دراسات قانونية

بحث قانوني حول عقوبة الاعدام في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية

ما ھو موقف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام ، ھل ھناك إشارة إلیھا في نصوصه أم لا ؟ لم یتطرق الإعلان العالمي إلى عقوبة الإعدام ، حیث خلت نصوصھ من الإشارة إلى ھذه العقوبة ولكن نجد المادة الثالثة منه تنص على : ” لكل فرد الحق في الحیاة والحریة ، وسلامة شخصه . ” لذلك فقد تمت مناقشة مسألة عقوبة الإعدام في إطار الحق في الحیاة ، وھذا خلال الفترة التي تم التحضیر فیھا لمشروع الإعلان ، حیث قامت الأقلیة من المشاركین بعرض اقتراح یتمثل في أن عقوبة الإعدام تمثل انتھاكا للحق في الحیاة ، ولكنھ لم یلق الإجماع العام . خلال الأعمال التحضیریة للإعلان قدمت العدید من المقترحات المتعلقة بمسألة عقوبة الإعدام فالاقتراح الأول تمثل في النص صراحة على عقوبة الإعدام باعتبارھا قید أو استثناء على الحق في الحیاة أما الاقتراح الثاني فقد نص على إلغاء عقوبة الإعدام ، و تضمن الاقتراح الأخیر النص على الحق في الحیاة من دون الإشارة إلى عقوبة الإعدام (1) لقد بذل مجھود كبیر في سان فرانسیسكو، من أجل تبني میثاق عالمي لحقوق الإنسان أو ما یسمى بالشرعة الدولیة لحقوق الإنسان ، فقد كانت الفكرة تدور أساسا حول إعداد وثیقة بشأن حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة یتم إرفاقھا بالمیثاق وعدھا جزءا لا یتجزأ منھ ، لكن لم یستجب لھذا المشروع خلال المؤتمر . انعقدت الدورة الأولى للجنة حقوق الإنسان في 10 فیفري 1947 ، خلالھا قامت الأمانة العامة وعلى رأسھا ” جون ھمفري”بإعداد مذكرة لشأن المقترحات التي أدلت بھا بعض الدول كبنما ، كوبا ، تشیلي ، الولایات المتحدة الأمریكیة حیث اكتمل ملف اللجنة ب 14 مشروع آخر ، وعلى إثرھا قدمت الأمانة العامة ثلاثة اقتراحات متعلقة بشكل ھذه الوثیقة تتمثل في وثیقة في شكل إعلان ، أو یكون في شكل معاھدة ملزمة ، أو یكون مجرد تعدیل لمیثاق الأمم المتحدة ، أما فیما یخص الحقوق التي تتضمنھا ھذه الوثیقة فھي حقوق متعلقة بالمساواة ، بالحریة وأخرى بالضمان الاجتماعي ، وكان الحق في الحیاة أول عنوان في قائمة الحقوق المتعلقة بالحریة (2) من اجل إعداد المشروع تم تشكیل لجنة صیاغة مخصصة لھذا الغرض تضم ممثلین من استرالیا ، شیلي الصین ، فرنسا لبنان ، المملكة المتحدة ، الولایات المتحدة الأمریكیة ، الھند ، بنما ، كوبا وفي الوقت نفسه أعدت لجنة حقوق الإنسان مسودة أولیة تتضمن دیباجة و 48 مادة وفي انتظار اجتماع لجنة الصیاغة قامت كل من الولایات المتحدة والمملكة المتحدة بتقدیم اقتراحات أخرى تتمثل في اعتبار عقوبة الإعدام استثناء على الحق في الحیاة والذي تمت دراستھ في نفس الوقت مع اقتراح الأمانة العامة للجنة . حقوق الإنسان أثناء انعقاد الجلسة العامة للجنة في جوان 1947 (3) لكن ” روینه كاسان ” و ” روزفلت” صرحا انھ من الأفضل تجنب الإشارة إلى عقوبة الإعدام لسببین أثنین : أولھما أن ھناك العدید من الدول على وشك إلغاء عقوبة الإعدام وثانیھما أن الأمم المتحدة وافقت على مبدأ إلغاء العقوبة .

