دراسات قانونيةسلايد 1
الجناية واحكامها فى القانون (دراسة قانونية)
الجنايات
الجناية لغة مصدر جني يجني، إذا أذنب وجني على نفسه: أساء إليها، وجني على قومه.
الجناية في الإصطلاح فهي التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً.
حكم الجناية شرعاً ودليله
الجناية على البدن حرام شرعاً ومنهي عنها فلا يجوز التعدي على الأبدان ولا توجيه الأذي إليها وقد انعقد إجماع المسلمين على تحريم القتل بغير حق ولم يخالف بذلك أحد.
الدليل: من الكتاب قوله تعالى: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا”
من السنة ما رواة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحل دم أمرى مسلم يشهد أن لا آله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة”
هذا ولا خلاف بين الأمة في تحريم القتل بغير حق وأنه من اكبر الكبائر بعد الشرك.
أقسام الجناية:
قلنا فيما سبق: إن الجناية شرعاً هي التعدي على البدن وهذا التعدي:
· أما أن يكون بإزهاق الروح وهو القتل.
· وأما أن يكون واقعا على عضو من الأعضاء، دون إزهاق روح: كقطع يد أو قلع عين أو قطع أذن أو أنف، أو ما شابه ذلك.
ولكل قسم من هذين القسمين أحكام تتعلق به سنبينها إن شاء الله تعالى.
الجناية على النفس:
ويقصد بالجناية على النفس هنا القتل وإزهاق الروح
أنواع القتل: عمد- شبه عمد- قتل خطأ
1- القتل العمد:
هو أن يقصد قتل شخص بما يقتل غالباً.
صور من القتل العمد:
أ- ضربة بحد سيف فمات من ذلك الضرب، أو أطلق عليه رصاصاً، فأصابه فمات منه.
ب- غرز إبرة في مقتل: كدماغ، وعين، وخاصرة، ومثانة وما أشبه ذلك، مما يقول عنه أهل الاختصاص أنه مقتل، فإذا مات بسبب شيء من ذلك كان قتله عمداً.
ج- ضربه بمثقل كبير يقتل مثله غالباً سواء كان من حديد، كمطرقة، وشبهها، أم كان من غير الحديد، كالحجر الكبير، والخشبة الكبيرة ويدل لهذا كله ما رواة أنس رضي الله عنه أن جارية وجد رأسها قد رُضّ بين حجرين فسألوها: من صنع بك هذا؟ فلان فلان حتى ذكروا يهودياً، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضّ رأسه بين حجرين وفي رواية: فجئ بها وبها رمق
أخرجه البخاري
د- حرقه بالنار، أو صلبه أو هدم عليه حائطاً، أو سقفاً أو وطأة بدابة أو سيارة أو دفنه حياً أو عصر خصيتيه عصراً شديداً فمات وكذلك أمثال هذه الحالات فإن قتله بها يكون عمداً.
هـ- خنقه: بان وضع يده على فمه أو وضع مخدة على فمه حتى مات من انقطاع النفس فإن خلاّه قبل أن يموت، فإن انتهى إلى حركة المذبوح أو ضعف وبقى متألماً حتى مات فذلك كله من قبيل القتل العمد.
و- أوجره سماً قاتلاً أو حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات أو سحره وكان السحر مما يقتل غالباً فهذا من القتل العمد.
ز- ضربه بعصا صغيرة أو رماه بحجر صغيرة إلا أنه والى بين الضرب أو الرمي حتى مات أو اشتد به الألم وبقى متألماً حتى مات فهذا أيضاً قتل عمد.
ح- شهد رجلان عند القاضي على شخص بأنه قتل عمداً فقتل ثم رجعا عن الشهادة وقالا تعمدنا الكذب لزمهما القصاص لأنهما تسببا بإهلاكه فكان ذلك بمنزله القتل العمد منهما.
