دراسات قانونية
تحقيق التوازن بين المقرض والمقترض وفقاً لدور القضاء المغربي – دراسة هامة
دور العمل القضائي في تحقيق التوازن بين المقرض والمقترض في منازعات القروض الّإستهلاكية
تقديم :
إن تطور الحياة الاجتماعية وما صاحبها من ارتفاع على مستوى معيشة الأفراد عن طريق تطور وسائل الإنتاج وزيادة الإستهلاك وتنوع الخدمات المقدمة للمستهلك ، ترتب عن ذلك إلحاق أضرار كبيرة بهذا الأخير ، الذي وجد نفسه أمام تنوع السلع والخدمات وعرضة لمجموعة من الممارسات غير الشريفة ، خاصة من طرف مقدمي هذه الخدمات ، الأمر الذي تحتم معه إيجاد إطار قانوني لحمايته ، وهو ما تجلى فعلا من خلال إصدار القانون 08 / 31 المتعلق بتحديد التدابير لحماية المستهلك بتاريخ 17 أبريل 2011 .
ونظرا للمكتسبات التي جاء بها هذا القانون ، والهاجس الذي طبع واضعيه ، خاصة فيما يتعلق بحماية الطرف الضعيف في العلاقة العقدية ، وخصوصا في جانب هام من حياته والمتعلق بالإستدانة ، كما تجلى ذلك من خلال عدد الفصول المنظمة لهذا الجانب ، وجد القضاء نفسه أمام تحديات كبرى من أجل تفعيل مقتضيات هذا القانون ، وذلك من خلال إيجاد نوع من التوازن في العلاقة العقدية بين المقرض والمقترض ، فإلى أي حد استطاع الإجتهاد القضائي المغربي تحقيق هذا التوازن خاصة فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالقروض الإستهلاكية ؟ .
هذا ما سنحاول إبرازه من خلال تناولنا لهذا الموضوع من زاويتين أساسيتين يتدخل فيها القاضي فيما يتعلق بهذه العلاقة ، وذلك وفق التصميم التالي :
المحور الأول : دور العمل القضائي في فرض احترام الإختصاص المحلي للمحاكم التجارية في المنازعات الإستهلاكية
الفقرة الأولى : الإختصاص العام للمحاكم التجارية محلياً
لقد نظم المشرع المغربي الإختصاص المحلي للمحاكم التجاري بمقتضى المواد من 10 إلى 12 من قانون 95-53 الصادر بتاريخ 15/ 5 / 1997 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية .
وبقراءتنا للمادة 10 أعلاه نستشف أنها تعيد تنظيم نفس المقتضيات العامة المنصوص عليها بالفصل 27 من ق م م ، إلا في بعض الإستثناءات المنصوص عليها بمقتضى المادة 11 من نفس القانون ، التي خرجت عن مقتضيات الفصل 28 من ق م م ، وذلك فيما يتعلق بصعوبات المقاولة ترفع الدعوى أمام المحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية او المقر الاجتماعي للشركة ، وفيما يخص الإجراءات التحفظية امام المحكمة التجارية التي يوجد بدائرتها موضوع هذه الإجراءات .
أما المادة 12 من نفس القانون فقد أعطت للأطراف الخيار في الاتفاق على اختيار المحكمة المختصة محليا .
وهكذا فإن الإختصاص المحلي للمحاكم التجاري عموما يتحدد بمركز المدعى عليه ، حيث يرجع االإختصاص إلى الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه ، وإلا فلمحل إقامته ، وإلا فلموطن أو محل إقامة المدعي وفي حالة تعدد المدعى عليهم فللمدعي اختيار موطن أحدهم .
وبالتالي يمكن القول ان الإختصاص المحلي للمحاكم التجارية ليس من النظام العام ، ويجب على كل ذي مصلحة إثارته ولا تثيره المحكمة تلقائيا ، كما يمكن البث فيه إما بحكم مستقل أو بإضافته إلى الجوهر ( الفصل 17 من ق م م ) ، هذا على الإختصاص النوعي للمحاكم التجارية ( المادة 5 من ق إ ت ) التي اعتبرت الإختصاص النوعي للمحاكم التجارية من النظام العام ، وإن كان بعض الفقه التجاري يعتبر أن الإختصاص النوعي للمحاكم التجاري ليس من النظام بدليل منح المتعاقدين حق الاتفاق على المحكمة المختصة ، لا يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفته ، كما أن العمل القضائي دأب على إثارته تلقائيا ولو لم يتمسك به صاحب المصلحة ( أنظر قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 18 ملف عدد 15 / 5 بتاريخ 16 / 3 / 2005 ) .
