دراسات قانونيةسلايد 1

تفسير نصوص قانون العقوبات (بحث قانوني)

تكون نصوص القانون أي قانون، اما واضحة فلا تثير لبسا في التطبيق، او غامضة فتحتاج الى تفسير لفك ذلك الغموض، فالتفسير اذن هو استجلاء مدلول النص ومحتواه من اجل إمكان تطبيقه بصورة صحيحة وذلك عن طريق تحديد المعنى الذي يقصده الشارع من الفاظ النص لجعله صالحا للتطبيق على وقائع الحياة (1). وقانون العقوبات، قد نص على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات واخذ به يختلف في ذلك عن القوانين الأخرى كالقانون المدني والقانون التجاري وغيرها حيث يكون للمبدأ المذكور اثره الواضح البين في مجال التفسير. وهكذا اصبح للنصوص الجنائية طريق تفسير معين هو غير الطريق المتبع في تفسير النصوص المدنية او التجارية، فما هو هذا الطريق يا ترى؟ ان الاجابة عن هذا السؤال تتطلب منها البحث في أنواع التفسير ومذاهبه قبل الولوج فيه.

أ – أنواع التفسير :- والتفسير بالنظر الى مصدره ثلاثة أنواع هي:

1.التفسير التشريعي :

ويراد به التفسير يضطلع به المشرع وذلك من اجل ان يضع حدا للخلاف الذي يثور بشأن مضمون النص او النصوص محل التفسير وحكمها. ويتم ذلك عادة بان يصدر المشرع تشريعا جديدا يوضح فيه النص او النصوص الغامضة ويفك ويحدد واضحا حكمها. والتفسير التشريعي يلزم المحاكم باجراء حكمه على الوقائع المشمولة به فيتقيد به القاضي وليس له مخالفته البتة لانه تشريع. ويعتبر التفسير التشريعي نافذا من تاريخ صدور القانون الذي جاء لاجل ان يفسره. وبذلك يكون اثره رجعيا على الماضي ليشمل جميع الاحكام التي لم تكتسب بعد الدرجة القطعية عند نفاذه.

2.التفسير القضائي:

ويقصد به التفسير الذي يصدر عن القاضي للنص القانوني أثناء تطبيقه له وبمناسبة هذا التطبيق وهو يفصل في القضية المعروضة عليه. مما يعني ان القضاء ليس مرجعا يلجأ إليه لتفسير القانون وانما يحصل هذا التفسير بمناسبة النظر في قضية معروضة عليه ينطبق عليها القانون او النص والتفسير القضائي غير ملزم فهو لا يقيد قاضيا اخر، بل انه لا يقيد نفس القاضي، فله ان يعدل عنه الى تفسير آخر اذا عرضت عليه واقعة مماثلة للواقعة التي اصدر بسببها التفسير السابق. ومع ذلك فان محاكم الجزاء في العراق غالبا ما تستأنس برأي محكمة التمييز بخصوص فهمها لمحتوى القانون وحكمه (2).

3.التفسير الفقهي :

ويقصد به التفسير الذي يصدر عن شرائع القانون أثناء شرحهم له. ورغم ان هذا النوع من التفسير لا يتعدى ابداء الراي بخصوص هذا النص او ذاك من نصوص القانون وبالتالي فانه غير ملزم للقضاء او آية جهة أخرى فان فائدة تبدو في إعانة القضاء على تطبيق القانون وفي توجيه المشرع لاستكمال ما في التشريع من نقص ولذلك كثيرا ما تستأنس محاكم بما يكتبه علماء الفقه واحيانا ترجع عن مسلكه لتتبع ما قالوا به منراي وكذلك الأمر بالنسبة للمشرع حيث قد يتدخل لاصلاح ما في التشريع من تقص او عيب او غموض يظهره له الفقهاء في كتاباتهم وشروحهم.