وهناك صور أخرى لقتل العمد مذكورة في كتب الفقه المطولة.
2- القتل شبه العمد:
هو ان يستعمل في القتل أداة لا تقتل غالباً قاصداً بها الشخص عدواناً من غير حق إلا أن الشخص قد مات بذلك الفعل.
وللقتل شبه العمد صور كثيرة نذكر منها:
أ- ضربه بعصا صغيرة ضرباًُ خفيفاً، فأصاب منه مقتلاً فمات من ذلك الضرب.
ب- ألقاه في ماء مغرق إلا أن ذلك الشخص يحسن السباحة ولكنه فاجأة ريح شديد أو موج فغرق ومات أما إذا كان لا يحسن السباحة فإنه عندئذ يكون قتل عمد.
ج- أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء قد يزيد وقد لا يزيد فزاد الماء ومات الشخص أما إذا كانت الزيادة متيقنة فحصلت ومات كان ذلك قتل عمد.
وهناك صور كثيرة نجدها في كتب الفقه المطولة.
3- القتل الخطأ
وحقيقته: أن يقع من الشخص من غير أن يقصده ولا يريده وذلك: كمن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله أو رمى صيداً فأصاب إنساناً أو رمى شخصاً فأصاب غيره وغيرها كثير.
كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي ص371إلى ص377
كيفية القصاص
الأصل في القصاص أن تتحقق فيه المساواة التامة للعمل العدواني في كلِّ من الشكل والمضمون أما المساواة في المضمون فواجب أساس لابد منه حتى إذا لم يمكن تحققها سقط القصاص فقطع العضو قصاصه قطع عضو مثله من المكان الذي قطع فإذا لم يتيسر تحقيق هذه المساواة سقط القصاص اللهم إلا إذا كسر عضده وأبانه قطع من المرفق لأنه أقرب مفصل إلى الجناية وله حكومة الباقي وهكذا له القطع من كل مفصل هو اقرب إلى موضع الكسر وحكومة في الباقي.
وأما المساواة بينهما في الشكل فحق ثابت لولى المقتول يطالب بتحقيقها إذا شاء وهي أن يقتص من القاتل بنفس الأداة وبنفس الطريقة اللتين مارس المعتدي بهما عدوانه على المقتول فإن قتل بسيف فالمساواة الشكلية هي أن يقتص منه بالسيف، أو قتله برصاص أو بحرق أو بخنق فمن حق ولى المقتول أن يطالب بقتل الجاني بنفس الطريقة التي مارسها وعلى الحاكم أن يستجيب لطلبه.
هذا إذا كانت الوسيلة إلى القتل مما يجوز استعماله أما إذا كانت لا يجوز استعمالها كأن قتله بسحر أو بأي عمل محرم فعند ذلك لا يكون القصاص إلا بالسيف.
كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي صـ399
الجناية جمعها جنايات والجناية في اللغة: هي الذنب أو المعصية أو الجريمة
الجناية اصطلاحاً: هي كل فعل محرم شرعاً سواء وقع الفعل على النفس أو المال أو غيرهما وعرف الماوردي الجنايات أو الجرائم بقوله: محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزيز.
ما يشترط في الجناية يشترط في الجناية التي هي فعل الجاني الموجب للقصاص في رأي المالكية: وجود العمد العدوان سواء قصد الجاني قتل المجني عليه، أو تعمد الفعل بقصد العدوان المجرد عن نية القتل فهو قاتل عمداً، إذا لم يرتكب الفعل على وجه اللعب أو التأديب فيكون حينئذ خطأ وبه يتبين أن القتل له ثلاثة أوجه:
1- ألا يقصد ضربه كرميه شيئاً أو حربياً، فيصيب مسلماً فهذا خطأ بالإجماع وفيه الدعية والكفارة .
2- أن يقصد الضرب على وجه اللعب فهو خطأ أو يقصد به الأدب الجائز بأن كان بآله يؤدب بها فهو أيضاًَ خطأ.