كما أن المادة 8 من ق إ ت أوجبت ضرورة البث في الدفع بعدم الإختصاص النوعي للمحاكم التجارية بحكم مستقل وداخل أجل 8 أيام ، وأن قرار محكمة الإستئناف الصادر بشأن الطعن في الحكم بالإختصاص لا يقبل أي طعن عادي كان أو غير عادي ، وهو التوجه الذي سارت عليه جل محاكم المملكة بما في ذلك محكمة الإستئناف التجارية بفاس من خلال مجموعة من القرارت من ضمنها :
– قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 270 ملف عدد 70 / 99 صادر بتاريخ 19 / 4 / 1999 بخصوص ضرورة البث في الدفع بعدم الإختصاص النوعي المثار بحكم مستقل .
-قرار نفس المحكمة تحت رقم 459 مل عدد 332 / 99 صادر بتاريخ 21 / 6 / 1999 بخصوص عدم قابلية الحكم الباث في الإختصاص النوعي لأي طعن سواء كان عاديا أو غير عادي .
كما أن المشرع لم يرتب أي جزاء على عدم احترام أجل 8 أيام للبث في الدفع بعدم الإختصاص النوعي ( قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 12 ملف عدد 1450 /4 صادر بتاريخ 4 / 1 / 2005).
= لكن الإشكال العملي الذي يطرح هو أن التجربة أبانت على أنه ليس دائما يكون الدفع المثار بخصوص الإختصاص النوعي للمحكمة التجارية جديا وإنما غالبا ما يراد به المماطلة والتسويف وإطالة أمد النزاع ، وبالتالي كان على المشرع أن يحيل على مقتضيات الفصل 17 من ق م م بخصوص منح الخيار للقاضي للبث فيه بحكم مستقل أو بضمه للجوهر كلما تبين له أن الدفع غير جدي على غرار المحاكم العادية .
الفقرة الثانية : الإختصاص الإستثنائي للمحاكم التجارية محلياً في نزاعات الإستهلاك
خروجا منه على المبدأ العام المتمثل في عدم ارتباط الإختصاص المحلي للمحاكم التجارية بالنظام العام، ورغبة منه في تحقيق ضمانة فعالة للمستهلك من الشروط الإدعانية التي كانت تفرض في عقود الإستهلاك والمتعلقة بإسناد الإختصاص للمحاكم التجارية التي يوجد بها المقر الاجتماعي للمورد ، نص المشرع بمقتضى المادتين 111 و 202 من ق 08 / 31 على أن المحكمة المختصة في حالة وقوع نراع بين المورد والمستهلك ورغم وجود أي شرط مخالف يكون لمحكمة موطن أو محل إفامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع يفه الفعل المسبب للضرر باختيار هذا الأخير .
وفي رأينا فإن إعطاء الخيار للمستهلك بمقضاة المورد أمام محكمة موطنه أو محل إقامته وإما أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر ، فيه ضمانة وحماية فعالة للمستهلك من الشروط الإذعانية التي قد توضع مسبقا من طرف المورد والتي قد يضمنها بعقد القرض الإستهلاكي وبالتالي يحتج بكون العقد شريعة المتعاقدين ( الفصل 230 من ق ل ع ) .
والجدير بالذكر أن المشرع جعل هذا المقتضى من النظام العام خروجا منه على المبدأ العام المتعلق بالقواعد العامة للإختصاص المحلي للمحاكم العادية وكذا التجارية في باقي القضايا الأخرى ، إلا ما استثني بمقتضى المادة 11 من ق إ ت .
أما بخصوص توجه المحاكم بمختلف درجاتها ، فقد استقر الإجتهاد القضائي على فرض احترام هذا الإختصاص وإثارته تلقائيا كلما تبين لها أن موطن أو محل إقامة المستهلك يوجد خارج دائرة نفوذها، ومن هذه القرارت نذكر :
-قرار محكمة النقض رقم 2896 / 2012 ملف عدد 920 / 2012 / 4 صادر بتاريخ 29 / 5 / 2012 .