ب – مذاهب التفسير:-

ان الغاية من التفسير هي التعرف على نية المشرع التي عبر عنها بالنص القانوني. ولكن كيف يمكن التوصل الى معرفة هذه النية من واقع النص؟ للإجابة على هذا السؤال اختلفت وجهات النظر فظهرت ثلاث مدارس هي /

1.مدرسة الشرح على المتون L’ecole de lcxegese

ويقول أنصارها بلزوم تفسير النص القانوني عن طريق الكشف عن نية المشرع الحقيقية وقت وضع القانون، ويمكن معرفة هذه النية من معاني الفاظ النص ومفرداته مع الاستعانة بقواعد المنطق واللغة. فاذا انتفى وجود نص لحالة معينة، فيجب البحث عندئذ عن إرادة المشرع المفترضة وقت وضع التشريع أي يتعين معرفة ارادته التي يفترض انه كان يعبر عنها لو عرضت عليه الحالة عند التشريع في ذلك الوقت، تلك الحالة التي فاته ان ينظمها بنص. وهذا يعني ان هذا المذهب يغفل التطور الذي يطرأ على المجتمع ويعود بالفكر الى الوراء حيث ذلك الزمن الذي تقررت فيه قواعد تنظيم هذا المجتمع بالقانون المطلوب تفسيره.

2.المدرسة التاريخية / L’ecole historique

لا يقبل انصار هذه المدرسة ما قال به أصحاب مدرسة الشرح على المتون من ان التعرف على نية المشرع وارادته تكون بالرجوع الى الوقت الذي شرع فيه القانون انما يجب البحث عن هذه النية والادارة في الوقت الذي يتطلب التفسير بحيث يمكن التساؤل عن نيته (إرادته) المحتملة وفقا للظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة لو أنه وجد فيها. مما يعني ان هذا المذهب يؤمن بالتطور ويسبغ على الحاجات المتغيرة في المجتمع قيمة خاصة هي موضع لاعتبار في تقدير النص الذي انفصل عن ارادته واضعه واصبح له كيان خاص يخضع للظروف المتغيرة المتطورة. ويؤخذ على هذا المذهب انه يؤدي الى التحكم فيزعم المفسر ان ما يقوله هو الارادة المحتملة التي كان يقول بها المشرع لو شرع القانون في الظروف الجديدة فتترتب على ذلك موجة من القلق وعدم الاستقرار.

3.المدرسة العلمية / L’ecolo Seientifique

ان هذه المدرسة لا تختلف وجهة نظرها عن وجهة نظر مدرسة الشرح على المتون من حيث ضرورة تقصي إرادة المشرع الحقيقية عند وضع التشريع أي في الوقت الذي تم فيه صدور القانون محل التفسير ولكنها لا تتفق معها في مسألة الارادة المفترضة للمشرع التي تقول به المدرسة الأولى عند تعذر العثور على الارادة الحقيقية له. مما يعني انها ترفض افتراض شيء ونسبته الى واضع التشريع. فاذا كان هذا التشريع خاليا من القواعد التي تقتضي الحالة تطبيقها فيجب البحث عنها في المصادر الرسمية الأخرى كالعرف وقواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي. فاذا لم توجد فيها فعندئذ يلزم اتباع نهج المبحث العلمي الحر. بمعنى وجوب تلمس الحكم بالرجوع الى جوهر القانون ودراسة مصادره الحقيقية وا تتضمنه من عوامل مختلفة يقضي تفاعلها الى ظهور القاعدة القانونية المطلوبة لتلك الحالة (3).

