دراسات قانونيةسلايد 1
المعايير الدولية لحقوق السجناء (دراسة سعودية مصرية)
الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء في ضوء المعايير الدولية لرعايتهم:
دراسة تحليلية مقارنة للتجربتين المصرية والسعودية
د. إبراهيم إسماعيل عبده محمد، أستاذ علم الاجتماع المشارك
قسم الدراسات الاجتماعية – كلية الآداب – جامعة الملك سعود – الرياض
ملخص
سعت هذه الدراسة إلى تحليل الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء والمتضمنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وانعكاسها على واقع معايير معاملة السجناء ورعايتهم والحقوق الاجتماعية والإنسانية التي يتمتعون بها في النموذجين المصري والسعودي؛ بالنظر لما نصت عليه الأنظمة والقوانين الخاصة بمعاملة السجناء ورعايتهم في كلا الدولتين. وقد أفادت الدراسة في تفسير موضوعها من النظرية المعيارية الوظيفية كتوجه نظري، كما اعتمدت على المنهج التحليلي المقارن في تحليل ما تضمنته الأنظمة والقوانين المصرية مقارنة بالأنظمة والقوانين السعودية فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والإنسانية لرعاية السجناء، كما استعانت الدراسة بمنهج المسح الوثائقي بغرض تحليل ما تضمنته المواثيق الدولية في مجال الحقوق الاجتماعية والإنسانية لرعاية السجناء.
أولاً: الإطار النظري والمنهجي للدراسة
(أ)- مشكلة الدراسة:
كفلت المواثيق الدولية مجموعة من المعايير والحقوق الأساسية للسجناء، وتم الإشارة إلى ذلك في العديد من الاتفاقات والإعلانات الدولية ومن ذلك:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 أ (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م.
القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والتي أوصي باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 ج (د-24) المؤرخ في 31 تموز/يوليو 1957 و2076 (د-62) المؤرخ في 13 أيار/مايو 1977م.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 أ (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، وتاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49.
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966م): اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 أ (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966م، تاريخ بدء النفاذ: 3 كانون الثاني/يناير 1976، وفقا للمادة 27.
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام اليها في القرار 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984، وتاريخ بدء النفاذ: 26 حزيران/ يونية 1987، وفقاً للمادة 27 (1).
مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 173/43 المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1988م.
قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الاحتجازية (قواعد طوكيو) 1990م.
المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء والتي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة45/111 المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1990م.
قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم، وقد أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 آب/أغسطس إلى 7 أيلول/سبتمبر 1990، كما اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/113 المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1990م.
الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992م.
قواعـــد الأمـــم المتحـــدة لمعاملـــة الـــسجينات والتـــدابير غـــير الاحتجازيـــة للمجرمـــات (قواعد بانكوك) والمنشورة بتاريخ 16 مارس 2011م.
ورقة العمل لفريق الخبراء الحكومي المفتوح العضوية المعني بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (فيينا، النمسا 25-28/3/2014م).
وتتمثل المشكلة البحثية لهذه الدراسة في رصد وتحليل الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء والمتضمنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وانعكاسها على واقع معايير معاملة السجناء ورعايتهم والحقوق الاجتماعية والإنسانية التي يتمتعون بها في النموذجين المصري والسعودي؛ بالنظر لما نصت عليه الأنظمة والقوانين الخاصة بمعاملة السجناء ورعايتهم في كلا الدولتين.
(ب)- أهمية الدراسة
يأتي اهتمام هذه الدراسة بالبحث العلمي للحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء؛ انطلاقاً من كون السجناء أفراد يمكن إصلاحهم وإعادة إدماجهم في المجتمع من خلال رعايتهم والعناية بهم بالطريقة اللائقة؛ ما من شأنه أن يسهم في تأهيلهم للمساهمة بإيجابية في تنمية مجتمعهم بدلاً من إبقاءهم طاقات معطلة تمثل خطر على المجتمع وأمنه واستقراره.
تتسق هذه الدراسة مع التأكيد العالمي على ضرورة ضمان حقوق اجتماعية وإنسانية أساسية للسجناء في ضوء المبادئ التي أكدت عليها مواثيق دولية عديدة.
تتزايد أهمية هذه الدراسة بالنظر لكونها تتناول بالبحث والتحليل الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء على المستوى العربي من خلال التطرق للنموذجين المصري والسعودي، استناداً لما أكدت عليه المواثيق الدولية، وأيضاً في ضوء ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية.
(ج)- أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة بصفة أساسية إلى رصد وتحليل ما يلي:
الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء والمنصوص عليها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمتعلقة بمعاملة الأشخاص الخاضعين للسجن ورعايتهم.
الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء التي كفلتها الأنظمة والقوانين المصرية لمعاملة السجناء ورعايتهم.
الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء التي كفلتها الأنظمة والقوانين السعودية لمعاملة السجناء ورعايتهم.
