحكمين على هذا الرفض في حكم التحكيم فإن الحكم يكون باطلا.

3- طبيعة حكم التحكيم وٱثاره

يعتبر حكم التحكيم بمثابة حكم قضائي، وينتج كامل الآثار المترتبة عن هذا الطابع باستثناء القوة التنفيذية. بصدور حكم التحكيم، تخرج الخصومة من ولاية المحكمين، فلا يمكنهم تعديل حكمهم. ولكن يمكن للمحكم تفسير الحكم الذي أصدره، أو تصحيح الأخطاء الماديةوالاغفالات التي تشوبه، وذلك ضمن الشروط المقررة لتفسير وتصحيح أحكام المحاكم العادية والمنصوص عليها في المواد 285، 286 و 287 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (م.1030 ق.إ.م.إ.). بعد صدوره، يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضى فيه، فلو رفع أحد المتعاقدين النزاع أمام جهة قضائية ما، جاز للطرف الٱخر الدفع بالشيء المقضي فيه حتى ولو لم يكن هذا الحكم ممهورا بأمر التنفيذ (م.1031 ق.إ.م.إ.).

ليس لحكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيري قوة تنفيذية، ولكن تمنح له هذه القوة بموجب أمر يصدره رئيس المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها (م.1029 ف.1 ق.إ.م.إ.). عندما يقدم إلى رئيس المحكمة طلب إصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم، فإن القاضي لا ينظر في موضوع القضية ولكنه يراقب فقط ما إذا كان اتفاق التحكيم صحيحا وما إذا احترمت الإجراءات وكذا ما إذا احترم المحكم صلاحياته. إذا عاين رئيس المحكمة أن حكم التحكيم خالف شرط من الشروط الجوهرية المقررة لصحته، أو تضمن بطلانا من النظام العام كأن يكون حكم التحكيم غير موقع أو فصل في مادة يمنع فيها التحكيم، فإن رئيس المحكمة يرفض أمر التنفيذ. وفي هذه الحالة يمكن فقط لمن يهمه الأمر رفع استئناف في الأمر القاضي برفض التنفيذ (م.1035ق.إ.م.إ.) .

وحتى يتسنى إصدار أمر التنفيذ، فإن أصل حكم التحكيم يودع في أمانة ضبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل (م.1035 ف. 1ق.إ.م.إ.)، ويتحمل الأطراف نفقات إيداع العرائض والوثائق وأصل حكم التحكيم (م.1035ف.2 ق.إ.م.إ.). يمكن للأطراف طبعا تنفيذ حكم التحكيم طوعا دون اللجوء إلى استصدار أمرا بتنفيذه من رئيس المحكمة. واستصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم يكون ضروريا فقط في حالة مباشرة التنفيذ الجبري ولكنه ليس شرطا لممارسة طرق الطعن. وبما أن حكم التحكيم مستقل عن أمر التنفيذ، يجوز حذف هذا الإجراء باتفاق الأطراف على شرط أن يعبروا عن ذلك صراحة. وحكم التحكيم الغير المودع بأمانة ضبط المحكمة يعد بمثابة عقد عرفي

III- طـرق الطعـن

قانون الإجراءات المدنية القديم أقر قواعد متميزة في مجال الطعن في حكم التحكيم إذ إلى جانب جوازه الاستئناف، فإنه أقر طريق خاص للطعن وهي المعارضة في أمر التنفيذ. هذا النظام، الذي كان يتميز بنوع من التعقيد والتداخل، وإن أجاز الاستئناف في حكم التحكيم، فإنه منعه في بعض الحالات (م.458 ف.1 ق.إ.م.). ونفس هذه الحالات التي منع فيها الاستئناف كانت تشكل أسباب للمعارضة في أمر التنفيذ (م.458 ف.2 ق.إ.م.). هذا وأن قانون الإجراءات المدنية القديم كان يمنح الاختصاص في استئناف حكم التحكيم إما للمحكمة وإما للمجلس القضائي تبعا لنوع القضية، أي حسب التمييز المقرر للاختصاص الابتدائي أو الاختصاص الابتدائي والنهائي للمحاكم.

قانون الإجراءات المدنية والإدارية أدخل إصلاحات في هذا المجال غرضها تبسيط إجراءات الطعن في أحكام التحكيم. النظام الجديد يرتكز على الاستئناف سواء كان موجها ضد حكم التحكيم أو ضد الأمر القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم. التشريع الجديد منع المعارضة في حكم التحكيم، كما أنه لا يجيز الطعن بالنقض إلا في القرارات الفاصلة في الاستئناف دون غيرها.

1- طرق الطعن في حكم التحكيم

1-1- المعارضة

يكون حكم التحكيم مبدئيا قابلا لطرق الطعن الجائزة ضد الأحكام العادية، ولكن المادة 1032 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تمنع المعارضة. عدم جواز المعارضة هو منطقي ويتماشى مع طبيعة التحكيم لأن التوقيع على اتفاق التحكيم من قبل كل الأطراف يعد بمثابة حضور. وحتى وإن رفض أحد الأطراف مباشرة إجراءات التحكيم، فإن الحكم الصادر لا يعتبر غيابيا. طريق الطعن العادي الوحيد الذي يجيزه قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو الاستئناف.

2-1- الاستئناف

1-2-1-القاضي المختص

التشريع القديم كان يمنح الاختصاص للفصل في الاستئناف المرفوع ضد حكم التحكيم حسب الحالات إلى المحكمة أو إلى المجلس القضائي. المادة 455 من قانون الإجراءات المدنية القديم كانت تنص على ما يلي: “يرفع الاستئناف عن أحكام التحكيم إما إلى المحكمة أو إلى المجلس القضائي وذلك تبعا لنوع القضية وما إذا كانت تدخل في نطاق اختصاص أي من هتين الجهتين القضائيتين”. هذه المادة التي وردت في صيغة غامضة كانت تميز في الواقع بين الاختصاص الابتدائي والاختصاص الابتدائي والنهائي للمحاكم. فإذا كانت المادة من اختصاص المحكمة ابتدائيا ونهائيا لو رفعت الدعوى أمامها، فإن استئناف حكم التحكيم يرفع أمام المحكمة. وأما إذا كانت المادة من اختصاص المحكمة ابتدائيا فقط، نظرا لقيمة النزاع، فإن استئناف حكم التحكيم يرفع إلى المجلس القضائي.