جـ – طريق تفسير نصوص قانون العقوبات :-

القاعدة ان قانون العقوبات وقد نص على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لابد من أن يكون طريق تفسير نصوصه متقيد بهذا المبدأ حتى لا يؤدي التفسير الى تجريم صور من السلوك لم يقصد المشرع تجريمها او فرض عقوبات عليها تختلف عن تلك التي قررها لها. ومن أجل ذلك تطرف بعض الفقهاء القدامى فذهبوا الى القول بعدم جواز تفسير النصوص الجنائية قولا بان صيغة النص تتضمن أقصى ما يريد المشرع. وقد ظهور ذلك في كتاب (بكاريا) عن الجرائم والعقوبات. كانت هذه الخشية بمثابة رد فعل لما كان يتمتع به القضاة في الماضي من سلطة تحكيمية واسعة. ولذلك حاولت بعض التشريعات العقابية ان تجعل نصوصها شاملة لكل ما يحتاج إليه القاضي وأكثرت من التعريفات وضرب الامثلة، وهي خطة واضحة في التشريعات الانكلوسكسونية والتشريعات التي أخذت منها كالقانون السوداني وهذه الخطة منتقدة في فن التشريع، اذ ليس من وظيفة المشرع ان يعرف ويضرب الامثلة فمهما فعل لن يستطيع ان يحيط بكل الظروف التي تعرض امام المحاكم ومن ثم يكون التفسير عملا ضروريا (4).

ويذهب البعض، من أجل ذلك أيضاً، الى ان تفسير النصوص الجنائية يجب ان يكون ضيقا (حرفيا) لا يجوز التوسع فيه، وذلك خوفا من ان يؤدي التوسع الى خلق جرائم تخرج عن نطاق النص. وهو قول لا نؤيده لانه يجعل القانون عاجزا عن مواجهة الظروف الجديدة وبالتالي عاجزا عن حماية المجتمع من الظروف التي وضع فيها. كما ان القول به تغليب للألفاظ على قصد الشارع. وهو نتيجة لسوء الظن بالقضاء (5). والرأي الراجح لدى الفقه الحديث هو ان يكون الغرض من التفسير الكشف عن قصد الشارع. فإن جاء التفسير مطابقا لذلك القصد فلا أهمية لكونه قد جاء ضيقا او واسعا. فكل القيمة القانونية للنص تنحصر في كونه تعبيرا عن قصد الشارع والتفسير الذي يطابق هذا القصد يعد هو التفسير الصحيح للنص شرط ان لا يؤدي الى خلق جرائم او عقوبات جديدة أي ان لا يتعارض مع مبدأ الشرعية وهو ما يسميه البعض بالتفسير المقرر وفي ذلك يقول (فوستان هيلي)/ (ان تفسير القانون الجنائي يجب ان لا يكون ضيقا ولا واسعا بل مقررا). ودرج كثير من الفقهاء على القول، فانه في مجال التفسير يجب الأخذ بقاعدة ان الشك يفسر في مصلحة المتهم. ان هذا القول يجب التحرز منه وذلك لأن هذه القاعدة انما يعمل بها في الاغلب الاعم في مجال وزن الادلة وتقدير قيمتها وليس في مجال تفسير نصوص القانون (ففي مجال الاثبات مثلا اذا ما عرض للقاضي دليل وثار في نفسه شك في قيمته وتعادلت لديه ادلة الادانة وادلة البراءة. ولم يستطع ترجيح احدهما على الاخر فعليه ان يرجح ادلة البراءة. لان الاصل في الإنسان البراءة وهذا الاصل لا يزول بمجرد الشك وانما هو يرتفع باليقين فقط. ومع ذلك ففي حالات نادرة قد يكون النص غامضا ويتعذر على المفسر الاهتداء الى قصد الشارع ففي هذه الحالات وحدها اذا احتمل النص تفسيرا في مصلحة المتهم وتفسيرا في غير مصلحته فعليه ان يطبق هذه القاعدة ويؤول النص في مصلحة المتهم ذلك لأن الاصل في الأفعال الإباحة (6).