فإن كان الضرب للتأديب والغضب: فالمشهور أنه عمد يقتص منه، إلا في الأدب ونحوه فلا قصاص بل فيه ديه مغلظة.
3- ان يقصد القتل على وجه الغيلة: فيتحتم القتل ولا عفو كما تقدم.
ويشمل القتل الموجب للقصاص عند المالكية ما يأتي:
أ- التسميم وهو وضع السم في الطعام أو الشراب يجب به القصاص إن مات متناولة وكان مقدمة عالماً بأنه مسموم وإلا فلا شيء عليه لانه معذور كما لا شيء على مقدمه أن علم المتناول بسميته لأنه يكون حينئذ قاتلاً لنفسه.
ب- الخنق: الخنق عمد سواء قصد به الجاني موت المجني عليه فمات أو قصد مجرد التعذيب مادام هناك عدوان فإن كان على وجه اللعب أو التأديب فهو من القتل الخطأ.
ج- منع الطعام أو الشراب: القتل بهذه الطريقة كالخنق يعد قتلاً عمداً، إذا كان المانع قاصداً بالمنع الموت أو العدوان فمات أو قصد به التعذيب كما ذكر الدسوقي لأن قصد القتل ليس شرطاً في القصاص عند المالكية فيقتص ممن منع الطعام والشراب ولو قصد بذلك التعذيب.
د- القتل بالمحدد والمثقل: المحدد ماله حد جارح أو طاعن يؤدي إلى تفريق أجزاء الجسم كالسلاح والحديد والنحاس والرصاص والإبرة في مقتل والنار والزجاج والرماح ونحو ذلك والمثقل ما يقتل بثقله كالحجر والخشبة العظمية والقتل بأحد هذين النوعين موجب للقصاص عند الجمهور وقال الحنفية: القتل بالمثقل لا يوجب القصاص لأنه قتل شبه عمد يوجب الدية المغلظة لقوله صلى الله عليه وسلم:” ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها” أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عن عبد الله بن عمرو .
أما المالكية من الجمهور فقالوا: القتل بالمثقل يوجب القصاص لأن أداة القتل العمد عندهم: هي كل آله يقتل بها غالباً كالمحدد مثل السلاح والمثقل مثل الحجر أما ما لا يقتل بها غالباً كالعصا والسوط ونحوهما سواء قصد الجاني بالضرب قتل المجني عليه أو لم يقصد قتلاً وإنما قصد مجرد الضرب أو قصد قتل شخص معتقد أنه زيد فإذا هو عمرو إن حصل الضرب لعداوة أو غضب لغير تأديب ففي كل ذلك القود (أي القصاص).
هـ- اجتماع المباشر والمتسبب إذا اجتمع المباشر والممسك في القتل فالقصاص عليهما معاً فيشارك القاتل والممسك في الضمان أو القصاص لتسبب الممسك ومباشرة القاتل ومثله الدال الذي لولا دلالته ما قتل المدلول عليه قياساً على الممسك ومثله أيضاً الحافر والمردي يقتص من الاثنين معاً وأما لو اشترك في القتل عامد ومخطئ أو بالغ وصبي فيقتل العامد.
و- الإلقاء في مهلكة لو ألقى شخص غيره في مكان خطر كزبية(حفرة) أسد أو نمر أو أمام كلب فنهشه أو رمي عليه حيه أو عقرباً فلدغته أو جمع بينه وبين حيه في مكان ضيق فهو قتل عمد فيه القود سواء أكان فعل الحيوان بالإنسان مما يقتل غالباً كالنهش أم مما لا يقتل غالباً ومات الآدمي من الخوف ولا يقبل الادعاء بأنه قصد بفعله اللعب.