(د)- مفاهيم الدراسة
الحقوق الاجتماعية والإنسانية: يشير المفهوم الإجرائي للحقوق الاجتماعية والإنسانية في هذه الدراسة إلى: حقوق السجناء التي كفلتها المواثيق الدولية، وأكدت عليها كذلك كل من الأنظمة والقوانين المصرية والسعودية لمعاملة السجناء ورعايتهم، والمتعلقة أساساً بالجوانب: الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والصحية، والدينية في ضوء ما نصت عليه الشريعة الإسلامية.
السجن: يقصد بمفهوم السجن إجرائياً في هذه الدراسة: المؤسسة المنشأة خصيصاً لإيداع الأشخاص الموقوفين أو المحكوم عليهم بعقوبات متفاوتة المدة نظراً لما ارتكبوه من تجاوزات تهدد الأمن الفردي والمجتمعي.
السجناء: يشير المفهوم الإجرائي للسجناء في هذه الدراسة إلى: الأفراد المحكوم عليهم بعقوبات تنص على حرمانهم من حريتهم الشخصية بإيداعهم السجون كمؤسسات معدة لهذا الغرض؛ وذلك كونهم ارتكبوا ما يهدد أمن المجتمع وفقاً لما تنص عليه القوانين الصادرة في هذا الشأن.
رعاية السجناء: يقصد بمفهوم رعاية السجناء إجرائياً في هذه الدراسة: كافة الأساليب المتبعة في الاهتمام بالسجناء داخل السجن، بما يتضمنه ذلك من ضمان حقوقهم الأساسية، وتوفير متطلباتهم الضرورية، وتقديم صور الرعاية اللازمة: (اجتماعية، صحية، نفسية، اقتصادية، ومختلف صور الرعاية الأخرى التي قد يحتاجون إليها خلال فترة تواجدهم داخل السجن لتنفيذ العقوبة المقررة والصادرة بحقهم.
(هـ)- التوجه النظري للدراسة:
أفاد الباحث في تفسير موضوع البحث الحالي من النظرية المعيارية الوظيفية، والتي تركز على تكاملية أداء الأدوار داخل السجون بغية الوصول إلى هدف أساسي يتحدد في إعادة دمج السجناء بالمجتمع وفي ذات الوقت معاملتهم بطريقة إنسانية لائقة.
وتنسب هذه النظرية في الأساس إلى دوركايم رائد الاتجاه الوظيفي في علم الاجتماع، والذي ركز اهتمامه على المجتمع والعلاقات المتبادلة بين النظم السائدة فيه، كما يتصور المجتمع كوحدة متكاملة تتفاعل في إطارها وحدات جزئية صغيرة، وتتساند وظيفياً لتحافظ على كيان المجتمع واستمرار بنائه. وفي إطار ذات النظرية فقد حلل ميرتون عناصر البنية الاجتماعية إلى عنصرين أساسيين هما الأهداف والمعايير؛ حيث تمثل الأهداف الآمال المشروعة التي يحددها المجتمع لأفراده، أما المعايير فهي مجموعة القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول إلى الأهداف؛ وكلما كانت الصلة بين الأهداف والمعايير متناسقة أي يقومان بوظائفهما بشكل متناسق فإن تلك البنية تعد بنية اجتماعية متكاملة[1].
وبالتطبيق على موضوع الدراسة المتمثل في الحقوق الاجتماعية والإنسانية للسجناء في ضوء المعايير الدولية لرعايتهم بالتطبيق على النموذجين المصري والسعودي؛ نجد أنه يمكن النظر إلى السجن بوصفه نسق اجتماعي يتألف من أنساق فرعية تعمل مع بعضها البعض بشكل متساند لإحداث التكامل ومن ثم التوازن داخل البناء الاجتماعي؛ وبناء عليه فإن العاملين في إطار السجن من (رجال أمن ومراقبين وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين وطاقم إداري) جميعهم يؤدون أدوار اجتماعية ضرورية؛ كونها متكاملة مع الأدوار التي يؤديها السجناء داخل السجن؛ من أجل أن تقوم السجون عموماً بوظيفتها الإصلاحية والتأهيلية المطلوبة. لكن وعلى الجانب الآخر فإن افتقاد التكامل بين فريق العمل المشار إليه داخل السجن من جهة، والسجناء أنفسهم من جهة أخرى، أو التقصير في مراعاة الحقوق الاجتماعية والإنسانية لمعاملة السجناء من شأنه أن يؤدي إلى فشل وظيفية السجن الإصلاحية؛ كونه يؤدي إلى عدم تقبل السجناء لفريق العمل أو قناعاتهم بالدور الذي يقومون به لتأهيلهم وإصلاحهم؛ ما يعيق إعادة إدماج هؤلاء السجناء لاحقاً في المجتمع، ومن ثم إحداث خلل في منظومة البناء الاجتماعي للمجتمع ككل[2].