وللتفسير وسيلتان لغوية ومنطقية :-

أما الوسيلة اللغوية او اللفظية، كما يسميها البعض فهي الخطوة الأولى التي يجب البدء بها عند التفسير. والمفروض ان لكل لفظ وارد في النص ضرورته ولا يجوز اعتباره نافلة من القول فالمشرع منزه عن اللغو، وبالتالي فلا يجوز للمفسر ان يهدر المعنى المستخلص من صريح عبارات النص زعما بان ذلك اقرب للعدالة او ادعى لتحقيق المصلحة، لان تغيير معنى النص يعد وضعا للقانون وليس تفسيرا له واذا كان النص يتضمن عبارات ذات معنى اصطلاحي فيجب التقيد بهذا المعنى حتى وان خالفا لمدلول الدارج لهذه العبارات. واذا شاب النص خطأ مادي للطباعة او كان راجعا لسوء اختيار اللفظ فان للمفسر ان يصحح هذا الخطأ بشرط ان يكون قصد الشارع واضحا كل الوضوح يدل على ان الخطأ مرجعه السهو او عدو الدقة.اما الوسيلة المنطقية، فيلجأ اليها اذا كانت ألفاظ النص لا تكشف ولا تحدد قصد الشارع بوضوح وبدقة على أنه يجب التفرقة بين المشرع وبين أشخاص واضعي النص، ذلك ان القاعدة القانونية بعد اصدارها تنفصل تماما عن أشخاص واضعيها وتتجرد عن رأي كل منهم بل حتى عن آرائهم مجتمعين. واذا كان من الممكن الاستئناس بهذه الآراء الا انها لا تكشف بالضرورة وفي كل الأحوال عن قصد الشارع، ولذلك قيل ان المقصود بارادة المشرع هي إرادة القانون وليس إرادة واضعيه (7).

وأفضل وسيلة للكشف عن قصد الشارع، هي التعرف على الهدف الذي عناه بوضعه للنص المراد تفسيره. وللمفسر ان يستعين للكشف عن هذا الهدف بكل الوسائل مثل البحث في تاريخ النص والرجوع الى مصدره التاريخي والاستهداء بالاعمال التحضيرية والمناقشات التي صاحبت وضع النص وأعمال اللجان التي عهد اليها بوضعه. كما يجب على المفسر مراعاة مختلف الظروف الاجتماعية والسياسية للدولة، ذلك ان التنظيم القانوني وحدة متكاملة ينبغي الحفاظ على التجانس بين مختلف القواعد القانونية التي تساهم في خلق هذا التنظيم كما على المفسر ان لا يقف عند الهدف المقصود بلوغه من هذا النص بمفردة بل ان يفسره في ضوء سائر نصوص القانون حتى يأمن ان لا يناقض تفسيره نص آخر. وعنوان النص جزء منه ينبغي اخذه في الاعتبار عند تفسيره النص. غير انه عند وجود تعارض بين العنوان ومتن النص فيجب الاعتداد بما جاء بالمتن لان ما ورد فيه هو الذي يحدد صور السلوك التي يعنيها المشرع بالتجريم والعقاب.