ز- التغريق والتحريق: التغريق والتحريق قتل عمد موجب للقصاص إذا كان التغريق عدواناً أو لعباً لغير محسن العوم أو عداوة لمحسن العوم وكان الغالب عدم النجاة لشدة برد أو طول مسافة فغرق فإن كان التغريق لمحسن العوم لعباً فعليه دية مخففة لا مغلظة.
ح- القتل بالتخويف إذا حدث القتل بالتخويف والإرهاب كصيحة شديدة يكون قتلاً عمداً موجباً القصاص إن كان على وجه العداوة أما إن كان على وجه اللعب أو التأديب فعليه الدية.
فمن شهر سيفاً أو رمحاً ونحو ذلك في وجه إنسان أو دلاه من مكان شاهق فمات من الرعب أو ذهب عقله وجب عليه القصاص إن كان بينهما عداوة ولو صاح إنسان بصبي أو مجنون أو معتوه صيحة شديدة وهو على سطح أو حائط(جدار) ونحوهما فوقع فمات أو ذهب عقله وجب القصاص منه إن فعل ذلك عداوة.
ط- الإتلاف بالتسبب: يقتص من الفاعل المتسبب إن قصد الضرر فيما إذا حفر بئراً ولو في بيته فوقع فيها إنسان ومات أو وضع شيئاًَ مزلقا في طريقة لشخص مقصود كقشر بطيخ أو ماء مختلط بنحوطين فوقع المقصود ومات أو ربط دابه بطريق لشخص مقصود وكان شانها الإيذاء برفس أو نطح أو عض ومات المقصود أو اتخذ كلباً عقوراً وتقَّدم الناس في رأي الحنفية خلافاً للجمهور لصاحبه لمنعه بإنذار عند حاكم أو غيره كإشهاد الجيران فلم يمنعه وآذى الكلب إنساناً بالعض فمات.
ك- الوعد بالإبراء عن القتل: يقتص من القاتل ولا يسقط القود منه إن لم يعف ولى الدم عنه إن قال معصوم الدم لإنسان: “إن قتلتني أبرأتك” فقتله وكذا لو قال له بعد أن جرحه ولم ينفذ مقتله “أبرأتك من دمى” لأنه أسقط حقاً قبل وجوبه بخلاف ما لو أبرأه بعد انفاذ مقتله أو قال له: أن مت فقد أبرأتك فيبرأ والإذن بالقتل لا يمنع وجوب لقصاص وإنما يلزم القود.
ل- القتل بالإشتراك في بعض الاحوال والتمالؤ.
يقتل المتسبب مع المباشر كحافر بئر لشخص معين فردَّاه فيها ومكره مع مكرَه لتسبب الأول ومباشرة الثاني ويقتل أب او معلم لتعليم القرآن أو الصَنعة أمر كل منهما صبياً بقتل إنسان فقتله ولا يقتل الصغير لعدم تكليفه ولكن على عاقلة الولد الصغير نصف الدية وإن كان المأمور كبيراً قتل وحده إن لم يكن مُكرَهاً فإن كان مُكرَهاً قتلاً معاً وبقتل سيِّد أمر عبده بقتل حر فقتله وبقتل العبد أيضاً إن كان كبيراً لأنه مكلف ويقتل شريك صبي دون الصبي إن تمالآ معاً على قتل شخص وعلى عاقلة الصبي نصف الدية لان عمده كخطئة فإن لم يتمالأ على قتله وتعمدا القتل أو تعمده الكبير فقط فعلية أي الكبير نصف الدية في ماله وعلى عاقلة الصغير نصفها فإن كان القتل خطأ من الاثنين أو من الكبير فعلى عاقلة كل منهما نصف الدية.