– قرار محكمة النقض رقم 9519 / 2012 ملف عدد 4003 / 2012 / 13 صادر بتاريخ 9 / 10 / 2012 .
– قرار محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 2012 / 4519 ملف عدد 2011 / 6 / 7807 صادر بتاريخ 9 / 10 / 2012 .
الفقرة الثالثة : إشكالية اختصاص المحاكم التجارية في العقود المختلطة
لا خلاف بين المحاكم في اختصاص المحكمة نوعيا في النزاع كلما كان الطرف المقترض تاجرا ، لكن طرح الإشكال بخصوص إذا ما تعلق الأمر بطرف مدني غير تاجر ، حيث أن القضاء المغربي في بداية الأمر كان في تدبدب ، مرة تصرح المحاكم بعدم اختصاصها للبث في النزاع ، ومرة أخرى تصرح باختصاصها للنظر في النزاع ، إلى أن استقر الإجتهاد القضائي في الآونة الأخيرة ومنذ التنصيص على العقود البنكية من ضمن العقود التجارية المتضمنة بمقتضى مدونة التجارة ، أصبحت المحاكم تنظر في قضايا نزاعات الإستهلاك مهما كانت صفة المقترض ، نذكر من ضمنها :
-قرار محكمة النقض رقم 204 الصادر بتاريخ 23 / 5 / 2005 .
-قرار محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 2003 / 2700 ملف عدد 9 / 2002 / 4242.
-قرار محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 2012 / 4519 ملف عدد 2011 / 6 / 7807 صادر بتاريخ 9 / 10 / 2012 .
-قرار نفس المحكمة رقم 2012 / 1283 ملف عدد 13 / 2012 / 521 صادر بتاريخ 6 / 3 / 2012 جاء فيه : ” المستقر عليه فقها وقضاء أن عقود القرض البنكية والتسهيلات المالية التي تمنحها البنوك لزبنائها تعتبر أعمالا تجارية مهما كانت صفة المقرض وأي كان القرض الذي خصص له ، مما يبقى معه الدفع بعدم الإختصاص النوعي في غير محله ” .
– قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 61 ملف عدد 61 / 2000 صادر بتاريخ 3 / 2 / 2000 ورد فيه : ” أن العقود البنكية تدخل ضمن العقود التجارية المنصوص عليها في مدونة التجارة وبالتالي فإن المحاكم التجارية مختصة للبث في الدعاوى المتعلقة بها طبقا للمادة 5 من ق إ ت ” .
– قرار صادر عن نفس المحكمة تحت رقم 588 ملف عدد 650 / 2000 بتاريخ 29 / 6 / 2000 الذي جاء فيه : ” أن القرض البنكي هو من العقود التجارية بطبيعتها وفق أحكام الباب السابع من مدونة التجارة وبغض النظر عن صفة المتعاقد مع البنك هل هو تاجر أو لا ” .
– قرار صادر عن نفس المحكمة تحت رقم 1295 ملف عدد 1286 / 2004 بتاريخ 25 / 11 / 2004 .
-حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش رقم 97 ملف عدد 2013 / 9 / 2059 بتاريخ 13 يناير 2014 .
المحور الثاني : السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي التجاري لتحقيق التوازن في العلاقة العقدية بين المقرض والمقترض
باستقرائنا لمختلف المواد والبنود التي جاء بها قانون 08 / 31 نجد أن المشرع قد منح سلطة تقديرية واسعة للقاضي قصد التدخل لحماية المستهلك ، ويمكن إبراز هذه السلطة في النقط التالية :
الفقرة الأولى : سلطة القاضي في تقدير حجية كشف الحساب
لقد أصبحت الأعراف التجارية بحكم مدونة التجارة تسمو على القانون المدني ( المادة 2 من مدونة التجارة ) ، ويعتبر كشف الحساب نتاج الممارسة البنكية وقد أصبح بمقتضى القانون البنكي لسنة 1993 وسيلة إثبات مقبولة تعتمدها المؤسسات البنكية في إثبات مديونية زبنائها .