قانون الإجراءات المدنية والإدارية وحد قواعد الاختصاص إذ أن المجلس القضائي يكون هو المختص للنظر في استئناف حكم التحكيمبغض النظر عن نوع القضية وقيمة النزاع. والمجلس القضائي المختص إقليميا هو المجلس الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم (م.1033 ق.إ.م.إ.).

2-2-1-أشكال، مواعيد و آثار القرار الصادر في الاستئناف

يكون حكم التحكيم قابل للاستئناف فور صدوره، ويجب رفعه في أجل شهر واحد من تاريخ النطق به (م.1033 ق.إ.م.إ.). وطبقا للقواعد العامة فإن تنفيذ حكم التحكيم يتوقف خلال أجل الاستئناف كما يتوقف بسبب رفع الاستئناف (م.323 ف.1 ق.إ.م.إ.). ولكن يكون الأمر خلاف ذلك إذا أمر بالتنفيذ المعجل إذ في هذه الحالة لا يكون للاستئناف أثر موقف (م.1037 ق.إ.م.إ.).

المادة 1033 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز استئناف حكم التحكيم: “ما لم يتنازل الأطراف عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم”. النص يتكلم عن “اتفاقية التحكيم” مما يفهم منه أن التنازل يقرره الأطراف إما في اتفاق التحكيم وإما في شرط التحكيم. المشرع إذا أجاز الأطراف التنازل عن الاستئناف حتى في شرط التحكيم، أي حتى وإن كان النزاع لم ينشأ بعد.

الملاحظ أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يضع ضوابط أو حدود لحرية الأطراف في التنازل عن الاستئناف في اتفاقية التحكيم. قد يقع أن يكون حكم التحكيم مشوبا ببطلان من النظام العامكأن يصدر دون اتفاق على التحكيم، أو خارج نطاق التحكيم، أو إذا كانت تشكيلة محكمة التحكيم غير صحيحة. ففي هذه الحالات هل يمنع الاستئناف في حكم التحكيم إذا تضمنت اتفاقية التحكيم تنازل الأطراف عن هذا الطعن؟ قانون الإجراءات المدنية القديم لم يتضمن نصا صريحا يجيز الأطراف التنازل عن الاستئناف، ومع ذلكفإنه أجاز الأطراف طلب بطلان حكم التحكيم “في جميع الأحوال”، أي حتى في حالة ما إذا تضمن اتفاقية التحكيم تنازل عن حق الاستئناف. حتى في غياب نص صريح في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن الفقه والقضاء استقرا على أن التنازل عن استئناف حكم التحكيم لا يسري إذا كان العيب المتصل بالحكم هو عيب من النظام العام. ففي الأمثلة السالفة الذكر فإنه يجوز رفع استئناف حتى ولو سبق التنازل عنه في اتفاقية التحكيم. ويمكن كذلك في رأينا طلب إبطال حكم التحكيم رغم وجود شرط التنازل عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم وذلك عن طريق الطعن في أمر رئيس المحكمة القاضي بتنفيذ حكم التحكيم (م.312 ق.إ.م.إ.).

يرفع الاستئناف ويفصل فيه حسب الإجراءات المطبقة أمام المجلس القضائي الفاصل في استئناف أحكام المحاكم العادية. يرفع الاستئناف إذا بموجب عريضة تودع بأمانة ضبط المجلس القضائي من طرف محام كون تمثيل الخصوم بمحام وجوبي أمام جهات الاستئناف (م.10 ق.إ.م.إ.). يجب طبعا أن تكون عريضة الاستئناف معللة أي تحتوي الأوجه التي أسس عليها الاستئناف. ويمكن في الخصومة أمام المجلس القضائي تقديم استئناف فرعي وهذا على غرار ما يجري في الحالات العادية.

لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصوصا خاصة توضح آثار القرار الذي يصدره المجلس القضائي إثر استئناف حكم التحكيم. إذا رفض الاستئناف في حكم التحكيم لعدم التأسيس، فإن الأثر الطبيعي لذلك هو منح حكم التحكيم القوة التنفيذية. ولكن إذا اعتبر المجلس القضائي أن المحكمين خالفوا القانون أو لم يطبقوه تطبيقا صحيحا، فإنه لا يكتفي بإلغاء حكم التحكيم ولكنه يتصدى ويفصل في الموضوع، وحينئذ فإن قرار المجلس يحل محل حكم التحكيم. ويجب طبعا على المجلس القضائي أن يبقى في حدود المهمة التي أسندها الأطراف للمحكمين .

3-1- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة

تنص المادة 1038 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يحتج بأحكام التحكيم تجاه الغير. ولكن إذا اعتبر شخص لم يكن طرفا في التحكيم أن حكم التحكيم سبب له ضررا أو سيسبب له ضررا، جاز له الطعن عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (م.1032 ف.1 ق.إ.م.إ.). وخلافا لما هو مقرر في حالة استئناف حكم التحكيم، فإن اعتراض الغير الخارج عن الخصومة يرفع لا أمام المجلس القضائي ولكن أمام المحكمة. والمحكمة المختصة اقليميا هي المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم (م.1032 ف.2 ق.إ.م.إ.).

4-1- الطعن بالنقض

حسب المادة 1034 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، فإن القرارات الفاصلة في استئناف أحكام التحكيم تكون وحدها قابلة للطعن بالنقض. حكم التحكيم لا يكون إذا قابلا للطعن بالنقض، وهذا المنع منطقي لأن حكم التحكيم يكون دائما قابلا للاستئناف. ويكون الطعن بالنقض غير مقبول حتى في حالة ما إذا كان حكم التحكيم غير قابل للاستئناف بسبب تنازل الأطراف عن مباشرة هذا الطعن الأخير.

5-1- التماس إعادة النظر

قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم. فهل يعني هذا أن المشرع منع الطعن بالالتماس؟ نعتقد ذلك لأنه لو كانت نية المشرع جواز هذا الطعن لنص عليه صراحة كما فعل ذلك في قانون الإجراءات المدنية القديم في المواد من 456 إلى 458. منع التماس إعادة النظر في حكم التحكيم يتماشى مع طبيعة هذا الطعن لأنه يهدف إلى مراجعة الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه (م.390 ق.إ.م.إ.)، وإما أحكام التحكيم فإنها تكون دائما قابلة للاستئناف.

2- استئناف الأمر الفاصل في طلب تنفيذ حكم التحكيم

عرضنا فيما سبق نوع الطعون الجائزة ضد حكم التحكيم نفسه. ولكن إذا بادر الأطراف إلى طلب تنفيذ حكم التحكيم والتمسوا من رئيس المحكمة إصدار أمر بذلك، فإن القانونيجيز الطعن في هذا الأمر. ويجب هنا التمييز بين الحالة التييأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم، والحالةالتي يرفض فيها ذلك.