والتمالؤ: التعاقد والاتفاق وهو قصد الجميع قتل شخص وضربه وحضورهم وإن لم يباشره إلا أحدهم لكن مع استعداد أي واحد لمباشرة القتل فإذا لم يباشرة هذا لم يتركه الأخر فلو تمالأ اثنان فأكثر على قتل شخص واحد أو تعمدوا الضرب له وضربوه ولم تتميز الضربات أو تميزت وتساوت قتل الجميع وإلا بأن تميزت الضربات وكان بعضهم أقوى بأن كان شأنه إزهاق الروح قدم الأقوى ضرباً في القتل دون غيره إن علم فإن لم يعلم قتل الجميع والحاصل أن التمالؤ موجب لقتل الجميع وإن وقع الضرب من البعض أو كان الضرب حتى مات بنحو سوط أو يد أو قضيب وأما تعمد الضرب بلا تمالؤ فإنما يوجب قتل الجميع إذا لم تتميز الضربات أو تميزت وتساوت أو لم تتساو ولم يعلم صاحب الضرب الأقوى والأقدم وهذا إن مات المجني عليه أو صار منفوذ المقاتل ولا يقتل شريك المخطئ وشريك المجنون بل عليه نصف الدية في ماله إن تعمد القتل وعلى عاقلة المخطئ أو المجنون نصف الدية الأخر فإن لم يتعمد الشريك القتل فيكون نصف الدية على عاقلته وهناك قولان في القصاص من الشريك في مسائل أربع وهي ما يلي:
· شريك سبع أنشب أظفاره في الشخص بالفعل ثم جاء إنسان فأجهز عليه نظراً لتعمده قتله.
· وشريك جارح نفسه جرحاً يكون عند الموت غالباً ثم ضربه مكلف قاصداً قتله نظراً لقصده.
· وشريك حربي لم يتمالأ معه على قتل شخص فإن تمالأ معه اقتص من الشريك قطعاً.
· وشريك المرض بعد الجرح: بأن جرحه شخص ثم حصل للمجروح مرض ينشأ عنه الموت غالباً ثم مات ولم يدر أمات من الجرح أو من المرض.
هذه المسائل الأربع فيها قول بالقصاص وقول بعدم القصاص ولكن على الشريك نصف الدية في ماله ويضرب مائة ويحبس عاماً ويكون القول بالقصاص في المسائل الأربع بالقسامة والقول بنصف الدية بلا قسامة والراجح في شريك المرض القصاص في العمد.
الفقه المالكي الميسر د/وهبه الزحيلي صـ490-512ـ
والوسائل المستخدمة في القتل متعددة منها:
-الأسلحة النارية- الأسلحة البيضاء- السم- الخنق باستعمال الأيدي أو انشوطة أو حبل- الحرق- الضرب بآله أو بعصا وفي الحقيقة لا نستطيع أن نحصر طرق ارتكاب جريمة القتل فكل جريمة لها أسبابها ودوافعها وطريقة وقوعها.
كتاب أساليب ارتكاب الجرائم –أحمد أبو الروس صـ148
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح من الأزهار فقه الأئمة الأطهار
كتاب الجنايات
في بيان من يقتص منه ومن لا ….. وما يقتص فيه من الجنايات.
أما ما يقتص منه فاعلم أنه إنما يجب القصاص بشرطين:
الأول:
أن يكون في جناية مكلف فلا قصاص فيما جناه الصبي أو المجنون والمغمى عليه والنائم وأما السكران فيقتص منه ولا يعتبر أن يكون المقتص منه مكلفاً حال القصاص كحال الجناية بل يقتص منه ولو كان حال القصاص زائل العقل وأما الأخرس فيقتص منه إذا ثبتت الجناية بالشهادة أو بإشهارته المفهمه.
الثاني:
أن تكون الجناية من عامد فلا قصاص في الخطأ ويشترط أن يكون العامد متعمداً فلا قصاص في جناية غير متعمد.
