دراسات قانونية

استقالة الأجير بين الإكراه و عدم التعسف (بحث قانوني)

استقالة الأجير بين الإكراه على تقديمها و عدم التعسف في استعمالها

المهدي المرابط

طالب باحث بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط

تعتبر الاستقالة إنهاء لعقد الشغل بالإرادة المنفردة للأجير، وهي الوجه المقابل للطرد الملتبس بالاستقالة، وهي حسب جانب من الفقه يمكن اعتبارها بصفة عامة بأنها إقدام الأجير بمحض إرادته على إنهاء عقد الشغل الذي يربطه بمشغله ، ويجب أن يعبر الأجير عن تقديم استقالته بكيفية حرة وصريحة.[[1]]url:#_ftn1

إن موضوع الاستقالة طرح العديد من المشاكل القانونية المتعلقة بحقوق الأجراء وذلك لسبب واضح هو عدم وجود نصوص قانونية في ظل تشريع الشغل السابق باستثناء بعض النصوص القانونية التي تتعلق بتغيبات الأجراء والتي كانت تشير بصفة عارضة إلى الاستقالة كالفصل 11 من النظام النموذجي الصادر في سنة 1948 والذي عدل سنة 1970[[2]]url:#_ftn2 ومادام أن قانون الشغل السابق كان لا يتضمن نصوصا تشريعية تنظم استقالة الأجير، فإن موضوع الاستقالة طرح عدة إشكالات أمام القضاء منها ما يتعلق بالدفع بالأمية ومنها ما يتعلق بظروف تقديم الاستقالة إلى أن تدخل المشرع من خلال نص المادة 34 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية التي أجازت للأجير إمكانية إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادته عن طريق الاستقالة المصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة ، ولا يلزمه في ذلك إلا احترام أجل الأخطار.

ومن ثم، فإن استقالة الأجير إما يشوبها إكراه من قبل المشغل أو قد تكون تعسفية بدورها من طرف الأجير (المبحث الأول)،على أن يأتي الحديث بعد ذلك عن عبء إثباتها وما يمكن الدفع به من وسائل على ذلك (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الاستقالة بين الإكراه على تقديمها وقاعدة عدم وجوب التعسف في استعمالها

قد يلجأ الأجير إلى اختيار الاستقالة إما لعدم رغبته في العمل لدى مشغله، أو لكونه لا يرغب في البقاء تحت إشرافه ومراقبته أو المساس بحريته أو لأسباب أخرى، لكن طبيعة الأمر تقتضي أن تكون استقالة الأجير مبنية على رغبته في مغادرة العمل دون أن يكون بذلك مكرها (المطلب الأول)، لكن قد يقع أن تكون استقالة الأجير بدورها تعسفية (المطلب الثاني) .

المطلب الأول: الإكراه على الاستقالة

تعرض المشرع المغربي للإكراه كعيب من عيوب الرضي وذلك في الفصول من 46 إلى 51 من ق. ل .ع [[3]]url:#_ftn3 وعرفه الفصل 46 من نفس القانون بأنه” إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون، يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه”.

قد يحصل في الواقع العملي أن يقدم الأجير على الاستقالة من الشغل نتيجة الضغط والإكراه الممارسين عليه من طرف مشغله،[[4]]url:#_ftn4 ويدعي بأنها لم تكن نتيجة إرادته الحرة وإنما فرضت عليه فرضا من طرف مشغله وبالتالي فإن المشغل الذي لا يكون راغبا في أجير ما، ولا يريد في نفس الوقت تمتيعه بتعويضاته عن الفصل، يحاول جاهدا أن يحمل أجيره على الاستقالة، عن طريق افتعال مجموعة من الحوادث كالتهديد المستمر بالطرد أو السب والعنف المتواصلين أو إلى تخفيض ساعات العمل بشكل كبير أو إلى إلغاء بعض الحقوق أو المزايا التي كان الأجير يتمتع بها، أو التهديد بفتح ملفات تأديبية أو بمتابعة جنائية على إثر خطأ جسيم يمثل جريمة وإلى غير ذلك من الأساليب التي قد يدعي الأجير أن المشغل لجأ إليها، وأنها هي التي اضطرته وأكرهته على تقديم استقالته، لهذا كان تدخل القضاء حاسما لإعطاء هذا التصرف التكييف الصحيح معتبرا استقالة الأجير في هذا الحالة عديمة الأثر، وتشكل بذلك طردا يمنح للأجير الحق في الحصول على سائر التعويضات التي يحصل عليها بمناسبة الطرد العادي، لكن شريطة إثبات لما يدعيه من أعمال وأساليب لجأ المشغل إليها وأنها هي التي دفعته على تقديم استقالته [[5]]url:#_ftn5 ، وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا:
” وحيث إن الإكراه على تقديم الاستقالة يقتضي ثبوت وقائع من شأنها أن تحدث ألما جسيما أو اضطرابا نفسيا، أو خوفا من التعرض لخطر كبير، وأن تكون هي السبب الدافع إلى الاستقالة وقد أجرت المحكمة بحثا حول ظروف تقديم الطاعن لاستقالته، واستمعت إلى الشهود الذين طلب الطاعن الاستماع إليهم، فثبت لديها من أوراق الملف ومن تصريحات الشهود أن الطاعن قدم استقالته برضى منه واختيار من غير تدخل من الشركة المشغلة ودون ما ضغط خارجي…”[[6]]url:#_ftn6

