دراسات قانونية

المفاوضات في عقود التجارة الدولية ومدى خصوصيتها (بحث قانوني)

خصوصية المفاوضات في عقود التجارة الدولية

بقلم الطالب:

_عادل أبراغ

” إذا رأيت شعاعا فاعلم ان وراءه كوكبا و اذا رأيت عقدا تجاريا محكما فاعلم ان وراءه مفاوضات ”

المقدمة :

شهد العالم خلال الأونة الأخيرة سلسلة من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية

في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الجديدة، وخاصة بظهور التكتلات الاقتصادية للمنافسة الدولية وانتشار الشركات متعددة الجنسيات والدور الجديد للمنظمات التجارية العالمية.

كل هذه التحديات أدت إلى تزايد الاهتمام بضرورة التسويق بصفة عامة والمبادلات التجارية بصفة خاصة، سعيا منها في غزو الأسواق الدولية وهذا بعد تطوير منتوجاتها ووجود وسيلة فعالة وشاملة لكافة الوظائف لتضمن انسياب وتدفق السلع والخدمات الى الداخل والخارج[1].

لهذا تعتبر العقود التجارية الدولية من الركائز الأساسية لتسيير عجلة الاقتصاد الدولي في الوقت الحاضر[2]، حيث عرفت تطورات اقتصادية وتكنولوجية هائلة وعميقة الأثر على العملية التعاقدية ووزنها الاقتصادي والقانوني و الدولي، وقد ظهرت الكثير من العقود المركبة والمعقدة ترد على مشروعات عملاقة تقدر قيمتها بأموال طائلة، وتنطوي على الكثير من التعقيدات الفنية والتقنية والمالية و القانونية، ولها تأثيرها البالغ بما تحمله من فوائد ومخاطر على المجتمع[3].

من هنا تعد المفاوضات إحدى الدعامات الأساسية لتجاوز المخاطر والصعوبات الناجمة عن طبيعة بعض العقود التجارة الدولية المركبة، هذه الأخيرة تستلزم لانعقادها بشكل نهائي ضرورة الدخول في مفاوضات ومناقشات مضنية من أجل الاحاطة بكل المقتضيات القانونية والتقنية الخاصة بتلك العقود المراد إبرامها وذلك من أجل تجاوز الإشكالات والمعيقات التي قد تثار خلال المرحلة التعاقدية، فإذا كانت المفاوضات تنبني على أساس مثين فإن ابرام العقد التجاري الدولي يتم بشكل سلس بدون ان يتعرض للبطلان او الابطال مستقبلا.

و إذا كانت أغلب القوانين المدنية الخاصة لم تعر الاهتمام لمسألة تعريف المفاوضات وتنظيم أحكامها، فإن الأمر بخلاف ذلك بالنسبة لإبرام عقود التجارة الدولية، إذ تعد المفاوضات مرحلة لا غنى عنها.

ويراد بالمفاوضات ذلك الحوار والمناقشة والتفاعل بين طرفين أو أكثر بصدد موضوع معين لحسم الخلاف والتوفيق بين المصالح المتعارضة والوصول الى اتفاق بشأنه، عرفت غرفة التجارة الدولية[4] المفاوضات بشكل عام “بأنَّها عملية يتم من خلالها التحاور والمناقشة بين الأطراف وتنطوي على تبادل للأفكار ووجهات النظر بغية الوصول إلى اتفاق حول مصلحة معينة أو بهدف العثور على حل لمشكلة اقتصادية أو قانونية أو تجارية أو سياسية[5] “.

وفي العقود الدولية يتم التفاوض بين الحكومات والأفراد والشركات بصدد مشروعات ومشاكل اقتصادية أو تجارية أو قانونية، بهدف إقامة رابطة عقدية متوازنة تحقق المصالح المشتركة لأطرافها، ويتم ذلك من خلال تبادل الافكار والمقترحات ومناقشتها، وقد يفشل الأطراف في تحقيق التوافق، وقد يتم ذلك في شكل شفاهي أو كتابي رسمي أو غير رسمي[6].

بمعنى ان التفاوض هو مناقشة مشتركة لمشروع عقد بغية تقديم إيجاب وقبول مشتركين للمتفاوضين، وقد تنشأ هذه المناقشة أما بشكل حر تلقائي دون الحاجة إلى إطار عقدي، أو قد تتم بموجب عقد التفاوض، هذا الأخير يلتزم بموجبه الطرفين بالالتزام بالتفاوض ولكن هذا لا يعني الالتزام بإبرام العقد التجاري الدولي، وذلك باعتبار أن التفاوض في الإطار العقدي يوفر حماية كافية للأطراف المتعاقدة، خاصة في بعض العقود كالعقد الدولي لنقل التكنولوجيا وعقد الترخيص التجاري الدولي…و غيرها.

ومن الناحية التاريخية من الصعب تحديد تاريخ محدد لظهور التفاوض التجاري الدولي، ذلك أن الاقتصاد البدائي كان يعتبر الإنتاج كافيا نسبيا لإشباع حاجات الأفراد والجماعات، ولم تكن هناك ضرورة ملحة لقيام التبادل مع جماعات أخرى، وبالتالي لم تكن هناك الحاجة لعقود تجارية دولية تقتضي التفاوض بشأنها، لكن مع نشأة التخصص وتقسيم العمل بين الأفراد والجماعات بدأ اقتصاد التبادل يفرض وجوده، واتسع نطاق المقايضة ليتعدى الحدود الضيقة، وأصبح بإمكان الأفراد الدخول في معاملات وتبادلات خارج الحدود الوطنية، وبهذا ظهرت الحاجة الملحة للمفاوضات في اطار هذه التبادلات الدولية.

ويبدو جليا أن المفاوضات في عقود التجارة الدولية تكتسي أهمية بالغة في عصرنا الراهن، فأمام ظهور العقود المركبة المعقدة التي أسفرت عنها الأساليب الحديثة في التعامل والتي تتسم بالتعقيدات الفنية والقانونية والمخاطر الجسيمة التي قد تلحق أطرافها، لذا بات من الضروري أن يسبق إبرام هذه العقود مرحلة من المفاوضات الشاقة التي قد تستغرق الكثير من الوقت والجهد والتخصص والدراسات، كما أن التفاوض يعد مرحلة حيوية بحيث يتم فيها الإعداد والتحضير للعقد وبحث كافة جوانبه الفنية والمالية والقانونية، والتعرف عن الطرف الاخر وتقدير إمكانياته، وتحديد مضمون العقد الإعداد الجيد له على ضوء مصالح ومقاصد الأطراف حتى يكتب له النجاح و توقي المنازعات التي قد تنشأ عنه وبيان سبل تسويتها والقانون الواجب التطبيق، كما تبرز اهمية التفاوض بالنسبة للعقود التجارية الدولية المتراخية التنفيذ أو الزمنية التي يمتد تنفيذها وآثارها على فترة طويلة، إذ قد تتغير الظروف مما يستدعي إجراء مفاوضات لتعديل الالتزامات وإعادة التوازن العقدي على ضوء المستجدات والحفاظ على الصلة والتعاون المستمر بين الاطرف.

من هنا يتبادر إلى دهننا طرح لإشكال التالي:

الى أي حد يمكن اعتبار الخصوصيات التي تمتاز بها المفاوضات في عقود التجارة الدولية عنوانا لتفوق هذه العقود؟

وفي سبيل الإجابة عن هذا الإشكال فقد فضلنا إتباع التصميم التالي:

المبحث الأول: خصائص ومراحل المفاوضات في عقود التجارة الدولية وقيمتها القانونية.
المبحث الثاني: آثار المفاوضات في عقود التجارة الدولية والمسؤولية المترتبة عنها.

المبحث الأول: خصائص ومراحل المفاوضات في عقود التجارة الدولية وقيمتها القانونية

مما لا شك فيه أن المفاوضات هي عبارة عن تبادل الاقتراحات ووجهات النظر بين أطراف اقتصادية لهم مصالح وغايات وثقافات مختلفة، ومن أجل ضمان العدالة و الليونة في إبرام العقد التجاري الدولي، يتعين على هؤلاء الأطراف الدخول في مفاوضات تمهيدية جادة لهذا الغرض قد تكون طويلة الأمد أو قصيرة حسب ما تقتضيه طبيعة العقد المتفاوض حوله، وعليه فإن هذه المفاوضات لها خصائص ومميزات تمتاز بها على باقي انواع المفاوضات الاخرى(المطلب الاول)، كما أن اللجوء إلى هذا التفاوض لا يتم بشكل مباشر و إنما يقتضي المرور بعدة مراحل قد تتخللها بعض الأحيان توقيع اتفاقات وتفاهمات وذلك من اجل ضمان وحماية مصالح الأطراف المتفاوضة، سيما في بعض أنواع العقود الدولية التي تقتضي التدبر والتريث قبل الخوض في غمار إبرام العقد النهائي، وهذه المراحل قد يثار معها اشكالية التساؤل حول قيمتها القانونية (المطلب التاني) .

المطلب الاول: خصائص المفاوضات في عقود التجارة الدولية

لا مراء في أن من أهم الفوارق بين العقد الدولي التجاري والعقد الداخلي، هو كون هذا الأخير يخضع من حيث المبدأ للبساطة في إبرامه، بحيث يكفي تطابق الإيجاب بالقبول فيقوم هذا العقد. أما بالنسبة للعقد التجاري الدولي فيتطلب قبل الإيجاب والقبول الدخول مسبقا في تفاوض قصد صياغة إيجاب مشترك بين الأطراف المتفاوضة، كما أن التفاوض في إبرام العقود التجارية الإلكترونية هي كذلك تخضع من حيث المبدأ الى نفس الخصائص التي يتميز بها العقد التجاري الدولي.