وإذا ما اعتبرنا الكشوفات الحسابية الصادرة عن المؤسسة المقرضة حجة كتابية ، فهي تتعارض مع المبدأ القائل بعدم جواز صنع الشخص دليلا لنفسه ، ولكن خلافا لهذا المبدأ اعتبر المشرع بمقتضى المادة 492 من مدونة التجارة كشوف الحساب التي تعدها مؤسسات الإئتمان وفق شروط المادة 106 التي حلت محلها المادة 118 من القانون البنكي المعدل بمقتضى القانون رقم 34 / 03 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006 ، وسيلة إثبات مقبولة أمام القضاء .
وبالتالي لكي يعتبر كشف الحساب مقبولا يجب أن يتضمن شروط معينة وهي :
-أن يكون كشف الحساب معدا من قبل مؤسسات الإئتمان
– أن يكون الكشف معدا وفق الشكليات المنصوص عليها بمقتضى دورية والي بنك المغرب عدد 98 / 4 الصادرة بتاريخ 5 مارس 1998 .
– أن يكون النزاع ناشئا بين مؤسسة ائتمان وعملائها من التجار
– ألا يثبت عكس ما ورد بكشف الحساب .
وبالرجوع إلى دورية والي بنك المغرب المشار إليها أعلاه نجدها قد حددت في الفصل 2 منها المعلومات الأساسية الواجب تضمينها بكشف الحساب وأبرزها :
-هوية المؤسسة البنكية – التسمية – العنوان – المقر الاجتماعي أو الوكالة – عناصر تعريف صاحب الحساب – رقم الحساب – نسبة الفائدة المطبقة وكيفية احتساب الفوائد وباقي المصاريف ….
وقد جاءت مدونة التجارة لسنة 1196 لتضيف بعض الشروط بمقتضى المادة 491 وهو ضرورة توصل الزبون المنازع بكشف الحساب ، وأن يكون خاليا من أي شطب .
ونلاحظ أن العمل القضائي لا يتردد في رفض الأخد بكشف الحساب كلما كان مخالفا لهذه الدورية ، فقد جاء في حكم صادر عن تجارية مراكش بتاريخ 2 مارس 2000 ( منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 83 ص 212 ) الذي جاء فيه : ” حيث إن بيان الدائنية المذكورة لا يرقى إلى درجة كشف الحساب كوسيلة إثبات بين البنوك وزبنائها التجار طبقا للمادة 106 من ظهير 6 يوليوز 1993 التي علقت حجية كشف الحساب في الإثبات البنكي على صدور قرار من والي بنك المغرب يحدد شكليات إنجاز كشوف الحساب وهو ما تم بموجب دورية والي بنك المغرب عدد 98 / 4 بتاريخ 5 مارس 1998 التي ألزمت أن يبين كشف الحساب بشكل ضاهر سعر الفوائد والعمولات ومبلغها وكيفية احتسابها وتواريخها وفق الفصل 2 من الدورية .
وحيث إن كل كشف وبيان صادر عن البنك مخالف للدورية المحال عليها بموجب المادة 106 من القانون البنكي يجعله عديم الأثر في الإثبات القضائي ” وقضت المحكمة بعدم قبول الدعوى.
وتجدر الإشارة إلى أن كشف الحساب قبل التعديل الذي طال القانون البنكي سنة 2006 كان له حجية نسبية يواجه به الزبون التاجر فقط تماشيا مع ما هو منصوص عليه بمقتضى م 106 من نفس القانون ، إلا أنه بعد التعديل أصبح لكشف الحساب حجية مطلقة في مواجهة جميع الزبناء سواء كانوا تجارا أو غير تجار .
والملاحظ ان العمل القضائي عرف تبدبدب في التعامل مع كشف الحساب حتى على مستوى محكمة النقض ، وحتى بعد تعديل القانون البنكي سنة 2006 وإعطاء كشف الحساب حجية مطلقة بمقتضى المادة 118 منه في مواجهة جميع الزبناء ، حيث نجدها مرة تعطي لكشف الحساب حجية مطلقة ( أنظر قرار صادر عنها بتاريخ 2 / 7 / 2008 ملف تجاري عدد 1137 / 3 / 1 / 2008 حيث جاء فيه : ” الكشوف الحسابية الصادرة عن الأبناك تتوفر على قوة إثبات وتعتبر حجة بين المؤسسات وزبنائها بشأن المنازعات التي تنشأ بينهم إلى أن يثبت ما يخالف ذلك ” ،
وفي قرار آخر لها وبتاريخ لاحق أعطت لكشف الحساب حجية نسبية يواجه به الزبن التاجر فقط ( أنظر قرار عدد 197 ملف تجاري عدد 870 / 3 / 1 / 2006 صادر بتاريخ 11 / 2 / 2009 جاء فيه : ” إن حجية الكشوف الحسابية كوسيلة إثبات المديونية في القطاع البنكي لا يعمل بها إلا إذا تعلق الأمر بنزاع بين التجار ” .