هذا ويشترط في الاستقالة المشوبة بإكراه وجود ضغوط غير مشروعة تدفع الأجير إلى تقديم استقالته، كما يجب على محاكم الاستئناف بأن تبرز نوع الضغوط غير المشروعة المؤثرة على إرادة الأجير، وقت تقديم استقالته، وإلا تعرض حكمها للنقض من قبل محكمة النقض وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض المغربية إلى تطبيق مقتضيات الفصل 47[[7]]url:#_ftn7 وما يليه من ق.ل.ع بحيث جاء في قرار صادر عنه ما يلي:
“… وحيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة، ذلك أن القرار المطعون فيه اعتبر أن استقالة المطلوب في النقض لم تكن اختيارية ونابعة عن إرادة إنهاء علاقة الشغل، وإنما كانت اضطرارية بعلة أن الشركة الطاعنة اتخذت قرار نقل أجرائها من مدينة الدار البيضاء إلى طانطان بكيفية مفاجئة ومباغتة، وأن الاستقالة قدمت بعد أن منعت الشركة الأجراء من استرداد حوائجهم التي بقيت بمكاتبها، واعتبرتهم في حالة عدم الالتحاق بمدينة طانطان مغادرين للعمل، مع أن مجرد تهديد المشغل للأجير بأنه سيعتبر مغادرا للعمل في حالة عدم الالتحاق بالمقر الجديد لا يؤثر في حقوق الأجراء التي يضمنها القانون إذا ثبت أن الفسخ الذي وقع من أجل هذا السبب كان تعسفيا، وبالتالي فمثل هذا التهديد لا يكفي لاعتباره ضغطا غير مشروع أجبر الأجير على الاستقالة، مما يجعل تعليل القرار المطعون فيه فاسدا وناقصا بعدم بيان العيوب والضغوط غير المشروعة المؤثرة، وبذلك يكون القرار المطعون فيه بمثابة المنعدم التعليل، المبرر للنقض”.[[8]]url:#_ftn8

واضح إذن من خلال هذه القرارات، أن محكمة النقض تمسكت بشكل متواتر بالقواعد العامة المضمنة في ق.ل.ع بخصوص الإكراه، وذلك عندما تكون استقالة الأجير واقعة تحت هذا العيب من عيوب التراضي.

المطلب الثاني: قاعدة وجوب عدم التعسف في الاستقالة

إذا كانت الاستقالة حسب جانب من الفقه، هي تصرف قانوني يصدر عن الأجير بمقتضاه يعبر عن إرادته إما صراحة أو ضمنيا بوضع حد للرابطة العقدية التي تربطه برب العمل، فإن الأجير يكون متعسفا في إنهاء عقد الشغل بإرادته المنفردة، إذا لم يقصد من وراء ذلك إلا الإضرار بالمشغل خاصة عندما يختار توقيتا غير ملائم[[9]]url:#_ftn9 لتقديمها، وهو ما نص عليه المشرع المغربي صراحة ضمن الفقرة الأولى من المادة 41 وقد نصت على أنه :
” يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر العقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر”.
ومن ثم، فإن المشغل الذي يتمسك بأن الاستقالة كانت تعسفية، ويطالب تبعا لذلك بالتعويض أو برجوع الأجير إلى عمله، أن يثبت التعسف المدعى به طبقا للقواعد العامة.
ويلاحظ من خلال مقتضيات المادة 42[[10]]url:#_ftn10 ، أن المشغل الذي يريد أن يستفيد من مقتضيات هذه المادة، أن يثبت ارتباطه بالأجير بعلاقة شغل لم تنته بعد، وأن المشغل الجديد المدعى عليه بدعوى المسؤولية التضامنية قد ارتكب أحد الخطأين المنصوص عليهما في البندين 1 و 2 من المادة أعلاه[[11]]url:#_ftn11 .
قد تزداد مسؤولية الأجير المستقيل ثقلا حسب المادة 42 من مدونة الشغل في حالة اشتغاله لدى مشغل منافس لمشغله السابق، خاصة إذا كان قد تعهد بموجب عقد الشغل السابق بعدم منافسة مشغله.