ويمكن أن نوجز أهم مميزات المفاوضات السابقة لإبرام العقد التجاري الدولي في الخصائص التالية:

خضوع التفاوض للأحكام العامة للالتزامات:
تقوم المفاوضات دائما برضا الطرفين المتفاوضين دون إرغام أو إجبار أو ضغط، بحيث إن كل طرف من الأطراف المتفاوضة لا يدخل في المفاوضات مع الطرف الأخر إلا بعد أن تكون لديه إرادة حرة ونية حقيقية عازمة على التفاوض[7].

وهذا ما نجده في القواعد العامة التي تحكم العقود الداخلية، فبرغم من الخصوصية التي تتميز بها المفاوضة في عقود التجارة الدولية إلا أن طرق التفاوض الحر أو العقدي يخضع إلى المبادئ العامة لنظرية الالتزام، إذ لا بد أن يكون الأطراف الحرية في الدخول في المفاوضات من عدمه، كما أن هذه الحرية أو الإرادة هي وحدها القادرة على تحديد الآثار و لالتزامات المترتبة على إبرام عقد التفاوض.

وقد تم تكريس مبدأ حرية التفاوض في المادة الأولى من مبادئ معهد روما لتوحيد القانون الخاص[8] الصادرة سنة 1994 والتي نصت على أنه ” يتمتع الأطراف بالحرية في إبرام العقد وفي تحديد مضمونه “، كما أن هذا المبدأ جسدته عدة اتفاقيات الدولية منها معاهدة فيينا[9]…

وإذا كانت هذه الخاصية التي تتميز بها المفاوضات التجارية الدولية المستمدة من النظام العالمي الجديد القائم على الليبرالية والحرية الاقتصادية، إلا أنه ترد على المبدأ مجموعة من الاستثناءات، كما هو الحال فيما يخص استثناء بعض المجالات من التجارة الدولية من المنافسة الحرة تحقيقا للصالح العام، أو تقييد الحرية التفاوضية حماية للطرف الضعيف من استغلال الطرف القوي كالعقود النمودجية أو النمطية التي يتم إعدادها بشكل مسبق دون الحاجة الى إجراء مناقشات و مفاوضات[10]، أو بقواعد حمائية على انتقال البضائع والخدمات في بعض المجالات الحساسة[11] مثل كماهو الحال عندما تقوم بعض الدول بفرض قيود على شركاتها الوطنية بعدم بيع أو تسويق بعض الأجهزة التكنولوجية السرية والإلكترونية الدقيقة..

المفاوضات كمرحلة تحضيرية واحتمالية:
إن الهدف الأساسي للمفاوضات هو الوصول -من خلال المناقشات وتبادل الوثائق والاقتراحات-إلى عقد معين وهو العقد التجاري الدولي الذي يتوخى الأطراف إبرامه، و بالتالي فالشروط التي يتم مناقشتها قبل إبرام العقد النهائي لا تهدف في حد ذاتها الى إبرام العقد النهائي وإنما تهدف إلى التحضير والإعداد له، وعليه فاحتمال الاتفاق أو عدم الاتفاق يكونان على قدم المساواة، كما أن الأطراف المتفاوضة اتجهت إرادتهم فقط إلى مجرد التفاوض لإبرام العقد النهائية وهكذا دائما ما تكون للمفاوضات نتائج احتمالية لا يمكن التنبؤ بها أبدا، فقد ينجح الأطراف في التوصل الى اتفاق نهائي وإبرام العقد وقد لا يتم ذلك[12]، بمعنى أنه ليس بالضرورة ان كل مفاوضة يجب ان يترتب عليها عقد نهائي،إذ يمكن أن نتصور أن هذه الغاية قد لا تتحقق لعدة أسباب قد تكون بنية حسنة أو بسوء نية.

المفاوضات تكون مؤقتة وترتب التزامات خاصة:
إذا كانت المفاوضات توصف بأنها تحضيرية واحتمالية، فإنها بالضرورة تكون مؤقتة لأنها لا تعبر عن المقصد الحقيقي، وإنما هي خطوة ممهدة نحو إبرام العقد النهائي، ولهذا فإن المفاوضات تستمر لفترة محددة إلى أن يتم الاتفاق على الشروط الأساسية والعناصر القانونية المكونة للعقد النهائي، وبمجرد إبرام هذا الأخير تنتهي هذه المفاوضات ويحل محلها العقد النهائي.

ومدة التفاوض غير محددة كقاعدة وذلك في الحالة التي تتم المفاوضات بشكل حر، أما في حالة وجود عقد للتفاوض فإن هذه المدة تكون محددة، وغالبا نسجل أنه في العقود التجارة الدولية ذات الطابع المعقد والدقيق والتي يختلط فيها السياسي بالاقتصادي والقانوني والتقني، تكون مدة هذه المفاوضات طويلة جدا وعلى سبيل المثال عملاق المطاعم الامريكية ماكدونالدز تفاوض عشر سنوات من أجل فتح أول مطعم للهامبورغ في موسكو[13].

لكن إذا كانت عقود التجارة الدولية تتميز بالطابع الوقتي فهذا لا يعني أنها لا تولد التزامات خاصة، اذ أن المفاوضات التي تتم في إطار عقدي يترتب عليها التزامات بالنسبة لكلا الطرفين، فبرغم من أن هذه المفاوضات لا تعبر عن إرادة الالتزام وإنما إمكانية الالتزام، فإن كل طرف يلتزم اتجاه الطرف الاخر بمجموعة من الالتزامات والتي تختلف حسب كل مرحلة من مراحل التفاوض، وتنبثق هذه الالتزامات من المبادئ العامة المتعارف عليها في الساحة الدولية كالالتزام بحسن النية والسرية وعدم قطع المفاوضات وغيرها من الالتزامات التي سوف نعمق النقاش فيها في المبحث الموالي.

المفاوضات تكون ذات طابع دولي ولها أهمية إستراتيجية:
من المؤكد أن العقود الداخلية تخضع في تنظيمها لأحكام القانون الوطني، ولا يجوز اللجوء إلى إعمال القانون الاجنبي عليها، لأن الأمر يتعلق بمعاملات مالية تتم بين أطراف يوجدون في نطاق جغرافي محدد يخضع لسلطة سياسية محددة[14]، لكن عندما يكون العقد دوليا وذلك في حالة اشتماله على عنصر أجنبي سواء تعلق الأمر بإبرامه أو تنفيذه أو بجنسية المتعاقدين أو بموطنهم، فإذا اتصلت أحد هذه العناصر التعاقدية بدولة أجنبية أو أكثر فإنها تكتسب الطابع الدولي لتعلقها بأكثر من نظام قانوني، مثل ذلك عقد توريد المنتجات بين مؤسسة سعودية وشركة هولاندية ومطلوب تسليمها في دولة ثالثة كالصومال..وفي هذه الحالة فإن هذا العقد الدولي يخضع لأحكام القانون الدولي الخاص، الذي يسمح للمتعاقدين اختيار القانون الواجب التطبيق.

كما أن المفاوضات التي تتم في اطار العقد التجاري الدولي بين أطراف مختلفة تكون دائما صعبة تحتاج إلى استعداد وتحمل أكثر، ومن أهم الصعوبات العملية التي يطرحها هذا النوع من العقود يتجلى في كون أن أحد الأطراف عادة ما يكون من بلد غير بلده الأصلي، مما يؤدي إلى تحمله مشقة السفر والفارق الزمني المترتب عن بعد المسافة[15].

بل الأكثر من هذا فإن البعد والاختلاف الزمني والمكاني يطرح إشكال آخر متعلق باختلاف الثقافات واللغات، إذ يتعين على الأطراف المتعاقدة اللجوء إلى لغة موحدة من أجل تسهيل هذا الحوار والتفاوض، أو قد يقوم أحد الأطراف باعتماد شخص مترجم أو قد يضطر أحد الأطراف بالتخفيض من مستواه اللغوي حتى يتمكن الطرف الأخر فهم و استيعاب الأمور المتفاوض حولها.

وتجدر الاشارة أن المفاوضة في عقود التجارة التي تتم على المستوى الدولي، تحتل أهمية استراتيجية بالنسبة للأطراف المتفاوضة، وتلقي بضلالها على سير مرحلة المفاوضات[16]، بحيث أنه في بعض الأحيان قد يكون أحد الأطراف تمثل له المفاوضات أهمية استراتيجية أساسية وبالتالي يكون في موقف ضعيف أمام المفاوض الذي لا تمثل له العملية المذكورة سوى أهمية استراتيجية ثانوية، ونمثل ذلك بالشركة التي تقوم باحتكار صناعة السيارات من نوع محدد ولها قصب السبق في هذا الميدان، فعندما تدخل في المفاوضات مع طرف آخر هو بحاجة إلى هذا النوع بالذات من السيارات فإنه يكون معرضا للضغط والإذعان لشروط هذه الشركة المصنعة، بل في بعض الأحيان يواجه هذا الطرف الضعيف عقود نموذجية ولا علاقة له بإعدادها أو صياغتها، كما أنه على مستوى عقد الترخيص التجاري الدولي في بعض الاحيان قد يكون له أهمية استراتيجية لبعض الدول أو الشركات مما قد تقوم الشركة الأم باستغلال هذه الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول أو الشركات وفرض شروط أقل ما يقال عنها مجحفة في حق هؤلاء.