وقد كان” السید كورتسكي ” ، المندوب السوفیاتي من بین المؤیدین لوجھات نظرھم وفي نھایة جلسات للجنة الصیاغة ، أتان أن تسند مھمة إعداد مسودة أولیة لمشروع الإعلان على فرد واحد وھو” رونیھ كاسان” الذي قرر حذف جمیع الإشارات السابقة لعقوبة الإعدام (4) .في عام 1947 لم یكن ھناك اختیار نھائي لشكل ھذه الوثیقة ، حیث قامت لجنة الصیاغة بإعداد وثیقتین منفصلتین مشروع إعلان ومشروع اتفاقیة ، فالأول قدمه “روینھ كاسان” وتنعدم فیه الإشارة إلى عقوبة الإعدام ، أما المشروع الثاني فھو المقترح من قبل المملكة المتحدة. أما فیما یخص نص المادة الثالثة فرغم الجھود المبذولة لإدخال تعدیلات على النص الأصلي إلا انه تمت إحالته دون تغییر للجنة التي تبنتھ ب 16 صوت دون وجود تصویت بضد أو امتناع ، حیث تم تناول المادة الثالثة في قسمین یتضمن ” لكل فرد الحق في الحیاة ” أما القسم الثاني ” لكل فرد الحق في الحریة وسلامة شخصه ” وعلیه اعتبرت المادة الثالثة ” جوھر الإعلان ” . بعد موافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي على تقدیم مشروع نص الإعلان للجمعیة العامة للأمم المتحدة وقبل التصویت النھائي خضع النص لمناقشات حادة ، خاصة فیما یخص المادة الثالثة ، ومن بین التعدیلات المقترحة وقتھا ھو إلغاء عقوبة الإعدام في زمن السلم ، حیث أعرب بعض ممثلي الوفود عن مخاوفھم من نص المادة الثالثة ممثلین من الإتحاد السوفیاتي ، ومن دول اشتراكیة ، موافقتان على نص المادة الثالثة على النحو المقترح من لجنة حقوق الإنسان (5) وقد اقترح الإتحاد السوفیاتي نص جدیدا یستعاض به عن المادة المتعلقة بالحق في الحیاة ، یضم التزامات تقع على عائق الدول ، وھو یتمثل في التزام الدول بحمایة الأفراد من الجوع ، وقد دعمت كل من أوكرانیا وبیلا روسیا ھذا الاقتراح كما وافقت علیه كل من یوغسلافیا، ھایتي ، الجمھوریة الدومنیكیة وبلجیكا . لكن ما یھمنا ھنا في اقتراح الإتحاد السوفیاتي وبالتحدید ما تضمنته الجملة الرابعة من ھذا الاقتراح :

“یجب أن تلغى عقوبة الإعدام في زمن السلم ” ، حیث اعتبر غیر ملائم وسابق لأوانه ، أما المملكة المتحدة فقد تدخلت قائلة أن إدراج مثل ھذا النص سیجعل الموافقة على الإعلان من طرف بعض الدول أمرا صعبا أما ھو لندا فبالرغم من أنھا ضد الإبقاء على عقوبة الإعدام لكنھا صرحت بعدم إمكانیة إدراج نص كھذا ضمن محتوى الإعلان ، كما أشارت “لیونور روزفلت” إلى أن اللجنة الثالثة لیست مشرع للقانون الجنائي وبالتالي فالإعلان لیس ھو السبیل لإیجاد حل لمشكلة عقوبة الإعدام . في ظل كل ھذه الاقتراحات ، تم تقدیم اقتراح آخر من قبل المناضلین لإدراج إلغاء عقوبة الإعدام في نص الإعلان ، اقترحوا إدراجھ ضمن المواد المتعلقة بالمعاملة اللاانسانیة والمھنیة . بعد التصویت تم رفض الاقتراح السوفیاتي ب 21 صوت ضد 18 ممتنعین و 9 موافقین ، أما عبارة ” الحق في الحیاة ” فقد تمت المصادقة علیھا ب 49 صوت دون وجود أي صوت ضدھا مع امتناع اثنین فقط ، أما عبارة ” الحریة وسلامة شخصه ” فقد تم تبنیھا ب 47 صوت وامتناع 4 أصوات . حیث عرض رئیس اللجنة المادة ككل للتصویت ، حینھا تدخل الممثل السوفیاتي قائلا أن وفده لیس لدیه أي اعتراض على أي طرف لكنه رأى أن المادة غیر مكتملة وھذا بسبب عدم إدراج ضمانات الحق في الحیاة بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام . وأضاف قائلا أن الإتحاد السوفیاتي سیمتنع عن التصویت على ھذه المادة ، كما امتنعت كل من ، شیلي ، المكسیك ، بنما ، ھایتي عن التصویت بعد تقدیم مبرراتھم والتي لم تكن لھا علاقة بمسألة عقوبة الإعدام.

إغلاق