دور القياس في تفسير نصوص قانون العقوبات :-

القياس هو اعطاء حالة غير منصوص عليها في القانون حكم حالة منصوص عليها فيه لاتفاق الحالتين في العلة. ومن أبرز الاثار المترتبة على الأخذ بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات هو حرمان القاضي الجنائي من اللجوء الى القياس، عند تطبيقه لقانون العقوبات. ذلك ان الأخذ بالقياس قد يؤدي أحياناً الى خلق جرائم او عقوبات لم يرد فيها نص في القانون وهذا امر القاضي منهي عنه بموجب مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات … مما يترتب عليه انه يجوز للقاضي ان يقيس سلوكا لم يرد نص بتجريمه على سلوك آخر ورد نص بتجريمه مهما كان التماثل بين السلوكيين ومهما كانت المصلحة التي يمكن ان تتحقق بتجريم السلوك الأول وانما عليه في هذه الحالة ان يحكم بالبراءة. وقاعدة حظر القياس بالنسبة للقواعد القانونية الايجابية، أي الخاصة بالتجريم والعقاب مطردة لا استثناء عليها. اما بالنسبة للقواعد القانونية السلبية، أي التي تبيح السلوك او ترفع مسؤولية مرتكبه او تعفه من العقاب، فان القياس فيها جائز اذ لا تعارض في ذلك مع مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، لان القياس في هذه القواعد يخرج المتهم من دائرة العقاب والتجريم ويوسع من نطاق حريته حيث لا ينشأ جرائم او عقوبات. وفي القضاء الفرنسي احكام على هذا النحو منها تلك التي توسع نطاق المادة 380 عقوبات التي تنص على مانع العقاب في السرقة بين الازواج لتجعلها تشمل النصب وخيانة الامانة. وقد وضع الفقه الايطالي والألماني لنفسه قاعدة في هذا الصدد تقضي بالتفرقة بين نوعين من القياس هما قياس لصالح المتهم وقيسا لغير صالحه فالأول جائز والثاني غير جائز مع وجود مبدأ قانونية الجرائم او العقوبات (8).

التضارب الظاهري للنصوص الجنائية :-

يقصد بالتضارب الظاهري للنصوص، الحالات التي يبدو فيها لأول وهلة ان واقعة ما ينطبق عليها اكثر من نص. ويرجع ذلك الى وجود عامل مشترك متصل بذات الموضوع الذي تتناوله عدة نصوص. وتجري أغلب التشريعات على ترك حل هذا التضارب للفقه والقضاء على أساس قواعد التفسير دون أن تورد نصا بشأنه (9).

هناك مبادئ ثلاثة يؤخذ بها في فض هذا التضارب او التنازع الظاهري للنصوص وهي :-

1.ان النص الخاص يغلب على النص العام :-

وهذا المبدأ يطبق كلما كان النص الخاص يحتوي على جميع ناصر النص العام الى جانب اشتماله على عنصر او اكثر يكون لازما لتطبيق النص الخاص. وسواء في ذلك ان يكون النص الخاص والنص العام واردين في قانون واحد او ان يرد كل منهما في قانون وسواء صدرا في نفس الوقت او صدرا احداهما في وقت لاحق لصدور الآخر فيكفي ان يكون كل من النصين نافذا وقت التطبيق على الواقعة. مثال ذلك ان المادة 405 عقوبات بشأن القتل العمد تعتبر نصا عاما بالقياس الى النص الخاص الوارد في المادة 406 فقرة ب بشان القتل بالسم فاذا ارتكبت جريمة قتل بالسم فلا تطبق المادة 405 وانما المادة 406 فقرة ب.

2.ان النص المستوعب يطبق دون النص قصير المدى:-

هذا المبدأ يطبق في حالتي الجريمة المتدرجة والجريمة المركبة. اما الجريمة المتدرجة فهي التي يقتضي تنفيذها بحسب طبيعة الأمور التدرج في جسامة السلوك من جريمة الى أخرى اكثر منها جسامة، ومثالها تدرج سلوك القاتل من ضرب وجرح للمجني عليه في عدة مواضع الى الهدف المقصود والاكثر جسامة وهو أزهاق روحه. ففي هذه الحالة يطبق على الفاعل نص جريمة القتل. ومن هذا القبيل أيضا ان الجريمة التامة تستوعب الشروع فيها. واما الجريمة المركبة فهي التي تتكون من اكثر من عنصر كل منها بمفردة يحقق جريمة مستقلة، كالسرقة باستعمال مفاتيح مصطنعة فهي لا تقع تحت طائلة المادة الخاصة بعقوبة السرقة البسيطة ولا المادة الخاصة بحيازة مفاتيح مصطنعة وانما تحت طائلة النص الخاص الذي يعاقب على السرقات المقترنة بظرف استعمال المفاتيح المصطنعة المشددة والذي العقوبة فيه أشد من عقوبة كل من الجريمتين السابقتين.