المفاوضات في عقود التجارة الدولية تحتاج مهارات خاصة:
إن السير بالعملية التفاوضية في الطريق الصحيح توخيا لأفضل النتائج، يتطلب توافر صفات ومهارات عالية في المفاوض الذي يقوم بتلك المهمة، لدى تحرص الهيئات والشركات على الاهتمام ببرامج التدريب المستمر والمتطور لإعداد الكوادر والخبرات المطلوبة في هذا المجال[17].

ونظرا لهذه الخصوصية فإن الوفد التفاوضي في عقود التجارة الدولية غالبا ما يكون متعدد الأفراد والتخصصات، إذ يضم فنيين وتقنيين تكون مهمتهم الحرص على ضمان مطابقة المواصفات المقدمة لطلبات الأطراف المتفاوضة، بالإضافة إلى قانونيين بهدف منع وسد الثغرات القانونية، بل التفاوض الناجح هو رهين باحترام المفاوض لمجموعة من المهارات، كإلمام بشخصية المفاوض الآخر من كافة جوانبها النفسية والبيئية والثقافي والاجتماعي و امكانياته وخبراته التفاوضية ونقط القوة والضعف له، وقدرته على التعاون والمثابرة من عدمه…

بالإضافة أيضا الى اليقظة وحسن الاستماع لما يريده الطرف الاخر واستيعاب أقواله لفهمها ومناقشتها والرد عليها، والقدرة على المفاجأة في العرض والمناقشة والتحلي بالصمت المؤقت وامكانية الانسحاب الظاهري، زيادة على ذلك لا بد من الصبر والاحتمال الذهني والبدني والتعبير بوضوح وسلاسة، كما أن توفر كل هذه المهارات ينتج عنها انتهاء المفاوضات بشكل إيجابي مما يؤدي إلى إبرام العقد النهائي المتفاوض حوله.

المطلب التاني:مراحل المفاوضات في عقود التجارة الدولية وقيمتها القانونية

إن المفاوضات لا تتم في مرحلة واحدة بل إنما تقتضي المرور بعدة مراحل متتابعة ومتتالية تختلف من عقد الى أخر، ويترتب عن كل مرحلة من هاته المراحل إبرام اتفاقات وتفاهمات تضمن في النهاية ابرام العقد النهائي(الفقرة الاولى)كما أن هذه الاتفاقات والتعهدات التي تتم خلال هذه المراحل تطرح إشكال بخصوص القيمة القانونية لهاته الاتفاقات والتعهدات(الفقرة التانية ).

الفقرة الاولى:مراحل المفاوضات في عقود التجارة الدولية

إن خصوصية المفاوضة في عقود التجارة الدولية خاصة تلك العقود المركبة والمعقدة، تقتضي المرور بعدة مراحل من اجل الحسم في بعض الأمور التقنية والمالية والقانونية، لذلك فإن هذه المراحل عادة ما يتم خلالها تحرير اتفاقات ومستندات يتبادلها أطراف التفاوض، والتي تعتبر من المؤشرات الدالة على تجاوز كل مرحلة من مراحل التفاوض بنجاح.

وسنحيط بأهم هذه الاتفاقات التي تبرم أثناء مرحلة التفاوض وفق الشكل التالي:

–الاتفاق على مبدأ التفاوض:

إذا كان التفاوض في عقود التجارة الدولية يعد من العمليات المعقدة والمليئة بالمخاطر[18]، فالقاعدة أن هذا التفاوض يتم بشكل تلقائي و حر بين الأطراف المتفاوضة، كما أن لكل طرف الحق في العدول و التراجع بكامل الحرية بشرط ألا يكون هذا العدول بسوء نية، لكن بعض الحالات قد يكون هناك اتفاق على التفاوض، هذا الاتفاق يلزم الأطراف بالدخول في المفاوضات واحترام الشروط المتفق عليها، كما أن هذا الاتفاق يعتبر من المراحل الأولى التي تقوم عليها المفاوضات العقدية، إذ من خلال هذا الاتفاق يتم تحديد مواعيد إجراء هذه المفاوضات وكذا الأماكن التي يتم فيها تنظيمها، بالإضافة أيضا إلى الأمور الأخرى المتعلقة بالمصاريف واللغة التي تتم بها إجراء المفاوضات.

وعلى العموم فالمراد بالاتفاق على التفاوض هو تحديد المسائل العامة للتفاوض وجس النبض بين الأطراف تمهيدا لما هو قادم من المراحل التفاوضية وذلك دون الخوض في الجوانب الجزئية والفنية والتقنية.

–عقد تنظيم التفاوض:

بعد الاتفاق بين الأطراف المتعاقدة في عقود التجارة الدولية على الدخول في المفاوضات، ومن أجل تفادي المشاكل التي قد تطرأ أثناء المفاوضات وخاصة في بعض انواع العقود المركبة والدقيقة والتي تستدعي الحيطة والحذر قبل ابرام العقد النهائي، مما يوجب إجراء دراسات وتشخيص للمتطلبات والحاجيات المزمع التفاوض حولها، ومن أجل تفادي المشاكل التي قد يطرحها هذا النوع من العقود يتم في العادة الاتفاق على كيفية تنظيم المراحل التي من خلالها المفاوضات كتحديد المدة التي تتطلبها الدراسات لأشياء محل التعاقد، وأيضا الكيفية التي يتم بها اختبار مدى ملائمة هذه الأشياء لحاجيات أحد أطراف المفاوضات.

وبهذا فإن تنظيم المفاوضات يهدف بالأساس إلى إفساح الوقت أمام الأطراف لتحديد بكيفية صريحة طرق تنفيد المشروع الاقتصادي، وسبل تمويله للتأمين على عناصره وجزاء الاخلال بالالتزامات الناشئة عنه[19]،وبما أن النظم القانونية تكاد تخلو من تنظيم قاعدي يمكن الاستناد عليه لتنظيم المفاوضات، فإن الإرادة هي التي قد تتدخل في تنظيم مراحل المفاوضات.

–الوعد بالتعاقد:

يمكن خلال مراحل التعاقد وبعد تحديد مختلف العناصر الجوهرية للعقد التجاري الدولي ان يقوم أحد الأطراف بتقديم وعد للطرف الأخر يعد من خلاله بإبرام العقد، إذا رغب الطرف الأخر خلال مدة معينة، وهذا الوعد هو في الحقيقة مستمد من القواعد العامة لتنظيم العقود الداخلية[20]،حيت ان الوعد بالتعاقد هو عقد بالمعنى القانوني للمصطلح، وإن كان لا يعني إبرام العقد النهائي إنما يمهد إليه.

–خطاب النوايا:

في بعض الاحيان تتخلل مراحل المفاوضات تعبير احد الأطراف عن رغبته في التوصل الى اتفاق نهائي بشأن الصفقة محل التفاوض، والذي يأتي في شكل وثيقة مكتوبة، وهو ما يطلق عليه خطاب النوايا او خطاب التفاهم lettre d`internation[21].

و قد نشأت خطابات النيات وترعرعت في رحاب القوانين الأنجلوساكسونية، بتأثير مقتضيات التجارة الدولية وما تستلزمه من ضرورة توفير الثقة وحسن النية في التعامل. وقد كان من الصعب تقبل فكرة خطابات النيات في ظل القوانين اللاتينية، ولكن سرعان ما انتشرت الفكرة في البلاد ذات الشرائع اللاتينية وعلى رأسها فرنسا للأسباب نفسها التي اقتضت ظهورها في البلاد ذات الشرائع الأنجلوساكسونية [22].

ويضطلع خطاب النوايا بدور مهم في المعاملات الاقتصادية والتجارية الدولية، وقد تتعدد صوره وتتفاوت قوته بحسب الأهداف والمقاصد التي يرمي اليها الأطراف وتتنوع خطابات النوايا بتعدد اغراضها ومعانيها[23].

تجدر الإشارة أن خطاب النوايا قد يكون عملا إراديا عابرا للحدود في مجال المعاملات الدولية ولا يرغب الأطراف في التحمل بالالتزامات المعينة لمجرد تحرير خطاب النوايا، بل يظل المبدأ العام قائما فيما يتعلق بحرية المفاوضات دون تقيد الأطراف بقيود معينة، وتظل الارادة حرة طليقة لا تفرض التزاما على مصدر الخطاب، ويتضح من هذا أن خطاب النوايا ليس له قيمة تعاقدية ولا يلزم صاحبه بل هو مجرد نية ويتجرد بالتالي من كل قيمة قانونية، ومع ذلك يمكن أن تثار المسؤولية التقصيرية عن الضرر الناجم عن الاخلال بالواجب الاساسي الذي يتمثل بضرورة مراعاة حسن النية في مرحلة المفاوضات، كما يمكن تصور ان يأخذ خطاب النوايا شكلا إلزاميا إذا تضمن التزامات محددة او كشفت عباراته عن اتفاق على مسائل معينة، وهنا نكون أمام اتفاق مبدئي يحدد إطار العملية التفاوضية ومبادئها.