(و)- الدراسات السابقة:
اعتماداً على أن البحث العلمي هو جهد تراكمي، ومن ثم يتعين عند الشروع في معالجة المشكلة البحثية موضع الاهتمام الوقوف على الدراسات السابقة حول أبعادها ذات الصلة. ومن هذه الدراسات التي سيتم التعرض لبعضها على سبيل المثال لا الحصر، دراسة محمد (1424هـ) والتي تناولت حقوق الإنسان بعد المحاكمة في الفقه والنظام وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، حيث خلصت النتائج إلى أن حقوق الإنسان في هذه المرحلة مكفولة بقوة القانون السعودي، وأن للإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية طلب حق التعويض إذا ما تعرض لزيادة في العقوبة عن القدر المقرر شرعاً[3].
في حين هدفت دراسة عبد الحميد (2007م) إلى بيان حقوق السجناء في الشريعة الإسلامية والأنظمة في المملكة العربية السعودية، وكذلك بيان حقوق السجناء في المواثيق الدولية. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن الشريعة الإسلامية وتاريخ المسلمين في معاملة السجناء سبق ما دعت إليه المواثيق الدولية، وأن المواثيق الدولية تابعة للشريعة الإسلامية في هذا الشأن[4].
أما دراسة عبد الوهاب (1429هـ) فيعد من أبرز ما كشفت عنه محدودية إسهام الدور الرقابي لهيئة التحقيق والادعاء العام في حماية حقوق السجناء[5].
وأوضحت نتائج دراسة عبد الله (1432هـ) أن نظام السجن والتوقيف السعودي حدد المخالفات التي تقع من السجناء والعقوبات التي يتم إيقاعها على المخالفين. وأوصت بالأخذ بمبدأ الشرعية في الإخلال بالنظام داخل السجون وذلك بتحديد معايير معينة للسلوك الذي يجب احترامه[6].
وخلصت دراسة مايا وريتا (2013م) حول نظام سجون النساء في لبنان في ظل المواثيق الدولية لحقوق الانسان، إلى أن واقع سجون النساء في لبنان يؤكد الحالة المزرية لهذه السجون وما تعانيه السجينات في ظل هذه الظروف الصعبة حيث تفتقر إلى العديد من الأساسيات، إن كان من ناحية الأبنية والمنشآت، أو من ناحية الخدمات المتوفرة والتي لا تؤمن الحد الأدنى للعيش الكريم داخل القضبان، الأمر الذي يتعارض وبشكل كلّي مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، والمبادئ والقواعد الدنيا لمعاملة السجناء والسجينات، بحيث يعد هذا الواقع انتهاك لأبسط حقوق الانسان السجين[7].
وتوصلت دراسة الاء (2014م( حول الاتجاهات المعاصرة لمعاملة السجناء داخل المؤسسات الإصلاحية في ضوء قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء، إلى أن تجاهل أغلب مؤسسات الإصلاح لاسيما إدارتها والعاملين فيها الرؤية الإصلاحية التي تقول بأن: تطبيق العقوبات السالبة للحرية في ظروف ينعدم أو يضعف فيها البعد التربوي والإصلاحي يكون مكلفاً للمجتمع والدولة على حد السواء[8].
بينما كشفت دراسة خلود (1437هـ) حول حقوق السجناء ذوي الاحتياجات الخاصة في النظام السعودي كدراسة تأصيلية مقارنة بالمواثيق الدولية، عن أن الأنظمة الدولية والمواثيق المهتمة بحقوق الإنسان أقلت في بيان حقوق فئة ذوي الإعاقات المودعين في المؤسسات الإصلاحية، ولم تشر إليهم بما يكفي لضمان حقوقهم خلال هذه الفترة، كذلك النظام السعودي لم يتطرق للحديث عن فئة ذوي الإعاقات من النزلاء، فنظام السجن والتوقيف ونظام رعاية المعوقين لم يتطرق بنصوص مفصلة وصريحة لهذه الفئة من النزلاء بما يضمن حقوقهم أثناء فترة تنفيذ العقوبة[9].
وأشارت نتائج دراسة خالد (1437هـ) إلى أنه يوجد تشابه في مفهوم الحد الأدنى لحقوق السجين في الأنظمة الخليجية ويتضح ذلك من خلال الاستقراء والتتبع لها، وأن المواد والنصوص في أنظمة دول الخليج تواكب تطلع السجين وحقوقه[10].
أما دراسة سليمان (1437هـ) حول حقوق الإنسان في وثيقة المدينة المنورة كدراسة مقارنة بالمواثيق الدولية، فتوصلت إلى أنه وعلى الرغم من أهمية وثيقة المدينة، وما جاء فيها من حقوق ومبادئ فقد أغفل النقاد والدارسون دراسة هذه الوثيقة دراسة متأنية، والوقوف على أهمية ما ورد فيها من حقوق للإنسان، ومقارنتها بالحقوق التي وردت بالمواثيق الدولية[11].
وانتهت دراسة مهداوي وأومليل (2017م) والتي تناولت حقوق السجين في ظل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلى أن قضية حقوق السجين أصبحت من أهم القضايا المطروحة على المستويات الدولية والإقليمية ؛ ولذلك فقد اتخذت شكلها القانوني بعد عدة اتفاقيات كثيرة.