أما على مستوى المحاكم الأدنى درجة ، نلاحظ أنها سايرت التعديل الذي طال القانون البنكي بعدما كانت تعطي حجية نسبية لكشف الحساب ( أنظر حكم صادر عن تجارية مراكش بتاريخ 2 / 3 / 2000 : منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 83 ص 212 ، أيضا حكم صادر عن تجارية الدار البيضاء بتاريخ 27 / 7 / 1998 جاء فيه : ” حيث إن الكشوفات الحسابية تعد حجة إثبات في المنازعات التي تنشأ بين التجار ما لم يثبت ما يخالفه طبقا للفصل 106 من ق 6 – 7 – 1993 ” منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد1 ص 77 .
وبخصوص توجه محكمة الإستئناف التجارية بفاس والمحكمة التجارية بفاس فهي أيضا تراجعت عن موقفها بعد تعديل القانون البنكي وأصبحت تعطي لكشف الحساب حجية مطلقة في مواجهة جميع الزبناء ما دام أن كشف الحساب مفصل ويتضمن جميع مفردات المديونية وموافقا لما جاء في دورية والي بنك المغرب ، أما في حالة عدم الإدلاء بكشف حساب مفصل فغالبا ما يتم اللجوء إلى خبرة حسابية لتحديد المديوينية ، ويضهر ذلك جليا من خلال الأحكام والقرارات التالية :
-قرار رقم 1346 ملف عدد 312 / 4 صادر بتاريخ 8 / 11 / 2005 جاء فيه : ” كشف الحساب المستخرج من الدفاتر التجارية للبنك المفترض لإمساكها بانتظام لها الحجية الإثباتية في الميدان التجاري وكل من يدعي العكس عليه إثباته ” .
– قرار آخر لها رقم 73 ملف عدد 96 / 5 صادر بتاريخ 24 / 1 / 2006 .
– قرار تحت رقم 388 ملف عدد 940 / 5 صادر بتاريخ 21 / 3 / 2006 .
-قرار تحت عدد 494 ملف عدد 986 / 4 صارد بتاريخ 4 / 4 / 2006 .
– قرار تحت عدد 332 ملف عدد 209 / 2010 صادر بتاريخ 23 / 2 / 2012 .
الفقرة الثانية : سلطة القاضي التجاري في مواجهة الشرط التعسفي المضمن بالعقد الإستهلاكي
خروجا منه على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ( الفصل 230 من ق ل ع ) ، ورغبة منه في حماية الطرف الضعيف في العلاقة العقدية ، وأمام عدم إسعاف النصوص المتعلقة بق ل ع في تحقيق هذه الحماية سواء من خلال المقتضيات المتعلقة بتأويل الإتفاقات المنصوص عليها بمقتضى الفصول 461 إلى 477 من ق ل ع وكذا الفصل 264 من نفس القانون المتعلق بسلطة القاضي في مواجهة الشرط الجزائي ، والفصل 878 منه الذي يعطي للقاضي سلطة تقديرية في إبطال الشروط والإتفاقات المضمنة بالعقد والتي يكون الهدف منها استغلال حاجة شخص أو ضعف إدراكه أو عدم تجربته فيجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض أو من أجل تجديد عقد قرض قديم ، فوائد ومنافع تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة المؤداة ، لذلك تدخل المشرع بمقتضى المادة 16 من ق 08 / 31 وأعطى للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تقدير الطابع التعسفي للشرط المضمن بالعقد ، وذلك بالرجوع إلى وقت إبرام العقد وإلى جميع الظروف المحيطة بإبرامه متى تبين له أن هناك اختلال كبير بين حقوق وواجبات الطرفين .