إذا أصدر رئيس المحكمة أمرا يرفض بموجبه تنفيذ حكم التحكيم،فإنه يجوز للأطراف استئناف هذا الأمر. ويجب رفع هذا الاستئناف في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الرفض (م.1035 ف.3 ق.إ.م.إ.). إذا اعتبر المجلس القضائي أن رئيس المحكمة أخطأ حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإنه يتصدى ويقضي بالتنفيذ. وأما إذا اعتبر أن القاضي طبق صحيح القانون حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن المجلس القضائي يقضي بتأييد الأمر المستأنف فيه.

إذا أجاز قانون الإجراءات المدنية والإدارية الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم، فإنه لم يتطرق للحالة التي يأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم. فهل يعني ذلك أن أمر التنفيذ لا يكون قابلا للاستئناف ولا لأي طعن ٱخر؟ في غياب نص صريح، فإنه يصعب الإجابة عن هذا السؤال علما أن المشرع لم يمنعبنص صريح الطعن فيأمر التنفيذ كما فعل ذلك بالنسبة لأمر تنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.) ومع ذلك يجب الملاحظة أن أمر تنفيذ حكم التحكيم يصدره رئيس المحكمة بناء على عريضة يقدمها الطرف الذي له مصلحة في ذلك. ولكونه أمر على عريضة، فإن أمر تنفيذ حكم التحكيم قد يخضع لطرق الطعن المقررة للأوامر على العرائض والمنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما يخضع للمادة 312 التي تنص أنه: “في حالة الاستجابة إلى الطلب فإنه يمكن الرجوع إلى القاضي الذي أصدر الأمر للتراجع عنه” علما أن القاضي المختص في هذه الحالة هو قاضي الأمور المستعجلة.

نظام الطعن في حكم التحكيم وفي أمر التنفيذ الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية ترك مسائل أخرى دون حل. في افتراض أن رئيس المحكمة أصدر أمر بتنفيذ حكم التحكيم ثم استأنف هذا الحكمفي الأجل القانوني، فما هو أثر هذا الاستئناف على أمر التنفيذ؟ هل يلزم المجلس القضائي بالفصل في حدود الاستئناف المرفوع ضد حكم التحكيم أم أنه يجوز له الفصل في نفس الوقت في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة؟ لا شك أن استئناف حكم التحكيم يستتبع بالضرورة الطعن في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة وذلك لارتباطهما وهذا ما أقره صراحة المشرع بالنسبة لحكم التحكيم الدولي الصادر بالجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإما إذا رفع استئناف في حكم التحكيم قبل صدور أمر تنفيذه، فإنه يرجع للمجلس القضائي الأمر عند الضرورة بالتنفيذ وذلك بفضل الأثر الناقل للاستئناف.

إذا كان هناك مجالا يطبق عليه التحكيم، فإنه دون شك مجال التجارة الدولية. عندما ينشأ نزاع بمناسبة عقد أبرمه تاجرين (أشخاص طبيعيين أو معنويين) يقطنان مثلا في بلدين مختلفين، فإن المتعاقد قد يتردد في طرح هذا النزاع أمام محكمة أجنبية وذلك لأسباب شتة قد تتعلق ببعد مسافة الدولة المطروح أمامها النزاع، أو بضرورة اللجوء إلى وسطاء أجانب، أو بالمصاريف الباهظة التي تستلزمها الخصومة في بلد أجنبي. لذلك قد يكون من مصلحة التجار المتعاقدين تسوية نزاعاتهم عن طريق التحكيم الذي يتسم بالسرعة والبساطة والسرية والكفاءة العالية للمحكمين.

التحكيم التجاري الدولي هو طريق بديل لحل النزاعات يتفق فيه الأطراف على عرض خلافاتهم بمناسبة تنفيذ عقد تجاري دولي على محكمة خاصة عن طريق تعيين محكم أو عدة محكمين. وهؤلاء المحكمين يصدرون حكا يسمى حكم التحكيم يفرض على المتنازعين، ويكون قابلا للتنفيذ بأمر من السلطة العمومية. وحتى يكون للتحكيم طابعا دوليا، يجب أن تتوفر فيه بعض الشروط، لا سيما أن يكون الخلاف أو النزاع متصلا بمصالح تجارية دولية، وأن يكون أحد أطرافه على الأقل شخص طبيعي أو معنوي يقطن أو له مقر في الخارج.

يجب التمييز بين التحكيم التجاري الدولي والتحكيم في القانون الدولي العام، فهذا الأخير يخص تسوية الخلافات بين الدول كالخلافات حول الحدود البرية أو البحرية، أو كذلك الخلافات التي من شأن استمرارها أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر (م.33 من ميثاق الأمم المتحدة). وهذا التحكيم يخضع أساسا لاتفاقية لاهاي المؤرخة في 18 أكتوبر 1907 الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية.

تطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى التحكيم التجاري الدولي في المولد من 1039 إلى 1061.سنتطرق بالتوالي إلى الأحكام الخاصة التي تسري على التحكيم التجاري الدولي (الفصل للأول)، ثم إلى تنظيمه (الفصل الثاني)، وأخيرا إلى الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية وتنفيذها الجبري وطرق الطعن فيها (الفصل الثالث).

I – الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي

جاء في المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه يعد التحكيم دوليا: “التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل”. هذا التعريف يختلف عن التعريف الذي ورد في المادة 458 مكرر من قانون الإجراءات المدنية القديم التي هذا نصها: “يعتبر دوليا… التحكيم الذي يفض النزاعات المتعلقة بالمصالح التجارية الدولية والذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج”. تكييف التحكيم هل هو دوليا أم داخليا لا يتوقف على إرادة الأطراف، ولكن يحدد بطابع العلاقات الاقتصادية التي كانت مصدر النزاع.