ويتضح في بعض الأحيان ان تحرير خطابات النوايا يتولاه مسؤولون تنفيذيون في مشروعات اقتصادية ومديرين ومهندسين دون الاستعانة برجال القانون لذا تأتي الصياغة مشوبة بالغموض والتناقض نتيجة عدم الإدراك والفهم الجيد للألفاظ والمصطلحات القانونية المستخدمة، وهو ما يلقي على عاتق رجل القانون عبء تقيل في سبيل التعرف على الطبيعة القانونية لخطاب النوايا، بل إن ترك صيغة مستندات خطابات النوايا لغير المختصين يمكن ان يكلف كثيرا اطراف العقد الدين لا يرغبون في التحمل بالتزامات معينة بمجرد تحرير خطاب النوايا[24].

وقد أشارت مبادئ اليونيدروا في مادتها 4.2 في فقرتها الأولى والثانية على ان الخطابات والتصريحات تفسر وفق نية من أصدرها سواء ان الطرف الأخر يعلم بها أو لا يعلم، وعند الاقتضاء تفسر في الاتجاه الذي يمنحه لها الرجل المعتاد الموجود في نفس الظروف[25].

–التوقيع بالأحرف الأولى:

يقصد بالتوقيع بالأحرف الأولى إعطاء لأطراف المفاوضات المتفقين مبدئيا على شروط العقد إمكانية التشاور مع الجهات العليا(الشركة الام او الدولة…) التي تم التفاوض لصالحها لتقدير الموقف، فهو لا يعتبر اتفاقا تاما إلا بعد التوقيع بالأحرف الكاملة-صورة مجازية-.

وعليه فإن التوقيع بالأحرف الأولى يلعب دورا وقائيا للأطراف المتفاوضة حتى لا تقدم على اتخاذ مواقف غير محسوبة تلحق أضرار للشركة او الدولة التي يتم التفاوض لحسابها، كما أنه يمنح هذه الأخيرة مهلة اضافية للتفكير والتدبر قبل الإقدام على ابرام العقد النهائي.

الفقرة التانية:القيمة القانونية للاتفاقات التي تتم خلال مراحل المفاوضات

من المسلم به أن هذه الاتفاقات والتعهدات التي تتخلل المرحلة التفاوضية في عقود التجارة الدولية’ عادة ما تطرح تساؤلا حول قيمتها القانونية؟

ومن تم فإذا كان العقد التقليدي يقع تاما بمجرد تطابق الايجاب بالقبول، ففي العقود التجارة الدولية تختلف في ابرامها عن هذا الشكل البسيط التقليدي، نظرا لما تتطلبه من تفاهمات تتخلل المراحل الممهدة لها، وينتج عن هذا التمييز العديد من الاثار القانونية التي يرتبها العقد الدولي والتي ما انفكت إشكالاتها مرتعا خصبا للجدل الفقهي خصوصا بالنسبة لإشكالية القيمة القانونية للتفاهمات السابقة للتعاقد.

وقد ذهب الرأي التقليدي إلى ان القانون لا يرتب أي قيمة قانونية لمراحل المفاوضات، وما يسبق العقد من تفاوض لا يعدو أن يكون مساومات لا ترتب أي قيمة قانونية ما لم تتكلل بإبرام العقد النهائي ويبقى لكل متفاوض قطعها متى وكيف شاء.

وهذا الرأي تعوزه مبررات وتنصفه ضرورات التجارة الدولية، مما أدى به إلى ان يكون محل للنقد، فبرز اتجاه أخر نادى بإصباغ الطابع القانوني على المراحل التفاوضية للعقد الدولي، لكن هذا الرأي الأخير لم يعطي أساس القيمة القانونية لكل اتفاق على حدة، مما يعني فتح المجال للقضاء ليلعب دور خلاق في ميدان التجارة الدولية باعتباره الأقدر على تحديد القيمة القانونية للمرحلة التفاوضية.

وقد نصت مذكرة الشروط النموذجية رقم 410[26] التي وضعتها اللجنة الأوربية على تجريد المفاوضات السابقة الشفوية والمكتوبة التي تكون مخالفة للعقد النهائي من أي أثر قانوني،ونفس المقتضى وضعه مجلس المعونة الاقتصادية لدول الكوميكون[27].

بيد أنه يمكن لمحاضر التفاوض وما تضمنته من اتفاقيات مرحلية أن تصبح جزءا من العقد إذا اتفق الأطراف على الاستعانة بها في تكملة العقد، و أن يحرروا عنها ملخصا تتم اضافته كملحق للعقد يصبح جزءا منه يكتسب عندها القوة الملزمة، وقد أعطت اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع لمحاضر التفاوض دورا تفسيريا للعقد إذ هو اكتنفه غموض وذلك حسب المادة الثامنة منها[28].

وفي الأخير يمكننا القول ان المراحل السابقة للتعاقد في ميدان التجارة الدولية وما يتخللها من تفاهمات لا ترتب من حيث الأصل التزامات، ولكن روح قانون التجارة الدولية وضمان الأمن القانوني كلها أمور تتطلب كسر هذا المبدأ كلما تم صهر ارادة المتفاوضين في شكل اتفاق خصوصا عندما تكون المفاوضات منظمة في إطار عقدي.

وعموما نخلص إلى ان القيمة القانونية للمفاوضات تختلف باختلاف النص او عدم النص عليها في العقد، ففي حالة عدم النص على الاعتداد بها من قبل المتفاوضين فلا يتعدى دورها ان يكون تفسيريا وللقاضي او المحكم مطلق الحرية في اعتمادها من عدمه،وعلى نقيض ذلك عند النص على الاعتداد بها بين المتفاوضين، ففي هذه الحالة تتمتع المفاوضات بقيمة قانونية مطلقة وتلزم القاضي والمحكم.

المبحث الثاني: آثار المفاوضات في عقود التجارة الدولية و المسؤولية المترتبة عنها

المفاوضات من الأساليب الدبلوماسية القديمة لتجنب ويلات الحروب و الأزمات بين الدول أو داخلها، و كلما غابت هذه الأخيرة إلا و ازدادت المعانات و الآلام و هذا الأمر نفسه في إبرام العقود التجارة الدولية، فكل مرة يتم فيها تغييب التفاوض إلا و يكون ذلك العقد معرضا بشكل كبير لإحتمال للفسخ أو البطلان أو الإبطال..

لما كانت المفاوضات هي تلك المرحلة السابقة على إبرام العقد النهائي، فإن هذه المرحلة تعد أهم المراحل و الأكثر صعوبة، بحيث أن نجاح العقد التجاري الدولي أو فشله هو رهين بمرور المراحل التمهيدية بشكل جيد و يسير، لذلك أغلب المتفاوضين خاصة الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات ذات الرأسمال الخاص أو تابعة للدول تولي أهمية خاصة للمراحل التفاوضية و تختار أجود المفاوضين و الخبراء للسهر على سيرها، و يبرز لنا هذا الأمر بشكل جلي في الزيارة التي يقوم بها الرجال الأعمال لبعض الدول أو مقرات بعض الشركات الأخرى، إذ في العادة ما يصطحب إلا جواره وفودا من الخبراء و التقنيين و المستشارين القانونيين و ذلك لضمان التحديد الدقيق لحاجياته و الشروط الاخرى التي قد يتحملها مستقبلا.

و كما سبق و أن أشرنا، فإن المفاوضات تتم إما في إطار حر و دون الحاجة إلى اتفاق يؤطر عملية التفاوض، و بالتالي فكل عدول أو قطع للتفاوض بحسن نية لا يترتب عليه أية أثار قانونية، أما في الحالة التي تتم فيها المفاوضات في إطار عقدي بين الأطراف المتفاوضة، إي إذا أختاروا الأطراف وضع اتفاق ينظم كيفية التفاوض بإرادتهم الحرة، فإن هذه الأخيرة تتحمل الالتزامات المترتبة على هذا الاتفاق ( المطلب الأول )، كما أن قيام أحد الأطراف بالإضرار بالأخر سواء عبر الإخلال بالالتزاماته العقدية – عقد المفاوضات- أو بسوء نية في حالة عدم وجود عقد، فإن الطرف المسؤول يتحمل تبعة خطئه ويلتزم بجبر الضرر عبر التعويض أو التنفيذ العيني برغم ما يطرحه هذا الأخير من إشكالات في الواقع العملي ( المطلب الثاني )

المطلب الأول: الالتزامات الأطراف في المراحل التفاوضية

مر معنا أن إرادة الأطراف السابقة على التعاقد النهائي، هي لا تعبر في الأصل على إرادة الالتزام بقدر ما هي تجسد إمكانية الالتزام، بمعنى أن احترام اللالتزامات المتفق عليها في عقد التفاوض، أو حالة عدم وجوده المبادئ المتعارف عليها بين المجتمعات الإنسانية في مجال المعاملات المالية، سوف يؤدي إلى الالتزام بشكل نهائي –في العقد النهائي-، ومن أهم الالتزامات و المبادئ التي يتوجب إحترامها خلال مرحلة المفاوضة نجد الالتزام بحسن النية ( الفقرة الأول ) و الالتزام بالسرية ( الفقرة الثانية ) ثم أيضا الالتزام بعدم قطع المفاوضات ( الفقرة الثالثة ) .