3.ان النص الأصلي يغني عن النص الاحتياطي :-

فنص الاتفاق على الجرائم يعتبر احتياطي بالنسبة لنص الجريمة التي ترتكب تنفيذا للاتفاق. فلو اتفق عدة أشخاص على القيام بتمرد او عصيان مسلح ضد سلطان الدولة قامت جريمة الاتفاق الجنائي. فاذا قام هؤلاء بتنفيذ ما اتفقوا عليه تحققت جريمة التمرد وفي هذه الحالة لا يعاقب هؤلاء عنة جريمة الاتفاق الجنائي اكتفاء بالمعاقبة عن جريمة التمرد. وكذلك النص الخاص باخفاء الأشياء المسروقة اذ يعتبر نصا احتياطيا بالنسبة للنص الخاص بجريمة السرقة (10). رقابة القضاء على دستورية القوانين والانظمة والتعليمات كثيرا ما يناقش الفقه مسألة موقف المحاكم من القوانين والانظمة والتعليمات المخالفة لاحكام الدستور على أساس ان المفروض هو ان تكون هذه موافقة للدستور. فان لم تكن كذلك او ظن ذلك فلابد من بحث دستوريتها وبالتالي رفض تطبيقها ان ظهر ذلك، فهل هذا يدخل اختصاص المحاكم باعتبارها هي المطبقة للقانون؟

في فرنسا

يرى الفقه والقضاء، انه لا يجوز للمحاكم ان ترفض تطبيق القوانين والانظمة بحجة ع دم دستوريتها ويعللون ذلك بأن بحث مثل هذه المسالة يعد عملا من اختصاص السلطة التشريعية فقط، والا فان قيل به فان ذلك يؤدي الى خلق نوع من الاشراف القضائي على أعمال المشرع (11).

في مصر

وقبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1969 الذي انشئت بموجبه المحكمة العليا لتتولى الرقابة على دستورية القوانين، فقد ذهب الفقه الى ان القضاء سلطة مراقبة مدى شرعية اللوائح والقرارات الادارية، والامتناع عن تطبيقها متى وجد بها عيب شكلي او موضوعي. وبالتالي فهو من حقه ان يمتنع عن تطبيق اللائحة اذا وجدها مخالفة لقانون نافذ او صدرت من سلطة غير مختصة باصدارها او خرجت عن حدود التفويض. ولكن ليس له إلغائها. أما بالنسبة لرقابة القضاء على القوانين، فالأمر يختلف حسب التفصيل التالي :-

أ – من الناحية الشكلية، أي من حيث توافر الشروط الشكلية التي نص عليها الدستور لصدور القانون فان هناك اتفاق على حق القضاء في الرقابة وبالتالي فانه يمتنع عن تطبيق القانون الذي لم يستوف الشكل الدستوري المقرر لصدور القوانين.

ب – اما من الناحية الموضوعية، أي في حالة ما اذا كان القانون مخالفا لاحكام الدستور فهناك خلاف في الفقه

فثمة رأي تقليدي يرى انه تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات لا يجوز للسلطة القضائية ان تمارس أي نوع من الرقابة على السلطة التشريعية بل عليها ان تنفذ القوانين دون البحث في دستوريتها. وثمة رأي آخر انه ليس في رقابة السلطة القضائية على دستورية القوانين أي مساس بمبدأ الفصل بين السلطات ذلك لان السلطة القضائية لا تلغي القانون غير الدستوري وانما تمتنع عن تطبيقه فقط ترجيحا للقاعدة الدستورية على القاعدة القانونية المخالفة لها وبالتالي تبرئة المتهم وذلك تطبيقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وذهب القضاء الاداري الى الأخذ بمبدأ رقابة القضاء لدستورية القوانين استنادا الى عدم وجود نص في القانون المصري يمنع القضاء من ذلك. اما المحاكم العادية فليس لها اتجاه واضح في هذا الشان. فقد ناقشت محكمة النقض المصرية دستورية القوانين في بعض الأحوال وامتنعت عن ذلك في أحوال قليلة. حتى صدر القانون رقم 81 لسنة 1969 الذي انشأ المحكمة العليا وعهد اليها الفصل دون غيرها في دستورية القوانين وبذلك حسم الخلاف (12).