المعيار الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية يثير تساؤلات من حيث الدافع الذي جعل المشرع يتخلى عن المعيار القديم الذي يؤدي في نظرنا المعنى الصحيح للتحكيم التجاري الدولي رغم تضييق مجال تطبيقه. حتى وإن ذهب البعض إلى أن الدافع من الصيغة الجديدة هو توسيع معيار التحكيم التجاري الدولي، وهذا صحيح بالنظر إلى الأحكام الأخرى التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه كان من المستحسن إقرار المعيار الحديث أي المعيار الاقتصادي المحض دون ربطه بأي قيد. وأما الإشارة إلى “النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين” ففضلا على أنها عبارة لها طابع قانوني وسياسي أكثر منها اقتصادي، فإنها قد تفسر على أن الأمر يتعلق بالنزاعات الاقتصادية بين دولتين مباشرة، مع العلم أنه من وجهة القانون الدقيق يجب التمييز بين الدولة كهيكل إداري مستقل له شخصيته المعنوية وباقي الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الدولي. وقد لجأ المشرع نفسه إلى هذا التمييز عند تطرقه للاشحاص الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الداخلي إذ نص في المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يجوز للأشخاص المعنويين العامة أن تطلب التحكيم ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية. هذا وأن مصطلح “اقتصادي” قد يقصي العمليات المالية كتحويل النقود أو العملات الصعبة عبر الحدود والتي أصبحت تأخذ أهمية بالغة في الاقتصاد الحديث.

ومع ذلك يجب قراءة المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على ضوء باقي القواعد التي أقرها هذا القانون في مجال التحكيم الدولي، إذ أن النظام الجديد أقترب أكثر مما كان عليه سابقا من النظام الساري في الدول المتقدمة، فجاء أكثر تطابقا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية وبالتحكيم الدولي لا سيما اتفاقية نيويورك لعام 1958 المتعلقة بالاعتراف تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حينئذ يمكن القول أن ما قصده المشرع من “النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين” هي كل النزاعات ذات الطابع الاقتصادي أو المالي سواء أكانت هذه النزاعات تخص دولتين بهذه الصفة أم تخص أشخاص معنوية (خاصة أم عامة) أو أشخاص طبيعية منتمين لهتين الدولتين (م.1006 ق.إ.م.إ.).

لتحريك اختصاص محكمة التحكيم الدولية، لا يكفي أن يكون النزاع دوليا ومتعلقا بمصالح اقتصادية، ولكن يجب كذلك أن يكون النزاع قابلا للتحكيم. مبدئيا فإن الحقوق المالية دون الحقوق غير المالية تكون وحدها قابلة للتحكيم الدولي، وهذا منطقي لأن التحكيم يتعلق بمصالح تجارية دولية. ونصت المادة 461 من القانون المدني أنه يمنع الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وهذا المنع يطبق كذلك على التحكيم الدولي. وحتى إذا تعلق الأمر بحقوق مالية فإنها قد لا تكون قابلة للتحكيم الدولي إذا كانت هذه الحقوق تدرج فيما يسمى “بالحقوق المالية الحساسة” (قانون العمل، قانون المنافسة، قانون براءات الاختراع والعلامات، قانون الإفلاس…).

1- مصادر التحكيم التجاري الدولي

مصادر التحكيم التجاري الدولي نوعان: مصادر ذات الأصل العمومي، والمصادر ذات الأصل الخاص. المصادر ذات الأصل العمومي تنقسم بدورها إلى قسمين: المصادر الداخلية المتمثلة في القوانين التي تتخذها الدولة في مجال التحكيم وبالنسبة للجزائر المواد من 1039 إلى 1061 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والمصادر الدولية المتمثلة أساسا في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم. وقد تكون هذه الاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، وهي كثيرة أهمها البروتوكول الخاص بأحكام المحكمين الموقع بجينيف في 24 سبتمبر 1923، والاتفاقية الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة في جينيف في 26 سبتمبر 1927، والاتفاقية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة في نيويورك في 10 يونيو 1958 التي وقع عليها عدد كبير من الدول من بينها الجزائر.

وإما المصادر ذات الأصل الخاص،فإنها من إنشاء الممارسين التجاريين الدوليين خارج إطار الدولة. ونذكر منها على الخصوص الاتفاقيات النموذجية للتحكيم les conventions d’arbitrage-type المحررة من طرف مراكز التحكيم، وتنظيمات مؤسسات التحكيم الدائمة règlements d’arbitrage des institutions permanentes كتنظيم المركز الدولي للتحكيم لدى الغرفة التجارية الدولية. ومن أهم هذه المصادر كذلك القضاء التحكيمي المتمثل في أحكام التحكيم الصادرة في النزاعات التجارية الدولية.

2- شروط صحة اتفاقية التحكيم

يجب من حيث الشكل أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة أو بأي وسيلة اتصال أخرى تجيز الاثبات بالكتابة، وهذا الشرط أقرته المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت طائلة البطلان. الدافع هنا كذلك في اشتراط الكتابة هو تفادي وقوع الشك أو الغموض في وجود اتفاقية التحكيم.

وكما سبق شرحه، فإن النزاعات التي يمكن أن تكون محل تحكيم دولي هي النزاعات الاقتصادية. وهذه النزاعات حسب المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد تكون نزاعات قائمة أو مستقبلية، بمعنى أن الأمر قد يتعلق إما باتفاق التحكيم وإما بشرط التحكيم. إذا كان اتفاق التحكيم compromis يعد من قبل الأطراف الموقعين على العقد التجاري الدولي الأصلي بعد نشوء النزاع، فإن الاتفاق على التحكيم غالبا ما يدرج في العقد الأصلي في شكل شرط التحكيم clause compromissoire. وبموجب هذا الشرط، فإن الأطراف يلتزمون بعرض نزاعاتهم المحتملة والمستقبلية الناتجة عن تنفيذ أو تفسير العقد التجاري الأصلي على التحكيم الدولي. وحتى وإن أدرج في العقد الدولي، فإن شرط التحكيم يتمتع باستقلالية ذاتية ولذك أوجب القانون صراحة الشكل الكتابي.

وأما بالنسبة للشروط الموضوعية، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يعتبرها مجتمعة، ومن ثمة تكون اتفاقية التحكيم صحيحة، إذا كانت هذه الأخيرة مطابقة للقواعد التي يضعها القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره أو القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الذي يراه المحكم ملائما (م.1040 ف.3 ق.إ.م.إ.). القانون الجزائري يترك إذا للأطراف الحرية الكاملة لاختيار القواعد التي تخضع لها اتفاقية التحكيم آخذا بذلك بمبدأ استقلالية إرادة المتعاقدين.