الفقرة الأولى : الالتزام بحسن النية[29]

لا شك أن من المبادئ القانون و الفطرة السليمة تفرض الالتزام بحسن نية في المعاملات بين الأفراد، و لا مراء في كون أن ميدان التجارة الدولية و الداخلية تفرض هذا الالتزام بل تسمو به قمة البديهيات، و قد تم تكريس هذا الالتزام بشكل كبير في ميدان التجارة الدولية، و إذا كان الفقه لا يختلف بخصوص أهمية هذا المبدأ، إلا أن الاختلاف ظهر بخصوص تعريف موحد لمبدأ حسن النية، إذ عرفه البعض بأنه عبارة عن سلوك قويم يتصف بالمعقولية و العدالة و الإنصاف و الأمانة في التصرف– تعريف ايجابي- و هناك من عرفه بأنه المبدأ الذي يقتضي غياب الأضرار و التصرف وفقا للسلوكيات المعقولة المقررة طبقا للأعراف السائدة[30]، و عرفه البعض الأخر بأنه مجرد ” تعاون طرفي المفاوضة على إبرام العقد[31] “.

كما نلاحظ ايضا قيام بعض الاتفاقيات الدولية بالاهتمام بهذا المبدأ و تعريفه، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 1/7 من مبادئ المعهد الدولي للقانون الخاص[32]على أنه” يجب على كل طرف أن يتصرف وفق لما يقتضيه حسن نية أي التعامل العادل في تجارة الدولية“، وأضاف في المادة 3/5 أن” على الطرف لفت نظرا الطرف الأخر إلى الغلط الذي وقع فيه وفق ما تتطلب معايير الدولية المعقولة للتعامل العادي“، و كذلك تطرقت اتفاقية فيينا المتعلقة بالبيع الدولي للبضائع 1980 لهذا المبدأ حيث أكدت على ضرورة أن يتم مراعاة في تفسير هذه الاتفاقية عدة أمور أساسية منها ضمان إحترام حسن النية في التجارة.

و من هنا كان لا بد أن نشير أنه برغم ما يثيره هذا المبدأ من صعوبة في التعرف على مضمونه، باعتبار النية شيء معنوية غير ملموس في الحياة الواقعية، إلا أن هذا الالتزام يضطلع بدور بارز في مجال المفاوضات، و يعتبر الاساس الذي تنبني عليه صحة المعاملات، ويترتب على الالتزام بحسن النية عدة الالتزامات تبعية كالالتزام بالإعلام[33] و الالتزام بالتعاون[34]، فالأول يوجب على الطرف المتفاوض إخبار الطرف الأخر بكل ما لديه من بيانات و معلومات تتعلق بالعقد موضوع التفاوض حتى تستنير إرادة المتعاقدين، و الإدلاء بكافة الأمور التي يرى أهمية في طرحها قبل التعاقد النهائي، و دون إحجام منه أو كتمان منه حتى يتسم التفاوض بالشفافية و يرتكز على المصارحة و المكاشفة..أما الثاني فهو يقتضي من الأطرف المتفاوضة تحديد الاحتياجات و الأهداف بشكل دقيق و واضح، و يظهر الالتزام بوضوح في كافة العقود الفنية مثل برامج الحاسب الألي، الذي قد تتم فيه الإستعانة بالخبير أو الاستعلام لدي أي شركة متخصصة، و يمكن للعميل أن يطلب من المورد الإيضاحات الكافية في هذا الشأن، و يظل الالتزام بالتعاون قائما طوال مرحلة المفاوضة و لا تندرج صور هذا الالتزام بالتعاون على سبيل الحصر بل كل ما يحتاجه سير العملية التفاوضية فهو لازم مثل المواظبة على موعد التفاوض و الجدية في مناقشة العروض المقدمة[35].

الفقرة الثانية : الالتزام بالمحافظة على السرية

بالإضافة إلى الالتزام بحسن النية يوجد الالتزام أخر لا يقل أهمية عن الأول و هو الالتزام بالمحافظة على السرية،إذ أن عقود التجارة الدولية تتميز عادة بخاصية التفاوض على جوانب سرية تتعلق بالشيء محل التعاقد مستقبلا، و غالبا ما تتعلق السرية هنا بجوانب تقنية و تكنولوجيا تحتاج حماية خاصة من الإفشاء أو الإستعمال، و يظهر هذا في عقد نقل التكنواوجيا حيث إن هذا الأخير عند إبرامه على المستوى الداخلي لا يثير إشكالات كثيرة، بعكس ما نجده بالنسبة للعقد المبرم بين أطراف ذوات جنسيات مختلفة، إذ أن هذا العقد تكون مفاوضاته دقيقة و متشعبة و أحيانا أخرى شاقة و معقدة، حيث تناقش خلال تلك المفاوضات تفاصيل كثيرة تتطلب حضور أهل الخبرة الفنية إلى جانب المستشارين القانونيين، وقد تستغرق فترة التفاوض لإعداد المستندات الفنية و القانونية التي تعكس تصور الأطراف لشوط التعاقدية وقتا طويلا، و عادة ما يقوم مورد التكنولوجيا بإعداد المستندات الفنية و القانونية الازمة باعتباره صاحب الخبرة و الأقدر على عرض شروطه لانتقال تكنولوجيا محل التفاوض، لكن مع ذلك فأنه ينصح باشتراك الفنيين و القانونيين للمستورد خلال المراحل الأولى للمفاوضات[36].

و الالتزام بالسرية في عقود نقل التكنولوجيا، يفرض علينا التفرقة بين المناقشة التي تجرى بين الأطراف المتفاوضة حول شروط إبرام الصفقة و غيرها من التفاصيل الأخرى، و بين سرية التكنولوجيا موضوع العقد و التي تثير العديد من الإشكالات على المستوى العملي، خاصة بالنسبة لتلك التكنولوجيا التي تكون في شكل معرفة فنية أي تكنولوجيا غير محمية ببراءة إختراع[37]، كما قد تكون في المنتج ذاته أو في الجهاز أو طريقة التركيب أو التصنيع…

و من بين الاشكالات العملية التي تثار في هذا الصدد، ذلك الصراع الذي ينشب في مرحلة التفاوض بين المورد و المستورد، فبينما هذا الأخير يرغب في الإطلاع و التعرف على كل الجوانب التقنية للتكنولوجيا موضوع التفاوض حتى يتأكد من جدواها له و يطمئن أن المقابل أو الثمن الذي يدفعه يعد ثمنا عادلا لما سيحصل عليه، في حين أن المورد يحاول المحافظة على سرية التكنولوجيا التي يمتلكها لأقصى دراجة و إلا تسربت و أصبحت مشاعا فيفقد حسب اعتقاده السيطرة على استغلالها بأسلوب إستئثاريا.و في هذه الحالة غالبا ما يطلب المورد من المستورد توقيع تعهد بعدم إفشاء الأسرار التكنولوجية التي سيطلع عليها خلال مرحلة المفاوضات، و موضوع هذا التعهد الالتزام المستورد و خبرائه، سواء التابعون له مباشرة أو الخبراء الأجانب التي قد يتم الإستعانة بهم لفحص التكنولوجيا بعدم إفشاء أو تسريب تحت طائلة الالتزام المستورد بالتعويض.

بل أكثر من هذا، فإن بعض الموردين للتكنولوجيا خاصة الشركات الكبرى يتشبتون بإجراء مفاوضات عقود نقل التكنولوجيا في مكاتبهم، و بحضور عدد محدودا من خبراء كلا الطرفين حتى لا يحدث تسرب للمعلومات الفنية، ذلك أن رغبة المستورد في التكنولوجيا قد تتطلب بعض الرسومات أو إجراء بعض التجارب أو عرض نماذج معينة، مما يجعل الشركات الكبرى ترفض إجراء مفاوضات في مكان غير المكان الذي ذكرناه سابقا و تحت إشرافها و حراستها خوفا من تعرضها للسطو على أسرارها كأحد صور الجاسوسية الصناعية[38] .

و كذلك يمكن للمورد في بعض الأحيان إذ لم يطمئن للإجراءات السابقة، أن يطلب من المستورد تقديم كفالة مالية كخطاب الضمان [39]مثلا أو إيداع مبلغ معين يتفق على قيمته لدى إحدى البنوك كضمانة، و إذا ما أخل المستورد خلال مرحلة المفاوضة بالالتزامه بالمحافظة على السرية يمكن للمورد القيام بتسييل خطاب الضمان، أما إذا نجحت المفاوضات و تم إبرام العقد بشكل نهائي ففي العادة تعتبر تلك الكفالة المالية جزءا من الثمن المتفق عليه كمقابل للتكنولوجيا، و كذا ليس هناك ما يمنع المستورد أن يقحم ضمن التعهدات التي يبرمها مع المورد شرطا يقضي باسترداد الكفالة المالية المقدمة من قبله و تحديد كيفية استردادها و مواعيد ذلك إذا ما فشلت المفاوضات دون اقترافه لأي خطأ.

الفقرة الثالثة: الالتزام بعدم قطع المفاوضات

من بين الالتزامات الأخرى التي تقع على الأطراف المتفاوضة في عقود التجارة الدولية، الالتزام بعدم قطع المفاوضات و مفاد هذا الأخير أن كل طرف يتوجب عليه الاستمرار في التفاوض خلال كل المراحل التي تتطلبها جولات التفاوض، و الغاية من إقرار هذا الالتزام هو تجنب العبث و التلاعبات التي تطرأ خلال مرحلة التفاوض و توفير الحد الأدنى من الجدية بما قد يترتب على هذا لأمر ابرام المزيد من العقود التجارية الدولية مما يعود بالازدهار على كل الشعوب و الأمم، و القاعدة العامة أن المفاوضة تتم بشكل حر و دون قيود و يمكن لأي طرف العدول وقطع المفاوضات إذ اقتضت مصلحته ذلك و بنية حسنة، و هنا نقصد بالالتزام بعدم قطع المفاوضات كما هو متعارف عليه المبادئ العامة للعدالة والإنصاف هو أن يلتزم بأن لا يكون هذا القطع للمفاوضات أو الانسحاب منها بسوء نية و بهدف الاضرار بالغير..