وخروجا منه على المبدأ العام المتعلق بالإثبات في الميدان المدني بأن جعل الإثبات على المدعي ( الفصول 399 و 400 من ق ل ع ) ، فإنه بمقتضى قانون حماية المستهلك ( المادة 18 ) أن المورد هو الذي عليه أن يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع تحت طائلة اعتبار الشرط التعسفي باطلا ولاغيا .
كما أن المشرع بمقتضى المادة 59 من نفس القانون أعاد تنظيم نفس المقتضى المنصوص عليه في الفصل 878 من ق ل ع فيما يتعلق باستغلال ضعف أو جهل شخص ما ، وليس هناك اختلاف بين المقتضيين إلا فيما يتعلق بالجزاء المترتب عن ذلك ، إذ أن المشرع في ق ل ع أعطى سلطة تقديرية للقاضي في إمكانية إبطال الشرورط او الإتفاقات المعقودة خلافا للفصل 878 ، خلافا للمادة 59 التي رتب المشرع على مخالفتها بطلان الإلتزام المعقود خلافا لها وجعل هذا الجزاء من النظام العام .
الفقرة الثالثة : إعمال القاضي لمبدأ التأويل الأكثر فائدة للمستهلك
لقد أعاد المشرع بمقتضى المادة 9 من ق 08 / 31 تنظيم نفس المبدأ المنصوص عليه بمقتضى الفصل 487 من ق ل ع المتعلق بتأويل الإلتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم .
بالإظافة إلى أن ق 08 / 31 بمقتضى نفس المادة أوجب ضرورة تحرير الشروط المتفق عليها بالعقد بصورة واضحة ومفهومة وذلك حتى يكون المقترض على دراية وعلم بالإلتزامات التي يتحملها بمقتضى العقد .
وتعزيزا منه لهذه الحماية ورغبة في حماية المستهلك البسيط الذي ليس له دراية باللغات الأجنبية ، ونظرا لأن أغلبية العقود التي كانت تعدها مؤسسات الإئتمان كانت تحرر باللغة الفرنسية ، الشئ الذي كانت معه تضيع مجموعه من الحقوق وفي غفلة وعدم علم المقترض بما التزم به يفاجئ بشروط لم يكن يرتضيها لو كان عالما بها أن إبرام العقد ، لذلك ألزمت المادة 260 من ق 08 / 31 وجوب ترجمة العقد إلى اللغة العربية .
لكن للأسف وعلى مستوى الواقع العملي يتبين أن مؤسسات الإئتمان وإن كانت تضمن العقد واجهتين إحداهما باللغة العربية والأخرى بالفرنسية إلا أن أغلبها يحرر بخط رقيق غير واضح ومقروء ، الشئ الذي يجعل الحماية المكرسة بمقتضى المادة المذكورة غير متوفرة .
الفقرة الرابعة : نظرية الإمهال القضائي
لقد منح المشرع بمقتضى المادة 149 من ق 08/31 لرئيس المحكمة المختصة سلطة تقديرية واسعة في إمكانية منح المقترض آجال معتدلة للوفاء بالتزامه ، خاصة إذا تعلق الأمر بالفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة وهي حالات واردة على سبيل المثال فقط .
كما يمكن له أن يقرر إلغاء الفائدة على المبالغ المستحقة طيلة مدة الإمهال ، ويمكن له أيضا التدخل لإعادة جدولة القرض ويحدد بمقتضى أمره الصادر كيفية أداء المبالغ المستحقة عند انتهاء أجل وقف التنفيذ ، وبالتالي لم يعد العقد شريعة المتعاقدين ولم يعد القاضي ممنوعا عليه التدخل في العقد الواضح لتغيير التزامات أطراف العقد .