بتوقيعهم على اتفاقية التحكيم فإنه يمكن للأطراف اللجوء إما للتحكيم الحر arbitrage ad hoc وإما إلى التحكيم المؤسسي arbitrage institutionnel. التحكيم الحر أو الخاص يتمثل في احتفاظ الأطراف بسلطة إنشاء وتنظيم هيئة التحكيم التي ستكلف بالفصل في النزاع، وكذا الاحتفاظ بصلاحية تحديد طرق وإجراءات التداول وتنفيذ حكم التحكيم. ويبقى التحكيم خاصا حتى ولم تم الاتفاق على تطبيق إجراءات وقواعد منظمة تحكيمية معينة ما دام أن التحكيم يتم خارج إطار هذه المنظمة. وأما التحكيم المؤسسي أو النظامي، فإنه يجري حسب الإجراءات والقواعد الخاصة بالمؤسسة التحكيمية التي يختارها الأطراف، فتصبح هذه الأخيرة هي المنظمة والمشرفة على عملية التحكيم مقابل رسوم وأتعاب محددة سلفا يدفعها لها الأطراف.

II – تنظيم التحكيم الدولي

1- تعيين المحكمين

1-1- تشكيل محكمة التحكيم

قد تتشكل محكمة التحكيم الدولية من محكم فرد أو من عدة محكمين. ولكن ونظرا لأهمية موضوعات النزاع،فإن الأطراف يفضلون عادة التشكيلة الجماعية التي تمكن كل واحد منهم من تعيين محكم.

يجب طبعا أن يكون المحكمين ذوي مؤهلات في مجال القانون المطبق على النزاع. ولتفادي تضارب المصالح يجب ألا يكون للمحكمين علاقات اقتصادية أو علاقات مصالح مباشرة أو بواسطة شخص آخر مع طرف من الأطراف.

2-1- إجراءات تعيين المحكمين

يخضع إجراء تعيين المحكمين مبدئيا إلى أطراف الاتفاقية التجارية، وهذا التعيين قد يتخذ شكلين مختلفين: فإما أن يقوم الأطراف مباشرة بتعيين المحكمين (I) و إما يلجئون لهذا الغرض إلى نظام تحكيمي (II).

1-2-1 التعيين المباشر للمحكمين الدوليين

قد يتفق الأطراف في اتفاقية التحكيم أو في شرط التحكيم على تعيين محكم وحيد أو عدة محكمين. وإذا كان نظام المحكم الوحيد يخفف تكاليف التحكيم ومن شأنه الإسراع في فك النزاع مقارنة مع التشكيلة الجماعية، فإنه له مساوئ من أنهيطرح مسألة حياد المحكموانفراده بالرأي. وأما التشكيلة الجماعية فمن محاسنها أنها تضمن اتخاذ القرار بعد تبادل الآراءبينالمحكمين ومناقشة كل المسائل التي يثيرها النزاع.

المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تترك للأطراف الحرية الكاملة في تعيين المحكمين، كما تجيز لهم تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم أو استبدالهم. يمكن إذا للأطراف تعيين المحكمين مسبقا في شرط التحكيم، كما يمكنهم طبعا أن يتفقوا في العقد التجاري نفسه على عرض النزاعات التي قد تنشأ عن التنفيذ على محكمين.

قد يقع أن ينشأ خلاف حول تشكيل أو تسيير محكمة التحكيم. في هذه الحالة فإن المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حددت الإجراءات التي يجب إتباعها لحل هذا الخلاف. يجب على من يهمه التعجيل رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر. وأما إذا كان يجري التحكيم في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر، فإن الأمر يرفع لرئيس محكمة مدينة الجزائر. وفي حالة عدم تحديد الجهة القضائية المختصة في اتفاقية التحكيم فإن الاختصاص يؤول للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ (م.1042 ق.إ.م.إ.).

تدخل رئيس المحكمة المنصوص عليه في المادة1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يخص فقط التحكيم الحر l’arbitrage ad hoc، أي عندما يرجع للأطراف أنفسهم تشكيل وتنظيم محكمة التحكيم. لا يجوز للقاضي التدخل إذا اختار الأطراف في اتفاقيتهم التحكيم المؤسسي أي اللجوء إلى نظام تحكيمي خاص بمؤسسة تحكيمية دائمة لتعيين المحكمين الدوليين.

2-2-1- تعيين المحكمين بالرجوع إلى نظام التحكيم

قد يتفق الأطراف المتعاقدين في الاتفاقية التجارية أو في شرط التحكيم على أن تعيين المحكمين يتم حسب نظام التحكيم الخاص المطبق من قبل مؤسسة تحكيمية دولية دائمة كنظام التحكيم للغرفة التجارية الدولية بباريس، أو المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن أو كذلك نظام التحكيم للغرفة التجارية الفرنسية – العربية (م.1041 ق.إ.م.إ.). ومع ذلك يجوز للأطراف توظيف محكمين خارج القوائم المعدة من طرف هذه المؤسسات إذ أن هذه الأخيرة لا تبادر في تعيين المحكمين التابعين لها إلا في غياب اتفاق بين الأطراف حول هذا التعيين.

2- الخصومة التحكيمية

1-2- القانون المطبق على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع

فور رفع دعوى التحكيم أمام المحكم أو المحكمين المعينين في الاتفاقية، أو عند مباشرة إجراءات تشكيل محكمة التحكيم فنكون أمام خصومة تحكيمية. فتطرح عندئذ مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى موضوع النزاع.

1-1-2- القانون الواجب التطبيق على الإجراءات التحكيمية

عملا بالمادة 1043: “يمكن أن تضبط في اتفاقية التحكيم، الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام تحكيم، كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم. وإذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات، عند الحاجة، مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيم”. القانون الإجرائي المطبق هو إذا مبدئيا القانون الذي يختاره الأطراف، وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تحديده.

هذه القاعدة التي أقرتها المادة 1043 هي مطابقة لأحكام اتفاقية جينيف لعام 1961 واتفاقية واشنطن لعام 1965 كما أن هذا الحل أقرته أنظمة التحكيم. وحتى يستفيد حكم التحكيم بكل آثاره في البلد الذي سيمارس رقابته عليه، فإنه يجب على المحكمين الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الإلزامية ومن النظام العام لهذا البلد.

2-1-2- القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع

إلى جانب معرفة القانون الإجرائي الذي يجب تطبيقه على الخصومة التحكيمية، فإنه تطرح كذلك مسألة معرفةالقانونالذي سيطبق على موضوع النزاع، هل هو قانون الدولة الذي يجري فيه التحكيم، أم أنه يمكن اختيار قانون أي دولة أخرى بغض النظر عن أي اعتبار؟ المادة 1050 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشكل النص الأساسي بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع إذ تنص: “تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، وفي غياب هذا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها ملائمة”.