اما في العراق

فمن المعلوم انه نص لأول مرة على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات في الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر عام 1964 حيث لم يكن لهذا المبدأ من وجود قبل ذلك في الدستور او قانون العقوبات ولذلك لابد لاغناء الموضوع بحثا من تناول احكامه قبل عام 1964 وبعده.

قبل صدور الدستور المؤقت لعام 1964 : وحيث لم يكن لمبدأ الشرعية من وجود في نصوص الدستور او نصوص قانون العقوبات فانه يمكن القول بانه لم يكن لمحاكم الجزاء في تلك الحقبة من الزمن الحق في فرض رقابتها القضائية على دستورية القوانين وقانونية الأنظمة. اما بعد صدور دستور عام 1964، حيث ثبت المشرع الدستوري مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في المادة (22) ففي رأينا انه لم يكن ما يمنع محاكم الجزاء من ممارسة رقابتها القضائية على دستورية القوانين بمقدار ما يتعلق الأمر بخصوص مخالفتها لمبدأ الشرعية والامتناع عن تطبيقها. كل ذلك حتى عام 1968 حيث انشأ المشرع المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم (159) لسنة 1968 وأناط بها النظر في دستورية القوانين والانظمة، وبذلك لم يعد ثمة حق للرقابة القضائية لمحاكم الجزاء على دستورية القوانين او النظر في قانونية الأنظمة. وانما على القاضي في حالة تقدم احد الخصوم بدفع يتعلق في الدعوى العامة بعدم دستورية القانون او قانونية النظام ان يوقف اجراءات الدعوى مؤقتا ويعرض الأمر على محكمة التمييز للفصل في الدفع عن طريق عرضه على المحكمة الدستورية العليا (13). وفي عام 1970 صدر الدستور المؤقت النافذ دون ان يشر صراحة الى إلغاء المحكمة الدستورية العليا التي أشار اليها دستور عام 1968 في مادته (87)، لهذا اختلف الفقه في مصير هذه المحكمة. فيرى البعض ان إلغاء دستور عام 1968 وعدم انطواء دستور عام 1970 على نص مماثل بشأن المحكمة الدستورية العليا ادى الى سقوط السند القانوني للمحكمة (14).وهو دستور عام 1968.

ويرى البعض الاخر انه ليست للمحاكم العادية سلطة مناقشة دستورية القوانين والانظمة وذلك لوجود المحكمة العليا الدستورية وقيامها، حيث ان قانون تشكيلها لا يزال نافذا استنادا الى لامادة (66) من الدستور المؤقت الصادر عام 1970 (الحالي) حيث جاءت تقول / (تبقى جميع القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المعمول بها قبل صدور هذا الدستور سارية المفعول ولا يجوز تعديلها او الغائها الا بطريقة المبينة في هذا الدستور). وان قانون تشكيل المحكمة لم يلغ ولم يعدل (15). ويرى فريق ثالث انه ينبغي التفرقة بين وجود هذه المحكمة من جهة وتعذر ممارستها لاختصاصها من جهة أخرى. ذلك ان عدم النص صراحة في الدستور المؤقت الصادر عام 1970 على المحكمة وممارستها لاختصاصها لا يعني انتقاء وجودها ذلك الوجود الذي تحقق بالقانون رقم 159 لسنة 1968 الذي لا يزال ساري المفعول لعدم إلغائه او تعديله واستنادا للمادة (66) من الدستور المؤقت دستور عام 1970 لان هذا الدستور خص مجلس قيادة الثورة بحث إلغاء او تعديل أي تشريع بها في ذلك الدستور نفسه. وعندنا، ان المحكمة العليا الدستورية لا تزال قائمة من الناحية القانونية، حيث ان قانون تشكيلها لا يزال ساري المفعول اذ لم يلغ ولم يعدل. وهي لذلك تستطيع ان تمارس اختصاصاتها المنصوص عليها في قانونها الا ما تعارض مع نص في الدستور. حيث ان دستور عام 1970 والذي لا يزال نافذا قد خص مجلس قيادة الثورة حيث إلغاء او تعديل أي تشريع بها في ذلك الدستور نفسه لذلك فان اصدار المحكمة قرار بعدم دستورية قانون ما لا يؤدي الى الغائه كما نصت على ذلك المادة السادسة من قانون المحكمة، انما يتطلب الغاؤه صدور قانون بذلك.