أما بخصوص العمل القضائي نجده قد عمل على تطبيق مقتضيات المادة المذكورة في العديد من المناسبات ، إذ انه نجد في أمر صادر عن السيد رئيس ابتدائية مكناس في أمر عدد 150 / 13 ملف عدد 966 / 8 / 12 صادر بتاريخ 12 / 2 / 2013 قد أمر بإيقاف التزام المدعي المتمثل في أدائه لباقي الأقساط المستحقة في عقد القرض العقاري الذي أبرمه مع المدعى عليها مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية وذلك إلى حين انتهاء حالة عطالته عن العمل أو تنفيذه للحكم الناتج عن دعوى أداء التعويضات عن الفصل عن العمل المقدمة في مواجهة مشغله مع تحميل المدعى عليها الصائر والتصريح بأن النفاذ المعجل مقرر بقوة القانون ( أمر منشور على الموقع الإلكتروني :
الفقرة الخامسة : رصد لتوجه العمل القضائي فيما يتعلق بطلبات المقرض ( بخصوص الفوائد والضريبة على القيمة المضافة والتعويض عن التماطل )
لقد طرح موضوع اشتراط الفائدة في عقود القرض جدلا فقهيا وقضائيا واسعا ، استنادا على الآيات القرآنية الكريمة التي تحرم التعامل بالربا بين المسلمين ، وهو ما كرسه المشرع من خلال مقتضيات الفصل 870 من ق ل ع عندما اعتبر اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه .
لكن ونظرا للتغيرات الاقتصادية والإجتماعية التي عرفها العالم ، كان لا بد من مجاراة الوضع والسماح لمؤسسات الإئتمان ( البنوك وشركات التمويل ) بالتعامل بالفائدة ، وهكذا فقد اعتبر أن اشتراط الفائدة مفترضا إذا كان أحد المتعاقدين تاجرا حتى ولو لم يتم هذا الإشتراط كتابة وقد اعتبرت المادة 495 من م ت أن الفوائد تسري بقوة القانون لفائدة البنك ، وفيما يخص تحديد السعر القانوني للفائدة فقد أحال المشرع بمقتضى الفصل 875 من ق ل ع على ظهير خاص ، هذا الأخير صدر بتاريخ 9 أكتوبر 1913 والذي خضع لعدة تعديلات إلى أن وصلنا إلى التعديل الأخير بمقتضى ظهير 16 يونيو 1950 الذي حدد السعر القانوني للفائدة في 6 % والحد الأقصى للفوائد الإتفاقية في 10 % .
لكن هذا التحديد لا يشمل الفوائد البنكية التي أصبحت خاضعة لما تتراضى عليه الأبناك مع زبنائها ( المادة الأولى من قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 10 – 947 بتاريخ 17 مارس 2010 المتعلق بتنظيم الفوائد المطبقة على عمليات الإئتمان ) وهناك قرارت وزارية أخرى في هذا الشأن .
*توجه المحكمة التجارية بفاس : بمجرد ما يحال الملف على السيد القاضي المقرر وفي حالة عدم إرفاقه بالوثائق ، يقوم بإشعار الطرف المقرض بضرورة الإدلاء بمجموعة من الوثائق منها : عقد القرض وكشف حساب مفصل وجدول الإستخماد وما يفيذ توجيه إنذار وفقا لمقتضيات المادة 109 من ق 08 / 31 التي اعتبرت بأن المقترض يعتبر متوقفا عن الأداء إذا لم يقم بتسديد ثلاث أقساط متتالية بعد استحقاقها ولم يستجب للإشعار الموجه إليه ، وذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى .
أما في حالة الإدلاء بجميع الوثائق وتبين للمحكمة أن كشف الحساب المدلى به لا يعطي صورة حقيقية عن مفردات المديونية أمكن لها الإستعانة بخبرة حسابية لتحديد المديونية ( أنظر قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 792 ملف عدد 1615 / 7 صادر بتاريخ 26 / 4 / 2012 غير منشور ) .
وقد اعتبرت المحكمة التجارية بفاس أن الفوائد البنكية والفوائد القانونية والضريبة على القيمة المضافة يستحقها المقرض إلى غاية حصر الحساب الذي يجب حصره داخل أجل لا يتجاوز السنة ابتداء من آخر عملية دائنة تمت بينهما تطبيقا للتعديل الأخير المنصب على مقتضيات المادة 503 من م ت بتاريخ 11 شتنبر 2014 ، أما بعد تاريخ حصر الحساب فلا يستحق المقرض إلا فوائد التأخير إذا تمت المطالبة بها تطبيقا للمادة 104 من ق 08/31 ، وقد تم تحديدها في 2% من المبلغ المستحق على ألا يتجاوز 4 % من الرأسمال المتبقى تطبيقا للقرار المشترك الصادر مؤخرا بتاريخ 29 دجنبر 2014 بين وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي ووزير الاقتصاد والمالية القاضي بتحديد السعر الأقصى لفوائد التأخير المطبقة على المبالغ المتبقية في حالة توقف المقترض عن الأداء ، وفي شهر من الفوائد تحتسب على أساس سعر الفائدة المقترن بالقرض على ألا يزيد على 2 % من رأس المال المتبقى بالنسبة للقرض العقاري .