المشرع الجزائري لم يحصر مسألة تعيين القانون المطبق على موضوع النزاع في حدود ضيقة، ولكنه ترك للأطراف حرية تحديده. وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تعيين هذا القانون.المادة 1050 تتكلم عن “قواعد القانون” les règles de droit وليس عن “القانون” loi وهذا يعني أنه يمكن لمحكمة التحكيم الفصل في موضوع النزاع إما بالرجوع إلى قانون دولة معينة، وإما تطبيق قواعد وأعراف التجارة الدولية أو ما يسمي “انون التجار” la lex mercatoria. المادة 1050 تنص بصفة غير مباشرة على جواز اللجوء إلى هذا القانون الأخير في حالة غياب اتفاق الأطراف على خلاف ذلك، وهذا حينما أقرت إمكانية الفصل في النزاع “حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها – محكمة التحكيم – ملائمة”.

واختيار القانون الذي سيطبق على موضوع النزاع قد يدرج في اتفاقية التحكيم قبل أو بعد نشوء النزاع، وقد يكون هذا الاختيار صريحا أم ضمنيا. يجوز للأطراف اختيار قانون محايد ليس له أي علاقةموضوعية بمحل النزاع، ودون الارتباط بمبادئ القانون الدولي الخاص. ويجوز لهم كذلك الاتفاق على استبعاد تطبيق أي قانون وطني والرجوع إلى القواعد العامة للقانون أو إلى أعراف التجار الدوليين. إذا تولت محكمة التحكيم اختيار القانون المطبق على موضوع النزاع، فإنها تأخذ عادة بعين الاعتبار طبيعة وميزات العقد التجاري المبرم بين الأطراف.

2-2- الاختصاص

قد تطرح أمام محكمة التحكيم دفوع تتعلق بالاختصاص. المادة 1044 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرقت صراحة لهذه المسألة، إذ تنص أن محكمة التحكيم تفصل في الاختصاص الخاص بها، وأنه يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع. وأما الفصل في هذا الدفع فإنه يتم بموجب حكم أولي إلا إذا كان مرتبطا بموضوع النزاع (م.1044 ف.2 ق.إ.م.إ.).

بالنسبة لاختصاص كلا من محكمة التحكيم الدولية و المحكمة الرسمية وعلاقتهما، فإن المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أنه: “يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من أحد الأطراف”. يظهر من نص المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن القاضي يصبح غير مختصا بالفصل في موضوع النزاع عندما تكون الخصومة التحكيمية قائمة، كما يصبح غير مختصا كذلك إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم.

عدم اختصاص القاضي بسبب وجود اتفاقية تحكيمليس من النظام العام، فلا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه بل يجب على من له مصلحة إثارة هذا الدفع، وهذا ما يستنتج من المادة 1045 التي استعملت عبارة: “على أن يثار من أحد الخصوم”. اشتراط إثارة الدفع بعدم الاختصاص من أحد الخصوم ليقضي به القاضي لصالح محكمة التحكيم هو مطابق للمادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تنص أنه يجب على المحكمة المطروح أمامها قضية ذات علاقة باتفاقية تحكيم أن تحيل النزاع إلى التحكيم “بطلب من أحد الفرقاء”.

حتى و إن قبل القاضي الدفع بعدم الاختصاص من حيث الشكل، فيمكن أن يقضي برفضه والتمسك باختصاصه إذا تبين له مثلا أن اتفاقية التحكيم لاغيه أو باطلة أو أنها غير ملزمة أو أنه ليس في الإمكان تنفيذها وهذا ما أقرته المادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958. في حالة عدم إثارة الدفع بعدم الاختصاص، فإن الطرف يعتبر كأنه صادق على اختصاص القاضي وتنازل عن اتفاقية التحكيم.

ودور القاضي ليس دورا مهمشا في مجال التحكيم الدولي كما رأينا ذلك بالنسبة لإجراءات تشكيل محكمة التحكيم. يمكن للقاضي كذلك التدخل لاتخاذ تدابير تحفظية استعجالية أو مد يد المساعدة في مجال تقديم الأدلة أو في تنفيذ حكم التحكيم (انظر رقم 1001).

3-2- إجراءات خصومة التحكيم

إذا لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاقية التحكيم، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم اتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية بطلب من أحد الأطراف (م.1046 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا رفض الطرف المعني تنفيذ التدبير المأمور بها، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم أن تستعين بالقاضي. والقاضي الذي يكون مختصا في هذه الحالة هو إما القاضي المعين في اتفاقية التحكيم وإما القاضي الذي يقع في دائرة اختصاصه مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه (م.1042 ق.إ.م.إ.).

وإذا دعت الضرورة إلى اللجوء إلى القاضي في الحالة التي يرفض فيها الطرف المعني تنفيذ التدبير الذي أمرت به محكمة التحكيم، فإن القانون الذي يجب تطبيقه من طرف القاضي هو قانون بلد هذا القاضي (م.1046ف.2 ق.إ.م.إ.). ويمكن في كل الأحوال لمحكمة التحكيم أو للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لشرط تقديم الضمانات اللازمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير (م. 1046 ف.3 ق.إ.م.إ.).

قد تطرأ أثناء سير الخصومة صعوبات أو إشكالات لا يمكن لمحكمة التحكيم حلها بنفسها، ولذلك فإن المشرع أجاز القاضي مد يد المساعدة للمحكمين لحل هذه الصعوبات. ويكون تدخل القاضي في هذه الحالةبطب من المحكمين أو من الأطراف. حددت المادة 1048 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بعض الحالات التي يمكن فيها طلب المساعدة من القاضي: “إذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطة القضائية في تقديم الأدلة أو تمديد مهمة المحكمين أو تثبيت الإجراءات أو في حالات أخرى، جاز لمحكمة التحكيم أو للأطراف بالاتفاق مع هذه الأخيرة، أو للطرف الذي يهمه التعجيل بعد الترخيص له من طرف محكمة التحكيم،أن يطلب بموجب عريضة تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي”.