ما يجب فيه القصاص من الجنايات :-
أن تكون الجناية على نفس فالنفس واضح فيمن قتل نفساً اقتص منه بها أو تكون الجناية على ذي مفصله كاليد والرجل والبنانة والأصبع والكف والمرفق ولا يجب القصاص إلا بعد البرء فيجب التأخير حتى يبرأ المجني عليه لجواز أن يموت فأما لو كانت الجناية على مفصل من غير مفصلة فلا قصاص أو كانت الجناية ( موضحة) وهي التي توضح العظم ولم تهشم سواء كانت في الرأس أم في سائر الجسد ولا عبرة بغلظ اللحم ودقته لإختلاف الجاني والمجني عليه سمناً ونحافة ولا بد أن تكون قد قدرت طولا وعرضاً فإذا علم قدرها طولا وعرضا لزم القصاص فيها بالقطع لا بالضرب.
(فرع) ولا عبرة بما زاد على الايضاح نحو أن يسلت جلده رأسه جميعاً وأوضح في بعضه بفعل واحد فلا يقتص منه الا بقدر الموضحة فقط لا أنه يسلت رأسه والأرش أرش موضحه فقط وكذا إذا شح غيره موضحه ثم جر السكين حتى طالت الشجه فليس فيها إلا أرش واحد ذكره في الكافي.
(فرع) قال في المقصد الحسن : من أوضح راساً كبيراً والموضحة قدر ربعه أو ثلثه وراسه أصغر اقتص منه بذلك القدر ولا توفيه في الزائد أو لم تكن الجناية على ذي مفصل ولا موضحه ولكنها على شئ معلوم القدر بحيث يؤمن الزيادة من المقتص عند القصاص احترازاً من الآمة والناقلة الهاشمة والدامية ونحو ذلك مما لا يمكن الوقوف على قدرة ويعتبر أن يكون من ذلك القدر مأمون التعدي في الغالب من الأحوال من محلة إلى النفس أو إلى دونها بالمباشرة أو بالسراية وقد مثل الإمام عليه السلام لذلك مثالا فقال ( كالأنف) إذا جدعت من مارنها فهو معلوم القدر (مأمون التعدي في الغالب) فيجب القصاص حينئذ وكذلك يؤخذ المنخر بالمنخر والروثه بالروثه والوتيرة بالوتيرة .
(فرع) ومن جدع مارن غيره مع عظم القصبة فإن كان بفعلين اقتص بالمارن وأخذ ارش القصبة وإن كان بفعل واحد امتنع القصاص ووجبت الدية ويدخل ارش القصبة في الدية ومن قطع بعض مارن غيره قدر وقطع بقدره من نصف أو ثلث أو ربع أو نحوهما بالمساحة للأنف المقطوع منه والمقتص به مع النسبة حتى يظهر قدره من ربع أو نحوه لا المساحة المجردة عن النسبة فلا يقدر بها لأنه يؤدي ان يقطع الأنف الصغير ببعض الكبير وكذا النسبة في الموضحة إذا كانت في الرأس .
(فرع) إذا أذهبت امرأة بكارة أمرأة فلا قصاص في ذلك لأنه فقو يلزم الجانية العقر.
وكذلك تؤخذ الأذن بالإذن الانف بالانف وإن اختلفتا صغرا وكبرا وصحة وصمما وخشماً المثقوبة بالصحيحة والعكس سواء كان الثقب ينقص الجمال أم لا كثقب القرط في الاذن وثقب الزمام في الانف ولو ذهبت حاسة السمع أو الشم بالقطع لان له أن يستوفي حقه فإن أخذ بعضها أخذ مثله مقدراً كما مر في الانف.
(مسئلة) ويؤ السن بالسن للآية ولاقصاص في كسر السن ولا قصاص في سن صبي لم يثغر أي لم تسقط اسنانه الأولى اذ لا قصاص فيما يعود كالشعر فإن لم يعد في مدة عود مثله لزم ويرجع في المدة إلى اقوال أهل الخبرة.