تجدر الإشارة في الأخير إلى أن تقديم الاستقالة لا يعفي الأجير المستقيل من احترام مهلة الإخطار وإلا تحمل بالتعويض عن الفصل الفجائي، ما لم يصدر عن المشغل خطأ جسيم أو تنازل صراحة أو ضمنا عنها[[12]]url:#_ftn12 ، وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى “… تقديم الأجير لاستقالته من العمل، وقبول المشغلة لاستقالته ، لا يمكن أن يحرمها من مهلة الإشعار المنصوص عليها بالقرار الوزيري الصادر في …
فالغاية من منح الأجير مشغلته مهلة الإخطار المنصوص عليها قانونا هو تمكينها من البحث عن أجير أخر يتولى منصب الأجير الفاسخ لعقد العمل حفاظا على حسن سير العمل بالمؤسسة.

فمحكمة الاستئناف عندما نصت:
” بأن المدعى عليها بقبولها الاستقالة تكون قد قبلت رضائيا طلب فسخ عقد العمل من طرف الأجير وبالتالي فلا داعي لطلب التعويض عن مهلة الإشعار”.
تكون قد ردت طلب التعويض عن مهلة الإشعار الذي طالبت به المشغلة بتعليل ناقص ينزل منزلة انعدامه، مما يعرض قرارها المطعون فيه للنقض…”[[13]]url:#_ftn13
مما سبق، يمكن القول بأن تقرير مبدأ المساواة أمام القانون في مجال عدم التعسف في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة، تجنب الأثار غير المحمودة، نتيجة هذا التصرف والتي يتضرر منها المشغل أيضا، لأنه قد يمني بخسارة من جراء استقالة أحد الأطر الكبرى، وذلك كأن يكون هذا الإطار هو المسؤول عن تسويق منتوج المقاولة في الأسواق الخارجية أو أن يكون هو الوكيل التجاري في منطقة اقتصادية هامة أو أنه المدير العام للشركة.[[14]]url:#_ftn14

المبحث الثاني : إثبات استقالة الأجير

لقد سبقت الإشارة إلى كون عبء إثبات المغادرة التلقائية يقع على عاتق المشغل[[15]]url:#_ftn15 ، لكن يلاحظ بأن المشرع من خلال المادة 34 اكتفى بإقرار حق الأجير في إنهاء عقد الشغل بإرادته المنفردة عن طريق الاستقالة المصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة مع ضرورة احترام مهلة الإشعار، ليضيف من خلال المادة 64 بأنه يتعين توجيه نسخة من رسالة الاستقالة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل دون تبيان الهدف من وراء هذا الإجراء، وجزاء مخالفة شروط صحته[[16]]url:#_ftn16 ، وتحديد من يقع عليه عبء الإثبات، الأمر الذي يسمح بإمكانية اللجوء إلى القواعد العامة للإثبات، خاصة عندما يتمسك المشغل كون الاستقالة كانت تعسفية من قبل الأجير ومن ثم، فإن عبء إثباتها يقع على عاتق المشغل[[17]]url:#_ftn17 ، وبالتالي يبقى محقا بالإضافة إلى التعويض عن الإخطار في واجب التعويض عن الضرر.[[18]]url:#_ftn18