يرجع طبعا للأطراف تقديم طلباتهم ومستنداتهم. ومع ذلك فإن محكمة التحكيم هي التي تتولى البحث عن الأدلة بنفسها (م.1047 ق.إ.م.إ.). ويتم تقديم هذه الأدلة طبقا للقواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم موضوع النزاع. قد يعترض محكمة التحكيم صعوبات في البحث والحصول على أدلة، ففي هذه الحالة يمكنها طلب مساعدة القاضي في تقديم هذه الأدلة وهذا ما نصت عليه المادة 1048 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

4-2- حكم التحكيم الدولي

الأخيرة لإجراءات التحكيم هو صدور حكم التحكيم. يصدر حكم التحكيم من محكمة التحكيم وفق الشروط الشكلية والموضوعية المحددة في اتفاقية التحكيم. وإذا لم يحدد الأطراف هذه الشروط، فإنه تطبق القواعد العامة المطبقة على أحكام التحكيملا سيما فيما يخص شكلها وتشكيلها.

1-4-2- مفهوم حكم التحكيم وأنواعه

مفهوم “حكم التحكيم” لم يعرف تعريفا دقيقا في أغلب النصوص المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي.اتفاقية نيويورك لسنة 1958 تنص فقط على أن “عبارة قرارات التحكيم لا تشمل فقط القرارات التي يصدرها المحكمون المعينون للبت في القضايا الانفرادية، بل تشمل أيضا القرارات التي تصدرها هيئات التحكيم الدائمة التي يخضع لها الفرقاء”. قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعرف هو كذلك حكم التحكيم. يجب تمييز أحكام التحكيم عن العقود الأخرى لا سيما تمييزها عن الأوامر التي تصدرها محكمة التحكيم. وكما هو الشأن بالنسبة لأنواع الاحكام العادية، فإن التكييف الخاطئ لحكم التحكيم لا يؤثر على قابليته للطعن وأجل ممارسته.

حكم التحكيم قد يكون جزئيا أو أوليا (الحكم الفاصل في الاختصاص،القانون المطبق، صحة
العقد..) (م.1044 ق.إ.م.إ.). ويميز عادة بين أربعة أنواع من أحكام التحكيم: الحكم النهائي الذي يفصل في كل نقاط النزاع، الحكم الجزئي أو الأولي sentence partielle الذي يفصل في جزء من النزاع، الحكم
الغيابي sentence par défautالذي يصدر في غياب الخصم أو من يمثله، وأخيرا حكم اتفاق أطراف sentence d’accord-parties الذي يعاين وقوع صلح بين الأطراف (م.1049ق.إ.م.إ.).

2-4-2- تشكيل حكم التحكيم

حكم التحكيم هو القرار الذي ينهي الخصومة ويجعل حدالطلبات الأطراف. ويسبق صدور حكم التحكيم تداول المحكمة في حالة ما كانت تشكيلتها جماعية. والمداولة تتم في سرية أي دون أن يحضرها الأطراف. ويتخذ القرار بالأغلبية. إذا لم يحدد الأطراف بصفة تعاقدية الأجل الذي يجب فيه النطق بحكم التحكيم ولم يستندوا إلى نظام تحكيمي، فإن النطق بالحكم لا يخضع في هذه الحالة لأي أجل.يمكن للأطراف طبعا تمديد مهمة المحكمين، ولكن في غياب مثل هذا الاتفاق لا يجوز للمحكمين تمديد مهمتهم بمحض إرادتهم، ولكن يجب عليهم طلب ذلك من القاضي (م.1048 ق.إ.م.إ.). وحكم التحكيم الصادر خارج الأجل المحدد في اتفاقية الأطراف يكون مشوبا بالبطلان، وهذا ما أقرته صراحة المادة 1055-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

3-4-2- شكل حكم التحكيم

يكون حكم التحكيم مكتوبا، وهذا ما يستنتج من المادة 1052 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص أن حكم التحكيم الدولي يثبت بتقديم أصله مرفقا باتفاقية التحكيم. لغة حكم التحكيم الدولي هي مبدئيا لغة البلد الذي اختار الأطراف تطبيق قانونه الإجرائي، ما لم يتفق الأطراف على لغة معينة. عند طلب إمهار حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية أو الطعن فيه بالبطلان، فإنه يجب ترجمته إلى لغة البلد الذي يقيم فيه القاضي المختص. ويكون حكم التحكيم مسببا تحت طائلة البطلان (م.1056-5 ق.إ.م.إ.).

يجب كذلك أن يتضمن حكم التحكيم بعض البيانات الأساسية: التاريخ لمراقبة ما إذا لم يصدر حكم التحكيم خارج الأجل المتفق عليه علما أن ذلك يشكل سبب من أسباب بطلان حكم التحكيم (م.1056-1 ق.إ.م.إ.)، التوقيع، المكان الذي صدر فيه والذي قد لا يكون مكان مقر محكمة التحكيم. ويبلغ حكم التحكيم طبعا للأطراف مباشرة أو بواسطة مؤسسة التحكيم.

4-4-2- أثار حكم التحكيم

كان المحكم، في التحكيم الداخلي،يتخلى عن النزاع بمجرد الفصل فيه (م.1030 ق.إ.م.إ.)، فإنه لا يوجد نصا مماثلا بالنسبة للتحكيم الدولي. ومع ذلك، فإن المنطق يريد أن الاتفاقية المبرمة بين الأطراف والمحكم تضمن هذا التخلي إلا في حالات استثنائي.

يمكن أولا، كما هو الحال بالنسبة لحكم التحكيم الداخلي، أن يكون حكم التحكيم الدولي محل تفسير بطلب من أحد الأطراف إذا تبين أن هذا الحكم غامض، وعلى شرط أن يكون هذا التفسير ضروريا لتنفيذ الحكم. يمكن كذلك لمحكمة التحكيم تصحيح منطوق حكمها إذا اتصل بهذا الحكم خطأ ماديا كأن يتعلق الأمر بتصحيح خطأ وقع في عملية حسابية محددة للتعويضات المحكوم بها. قد يقع كذلك سهو عن الفصل في أحد الطلبات، ففي هذه الحالة يمكن لمحكمة التحكيم إصدار حكم تحكيمي إضافي. ويمكن إعادة النظر في حكم التحكيم الدولي في حالة الغش كاستعمال مزور مثلا. وبمجرد صدوره يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضي فيه بالنسبة للمنازعة التي فصل فيها.

III – الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية و تنفيذها

1- الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي وتنفيذها

تكون أحكام التحكيم الدولي قابلة للتنفيذ بين الأطراف فور صدورها. إذا تعلق الأمر بحكم تحكيم صادق عليه الأطراف، فإن تنفيذه يكون طوعيا وإلا أمر بتنفيذه في إطار إجراءات التنفيذ الجبري طبقا لأحكام المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. لا يمكن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إلا إذا تم الاعتراف بها في الجزائر أي إذا أثبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي (م.1051ق.إ.م.إ.). ويثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنها تستوفي شروط صحتها (م.1052 ق.إ.م.إ.).