أما اذا تعلق الأمر بوجود اتفاق عقدي يؤطر عملية التفاوض، و يحدد الالتزامات التي تقع على عاتق الأفراد خلال هذه المرحلة، فأنا الأفراد يتعين عليهم احترام ما تم الاتفاق عليه وفي العادة من يتم التنصيص على الالتزام بعدم قطع المفاوضات[40]، و بالتالي إذا ما تم قطع المفاوضات أو الانسحاب منها حتى ولو كان بحسن نية فإن المخل يلتزم بالتعويض، تطبيقا لأحكام المسؤولية العقدية بشرط إثبات المتضرر العناصر القانونية .

ومن هنا نخلص أن الإخلال بالالتزام بعدم قطع المفاوضات يكون أيسر من حيث عبء الاثبات في المفاوضة العقدية، إذ المخل يتحمل المسؤولية بمجرد عدم حضوره أو انسحابه عكس لما تم الاتفاق عليه دون النظر إلى مدى حسن أو سوء نيته، بخلاف عبء الاثبات لإخلال بالالتزام بعدم قطع المفاوضات في المفاوضة الحرة الذي يكون من الصعب اثبات وقوعه بسبب عدم وجود عقد يثبت الاتفاق كما أن اثبات أن الانقطاع عن المفاوضات كان بسوء نية و بقصد الاضرار هو أمر في غاية الدقة و الصعوبة من ناحية العملية.

المطلب الثاني: المسؤولية المترتبة عن المفاوضات في عقود التجارة الدولية

تقوم المسؤولية المدنية بدور ايجابي و فعال في مرحلة التفاوض في عقود التجارة الدولية، حيث تساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن و طمأنينة للأطراف المتفاوضة، إذ أن كل متفاوض له مطلق الحرية في قطع المفاوضات أو العدول عنها متى شاء لا يحركه في ذلك سوى مصلحته الخاصة، غير أن هذه الحرية على إطلاقها تتعارض مع حاجة الأطراف الملحة إلى الشعور بل الأمان و هو الشعور الذي يجعل كل طرف يقدم على التفاوض و هو مطمئن لا يخشى إي عذرا أو خديعة من طرف الأخر، و لو ضاع الشعور بالأمان لساد قانون الغاب في المفاوضات، و هذا ما فيه من أضرار بالاستثمارات و زعزعة الأمن و الاستقرار المعاملات[41] مما يعود بالعواقب الوخيمة على اقتصاديات و الثقة بين المجتمعات الإنسانية.

و من هنا كان لا بد من تدخل قواعد المسؤولية المدنية للتوفيق بين متطلبات الأطراف المتعارضة، تكفل للمتفاوض حماية قانونية فعالة و تضمن له تعويضا عادلا إذ ما لحقه ضررا من جراء إخلال المتفاوض الأخر بالالتزاماته، و بما أن المفاوضات هي مرحلة سابقة لإبرام العقد النهائي فهي تتميز بالتشابك و تتطلب أحيانا فترات زمنية طويلة أو قصيرة تتلاءم مع طبيعة العقد المتفاوض بشأنه، و نظرا لما يمكن أن يتخلل مراحل التفاوض من خرق للالتزامات و الواجبات التي تقتضيها مراحل التفاوض، فإن إثارة المسؤولية تجد أكثر من أساس إذ تكون المسؤولية عقدية في حالة تم إبرام عقد للتفاوض (الفقرة الأولى) أو قد تكون المسؤولية تقصيرية في حالة عدم وجود عقد للتفاوض (الفقرة الثانية)، كما ليس هناك ما يمنع من تصورنا لوجود مسؤولية مزدوجة في بعض الأحيان كما سنبرر ذلك (الفقرة الثالث) .

الفقرة الأولى : المسؤولية العقدية[42] المترتبة عن المفاوضات في عقود التجارة الدولية

لقد شكل مبدأ سلطان الإرادة أحد الركائز الأساسية التي تحكم المعاملات المالية بين الأفراد، و هؤلاء الأفراد لهم الصلاحية الكاملة في إبرام ما شاؤوا من عقود لا يقيدهم في ذلك إلا القانون، و بهذا فإن الإرادة التي اختارت الالتزام بمحض اقتناعها فهي تتحمل المسؤولية العقدية عن كل تهاون أو تراخي في تنفيذ الالتزامات الناتجة عن العقد المتفق عليه.

و إذا كان المفاوضة في عقود التجارة الدولية منظمة بموجب اتفاق كالالتزام التفاوض بحسن نية أو الالتزام بعدم قطع المفاوضات أو الالتزام بالمحافظة على السرية..و غيرها من الالتزامات التي يترتب على خرقها قيام المسؤولية العقدية في حق المسؤول، و تطبيقا للقواعد العامة المنظمة لأحكام المسؤولية العقدية، و يشترط لقيام هاته الاخيرة توافر ثلاثة عناصر أساسية تتجلى في ارتكاب خطأ أو اخلال بالالتزام يترتب عنه ضرر و وجود علاقة سببية بين الخطأ و الضرر، بمعنى أنه لولا الخطأ لما كان الضرر.

و يتخذ الخطأ العقدي أكثر من مظهر قانوني يختلف باختلاف نوعية الالتزام الذي تم الاخلال به، فقد يكون امتناع أحد الأطراف عن تنفيذ التزاماته أو التأخر عن تنفيذ الالتزام، كما هو الحال قطع المفاوضات بشكل تعسفي و على نحو مخالف لما تم الاتفاق عليه أو استفزاز المتفاوض و دفعه على قطع المفاوضات[43].

أما اثبات هذا الخطأ العقدي فالقاعدة العامة في الاثبات[44]، هي من يدعي شي عليه اثباته و هذه القاعدة لم يقتصر مجالها في نطاق العقود الدخلي و إنما امتدت لتشمل حتى للعقود التي تتم خارج الدولة، و في إطار عقد المفاوضة يتعين على الطرف المضرور إقامة دليل عن وجود عقد تفاوض مكتوب أو أن يقر المدعي عليه بوجود الالتزام، ذلك إن إقرار الخصم هو أقوى دليل يأخذ به المرء و أقوى من حيث الحجية من إقامة الدليل عليه[45]، و كذلك الاخلال بهذا العقد.

بل إضافة إلى هذا يجب أن يترتب على هذا الخطأ أضرار تلحق المتفاوض في مرحلة التفاوض في عقود التجارة الدولية، و يتعين على هذا الأخير إقامة دليل عليه، و يعتبر الضرر تلك الشرارة الأولى التي ينبعث منها التفكير في مساءلة مرتقبة و إقامة دعوى التعويض، و الضرر هو كل ما يلحق المتفاوض من خسارة مالية و تفويت للفرص الربح بشرط أن يتصل اتصالا مباشر بالفعل الموجب للمسؤولية، ثم أن هذا الضرر يتنوع إلى ضرر مادي و معنوي، الأول يتمثل فيما يصيب المتفاوض من الناحية المالية مثل النفقات التي تكبدها في سبيل التفاوض على العقد الذي باء بالفشل، و الوقت الذي أمضاه في هذا التفاوض و الفرص التي فوتها بسبب ذلك و كذا ضياع حقه المالي في أفكاره السرية التي تم إفشاءها أو استغلالها بدون إذنه..و غيرها، أما الثاني فيتجلى في كل ما يمس المتفاوض في سمعته أو اعتباره كأن يؤدي فشل المفاوضة إلى لإساءة بالسمعة التجاري لهذا المتفاوض[46].

و تجدر الإشارة، أن التعويض[47] في المسؤولية العقدية كمؤسسة وظيفتها تصحيح الأوضاع التي اختلت نتيجة وقوع الضرر من خلال إعادة الأمور إلى نصابها، ويشمل التعويض في المسؤولية العقدية الضرر الشخصي المحقق و المباشر و المتوقع فقط، دون الضرر الغير المتوقع من غير حالتي الخطأ الجسيم أو التدليس[48].

و يتم التعويض إما بمقابل إذ يقوم المسؤول أو المدين بأداء شيء أخر غير ذلك الشيء المتفق عليه و تبرأ ذمته بمجرد قبول المضرور ذلك المقابل و إما أن يتم التعويض عينيا[49] إي الالتزام المسؤول بأداء عين ما تم الاتفاق عليه بشرط أن يكوم ممكنا و لا يرهق المدين و بناءا على طلب هذا الأخير أو الدائن، و يطرح التنفيذ العيني في عقد المفاوضة إشكالات عديدة، أهمها صعوبة إلزام الطرف الأخر المسؤول على التنفيذ عيننا في حالة كان الإخلال هو قطع المفاوضات مثلا، إذ لا يمكن إجبار المسؤول على العودة إلى طاولة التفاوض أو إستمراره، لأن هذا التنفيذ العيني في هذه الحالة هو إجبار و مساس بالحرية الشخصية للمدين و هنا لا يجوز مخالفة القاعدة العامة المتعارف عليها التي تقضي بأن” لا يكره المرء على فعل ما لا يريد “، و بالتالي لا يجوز إجبار المتفاوض على بدأ أو مواصلة التفاوض، بالإضافة إلى أن هذا الإجبار غير منتج، مما يتبادر إلى ذهننا التساؤل التالي : كيف يمكن للطرف المتضرر في عقد المفاوضة جبر الضرر الذي لحقه إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن؟

يذهب أغلب الفقه إلى أن السبيل الوحيد للحصول المضرور على التعويض الملائم في حالة عدم إمكانية التنفيذ العيني، هو مطالبة القضاء المعروض أمامه النزاع أو المحكم بفرض جزاء أخر كالغرامة التهديدية، و بالتالي لا يكون أمام الدائن سوى تصفية الغرامة التي هي في نهاية التعويض.