تعتبر الاستقالة إجراء خطيرا، إذ بالإضافة إلى أنها تنهي عقد العمل غير محدد المدة من طرف العامل، فإن هذا الأخير يفقد العديد من الامتيازات التي يمنحها القانون الاجتماعي و نظرا لهذه الخطورة، فإن القضاء غالبا ما يستعمل بصدد الاستقالة سلاح الشك ويستعين بالقرائن لدحضهما، خاصة عندما يطعن فيها الأجراء بأنه طلب منهم التوقيع على وثيقة محررة غالبا ما تكون باللغة الفرنسية، وذلك مقابل منحهم ما هو مستحق لهم ثم يعلمون فيما بعد أن الوثيقة الموقعة من طرفهم هي استقالة فيطعنون فيها بالأمية[[19]]url:#_ftn19 طبقا لمقتضيات الفصل 427 من ق. ل .ع (المطلب الأول) وفي حالات أخرى قد يدعي الأجير أن توقيعه على الاستقالة لم يكن بمحض إرادته ، وإنما انتزع منه نتيجة وجود ضغط وإكراه أو تهديد من قبل مشغله [[20]]url:#_ftn20 (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إثبات الدفع بالأمية:

يستفاد من مقتضيات الفصل 427 من ق. ل .ع [[21]]url:#_ftn21 أن المشرع لم يتطرق إلى معنى الأمية واكتفى بذكر عبارة ” الأمي” مما أثار جدلا على مستوى الفقه والقضاء المغربيين حول مفهوم الأمية، لكن استقرت محكمة النقض على أن الأمي هو الذي لا يعرف اللغة التي حرر بها العقد.[[22]]url:#_ftn22
استنادا إلى ما جاء في الفصل أعلاه، و موقف محكمة النقض المغربية حول تحديد مفهوم ” الأمي”، فإن هذا الأخير قد حسم في تفعيل مقتضيات الفصل المذكور عندما اعتبر في قرار صادر عنه والذي جاء فيه:

“وحيث إنه بمقتضى الفصل 427 من ق.ل.ع المحتج بخرقه ، فإن كل التزام من طرف الأميين لا يعتبر إلا إذا تلقاه موثقون أو موظفون عموميون مأذون لهم في ذلك ، والاستقالة التزام من الأجير بفسخ عقد العمل الذي يربطه بمشغله، وادعاء الأمية بجهل اللغة التي كتبت بها الاستقالة يلزم قضاء الموضوع بالتقيد بمقتضيات هذا الفصل وأنه حين بت على النحو المذكور قد خرق مقتضياته مما يعرضه للنقض،ومن غير حاجة لبحث باقي الوسائل”.[[23]]url:#_ftn23
إذا كان المشغل بحكم مركزه القانوني والاقتصادي قد يفرض على الأجير ضرورة التصديق على توقيعه لدى السلطات المختصة وهو ما أكدته مقتضيات المادة 34 في فقرتها الثانية، فإن المجلس الأعلى اعتبر التصديق على التوقيع ليس دليلا على معرفة مضمون الاستقالة بحيث جاء في قرارا له بهذا الخصوص:
” وحيث إن طالب النقض أكد أمام محكمة الاستئناف أنه أمي، يجهل اللغة الفرنسية التي حررت بها ورقة الاستقالة من طرف المطلوبة في النقض، والتي قدمت له لتوقيعها وهو ما يجهل محتواها، وأنه لم يسبق له أن قدم استقالته إلا أن محكمة الاستئناف من غير البحث في الأمية اعتبرت ذهاب الطاعن للمصالح المختصة للتعريف بإمضائه دليل على معرفته بمحتوى الوثيقة، مع أن ذلك لا يضفي عليها أثرها القانوني، مادامت مقتضيات الفصل 427 من ق.ل.ع لم تطبق، مما جعل القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس قانوني، خارقا لمقتضيات الفصل 427 من ق.ل.ع ومعرضا للنقض”.[[24]]

هكذا، يستفاد من خلال القرارات السابقة، أنه إذا ادعى الأجير الأمية فعليه الإثبات خاصة وأن توقيعه على مضمون الوثيقة وجهله بمحتواها يعتبر تقصيرا من طرفه، لكن على الرغم من هذا، فإنه إذا ادعى المشغل خلاف ما ادعاه الأجير فعليه الإثبات ما دام الأجير يشفع له الأصل وهو الأمية، ومن ثم يصبح المشغل بناء على ذلك هو الملزم بإثبات أن الأجير له دراية بمضمون الوثيقة التي وقعها و التصديق عليها، وبهذا يكون المجلس الأعلى على ضوء هذه القرارات بسط حمايته على الأجير خاصة بالنسبة لأجراء القطاع الفلاحي، بناء على ذلك، يمكن القول بأن هذا التوجه الذي سلكه المجلس المذكور كان يهدف إلى حماية الأجير بالدرجة الأولى باعتباره طرفا ضعيفا في عقد الشغل.