إذا كانت أحكام التحكيم الدولي صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها بالجزائر، فإن طلب التنفيذ الجبري هو من اختصاص رئيس المحكمة التي صدرت هذه الأحكام في دائرة اختصاصها. وأما إذا كانت صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها خارج الإقليم الوطني، فإن طلب التنفيذ الجبري يقدم إلى رئيس محكمة محل التنفيذ (م.1051 ف.2 ق.إ.م.إ.).

يجب التمييز بين الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه. الاعتراف هو قبول وجود حكم التحكيم في النظام القانوني الجزائري، وأما التنفيذ فإنه ينتج من الطلب المقدم أمام المحاكم بغرض إضفاء الطابع التنفيذي لحكم التحكيم. الاعتراف لا يرمي إلى التنفيذ الجبري. مثلا قد يطلب أحد الأطراف في الجزائر الاعتراف بحكم تحكيم قضى برفض دعوى خصمه، فهذا الحكم لا يستوجب أي تدبير تنفيذي، فلا حاجة في امهراه بالصيغة التنفيذية.

المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تسند لرئيس المحكمة صلاحية إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الدولي. لقد رأينا أن رئيس المحكمة يتدخل عن طريق إصدار أوامر وهذه الأوامر نوعان: أوامر على العرائض أو أوامر استعجالية. إن النظامين مختلفين من حيث الطبيعة ومن حيث الإجراءات.الأمر على العريضة يتخذ في غياب الخصم وفي غرفة المشورة، فيما أن الأمر الاستعجالي يصدر ضمن نفس الأوضاع التي تصدر فيها الأحكام القضائية، لا سيما تصدر إثر خصومة وجاهية وفي جلسة علنية.

المادة 1051 لم توضح ما إذا كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي يصدر عن رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة أم أنه يتخذ في شكل أمر على عريضة في غياب الخصم. قانون الإجراءات المدنية القديم سوى هذا الإشكال بنصه في المادة 458 مكرر20 أن قرارات المحكمين تكون قابلة للتنفيذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة “بذيل أصل القرار أو بهامشه”، أي أن الإجراء يتخذ في الأوضاع المقررة في مجال القضاء الولائي أي في غياب الخصم وهذا ما ثبتته المحكمة العليا1. غياب نص مماثل في قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا يعني أن المشرع أسند إجراء إمهار حكم التحكيم الدولي بالصيغة التنفيذية إلى قاضي الأمور المستعجلة، بل اعتبره دائما كإجراء يتخذ من قبل رئيس المحكمة ضمن الأوضاع المقررة في المواد الولائية، ولذلك منع أي طعن ضد الأمر القاضي بالتنفيذ (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).

حتى وإن كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيمالدولي يتخذضمن الأوضاع المقررة للأوامر على العرائض فإن ذلك لا يعني ان رئيس المحكمة يصدر أمره دون أي مراقبة بل بالعكس فإن القاضي يكون ملزما بإجراء فحص ومراقبة على مستوى عدم تعارض حكم التحكيم الأجنبي مع النظام العامالدولي (م.1051 ف.1 ق.إ.م.إ.). والمقصود بالنظام العام الدولي هو لا فقط المسائل التي يعتبرها التشريع الجزائري أنها من النظام العام ولكن كذلك قوانين الشرطة (م.5 ق.م.) أي النصوص الإلزامية التي لا يجوز مخالفتها في اتفاقية أو في عقد.

إجراءات تقديم طلب الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم الدولي، واستخراج نسخة رسمية منه ممهورة بالصيغة التنفيذية تخضعلنفس الإجراءات المطبقة على حكم التحكيم الداخلي (م.1054 ق.إ.م.إ.).

2- طرق الطعن في أحكام التحكيم الدولية

1-2- الاستئناف

أجاز القانون الاستئناف في أمر رئيس المحكمةالقاضي برفض الاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو برفض تنفيذه، وذلك دون أي قيد (م.1055 ق.إ.م.إ.).، وأما حكم التحكيم الدولي ذاته فإنه أخضعه لطعن خاص وهو الطعن بالبطلان. بالنسبة لأمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو بتنفيذه، فإنه لا يجوز استئنافه إلا في بعض الحالات الخاصة نصت عليها المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وهي:

– إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية،

– إذا كان تشكيل محكمة التحكيمأو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون،

– إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها،

– إذا لم يراعى مبدأ الوجاهية،

– إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب،

– إذا كان حكم التحكيم مخالف للنظام العام الدولي.

يجب رفع الاستئناف في أمر رئيس المحكمة في أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي، ويقدم أمام المجلس القضائيالذي يتبعه القاضي الذي فصل في طلب الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه (م.1057 ق.إ.م.إ.). يوقف تقديم الاستئناف وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم (م.1060 ق.إ.م.إ.). ويكون قابلا للطعن بالنقض القرار الصادر من المجلس القضائي إثر الاستئناف في أمر رئيس المحكمة (م.1061 ق.إ.م.إ.).

2-2- الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر

يمكن أن يكون حكم التحكيم الصادر في الجزائر محل طعن بالبطلان، في نفس الحالات التي يجوز فيها الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه والتي سبق ذكرها (م.1058 ف.1 ق.إ.م.إ.). يجب أن يتعلق الأمر بحكم تحكيم صادر في الجزائر، وأما حكم التحكيم الدولي الصادر في الخارج فإنه لا يجوز الطعن فيه أمام جهة قضائية جزائرية، ويمكن فقط عند الاقتضاء الطعن في أمر رئيس المحكمة الفاصل في طلب تنفيذه أو الاعتراف به، وذلك عن طريق الاستئناف.

أمر رئيس المحكمة القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر لا يكون قابلا لأي طعن، غير أنه إذا رفع طعن بالبطلان ضد هذا الحكم فإن هذا الطعن يرتب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ، وإذا لم يفصل بعد رئيس المحكمة في طلب التنفيذ، فإنه يجب عليه التخلي عن الفصل فيه (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).

يرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه، ويكون هذا الطعن مقبولا ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم، غير أنه يصبح الطعن غير مقبولابعد أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ (م.1059 ق.إ.م.إ.).

ويوقف تقديم الطعن بالبطلان وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم. وأما القرار الصادر من المجلس القضائي إثر هذا الطعن، فإنه يكون قابلا للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا (م.1061 ق.إ.م.إ.).

(الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس)

إغلاق