الفقرة الثانية: المسؤولية التقصيرية المترتبة عن المفاوضات في عقود التجارة الدولية

الجدير بالذكر، أن المفاوضة في العقود التجارية الدولية كمبدأ عام تتم في إطار حر و بشكل تلقائي دون حاجة الأطراف المتفاوضة إلى إي إطار عقدي، وبالتالي إذ قام أحد الأطراف بإلحاق الضرر بالأخر فلا يمكن تطبيق مقتضيات المسؤولية العقدية السالفة الذكر، و ذلك للسبب بسيط و هو غياب عقد المفاوضة، و هكذا فليس من سبيل لطرف المتضرر للحصول على التعويض هو سلوك قواعد المسؤولية التقصيرية، باعتبار أن المسؤول تم الإخلال بالتزام عام مفروض على الجميع يقضي بتوخي الأفراد للحيطة و الحذر للتجنب الإضرار بالأخرين، و بما أن تصرف الطرف المتفاوض ألحق ضرر بالمتفاوض الأخر فأنه يتحمل تبعة تصرفه، كما هو الحال قطع المفاوضات الحرة أو العدول عنها[50].. فهذا القطع أو الانسحاب هو أمر مباح للأطراف المتفاوضة و لا يرتب أية مسؤولية لأن الأفراد أقدر على تقدير مصالحهم الخاصة وتصرف وفق من تقتضيه مصالحهم، لكن متى نتج عن هذا القطع أو العدول ضرر للطرف الأخر و كان بسوء نية فإن المسؤول يتحمل المسؤولية و يلتزم بالتعويض وفق قواعد المسؤولية التقصيرية.

تعتبر المسؤولية التقصيرية أحد أهم مصادر الالتزام و التي تأتي في المرتبة الثانية بعد العقد من الناحية العملية، خاصة مع تطور وسائل النقل الوطنية و الدولية و حلول الآلة محل الإنسان مما نتج عن هذا ارتفاع كبير في حجم الأضرار ،و يستلزم لقيام المسؤولية التقصيرية توافر ثلاثة عناصر جوهرية وهي الخطأ التقصيري، و الضرر، و العلاقة السببية بين الخطـأ و الضرر.

و الخطأ التقصيري بوجه عام هو انحراف في السلوك المألوف عن الشخص المعتاد الذي يوجد في نفس الظروف المحيطة بالمعتدي، إذ هذا الانحراف ينطوي الخروج على الواجب العام المفروض على الكافة و هو على الشخص أن يتبع في سلوكه الحيطة و التبصر حتى لا يضر بالغير، و هكذا يكون المتفاوض مخطئا خطأ تقصيريا إذ انحرف في سلوكه أثناء التفاوض عن السلوك المعتاد بين المتفاوضين في عقود التجارة الدولي، مما استتبع انحرافه تضرر المتفاوض لأخر و بالتالي يكون مسؤولا وفق أحكام المسؤولية التقصيرية، و قد أكدت الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية أن المفاوضات يحكمها مبدآن مبدأ حرية التعاقد ومبدأ حسن النية وهذا الأخير يقتضي مراعاة المصالح المبررة المشروعة للطرف الآخر.

ومن خلال الأحكام المختلفة للمحاكم الفرنسية يمكن أن نستنتج أن القضاء الفرنسي يعد أن هناك قطعاً غير مبررٍ للمفاوضات في عدة حالات نذكر منها:

– إنهاء التفاوض بصورة مفاجئة وبقرار منفرد بعد أن وصلت المفاوضات إلى مرحلة متقدمة وبعد أن أُنفق في سبيل الوصول إلى ما وصلت إليه مصاريف كثيرة، وقد ورد في إحدى القضايا المعروضة أمام إحدى المحاكم الفرنسية ” قطع المفاوضات فجأة ودون مبرر مشروع بعد أن بلغت مبلغاً متقدماً مما يخالف مقتضيات حسن النية في المعاملات التجارية، ويعد ذلك من قبيل الخطأ التقصيري الموجب للمسؤولية[51] ”

– تعمد الطرف القاطع ترك الطرف الآخر في حالة من الغموض وعدم الوضوح بالنسبة إلى مصير المفاوضات، وعدم مكاشفته بالرغبة في إنهاء التفاوض في الوقت المناسب.

وذهبت أيضاً المحاكم الألمانية مذهباً مماثلاً إذ رأت المحكمة العليا الألمانية أن الأطراف المتفاوضة بإمكانها التعويل على الثقة المشروعة التي يوليها المتفاوض للآخر، بحيث يكون من حقه أن يحصل على التعويض عما يصيبه من أضرار نتيجة الإخلال بهذه الثقة إذ إ ن هذا الإخلال يعد خطأً موجباً للمسؤولية[52].

ولم تبتعد المحاكم الايطالية بدورها عن هذا الاتجاه ففي أحد قراراتها ذهبت إلى أنَّه ” إذا كان أحد الطرفين في أثناء المفاوضة قد أحدث في الآخر نفسه ثقة معقولة في إبرام العقد ثم قطع المفاوضات دون سبب معقول، أو بسوء نية فانه يكون مسؤولاً بتعويض الضرر[53] ”

و يتبين لنا من سياق ما ذكرنا أن القضاء في دول عدة يعتبر الطرف الناكل عن المفاوضات ضمن شروط معينة مخطأً ومن ثم تترتب عليه مسؤولية تقصيرية يكون معها ملزما بالتعويض على الطرف المتضرر.

و إذ كانت المسؤولية تستوجب كأصل عام ضرورة الاخلال بالالتزامات قانونية، إلا هذا لا يعني استبعاد المسؤولية في الحالات التي لا يوجد فيها نص قانوني، فالعنصر المادي للمسؤولية التقصيرية قد يتحقق ولو حصل الاخلال بالالتزامات غير قانونية و لكنه مستقاة من ضوابط التعايش بين الأفراد و الجماعات.

كما أن صور الخطأ التقصيري أثناء مرحلة المفاوضات هي متعددة، و يمكن تصور حدوثها في المفاوضات الحرة أو العقدية، و أهم هذه الصور و أكثرها وقوعا في الحياة العملية هي رشوة المتفاوض و التفاوض على ملك الغير[54]، فالصورة الأولى تظهر في بعض العقود التي تبرمها الدولة و مشروعاتها العامة التي تتطلب إسناد عملية المفاوضات و إبرام العقد الدولي من أجل إنجاز خطط التنمية و نقل التكنولوجيا و تحقيق التراكم الرأسمالي إلى موظفين السواد الأعظم منهم غير مؤهل للتحمل المسؤولية خاصة في الدول النامية، و بما أن قيمة هذه العقود الدولية تساوي المليارات الدولار فإن الصراع يحتدم بين الشركات المتنافسة، مما يؤدي لقيام هذه الشركات الأجنبية بتقديم رشاوي إلى المسؤولين المنوط بهم القيام بمهام التفاوض و إبرام العقود. أما الصورة الثانية فتتجلى في الحالة التي يقوم احد أطراف التفاوض بالدخول في مفاوضات من أجل التصرف في مال معين مملوك بالذات دون ان يكون مالكا له ولا من المؤكد تملكه قبل إبرام العقد النهائي[55]،و بهذا قد يكون ارتكب خطأ تقصيري يرتب مسؤوليته بالتعويض الطرف الأخر المتفاوض معه، و إذ قام بهذا التصرف في ملك الغير و هو يعلم بذلك فأنه يكون قد اقترف غشا، و إذ كان لا يعلم فإنه يعد مرتكبا للخطأ جسيم يستوجب مساءلته عن إهماله و رعوناته..

و إضافة إلى عنصر الخطأ التقصيري، فيجب على هذا الأخير أن يترتب عنه ضررا بالطرف الأخر المتفاوض في العقد التجاري الدولي، و يكون الضرر ماديا أي ما لحق الدائن من خسارة مالية أو جسدية..و قد يكون معنويا أي المساس بسمعة المتفاوض التجارية و تقليص منسوب الثقة التي كانت له في السوق الدولية..، كما يتوجب توفر عنصر ثالث هو الرابط بين الخطأ و الضرر يسمى بالعلاقة السببية التي تفيد أن لولا ذلك الخطأ التقصيري لما لحق المتفاوض الأخر ضرر، بمعنى أن الخطأ هو السبب المباشر في وقوع الضرر أي أن الأول هو نتيجة منطقية للثاني، و بالتالي يتعين على المتفاوض المتضرر اثبات وقوع الخطأ أي اثبات أن المسؤول تفاوض فيما لا يملك و كذا اثبات أن الضرر الذي لحقه لأنه أضاع وقته و جهده مع شخص ليس هو المالك الحقيقي لشيء موضوع التفاوض في العقد التجاري الدولي،و اثبات أن لولا تفاوض المخطئ فيما لا يملك لما لحقه الضرر، وبمجرد اثبات هاته العناصر فإن المتضرر يستحق التعويض الذي يشمل الضرر الشخصي المحقق و المباشر و حتى الغير المباشر.