( قيل) ذكر هذا الفقيه حسن والامام يحيى وهو أنه يقتص اللسان باللسان والذكر بالذكر إذا قطعا من الأصل والمختار أنه لا قصاص فيهما أما اللسان فلا نتشاره تارة وانقباضه أخرى فيتعذر معرفة القدر ولا يمكن الا بقطع غيره وأما الذكر من اصله أو من الحشفة فلا قصاص سواء أمن السراية بالقطع إلى النفس أم لا.
ولا يجب القصاص بل لا يجوز فيما عدا ذلك الذي مر وهي النفس والموضحة ومعلوم القدر ومأمون التعدي ويدخل فيه المفصل (الا اللطمة) وهي الضربة بالكف مفتوحة والضربة بالسوط ونحوه كالعصا والدره واللكمة وهي الضربة بالكف مجموعة الاصابع واللكزه بها أو بالمرفق ونحو ذلك فإنه يجب القصاص سواء كانت في الوجه أم سائر الجسد عند الامام الهادي ويحيى بن الحسين عليه السلام ورجحة في الاثمار لعموم قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم ).
وبه قضى عمر وغيره والمختار للمذهب أنه لا قصاص في ذلك إذ لا يمكن الوقوف على قدتها وهو شرط في القصاص وإنما يثبت في ذلك حكومه.
ويجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه كأن يجني على غيره في غير مفصل كالساعد ثم سرت الجناية إلى ذي مفصل كالمرفق فأتلفته أو سرت إلى الكف وجب القصاص ويسقط بالعكس أي إذا جنى على ذي مفصل كالكف وأبانه فسرت الجناية بعد الابانة الى ما لا قصاص فيه في موضع الجناية وهو نصف الساعد فإنه إذا تراخى عن القصاص حتى أتلف العظم فلا قصاص لان السراية وما قبلها في حكم الجناية الواحدة وان اقتص قبل السراية ثم سرت فلا شئ بالسراية ايضا لئلا يلزمه غرمان في ما له وبدنه وإن اتلفت السراية اللحم فقط فإن كانت قبل القصاص وهو قطع الكف وجب القصاص فيه .
—————
1- مارن الانف : هو اللين الذي إذا اعطفته ثني بلحم ولا عظم بل بين ذلك وهو الغضروف.
2- منخر الانف: هما الخرقان اللذان يخرج منهما التنفس متصلان بطرف الغضروف.
3- الروثة طرف الارنبة والارنبة طرف الانف.
4- الوترة والوتيرة : الحاجز بين المنخرين.
وفي الساعد إذا السراية مفضية إلى ما فيه قصاص وإن كانت بعد القصاص فلا قصاص بالسراية في الساعد فإن كانت السراية قبل القصاص إلى غير موضع الجناية كأن يقطع يده فعورة عينه بالسراية وجب القصاص وأرش السراية.
(فصل) في ذكر صور من الجنايات:
في ذكر صور من الجنايات لا يجب الضمان في بعضها ويجب في بعض وذكر اعتبار حال المجني عليه :
قال الإمام عليه السلام ( ولا شئ) من القود والدية في راقي نخلة) أو نحوها كالجدار أو الدار ومات بالرؤية للمالك مثاله أن يرقى رجل نخله تعدياً منه ليسرق أو نحوه فأشرف عليه مالكها ففزع فسقط فهلك لم يضمنه المالك إذ لا فعل منه يوجب الضمان ولا شئ ايضا على مستأجر لحفر معدن أو بئر أو هدم بيت فانهدم عليه فلا شئ من الضمان على المسـتأجر له وكذا لا شئ على المعشوق إذا مات عاشقه لهجره ولا شئ على عائن رأى غيره بإعجاب فتلف لأجل رؤيته وعلى ساحر جنى على غيره بسحره .