المطلب الثاني: إثبات الاستقالة الاضطرارية

في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم اليوم والتي يكاد أن يكون فيها الانفراج الاقتصادي حلما ، فإنه يصعب جدا إيجاد عاملا أو مستخدما ، وربما حتى إطارا يقدم على الاستقالة من شغله، ما لم يكن لديه سبيلا للعيش ومن ثم، يمكن التساؤل عما إذا كان الأجير مستقيلا فعلا أم هو مطرود؟
فلا أحد يستطيع أن يعلم بحقيقة الأمر سوى طرفي العلاقة الشغلية[[25]]url:#_ftn25 وبالتالي فإنه على القضاء التحقق ما إذا كانت الاستقالة صادرة عن الأجير بشكل اضطراري لحمايته من أي ضغط أو إكراه[[26]]url:#_ftn26 يدفعان به إلى التخلي عن عمله مما يكون معه الطرد التعسفي من العمل مختفيا في صورة استقالة.

وعلى مستوى الإثبات، فإن التسليم كون أن الاستقالة لم تكن نتيجة إرادة حرة من طرف الأجير وبالتالي تمت في ظروف ساهم المشغل في خلقها وأن لولا هذه الظروف المتمثلة في التهديد بالطرد أو قرائن تفيد ذلك، لما أقدم الأجير على الاستقالة ويبقى الأجير هو الملزم بإثبات هذه الظروف طبقا للقواعد العامة وهو ما أكده القضاء المغربي من خلال قرار حديث صادر عن المجلس الأعلى بحيث جاء فيه ما يلي:
” لكن أن المحكمة لما ثبت لديها من خلال وثائق الملف، أن الأجيرة قدمت استقالتها من الشغل ولم تثبت ما ادعته من ضغط وإكراه ….”[[28]]url:#_ftn28
ومن تم، فإنه متى تبث أن تقديم الاستقالة من قبل الأجير جاء نتيجة إكراه وتهديد، فإنها تكون عديمة الأثر وتشكل بذلك طرد تعسفيا[[29]]url:#_ftn29 .
لقد حاول القضاء المغربي على رأسه محكمة النقض ، غير ما مرة تحديد التصرفات أو الوقائع المعتبرة إكراها، واستبعد بالمقابل مجموعة من الوقائع التي لا ترقى إلى درجة الإكراه على تقديم الاستقالة ، حيث جاء في قرار له ما يلي:

” ولما كان الإكراه يقتضي وقائع من شأنها أن تحدث ألما جسمانيا أو اضطرابا نفسيا، أو خوفا من التعرض لخطر كبير، وأن تكون السبب الدافع قي تقديم الاستقالة فإن محكمة الاستئناف عندما نصت بأن المستأنف عليه تعرض لإكراه معنوي حمله على مغادرة الشركة المستأنفة، خوفا من تعرضه لمكروه عند استمراره في العمل لديها.
دون أن تبرز نوع الضغوط غير المشروعة المؤثرة في إرادة الأجير وقت تقديمه للاستقالة.
يكون قرارها المطعون فيه الصادر على النحو المذكور، قد رد الدفع بتقديم الأجير (المطلوب في النقض) لاستقالته من العمل، بتعليل ناقص ينزل منزلة انعدامه ، مما يعرضه للنقض”.[[30]]url:#_ftn30

يلاحظ مما سبق، أن موقف القضاء المغربي هو السائد في القضاء المصري بحيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالقاهرة ما يلي:
” حيث إنه يستفاد من أقوال شاهدة صاحب العمل أنه حجز أجر العامل فعلا وسلمه لوالدته وأنه دأب على ذلك، ومن تم تكون مثل هذه المعاملة التي تنطوي على حرمان العامل من أجره سبيلا مقبولا لاستقالته من العمل ومطالبته بالتعويض…”[[31]]url:#_ftn31
والظاهر أن المشرع المصري وتطبيقا للقرار أعلاه وخلافا المشرع المغربي قد تطرق إلى أحقية العامل في الرجوع على الاستقالة خلال مدة أسبوع من يوم تقديمها شريطة أن تكون مكتوبة.[[32]]url:#_ftn32

مما سبق، يتبين أن إثبات الإكراه على الاستقالة يقتضي من الأجير إثبات أنه تعرض للضغط والإكراه طبقا للقواعد العامة وعلى من يدعي خلاف ذلك، أي المشغل، إثبات أن الأجير استقال بمحض إرادته دون إكراه أو ضغط بموجب حجة قانونية لها قوة ثبوتية.

 

(محاماه نت)

إغلاق