الفقرة الثالثة : المسؤولية المزدوجة المترتبة عن المفاوضات في عقود التجارة الدولية

كما جرى الفقه على تقسيم المسؤولية إلى قسمين لأولى عقدية و ثانية تقصيرية، فأننا يمكن تصور وجود المسؤولية مزدوجة في عقود التجارة الدولية، بمعنى يمكن مساءلة المتفاوض على الخطأ التقصيرية و في نفس الوقت على الخطأ العقدية، و إذ كان هذا الأمر يقع بشكل نادر في الحياة العملية إلا أن وقوعها ممكن، و إذا كان بعض الفقه يضع حاجزا سميكا بين المسؤوليتين ولا يتصور إلتقائهما، فأننا نذهب خلاف ذلك و نشير إلى امكانية وجود هذا النوع من المسؤولية في العقود التجارة الدولية، و سنبرر هذا من خلال المثال التالي: إذ في حالة وجود شركة عملاقة ( أ) تريد إبرام عقدين تجارين دوليين مع شركة أخرى (ب) متخصصة في تصدير الطاقة و المعادن من أجل توريد الفوسفاط الخام و النفط، فتقوم الشركة العملاقة (أ) بدخول في مفاوضات مع الشركة (ب) من أجل التمهيد لإبرام هاتين العقدين، فتقرر الشركة العملاقة (أ) دخول مع المتفاوضين متخصصين في قطاع الفوسفاط تابعين لشركة (ب) في مفاوضات و تخضع تنظيمها إلى عقد المفاوضة، و في نفس الوقت تقوم الشركة (أ) بدخول في مفاوضات مع المتفاوضين المتخصصين في قطاع النفط تابعين للشركة (ب) بشكل حر و دون اخضاعها لإطار عقدي، و بعد مرور ثلاثة سنوات تتصل الشركة (أ) بالشركة (ب) تخبرها أنها قد قطعت أو انسحبت من كل المفاوضات بدون مبرر حقيقي..

في هذا المثال، يمكن للمتفاوضين في قطاع الفوسفاط التابعين للشركة (ب) العودة على الشركة (أ) بالمسؤولية العقدية لوجود عقد المفاوضة شريطة اثبات وجود هذا الأخير، كما يمكن للمتفاوضين في قطاع النفط التابعين للشركة (ب) في نفس الوقت الرجوع على الشركة (أ) ليس في إطار المسؤولية العقدية لغياب وجود عقد المفاوضة، و إنما في إطار المسؤولية التقصيرية شريطة اثبات هؤلاء المتفاوضين في قطاع النفط التابعين للشركة (ب) أن الشركة (أ) قامت بقطع المفاوضات أو انسحبت بسوء نية و دون وجود مبرر معقول لهذا السلوك مما ألحقها أضرار جسيمة و فوت عليها الصفقات كثيرة كانت سوف تبرمها لولا المفاوضات.

و كخلاصة يمكننا القول، أن المسؤولية في المفاوضات في عقود التجارة الدولية ليست على الدراجة واحدة، و أنما تتعدد إذ هناك مسؤولية عقدية (عقد المفاوضة) و مسؤولية تقصيرية (غياب عقد المفاوضة و سوء النية)، وفي بعض الأحيان قد تكون مسؤولية مزدوجة في نفس الوقت، إلا أنه من خلال تأملنا في لأحكام المنظمة لهاته المسؤوليات نلاحظ، أن المسؤولية العقدية تعتبر أكثر حماية للأطراف المتفاوضة في عقود التجارة الدولية، لعدة اعتبارات، أولها أن المسؤولية العقدية سهلة الاثبات لكلا الطرفين و لا يمكن الحديث عن الاخلال إلا إذ تم التنصيص على الالتزام، بخلاف المسؤولية التقصيرية التي تشجع على الفوضى و العبث بالمفاوضات مما يتسبب في ضياع حقوق المتفاوضين، ثانيا يؤدي الأخذ بالمسؤولية التقصيرية في مرحلة المفاوضة إلى تنفير الأفراد من الدخول المفاوضات،و هم يعلمون مسبقا أنهم تحت رحمة القواعد المسؤولية التقصيرية و يلتزمون بالتعويض على كل الأضرار حتى الغير المتوقعة، و ما يعقد الأمر هو إمكانية مساءلتهم في أية لحظة حتى ولو كان قطع المفاوضات بشكل تلقائي و بنية حسنة، و ثالثا فإن المسؤولية التقصيرية رغم حمايتها للمتفاوض المتضرر من خلال إقرار تعويضات سخية في حقه، و هذا أمر إيجابي من شأنه تشجيع الثقة و تحفيز الأفراد على إبرام المزيد من العقود التجارية الدولية، إلا أن الوقع يكشف أن هناك العديد صعوبات في الاثبات تعترض هذا المتفاوض خاصة عدم وجود عقد و بالتالي الالتزامات الأطراف غير محددة بشكل دقيق، كما أن اثبات سوء نية المتفاوض الأخر هو في الغالب صعب المنال .

و الواقع أن الدافع وراء ظهور اتفاقات المفاوضة في العقود التجارة الدولية بشكل كبير في الحياة العملية، هو حاجة الأفراد إلى الشعور بالأمان أثناء التفاوض وخشيتهم من أن يظلوا تحت رحمة قواعد المسؤولية التقصيرية، التي جعلت من صعوبة الاثبات و الحرية التفاوضية المطلقة فخا يأتي على المتفاوض المخل بتعويضات جد قاسية، إذ ما استطاع المتضرر اثبات سوء نيته و إهماله.

خاتمة :

من خلال ما سبق، نستشف أن مرحلة المفاوضة في عقود التجارة الدولية تتميز بعدة خصوصيات تجعلها تنفرد على مرحلة المفاوضة في العقود الداخلية، فإذا كانت هذه الأخيرة لا تعر الاهتمام البالغ إلى مرحلة المفاوضة، فإن في عقود التجارة الدولية تعد المفاوضات فيها مرحلة أساسية و جوهرية لا يمكن الاستغناء عنها أو تقليل من أهميتها، بل هي سر النجاح للعديد من الشركات المعروفة اليوم، و لا نبالغ إذ قلنا أن التنمية الإقتصادية لكل للدول مرتبطة بمدى توفرها على خبراء يجيدون المفاوضات، و بما أن العالم اليوم أصبح يتحدث لغة الاقتصاد ولم تعد للترسانة النووية تلك الأهمية التي كانت لها قبل سقوط جدار برلين، فإن مرحلة المفاوضة قبل إبرام العقود أصبحت مسألة لا غنى عنها اليوم.

بل نلاحظ أن مرحلة المفاوضات تخطت المسائل الاقتصادية إلى المسائل السياسية، إذ في بعض الأحيان نجد دول ترسل مفاوضيها و خبرائها التقنيين و الفنيين من أجل إجراء فحوصات أولية و التمهيد لاتفاقات المبدئية حول الشروط التعاقدية قبل الإقدام على إبرام العقد النهائي مع دولة أخرى، و الذي تبلغ قيمته في أغلب الحالات الملايين الدولارات و بمجرد وقوع بعض المناوشات السياسية أو الدبلوماسية نجد كل دولة تلوح بقطع المفاوضات كأحد أوراق الضغط الاقتصادي التي تشهرها في مثل هذه الأزمات،وفي ضوء هذه النتائج التي تم التوصل إليها يمكن لنا تأكيد التوصيات الآتية:

بالنظر إلى أهمية بعض العقود كعقود نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية فلا بد من البحث في أفضل السبل وانتقاء أفضل الصيغ التي تحقق مصلحة هذه الدول، ولما كانت الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسيات تمثل الطرف القوي في مثل هذه العقود، فلا بد من التأكيد على مسؤولية هذه الأخيرة في المدة السابقة على التعاقد في حال الإخلال بما يفرضه حسن النية من موجبات.
لما كانت عدوى الاهتمام بهذا الموضوع لما تنتقل للتشريع بعد، فلابد من تأكيد ضرورة أن تُعدلُ التشريعات الوضعية القائمة؛ وذلك بإضافة نصوص تتناول هذه المرحلة بالتنظيم، توخياً لبلورة أبعادها وتحديد مضامينها، فإعمال المبادئ العامة والنظريات الراسخة وإن كان يساعد على معالجة بعض المشكلات إلا أن ذلك قد لا يفي بالغرض في أحيان كثيرة، ثم إن من شأن معالجة مرحلة ما قبل العقد ومسؤولية الأطراف خلالها تشريعاً أن تغني القاضي عن إعمال القياس والركون إلى المقاربات التي قد تنأى به عن العدالة في أحيان كثيرة.
في ما يتعلق بطبيعة المسؤولية الأطراف في مرحلة ما قبل التعاقد، فإننا لا نرى غضاضة في تبني الاتجاه القائل بالمسؤولية التقصيرية في هذه المرحلة، خاصة أن هذا الاتجاه قد تعزز بحجج كثيرة ساقها الفقه في اكثر من دولة، فضلاً عن أن أغلب أحكام القضاء جاءت مؤيدة لهذا التوجه، مع الأخذ بالحسبان انه في حال تبلور اتفاقات محددة المعالم بين الأطراف وكانت هذه الاتفاقات تفرض التزامات معينة في الإخلال بهذه الالتزامات يرتب على الطرف المخل مسؤولية عقدية مع ما يتبع ذلك من أحكام.

 

(محاماه نت)

إغلاق