(غالبا) يحترز من صورة أن يلبس المالك لباساً منكراً مفزعاً ولو معتادا لغيره كلبس الجندي أو الشرطي لقصد افزاعه بصورته وكان ينزجر بدون ذلك ثم يشرف عليه فيتردى من النخلة أو الجدار أو نحوهما لسبب الفزع من تلك الصورة فيهلك فإن المالك لا يقاد به ولكن يضمن الدية لتعديه بالقصد لافزاعه وتجب الدية على عاقلته ولو قصد هلاكه لانه سبب بخلاف الصحية كما سيأتي فهي قاتلة بنفسها فأما لو لم ينزجر إلا بتلك الصورة فلا ضمان.
وكذا يجب الضمان على غير المالك كسارق آخر نكر هيئته وأشرف على السارق فهلك بسببه فإنه يضمن الدية وتكون على العاقلة وسواء قصد اهلاكه بتلك الصورة أم لا لانه تعدى في سبب والسبب هو الدخول إلى ملك الغير بغير إذنه بخلاف المالك فلا يضمن إلا مع القصد أو مات راقى النخلة ونحوها بالزجر من المالك أو من الحافظ فلا شئ في موته بالزجر له إن لم ينزجر ذلك الراقي بدونه أي بدون ذلك الزجر (والحاصل) ولو صاح المالك على ذلك اللص فإن سقط وهلك لا من الصيحة فلا ضمان وإن كان منها فإن لم ينزجر بدونها فلا ضمان وإن كان ينزجر بدونها فإن كانت تلك الصيحة لا يقتل مثلها في العادة فإن لم يقصد إلى قتله فعليه الدية وإن قصد إلى قتله أو كان مثلها بقتل في العادة لزمه القود لأن الصوت كالآلي (1) لحالات الواقعة في الصماخ (2) فيصدع لأجلها القلب فيهلك السامع فإن اختلفا فالظاهر سقوط الكبير العاقل بغير الصيحة وأما الصغير والمعتوه فالظاهر سقوطهما بها لأنهما يفزعان مما لا يفزع منه الكبير العاقل وفي حكم الصيحة الموجبة للضمان ما يحصل من صورة المدفع أو من سقوط حمل أو بيت أو نحوهما على التفصيل المذكور.
(فرع) فلو رمى رجل ببندق قاصداً لافزاع صبي لقتله فمات فما قتل به وإن قصد إفزاعه دون قتله فإن كان يقتل مثلها في العادة لزمته الدية وتكون على عاقلته وإن رمى ولم يقصد فلا شئ عليه إن لم يعرف أنه يتولد منها جناية وإلا ضمن ما تولد منها وهكذا في كل صيحة تولدت جناية على الغير.
ولا يجب شئ من القود والدية على الممسك لغيره و الصابر يعني المصبر لغيره الا الأدب فلو أمسك رجلا رجل أو صبره أي جسمه حتى جاء غيره ممن تضمن جنايته كالادمي فقتله فالقود على القاتل لا على الممسك والمصبر وانما عليهما التأديب واما لو كان ممن لا تضمن جنايته كالسبع أو نحوه فيضمن الممسك والمصبر الدية إذا لم يلجئه السبع ويلزمه القود اذا الجاه بل يجب القود على من فعل سبب القتل ولم يوجد من يتعلق به الا المسب وهو المعري لغيره مما يقيه من الحر أو المر والبرد من الثياب ونحوها والحابس له ولم يمكنه التخلص حتى مات جوعاً او عطشاً أو برداً أو حراً فإنه يقاد به لأنه قاتل عمداً وعدواناً وأن لم يكن القتل بفعله ومثله من سرق طعام غيره أو ماءه أو مركوبه في مفازه وليس معه سواه حتى مات قتل به لأنه قاتل عمدا وكذا لو تركت المرضعة الصبي حتى مات فتقاد به ان لم تكن من اصوله.
(1) ونظيره لو أدنى من حاسة الشم سما قائلاً كمحلول النوشادر وأشمه الغير فمات فإنه يقاد به
(2) الصماح الخرق الباطن الذي يفضي إلى الراس وصمخته اصابت صماخه ويقولون ضرب الله على صماخه أي أنامه.