__________________________________

1-نظر الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام ص85 ن52.

2-انظر قرار محكمة التمييز بخصوص القانون رقم 23 لسنة 1958 الخاص بالعفو العام عن الجرائم السياسية رقم الاضبارة 63/1958 والمؤرخ في 25/1958 مجلة القضاء العدد الأول لسنة 1958 ص 152، وهذا هو نفسا لمسلك المتبع في الاتحاد السوفيتي حيث ان المحاكم هناك تستأنس أيضاً برأي المحكمة العليا في احكام ملزمة لجميع المحاكم والسلطان، انظر الدكتور سامي النصراوي المرجع السابق ص32. اما القانون الليبي فقد خرج عن هذا بالنسبة لقضاء المحكمة العليا فنص في المادة 28 من قانون هذه المحكمة على ان (تكون المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة العليا في احكامه ملزمة لجميع المحاكم والسلطات، انظر الدكتور احمد عبدالعزيز الألفي، شرح قانون العقوبات الليبي، القسم العام ن 57 ص85.

3-انظر الدكتور حميد السعدي : شرح قانون العقوبات الجديد ص46.

4-نظر نوليودي لوجو، محاضرات ألقيت على طلبة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية عام 1948 – 1949 ص23 ن27 – الدكتور محمود محمود مصطفى شرح قانون العقوبات القسم العام ص68.

5-انظر الدكتور علي حسين الخلف، الوسيط، ص82 وما بعدها – على بدوي، الاحكام العامة في القانون الجنائي ص107.

6-انظر الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص96 الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق ص69.

7-انظر الدكتور أحمد عبدالعزيز الألفي، المرجع السابق ص86 ن 58.

8-انظر محاضرات الاستاذ توليد دي لوجو، مارة الذكر ص 23 ن 27 – الدكتور علي حسين الخلف، المرجع السابق ص79.

9- ومع ذلك فقد جرت بعض التشريعات على النص على بعض الحلول لهذا التضارب منها قانون العقوبات الايطالي (مادة 15) وقانون العقوبات الليبي (مادة 12)

10-انظر الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق ص75 – الدكتور رمسيس بهنام، المرجع السابق ص 203 – الدكتور أحمد عبدالعزيز الالفي، المرجع السابق ص88 ن 60.

11-انظر الدكتور محمد على آل ياسين، القانون الدستوري والنظم السياسية، ص104 – الدكتور حميد السعدي، المرجع السابق ص34.

12-انظر الدكتور سمير الجنزوري، المرجع السابق ص27

13-انظر الاستاذ عبدالباقي البكري، المدخل لدراسة القانون ص352 – الدكتور حميد السعدي، المرجع السابق ص33 – الدكتور سامي النصراوي، المرجع السابق ص25.

14-انظر الدكتور مالك دوهان الحسن، المدخل لدراسة القانون، الجزء الأول ص146 – الاستاذ عبد الباقي البكري، المدخل لدراسة القانون ص352.

15-انظر الدكتور حميد السعدي، المرجع السابق ص33.

المؤلف : حسين علي خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

إغلاق