وقد جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 72 ملف تجاري عدد 446 / 3 / 1 / 2011 الصادر بتاريخ 19 / 1 / 2012 والذي ورد فيه : ّ” وحيث إن قفل الحساب وتحويله إلى حساب المنازعة يضع حدا لاتفاق طرفي العقد بخصوص احتساب الفوائد الإتفاقية وكذا الضريبة عن الفترة اللاحقة عن تاريخ قفل الحساب وأن ما قام به القرار بهذا الخصوص لا يرتكز على أساس ” .
وفي قرار آخر لنفس المحكمة تحت عدد 314 ملف تجاري عدد 1725 / 3 / 1 / 2010 مؤرخ في 3 / 3 / 2011 ورد فيه : ” حيث إن إدماج البنك للفوائد والغرامات والضريبة على القيمة المضافة في الحساب حين سريان العقد يمنع عليه أن يطالب بها مرة أخرى بعد قفل الحساب ” .
وهو نفس التوجه الذي سارت عليه محكمة الإستئناف التجارية بفاس بمقتضى العديد من قراراتها منها : قرار رقم 1394 ملف تجاري عدد 989 / 4 صادر بتاريخ 15 / 11 / 2005 ورد فيه : ” … لا تستحق الفوائد الإتفاقية والضريبة على القيمة المضافة بعد قفل الحساب من طرف المؤسسة البنكية إلا إذا تم الاتفاق على ذلك ، ولا يحكم بالتعويض عن التماطل إلا إذا ثبت إنذار المدين داخل أجل محدد وتقاعسه عن الأداء رغم ذلك ” .
وفي قرار آخر لها تحت عدد 958 ملف تجاري عدد 350 / 11 صادر بتاريخ 24 / 5 / 2012 جاء فيه : ” فعلا حيث إن الرصيد المالي للحساب الجارية إذا كان يطبق عليه أساسا أثناء سير الحساب سعر الفائدة الإتفاقية في حدود ما يقضي به قرار وزير المالية المؤرخ في 30 / 5 / 1988 وتطبيقا لظهير 6 يوليوز 1993 فإنه بمجرد قفل الحساب الجاري يصبح رصيده دينا تستحق عنه الفوائد اتفاقية كانت أم قانونية ، وأنه أمام عدم وجود أي اتفاق مسبق بين الطرفين على سريان تطبيق الفائدة الإتفاقية بعد قفل الحساب يبقى من حق البنك الطاعن وخلافا لما قضى به الحكم الإبتدائي المطعون فيه الحصول على الفوائد القانونية عن الرصيد المطالب به من قبله ” .
وقد اعتبر القضاء المغربي أن عدم تطعيم الحساب الإطلاع بمدفوعات من الجانبين لمدة ليست باليسيرة دليل على أنه قفل فعلا والمطالبة بدين الحساب قرينة على ذلك .
خاتمة : من خلال صبر أغوار هذا الموضوع تبين لنا أنه يمكن اعتبار القضاء فيما يتعلق بالمنازعات الإستهلاكية آلية من آليات حماية المستهلك بالإضافة إلى دور الهام الممنوح لجمعيات حماية المستهلك التي أعطى لها المشرع من خلال ق 08 / 31 أدوار هامة للقيام بعملها على الوجه الأكمل رغم النقائص والعيوب التي وجهت لهذا القانون خاصة فيما يتعلق باشتراط توفر الجمعية على صفة المنفعة العامة حتى يمكن لها الدفاع عن حقوق المستهلك ، لكن كل ذلك يبقى في حاجة إلى أن يلعب الإعلام دوره في مجال التحسيس والتوعية بالحقوق والمكاسب التي جاء بها هذا القانون ، وذلك حتى نرى البادرة الأولى في اللجوء إلى القضاء من طرف المستهلك التي تبدو غائبة بشكل واضح ، إذا ما لاحظنا أن جل القضايا المعروضة أمام المحاكم التجارية تكون المبادرة فيها من جانب المورد فقط .